صفحات العالم

النظام السوري أمام إستحقاقات الإصلاح أم التغيير !؟

 


جميل حنا

رياح الثورة هبت من المغرب العربي وتحديدا من تونس فأسقطت أولا الديكتاتور زين العابدين. وأتجهت نحو الشرق إلى أرض الكنانة مصر, وأسقطت ثانيا الديكتاتور مبارك رئيس أكبر دولة عربية في ساحة التحرير.والثورة مشتعلة في ليبيا ضد الطاغية معمر القذافي الذي أستخدم كل أنواع الأسلحة من قصف جوي وبالصواريخ والمدافع والدبابات ضد شعبه.مما أستدعى الوضع المأساوي لتدخل دولي للحد من إرتكاب مزيد من الجرائم بحق المواطنين العزل.فرياح الثورة تجتاح كل المنطقة تنتقل من الدول العربية في القارة الأفريقية إلى الدول العربية في القارة الأسيوية لا تستطيع حدود جغرافية طبيعية وتضاريسها ولا حدود مصطنعة أن تكون عائقا أمام تقدمها. ولم تستطع كل الأجهزة الأمنية العسكرية والمدنية المدججة بالسلاح أن تقف عائقا أمام أندلاع الثورات والمظاهرات الإحتجاجية في السعودية والأردن والخليج وخاصة في البحرين واليمن. حيث يستخدم الديكتاتورعلي عبد الله صالح السلاح الحي ضد المواطنين الذين يطالبون برحيله من على رأس السلطة في البلاد.ورياح الثورة يهب على الربوع السورية من بوابتها الجنوبية درعا تطالب بالإصلاح إلاأن الأجهزة الأمنية قمعت المتظاهرين بالسلاح. وسقط عددا من الشهداء وأعتقل عدد غير معروف حتى الآن من المواطنين. رياح الثورات في العديد من البلدان العربية أحدث تصدع في حاجز الخوف هنا وهناك. وهذا التصدع سينهار كليا مع مرور الزمن حيث وقفت الجماهير بصمت أمام هذا الجدارعلى مدى العقود الطويلة تتحمل الاضطهاد وعذاب السجون والحرمان والملاحقة والظلم والإهانة.

خرجت أعداد غفيرة من أبناء الشعب السوري في بعض المدن السورية بمظاهرات سلمية تطالب النظام بإجراء إصلاحات جدية. وأن موقف غالبية الجماهير والكثير من مؤسسات المجتمع المدني وقوى سياسية وطنية لا تسعى إلا لإجراء إصلاحات حقيقية وبدون مماطلة.هذه القوى تنطلق بمواقفها هذه من حرصها على سلامة الأوضاع في الوطن.وهذا الموقف السليم يتطلب وقفة مماثلة من النظام والأقدام على إجراء إصلاحات سياسية وأقتصادية كبيرة. يحقق تقسيما عادلا للثروة الوطنية على أبناء الشعب السوري ومشاركة سياسية حقيقية لكل القوى الوطنية في إدارة الوطن عبر إنتخابات ديمقراطية حرة.إن الإستجابة لمطالب الجماهير المتظاهره سلميا هي ضرورة وطنية, يجنب الجميع خسائر جسيمة, وأولها التصدع في الوحدة الإجتماعية. التي ستكون مخاطرها كبيرة على الوطن ونتائجها وخيمة, لا يرغب بها المخلصين لوطنهم.إن الصمت وعدم الإصغاء إلى مطالب الجماهير, والاستهتار بكل القوى الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني من قبل النظام. يدفع بالأمور نحو الإنزلاق إلى منعطفات خطيرة وأليمة على الجميع ويكون الخاسر الأكبر فيها الشعب والوطن.

أن حق التظاهر السلمي كفله الدستور ولذا يجب التعامل حضاريا معه وعدم إستخدام العنف و السلاح وقتل بعض المشاركين في هذه المظاهرات الإحتجاجية المشروعة ضد الفساد السياسي والإداري والأقتصادي .وضد ممارسات الأجهزة الأمنية والكف عن ملاحقة الناس بسبب أرائهم السياسية.تعديلات جذرية في الحياة السياسية أصبح مطلبا شعبيا لأن الجماهير تريد أن تمارس حقها الدستوري في إطار نظام ديمقراطي مدني يراعي مصالح الجميع ويحقق العدالة والمساواة بدون تمييز عل أساس حزبي عقائدي وديني وقومي.والكف عن إتهام المواطنين بالعمالة للدول الأجنبية وإسرائيل الذين يريدون تحسين أوضاعهم المعيشية, وينتقدون الأوضاع السياسية الخاطئة والممارسات اللاقانونية من قبل الأجهزة,لأن هذه إهانة للأنظمة قبل أن يكون للمواطنين الشرفاء.وإن الاستمرار في الصمت من قبل الحكام عن مطالب الجماهير يعني الاستمرار في النهج القديم الذي لم تعد الجماهير تتحمل أعباءه الثقيلة والمهينة لكرامة الانسان. .وان الاستمرار بأساليب الحكم الاستبدادية وحرمان الشعوب من الحرية والديمقراطية وحقوقها المدنية والسياسية والأقتصادية والإجتماعية, تدفع بالجماهير لبذل كل ما يملكونه بالوسائل السلمية لتغييرالنظام والتخلص منه.وهذا يدفع بالطغاة أستخدام القوة المفرطة وسحق تحركات الجماهير بكافة أنواع الأسلحة كما يحصل في ليبيا وغيرها.كلمتان تنقض على مضاجع الطغاة في البلدان العربية منذ إندلاع الثورة التونسية الإصلاحات والتغيير, كلمتان تهزعروش السلاطين.وكل جبروت الطغاة لاتستطيع مسح هاتين الكلمتين من المعاجم والقوامس. ولا تستطيع إلغائها من بين جملة الشعارات المرفوعة في أيدي الأحرار.كلمتان تمتزجان بدم الشهداء وبإرادة الصمود من أجل الحرية.

الأنظمة في البلدان العربية أنفقت مبالغ طائلة على الأجهزة الأمنية التي مارست القمع وأرهبت الناس وأهانت كراماتهم.هذه الأموال التي أنفقت على هذه الأجهزة كانت كافية بأن تنشأ مشاريع أقتصادية ضخمة تقلل من جيوش العاطلين عن العمل وترفع من مستوى نمط الحياة المعاشية للناس ومستوى التعليم والثقافة.أن أسباب الثورات في جميع البدان تنطلق من أرضية مشتركة واحدة مطاليب الجماهير السياسية والأخر تتعلق بأوضاع الجماهير المعيشية.

الشعوب في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج تسجل صفحة ثورية جديدية ليكون بداية تاريخ جديد في حياة الشعوب في هذه المنطقة. بداية التغيير الجذري لهذه الأنظمة التي لم تستجب إلى مطاليب الشعوب في إجراء إصلاحات فعلية, تساهم في تحسين الأوضاع الأقتصادية للناس وتوفر أجواء الحرية والحياة الديمقراطية وأحترام حرية الرأي .أن أسباب الثورات في جميع البدان تنطلق من أرضية مشتركة واحدة مطاليب الجماهير السياسية والأخر تتعلق بأوضاع الجماهير المعيشية. وأن الأسباب المؤدية إلى إنطلاق الثورات في هذه البلدان هو واحد السبب الرئيسي هو مطلب الجماهير في كل مكان هو الحرية بمفهومه الواسع هوضد طبيعة الأنظمة الاستبدادية .إنفجار الثورات هو ضد الظلم والقهر ضد الأنظمة الديكتاتورية وحكم الطغاة وأجهزتها القمعية. وضد الدساتير البالية وضد الفساد ونهب ثروة الوطن, ضد حكم العائلة وضد العقلية الرجعية والعشائرية. هي ثورة الجياع والمحرومين المسحوقة كرامتها من قبل حكامها من قمة هرم السلطة حتى أصغر رجل في الأجهزة الأمنية. ثورة ضد الفساد الإداري والسياسي والإقتصادي والإجتماعي, ثورة ضد قمع الرأي الحر, ثورة ضد التمييز العنصري في بلدان متعددة الإثنيات العرقية والدينية, ثورة ضد نهب ثروات الوطن لصالح العائلة الحاكمة والمقربين منها, ثورة من أجل كرامة الإنسان وحريته, من أجل المساواة والعدالة الأجتماعية.

سجل تاريخ الشعوب حافل بالثوراة ضد الاستعمار والأنظمة القمعية والديكتاتورية في مختلف قارات العالم . وكانت ثورات التحرر من الاستعمار المباشر في البلدان العربية والتخلص من الجيوش المحتلة لهذه الدول حصل على الأغلب في الاربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي.وكانت معظم هذه الدول تتبنى الفكر القومي العربي بصبغة إشتراكية بدأت بتأميم القطاع الأقتصادي بدأ من الجزائرومصروليبيا واليمن الجنوبي والعراق وسوريا وبدأ صعود ثقل الدويلات الخليخية بسبب توفر الكميات الهائلة من النفط والغاز.الشعوب في الكثير من بلدان العالم خلال نصف قرن من الزمن حققت تقدم هائل في مجال التطور الاقتصادي والتقدم العلمي وزيادة في رفاهية حياة الناس وأرتفاع نسبة التعليم فيها من درجات متدنية إلى مستويات عالية.أن الدول العربية بالرغم من توفركميات كبيرة من الخامات الطبيعية وفي مقدمتها البترول والغاز الطبيعي والثروة الحيوانية والزراعية والطاقة البشرية الكبيرة, لم تستطع تحقيق تقدم مميزعلى الساحة الدولية.بل على العكس هناك مشاكل إجتماعية وأقتصادية وتدني مستوى التعليم ونسبة كبيرة من الأمية في بعض البلدان العربية وهناك جيش عاطل عن العمل ونسبة كبيرة من الفقراء والوضع الصحي يعاني الكثير من النواقص الجدية,والكثير من المجتمعات تعاني من مشاكل التعصب الديني والنعرة الطائفية والمذهبية بين مختلف الفئات داخل البلد الواحد.

كافة الأنظمة في الدول العربية لم تستطع تقديم حلول منطقية لمشاكل وهموم المواطن على مدى نصف قرن من الزمن.أن الغالبية الساحقة من الأنظمة في الدول العربية أستولت على السلطة في البلد بواسطة الأنقلابات العسكرية وحافظت على سلطتها بقوة السلاح والأجهزة الأمنية والأستيلاء على خيرات الوطن لتكون ملكا شخصيا للعائلة الحاكمة والمقربين والمدافعين عن الأنظمة . من الناحية القانونية هذه الأنظمة لا تملك أي شرعية دستورية في الحكم لأنها لم تصل إلى قيادة البلد عن طريق الإنتخابات الديمقراطية والحرة ولا في ظل التعددية الحزبية الحقيقية التي توفر الفرص المتكافئة للجميع و تفرض سلطة الحزب القائد الأوحد للدولة بواسطة دستور عنصري يقسم الوطن إلى فئات ونخب من الطراز العالي والأخر أقل مكانة ومشكوك في وطنيتها وأخلاصها للوطن وغير مؤهلة حسب أعتقادهم إلى قيادة البلد. في ظل هذه الأنظمة التي حكمت على مدى هذه العقود بهذه العقلية المنافية لمنطق الأمور والمنافية للقيم والأعراف الإنسانية والقوانين الدولية المتطورة قاد هؤلاء الحكام دولهم وشعوبهم إلى الفشل الذريع وإلى تأجيج الصراعات القومية والدينية والمذهبية والسياسية وأضطرابات إجتماعية أدة إلى أخذ منحى خطير على كيان بعض الدول بسبب عدم إيجاد الحلول المناسبة لهذه القضايا الهامة بالطرق الديمقراطية .

الثورات التي تشهدها الدول العربية إذا هي نتاج تراكمات العقود الطويلة من الممارسات الظالمة والاستبدادية والسياسات الخاطئة ألتي أنتهجتها هذه الأنظمة الطاغية ضد شعوبها.ثورة شباب تونس دشنت عهد الثورات الشعبية في المنطقة وأنها أطاحت حتى الأن بدكتاتورية علي زين العابدين وحسني مبارك وهناك ثورات مشتعلة في العديد من الدول العربية ليبيا الذي يقوم سفاحها بقصف مواطنية بالطائرات والصواريخ والمدافع وبكل أنواع الأسلحة للقضاء على ثورة الشعب الليبي المحقة وفي اليمن الذي يستخدم الغازات والرصاص وقتل المتظاهرين وفي الجزائر والمغرب والسعودية والبحرين والأردن وفي سوريا مظاهرات تستخدم القوى الأمنية الرصاص الحي سقط فيها شهداء وحملة من الأعتقالات تشمل العديد من المواطنين.تحركات جماهيرية تندد بهذه الأنظمة وتطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية.

الشعوب تخرج إلى الساحات والشوارع لإسماع صوتها ومطالبها سلميا للحكام, ولكن سرعان ما تحول أنظمة الطغاة المظاهرات السلمية إلى ساحة معركة غير متكافئة بين المتظاهرين سلميا.الذين يرفعون جملة من الشعارات السياسية والمطلبية لإصلاح وتحسين أوضاع الناس وتأمين العمل والأفراج عن سجناء الرأي وبين رجال الأمن المدججين بالسلاح, يطلقون الذخائر الحية على المتظاهرين ويسقط الشهداء من أجل الحرية.الذهاب إلى ساحات التحرير والحرية وشواع المدن وأزقتها, ومواجهة السلاح بالصدور ليست كمن يذهب بنزهة إلى الربوع الخلابة في الوطن على ساحل البحر إو على سفح جبل ووديانه ومنحدراته الخضراء أو إلى حديقة عامة أو إلى مرج زاهي بالورود.ساحات الصمود وشوارع المدن تسفك فيها الدماء ويسقط الشهداء, واللون الأحمر والشهادة يصبح رمزالفداء من أجل الوطن والصمود في مواجهة الطغاة تتحول إلى مسألة حياة أوموت, وإرادة الحياة لدى الأحرار تنتصر على الظلم

الحكام في الدول العربية بعيدين كل البعد عن نبض الجماهير وعن معاناتهم ولا تهمهم مصلحة الوطن والناس إلا بقدر ما يدر لهم هذا الوطن والشعب من أموال وسلطة سياسية. وإلا لكانوا أجروا إصلاحات فورية وجذرية تخدم السلم الأهلي وتجنب الوطن من مأس كبيرة وتمزيق الوحدة الوطنية.أن الجماهير لا تسعى إلى السلطة, كل هدفها هو تحقيق مطالبها المشروعة في الحياة الكريمة.

عندما أندلعت شرارة ثورة تونس كانت تصاريح الحكام في البلدان العربية بأن الوطن الذي يحكمونه ليس كتونس وبعدها ليس كمصر. والأن الثورات في بلدانهم سقطت كل رهناتهم وأدعاءاتهم بأنهم قادرين على أخماد صوت الجماهير الغاضبة.النصر حليف الشعوب مهما طال الزمن هذا هوما علمنا التاريخ

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى