صفحات سوريةعلي العبدالله

فرص تحالف سعودي مصري تركي/ علي العبدالله

 

 

انتهت زيارتا الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والمصري عبدالفتاح السيسي الى السعودية من دون ان يلتقيا او يُعلن عن اجراءات قادمة لإعادة الدفء الى العلاقات بينهما في ضوء السعي السعودي لرأب الصدع بينهما تمهيداً لإقامة محور سني بين الدول الثلاث.

فهل فشلت المحاولة السعودية ام ماذا؟

بدا واضحاً من خلال الترتيبات السعودية والحفاوة الزائدة بالرئيس المصري، رسمياً واعلامياً، ان ثمة توجهاً لطمأنة الاخير الى ان عودة الدفء الى العلاقات السعودية – التركية، والتنسيق المحتمل بين البلدين، لن يكون على حساب مصر ومصالحها، وان ثمة مصلحة مشتركة بين الدول الثلاث لمواجهة التطورات الاقليمية والدولية في حال تم الاتفاق بين اميركا وايران حول الملف النووي الايراني وما يمكن ان يترتب عليه من تغيرات سياسية في الاقليم لجهة الدور الايراني ومدى الاقرار الدولي به ومنح الشرعية لنفوذها في المشرق العربي، ناهيك عن معالجة الازمات واطفاء الحرائق المشتعلة في عدد من الدول العربية.

فالسعودية التي استشعرت الخطر بعد تمدد النفوذ الايراني، ودور ايران المتنامي في توتير البيئة السياسية والاجتماعية برعاية الاقليات الشيعية وتوجيهها وتنظيمها وتشكيل ميلشيات مسلحة لها، في تطوير خطير لاستراتيجية تصدير الثورة التي اعتمدتها بعيد نجاح ثورتها عام 1979، وتحويلها حصان طروادة في مواجهة الانظمة السياسية في دولها، وهيمنتها على القرار السياسي في اكثر من عاصمة عربية، ادركت اهمية تعديل سياستها واعادة النظر في علاقاتها مع عدد من الدول بعد ان شهدت توتراً وفتوراً، واهمية قيامها بلعب دور في التقريب بين عدد من الدول، وبخاصة مصر وتركيا، والعمل على تدوير الزوايا كي يصبح في الإمكان تشكيل محور وازن لمواجهة التطورات المرتقبة واقناع اميركا بتبني سياسة متوازنة في الاقليم وعدم وضع بيضها في سلة واحدة بتجاهل مصالح طرف لمصلحة طرف. وهذا يستدعي كسب مصر وتركيا وعدم المفاضلة بينهما لأنها في حاجة اليهما معاً بسبب تداخل الملفات وتوزعها ونوعية الاخطار وسقفها العالي.

غير ان فرص نجاح السعودية في تدوير الزوايا وقيام التحالف مرتبط بطبيعة العروض والحلول المقترحة وقدرتها على تسويق حلول وسط ترضي الطرفين المصري والتركي نظراً الى تغليبهما لغة العقائد على لغة المصالح، ولعمق الهوة التي قامت بينهما اثر الانقلاب المصري، هذا من دون ان ننسى طبيعة اللحظة السياسية وتعقيداتها في ضوء تعدد الازمات وتداخل الملفات وتشابكها وتعارض المواقف ازاءها بين الاطراف الثلاثة. وهذا ما عكسته المحادثات المصرية السعودية، والتركية السعودية. فالنظام المصري ما زال عند موقفه من اعتبار الاخوان المسلمين العدو الرئيس ووضع مواجهتهم ومن يدعمهم على رأس جدول اولوياته، وهذا قاده الى الاصطدام مع الاخوان المسلمين في ليبيا وسورية وغزة، والى توتر علاقاته مع تركيا وقطر، في حين لم تعد السعودية مع وضع ملف مواجهتهم على جدول اولوياتها، في حين تتبنى تركيا قضية الاخوان المسلمين وتتمسك بحقهم في تسلم السلطة او المشاركة فيها. وهذا الملف اكثر نقاط الخلاف حدة بين مصر وتركيا. في الملف الليبي تقف مصر والسعودية في صف حكومة الثني وتقدمان دعماً عسكرياً للجيش الوطني الليبي، علماً ان السعودية تحفظت على تدخل مصر في ليبيا، بينما تقف تركيا الى جانب الطرف الثاني وتقدم دعمها لميليشيا فجر ليبيا. في الملف اليمني تقف مصر موقفاً ليناً من سيطرة الحوثيين على السلطة كجزء من مغازلتها لإيران على خلفية تقاطعها معها في الملف السوري ومساعيها لاستيراد الغاز منها، وقد استقبلت وفداً منهم وتركزت المباحثات في شكل رئيس حول حرية الملاحة في باب المندب لارتباطها بالملاحة في قناة السويس، في حين ترى السعودية في الانقلاب الحوثي خطراً كبيراً لأنه يطوقها بالنفوذ الايراني من جهة ويمنح الاخيرة فرصة التحكم بطرق مرور النفط في مضيقي هرمز وباب المندب من جهة ثانية، في حين ترى فيه تركيا انقلاباً على الشرعية واضعافاً لحلفائها في حزب الاصلاح. وفي حين تتفق السعودية وتركيا في موقفهما من الملف السوري بتبني خيار رحيل النظام ودعم المعارضة، فان الموقف المصري يتبنى حلاً سياسياً يبقي على النظام بذريعة الخوف على وحدة سورية وانعكاس تقسيمها على الامن القومي المصري. ناهيك عن ان حصول تقارب سعودي – تركي سيعني تنسيقاً سعودياً – قطرياً، وهذا لن يكون موضع ترحيب مصري.

تعكس الصورة الأولية اعلاه مدى التعقيد والتشابك القائم في المشهد السياسي والتقاطعات والتعارضات بين الاطراف الثلاثة في ملفاته، وقد تجسد ذلك خلال المحادثات السعودية – المصرية والسعودية – التركية حيث تفهمت السعودية موقف النظام المصري من الملف السوري وأيدت، في ذات الوقت، الموقف التركي الداعي الى دعم المعارضة ورحيل النظام، ما يجعل الاتفاق على كل الملفات المطروحة ان لم يكن مستحيلاً ففي غاية الصعوبة، ويستدعي درجة عالية من المرونة وقبول الحلول الوسط او الحلول المرحلية، اذ المطلوب مثلاً ان يخفف النظام المصري من حملته على الاخوان المسلمين ويقبل دوراً ما لهم في الفضاء السياسي المصري، وان تتخلى السعودية عن ملاحظاتها على النموذج التركي ومعارضتها للدور التركي في الاقليم، وان تخفف تركيا من نزعتها العقائدية ودفاعها عن الاخوان المسلمين. هذا مثلاً لا حصراً.

فهل لدى الانظمة الثلاثة قابلية واستعداد للذهاب الى هذا المستوى من اعادة النظر وتعديل المواقف والسياسات، وقبول المساومة والحلول الوسط كي تفتح الطريق لقيام تحالف بينها؟

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى