صفحات سورية

الواقع السياسي للثورة السورية


شادي أبو فخر

منذ البداية وبسبب عدم الفهم الحقيقي للثورة التي حصلت في تونس ومصر عزف الشارع السوري في حراكه عن السياسة، معتقدا أنه لا يسعى إلى عمل سياسي وإنما هو يسعى فقط إلى تحقيق الحرية لسورية، وسادت أفكار عبر عنها بـ “دع السياسة للسياسيين”، وتابع الثوار حديثهم؛ نحن شعب ثائر لا يسعى إلى السلطة وإنما يسعى إلى تحقيق حرية وطن، مما بين مأزق عدم فهم ماهية السياسة لدى الشارع أو الثوار، فهي تعني لهم الحصول على السلطة كهدف رئيسي للعمل السياسي غائبا عن بالهم جوهر العمل السياسي وأقصد هنا المشروع السياسي, هذه الضبابية التي أحاطت مفهوم العمل السياسي في المجتمع ,نتجت بشكل رئيسي عن القمع والتهميش والتخلف للمجتمع الذي فرضه النظام طوال أربعين عاما، من جهة، ومن جهة أخرى ارتباط فهم المجتمع للسياسة تاريخيا في سوريا بالانقلابات العسكرية التي وجد إنها تسعى إلى السلطة فقط وللنموذج المكيافيلي الذي كرسه النظام طوال أربعين عاما ،هذا النموذج المليء بالمؤامرات والعنف والاستبداد الذي يهدف بالدرجة الأولى للمحافظة على كرسي السلطة, إما النموذج الأخر للعمل السياسي والذي عبرت عنة الأحزاب والشخصيات المعارضة في سورية كانت عاجزة عن انتاج نموذج حقيقي للعمل السياسي في سورية ومن البديهي القول أن هذا العجز نتج عن القمع العنيف الذي طالهم من قبل السلطة وتغيبهم عن التفاعل مع المجتمع السوري نتيجة اعتقال السياسيين او تهجيرهم لعشرات السنين.

القصور في الفهم هذا سمح لمقولة (لا نريد أن تتسخ ثورتنا بالسياسة) بأن تسود لدى الثوار .

استمر هذا الواقع حتى بداية الشهر السادس عندما أصبحت الثورة تشهد نوعا من السكون من حيث عدم وجود تطورات نوعية في واقع الثورة رغم اتساع مناطق التظاهر و وصول عدد المتظاهرين الى أرقام فلكية من حيث نسبة المشاركة (قاربت نسبة المشاركين بالتظاهر20% من عدد السكان)، ووجود إحساس دفين لدى السوريين بأن النظام لم يضعف بعد كما يجب, مما دلل على وجود خلل ما منع الثورة من تحقيق أهدافها بالسرعة المطلوبة. فبدأ السوريون البحث عن الخلل الحاصل ليستشعروا خطأ إهمالهم للعمل السياسي أثناء الثورة، فبدأ بحثهم عن حل لهذا الخطأ ليجدوا ان بنية التنسيقيات بوضعها القائم كانت تفتقر لإمكانية إنتاج خطاب سياسي كونها أسست بهدف تنسيق المظاهرات و التغطية الإعلامية لها مما جعل هناك حاجة لتطويرها وبالفعل بدأت عملية تطوير هياكل التنسيقيات في دمشق حيث تم تشكيل لجان بداخلها (تنظيمية وسياسية وحقوقية واعلانية وطبية ومالية)

ولكن هذه التطويرات لم تحقق إمكانية إنتاج مشروع سياسي موحد للثورة ليبدأ العمل على تشكيل ائتلاف للثورة يضم كل القوى والتنسيقيات الفاعلة في سورية طلب منه أن يعبر سياسيا عن الثورة ويكون قائد لها ولكن وبسبب الضغط الأمني الشديد وحملات الاعتقال الواسعة التي طالت قادة التنسيقيات (وهم الأشخاص المنادين بالنضال السلمي بمعظمهم) وخاصة في الفترة التي سبقت رمضان أدت إلى إجهاض هذا المشروع ومنع اكتماله مما أوقع الثورة في مأزق فلم يتمكن الثوار من تحقيق هكذا ائتلاف نتيجة اعتقال معظم القادة كما ذكرت والى خلق فراغ في القيادات الأمر الذي دفع أشخاص اقل خبرة منهم لأخذ مكانهم, ليحاولوا إنتاج أشكال جديدة للتنسيق و تعبيرات سياسية للثورة ولكنها لم تكن (هذه الأشكال) قادرة على تحقيق ذلك كون العديد منها تنسيقيات افتراضية, في هذه الأثناء التقطت القوى السياسية المعارضة هذا المأزق وبدأت تحاول ملء هذا الفراغ , من خلال محاولة ربط التنسيقيات بها، وشراء ولائها من خلال تمويلها ومدها بالمساعدات اللوجستية والإعلامية، هذا الأمر أدى الى انعكاس الانقسامات الموجودة في داخل المعارضة من شخصيات وقوى وأحزاب على الشارع والحراك الثوري في سورية. لتبدأ مرحلة جديدة في الثورة السورية هزيلة ومشرذمه بالمعنى السياسي، اتسمت بوجود حالة من التنافس بين هذه القوى على امتلاك أكبر حجم ممكن من الشارع عبر كسب الولاء من خلال العطايا والمساعدات المالية والتغطية الإعلامية، لتعود وتقع الثورة بنفس المأزق أي عدم وجود مشروع سياسي يعبر عن الثورة الأمر الذي ساهم في إطالة عمر النظام و ازدياد الثمن الذي يدفعه الشعب السوري ومنع فئات اجتماعية كبيرة في سورية من الدخول في الثورة، كون العمل السياسي الذي قدمته الثورة المتمثل بما قدمته الأحزاب والقوى السياسية التقليدية المعارضة (المجلس الوطني , هيئة التنسيق) هو عمل هزيل متشرذم يخلو من مشروع سياسي حقيقي وتبدو عليه معالم السياسة الميكافيلية، وهذا أمر غاية في الخطورة اذا ما أستمر كونه سيؤخر انتصار الثورة من جهة ومن جهة اخرى بقاء هذا النمط من العمل السياسي (الذي تتتبعه المعارضة) سيؤسس لعمل سياسي مشوه بعد سقوط النظام يعتمد على شراء الولاءات للحصول على السلطة وهذا أمر غاية في الخطورة لما يعنيه من استمرار نمط العمل السياسي الحالي الذي يتبعه النظام (المكيافيلي)

و تغيب المشروع السياسي وجوهر العمل السياسي المتعلق بخدمة الصالح العام، وبالتالي ستصبح الثورة وقواها أمام معضلة جديدة وواقع جديد لا يختلف عن الواقع الحالي كثيرا في جوهره رغم اختلافه بالشكل، وبتعبير آخر تتحول سوريا إلى نموذج ديمقراطي بائس، قد لا يكون بالضرورة طائفي وإنما نموذج يخاض الصراع السياسي فيه للحصول على السلطة من خلال شراء الأصوات الانتخابية وشراء الولاءات على حساب المشروع السياسي بأحسن الأحوال لتبقى أحوال الناس كما هي لذلك على الثورة أن تتدارك الأمر وتبدأ بالعمل على إنتاج كيان سياسي حقيقي يعبر عنها ويعتمد في قوامه على قياداتها الشابة بعيدا عن المعارضة التقليدية ليقدم خطابا سياسيا حقيقيا ستسعى أحزاب المعارضة إلى تبنيه مما يقوم سلوكها ويدفعها إلى توحيد جهودها لخدمة الثورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى