صفحات سوريةوهيب أيوب

النظام في سوريا – ممنوع من الصرف وغير قابل للإصلاح

 


وهيب أيوب

يمكن فهم عدم طرح الناشطين والمعارضين داخل سوريا شعار إسقاط النظام علناً. كونهم، ببساطة، سيساقون إلى السجن بتهمة التآمر على الدولة والانقلاب على النظام. لهذا لا يمكن لأحد المزايدة على هؤلاء الأبطال

مع أنني أُدرك، كما يُدركون تماماً، أن لا شيء يمكن إصلاحه في نظام أمني ديكتاتوري فاسد من رأسه حتى قدميه، تربّى على مدى ما يقارب نصف قرن على نفي الآخر وإقصائه، وأن كل من يعارضه هو خائن ومدسوس وعميل ومتآمر مع الخارج. هذه الثقافة والتربية الذي أشبع النظام السوري عناصره وأتباعه بها، حوّلتهم إلى وحوش ضارية في التعامل مع أي مُعارض أو أي حركة احتجاج كما يبدو جليا هذه الأثناء.

لكن الشعب السوري الذي ذاق على جلده وحشية هذا النظام واستبداده واحتقاره لهم، أدرك، ويُدرِك منذ اللحظة الأولى لانطلاق الاحتجاجات، أن لا مجال للسوريين، إن أرادوا استعادة حريّتهم وكرامتهم إلاّ بسقوط هذا النظام، المُشكّل من مجموعة مافيات، سياسيّة واقتصاديّة وأمنية وعسكريّة، جعلت من استمرار الحياة باستمرار وجودهم، شبه مُستحيل. وبقيت المعضِلة الأساسيّة وما يُعيق تحقيق هذا الشعار على أرض الواقع مرهونة بتعاظم حجم المظاهرات وامتدادها إلى العاصمة دمشق وحلب والسويداء، فهؤلاء ما زالوا مُتقاعسين ومتردّدين في المشاركة بالاحتجاجات أو الثورة، لأسباب عديدة ولو أنّها مُستهجنة…! وهذا العامل فقط هو الذي سيقرّر في النهاية إسقاط النظام من عدمِه.

اتكأ النظام ومنذ البداية على نظرية المؤامرة، وقام بفبركة العصابات الأمنية المزعومة، ولكن سرعان ما سقطت أكاذيبه وتلفيقاته الركيكة الرخيصة، بالرغم من اتّباعه أساليب خسيسة بقتل بعض رجال الشرطة والأمن والجيش بيد عصاباته هو، والسوريون يعلمون ذلك تماماً.

مع استمرار المظاهرات، رغم القتل والاعتقال والقمع الشديد، ارتأى النظام رفع سقف المؤامرة، بحيث يلبسها لبوساً طائفياً، باتهام حركات سلفية جهادية مُسلّحة تريد إنشاء إمارات إسلاميّة. ويتضح من بيان وزارة الداخلية الأخير، أنّ المرحلة القادمة ستكون أشدّ فتكاً ودمويّة تحت تلك الذرائع.

أما فيما يخص المؤامرة والعقل التآمري، فذلك من اختصاص هذا النظام وحزب البعث منذ نشأته حتى اليوم، في 8 آذار عام 63 والقوانين العرفية، وأيام حركة 23 شباط عام 66. وقد ذكر منيف الرزاز أمين عام الحزب سابقاً، كيف كان حافظ الأسد يدخل بعسكره إلى قاعة الاجتماع مُهدّداً ومحتلاً المقاعد دون أن يتركوا أماكن يجلس عليها الحزبيون، منذ تسليم الجولان دون قتال وبيان 66 لسقوط القنيطرة، منذ انقلاب حافظ الأسد عام 70 على رفاقه وزجهم بالسجون وقتل آخرين وتشريد بعضهم خارج سوريا، منذ دستور عام 73 الذي فصّله حافظ الأسد على مقاسه، منذ رفع شعار التوازن الإستراتيجي لأكثر من عشرين عاماً مع العدو الإسرائيلي، الذي كان من نتائجه، أن يقوم طيران العدو بالتجوال فوق القصر الجمهوري وقصف أي منطقة في سوريا دون أن يعترضه أحد، منذ أن أصبحت “سوريا الله حاميها” وليس الجيش والحزب والقائد الفذّ المُلهم، منذ رفع شعار الممانعة ودعم المقاومة، دون أن يطلق رصاصة واحدة في الجولان المُحتل منذ 38 عاماً.

منذ ذلك الحين، ومنذ أن تمّ تدمير وإلغاء الحياة السياسيّة في سوريا، منذ تهميش الشعب السوري لأن يكون له رأي فيما يجري في بلده، منذ أن تمّ تحويل البلد إلى مزرعة خاصة لأجهزة الأمن والفاسدين المُفسدين الذين عملوا بمنهجيّة مدروسة على إفساد من لم يتم إفساده، حتى تكوّن جيش من الفاسدين، ارتبطت حياتهم باستمرار هذا النظام، منذ تمّ تخريب الحياة السياسيّة والثقافيّة والاجتماعية والتعليميّة، منذ أن تمحورت السلطة بيد هؤلاء مُلغين دور المؤسّسات والقانون والقضاء والإعلام والصحافة، منذ أن أصبح التلفزيون السوري مجرّد بوم ينعق صباح مساء بالكذِب والتلفيق والنفاق، منذ بات “الشبّيحة” وعصابات الأمن هم حماة النظام وليس الشعب، منذ أصبحت أجهزة القمع والمحاكم الأمنية وقوانين الطوارئ تعدّ الأنفاس على أفراد الشعب وقواه الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وتقوم بإلغائهم بشتى الوسائل والطرق، ومنذ وراثة بشار الأسد عام 2000 وتعديل الدستور في دقائق على حجمه ومقاسه استهزاءً بكل السوريين، والذي كان الأجدر به أن يتصرّف على نحو ما فعله قبل قرون الخليفة الأموي معاوية الثاني….

مذّاك، دخلت سوريا بما يشبه النفق المظلم الذي لا مخرج له إلا بإزالة هذه الطغمة وإعادة بناء سوريا من جديد.

إذاً، هذه هي المؤامرة وهؤلاء هم المتآمرون على الشعب والوطن، والعصابات التي يتحدّثون عنها، ما هي إلاّ هم أنفسهم، بعد أن تم كشف كل المكائد والأكاذيب التي يروّجون لها. فشعارات الاحتجاجات تفقأ عيونهم وتردّ على كل مؤامراتهم: سلميّة سلميّة – واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد – الله سوريا حريّة وبس- لا طائفية، وحدة وطنية، إسلام ومسيحيّة وسنّة ودروز وعلويّة – من القامشلي لـ حوران، الشعب السوري ما بينهان …. وأخيرا، “الشعب يريد إسقاط النظام”، فهل وصلت الرسالة…؟

لا نظنّ ذلك؛ فهذا النظام لن يُسلّم بهذه السهولة، ما لم تَهدُر جميع المحافظات السورية، وبمظاهرات مليونيّة برفع ذات الشعار.

أما الوعود والإصلاحات التي يحاول النظام امتصاص احتقان الشارع فيها، فما هي إلا حبّة دواء لوجع الرأس، لمريض مصاب بالسرطان. وهي وعود وإصلاحات ممنوعة من الصرف في تركيبة هذا النظام، وغير قادر على أي إصلاحٍ حقيقيّ.

وهيب أيوب/ الجولان السوري المحتل

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى