صفحات سوريةغسان المفلح

النقد والذات/ غسان المفلح

 

 

تسلمت ايميلا من احد الكتاب الشباب، يختصره عنوانه”استاذ مانك مخلي حدا من شرك” بدأ يعدد لي الاطراف التي اتعرض لها، بالنقد أو التشهير كما اسماه، والتجريح احيانا. هل انت أحسن من هؤلاء جميعا؟ بهذا السؤال ختم إيميله. اربكني هذا السؤال في الواقع، ليس لأنه غير مفهوم وغير متوقع من الناس عموما، عندما يروا هذا الكم من النقد طولا وعرضا، على غناه أو على تفاهته. اربكني لأنني ادرك أن كل ناقد يعين نفسه حكما. هل أنا فعلا كذلك؟ أو قادر على أن أكون كذلك؟ باختصار هل أمتلك الاهلية المعرفية لكي أكون حكما؟ هل أنا لا امتلك ايديولوجيا اريد تمريرها من خلال هذا النقد، الذي منه الزائف والحقيقي؟ حضرني مثالا يشكل في الحقيقة عماد اساسي في نقدي للمعارضة السورية وطرائق عملها وخطابها. كي لانبقى نتحدث بالمجرد.

منذ أكثر من عقدين من الزمن، وانا اركز على نقد المعارضة السورية ومثقفيها، لموقفها حيال التدخل الخارجي، من أجل مساعدة هذه الشعوب المبتلاة بانظمة مجرمة وفاسدة، وازداد هذا النقد منذ انطلاق الثورة السورية. حيث فشلت المعارضة فشلا ذريعا في ان تكون معبرا عن ثورة هذا الشعب العظيمة، والذي دفع فيها من اجل حريته ما لم يدفعه شعب بالعالم. المسألة هنا بغاية البساطة، اعتقد أن هذا النظام عموما ونظام الوريث خصوصا سوقه نظام دولي ولن يخلعه سوى نظام، او رضا هذا النظام الدولي. كمعارضة فشلت في تحقيق ايا من الغرضين. ولم تكن تمتلك الامكانية لاسقاطه داخليا. فهل نقف ونتفرج على هذه الدماء التي هي دماء اهلنا؟ عجزنا كمجموعة تتبنى هذا الرأي لايعني عدم صحته. عجزنا الذي كتبنا عن اسبابه في ان نصبح أكثرية داخل هذه المعارضة، لايمنع مطلقا من أن نتابع في مسعانا. ثلاث سنوات من القتل كانت كافية لهذه المعارضة ان تقف وتقول: نحن فشلنا. واقرارها بالفشل لايعني أنها تصبح خارج الفعل، بالعكس من يريد الاستمرار بالفعل يعترف بفشله لكي ينهض. هل نقدي السابق المبني على هذا الحكم، صحيح ام لا؟ هذا متروك للوقائع وللناس هي تحكم عليه.

وأظن ان الناس حكمت على هذا الموضوع. كل نقد موجه لآخر ما لم يترافق مع نقد للذات، هو في النهاية لا قيمة له، إلا اذا اقترن بالممارسة. رفضت الانخراط بأي عمل معارض لايتبنى هذه الاستراتيجية منذ انطلاق الثورة وحتى اللحظة. بالمقابل في سياق هذا النقد، يتعرف المرء على نقاط ضعف رأيه وقناعاته، ونقاط ضعفه الذاتية، وتكون العملية النقدية ما أمكن المرء إلى ذلك سبيلا، هي نقدا للذات ايضا ومحاولة مواكبة كل التفاصيل. الناقد حكم، لكنه ليس فوق النقد أيضا. تساءلت كثيرا هل لو كنت مثلا مكان الدكتور برهان غليون في رئاسة المجلس الوطني، هل كنت في الممارسة السياسية وغيرها كما كان؟ لا استطيع الحكم بذلك بالمقابل ارى من باب التضليل، الا اقول قولي النقدي لأنني عاجز عن الحكم على ذاتي. لهذا عندما تضع هذه المسافة بين النقد من جهة وبين موقع الذات، تجد انك بلا مبرر لأن تكون في عداء شخصي مع أحد. لكن عندما لا تكون هذه المسافة، فأنت تصبح عدوا لكل من يخالفك الرأي. وهذا حال معظم مثقفينا ومعارضينا. معظمنا نعم لا يجد تلك المسافة، رغم كل نقدي مثلا للدكتور برهان وطروحاته، لكنني ارى المسافة بينه وبين أن يكون عدوا. حتى لو كان سلوكه السياسي خاطئا من وجهة نظري. رغم كل هذا النقد للمعارضة، لايمكن وضعها في كفة واحدة مع نظام مجرم. عدو لكل الشعب السوري. اختم هذه العجالة بالقول: نقديا مر على ذاتك قبل ان تمر على مساحة الآخرين، وإلا انت أسوأ منهم بكثير. اكثر ما نحتاجه هو النقد، وليس العداوات الشخصية. لأن كل ناقد من المفترض ان يكون حكما على ذاته قبل ان يكون حكما على غيره.

ايلاف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى