بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

النظام السوري وإلغاء حالة الطوارئ

 


بدرالدين حسن قربي

للتاريخ نقول بأن الشعب السوري بثورته وبنزوله إلى الشارع بكل ملله وفئاته وأعراقه هو الذي أسقط إعلان حالة الطوارئ التي كادت تكمل نصف قرن، وهي فترة أكبر من عمر بشار الأسد نفسه حيث ولد وعاش وورث الرئاسة عن أبيه، ومازال وسورية وشعبها يعيشون حالة الطوارئ. وللأمانة نقول بأن الرئيس نفسه لم يكن متضايقاً منها البتة لضرورتها بحجة الحرب المستمرة مع إسرائيل، ومعه أيضاً حلفاؤه من حزب الله وحماس وبعض الرموز الإسلامية والقومية ممن تربطهم به علاقة متميزة دعماً وتحالفاً ومساندة ومؤازرة باعتبارهم له النظام العربي الوحيد المتبقي الملتحف بالمقاومة والممانعة والذي يواجه المؤامرات الصيهو أمريكية. ولئن لم يكن يعني الجميع منهم مايعانيه المواطن السوري في كبت حرياته وهضم حقوقه المدنية والإنسانية وتجويعه وسرقة لقمة عيشه على مدى عشرات السنين، ولايزعجهم باعتبارهم له شأناً داخلياً لايريدون المسّ به خشية أن تتعطل المقاومة أو تتأثر، أو تتوقف معركة التحرير، بل كان ضيقهم منصبّاً على بعض قمعٍ يواجهه بعضهم في بلده، مما لايشكل في الحقيقة شيئاً أمام معاناة المواطن السوري المدعوس.

وللمرة الأولى في تاريخ مجالس الشعب جاء اقتراح أحد الأعضاء في 23 شباط/فبراير الماضي للنظر بإلغاء حالة الطوارئ ولو جزئياً، فرفضوه بالإجماع وحجتهم استمرار حالة الحرب مع العدو الصهيوني. ثم وبعد أقل من شهرين، أكثر من نصفها هو بعض عمر ثورة الحرية والكرامة، يقر مجلس الوزراء مشروع قرار بتعليق قانون الطواريء، وإنما حتى قبل أن يوقّعه رئيس الجمهورية، وقبل أن يصدر بالجريدة الرسمية ليكون ساري المفعول، ولئلا يفرح مواطننا، فقد سبّق علينا وزير الداخلية العتيد ورقعنا بقراراته السارية المفعول والفورية بتنظيم التظاهرات وتوابعها مما يعني في الحقيقة منعها كاملاً، ومع هذا فقد خرج علينا شبيحة الإعلام وغيرهم ممن كانوا نايمين بالعسل بالحديث عن التعليق وبركاته والإصلاح وآياته، متناسين جميعاً المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1969 بعدم جواز ملاحقة أي من العاملين في إدارت أمن الدولة عن الجرائم التي يرتكبونها أثناء تنفيذ المهمات المحددة الموكلة إليهم إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن مدير الإدارة، والمرسوم التشريعي رقم 69 لعام 2008 ، الذي ضمّ عناصر الشرطة والجمارك إلى المشمولين بالمرسوم السابق. وهما في الحقيقة مرسومان أشد خطراً في فعلهما من إعمال قانون الطوارئ لأنهما يحصّنان جميع أجهزة الأمن والمخابرات والشرطة والجمارك عن المساءلة القانونية مهما عملوا ومهما ارتكبوا من جرائم. وعليه، فيمتنع على أي مواطن المطالبة أو الإدعاء على أي كان منهم، مقابل جرائم قتل مارستها وتمارسها قوات الأمن في درعا واللاذقية وحمص وبانياس وفي كل أنحاء سورية سابقاً ولاحقاً وحتى مع وجود التهور كما أشار الرئيس السوري نفسه إلى ذلك، وإنما للأمانة فإن النظام بحرصه على مواطنيه أحياءً وأمواتاً، لايقبل أن يحمل إثم قتلهم، بل يعتبرهم شهداء، ويدفع لكل منهم مبلغاً من المال يعادل ستة آلاف دولار.

إن تعليق حالة الطوارئ كان لإسكات الثائرين، ولامعنى له أمام بقاء المرسومين السابقين في إباحة واستباحة دمهم، وإن قرارات وزير الداخلية الجديدة التي وضعت، كان غايتها منع تحرك الثائرين. وعليه، فإن حياتنا حتى إشعار آخر يراد لها الاستمرار في شبيه قانون الطوارئ تأكيداً لقاعدة النظام الذهبية برفض الإصلاح تحت الضغط الشعبي علماً أن الشعب انتظره عشرات السنين ولم يصلح من تلقاء نفسه تأكيداً على قاعدته الماسية بعدم الإصلاح.

إن حجة النظام باستمرار حالة الطوارئ كانت على الدوام هي استمرار حالة الحرب مع العدو الصهيوني، وأكد مجلس الشعب ذلك قبل أقل من شهرين بتعليل رفضه إلغاءها ولو جزئياً بإجماع الأعضاء. فهل توقفت حالة الحرب حتى مضى النظام إلى تعليق حالة الطوارئ أم أنها كانت حجة لاستمرار القمع والقهر وقيام دولة الاستبداد والفساد…!؟ نظرياً، إن حالة العداء قائمة مالم يكن هناك سلام مثبت على الورق، وأما الحقيقةً، فإنه لا أحد أطلق طلقة واحدة باتجاه العدو الإسرائيلي منذ قرابة أربعين عاماً، ولئن ذكّرنا أحد بمقولة بشار الأسد بأن المقاومة السياسية هي أحد أشكال المقاومة، وقد تكون أقواها، فإننا نتمنى أن لو تعامل النظام مع مواطنيه بهذه المقاومة طالما عنده مثل هذا الفهم، ولم يطلق الرصاص الحي عليهم من الساعة الأولى لتظاهرهم وليوقع فيهم حتى تاريخة مئات القتلى والجرحى ولسان حاله إما أن أحكمكم أو أقتلكم أو أدعسكم رؤوساً وظهوراً بالبساطير، وأدوس وجوهكم بالأحذية وأمرّغ أنوفكم بالتراب. إن المطالبة الشعبية بتعليق حالة الطوارئ كانت دعوة صادقة للعودة بسورية إلى أن تكون دولة مدنية ديمقراطية، تصان فيها حريات المواطن الإنسانية وتحفظ فيها كرامته، ويحاسب فيها لصوص المال العام ومصاصو دماء الفقراء وآكلو لقمة عيشهم، وأما الالتفاف عليها لبقاء الحال على ماهو عليه، فهذا تأكيد على صوابية قرار شعبي لثوّار الحرية والكرامة: الشعب يريد إسقاط النظام.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى