صفحات العالم

النظام السوري يحاول توريط الشعب بحرب أهلية.

 


اينياس لو فيرييه

ترجمة هديل مرعي

لا يزال هناك متسع من الوقت، وعلى الرأي العام الدولي أن يفتح عينيه على الوضع في سوريا. فما يتم التحضير له، في الصمت و بعيدا عن الأعين، هو في غاية الخطورة. إن الأمر، من دون زيادة ولا نقصان، يرتبط بكون النظام، الذي لم يعد يملك الكثير من الموارد السياسية والذي لا يتقن إلا لغة القوة، يحاول أن يدفع السوريين إلى الهاوية. فهو يخيرهم بين أن يتخلوا عن حلمهم بالحرية، وبين اللجوء إلى العنف. وهو الأمر الذي سيمكنه من تشويه المطلب الديمقراطي لشباب سوريا و يظهره للعالم على انه انتفاضة طائفية. وسيلجأ هذا النظام إلى الاستخدام المتزايد للعنف بحق المتظاهرين بمقدار زيادة خوفه، و سيبرر ذلك بحماية اللحمة الوطنية.

منذ البداية في 18 آذار مع الانتفاضة في درعا جنوب سوريا، رفض النظام  أي حوار رغم محدودية المطالب في ذلك الوقت. لقد طالب الناس في البداية في درعا بإطلاق سراح 20 طفلا سجنوا لمجرد أنهم كتبوا على الحيطان (الشعب يريد إسقاط النظام) نتيجة تأثرهم بالموجه التي اجتاحت العالم العربي. وثم كانت هناك مطالب إلغاء حالة الطوارئ التي تسمح لأجهزة الأمن بارتكاب الكثير من الموبقات، إضافة إلى إطلاق سراح سجناء الرأي وإعطاء السوريين حرياتهم الفردية والعامة، تلك الحريات التي سلبت منهم باسم النضال ضد إسرائيل.

عندما وصلت حركة الاحتجاجات والغضب إلى اللاذقية في الخامس و العشرين من آذار،  أدرك النظام حجم الكارثة التي تتهدده في عقر داره فسارع إلى إرسال قوات من الجيش و الأمن واستخدم ذات وسائل القمع ضد المتظاهرين العزل. لكنه في مواجهة إصرار المتظاهرين  على الطابع والسلمي والوطني واللاطائفي لتحركهم، استخدم أسلوبين آخرين يلبيان أهداف مختلفة:

– تم نشر القناصة على الأسطح بهدف نشر الرعب في المدينة. المتظاهرين كانوا مصعوقين لكون كل الضحايا أصيبوا بطلقات في الرأس أو العنق أو الصدر، مما يؤكد أن الهدف كان القتل عن سابق إصرار وتصميم.

– في ذات الوقت تم إطلاق عصابات الشبيحه في بعض أحياء المدينه، مهمتها استفزاز المتظاهرين من خلال تنظيم مظاهرات مضادة تحتك بالمحتجين وتعتدي عليهم وصولا إلى إطلاق النار عشوائيا عليهم ببنادق رشاشة تتدلى من نوافذ سيارات الدفع الرباعي التي تعربد في شوارع المدينة.

عصابات الشبيحة هذه تشكلت في جبال العلويين خلال السبعينات، وهي مؤلفة من أفراد لا رادع عندهم ولا ضمير، وهم قادرون على فعل كل شيء وارتكاب كل الجرائم بفعل الحصانة التي يؤمنها لهم أرباب عملهم من آل الأسد. وفي فترات معينة استطاعوا أن يرهبوا مدن  الساحل وجبال العلويين، فقد كانوا يمارسون تجارة السلاح والدخان والمخدرات واختطاف الناس في الشوارع و ابتزاز التجار بادعاء حمايتهم وصولا إلى السيطرة على مرافئ سورية سرية. وفي عدة مرات دخول باشتباكات مسلحة ضد عناصر الجمارك والجيش ورجال الأمن، الأمر الذي أدى في بعض الأحيان إلى وقع خسائر في الأرواح.

أكثر هذه العصابات إثارة للرعب، كانت تلك التي تتبع  لمنذر الأسد وفواز الأسد أبناء جميل الأسد  وهو العم المتوفي للرئيس الحالي. هذا بالإضافة إلى تلك التي تتبع محمد الأسد الملقب بشيخ الجبل وذلك بسبب الرعب الذي يخلفه رجاله خلفهم أينما مروا.

في بداية التسعينيات من القرن الماضي تكثفت الحملات ضد هذه العصابات استجابة لشكاوي أهالي جبال العلويين في منطقة مسقط رأس آل الأسد، وكذلك لتذكير القادة الصغار لهذه المافيات إلى من تعود الكلمة الفصل داخل العشيرة. مع وصول بشار السد إلى السلطة، ظهر جيل جديد من الشبيحه على رأسه نمير بديع الأسد، وهو إبن عم بعيد لبشار الاسد.  كذلك ظهر شيخ جبل جديد اسمه هارون. والعناصر التابعة لهؤلاء هي من يرتكب ما نشاهده اليوم من انتهاكات.

إن قرار نظام بشار الأسد بأن ينشر الرعب في اللاذقيه، هذه المدينة الرمز التي هي بمثابة بوابة مدينة القرداحة الواقعة في أعالي الجبال والتي هي مسقط رأس آل الاسد، فإنه بذلك يريد أن يبين للمتظاهرين أنه لن يفعل بمدينة اللاذقية ما فعله بدرعا، ولكنه سيرتكب ما هو أخطر وسيطلق في وجه المتظاهرين السلميين والذين في أغلبهم من السنة كما هو حال بقية سكان سوريا، شبيحة في أغلبهم من الطائفة العلوية. وهو بفعلته هذه يحاول أن يزلق الشباب الثوري إلى مهاوي الطائفية،. في حين أنهم في شعاراتهم ومظاهراتهم  وتصريحاتهم على الأنترنيت، لم يتوقفوا عن التأكيد على رفضهم المطلق للطائفية. أما إذا نجح النظام في جرهم رغما عنهم إلى ميدان الطائفية، فإنهم سيعطونه المبرر الذي يحلم به، ليطلق في مواجهتهم العنان لكل ما يملك من وسائل قمعيه.

هذا السيناريو، الذي يبدو أنه في طور التكرر في حمص،  يضع السوريين في حالة من الاضطراب و الرعب. وهناك اليوم أصوات بدأت تعلو من داخل سوريا للمطالبة بالمساندة والدعم قبل أن يفوت الأوان. وهذه الأصوات التي تشير بوضوح إلى هذا الفخ، تظل خجولة مخافة أن يتهمها النظام على جري عادته بأنها تحرض على الطائفية، في حين أنها لا تفعل شيئا آخر سوى إدانة الطائفية والتحذير منها.

والحقيقة أن السوريين على تعدد مشاربهم وانتماءاتهم الطائفية أوالإثنية، لا يرغبون بتاتا أن يتكرر في بلدهم  الأحداث الممتدة بين العامين 1979 و1982 والتي أدت ليس فقط إلى حمام الدم الذي ذهب ضحيته 30 ألف إنسان في مدينة حماه، ولكن أيضا إلى تقوية وإطالة أمد النظام لمدة تزيد عن الثلاثين عاما بفعل حاجز الخوف.

ويعرف السوريون اليوم، أن الهدف الحقيقي لبشار الأسد ليس إعادة الجولان ولكن تأمين ديمومته في سدة الحكم الذي يتربع عليه منذ العام 2000. وليتحقق له ذلك، فإن الرئيس السوري ليس بحاجة لأن يلتحم الشعب من حول مواقفه القائلة “بالصمود و التصدي”، هذا الشعار الذي أصبح تميمة و صلاة مكروره، بقدر ما هو بحاجة لذرع الرعب في قلوب كل السوريين من بطش مخابراته.

على مدى ثلاثين عاما مضت، كان لدى السوريين متسعا من الوقت للتأمل واستيعاب دروس هذه الأحداث، وهم لا يريدون لها بأي ثمن أن تتكرر من جديد. انهم يطالبون اليوم بالحرية والكرامة للجميع و لكل فرد، من دون تفرقة طائفية أو إثنية. وهذا بحد ذاته لا يناسب نظاما تسيطر عليه عائلة تنحدر من أقلية دينية، وهذه العائلة عملت دائما على توسيع قاعدتها من خلال بث الخوف من الطائفة السنية، والمفهوم في جزء منه، في قلوب الأقليات بمن فيهم الأقلية العلوية. واليوم فإن إمكانية الحرب الأهلية في سوريا ليست مستبعدة بالمطلق، ولكن يجب علينا تكرار القول بأنه في هذه المرحلة ليس المتظاهرون هم من يدفع ويوجه في هذا الإتجاه، بل هو قمع  النظام.

في خطابه أمام مجلس الشعب في 30 آذار، لوح بشار الأسد 15 مرة إلى فزاعة الفتنة التي ادعى أنه رأى تلاويحها في شعارات وتصرفات المتظاهرين, وذهب لأبعد من ذلك بأن اتهم  المسؤولين عن (المؤامرة)، وهوتعبير استخدمه خمس مرات، بأنهم يسعون لحرب أهلية.

وهذه التصريحات التي تفوه بها الرئيس هي مدعاة للقلق، كونها تذكر كثيرا بما ورد في جريدة البعث في الرابع و العشرين من حزيران من العام 1979 عن أحداث مدينة حلب:

“التحقيق في اعتداء حلب الأخير كشفت للعلن المؤامرة الامبريالية والصهيونية من خلال عملائهم في الداخل من أجل التحريض الطائفي . وبث روح التفرقة وتثبيط مقاومة الأمة وإبادة المقاومة الفلسطينية”.

وتخلص جريدة البعث إلى القول: “أن الطريق الوحيد لإكمال المعركة هو في اجتثاثهم من جذورهم”.

والجميع يعرف ما الذي أعقب ذلك، والأمل هو أن لا يتكرر ذات الشيء.

إذا كانت المجموعة الدولية تريد أن تساعد الشعب السوري في استرجاع حريته وحقوقه التي حرم منها منذ وصول حزب البعث للسلطة وإرساء حالة الطوارئ في 8 آذار 1963، وجب عليها إذا أن تشجع المنتفضين أن يبقوا متمسكين، مهما كانت التضحيات، بالطابع السلمي والتوحيدي لاحتجاجاتهم. ولأجل ذلك يجب عليها أن  تفهم النظام، من الآن، أن لعبته باتت مكشوفة، وأنه مسؤول عن الاستفزازات التي تهدف إلى تحويل هذه الانتفاضة السلمية إلى حرب أهلية.

 

باحث مستعرب ودبلوماسي سابق

جريدة اللوموند

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى