بدرالدين حسن قربيصفحات سورية

النظام السوري ومسيراته المليونية

 


بدرالدين حسن قربي

أطلقت السلطة السورية مسيراتها المسيّرة والمأمورة يوم الثلاثاء الماضي في عموم المدن السورية باستثناء درعا واللاذقية بسبب تأجيلها إلى موعد لاحق حسب (قول السلطة) لعدم إثارة مشاعر ذوي الشهداء الذين سقطوا خلال أحداث الأسبوعين الأخيرين بفعل المندسين المأجورين (حسب قول السلطة)، ووسط مسيراتِ ( وفاءً للوطن) أعلنت الحكومة السورية استقالتها. وعليه، فإن حشد المسيرات أمر يمكن فهمه بل ونعرفه، ولكن استقالة الحكومة وسطها أمر غير مفهوم لأن الأمر بمجمله لاعلاقة له بها.

الأمر اللافت والذي يطرح التساؤل الدائم: أن نظاماً له كل هالأنصار والمؤيدين بين لافف وملفوف ممن ظهر في هذه المسيرات الاستعراضية وفاءً للوطن كما زعموا وتأكيداً على اللف والالتفاف حول القيادة السياسية وقائدها، لماذا تخيفه تظاهرة معارضة هنا عددها بالآحاد والعشرات شعارها: سلمية سلمية، والكل بدو حرية، والشعب السوري مابينذل، أو مسيرة هناك عددها بالمئات نداؤها: الله، وسورية، وحرية وبس، بالروح بالدم نفديك ياسورية، أو ترعبه في وسط سيدي عامود (الحريقة) عددها فرد واحد صامت يرفع بيده يافطة صغيرة كتب عليها: طفح الكيل يابشار، أنقذنا من العصابة..!!

من المعلوم أن مسيرات العشرات والمئات حسب توصيف السلطة لها، قد أجهزت على المئات منها بين قتيل وجريح قوات الحرس الجمهوري وأجهزة الأمن والشبيحة، رغم أن قرار الرئيس بشار كان واضحاً بعدم ضرب المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي عليهم حسب كلام السيدة شعبان، أما تظاهرة الرجل الواحد، فمن بعد التأكد من كل الجهات المختصة في أمن الوطن والمواطنين وأمانهم أن كل مافعله كان عملاً فردياً بحتاً، وأنه لم يُعرف عنه انتماؤه لأي حزب مرخص أو غير مرخص أو تيار مسموح أو ممنوع أو أن له اهتمامات سياسية سابقة، فقد بقي في ضيافة الجهات الأمنية ثلاثة أيام سوياً انتقل فيها من الأمن السياسي إلى الأمن الجنائي فسجن عدرا، ليُطلق سراحه بعد مثوله أمام القضاء العسكري بتهمة كتابة عبارة تُخل بالأمن العام.

إنه بعد ثلاثين عاماً من حكم الأسد الأب، وتسلم ابنه من بعده مقاليد الحكم عام 2000 كأول رئيس يرث والده في حكم جمهورية عربية، اتسمت كلها بالقمع والقهر، وهدر الأموال الطائلة من أموال الوطن، لتنشئة المواطن السوري على أن الوطن هو الريّس وليس غيره، وأن من يُفدى وترخص له الأرواح والدماء هو الريّس باعتباره الوطن على طريقة الأنظمة الشمولية المنقرضة التي تشخصن الوطن بأكبر قامعيه وفاسديه، بل وإن الجماهير من غيره لاتساوي شيئاً، ولولاه لكانوا شعباً من الرعاع والهمل، ونشروا من أجل ذلك النصب والتماثيل في كافة أنحاء المدن السورية وعلى مداخلها ومخارجها وخصصت لها ميزانيات وحراسات دائمة ليلاً نهاراً لإشعار الناس على الدوام أن عيون الأسد عليهم، تراقبهم وترعاهم بل وتحكمهم. وعليه، فإن خروج تظاهرة معارضة ولو كانت فرداً واحداً ترعب النظام الأمني، لأن هذا الواحد وإن لم يتكلم، وإن اكتفى بحمل يافطة، فقد يكون ممن تقمصته روح الشاب التونسي محمد بوعزيزي مُرحّل الرئيس بن علي إلى جدة. وإن خروج تظاهرة بالعشرات تكسر شعارات التعبيد والاستعباد وشخصنة الوطن ونداؤها بالروح بالدم نفديك ياسورية، بعد أن كان يابشار، وشعارها: الله، سورية، حرية وبس، بعد أن كان (وبشار وبس)، وشعارات غيرها تعني بمجملها رفض الذل والمهانة التي تمارس على مواطننا السوري، وتعني أن جدار الرعب تصدّع، وتثبت للنظام على قليل عديدها فشله رغم عشرات السنين عملاً في تغييب الناس عن وعيها وإنسانيتها وحريتها، فترجفه رعباً أن شعباً أفاق من رقدة العدم.

خمسون عاماً يُحكم فيها الناس بقوانين طوارئية ومحاكم أمنية وعسكرية في جمهورية الخوف، ورئيسها المؤسس ومن بعده الوريث ينتخب ويجدد له بنسبة 99%، أكثر من أربعين عاماً منها مضت ووعود الإصلاح معادة ومكرورة، وإنما عقيمة، لا تنفع فيها مسيرات مليونية مسيّرة، ولا انتخابات وتجديدات مزوّرة، وما عليها إلا الرحيل كما الذين من قبلها في تونس ومصر وليبيا، وقد قال أحرار الشام وحرائرها: الشعب يريد إسقاط النظام. وهم يطمعون أن يكون رحيلاً كابن علي أو تنحياً كما فعلها مبارك، ويتمنّون ألا يكون تناحة لأن عاقبتها وخيمة، وماأمر القذافي والقذاذفة عنّا ببعيد.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى