سمير العيطةصفحات مميزة

الوقت الضائع؟/ سمير العيطة

يعلم الجميع أنّ لا حلّ عسكريّاً في سوريا اليوم، ولن يُسمح لطرف بالانتصار كليّاً على الآخر، في حين ليس هناك أيّ حلّ سياسيّ في الأفق، لا من خلال استئناف جولات جنيف ولا غيرها.

إنّ سوريا تعيش اليوم على إيقاع «الوقت الضائع»، من الصعب أن تقول لمن تقضي البراميل المتفجّرة العمياء الهابطة من السماء على أهله ومنزله، إنّه قد فقدهم في «الوقت الضائع». وصعبٌ أن تواسي من خطفوا نساءه وأطفاله بالقول أنّ الفاعلين هم مقاتلون يلعبون لعبة الموت لكسب المال أو الشهرة في «الوقت الضائع». وصعبٌ أن تشرح لمن حمل على كتفيه اليسير ممّا يملك، متوجّهاً نحو المجهول، بلا أفقٍ قريبٍ للعودة، وربّما من دون عودة، أنّه قد تمّ تهجيره في «الوقت الضائع».

ساد الظنّ لفترة أنّ هذا «الوقت الضائع» هو مؤقّت فقط، بانتظار توافق سعودي – إيراني بالحدّ الأدنى، برعاية أمريكيّة – روسية، ولكنّه أضحى اليوم أيضاً بانتظار وضوح أفق الصراع السعودي – القطريّ، ثمّ التركيّ – التركيّ، أو الروسيّ – الأوروبيّ – الأميركيّ حول أوكرانيا، ومن يدري حول ماذا غداً؟

قد يستمرّ هذا «الوقت الضائع» طويلاً، خاصّة أنّ الكلفة «الهامشيّة» لاستمرار الحرب والفوضى أضحت أدنى بكثير من تلك اللازمة لإيقافهما وإحلال السلم وإعادة الإعمار وتوطين المهجّرين. والحرب والدمار إذاً حتّى آخر قطرة دم سوريّة، وآخر بيت، وآخر بلدة وآخر قرية.

وفي «الوقت الضائع»، يمكن إلقاء المئات من البراميل الرخيصة كلّ يوم، وإفراغ حلب من سكّانها، والقيام بحملة اعتقالات واسعة، أو فتح جبهة جديدة، وإجراء مؤتمرات للمعارضة، وإنشاء أحزاب جديدة، وكتابة المقالات، وإلقاء الخطب الطنّانة على القنوات الفضائيّة، إلخ…

ويُمكن لمسؤولٍ لدى السلطة التصريح كلّ يوم أن الجميع خونة إلاّ الرئيس، وكلّ يوم لشخصيّة «بارزة» من المعارضة القول أنّ الآخرين لا يفهمون شيئاً، وأنّه وحده على حقّ، ويُمكن لشخصيّة أخرى المطالبة بضرورة مصالحة إسرائيل، وتقترح ثالثة وجوب الاندماج مع تركيا. هذا دون الحديث عن «دولة العراق والشام» التي تحارب الجميع، ولا أحد يتساءل حقّاً من يمدّها بالتجهيزات والمال والمقاتلين. وكلّ يوم يمكن لمسؤولي ما يسمّى «أصدقاء سوريا» الشكوى من عدم توحّد المعارضة، في حين هم بالذات الذين خلقوا الوهم أنّ طرفاً فيها هو الممثّل الشرعيّ والوحيد للشعب والدولة، وبالتالي لا يُمكنه توقيع أدنى برنامجٍ مشترك أو اتفاق مع أيّ طرفٍ معارضٍ آخر، لأنّ ذلك ينقض بالضبط الوهم الذي تأسّس عليه. وكيف لكيانٍ تتقاذفه صراعات الدول، ومن دون ريادة حقيقيّة باعتراف القائمين عليه، أن يكون هو… صاحب السيادة. وهؤلاء «الأصدقاء» هم بالذات من منع توحيد المعارضة العسكريّة وضبطها ضمن منظومة تلتزم بأسس الحرب وأخلاقيّاتها.

بنى الناس آمالاً على «جنيف 2»، وعلى حلّ سياسيّ يوقف الحرب، وتبيّن أنّ من ذهب إليها، إنّما ذهب في نيّة إضاعة الوقت، ممثلو السلطة كما ممثلو المعارضة، وخاصّة الدول الراعية التي ادّعت العمل على تطبيق «وثيقة جنيف».

لا بدّ من كسر حلقة الوقت الضائع العبثيّة. يا «أصدقاء» ثورتنا، كما يا «أصدقاء» نظامنا، أما ضقتم ذرعاً من مشاهد القصف والقتل والدمار والموت والتهجير والجوع؟ ويا أيّها السوريّون، أليس «الوقت الضائع» هو بالضبط الفرصة لكي تطرحوا خطاباً مختلفاً وتخرجوا بلادكم من الاستعصاء؟ بأيديكم وعقولكم، لا بالسلاح.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى