بشير البكرصفحات مميزة

الوصفة الأميركية للأكراد/ بشير البكر

 

 

صار ثابتا أن الولايات المتحدة تثق بالأكراد، وتتعامل معهم، وتقف إلى جانبهم على نحو يختلف كليا عن بقية شعوب الشرق الأوسط. ومن دون مقارنة، يمكن الجزم بأن الأكراد باتوا يأتون في المرتبة الثانية، بعد إسرائيل، لناحية الحليف الذي يحظى بمكانة خاصة لدى الشريك الأميركي، ويسهل رصد جذور العلاقات الجديدة منذ حرب “عاصفة الصحراء”، حين اجتاح الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، مناطق الأكراد في العراق، وكان من نتائج ذلك نزوح الآلاف إلى تركيا، وفي ذلك الوقت، وجدت واشنطن صيغة “الملاذ الآمن”، ووضعت عملية “المطرقة المتأهبة” لمنع الطيران العراقي وأسلحة المدفعية بعيدة المدى من الاقتراب من حدود الإقليم الكردي، الذي صار أمر واقعا، ثم أصبح كياناً دستورياً بعد الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003. وبموجب دستور عام 2005، بات الإقليم الكردي جزءاً من الدولة الاتحادية العراقية. ومن دون شك، الدعم الأميركي للأكراد نابع من رهان على حليف يستطيع النهوض بأعباء الشراكة.

الملاحظ اليوم أن المعادلة التي طبقها الأميركيون في العراق يقومون بنقلها إلى أكراد سورية، الذين حملوا السلاح في مناطق القامشلي قبل ثلاث سنوات، ثم تطور وضعهم ليصبحوا مليشيات يحسب حسابها في المعادلة الإقليمية، واللافت هنا أن واشنطن لم تتحرج من بناء علاقات متينة مع حزب الاتحاد الديمقراطي، على الرغم من قربه من النظامين في سورية وإيران وعداوته مع تركيا، وتبين في معارك عين العرب وتل أبيض أن واشنطن لا تحسب حساباً لقوة عسكرية في سورية قدر حسابها للأكراد، وهذا ما ظهر، أيضاً، في العراق بعد احتلال الموصل، حيث وضعت الولايات المتحدة ثقلها من أجل وقف تقدم “داعش” باتجاه أربيل عاصمة الإقليم الكردي، وقدمت للبشمركة كل أشكال الدعم، من أجل طرد “داعش” من بعض النقاط الاستراتيجية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا تفضل واشنطن التحالف مع الأكراد، وتساندهم إلى هذا الحد، وما الذي تنتظره منهم؟

هناك قناعة لدى واشنطن بأن التحالف مع الأكراد، في هذه المرحلة، أجدى منه مع بقية مكونات المنطقة، وأقل ضرراً، لأن الطرفين يعرفان ماذا يريدان من بعضهما. ولذا، فإنهما يمكن أن يتعايشا زمناً طويلاً من دون منغصات، وفي وسع كل منهما أن يعتمد على الآخر.

ما جعل الولايات المتحدة تثق بالتحالف مع الأكراد في العراق سابقاً، وسورية حالياً، هو وجود مرجعية محددة ومركزية وصاحب قرار واحد، وليس كما هو الحال لدى المليشيات العراقية والسورية التي صارت أعدادها بالمئات. والسبب الثاني، وضوح الأهداف الكردية، بينما يختلف الأمر على الطرف الآخر لدى العراقيين والسوريين، عدا عن أن هؤلاء يغرقون في حروب وانقسامات وتصفية حساباتٍ، لا تبشر بقرب نهاية.

ما تريده واشنطن من الأكراد في هذه المرحلة هو الشراكة في محاربة “داعش”، وقد أبلوا بلاء حسناً في أداء هذه المهمة، وهاهم يحققون انتصارات متوالية في سورية والعراق، في حين أن الأطراف العراقية والسورية تنتظر من الولايات المتحدة التدريب والتمويل والتسليح والدعم الجوي، وحتى إرسال قوات برية. اختصر الأكراد هذا كله بسرعة، ووفروا على أميركا أن تزج بنفسها في أتون المعركة. ولهذه الأسباب، يبدون اليوم الطرف المؤهل للتحالف معه، على مدى متوسط بالنسبة للولايات المتحدة والأطراف الغربية. وللأسف، لم تتمكن الأطراف العربية في العراق وسورية من التقاط هذه الرسالة، ولذلك تزداد انقساما، من دون أن يكون لها دور في رسم حدود الخرائط الجديدة التي صار الأكراد محركاً أساسياً فيها. وفي جميع الأحوال، هناك اختلاف مهم بين أكراد سورية والعراق، وهو أن قيام الإقليم الكردي في العراق لم يكن محل اختلاف، على عكس ما هو الأمر في سورية.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى