صفحات سوريةفلورنس غزلان

النَفَس الأخير في نسل الهمجية

 


فلورنس غزلان

مَن سحب الروح من جسد أغصان الورد؟ مَن سمح ليدٍ مجرمة أن تغتال بسمة طفل ؟ مَن شَرَّع الموت علانية في عصر انتهاكات شرائع تقوم على سياسة المصالح؟ مَن منح رئة تتنفس لقضاة يمسكون السوط لغة والرصاص حواراً؟ مَن يريد دفن أحلام أولادنا في رماد الموت ؟ ..ذاك هو المغرق في نسيانه، أن رؤوس البشر ماهي إلا أحجار تتحرك إما للقتل أو لمحاسبة القاتل..

لنا صبر العقود المغبونة وصمت الأفواه المحكمة بأقفال حديدية ..فرضوها علينا عنوة، مَغناةً تلهج برطين غريب الصنعة تحت يافطة “وطنية “َ! لاتوهن عزيمتها إلا كلمة ” حرية” تخترق الحصار وتضرب جدران العزل ..في زمن صحوة خرجت من ثياب” قرطاج الفينيقية” وأبحرت شرقاً!..سمحت لأحلام أولادنا بالانطلاق من أسـْرِ الكتب والشعارات المحبوكة بخيوطٍ واهيةِ ” الوطنية كاذبة الانتماء”..راحوا يرسمون خرائط الوطن بحبر أحمر يتدفق مخترقاً ظلام ليل أتقن على مدى أربعة عقود لغة ألغام تُزرعُ بين الجيران ، بين المدن الموحدة تاريخياً بخارطةٍ لم يحافظ على حدودها طغاة لبسوا جلدنا وأكلوا من خبزنا، سرقوا منا في لحظة سهوٍ أخوي المعشر سيف جَدِنا الأول وامتطوا صهوة حصانه ..فانحزنا لهم مصدقين أن سيف الجد منذور لاستعادة الجولان..فخانوا التاريخ وخانوا عهدته…بعد أن شربوا من ماء السلطة ومن لغة الظلم والطغيان فانتشت أشداقهم بشهوة الامتلاك وسطوة العرش..فانقلبوا إلى أنواع من الجراد يفتك بحقول الحنطة والخير..يملأون به خزائناً من بطون لاتعرف الشبع، لا تؤمن بتبديل المواقع ..أو باختلاف الألحان والأصوات والرايات, حولوا الوطن إلى كابوس وزنزانة محاطة بأسلاك شائكة..كل من عليها مُتَّهم..وكل من عليها معرض للفناء..إن لم يركع للآهة الجديدة المعززة بكل أنواع الفتك الحضارية .

لم تترك مَعْلَماً، لم تترك مركزاً يمكنه أن يجمع حوله ناشطين يفهمون نبض الوطن ولغة الحرية، التي باتت من الممنوعات..لاحرية إلا للولاء للسلطان، لاحرية إلا لتمجيده وأسرته وأعوانه، لا حرية إلا لماهو دون الحرية وضد شرائعها الكونية..وقع خيار التعليم والتركيع والانصياع على المدن المتمردة..على مدنٍ يشتهر سكانها بدمائهم الحارة وإبائهم العفوي والتاريخي..فأعمل بها سيف القتل وتفوقت فيها جيوش الاستزلام بنوعية ومقدار ما حصدته من موت وما أدخلته من رعب وما غنمته من ثروات حروب . أعلنت تحت اسم ” إرساء الوحدة الوطنية”! ..وهذه المدن سُجلت كمارقة وخارجة على قانون” قطاع الطرق”، خارجة على قانون” الشبيحة”..التي تمهد طرق الإذلال وتتفنن بها ..فقد أُطلقت أيديها بكل ماتحمله من محبة الحقد وماتتقنه من لغة الاستعباد والسلب على دروب إحياء المجد السلطاني الأسري ، لمن انقرضت صورته ومُسحت معالمه من عصر التكنولوجيا والعلم ، الذي جعل من العالم قرية يمكنها التواصل ..فحاولوا أن يبدعوا بكل مالديهم من طاقة وقدرة مبتكرة في بتر العُرى وفصم ماهو موصول وقصم كل ظهر يقوى على التحمل وعصي على الرضوخ ، رافضاً لعبودية..تم إلغاؤها بقوانين عالمية بعد تضحياتٍ لأفراد وشعوب كانوا علامات بارزة في نشر التنوير، واحترام حق الإنسان باعتباره المخلوق الحامل للعقل والناطق بلغة..كان من أبرزهم ” مارتن لوثر كينغ” ..هذا القس ، الذي تحول من راعٍ لكنيسة إلى صوت حق وتحرير ..إذن خرجت الحرية من بيت من بيوت الله…فلماذا يستكثر بعض الكتاب ممن يتقنون اللغة المُدَّورة ..على المساجد أن تكون مصدراً للتحرير؟..يحتفون بالملك الطاغية تحت ثياب علمانية التصنيع ، مفضوحة المآرب..بَزَّهم في مواقفهم المخجلة والملتبسة.ــ وما نرى بهم خجولاً أو مستنكراً لدوره في الايغال بالدم ..حتى لو بدا للقاريء كصورة البريء من دم يوسف…

فاقهم بالمزاودة والمداورة فنانونا..ممن ضاقت بهم سبل التعيش فانحنت هاماتهم تشفط حليب أبناء درعا..وتستنكر عليهم حقهم في النمو والرضاعة..بعد أن تورطت ” وطنيتهم” بلغة استغفلت ثقافتهم الإنشائية والإنتمائية لسلطة ..تغدق عليهم من نِعَم يجب أن يتنبهوا لشكرها وعبادتها كلما قرب هلالها على المغيب..فخونت دعواتهم ” الإنسانية” الموجهة لحق أبناء درعا المحاصرين والمجوعين وجُيرت على أنها تستقدم عدو الوطن ..” الدب الأمريكي الإسرائيلي” إلى الكرم ” الممانع المقاوم”! فوق دبابت توجه مدافعها لآباء الأطفال في درعا..وتستنكر على الجولان رصاصة بحق هذا العدو الوهمي…الصديق المخفي بثياب ” الإستقرار الحدودي والأمني لإسرائيل” ..وإن فاتت ذكاء فنانينا، لكنها جاءت جلية واضحة تنطق بالحقيقة الفاقعة على لسان ابن السلطة دون لف أو دوران..سيف الإسلام الأسدي” رامي مخلوف” صاحب الفضل في تجميع ثروات الأسرة والحفاظ عليها بخزائن مقفلة بعيدة عن الشبهات وأيدي العقوبات الدولية..فراح يلعب بالورقة الأخيرة فوق طاولة المساومة السياسية في التذكير بمصالح ترتبط بوجود النظام الأسدي حتى لو أفنى نصف الشعب السوري، فأهميته تكمن في ” استقرار دولة إسرائيل”!..هكذا نطقت ” نييورك تايمز ” بما قذفه لسان حال السلطة من بوقها الثري مخلوف…

اعتقدوها ورقة رابحة على الطاولة الخضراء في مقامرات السلطات العربية الديكتاتورية ومساوماتها مع مصالح الدول الكبرى في المنطقة، والتي تعودت هذه الأنظمة على ربط أي تحول أو تغييير داخلي في ميزان هذه العلاقة..وآخر مايمكن لبصرها أو بصيرتها المُنَّومة أن تراه هو موقف ووضع المواطن والوطن..فاتضح للنظام أن ورقته خاسرة بكل أبعادها..دولياً وعربياً..وقربت من سقوطه وكشفت حتى ورقة التوت التي يحتمي بها منذ عقود” كممانع”!..فما كان لإعلامه” الصَّحَّافي ” ــ نسبة إلى وزير إعلام صدام ” محمد سعيد الصحاف” ــ إلا أن استنكر وتبرأ واعتبر أن الأمر” مجرد رأي يخص من صرح به”!!!…تُرى لو صدر مثل هذا التصريح عن معارض سوري ..ماذا يكون موقف السلطة وإعلامها الصَّحَّافي المخاتل؟..أعتقد أن جميعكم يعرف الإجابة..سيعتبر خائناً بإجماع مجلس الشعب ودماه الراقصة….سيعتبر عميلاً بإجماع كل وسائل الإعلام وأبواقها….وسيزج به في غياهب زنازين لايرى نزيلها النور.

مقارنة صغيرة فقط ..مع الدكتور ” كمال اللبواني” ، الذي التقى زعماء غربيين وطالبهم بموقف من النظام من أجل حريات ينتفض من أجلها شعبنا الآن…فكن نصيبه 15 سنة من السجن!!..لماذا لايقام نفس الحد على رامي مخلوف؟..لأنه ابن الست…ومابقية الشعب إلا أبناء الجواري..وإلا كيف نسمع يومياً عن اعتقالات تطال مسؤولين في هذا الحزب وذاك..سجناء سابقين ..وأعداد هائلة من جميع الاختصاصات ومن كافة الانتماءات ” الطائفية والسياسية.”..فكيف يمكن تفسير التهم المسماة بالسلفية على المتحركين والناشطين المنتفضين على نظام العنف؟!…وآخر النكت القادمة من قاسيون حيث يعلن الملك احتضاره…رغم القتل الجماعي والموت المعلن ، والذي لايمكن تصنيفه عالمياً إلا بإبادة جماعية وجرائم دولية ضد الإنسانية، تشبه ماحصل في دارفور، يجب أن يقدم المسؤولين عنها إلى محاكم دولية ، وأن يرسل بلجان من المحكمة الدولية للتحقيق في هذه الجرائم في مناطق وأماكن إرتكابها داخل الأرض السورية، الملك بدأ يختنق..شعر بأن السكين تقترب من عنقه..فراح يداور ويبحث عن مَحاوِر للخروج من مآزقه، التي وضع نفسه والوطن فيها

فكيف يمكن لمن يصوب دبابة إلى صدر شبابنا، أن نمد له يد الحوار قبل أن يرفع اليد بالاستسلام لإرادة الشعب..أن يقف كرجل قبل أن يكون رئيس دولة…فيقدم اعتذاره للشعب السوري..ويعيد كلابه الضالة إلى أقفاصها..ويجردها من أنيابها …وقبل أن يطلق حرية الأحرار..وهم بالآلاف..من معسكرات الاعتقال النازية..وقبل وقبل ..الكثير من المطالب..وقد بات جميعكم يعرفها..ولا أعتقد أن من اتخذ من الدبابة والرصاص لغة حوار مع شعبه يمكنه أن يرتدي جلد حمل وديع كمواطن بين المواطنين..فقد سقط من عين أصغر طفل فوق أرض سوريا…سقط سقوطاً ذريعاً…فلو تحلى ببعض الضمير والوطنية واعتبر ولو قليلا..أو لو أراد لوطنه خروجاً سليماً ..يوقف حمام الدم…لاتخذ من ” فريدريك ويليام ديكلارك” الرئيس الجنوب إفريقي الأبيض درساً وعظة..حين وجد أنه من المستحيل على أقلية بيضاء أن تتحكم بوطن، فهلا وصلت الرسالة؟!ــ..ولست هنا في صدد توجيه التهمة لانتمائك الطائفي ــ ، وإنما لأسرتك الأسدية، التي حرثت سوريا عنفاً وموتاً وسلباً وامتلكتها كمزرعة ..مع أنها منذ استقلالها وفي النص الدستوري معرفة بأنها نظام ” جمهوري”!! فهل تُوَّرث الجمهوريات ؟ وهل سينصاع العقل لإرادة الشعب فينقذ الوطن من مغبة حرب وفناء يسعى من يملك العصمة الرئاسية ومن والاه للتضحية بالوطن وماعليه من أجل البقاء؟.

ــ باريس 14/5/2011.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى