صفحات سوريةعمار ديوب

النظام والمعارضة المُتجانسان/ عمار ديوب

 

 

لم يعترف النظام في سورية بأيّة قوى سياسيّة معارضة، وحتى حين يقول إنّ هناك قوى معارضة، فهو لا يُسمّيها، إذاً يترك المصطلح لتملأه قوىً شبيهة بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، أي أحزاب مُلحقة بالبعث وفروع الأمن، وهذه الأحزاب موجودة والحمد لله، ويمكن البحث عنها بالمجهر. في تعادل فريق كرة القدم السوري مع الفريق الإيراني احتفل النظام بهذا “الانتصار”، وعلى المستوى الشعبي (المعارض والموالي)عمّت سعادةً كبيرةً “هي هي هيا، شقّينا الإيرانيّة” رُدّدت في ساحة الأمويين. وترافق التعادل مع تسريباتٍ تقول بإهانة الإيرانيين للفريق وللمشجعين المرافقين له، وهو ما لُوحظ في أثناء المباراة نفسها، حيث توقّفت لمشادة بين اللاعبين أكثر من خمس دقائق، وإهمال الفريق السوري مع مشجّعيه أكثر من ساعة في قاعة مقفلة قبل المباراة. تبنى النظام نتيجة المباراة، وعمل “همروجة” كبيرة له في تلفزيونه وإعلامه، أما المعارضة فوَصمت المنتخب بالأسديّ، أو منتخب البراميل، متجاهلةً كل الاهتمام الشعبي فيه! وبالتالي، ربح النظام كثيراً من موقف المعارضة، أكثر مما ربح في ذلك التعادل، وشدّ أزر مواليه إليه.

أثارت المباراة نقاشاتٍ حادةٍ بين المعارضين والموالين والـ”نص نص”. المشكلة التي طغت ظهرت في موقف المعارضين تحديدا؛ فقد كان موقفهم إقصائيّاً، إباديّاً للفريق الذي يتقن تحريك قدميه بذكاء كبيرٍ، وسَخِرَ المعارضون طويلاً من حكاية الفصل بين الرياضة والسياسة، وطبعاً لم يقل النظام بالفصل أبداً، والحديث هنا يشمل نقاشاً آخر، يقول إنه لا انفصال لمؤسسات الدولة، بل لا وجود لها ما دامت السلطة موجودة، وهذا ليس خاطئا، ولكنه أيضاً ليس صحيحا بالكامل؟

“مهمة القوى السياسية، الآن ولاحقاً، تكمن في وعي الواقع، والتخلص من المواقف السلطوية المعكوسة، واستعادة دور السوريين في تقرير مصيرهم”

نقاش المعارضة هذا يشبه كثيراً ما تقوله السلطة ذاتُها، فهذه لا تعترف، كما قلنا بالمعارضة ولا بالثورة، وستحرق البلد إن زالت، إذا هنا الصراع جبهي بالكامل بينهما. موقف المعارضة سياسوي بامتياز، وغير شعبي، ولم يلتقط الجديد المتعلق بالثورة، ومنه مثلاً العداء لإيران باعتبارها إحدى الدول المعادية للثورة وللشعب السوريين؛ فالمعارضة، وبعكس الثورة، قالت إنه يجب إسقاط هذا النظام بكلّ أركانه، بينما كانت الثورة تقول بالشعب السوري الواحد وبالإصلاح في البداية، وقد لاقى هذا الشعار صدى شعبياً في الأشهر الأولى للثورة 2011، حيث لم تنقسم الأحياء مذهبياً حينها، بل شاركت فئات متعدّدة الأديان فيها، ولا سيما في حمص واللاذقية. ولاحقاً، وبسبب سياسات النظام القمعية والملوّثة بالطائفية وسياسات المعارضة التي صنفت النظام “علوياً” والثورة “سنية”، التبس المعنى، واستفاد النظام أيما استفادة من ذلك، بينما خسرت الثورة كثيراً، وتسلطت عليها المعارضة، ولا سيما المجلس الوطني السوري، وبدأ مسلسل الفشل والانفصال عن الشعب.

المعارضة المتجانسة هي التي لا ترى أسباب الانفكاك الثوري عن النظام، وأن الثورة ذاتها هي انفكاك للمجتمع عنه، ولاحقاً ظهر ذلك عبر ظاهرة الانشقاق الواسع، وخروج المدن عنه، ووجود ملايين الناس تحت سلطته، ويعملون في مؤسسات الدولة ويرفضون النظام كذلك. هذا الوجود بذاته يقول إن السلطة تواجه شعباً بأكمله، فازدادت الرقابة والاعتقال، وما زال الأمران سيفيْن مسلّطين على رقاب كل العاملين في الدولة.. والسؤال: لماذا هذه الرقابة؟ أليس لمنع أيّة تحركاتٍ سياسيّة فيها؟ السلطة تفرض هيمنتها، وتمنع أي استقلالية للمؤسسات عن السلطة، ولكن وظيفة المعارضة بالتحديد، وقد انطلقت ثورة شعبية عارمة، العمل على هذا الفصل ونزع التسييس عنها، وليس وصم مؤسسات الدولة والعاملين فيها بأنّهم موالون وتابعون وأسديون، وبالتالي خسرت كتلة كبيرة من الشعب، ودفعتها إلى الالتحاق بالسلطة المتأزمة.

نعم، تتبنّى المعارضة أيضاً نظرية التجانس. وهنا بالمعنى الذهني، فهي تركّز على فكرة واحدة، وتختصر كل ما يحدث في سورية فيها، أي أنّها لا تدرك تعقّد الصراع ضمن مناطق النظام، وفي كل سورية. خطاب المعارضة هو خطاب السلطة ذاتها، والمنتخب ومؤسسات الدولة كلها تابعة للسلطة، وأسديّة. وبذلك يصبح التسييس كارثياً بالكامل، ويفصل عالم المعارضة، ولا أقول الثورة عن بقية سكان سورية. يضع هذا الخطاب سداً للرافضين وللمتململين من سياسات النظام الكارثية طوال السنوات السبع، ولو أنه ليس هناك من أملٍ أن يخرجوا بمظاهرات. والسؤال هنا: ألم يصمت السوريون خمسين عاماً، فأين مبرّر الاستغراب

“الخطاب الوحيد الممكن استخدامه هنا هو الخطاب الوطني، ومحاولة نزع أكبر كتلة شعبية من أهل الثورة والمقموعين تحت سيطرة النظام، لإدراك ما أصبحت عليه سورية” من صمتهم أيضاً؟ ولا يغير في الأمر “موقفهم” شيئاً بعد كل هذا الدمار والقتل في سنوات الثورة، ولو أضفنا سياسات المعارضة، كما أوضحنا بعض جوانبها، لتبيّن معنا بعض أسباب عدم الانفصال عن النظام.

واقعياً، نلاحظ الدمار والقتل وسيطرة الفئات السلفية والجهادية، ووجود معارضة بمنصات تابعة للدول الخارجية. وبالتالي يصبح السؤال: إلى أين سيذهب الشعب “الأسدي” لو قرّر الانفصال! أي الذين يُفترض أن ينفصلوا عن السلطة المُتحكمة بالدولة؟ أي ما هو المثال الجيد الواقعي في جنّة المدن “المحرّرة” للانضمام إليه؟

أردت القول، مع كل التغيرات المستمرة ووصولنا إلى العام 2017، حيث أصبحت سورية مُحتلة بالكامل وتسليةً بيد الدول الخارجية، الخطاب الوحيد الممكن استخدامه هنا هو الخطاب الوطني، ومحاولة نزع أكبر كتلة شعبية من أهل الثورة والمقموعين تحت سيطرة النظام، لإدراك ما أصبحت عليه سورية، وعزل النظام وكل قوى سياسية ملتحقة بالخارج، والاستفادة من كل ظاهرة أو حادثة تسمح بهذا العزل. بتراجع النظام وبفرض الهيمنة الروسية والأميركية والتركية والإيرانية يصبح من العبث حديث الفصل أو عدم الفصل بين المؤسسات والسلطة؛ فالأخيرة مستمرة بفضل الهيمنة السابقة فقط، وبالتالي مهمة القوى السياسية بالتحديد تمثيل الشعب بكليته، ومؤسسات الدولة، لإيقاف “بيع” سورية للخارج، وتجسير الهويات المتراكمة بين المعارضين والموالين، وبين الطوائف والقوميات والمناطق، وفي المدينة والقرية والحي الواحد.

حينما انطلقت الثورة كانت من أجل حياة أفضل لكل السوريين، وكل ثورة تحدث فهي من أجل الأكثرية البشرية في الدول، وتعمل من أجل استقطاب تلك الكتل. وبالتالي مهمة القوى السياسية، الآن ولاحقاً، تكمن في وعي الواقع، والتخلص من المواقف السلطوية المعكوسة، واستعادة دور السوريين في تقرير مصيرهم.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى