صفحات سوريةوهيب أيوب

النظام السوري والداءُ المُستحكَم


وهيب أيوب

قد يكون من الخطأ توصيف الحالة في سوريا على أنّها صراع سياسي بين نظام حاكم ومعارضة تطالب بالتغيير؛ فالنظام السوري، بات كالضرس الذي نخره السوس وأُهمِل علاجه لزمنٍ طويل وتعفّن، وأصبح من المتعذّر إصلاحه، فوجب اقتلاعه من جذوره، فما عاد للجسد إمكانية تحمّله والتعايش مع آلامه الدائمة والمُبرّحة.

لقد تبيّن من خلال العشرة أشهر المنصرمة، أن الصراع في سوريا يكاد يكون صراع وجود، مع سلطة وصلت في توحّشها وتغوّلها في القتل والتعذيب إلى حدٍّ عدائي لا يرقى إليه الغزاة والمحتلّون. ولا شك أن ذلك حفر أخدوداً عميقاً في وجدان الشعب السوري وجرحاً أليماً أصاب لُبّ كرامته وعنفوانه في الصميم، سوف لن يندمل لمجرد إسقاط النظام سياسياً.

 وما قد نرجوه ليس بالضرورة أن يكون واقعاً؛ فالأحداث في سوريا والأفعال الشنيعة التي ارتكبها النظام وأمنه وجيشه وشبّيحته، لا توحي على الإطلاق أن هذه الفئة الحاكمة بجميع مكوناتها تنتمي إلى هذا الشعب، أو أنها حتى تعترف بوجوده. وسيكون تجاوز الأحقاد والتغلّب عليها من قِبل الثوار، أحد أهم معجزات الثورة السورية.

منذ انطلاق الاحتجاجات في 15 آذار من العام المنصرم، لم استطِع تلمّس سلوك واحد من هذا النظام يوحي بالعقلانية أو الاتصال بالواقع! هذا النظام المُشبع بذهنية استبدادية وغطرسة متوحّشة، قلَّ نظيرها في عالمنا المعاصر. إنها مزيج من همجية العصور الوسطى وفاشية بدايات ومنتصف القرن العشرين.

لهذا، فإن المحللين الدوليين يصفون رأس النظام السوري بشار الأسد بعد إلقائه كل خطاب، بأنه مفصول عن الواقع ومصاب بالشيزوفرينيا. والحقيقة، أنّه لا يمكن فهم رئيس جمهورية يعيش نظامه أخطر وأحلك أيامه، والدماء تسيل يومياً في الشوارع السورية، وهو يقوم بتوزيع الابتسامات والضحك والقهقهة، إلا في هذا الإطار الذي تمّ وصفه به.

النظام السوري، ومنذ عقود، يعمل على حد وصف هيثم المالح، بالأوامر والبلاغات والتعليمات، بعد أن دمّر مؤسسات الدولة وشلّ عملها تماماً، وتفرّد رأس النظام بإدارة الدولة بالطريقة التي ذكرناها. فهذه التركيبة التي أسّسها حافظ الأسد وبناها لبنة لبنة خلال ثلاثة عقود، بُنيَت أساساً على مبدأ التبعية والطاعة والولاء والخضوع، وليس على أساس المشاركة! من هنا نفهم مزايدة أعضاء ما يُسمى أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية على حزب البعث نفسه في تعبيرهم عن ولائهم وطاعتهم للقائد الرمز الضرورة،  الذي لا بديل له.

يقول عبد الحليم خدام، المنشق عن النظام السوري، إن أحد أهم أركان النظام في حينه ومن عظام الرقبة، كما يُقال، علي حيدر، وأثناء جلسة غداء، أعرب عن امتعاضه في مسألة توريث باسل الأسد عندما كان والده يعدّه للرئاسة، فجاء إليه رجال الأمن في صباح اليوم التالي، واعتُقلوه لمدة ثلاثة أشهر. وعندما خرج من السجن، لم يجرؤ أحد على زيارته في بيته، بمن فيهم خدام نفسه.

 لن تُشبِه نهايات الثورة في سوريا أياً من الذي سبقها؛ لأن النظام هنا ذهب إلى آخر الشوط وآخر العنف وآخر الحقد وآخر القتل والدموية والانتهاك والتعذيب، ولم يترك له جسراً ممكن العودة منه، ولا جسراً يأتيه منه الآخرون، فبات الصراع مستحكماً، “يا قاتل أو مقتول”.

في عُرف هكذا أنظمة، ينال كُل تابع ومؤيّد ومُطيع لقاء طاعته من عطايا ومكرمات القائد والنظام، وأما الرافض والمعارض والمتمرد، فينال لقاء تمرّده الجزاء القاسي والعقاب الرادع من كل صنفٍ ولون. وتلك نظرية معروفة في علم النفس الاجتماعي، وقد جُرِّبت على بعض الحيوانات كالطيور الكاسرة المستخدمة في الصيد، وعلى الكلاب؛ بحيث تُدرّب الأخيرة على الثواب أو العقاب. ففي حال تأدية مهمتها تُكافأ بقطعة لحم، وعند فشلها تُعاقَب بالضرب والحرمان.

النظام السوري ورئيسه ما زالا يعتنقا تلك النظرية ويقومان بتطبيقها على الشعب السوري، وفي ظنهم أنهم قادرون على إخضاعه وإعادته إلى بيت الطاعة، مُتجاهلين مسألة أساسية، أن الزمن قد تغيّر.

أعود للقول، إن هذا النوع من الأنظمة لا يتعظ ولا يرعوي ولا يتراجع؛ وهو يمتلك قدراً من العنجهية والغرور، ما يجعله يقوم بأقصى وأبشع أنواع العنف وأغبى السلوكيات والتصرفات المُستهجنة والمُستغربة. مع ذلك، فهو يُصرّ على أنه سيحقق الانتصار على أعدائه جميعاً، حتى ولو كانوا العالم بأسره! هذا ما أنبأنا به بشار الأسد في “خطبته العصماء” الأخيرة. فصديقه القذافي، دخل أنابيب مجاري الصرف، وما فتِئ يصيح: إلى الأمام، إلى الأمام …….

الجولان السوري المحتل

مجدل شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى