صفحات العالم

النظام في هجومه المعاكس

أحمد جابر

 متابعة التطورات الميدانية السورية، تحمل على خلاصةٍ أولية: النظام السوري يقوم بهجوم معاكسٍ ضد معارضيه، بعد أن حشر في زاوية دفاعية طيلة الشهور الماضية. الخلاصة الأولية تقتضي متابعةً لتبين كم ستتطور في اتجاه إستراتيجية عامة واضحة الملامح، ومحددة الأهداف.

الإنتقال القتالي النظامي جاء حصيلةً لتقدير موقفٍ عام، حضر فيه السياسي والميداني، وبناءً على حصيلة التقدير تشهد اليوميات السورية ما تشهده من تطورات، وتترك للمتابع أن يقرأ ما يمكن أن تفتحه من احتمالات.

لقد استفاد النظام السوري من انفلاش المعارضة المسلحة وانفلاتها، وبدت هذه الأخيرة وكأنها استنفدت زخمها، فدخلت في مرحلة ركودها، التي قد تطول أو تقصر، أو تكون سبباً لضمورها وتطويقها ضمن مناطق محددة.

ولم يكن الهجوم المعاكس ليحصل لولا اليقين السياسي النظامي، من لا يقين القوى الداعمة للمعارضة السورية، أو لولا تمهّل الغرب عموماً الذي يواكب المعركة السورية وفق جدول أعماله الخاص، ويترك باب سياسته الأخيرة حيالها، مفتوحاً على أكثر من خيار.

هذه السلبية الغربية رافقتها إيجابية عالية وديناميكية ناشطة من قبل حلفاء النظام السوري، فالسلاح يصل بانتظام، والقرارات الدولية التي تقيّد تفوقها الناري، خاصة في شقه الجوي، معطلة، والتدخل الميداني إلى جانبه، مباح ومسموح ومعلن، دون مخاطر عقوبات مباشرة تطال المبادرين إليه، ودون توقّع رد عسكري رادع، أقله في المدى المنظور.

إذن في لوحة تقدير الموقف الحالي، ثمة ما يشير إلى استعادة زمام المبادرة من قبل النظام، ولا دليل ملموساً على قدرة المعارضة على عرقلة هذه الاستعادة التكتيكية، ومنعها من التحول إلى انقلابٍ استراتيجي على المستوى السوري العام.

وما يفاقم إضطراب الصورة، هو أن المعارضة قد بنت تطوير تفوقها على تطور الموقف الخارجي منها، وقرأت الحسم قريباً في اتخاذ القرار الخارجي، مع إيغال النظام في عنفه، وفي إنفلات قيود هذا العنف.

لقد بان قصور المعارضة في هذا الجانب، الذي يتفوق فيه النظام أيضاً، من حيث قدرته على الوصول إلى العلم اليقين الخارجي، وسرعته في توظيفه. حرية حركة النظام تسمح له بذلك، فيما المعارضة، التي تعاني من تجاذب داعميها، لا تتمتع إلا بحرية مشروطة.

هذا الذي ورد، ينقل النقاش إلى مكان آخر، خارج الحدود الوطنية السورية، والسؤال الذي يفرض منطقه، قبل أي أسئلة أخرى، هو: ما حدود التقدّم المسموح به للهجوم المعاكس النظامي؟ وما الخطوط التي لا يسمح بتقهقر المعارضة إلى ما يتجاوزها؟ وجه السؤال الآخر هو: هل تقتصر الإدارة الغربية للإنفجار السوري على إدارة شظاياه؟ وما التوازن المرغوب في تنامي تداعيات هذا الانفجار؟ ومتى يصدر قرار حصر امتداد لهيبه؟ الأجوبة ما زالت طي التخمين، لأن “جهينة” لا تعطي خبرها اليقين لأقلام الغرباء ولا لثرثرة ألسنتهم.

الثابت حتى الآن، أن غض النظر عن تحسين مواقع النظام هو السائد، هذا ما يبدو في حمص ومنطقتها، وعلى طول الحدود اللبنانية السورية.

وكي يمكن اكتشاف المدى الحيوي الميداني بغض النظر السياسي الغربي، يجب انتظار حصيلة “المعركة الحمصية”، ووجهة انتقال المعارك بعدها. ذلك وحده سيعطي المؤشر اللازم على نوايا الغرب الحقيقية، تلك النوايا التي لم يرشح منها حتى تاريخه، سوى فتح الوطن السوري على التمزّق، والإكتفاء بعد ذلك بسياسة إدارته، بما يثقل على مستقبل السوريين، وبما لا يضير مجموع مصالح “مبشري الديمقراطية”، ومدعي نبوءاتها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى