صفحات المستقبل

امرأة “البعث”: رشوة الرجل المقنّع/ روجيه عوطة

 

 

نساء البعث

أذيع خبر فوز هدية عباس بـ”رئاسة مجلس الشعب السوري” بالإتكاء على عنوانٍ محدد، يفيد بأنها “أول امرأة في تاريخ البلاد” تتبوأ هذا المنصب. فقد حول الإعلام فوز عباس بموقعها إلى سابقة جلية. وعلى أساس ممانعته أو لا ممانعته، علّق عليها. فالممانعة تجد أن نظام بشار حافظ الأسد، وعلى الرغم من “المؤامرة الكونية” عليه، لا يزال مؤمناً بإصلاح جسمه عبر “العملية الديموقراطية”، وقد تجلّى إيمانه هذا في تسليم دفة التمثيل البرلماني إلى “امرأة”. أما، اللاممانعة فتعتقد أن النظام فبرك المسرحية الإنتخابية، مشاركاً وحده، ومن دون المعارضة، فيها، ومع ذلك، لا يمكن سوى التوقف عند وصول “امرأة” إلى سدة مجلسه. فهذا، وبمعزل عن سياقه، أمر مهم، ولا شك في كونه يشرع، ولو بعد حين، باباً مغلقاً على النساء.

من الخطير الإستناد إلى التعليقين الممانع واللاممانع للنظر في مسألة تعيين هدية عباس على رأس مجلس البعث، الذي يطلق عليه، في هذا السياق، اسم “الشعب”. فهذا يتطلب أفعالاً بعينها. أولها، إزالة ثورة السوريين على نظام الأبد. وثانيها، محو كل المجازر التي ارتكبها بهم. وثالثها، غض الطرف عن كون قتله لهم ينم عن رفعه لذاته قوّاماً عليهم، وطاغياً على مصائرهم. وفي ذلك، ذروة من القمع، ومن تعبيره المجتمعي، أي الذكورية، التي يحضر المحكومون بها، أكانوا رجالاً أم نساء، في  موضع النساء. لا بد من إجتثاث كل هذه البديهيات، كل هذه الوقائع، كي يجد أي كان في خبر “رئيسة المجلس” سروره الكامل أو النصفي، متوهماً أن شيئاً ما تغير في هيكلية النظام، أو في صورته وشخوصه على الأقل.

من خلال انتخاب ذاته مجدداً، أعلن النظام لعالمه أنه، من جهة، على قوته. وأنه، من جهة أخرى، على تماثل معه.

وعلى هذا النحو، يواظب النظام على مخاطبة عالمه، وهذه المرة، يحاول تظهير مشهد مطابق لمشاهده، أكان عبر اعتماده “التمثيلية الديموقراطية”، أو عبر تنصيب عباس على أساسها. “أنظروا، أنا لست قاتلاً، ولا أنا متطرف كداعش، بل انني مثلكم ديموقراطي، وأحترم حقوق الإنسان لدرجة وصول إمرأة للمرة الأولى إلى رئاسة مجلس الشعب”، يقول النظام. أما عالمه، فيرد عليه بمنطقه اياه: “انتخاباتك ليست شفافة ولا نزيهة ولا جامعة، ولم تتم بحملة فعلية وتحت مراقبتي”. فهو يعيب عليه أنه أقدم على تمثيليته من دونه، ومن دون الإلتزام بحضوره معه، وليس لأنه لا يزال على قيد الوجود، بحيث يقترف مجزرة، وفي الوقت عينه، “يدمقرطها”. للعالم مأخذٌ محدد على نظام البراميل، وهو أنه أماط اللثام عن كون “الديموقراطية” لا تناقض القتل، وعن كون صناديق الإقتراع شكلاً آخر من أشكال القبور، وعن كون إعدام النساء، واعتقالهن، وإذلالهن، واغتصابهن، لا يتعارض مع تنفيذ الصيغة المجردة لـ”حقوق الإنسان”، وفي مقدمتها “حقوق المرأة”.

لقد اتفقت الممانعة، مع اللاممانعة، على كون هدية عباس “امرأة”. تماماً، مثلما يتفقان على أن بشار حافظ الأسد يحيط ذاته بعدد من “النساء”، كبثينة شعبان ولونة الشبل وشهرزاد الجعفري وهديل العلي. عدا عن زوجته أسماء الأسد، “وردة الصحراء”، على ما يراها “الغرب” المثار. لكن، فعلياً هؤلاء لسن “نساء” على الإطلاق، كما ان تنصيب النظام البعثي لهن في هذه المرتبة او تلك لا ينم عن “نسويته”، بل العكس. اذ يريدهن نسخة عن رجله، الذي يتباهى أنه أوصلهن الى موقع خاص به، وسمح لهن بتبوئه. أي أنه، وبمعنى آخر، يحولهم الى رجال مثله، وذلك، بعد أن ينظر إليهن على أساس أنهن “ناقصات” او “ضعيفات”. وهؤلاء، بدورهن، لا يترددن في التواطؤ معه، وتأدية نظرته الى ذواتهن، التي، بحسبه، عليها أن تتأرجح بين الوهن والقوة، بين الهشاشة والهيمنة.

هدية عباس ليست “امرأة”، بل إنها رجل ملثم بوجه امرأة. كما انها، وعلى اسمها، هدية. أو بالأحرى رشوة، يقدمها نظام الأسد الى العالم على سبيل مخاطبته ومماثلته. وهذا العالم لا يعترض على هذه الهدية-الرشوة لأنها صُورية، أو لأن ظهورها يتوج مجازر كثيرة. بل لأنها غير مزينة جيداً، ولأنه لم “يراقب” اختيارها. فالنظام العالمي ذكوري ايضاً، اذ انه يختصر “النسوية” بتعيين المرأة في موقع السلطة، أي بتحويلها الى رجل، وحثها على التماهي معه. فاليوم، السوريون، باعتبارهم يقعون خارج النظام الدولي او تحته، هم “نساء” العالم. حقوقهم هي حقوق الحياة. كما أن “نسويتهم” ليست ذكورية مقنعة في سوق “حقوق الانسان” أو في سوق النخاسة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى