صفحات الرأي

اليسار والليبراليون ومستقبل الثورة (أفكار للنقاش)

 


عاطف الشحات

“مع الاعتراف بأن الحرية والمساواة معا هما أعمدة أي نظام سياسي ناجح، إلا أن الحرية هي الأساس وينبغي أن يكون لها دائما الأسبقية. وليس المقصود بالحرية هنا فقط أشكال الحكم الديمقراطي وسيادة القانون بل أيضا الاعتراف بحقوق أساسية للفرد لا يمكن المساس بها ولو بموافقة الأغلبية. فللفرد، باعتباره إنسانا، حقوق سابقة تحمى وجوده وفكرة عقائده ومشاركته في الجماعة، لا يمكن المساس بها على أي وجه من الوجوه. وليس الأمر مجرد تفضيل شخصي بل أنها نتيجة تجربة تاريخية طويلة. فنظرة منصفة إلى النظم السياسية المختلفة تقطع بأن الدول التي قامت على مبدأ الحرية ودعت إليها لم تنجح فقط في توفير قدر كبير من الحرية ــ كل شيء نسبى طبعا ـ ولكنها وفرت أيضا مكاسب ضخمة على طريق المساواة… وعلى العكس من ذلك، فإن النظم السياسية التي قامت أساسا على مبدأ المساواة قد فشلت جميعا ـ تقريبا في تحقيق الحرية ولم تنجح في كثير من الأحوال في تحقيق المساواة.”

جاءت هذه الكلمات على لسان أحد عتاة الفكر الليبرالي في مصر، وهو المفكر الاقتصادي حازم الببلاوي. (جاء نصها في كتابه «في الحرية والمساواة» وذكر نفس النص في مقال له مؤخراً بجريدة الشروق بتاريخ 2 ابريل الماضي). يعكس المقال جدل قديم بين مفكرين النظرية الاقتصادية والفلسفة السياسية، حول الصراع بين افكار مجردة هي الحرية والمساواة. ويحمد للدكتور حازم اتساقه مع نفسه وطرح نفس الافكار طوال مشواره المهني. لكن يبدو انه أسير الهوجة الفكرية لما بعد الحرب الباردة وما أسماه البعض بنهاية الاشتراكية. يقول المفكر الببلاوي إن فكرة المساواة فكرة لن تقود إلى الحرية، لكن الحرية (الاقتصادية) وحرية الفرد سيقودان إلى المساواة حتماً. وبغض النظر عن إن هذا الجدل يبدو عقيم، بعد أكثر من عقدين من فشل سياسات الليبرالية (الجديدة) التي نادت بالحرية ووصل الأمر إلى العديد من الأزمات الاقتصادية للرأسمالية وأخرها عام 2009. ونتج عن ذلك تدخل عتاة الرأسمالية لمساعدة السوق الرأسمالي، حيث تدخل بوش ومن بعده اوباما لمساعدة الرأسمالية عن طريق العديد من المنح والمحفزات للبنوك والبورصات الأمريكية. وهل من مستقبل لليبرالية في مصر اليوم وخاصة فيما بعد ثورة 25 يناير؟ هذا المقال مخصص لطرح بعض الأفكار الأولية للإجابة عن هذا التساؤل. وقبل الإجابة عن هذا السؤال من المفيد عمل بعض المقدمات الضرورية.

مقدمات ضرورية للفهم:

أول هذه المقدمات الأمور إنه بالرغم من وجود روافد كثيرة للفكرة الليبرالي إلا أن اللييرالية ببساطة فلسفة فكرية تعتمد على حرية الفرد والمساواة في حقوق الافراد. ومن بين الرموز الأساسية لهذا الفكر أدام سميث في الاقتصاد وكل من جون لوك وجون ستيورات ميل في السياسة، وبرزت الليبرالية في القرن الثامن عشر في أوربا. هذا ما عرف باسم الفكر الليبرالي الكلاسيكي. وكانت بداياته كجزء من تمرد أوربا في عصر التنوير على الدين، وضد سلطة الدين والكهنة والسلطة المطلقة للملوك. وبالرغم من ان الرافدين الأساسيين لليبرالية: أي السياسية (كما تحدث عنها لوك وستيورات ميل) والاقتصادية ( كما بشر بها سميث) ظهراً منفصلين، كأفكار لكنهما مع تطور الوقت أصبحا مرتبطين بصفة عامة. وبرغم ان حجر الأساس هو حرية الفرد والتبشير بمنع أي تدخل للدولة الا في الحدود الدنيا ولحماية الليبرالية نفسها أو السوق، لكن مع مرور الوقت تطور الفكر الفكر الليبرالي ليشمل حزمة من الأفكار الأساسية العامة مثل الحقوق الدستورية والديمقراطية وحرية الانتخابات والرأسمالية وحرية التجارة وحقوق الانسان.

وثاني هذه المقدمات ان الفكر الليبرالي مر بموجات مختلفة في أثناء هذا التطور كما أن تفسير وتطبيق معنى الليبرالية قد اختلف من مجتمع لمجتمع. فبينما كانت الليبرالية الكلاسيكية (بفرعيها السياسي والاقتصادي) طاغية في القرن الثامن عشر، واستمرت منتشرة في القرن التاسع عشر، إلا أن ثمانينات وتسعينات القرن العشرين شهدت ما يسمي بالليبرالية الجديدة وهي نوع متطرف من الليبرالية الاقتصادية والتي اعتمدت على التضخيم من دور حرية السوق والتحجيم من اي دور للدولة. وبالرغم من ان ادم سميث نفسه قد حذر في كتابه في ثورة الأمم عام 1776 من الاحتكارات وطالب بتدخل الدورة على الأقل لعمل بنية أساسية وحماية السوق، لكن الليبراليين الجدد طبقوا سياساتهم المتطرفة في الغرب والشرق، وسيطرت افكارهم على المؤسسات المالية الدولية مما نتج أدى إلى عملية إفقار ونهب منظم في العالم الرأسمالي المتقدم والفقير على السواء. ونتج عن تطبيق الليبرالية الجديدة، والتي انتعشت بسقوط الاتحاد السوفيتي مئات من الكوارث الاجتماعية في العالم. ونظرة عامة على أي احصاءات متاحة سوف تكفينا لمعرفة هذه الاثار والجرائم في أفريقيا وأمريكا اللاتينية على وجه الخصوص، وخاصة بسبب تطبيق برامج التكيف الهيكلي والخصخصة و (روشتات) البنك وصندوق النقد الدوليين. وبنهاية القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين بدأ بعض المنظرون الأوربيون في التنظير لما أسموه بالليبرالية الاجتماعية أو الليبرالية ذات المسحة الاجتماعيةsocial liberalism)). يهدف هذا الفكر لإعادة الروح في الفكر الليبرالي بتصحيح بعض جرائم تطرف الليبرالية الجديدة، والطريقة الأساسية لذلك هي تفعيل دور الدولة مرة اخرى في الاقتصاد.[1] واعتمدت أفكار الليبرالية ذات المسحة الاجتماعية على أفكار لجون ماينارد كينز وخاصة كتابه الشهير الصادر عام 1936، في النظرية العامة للشتغيل والربح والنقود ( مع الأخذ في الاعتبار بأن الكينزية أصبح لها معان مختلفة وتم توجيه نقد لها، لكن بالطبع يبدو أن الرأسمالية احتاجت لها مرة أخرى). وكانت الكينزية قد انتشعت لحل مشاكل الرأسمالية بعد الكساد الاقتصادي العظيم في عام 1929. بالطبع فإن ظهور الليبرالية ذات المسحة الاجتماعية في السنوات الأخيرة لم يأت من أجل عيون الفقراء، لكنه من أجل حل مشاكل الرأسمالية. وبالرغم من هذا المسار العام (ليبرالية كلاسيكية ثم ليبرالية جديدة ثم ليبرالية تأخذ مسحة اجتماعية) كان الملمح العام في أوربا والولايات المتحدة لكن يبدو ان هناك لبس في المصطلحات وخلط كبير وسيما في الفرق بين الولايات المتحدة وأوربا. ففي الولايات المتحدة، فان كل من الحزبين الكبيرين يدافعان عن الرأسمالية باستماتة، لكن يسمى الحزب الديمقراطي بأنه أكثر ليبرالي بينما يسمى الكتاب الحزب الجمهوري بأنه حزب محافظ. والمفارقة أن من يسمي حزب ليبرالي هو من يدعو إلى بعض التدخل من الدولة. أما الحزب الجمهوري وهو لا يطلق عليه وصف ليبرالي، لكن الأدق أن يتم وصفه بالليبرالية المتطرفة. ويمكن وصف سياسيات الحزب الديمقراطي بأنها اقرب إلى الليبرالية ذات المسحة الاجتماعية (أو الحفاظ على الرأسمالية واقتصاد السوق مع تدخل قليل من الدولة). أما في أوربا فلازالت أوربا تنتمي إلى الليبرالية الجديدة مع بزوغ الليبرالية ذات المسحة الاجتماعية، وخاصة في دول مثل ألمانيا.

وثالث هذه المقدمات فهي عن تاريخ الليبرالية في مصر. يعن لبعض الليبراليون المصريون القول بأن الليبرالية كانت منتشرة في المجتمع المصري، لكن مجىء ثورة يوليو اجهض هذه الليبرالية. هذا القول ربما يكون به قدر من الصحة وذلك اذا فهمنا بهذا الانتشار وجود دستور ذو مسحة ليبرالية هو دستور عام 1923، ووجود بعض النخب المنتمية للفكر الليبرالي مثل احمد لطفي السيد وسعد زغلول، واحزاب مثل الوفد القديم وحزب الاحرار الدستوريين والحزب الديمقراطي المصري (والذي ظهر لفترة وجيزة). واذا كان ذلك صحيح فإن وجهة النظر هذه لا تذكر أن أفكار الليبرالية في مصر كانت دائماً نخبوية. وباستثناء حزب الوفد القديم فإن الأحزاب الليبرالية كانت صغيرة وعلي رأسها قيادت فكرية تمثل مصالح الإقطاع بصفة عامة. انتمت الطبقات الشعبية للوفد بسبب القضية الوطنية، لكن كانت قياداته أيضاً من المثقفين وقيادت الإقطاع أيضاً. ولم تكن مصر فيما قبل يوليو 1952 ساحة لليبراليين وحدهم. ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن مصر لم تنقطع عنها الحركات والأفكار الاشتراكية طوال القرن العشرين. حيث شهدت فترة ما بعد ثورة 1919 إضرابات كثيرة نتج عنها ظهور الحزب الاشتراكي المصري الأول ونقابات عمالية كثيرة. وقد تكون أول اتحاد عمالي مصري مثلاً عام 1921. لكن قيادات الإقطاع نفسها هي التي لاحقت القيادات العمالية وقررت حل الاتحاد وملاحقة قياداته.

وقد تأسس الحزب الاشتراكي المصري ايضاً عام 1921، والذي غير أسمه الى الحزب الشيوعي المصري. وكانت حكومة الوفد نفسها هي التي سحقت ها الحزب عام 1924. كما شهدت الاربعينات من القرن الماضي العديد من الإضرابات وانتشرت النقابات العمالية. وظهر الحزب الشيوعي المصري مرة أخرى حتى تم حله عام 1965. وظهرت الأحزاب والمجموعات اليسارية في مصر في السبعينات واستمرت بصعود وهبوط حتى الأن. وقد ظهر الوفد في طبعة جديدة في سياق التعددية الحزبية المقيدة لنظام مبارك. وبدأ الوفد منتعشاً بأسمه لقديم لفترة في الثمانينات. لكن سرعان ما انضم الوفد لمسرحية الديكتاتور، مثله مثل كثير من الأحزاب التي أصبحت طوع إرادة الديكتاتور. واستمر الفكر الليبرالي في صورة كتابات فردية لاشخاص مثل الدكتور حازم الببلاوي والدكتور سعيد النجار. كما ظهرت أحزاب الغد ثم حزب الجبهة الديمقراطية. وهذان الأخيران كان أكثر نشاطاً ـ بغض النظر عن تعرض الغد لضربات واختراقات أمنية ـ وكانا أكثر التحاماً مع وفي جبهات المطالبة بالديمقراطية. وبينما كان حزب الوفد وبقية الأحزاب المسماة حقاً بالكارتونية تقف ضد ثورة 25 يناير في بدايتها مرة قولاً ومرات فعلاً، كان شباب حزبي الجبهة والغد موجودين في تظاهرات وفي اعتصامات الثورة.

أما رابع هذه المقدمات فهي عن الوضعية الراهنة لليبراليين وحالة ما بعد الثورة. بالاضافة إلى أحزاب الوفد (ويبدو أنه حزب عديم التأثير كحزب باستثناء بعض التأثير لأسباب عصبية وقبلية ونفوذ رجال اعمال مرتبطين به) وأحزاب الغد والجبهة الديمقراطية والمعروفين كأحزاب ليبرالية، ظهرت مشروعات بعض الأحزاب في إطار ما بعد الثورة برز منها أحزاب المصريين الأحرار والذي أسسه نجيب ساويرس والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. وبالإضافة إلى هذين الحزبين البارزين، ظهرت ايضاً مبادرات مثل حزب 25 يناير ( وكيل مؤسسيه وائل الإبراشي) و الحزب الليبرالي ( وكيل مؤسسيه د. شريف حافظ). والقضية المركزية الأن هو أن نفهم لماذا انتشعت الافكار الليبرالية في السنوات الأخيرة لما قبل ثورة 25 يناير؟

مع الاعتراف بتواطؤ الوفد مع الديكتاتور، سمحت الطبيعة الاستبدادية للنظام مبارك بخلق ائتلافات بين القوى الوطنية للنضال من أجل الديمقراطية. كانت كلمات مثل الاستبداد والنضال من أجل الحرية شعارات يتفق عليها كل من كرهوا وناضلوا ضد الديكتاتور من أقصى اليمين الى اليسار.كما ان التناقض الصارخ بين تطبيق مبارك ليبرالية اقتصادية متطرفة (قامت على التجويع والنهب) وتجاهله الحريات السياسية ساعد في خلق مناخ مَوات لتبني الكثير من الشباب الكلام عن الليبرالية. لكننا يجب أن نعترف أن شعارات عامة لوصف نظام مبارك مثل تحالف الاستبداد والفساد كانت محل اتفاق جميع، لكنها كانت تخفي ورائها غياب أي تحليل اجتماعي للطبيعة الطبقية الظالمة لنظام مبارك. بينما يرى كثيرين أن مجرد التخلص من الديكتاتور والتخلص من المفسدين سوف يحقق الرخاء والعدالة للمجتمع المصري، لكن اليساريون الراديكاليون فقط يؤمنون بأن الثورة المصرية الأولى يجب أن يعقبها ثورة اجتماعية اشتراكية أخرى لتحقيق هذه العدالة. يقول الليبراليون ورجال الأعمال أن مجرد التخلص من الاحتكارات سوف يؤمن العدالة الاجتماعية ويجلب الرخاء للجميع لكن الاشتراكيون يرون أن المشكلة ليست في الاحتكار فقط ولكن في مجتمع يقوم على رأس المال نفسه وليس مجرد الاحتكار. صحيح أن بعض الليبراليين والقوميين والإسلاميين كانوا رفاق درب في في معركة التخلص من الديكتاتور. وصحيح يجب أن نعترف بأن الليبراليون ليسوا جسداً وحيداً في مصر. لكن النقطة الأساسية اليوم هي معركة تحقيق العدالة الاجتماعية. ومكمن الخلاف بين الاشتراكيين والليبراليين هو تصورهم لكيفية تحقيق هذه العدالة الاجتماعية. وهنا يجب أن نعترف أن اليسار نفسه ليس خالياً من العيوب. وهناك من قوى اليسار من بدأ مؤخراً في المطالبة بعمل تحالفات مع الليبراليين من أجل محاربة الطائفية وصعود السلفيين. والمشكلة الحقيقية في هذا الطرح أنها تتجاهل أن تحقيق مشروع الدولة المدنية لن يأتي بطريقة مجردة بعيداً عن هموم الفقراء الاقتصادية والاجتماعية.

نعم قد تخلصت مصر من الديكتاتور مبارك بعد ثورة شعبية، لكن أمسك بزمام الأمور المجلس الأعلى للقوات المسلحة. كان أقصى طموح كثيرين ممن شاركوا في الثورة إسقاط الديكتاتور وتغيير النظام، وطالبت الثورة بتحقيق عدالة اجتماعية. في ذهن كثيرين ممن قاموا بالثورة إنها ثورة ديمقراطية فقط، بمعني تحقيق ديمقراطية ولكن مع عدم وجود تغيير جذري طبقي، أي مع استمرار الرأسمالية المصرية وحرية السوق لكن مع وجود مسحة من العدالة الاجتماعية.  واتفق كثيرين على أن الثورة حققت جزءاً كبيراً من أهدافها، وسيكتمل ذلك بوصول الحكم لسلطة مدنية منتخبة. أي إن الجميع يتحدثون عن تغييرات دستورية وحكومة ديمقراطية، ومحاربة الفساد وفي أحسن الأحوال تحسين أمور الفقراء.   أي إن الجميع يتحدث عن إن الثورة تقريباً انتهت. ولكن اليسار الراديكالي فقط يضع في نصب أعينه إن هذه الثورة لن تكتمل إلا بثورة اشتراكية أخرى، ثورة يقوم بها الفقراء والعمال لتغيير النظام الاجتماعي في مصر. التغيير الشامل للنظام االاجتماعي في مصر ليكون اكثر عدالة حيث ينتهي الاستغلال هو ما نراه جوهر أي تغيير قادم، لن يكون ذلك  بعمل مسحة اجتماعية، تقوم فقط على ضمان حد ادني للأجور أو بـ”حسنات” تقوم بإعطائها حكومات رجال الأعمال للفقراء. وتمثل هذه النقطة محل خلاف جذري بين رؤية اليسار الراديكالي ورؤية الليبراليين وغيرهم للأمور.

ومع اتفاقنا على أن هناك نقطتين أساسيتين للخلاف بين الموقف الاشتراكي والليبرالي  بصفة عامة هما مسألة ضرورة الثورة الثانية ومسألة الرؤية للقضية الوطنية، لكن هذا المقال سوف يركز بالأساس على ما يعتبره شرح لتناقضين أساسيين من داخل منظومة المعسكر الليبرالي نفسه.[2] كما سنبين ذلك في الجزء التالي من هذا المقال.

ليبرالية علمانية وبدون:

يذكر أنه منذ منتصف التسعينات قد بدأ بعض منظرو الغرب في الحديث عن نموذج ما أسموه بالديمقراطية غير الليبرالية. وينصرف هذا النموذج إلى وجود ديمقراطية شكلية تتخلص فقط في وجود انتخابات نزيهة بدون أن يتوازي ذلك مع وجود ليبرالية اجتماعية، بحيث تتوافر حريات حقيقية بين كافة أطياف ومجموعات المجتمع (مثلاً فريد زكريا مجلة فورين بوليسي نوفمبر/ديسمبر 1997). ومؤخراً وأثناء الثورة المصرية، وبدون حتى انتظار نتائج الثورة في مصر، بدأ منظرو الغرب في توقعاتهم عن أن هذا النموذج من الديمقراطية سيحدث في مصر.[3] وبالطبع راق هذا الكلام للمحافظين واليمين الأمريكي وفكرته الراسخة عن صعود الاسلاميين ( وفزاعة أن مصر سوف تكون إيران التي بدأ يروجها محللين من اليمين الأمريكي والصهيوني). وبغض النظر عن هذه الفزاعة واغراض هذا اليمين، لكن هذه الفكرة ليست خالية من الإعراب في الواقع المصري. ومؤخراً حدث جدل ما على صفحات جريدة الشروق بين الدكتور معتز بالله عبد الفتاح والدكتور عمرو حمزاوي، اتخذ كل منهما موقفاً مما يعنيه بمفهوم إقامة دولة ليبرالية في مصر. ودافع معتز بالله عما أسماه بالليبرالية المصرية التي تحترم الخصوصية الإسلامية، بحيث لا تكون علمانية. وقال إن الليبرالية العلمانية مليئة بالمخاطر. وقال أنه من حقنا أن نأخذ من الخلطة الفكرية لليبرالية ما يناسب مجتمعاتنا، (فنأخذ مثلاً الليبرالية السياسة والاقتصادية لكن نترك ما أسماه بالليبرالية الاخلاقية). ( الشروق 7 ابريل 2011). أما عمرو حمزاوي فقال أن الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي لا يمكن فصلها عن الشق الاجتماعي. لكنه قال” تضمن الليبرالية، اجتماعيا، حريات المواطنين المدنية والشخصية وتحمى قدسية الحياة الخاصة انطلاقا من قبول الحق فى الاختلاف والتسامح مع الرأى الآخر، وفى إطار احترام القوانين المعمول بها والأعراف المقبولة ومع التزام عدم الإضرار بالمصلحة العامة” (الشروق 5 أبريل 2011).والتوجه الذي يطرحه حمزاوي هنا هو ما يمكن تسميته بليبرالية علمانية لكنها ليست علمانية متطرفة. لكن لا يوجد اتفاق هنا على ما يعنيه حمزاوي وغالبية الليبراليين المصريين بـ(الأعراف المقبولة)؟

وتشير هذه الخلافات إلى أن بعض الليبراليون أو من يقولون عن أنفسهم كذلك مستعدون لأن يأخذوا بعض الأمور من “الشروة” الليبرالية ويتركوا أمور أخرى. من الانصاف أن ندرك أن مؤسسي الفكر الليبرالي أنفسهم كانوا منقسمون على ما يعنوه بذلك. لكن الانقسام الحادث في مصر يرشح هذا التناقض للظهور بقوة على السطح في معرك سياسية قادمة، ليس اقلها الدستور الدائم. وبرغم اتفاق الجميع على رطان الدولة المدنية، لكن يتخلف الليبراليون في تصورهم عن المقصود بالدولة الدينية. وهناك من بدأ في التحدث عن النموذج التركي. وقد قال البرادعي في أحد الحوارات التليفزيونية أنه لا توجد أي مشكلة في بقاء المادة الثانية من الدستور القديم (وهي بذات النص في الاعلان الدستوري المؤقت) في الدستور القادم. “خناقات” الدولة المدنية أم الدينية موجودة بين أطياف كثير من النخب وليس فقط الليبراليين. لكن المعضلة الحقيقية التي تواجه الليبراليين أنهم ينقسمون على أعز ما لديهم، وهي مضمون فكرة حرية الفرد، وعدم تدخل الدولة، بما يتضمنه ذلك نفسه بالضرورة من ألا يكون للدولة نفسها دين.

وإذا نظرنا لخريطة الأحزاب الموجودة حتى الأن، وبنظرة عامة للخطوط العريضة لما أعلن من برامج، سنجد أن حزب المصريين الأحرار ربما يكون أكثر الأحزاب الليبرالية تطرفاً من الناحية الاقتصادية، كحزب ربما يكون حزب مباشر لرجال الأعمال بقيادة ساويرس، وربما يكون أكثر الأحزاب العلمانية تشدداً أيضاً، حيث أعلن ساويرس إنه تم إنشاء الحزب صراحة في مواجهة الإخوان المسلمين. وبعد ذلك فإن هناك أحزاب الجبهة الديمقراطية والغد (الجديد) كأحزاب ليبرالية لكن يبدو أنها ليست متطرفة في مسألة العلمانية. أما الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فربما يكون خليط بين الليبرالية الكلاسيكية بوجود أشخاص مثل الدكتور حازم الببلاوي والليبرالية ذات المسحة الاجتماعية بوجود اشخاص يمثلون اليسار الديمقراطي، وهو لا يعلن عن نفسه كحزب ليبرالي صريح. وتظل الممارسة العملية هي المحك في هذا السياق. أما عن مجموعة البرادعي فهي ليست حزباً بعد، ولكنها تقف في موقف قريباً من أحزاب الجبهة والغد فيما يتعلق بموقفها من الليبرالية. وبالرغم من أن حزب العدالة والحرية المطروح من قبل جماعة الاخوان المسلمين لا يدخل نظرياً فيما يمكن رؤيته بمنظومة الفكر الليبرالي بالطبع، لكن من المتوقع ان يدافع الحزب عن اقتصاد السوق، أي أنه سيكون حزب ليبرالي اقتصادي، ومع تعليقه (يافطة) دولة مدنية، لكنه سيكون حزب محافظ على مستوى علمانية الدولة.

ومشكلة الليبراليين في مسألة الدولة المدنية ليس فقط انقسامهم فيما يتعلق باختيار التوجه العلماني الصريح أو خشيتهم من ذلك. ولكنه أنهم اختاروا مواجهة ما يمكن تسميته بمعركة الدولة المدنية على أساس مجرد، على أرض من الخطابة الدستورية والمبادىء العامة مثل المساواة والمواطنة. وصحيح أن ما يسمى بمعركة الدولة المدنية ليس أمراً قاصراً على الليبراليين فقط لكنها معركة يخوضها الشعب المصري كله. لكن المشكلة هنا أن الليبراليون اختاروا حلاً ـ وهو المتسق مع افكارهم ـ لا يوجد فيه ارتباط بين الدولة المدنية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. هذا الحل هو حل قاصر. ربما يقود أحياناً الى اختيار لمواجهات مفتعلة مع التيار الديني، وأحياناً أخرى ربما يعني الذهاب إلى ملعب التيار الديني. وتكون المواجهة هنا جوفاء (بين رطان ديني ورطان علماني) دون أن يعني هذا الرطان شىء ملموس للمواطن العادي الفقير.

ليبرالية “تتحدث” عن عدالة اجتماعية!

تكاد تجمع كل القوى على أن مصر بعد الثورة يجب أن تشهد سياساتها عملية عدالة اجتماعية، بدءاً من رئيس الوزارء عصام شرف وانتهاءً بمعظم الأحزاب تحت التأسيس. وكأن معظم هؤلاء ينتمون لما أسميناه في بداية المقال بالليبرالية ذات المسحة الاجتماعية. فالملفت للنظر أنهم كلهم يؤكدون ان مصر ملتزمة باقتصاد السوق، لكن يجب أن يكون ذلك الاقتصاد ملتزم بالعدالة الاجتماعية. وقد قال الدكتور عمرو حمزاوي في الشروق( بتاريخ 8 أبريل) إنه يشترط لإقامة اي حزب في مصر ـ من بين أمور اخرى ـ هو أن تتضمن مبادىء الحزب اقتصاد السوق الملتزمة بالعدالة الاجتماعية. وليس محل النقاش التفصيلي هنا لمسألة افتراض حتمية اقتصاد السوق. لكن القضية هنا هي ماذا يعني اقتصاد السوق المرتبط بالعدالة الاجتماعية؟ والسؤال الهام هنا، هل لما يمكن تسميته بالليبرالية ذات المسحة الاجتماعية فرصة وخاصة في مرحلة الفترة الانتقالية الحالية؟ ومع اعترافنا بان الاحزاب المطروحة على الساحة الأن التي يمكن تسميتها بالليبرالية او بقربها من الفكر الليبرالي هي مختلفةن نلاحظ أنهم كلهم يجمعون على هذا الشىء المسمى بليبرالية العدالة الاجتماعية (باستثناء حزب ساويرس على حد علمنا حيث لم نراه يتحدث عن هذا الأمر، وهو سيكون مرشح ليكون حزب رجال أعمال صريح كما قلنا).

ونحن هنا لا نتحدث عن مدى صدق نية الأحزاب الليبرالية وغيرها في تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن المهم هنا ان هذه الدعوة ستكون محدودة. وهناك أسباب أربعة على الأقل تدعونا لهذا الاستنتاج. اولاً: الطبيعة الطبقية لهذه الأحزاب لن تقودهم الى لمحدودية العمل في اتجاه العدالة الاجتماعية. فمعظم هذه الأحزاب يتكون من رجال أعمال ونخب من المثقفين المؤمنين بالليبرالية وجمهور كبير من قطاعات الطبقة الوسطى الذين يرون في الكلام عن الحرية الفردية بريق، أو الذين دخلوا هذه الأحزاب لنجومية بعض الأشخاص، أو الذين انتموا لهذه الأحزاب اعتقاداً بأنها سوف تقدم حلاً سحرياً لموضوع الدولة المدنية. وبصفة عامة القضية الأساسية هنا هو من له قدرة على التمويل، وفي الغالب الأعم هم رجال الأعمال. ويتخلف هذا الأمر من حزب لأخر. وعلى سبيل المثال كان نجيب ساويرس على وشك الدخول في الحزب الديمقراطي الاجتماعي ولكنه رفض الدخول لأن الحزب وضع سقفاً لتبرعات الأشخاص. وقرر أنشاء حزبه، الذي لا يوجد فيه سقف لتبرعات رجال الأعمال. والأمر ليس مجرد القدرة على التمويل، ولكن الخريطة الاجتماعية والطبقية لهذه الأحزاب لن يؤدي في الغالب الأعم إلى أن تغيب قضايا العمال والفقراء عن مركز برامجها، كما يتضح من قراءة عامة للملامح السريعة لما نشر من برامجها.[4] وليس من أدل على هذا من حمى النخب ضد الغاء مبدأ العمال والفلاحين في الدستور القديم. لم ينتقد هؤلاء مساوىء التطبيق السابق لهذا المبدأ، ولكن هاجموا الفكرة ذاتها، ولا معنى لذلك سوى العداء للفقراء.

ثانياً: هذه الطبيعة الطبقية المكونة لهذه الأحزاب تقود إلى تصور معين عن حلول مسألة العدالة الاجتماعية ينبني على تقديم بعض الحلول المؤقتة وفي صورة الحسنة التي يقدمها الرأسماليون للفقراء. ومن أمثلة ذلك فربما يوافق ـ كما يبدو أن الجميع يوافقون الأن ـ على مسألة تحقيق الحد الأدنى للأجور في مصر. لكن هذه الأحزاب لن توافق بصفة مطلقة على عمل تغييرات هيكلية للاعفاءات الضريبية للأغنياء أو عمل ضرائب تصاعدية. نقول مرة أخرى أن هذه الأحزاب ليست كياناً واحداً، ولكن بعض الأحزاب التي يختلط فيها منظرو الليبرالية السياسية مع رجال الأعمال ومنظرو الليبرالية الاقتصادية ستكون مرتعاً لنقاشات حادة، لا يمكن أن تطرح حلولاً جذرية لمشاكل الفقر في مصر. ثالثا: ربما تنتعش أفكار هذه الأحزاب لفترة، وخاصة من خلصت نواياهم في موضوع العدالة الاجتماعية ـ ونقول مرة أخرى أن المسألة ليست بالنوايا ـ  وخاصة لانتعاش أفكار اللييرالية ذات المسحة الاجتماعية دوليا في الآونة الأخيرة. كما ستكون مصر ما بعد الثورة مرتعاً لمستثمرين سواء مصريين او اجانب جاءوا على أمل اخذ نصيب من الكعكة اعتقاداً منهم بنهاية عصر الفساد والاحتكار. لكن هذا الانتعاش يرتبط بنية هؤلاء جميعاً للعمل في ظل نقابات عمالية بازغة وطبقة عاملة اكثر نشاطاً ووعياً. لا يمكن ان ننسى ان الطبقة العاملة خرجت من ثورة. ولا يمكن أن ننكر أن مصر خرجت ليست فقط من ثورة ولكن في لفترة من 2066 وحتى الأن تشهد مصر أهم موجة احتجاجات عمالية منذ منتصف الأربعينات. ومن المعروف أن المستثمرين الأجانب والشركات المتعددة الجنسية والشركات الأمريكية الرأسمالية خاصة كانت تذهب للعالم الثالث خاصة لرخص العمالة ولأن هذه الدول لا يوجد بها تنظيم نقابي قوي يدافع عن حقوق العمال. وهذا ما يسميه المحللون الاقتصاديون بموضوع الاستئجار الدولي للعمالة او النقل الدولي للاستغلال (outsourcing labor).[5] وباختصار فإن المطروح بالنسبة لهؤلاء ليس فقط عمل عدالة اجتماعية جزئية، وباعتبارها منحة، لكنها لن تملك أن تقوم بذلك على المدى البعيد لعدم قدرة أو رغبة رجال الأعمال الجدد ومستثمري ما بعد الثورة في ضمان حقوق العمال. أي انها في كل الأحول لن تضمن عمل عدالة اجتماعية جذرية.

رابعاً: إن فكر الليبرالية ذو المسحة الاجتماعية هو فكر يواجه مشاكل هيكلية. فوفقاً لفكر الليبرالية ذات المسحة الاجتماعية فان العدالة الاجتماعية ليست هدفاً في حد ذاتها، لكن الهدف الحقيقي هو دائماً حماية السوق والاستثمار. وهذا الفكر مثلاً لا يهدف لإنهاء الفقر ولكن تقليل الفقر للدرجة التي تسمح لعمل السوق. فالمعضلة الفكرية الأساسية التي تواجه هذا الفكر أن تحقيق هذه الأمور الاجتماعية لا يمكن أن يتم إلا بالطريقة والدرجة التي لا تؤثر ولا تضع الليبرالية الاقتصادية في خطر.

وأخيراً:

قلنا في بداية المقال إن الليبراليين ليسوا جسداً واحداً، وهناك منهم من يميل لليبرالية المتطرفة، وهناك من يمكن تسميتهم بالليبراليين العلمانيين، وهناك من يتحدثون عن ليبرالية اجتماعية لكن مع هذا التنوع، لكن القضية المركزية هنا هي كيفية مواجهة شعب متعطش للعدل الاجتماعي الحقيقي، سيما بعد أن ذاق طعم الثورة والحرية. فهناك مثلاً ما لا يقل عن 40 مليون شاب غالبيتهم من العاطلين لن يرضيهم الحديث المجرد عن حرية الانتخابات، ولن ترضيهم إعانات البطالة. ومئات الألوف من العمال الذين ذاقوا الأمرين من نظام مبارك لن ترضيهم تملص وتأجيل الحكومة في المرحلة الانتقالية.

ويجب أن نعترف إن هناك ما يبدو كميزات نسبية وقتية لليبراليين في مصر. ومن هذه الميزات سحر الكلام عن نهاية الاستبداد وطعم الحرية وبريق الأحزاب الجديدة، وهذا ما يروق للطبقة الوسطي (وعشاق الاستقرار)؛ أي كل هؤلاء الذين يقفون، مثلهم مثل رجال الأعمال ضد تجذير الثورة. ربما يجذب اليسار العلماني بعض جمهور الأقباط أو المثقفين التنويريين. لكن هؤلاء ليسوا غالبية الشعب المصري. ربما يصبر بعض هؤلاء إلى ما بعد الفترة الانتقالية لمطالبهم، لكنهم ربما يصدمون بأن ما يقدم لهم هو رطان دستوري عن المواطنة والمساواة، إذا كان ذلك بعيداً عن حل مشاكلهم وهمومهم اليومية. كما إن الرأسمالية المصرية ستكون بين شقي رحى، هما الحاجة للانطلاق بعد التخلص من أعباء احتكارات وفساد رجال أعمال مبارك وابنه، وضرورة تقديم (لقمة) للفقراء والعمال لتسويق هذه الانطلاقة الجديدة. المطروح في مصر حالياً هو خليط من الليبرالية المتطرفة والليبرالية ذات المسحة الاجتماعية؟ والنوع الأول تسبب فعلاً في جرائم كبيرة وإفقار الملايين بالعالم. وفيه المواطن ليس سوى زبون (على حد تعبير رباب المهدي في هذه المجلة بعدد مارس 2009). أي أن المواطن لن يشعر بحقوق المواطنة إلا إذا كان في استطاعته الدفع. لكن الليبرالية ذات المسحة الاجتماعية سوف تقف عاجزة في مواجهة جمهور بازغ من الثورة متعطش للعدالة الحقيقية. واذا افترضنا جدلاً ان معركة الحرية ـ بمعناها المحدود المرتبط بالانتخابات ـ تبدو وكأنها منتهية، فأن هذه الأحزاب لم تعد معارضة. وهنا نلاحظ أن ثورة يناير، بالرغم من أنها شعبية وبحق، لكن الصوت العالي والمؤثر فيها كان للطبقة الوسطى، وهذا ما يفسر السقف الديمقراطي لمطالب الثورة. لكن بالرغم من ذلك، فإن هناك نزعة يسارية لجمهور الثورة. هذا التناقض مرشح للتفجير إذا كشفت النخبة عن عدائها للجماهير الفقيرة.

المعركة القادمة الحقيقية هي معركة العدالة الاجتماعية. وعلى كل اليساريين الشرفاء الوقوف معاً للدفاع عن حقوق العمال والفقراء. هؤلاء لن يرضيهم رطان دستوري، ولن يرضيهم سوى تغيير شامل يحقق الحرية والعدل معاً وينهي الاستغلال.

[1]أنظر مثلاً كتاب اعاد ة اختراع الدولة كمعبر عن هذه الافكار

Reinventing the State: Social Liberalism for the 21st Century.Politico’s Publishing Ltd (10 Sep 2007)

بالاضافة إلى مسألة الثورة الثانية، يختلف الاشتراكيون عن الليبراليون وغيرهم في تحليلهم لطبيعة القضية الوطنية والعلاقة مع الامبريالية. ويعتبر الليبراليون هم ابعد التيارات في نقدهم للامبريالية والصهيونية. وبينما يتفق اليسار والقوميون والاسلاميون في هذا النقد، لكن التحليل يتجاوز هؤلاء في انه لا يعتمد فقط على النقد الايديولوجي المجرد، ولكنه يعتمد بالأساس على نقد طبيعة التحالفات والعلاقات الطبقية بين النظم العربية والنظام الصهيوني وحكومة الامبريالية. ولظروف المساحة لن نخوض في هذا الموضوع في هذا المقال، ولكن سنحاول عمل مناقشة مستفيضة فيه في مقالات قادمة.

[3]والمفارقة ان هؤلاء المحللين تجاهلوا ان الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بارتباطه الوثيق بالجماعات المسيحية المتطرفة والمسيحية الصهيونية مثل ( Born Again Christians and Zionist Christians ) يمثل نموذج صارخ لهذه الديمقراطية غير الليبرالية، وخاصة في هجموهها الحاد على المسلمين وعلى جماعات المثليين الجنسيين وعلى حقوق المرأة المتعلقة بالاجهاض.

[4]وذلك مع تقديرنا الى ان هذه البرامج لم تصدر بصورة نهائية بعد. ولكننا نقول ان الطبيعة الطبقية للمكونين لهذه الأحزاب لا يمكن ان تفضي لحزب يدافع عن الفقراء.

[5]لا توجد ترجمة واحدة لهذا المصطلح على حد علمي باللغة العربية، ولهذا اخترت هاتين العبارتين.

مجلة أوراق اشتراكية

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى