صفحات العالم

النموذج السوري يشكِّل استثناءً في معطيات الصحوة العربية

 


أشرف أبو جلالة

يثير خطاب الرئيس السوري الأخير أمام البرلمان الكثير من التساؤلات، فالأسد كان يتحدث بصورة هزلية غير رسمية في وقت يمر نظامه بمرحلة خطرة.

لا توجد طريقة يمكن أن يتم من خلالها تفسير معنى الانشقاق في الثقافة السياسية بين المحلي والخارجي أفضل من ذلك الخطاب المتلفز الذي أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد في الـ 30 من الشهر الماضي للشعب السوري. فالأسلوب كان قلقاً، ثم خفف من حدة الازدراء شبه العالمي، خارجياً – لكونه غير كاف وسيء الحكم.

وأوضحت في هذا الصدد اليوم مجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن هذا الخطاب لعب دوراً أكثر اختلافاً- على الأقل بالنسبة لكثيرين. وقالت إن فهم الأسباب وراء التباين الشديد في ردود الفعل يشير إلى وجود منطق مختلف وراء الخطاب للأشخاص المنتسبين للخارج. ويرمز الحدث إلى الطريقة التي تختلف من خلالها حالة الأسد بالفعل عن حالتي الرئيسين مبارك وبن علي – وهو الحدث الذي أصبح عدسة فريدة من نوعها تم الحكم من خلالها على استجابته وردة فعله – وخصوصاً في الغرب.

وبالطبع في الثقافة الغربية، تتطلب الأزمة العميقة جدية مناسبة. لكن الرئيس الأسد كان يتحدث أمام البرلمان بشكل محب للهزل وبصورة غير رسمية. وهو ما جعل المجلة تتساءل بقولها: كيف يمكن لسياسي غربي “غير رئاسي” أن يهمهم لنفسه في لحظة محورية كهذه، وبالتالي يفتقر إلى التفاصيل المتعلقة بأجندة الإصلاح؟

وحسب تقديرات الخبراء الغربيين فإن تلك كانت وجهة النظر، “أن يبدو نمط الأسد غير رسمي بشكل متعمد”. وهو الأمر الذي كان بمثابة التلميح الواضح للجمهور المحلي، المعتاد على الفوارق البسيطة، بأن الرئيس يثق بكل تأكيد في الإصلاح. وأوضحت المجلة في تلك الجزئية أن تلك القناعة بشأن الأسد – بأنه ليس من الحرس القديم – قد تم تدعيمها على نطاق واسع في سوريا، حتى من قِبل كثيرين ممن تظاهروا في الشوارع. ويعتقد معظم السوريين بأن الرئيس لم يأمر قوات الأمن باستخدام الرصاص الحي، وإنما منعه. وهذا هو الفرق بين سوريا وبين مصر على سبيل المثال. فالجميع في مصر كان على دراية بأن مبارك لن يقوم بأي إصلاحات على الإطلاق، أما معظم السوريين فيعتقدون أن الأسد شخصية إصلاحية بصورة غريزية.

إلا أن مجلة فورين بوليسي وصفت الخطاب أيضاً بالخطاب الجريء، الذي تم توجيهه بعناية صوب السياق السوري، بدلاً من توجيهه صوب السياق العالم لدول عربية أخرى وحمى الثورات التي تشهدها المنطقة. وأثنت فورين بوليسي كذلك على وضوح موقف الأسد، حيث سبق أن أكد مراراً وتكراراً – في خطاباته الأخيرة – على حقيقة التزامه بالإصلاح.

ومع هذا، فقد اختار الأسد عن عمد ألا يعرض قائمة بمجموعة من التنازلات لهؤلاء الأشخاص الذين نزلوا إلى الشارع كي يتظاهروا. وكان هذا الإغفال هو الجانب الذي حظي بأكبر قدر ممكن من الدراسة المتأنية في الخطاب الذي أدلى به مؤخراً. بالإضافة إلى تذكيره بأن سوريا ليست في خطر. وحتى في مدينة درعا، التي كانت مسرحاً لأكبر وأضخم التظاهرات واستخدام الذخيرة الحية بصورة لا مبرر لها ضد المتظاهرين، يعتقد السكان أنهم يعرفون هوية المسؤول الذي أصدر أوامره بإطلاق الرصاص الحي وكذلك الشخصية البارزة التي يرتبط بها هذا المسؤول.

وخارجياً، لفتت المجلة إلى أن السياق الخاص بسوريا قد تم تبسيطه إلى سياق اللونين الأبيض والأسود، فهل سيقوم الرئيس بالإصلاح أم لا ؟ — ومع هذا، أوضحت المجلة أن تلك القضية لم تكن القضية المثارة بالفعل في سوريا، على عكس ما هو حاصل في معظم أنحاء العالم العربي، وإنما كان يدور الحديث عن كيفية المضي قدماً في هذا الاتجاه. وأن المناقشة الحقيقية كانت تدور بشأن الطريقة المثلى التي يمكن إتباعها لتنفيذ الإصلاح بطريقة لا يمكن استخدامها من جانب الأقلية من أجل تشويه سمعة، وفي نهاية المطاف خفض قيمة ومنع كل محاولات الإصلاح.

وقد سبق للأسد أن اعترف ضمنياً بالفعل بعدم الرضا الداخلي عن إدارة الدولة الخرقاء وغير الكفؤة في كثير من الأحيان والفاسدة في أغلب الأحيان. كما اعترف بأن الوعي العربي الجديد يتطلب مشاركة شعبية حقيقية في عملية صنع القرار. لكنه أكد في نفس الوقت، على صعيد المجال الخارجي، أن سوريا وقفت على الجانب الصحيح من التاريخ –  وهي نقطة محورية تُبعِد سوريا بعيداً عن معظم الدول العربية الأخرى: وسبق للأسد أن اعترض على حرب العراق ودعَّم المقاومة في فلسطين.

واكتسب الأشد شعبية في المنطقة وداخل بلاده، بفضل مواقفه إزاء السياسة الخارجية. لكن ذلك تسبب في جلب أعداء لسوريا: وبدا من الواضح أن البعض في المنطقة، وخارجها، سيستمتع بأي إزعاج يلحق به، على أمل أن يتم إضعاف سياسته الخارجية. وختمت المجلة بحديثها أيضاً عن تدخل أجهزة المخابرات الأجنبية في سوريا، وأكدت ذلك الواقع الذي يحدث هناك على مدار سنوات.

وأوضحت في السياق ذاته كذلك أن كثير من السوريين قد يشكون في أن مفهوم الإصلاح المروج له خارجياً قد يكون حصان طروادة الذي يُستَخدم ضد سوريا ومحور المقاومة على نطاق أوسع. ورأت المجلة أنه في حالة نجاح الإستراتيجية التي ينتهجها الأسد الآن، فإن تقديرات بعض المحللين الخارجيين بأن الأسد سيبدو ضعيفاً بطريقة أو بأخرى نتيجة لزيادة المشاركة الشعبية ستكون غير محتملة على ما يبدو.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى