صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

“جنيف – 2” وحدود فك الارتباط الأميركي/ جورج سمعان

عندما تعلن سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي، أن الإدارة الأميركية لا تستطيع أن تركز جهودها على منطقة واحدة، هي الشرق الأوسط، 24 ساعة طوال سبعة أيام، إنما تكرر الخطوط العريضة للسياسة الدفاعية التي أعلنها الرئيس باراك أوباما مطلع السنة الماضية. أي أن الأولوية هي لمواجهة التحديات العسكرية والاقتصادية في المحيط الهادي وجنوب شرقي آسيا عموماً. من دون أن يعني هذا إدارة الظهر أو الانسحاب التام من العالم العربي ومحيطه. يشبه هذا الموقف إلى حد ما موقف الرئيس جورج بوش الابن إثر تسلمه القيادة من سلفه بيل كلينتنون الذي لم يفلح في تحقيق تسوية للقضية الفلسطينية، على رغم الجهود المتواصلة التي بذلتها إدارته. أعلن بوش يومها فك الارتباط بالصراع العربي – الإسرائيلي. وأثار موقفه قلق شركائه الأوروبيين من انكفاء أميركا إلى الداخل. لكن ميله نحو الانعزال سرعان ما بددته «غزوتا واشنطن ونيويورك» وكان ما كان.

تراجع اهتمام إدارة الرئيس باراك أوباما بالشرق الأوسط الذي تناسلت أزماته، لا يقلق الحلفاء العرب وحدهم، بل يقلق الشركاءالأوروبيين أيضاً ويربكهم. مع العلم أن هذا التراجع يجب ألا يكون مفاجئاً. فما خلص إليه أخيراً مسؤولون في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، ليس سوى «مراجعة» للسياسة الدفاعية التي أعلنها الرئيس مطلع السنة الماضية. فليس جديداً القول إن أوباما لا يريد خوض حرب جديدة في المنطقة. لأنه يريد أن يكون أميناً للشعارات التي حملته إلى البيت الأبيض. وعد ناخبيه بتصفية الحروب التي خاضها سلفه. والتركة التي أرهقت البنتاغون والخزينة. وأزهقت أرواح آلاف الجنود.

مرد هذا الانسحاب الأميركي من أزمات المنطقة لا يعود فقط إلى رغبة إدارة أوباما في ترميم الساحة الداخلية من جهة، ورعاية المصالح الاستراتيجية الأكثر إلحاحاً في جنوب شرقي آسيا فحسب. هناك ظروف ومعطيات تلقي جانباً من المسؤولية على عاتق أهل المنطقة الذين ساهموا في تسهيل هذا الانسحاب: الرئيس الأميركي عبر باكراً، في ولايته الأولى، عن عجزه عن تحريك عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهو اليوم يعاود التجربة ملقياً المهمة على عاتق وزير خارجيته جون كيري. ولا يلوح في أفق المحاولة الجديدة ما يشي بالنتائج المتوخاة. بنيامين نتانياهو المتشدد أصلاً تزيد في تكبيل يديه تركيبته الحكومية التي تلزمه في أي قرار مصيري بإرضاء شركائه من أقصى اليمين والمتدينين. ومحمود عباس الذي كان يستند إلى موقف عربي يعطيه الحد الأدنى من الغطاء والدعم الكافيين، بات هذا الغطاء مليئاً بالثقوب. والداعمون يحتاجون إلى من يدعمهم. ناهيك عن المصالحة المستحيلة بين السلطة و «حماس»، بين الضفة وغزة.

والحديث يطول عن خيبية الولايات المتحدة من «الربيع العربي». فاجأتها الرياح التي هبت سريعاً علـــــى عدد من الدول العربية. وحاولت في البدايات أن تنخـــرط عن بعد. دعمت الرغبة في التغيير. وسعت إلى إعادة النظر في شبكة علاقاتها ومصالحها. أغراها لوقـــت بناء «مشروع سنّي إخواني» يساعدها في مواجهة «الهلال الشيعي». لكنها سرعان ما اكتشفت عبث الرهان على الإسلاميين وعلى قوى التغيير الأخرى. لم يستطع الحراك ملء الفراغ الذي خلفه سقوط الأنظمة العسكرية السابقة. وبدا أن التشظي بيــن قواها وطوائفها وإتنياتها وجهوياتها وقبائلها يستحيل أن يستقر على مشروع حكم يمكن التعامل معه. هكذا، تعود ليبيا إلى الوراء، إلى ما قبل قيام الوحدة بين أقاليمها الثلاثة منتصف القرن الماضي. بل يكاد يتحول كل إقليم منها إلى وحدات شبه مستقلة يحكمها تنظيم أو ميليشيا أو قبيلة. وتونس تتخبط لتحاشي السقوط في التجربة المصرية، فيما قوى التطرف تزرع عنفاً متنقلاً. ومصر دونها طريق طويل إلى الاستقرار. وقد يكتشف المصريون عاجلاً أم آجلاً أن لا بد مــــن المصالحة والتضحيات والتنازلات، إذ لا سبــــيل لإلغاء هذا الطرف أو ذاك. كما أن المساعدات المالـــية الخليجية للقاهرة لن تشكل حلاً دائماً، ولا بد من تحريك عجلة الاقتصاد الوطني سريعاً.

واليمن على طريق العراق تتنازع مؤتمر المصالحة فيه مصالح الحوثيين وأهل «الحراك الجنوبي» الذين يتحركون كلما بدت حاجة إيرانية إلى تحريك بعض الأوراق! وسورية في الطريق إلى صومال جديد. وثمة إفراط في تعليق الآمال على «جنيف – 2» الذي سواء عقد أم لم عقد، وسواء تشكلت الهيئة الانتقالية بدور للرئيس بشار الأسد أو من دون دور، فإن من الصعب رؤية حكومة أو حكم قادر في المدى المنظور على الإمساك بالبلاد. ما يجري على الأرض يسقط فرص التسوية السياسية: النظام يسعى جاهداً قبل مؤتمر جنيف إلى الإمساك بدمشق. يكفيه أن يربط العاصمة صعوداً نحو حلب وريفها ليضمن أمن الشريط الساحلي. ولا تردد في تنظيف الطريق نحو البقاع اللبناني وشماله وإن استدعى الأمر عمليات جراحية تأخذ في طريقها كتلاً سنّية لبنانية لن يكون حظها أفضل من حظ القلمون والقصير وحمص وغيرها. أما باقي البلاد فلا ضير في تركها نهباً لقوى التشدد والتطرف التي تهدد الجيران تماماً مثلما تهدد دمشق!

ولا حاجة إلى وصف ما يعانيه لبنان والأردن على وقع الأزمة السورية، وكذلك العراق. أما باقي الدول العربية فتسعى عبثاً إلى ترميم ما تصدع في البناء العربي الذي فقد أهم دعاماته من مصر إلى سورية فالعراق. وفي حين بدا لفترة أن ثمة كتلة تتشكل من قوى عربية أساسية مع تركيا يمكن أن تعوض ما خسره العرب من قوة في مواجهة رياح التغيير والأطماع، خصوصاً في المشرق، سرعان ما تبددت الآمال على وقع إسقاط الجيش المصري نظام «الإخوان» ورئيسه محمد مرسي. ومنيت أنقرة بانتكاسة مزدوجة: سقطت سياسة الانفتاح في الإقليم، وتتهاوى أحلام تسوية القضية الكردية، ومثلها حركة الإصلاح الداخلي. ولا يجد حزب العدالة والتنمية هذه الأيام سوى محاولة إعادة ترميم بعض علاقاته مع العراق وإيران. وكلا البلدين يحتاج إلى مثل هذا الترميم أيضاً. ولا حاجة إلى الخوض في تفاصيل ما يعانيه الاقتصاد الإيراني الذي يسعى إلى فتح كوة في الحصار الأميركي. وما تعانيه حكومة نوري المالكي من تحديات مصيرية.

هذه هي اللوحة التي تشاهدها إدارة الرئيس أوباما عندما تنظر إلى خريطة الشرق الأوسط. وهي لوحة لا تغري بانخراطها سعياً إلى بناء استراتيجية جديدة في منطقة متحركة لا ثبات فيها ولا رؤية إقليمية جامعة، ولا مشروع عربياً يمكن التعامل معه أو البناء عليه. ألا يكفي هذا لترجيح ميلها نحو منطقة أكثر حيوية لمصالحها الاستراتيجية؟ بعد هذه التغييرات الجوهرية التي شهدها الشرق الأوسط، «المريض مجدداً»، يمكنها المغادرة مرتاحة ومطمئنة إلى أن الفراغ الذي ستخلفه لن يكون بمقدور أي قوة إقليمية أن تملأه.

إلى هذه اللوحة من المتغيرات الشرق الأوسطية المعقدة والمتحركة التي قلبت كل الحسابات والاستراتيجيات السابقة، طرأت تطورات دولية جوهرية تبلورت خطوطها بوضوح في السنوات الأخيرة: إلى التقدم الصيني المتواصل على الساحة الدولية، عاد الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين ليساهم في إعادة النظر في الخطوط الاستراتيجية بين القوى الكبرى، بعدما ساد لعقدين أنها انهارت بانهيار الكتلة الشرقية. في الخريطة الدولية الجديدة لم تعد أوروبا الساحة التي شكلت دائماً خط التماس الحار بين «الجبارين». الساحة المرشحة للصدام الأول. يكفي أن هذه القارة العجوز توثقت عرى وحدتها. وبات الاقتصاد الروسي جزءاً من فضائها الاقتصادي.

انتقلت خطوط التماس إلى أقاليم أخرى. ظل الشرق الأوسط في سلم الاهتمام الأميركي، أقله في موضوع أمن إسرائيل وأمن النفط. لكنه تأخر عن المحيط الهادي والهندي. وحتى عن القارة السمراء حيث التنافس بين الكبار على أشده. وترافق هذا مع مساعي موسكو إلى استعادة ماضيها قوة عظمى، على رغم أنها لا تملك ما يكفي من مقومات تؤهلها لمنافسـة متكافئـــــة مع أميركـــا وحتى الصين. وفي وقت لم تعــــد الولايات المتحدة ترغب في الاستئثار بقيادة العالم وحيدة، ولا في خوض مزيد من الحروب بمقدار اهتمامها بتصفية آثار حروب الرئيس وجورج بوش. وفي وقت نمت قوى إقليمة أخرى صارت تسعى إلى كلمة في تحديد أطر النظام الدولي وتفكيك أزماته.

انطلاقاً من هذه التغييرات الدولية، تعود إدارة الرئيس أوباما إلى الديبلوماسية القديمة: التفاهم على إدارة الأزمات وحروبها مع القوى الفاعلة أو الحاضرة فيها (وبينها مثلاً حياً الحرب الدائرة في سورية). الهدف هو نفسه كما كان أيام الحرب الباردة، أي السعي إلى تفاهمات لتظل النيران في حدود لا تهدد السلم والاستقرار الدوليين أولاً، ولحماية المصالح القومية ومنظومة العلاقات والتحالفات ثانياً… إلى أن تنضج الظروف للتسويات الدائمة. من هنا، سارعت واشنطن إلى ملاقاة موسكو في التفاهم على تدمير الترسانة النووية السورية، من دون النظر إلى استمرار الحرب، وإلى الأضرار التي ألحقتها بعلاقاتها مع طيف من الحلفاء من لندن وباريس إلى اسطنبول والرياض، مروراً طبعاً بالمعارضة السورية. وهنا، مرد العتب على هذه الخطوة. كان يمكن التفاوض أكثر للحصول على مزيد من التنازلات من النظام السوري.

في ضوء هذه المعطيات هل يتوقع السوريون الكثير من «جنيف – 2»؟ وهل تتوقع المعارضة التي ستحضر بغطاء عربي وسياسة تفاوض جديدة تقوم على ثوابت لا تفرط بالأهداف والدماء، تبدلاً حقيقياً في سياسة واشنطن؟ لا بأس أن تتعامل مع الموقف المعلن للوزير كيري أخيراً في لندن بخصوص مصير الرئيس الأسد. إنه اختبار آخر لجدية إدارة أوباما والمدى الذي وصل إليه فك ارتباطها بالمنطقة. وماذا عن باقي اللاعبين في سورية، في صراع مفصلي سيحدد المنتصر والخاسر في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، وصاحب الكلمة العليا في شؤون المنطقة؟

الحياة

المنبوذ!/ راجح الخوري

في النهاية ليس من منبوذ اكثر من ذلك المسكين المتعربط منذ اللحظة الاولى بالمهمة المستحيلة، التي يثبت كل يوم استحالتها الفعلية وهو الاخضر الابرهيمي .

لماذا ؟

لأسباب كثيرة، آخرها انه دخل الى سوريا قبل ايام بعد غياب عقابيّ استمر عشرة اشهر، وهو يعلن ان بشار الاسد كان شخصاً منبوذاً قبل الاتفاق على الكيميائي وتحوّل شريكاً وانه لم يسقط ولم تساوره الشكوك لجهة قدرته وما يحق له . هذا التصريح الذي حاول نفيه عبثاً، إعتبر محاولة استرضاء للاسد، الذي سبق له ان اهانه لمجرد انه فاتحه بقرار “جنيف -1” اي بموضوع الانتقال السياسي، ولهذا سارع “المجلس الوطني السوري” الى مطالبة الجامعة العربية باعفائه من مهمته، بينما اعتبر المراقبون في دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها انه هو المنبوذ، وخصوصاً بعدما رفضت السعودية استقباله، على رغم انه كان قد التقى الامير سعود الفيصل في باريس قبل ان يبدأ جولته .

رفع صفة النبذ عن الاسد فتحت للابرهيمي ابواب الترحيب في دمشق الى درجة ان صحيفة” البعث” أطرت عليه ووصفت زيارته بالايجابية، وخصوصاً لأنه تبنى كلام وليد المعلم من ان الجهود لعقد مؤتمر جنيف تركز على الافساح في المجال للسوريين انفسهم للاتفاق على حل.

وبعدما جاء الى بيروت يبدو انه ارتكب “المعاصي” في نظر دمشق، اولاً عندما قال ان المؤتمر لن يعقد اذا رفضت المعارضة المشاركة فيه، ومن المعروف انها ترفض المشاركة في وجود الاسد، وثانياً عندما قال انه لم يلمس اي معارضة “لفكرة” المؤتمر في اشارة الى السعودية، وثالثاً عندما اشار الى سعي لعقده في الاسابيع المقبلة وهو ما لا يناسب دمشق على ما يبدو !

قبل ان يغادر بيروت صبّت دمشق جام غضبها عليه. وزير الاعلام عمران الزعبي سارع الى انتقاده معتبراً انه “ليس لديه لغة واحدة، ففي سوريا يتحدث بمنطق وعندما يغادرها يتحدث بمنطق آخر”، وهو ما دفع صحيفة “الثورة” ليس الى انتقاد “تسرعه” لعقد المؤتمر فحسب، بل الى نشر افتتاحية عنوانها “الابرهيمي عين واحدة وألسن متعددة”، بمعنى انه “يسعى الى إرضاء جميع الاطراف على حد سواء متناسياً ان دوره كوسيط يستوجب منه الحياد وعدم الانحياز الى أحد”!

هذا كلام مضحك طبعاً لأن دمشق تريد من الابرهيمي ان يكون مساعداً لوليد المعلم ومبشراً أممياً بان الاسد ليس منبوذاً وان له دوره في مستقبل سوريا، وخصوصاً بعدما اعلن عزمه على خوض الانتخابات المقبلة. وبعدما كررت امس “ان نظام الاسد لن يذهب الى جنيف لتسليم السلطة او لتشكيل هيئة إنتقالية ومن يتصور غير ذلك سيكون موضع تهكّم”، لن أتردد لحظة في التساؤل : الى متى يبقى الابرهيمي منبوذاً وموضع تهكّم ؟

النهار

استنفار أميركي وروسي لعقد جنيف – 2/ خليل فليحان

تعمّدت الولايات المتحدة الاميركية وروسيا اللتان تخططان لرعاية الحوار السوري بين النظام والمعارضة في مؤتمر جنيف 2 الطلب من الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي دعوة وزراء الخارجية العرب الى الاجتماع الاستثنائي الذي عقد امس في القاهرة من اجل إعطاء قوة دفع للقاء الذي سيلتئم غداً الثلثاء في جنيف ويشارك فيه ممثلون لواشنطن وموسكو لمناقشة حصيلة الجولة الاستقصائية للممثل الأممي والعربي للازمة السورية الاخضر الابرهيمي، علماً انها شملت تسع دول عربية باستثناء السعودية، إلى دول إقليمية، وفي ضوء طبيعة ما ستنتجه تلك اللقاءات سيُتخذ قرار بتحديد موعد انعقاد جنيف 2 أو تأجيله الى موعد آخر.

وأفادت دوائر ديبلوماسية “النهار” ان ردود الفعل السورية سواء من النظام او من بعض المعارضة ومن تهديدات 19 تنظيما متطرفا من المعارضة غير السورية التي تقاتل ضد النظام لا توحي أن الابرهيمي حصل ثمارا ناضجة لتعيين موعد “جنيف 2” وان قراراً بذلك سيتخذ غداً علما ان المبعوث الأممي والعربي مقتنع بأهمية الإسراع في جمع الطرفين المتخاصمين خطوة اولى للتأسيس لحوار سوري – سوري. ويبرر الابرهيمي تشجيعه على عقد مؤتمر قريب في جنيف لان القضايا المطروحة للمعالجة كثيرة وعويصة على حد تعبيره وستستغرق وقتا والكثير من اللقاءات والاجتماعات في أوقات طويلة.

ونقلت تفاصيل السلبيات لنتائج محادثات التي قد لا تسمح بتحديد موعد لعقد جنيف 2 في وقت قريب وقالت ان على كل من واشنطن وموسكو بذل المزيد من الجهود لازالة الموانع أمام عقد اول مؤتمر للحوار السوري بين النظام والمعارضة وهذه اهمها اولا: على المستوى السوري، انتقادات وزير الاعلام السوري عمران الزعبي الذي اتهم الابرهيمي بأنه لم يتحدث بلغة واحدة لا في دمشق ولا في بيروت واعرب عن خشيته في استعمال هذا الاسلوب مع الدول الغربية. واتى هذا الانتقاد قبل ان يصل الابرهيمي الى القصر الجمهوري في بعبدا آتياً من دمشق. كما لم يسلم من تهجم بعض الصحف الناطقة باسم النظام. واشارت الدوائر ان دمشق أبلغت موسكو وطهران بتلك الانتقادات.

وتضاف الى ذلك صعوبة تشكيل وفد المعارضة نظرا الى تناقض مكوناتها في الداخل ومنها المؤيدة للنظام بشكل عام ومنها المقاتلة له، وأعلنت 19 منها معارضتها لجنيف 2 واعتبرت ان من يشارك فيه “خائن وسيخضع لمحاكمنا”. ويقترح الابرهيمي ازاء هذه التباينات تأليف وفد مقبول من دون معرفة المقصود بهذا التعبير، وما اذا كان اعضاؤه سيقبلون بمن يختارهم الابرهيمي.

كما ان الانقطاع بين الامين العام للجامعة والنظام السوري حتم عدم التشاور مع النظام قبل انعقاد المؤتمر امس على اساس ان عضوية سوريا معلقة في الجامعة. فهل ستقبل بالتشجيع الصادر عنها؟

وأعطت الدوائر اهمية خاصة لزيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري قبل الاجتماع الوزاري العربي في محاولة جديدة لتبديد انزعاج الرياض من الموقف الاميركي الجديد حيال سوريا بعد التخلي عن مخزونات السلاح الكيميائي، والتشديد على اهمية التأييد السعودي لانعقاد مؤتمر جنيف 2 والسعي الى إنجاحه.

النهار

لبنان ومؤتمر جنيف 2: العرس قبل العريس/ روزانا بومنصف

بدت الخلاصة التي خرج بها الموفد الاممي الاخضر الابرهيمي من زيارته للبنان التي استغربها كثر لاعتقاد ان لا شيء يبررها، اللهم باستثناء اللياقة البروتوكولية المتصلة بانتقاله من سوريا واليها عبر العاصمة اللبنانية، ووفق ما اعلنها بنفسه، هي رغبة المسؤولين اللبنانيين في المشاركة في مؤتمر جنيف 2 المفترض للتوصل الى حل للازمة السورية .

واثارت الحملة الرسمية التي استبقت الزيارة ورافقتها، مبررة الحماسة اللبنانية للمشاركة، التساؤل من زاوية ان احدا من الافرقاء اللبنانيين لم يقل بعدم مشاركة لبنان وإن كانت هناك تحفظات عن احتمال تمثيل وزير الخارجية لبنان في المؤتمر مع سوابقه في الخروج على تعليمات السلطة والحكومة في الاجتماعات العربية. وكذلك ان اعلان لبنان رغبته في تلقي الدعوة الى المؤتمر في حين كان الابرهيمي يعلن ان انعقاد المؤتمر لا يزال ينتظر موافقة المعارضة السورية على المشاركة فبدا لبنان كأنه يرغب في حضور العرس قبل موافقة العريس على ان يكون جزءا منه او طرفا فيه. والزاوية السياسية، بدا لبنان بالنسبة الى مراقبين كثر وعلى نحو لافت، مستبقا موقفا عربيا كان سيتقرر في نهاية الاسبوع، والبعض يقول استبق موقفا سعوديا او خليجيا من المشاركة في ضوء غموض ما يمكن ان تقرره المملكة السعودية في هذا الاطار، وبعد زيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري للرياض في محاولة لرأب الصدع في العلاقات الاميركية – السعودية. فيما بدا لمراقبين اخرين ان لبنان قد يكون يتعرض لضغوط من اجل المشاركة، باعتبار ان النظام السوري ومعه ايران يريدانه حكما الى جانبهما من ضمن المحور الذي يشكلانه، وان الكلمة التي يفترض ان يلقيها ممثل لبنان، ايا يكن، خلال سبع دقائق وفق ما افادت المعلومات التي تحدثت عن تخصيص كل وفد بكلمة لسبع دقائق، يمكن ان تخدم هذا المحور بطريقة او باخرى.

تعتبر مصادر في المعارضة ان الكلام الذي ادلى به رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي في هذا الاطار فحواه ان لبنان سينتظر الدعوة التي قد توجه اليه للمشاركة، وفي ضوء مضمونها، يؤخذ القرار بالمشاركة او عدمها هو توجه سليم ولا يمكن المزايدة عليه. اذ ان الدعوة لم توجه بعد وليس واضحا امكان انعقاد المؤتمر من عدمه وما الهدف التفصيلي منه ومن سيحضره او توجه الدعوة اليه عربيا او اقليميا، وما اذا كان سيشمل دول الجوار السوري ام لا كما حصل في مؤتمر جنيف 1، بحيث ان الهجوم على مشاركة لبنان تأييدا او رفضا مسبقا هو في غير محله. يضاف الى ذلك جملة امور من بينها في شكل اساسي استبعاد عدم رغبة المعارضة لا في مشاركة لبنان في المؤتمر، خصوصا في حال وجهت الدعوة الى كل دول الجوار المعنية بالازمة اللبنانية باعتبار ان لبنان لا يمكن الا أن يكون بين هذه الدول. وهذا منطق مبدئي سليم يناقض المنطق الذي يسوقه البعض من تبرير للمشاركة بأن لبنان معني بالمؤتمر من زاوية التداعيات التي يعانيها من الازمة السورية. فهذا المنطق ليس في محله وهو سبب خاطىء اذا كان هذا هو مبرر المشاركة في مؤتمر جنيف 2. اذ ان المؤتمر وفق ما هو معلن عنه حتى الان لا يتصل بموضوع اللاجئين او الازمات التي تصدرها سوريا لجيرانها، بل يتصل بموضوع التوصل الى حل للازمة السورية وربما كان يتعين على المسؤولين تظهير التمييز بين المشاركة في التعبير عن الرغبة في المشاركة وبين تأييد انعقاد المؤتمر من باب تأييد الحل السياسي للازمة السورية. حين يتسلم لبنان الدعوة رسميا ويحدد مضمونها يتم البت بها وعلى اي مستوى يمكن ان يشارك لبنان، نظرا الى انه يتم التمثيل عادة على مستوى ما هو مقرر لكن يمكن الا يحصل ذلك، فيمثل سفير بلاده مثلا في اجتماع وزراء خارجية او غير ذلك ويمكن ان يتفق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المستقيلة على من سيمثل لبنان ومضمون الكلمة التي سيلقيها. لكن حضور المؤتمر شيء والكلام فيه شيء آخر اذا كانت هناك مناقشات في المؤتمر.

النهار

السعودية وأوراق “جنيف – 2″/ عصام خوري

أعطى انسحاب المملكة العربية السعودية من العضوية الموقتة لمجلس الأمن، مؤشراً إلى عدم اقتناع المملكة بسلوك الدول دائمة العضوية في شأن منطقة الشرق الأوسط.

فالتقارب الأميركي-الإيراني في الفترة الأخيرة، طرح خطوطاً حمراً عدة لدى المملكة، وهذه الخطوط لا تستطيع تبريرها، وهي أكبر الداعمين التاريخيين لسياسة البيت الأبيض.

الثقافة السياسية لحكام المملكة:

من المهم لأي باحث في تاريخ العلاقة بين المملكة والولايات المتحدة أن يطّلع على كتاب “آل بوش آل سعود” للمؤلف ” كريغ أنغر” الذي نشر عام 2004. الكتاب يظهر علاقة الأسر النفطية مع بعضها وسلوكها لصنع قرار دولي واضح يسيّر العالم. ويوضح أنّ أسَر الجمهوريين النافذة ترتبط جدلياً ومصالحياً مع أسَر النفط العربية، لتهندس مسار حكومات عدة من العالم.

ولعلّ دولة صغيرة الموارد كسوريا، كانت من المخصصات المعتدلة التاريخية لحكومة المملكة السعودية، على رغم أنّها ترتبط بعلاقات وطيدة مع حكومة طهران. إلّا أنّ الشرخ الكبير تمثّل مع تنامي نفوذ طهران في داخل سوريا بصورة مغالية على نفوذ السعودية، مما جعل لإيران نفوذاً كبيراً يمتد من أرض فارس إلى تخوم المتوسط غرباً.

طبعاً هذا التمدد هو بمثابة جرس إنذار لحكومة آل سعود، وهو أيضاً مصدر قلق لحكومة أنقرة المرتبطة استراتيجياً مع حكومة قطر. من هنا نفهم الإنسجام النسبي بين حكومتي”قطر والسعودية” في الملف السوري، وتنافرهما في الملف المصري. نعم السعوديين يريدون سوريا “في أحضانهم” من جديد ويريدونها بالقوة، وليس عبر مشروع استراتيجي سياسي طويل كما تفكر به قطر.

خيارات “جنيف2“:

توافق المجتمع الدولي والإقليمي باستثناء السعودية، على ذهاب كل الأفرقاء نحو مؤتمر “جنيف2″، واللافت للنظر أنّ حكومة قطر الداعم الأهم لجماعة “الإخوان المسلمين”، دعمت مشروع التفاوض كأساس مبدئي للحلّ، مما يعطي تصوّراً أنّ “الجماعة” لا ترفض من حيث المنطق إنتخابات رئاسية بأي شكل، يسمح لها أن تكون طرفاً رئيساً فيها، فقناعة “الجماعة” وداعميها في قطر، أنّهم الآن وبعد النزاع العسكري، باتوا يمتلكون حاضنة شعبية كبيرة، تخوّلهم إقصاء الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، إذا كانت الإنتخابات نزيهة وتحت إشراف دولي.

وطبعاً فالمجتمع الدولي يفضّل هذا الخيار بكل سلبياته، لأنّه في النهاية سيقدّم فرصة لإيقاف المعارك والبدء التدريجي بوضع خطط لإعمار البلاد، وعودة النازحين إلى أراضيهم.

كما أنّ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما “الديموقراطية”، والتي ارتبطت جذرياً خلال مشروع الربيع العربي بسياسات قطر التنفيذية، تريد ختم مهامها بإنهاء الملف السوري من دون تركه لإدارة الجمهوريين، التي قد تنتصر في الإنتخابات الأميركية المقبلة. وفي حال انتصر الجمهوريون، فإنهم سيعودون إلى دعم المشروع السعودي، ومحاولة “تقليم أظافر” النفوذ الإيراني، وهذا ما يبيّنه السيناتور جون كيري في مجمل خطاباته.

نعم فقد أظهر الجمهوريون انّهم مستاؤون من سياسة اللّين لإدارة أوباما، وكانوا يفضلون ضربة عسكرية لنظام دمشق تضعفه إلى حين إنهائه من قِبَل الثوار المرابطين في الغوطتين الشرقية والغربية، كما كانوا أيضاً مستائين من التعاطي المرن للبيت الأبيض مع الملف النووي الإيراني، فكانوا يدعمون خططاً عسكريةً لدعم المشروع الإسرائيلي في إقصاء نظام الملالي عن حلم بناء مفاعلات نووية.

من هنا نفهم أنّ المساعي السعودية لتأخير انعقاد “جنيف2″ لتحقيق نوع من التوازن على الأرض بغية التفاوض على “جنيف2″ ستعني:

– زيادة تسليح المعارضة من جديد بسلاح نوعي مدعوم سعودياً.

 – تراجع قوات النظام من مواقع عدّة.

– تنامي احتمال العمليات الإنتحارية.

– سعي النظام لتقوية نفوذه في المناطق المتاخمة لانتشاره، أي احتمال فتح جبهة القلمون بالتعاون مع شركائه اللبنانيين.

– إحتمال اشتعال أحداث سلبية ضد حكومة طهران في إقليمَي بلوشستان والأهواز.

– تنامي الإنفجارات في العراق.

– تأجيج الصراع في مدينة طرابلس، وإضعاف مشروع حكومة النأي عن النفس“.

هذه المعطيات السبعة بدأت تظهر للعلن، عبر تنامي الإشتباكات في عاصمة الشمال اللبناني، وفي بيان مجموعة الألوية المسلحة الأقوى “19لواء” في المعارضة عندما اشترطت أن يحمل بيان جنيف عبارة واضحة، وهي”تنحّي الأسد وكلّ أركان نظامه ومحاسبتهم“.

طبعاً إذا انتصر القرار السعودي، فعلينا توقّع حرباً ضروساً بين الفرقاء الشيعة والسنّة في أرض كُتِبَ عليها الشقاء، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان.

الجمهورية

الأسد لا يريد حلا

افتتاحية الشرق الأوسط

لا جدال في ذلك.. الرئيس السوري بشار الأسد لا يريد حلا للأزمة المستمرة في بلاده منذ أكثر من سنتين من دون أفق لحل ينقذ السوريين من الموت اليومي، وينقذ بلادهم من الدمار المتمادي.

يشعر الأسد اليوم بفيض من القوة تأتيه من الدعم الذي يحظى به من أصدقائه الحقيقيين؛ الروس، وإيران وأدواتها في المنطقة، ومن التردد الدولي غير المفهوم في دعم المعارضة السورية، فلماذا يتنازل الأسد؟ ولمن؟

من يتابع تاريخ النظام السوري في التعامل مع الأزمات، سيجد أنه يسعى بشكل دائم إلى حماية رأسه في الأزمات الكبرى، فيتراجع تكتيكيا لينقض على خصومه عندما تحين اللحظة الملائمة، وعندها يكون بلا رحمة. لا يقدم النظام السوري أي تنازلات إلا تحت الضغط، والخوف. وعندما يفعل، يحاول تفريغها من مضمونها ما أمكن. أخرج الأسد الأب من لبنان عام 1982 نتيجة الغزو الإسرائيلي، لكنه عاد إليه بصفقة مع الأميركيين بعد مشاركته في حرب الخليج الثانية إلى جانب الحلفاء لتحرير الكويت بقوة رمزية لم تطلق رصاصة واحدة في الحرب، لكنها خطوة كانت كافية لإطلاق يده في لبنان لـ15 سنة إضافية. بعد اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري في عام 2005، عرف الأسد أنه المطلوب رقم «2» بعد العراق، فانسحب من لبنان بسرعة قياسية تجاوزت حتى التواريخ التي اتفق عليها مع الأميركيين. وعندما أتت البوارج الأميركية إلى المتوسط أخيرا، قدم الأسد السلاح الكيماوي، فدخل في المعاهدة، ثم دمر مخزونه في فترة قياسية أدهشت المنظمة الدولية.

لا يتراجع الأسد عندما يشعر أنه قوي، فلماذا سيقدم التنازلات؟ يبدو واضحا أن النظام لا يريد المشاركة في مؤتمر «جنيف 2»، ولا يريد للمؤتمر أن ينعقد أصلا، على الرغم من أن انعقاده الآن ليس في مصلحة المعارضة السورية. لكن الأسد لن يقول «لا» لحلفائه الروس ولا للأميركيين، حيث يحاول أن يستميلهم إلى جانبه في حربه ضد «الإرهاب». الأسد يعتمد على رفض المعارضة المشاركة ليقول للعالم إنه هو من يريد الحل، لكنه يسعى لتفريغ الحل من مضمونه عندما يبدأ بوضع الشروط، فهو أولا يريد أن يترشح مجددا للرئاسة، وفي هذا نسف لأي بصيص أمل في الحل. وثانيا يشترط «وقف دعم الإرهابيين»، أي المعارضة السورية، لإضعافها والاستفراد بها في الميدان. وثالثا يريد أن يفخخ وفد المعارضة بالأكراد المتحالفين معه، وبمن يسمون معارضة الداخل الذين يدورون في الفلك الروسي.

أما طريقة تعامله مع ملف نائب رئيس وزرائه قدري جميل، فتظهر بوضوح أن الأسد ليس جديا على الإطلاق. لقد أقيل جميل من دون أن توجه له أي ملاحظات أو تفسيرات، بعد أن التقى مسؤولين أميركيين وتواصل مع آخرين، وكأنما يقول للأميركيين إن الوقت لم يحن بعد للقاء المباشر.. أو لعمل مفيد.

الشرق الأوسط

أسباب تأجيل جنيف – 2/ خليل فليحان

فوجئ الموظفون الكبار في الدول المجاورة لسوريا المدعوون الى التحضير لمؤتمر جنيف – 2 (السفيرة نجلا رياشي عساكر المندوبة الدائمة لدى المنظمات الدولية) وسفراء الاردن والعراق وتركيا وجامعة الدول العربية بالطلب منهم المجيء الى مقر المنظمات الدولية في جنيف للاجتماع بالمبعوث الاممي والعربي الاخضر الابرهيمي في حضور رؤساء وفود ومندوبي الدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة لدى مجلس الامن مساء الثلثاء، بدلا من اجتماعين كانا مقررين لهما امس واليوم الخميس، وشارك ايضا ممثلون للمنظمات الانسانية: برنامج تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة، المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، اللجنة الدولية للصليب الاحمر، برنامج الغذاء العالمي وبرنامج الامم المتحدة للطفولة. وكانت سكرتاريا المؤتمر قد حددت للمجتمعين غرف الاجتماعات لمناقشة خطة طريق فريق المفاوضات.

وعلمت “النهار” ان سبب تأجيل اجتماعات الموظفين الكبار يعود الى فشل الابرهيمي في اقناع الاميركيين والروس بأهمية الاسراع في عقد مؤتمر جنيف – 2. وقد تمنت فرنسا الانضمام الى الاجتماع مع بريطانيا والصين، علما أنها لم تساهم في الاتفاق الاميركي – الروسي حول الازمة السورية، وتركيا أرادت الاجتماع مع ممثلي دول الجوار، وأنقرة منزعجة من تقصير (أو تقاعس) مجلس الامن على اتخاذ قرار حاسم يوقف القتال في سوريا اولا، ثم الانصراف الى التحاور بين النظام والمعارضة حول الحل السياسي. إلا أن عوائق أخرى برزت خلال الاجتماع جعلت الابرهيمي يقبل على مضض ما أرادته رئيسة الوفد الاميركي، مساعدة وزير الخارجية ويندي شيرمان، لجهة عدم تحديد موعد المؤتمر قبل أن يحدد “الائتلافيون” رئيس وفدهم التفاوضي والاعضاء في الاجتماع المقرر في اسطنبول في التاسع من الشهر الجاري. أما رئيس الوفد الروسي غينادي غاتيلوف فأسف للتأخير ودعا الى عقد المؤتمر قبل نهاية شهر كانون الاول المقبل. ووعد بحل المسائل التنظيمية التي أعاقت الى الان انعقاده. إلا ان شيرمان تحفظت وأوضحت ان الشهر المقبل هو شهر أعياد وهناك عيدان للميلاد للطوائف ذات التقويم الغربي والشرقي حتى السابع من كانون الثاني 2014.

وذكرت معلومات ديبلوماسية ان الابرهيمي وضع الموظفين الكبار لدول الجوار في اجواء ما جرى في الاجتماعين السابقين، الاول مع كل من اميركا وروسيا، والثاني بانضمام فرنسا وبريطانيا والصين، ولم يتوقع انعقاد المؤتمر قبل نهاية العام المقبل.

وركز ممثل الاردن، كما ممثل تركيا، على وجوب انشاء حكومة انتقالية تتولى عملية الانتقال السلمي للحكم والمؤسسات، وعلى الاخص القوات المسلحة واقترح انشاء ممرات انسانية سواء للاجئين الى خارج البلاد أو للنازحين من الداخل الى الداخل بغرض اعطاء صدقية لجنيف – 2. وأيد ممثل الجامعة العربية انضواء المعارضات السورية تحت لواء واحد هو “الائتلاف الوطني لقوى المعارضة”، وأن يكون الحل بتحديد سقف زمني محدد. أما ممثل العراق فأوضح ان بلاده مع الانعقاد السريع للمؤتمر في أقرب وقت ممكن مع رفض التدخل العسكري ووقف ارسال السلاح الى المتقاتلين.

وطالب ممثل بريطانيا المجتمعين بتسهيل وصول المساعدات الانسانية للمحتاجين اليها. ولم يشأ تحديد موعد زمني لانعقاد المؤتمر.

النهار

جنيف2/فيكتوريوس شمس

هنالك فارق جوهري بين حلول تسووية، على غرار ما فعل النظام طوال عقود بمسألة الصراع العربي الصهيوني، ومهزلة المفاوضات السرية منها والعلنية، والتي ما كان لها أن تتوقّف لولا اندلاع الثورة؛ وبين حلول تغييرية جذرية، تنسف القديم لتبني على أنقاضه الجديد. وفي الحل التسووي هناك دائماً مشكلة متجدّدة بحاجة لحلول ذكية تُظهر التسوية بمظهر التغيير، ليغيب هذا بذاك ويبدو أكثر قبولاً.

لكن لماذا، ومن هو صاحب المصلحة بحل تسووي يظهر كحل جذري يرضي طموحات من دفعوا الغالي والنفيس من أجله؟ يبدو أن الأزمة السورية أزمة معقّدة ومركّبة، تداخلت بها مصالح دول إقليمية وقوى عظمى لا يعنيها وصول حوالي 18 مليون سوري إلى خط الفقر أو ما دون، عدا عن عدد هائل من اللاجئين بلغ حسب تقديرات أخيرة 7 مليون في الداخل والخارج، وتكاليف إعادة إعمار تجاوزت حتى الآن 350 مليار دولار، وعدد هائل من الشهداء والجرحى والمعتقلين. التسوية هي حل توفيقي بين طرفين متنازعين، من شروطها استعداد طرفيها لتقديم تنازلات آخذين بعين الاعتبار موازين القوى على الأرض والتوازنات الدولية والإقليمية التي غالباً ما تكون مؤثّرة بشكل مباشر. لكن شعبنا، كما هو معلوم، لم يخرج في أواسط آذار 2011 لإنجاز تسوية مع النظام، بل لإسقاطه، فما الذي حصل؟

للأزمة بعدها التاريخي الذي يعود لفترة تشكّل هذه الأنظمة القمعية، التي شلّت الحياة السياسية وقمعت شعوبها وحكمت بقوانين الطوارئ لأسباب عديدة لعل أبرزها حجّة الصراع مع العدو الصهيوني، في حين كان المستعمرون الصهاينة ينعمون بديمقراطية تتيح لهم محاسبة أي مقصّرٍ من زعمائهم! لم تبنِ شعوبنا تجربتها الديمقراطية بعد، وما الصراع الذي نشهده الآن في المنطقة سوى الخطوة الأولى لبناء هذه التجربة عبر عقد اجتماعي جديد يعبّر عن آمالها وطموحاتها، وهنا بالضبط تكمن المشكلة، فحين اندلعت الثورة لم يكن هناك أي كيان سياسي يتحدّث باسمها، فسارعت بعض القوى الإقليمية ذات المصالح المتشعّبة مع سوريا بالمساعدة على تشكيل قوى سياسية جديدة تحافظ فيها على مصالحها. ساعد على ذلك تمويل هائل تشوبه الشبهات من كل جانب، وإمبراطوريات إعلامية عملت على تسويق وتعويم أطراف بعينها. في المرحلة اللاحقة تعقّدت الأزمة وتعقّدت معها الولاءات، وكثُرت الأطر التي تدّعي تمثيل الشعب السوري، والتي تقاذفت التهم بالعمالة، تارة للنظام وتارة أخرى للغرب وأطماعه. كان هذا مترافقاً مع تشكّل العديد من القوى المسلّحة على الأرض والتي بدأت بخوض صراعها، مع النظام تارة وفيما بينها تارة أخرى، ليجد المواطن السوري نفسه ضحية معادلات عسكرية وسياسية عصية على الفهم والحل.

من جهة أخرى بقيت العلاقة بين الأطر السياسية والفصائل العسكرية مبهمة ويشوبها الكثير من الغموض، لتظهر المسألة السورية وكأنها عصية على الحل. وانطلاقاً من هذا الاستعصاء، الذي ساهمت به كل القوى المذكورة، بدأ البحث عن حل تسووي، كانت أولى بشائره «مؤتمر جنيف الأول» الذي عقد في النصف الثاني من العام الماضي، والذي خرج بمقررات كثُر الخلاف حول تفسير بنودها بين مختلف أطرافه وداعميه. في النتيجة لم يخرج «جنيف» سوى بقناعة واحدة لدى «قوى المعارضة» وهي قبولها من حيث المبدأ بحل تسووي، وإن حاولت رفع السقف أحياناً لتظهر بمظهر الحريص على منطلقات الثورة الأساسية، أي التغيير الجذري. في آذار من العام الحالي أطلق أحمد معاذ الخطيب، الرئيس السابق لـ’الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة‘ مبادرته الشهيرة التي نصت على ضمانات لمغادرة الأسد مع 500 من أعوانه، مقابل الإفراج عن المعتقلين وتسهيل منح جوازات السفر للسوريين في الداخل والخارج، وهي مبادرة ما لبثت أن سقطت لعدم قبولها من جميع أطراف الأزمة، خاصة الشعب السوري الذي لم يخرج ويتكبّد كل هذه الخسائر ليحصل في النهاية على ما طالب به الخطيب.

الآن عادت مسألة التسوية لتطرح من جديد بعد ارتكاب النظام للعديد من المجازر بالأسلحة الكيماوية، والتي كان أكبرها مجزرة الغوطة الشرقية في آب الماضي والتي راح ضحيتها أكثر من 1000 شهيد، تحرّكت على إثرها البوارج الأميركية مهدّدةً النظام ما لم ينزع هذه الأسلحة، ما أدّى لموافقة فورية بالتنسيق مع موسكو، تجنّباً لضربة كانت مؤكّدة، ولا يخفى على أحد أن الهاجس الأميركي الأكبر من وراء هذه الخطوة هو ضمان أمن العدو الصهيوني. إذاً طُرحت –أو فرضت– مسألة التسوية من جديد على طرفي الأزمة بأجواء لا تبدو مشجّعة، خاصة أن «المعارضة» نفسها منقسمة حول المشاركة أو عدمها، والأهم هو الموقف المتشنّج للبعض من مشاركة إيران في الأزمة، فقد طالعنا لؤي صافي (الناطق الرسمي باسم الائتلاف) في 27 تشرين الأول ليقول: «ايران جزء من الأزمة وليس الحل»، ثم عاد من بعده عدد لا بأس من زملائه ليرددوا نفس العبارة على وسائل الإعلام، وكأن لهذه العبارة غير المفهومة مفعول السحر، وسحرها كما يبدو لناطقها في عدم فهمها. الجدير بالذكر أن إيران واحدة من أكبر داعمي النظام السوري على الإطلاق، إذ إن دعمها واحد من الأسباب الأساسية في إطالة عمره إلى اليوم، والمعروف أيضاً أن الحوار يكون بين طرفين متخاصمين، لا بين طرفين صديقين. هذه عيّنة من التصريحات التي تدلل إما على ارتباك في الفهم أو محاولة لتورية شيء ما. لا يقل عن عبارة لؤي الصافي غموضاً عبارة شرطية أخرى تردّد بشكل دائم: «التفاوض مع من لم تتلطّخ يداه بالدماء»، وهي عبارة مفتاحية بحاجة لكثير من الشرح والتمحيص لفهم فحواها. فالنظام منظومة واحدة، كل أعضائه مسؤولون عن الجرائم التي ارتكبت بنسب متفاوتة، كلٌ حسب موقعه؛ إذا كان تفسيرنا صحيحاً، فإن هذه العبارة المفتاحية تصبح بلا معنى. ثم ما معنى أن يشترط بعض أعضاء «المعارضة» حضور بشار الأسد شخصياً وهم يرددون العبارة الآنفة الذكر؟ ألم تتلطخ يدا بشار بالدماء؟ للعبارة عدة تفسيرات: إمّا أن فهمها التبس على قائليها، أو أنّهم افترضوا عن دراية أو عدم دراية براءة بشار من دماء شعبه، أو أنها تقال من باب التصعيد، أو ما يشبه الإهانة على أساس أنه لن يقبل الحضور، إن كانت النية هي إفشال انعقاد المؤتمر. التسوية تكون بين طرفين، يفرض فيها الطرف الأقوى على الأرض شروطه، فهل هذا حاصل في الأزمة السورية؟ هل فرض أي من الطرفين التسوية على الآخر، أم أنها فُرضت عليهما من الخارج؟

في الخلاصة، يعمل من يستطيع فرض التسوية بقناعة أن الشعب السوري أُخرج عن خط أي تجربة أو سيرورة كانت ستنتج معارضته الحقيقية التي تعبّر عمّا خرج من أجله بعد أن أُنهك وتشتّتت قواه، وقد أصبح خارج معادلة الفعل الثوري التغييري، أو حتى الرفض والقبول لأي تسوية تنهي المأساة بالشكل الذي يرتئيه، حتى وإن كانت بإعادة إنتاج نفس الطبقة بوجوه وصيغ مختلفة، أو بتقسيم البلاد إلى دويلات متقاتلة طائفياً.

حل مستحيل لست حروب ؟/ راجح الخوري

التغاضي الاميركي الأعمى والانحياز الروسي الاحمق هما من اوصلا الازمة السورية الى مربع الحل المستحيل، الذي تحدث عنه الأخضر الابرهيمي منذ اللحظة الاولى لوراثته مهمة كوفي انان الذي خرج فاشلاً.

من العبث الحديث عن مؤتمر”جنيف – 2″ كموعد للتوصل الى حل، لأن الواضح جداً ان هذا المؤتمر لن ينتج اكثر من غودو تسوية سيطول انتظارها كثيراً، لذلك اسارع الى القول ان “جنيف – 2” لن يكون مكاناً لصنع الحلول وتخريج التسويات، فهو مجرد منبر لإعلان الحل ومجرد مناسبة لالتقاط الصورة التاريخية ، بمعنى ان الديبلوماسية السرية، وتحديداً بين اميركا وروسيا، وحدها يمكنها ان تتوصل الى هذا الحل المعقد، الذي تتداخل فيه مصالح دولية اقليمية وتتصل به مشاكل اخرى غير المشكلة السورية.

كيف؟

إن الحل في سوريا سيكون بمثابة مفتاح لحلول اخرى تبدأ بنوويات ايران وبانضباطها الاقليمي، الذي يوقف التدخلات التخريبية في الاقليم وينهي طموحها الى لعب دور محوري في المنطقة . فعندما يعلن محمد جواد ظريف امس من باريس ان طهران مستعدة للعمل على سحب المقاتلين الاجانب من سوريا، عشية جولة المفاوضات اليوم مع مجموعة 5+1 فذلك يمثّل اعلاناً صريحاً لاستغلال ايران الازمة السورية لتأمين مصالحها!

وان الانخراط الروسي والصيني والتركي والخليجي في منعرجات الازمة، بات يفرض إيجاد تسويات ومخارج تلائم مصالح الجميع، ولهذا لا يمكن رسم حل يقتصر على المطالب المتناقضة جذرياً بين النظام السوري والمعارضات، التي باتت تتداخل فيها اياد كثيرة، وهو ما يفرض عملياً ان يكون الاخضر الابرهيمي مجرد مساعي بريد في ديبلوماسية متعددة الوجه توصلاً الى مخرج يرضي الجميع وقد بات كل منهم قادراً على إفشال أي حل لا يلائمه!

ليس سراً ان في سوريا ست حروب، اولاها الحرب بين النظام و”الجيش السوري الحر”، وثانيها الحرب بين “داعش” التي خرجت من دهاليز النظام وبين “الجيش السوري الحر”، وثالثها الحرب بين “داعش” و”النصرة”، ورابعها بين الاكراد والنظام وكذلك “داعش”، وخامسها بين ايران والشعب السوري واستطراداً مع دول الخليج التي تدعم هذا الشعب المذبوح، وسادسها بين اميركا المنكفئة وروسيا المندفعة لتعيد دورها الاستقطابي… وامام هذا التداخل الرهيب في عناصر النزاع لا يمكن الابرهيمي وحده ولا مساعي بان كي – مون ونبيل العربي [من غير شر] ان تحدث فجوة في هذا الجدار الرهيب.

واذا تذكرنا ان “جنيف – 1” اورث “جنيف – 2” عقدتين مستحيلتين هما اولاً كيف يمكن تشكيل الحكومة الانتقالية بالتفاهم [لاحظ التفاهم] بين الجانبين، وثانياً ما هو مصير الرئيس بشار الاسد، يمكن ان نتصور استحالة التوصل الى حل لا يستجيب مصالح الجميع سورياً واقليمياً ودولياً وهنا تكمن المأساة!

النهار

مدرسة” الأخضر الإبرهيمي: دبلوماسية الاختمار/ جهاد الزين

جهاد الزين

هنا محاولة لفهم دور المبعوث العربي الدولي في الأزمة السورية الأخضر الابرهيمي تقوم على مقارنة بين ظروف المهمة الحالية وبين دوريه في لبنان 1989 – 1990 والعراق 2004.

كُلّف الأخضر الابرهيمي بمهمات عربية ودولية حسّاسة وبارزة خلال حوالى 25 عاماً مضت حتى الآن. تاريخه طويل جدا في العمل السياسي ولكنه أمضى أكثر عمره في العمل العام منذ الخمسينات في أدوارٍ ديبلوماسيةٍ، بل حتى في مرحلته الثورية عندما كان جزءاً من النضال الوطني الجزائري كان مندوبا في الخارج أي ديبلوماسياً لدى الثورة التي لم تكن قد استلمت السلطة. فبعد تاريخ من العمل داخل الجامعة العربية في الثمانينات خَتَمَ هذا السجلَّ كوزيرٍ لخارجيّة بلاده بين 1991- 1993. أما أدواره الأخرى فبدأت في عهد صديقِهِ بطرس بطرس غالي كأمين عام للأمم المتّحدة مندفعاً إلى حلبة العمل الرفيع على المستوى الدولي عام 1994 واستمر ذلك في عهد كوفي أنان وتكرّس في عهد بان كي – مون في مسار من المهام امتدّ بين اليمن وهاييتي وزائير وجنوب إفريقيا وأفغانستان. المرحلة أو المراحل التي سأتناولها هنا لمحاولة فهم أسلوبه في العمل، باعتباره يتولّى اليوم مهمة التوسّط الدولي في الأزمة السورية، هي المراحل “الأخيرة” أي منذ قام بالتوسّط في الأزمة اللبنانية بتكليف عربي في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم إلى مهمّتِهِ في العراق إثْر تغيير العام 2003، إلى دوره الحالي في الملف السوري.

فما هي ملامح أسلوبه – تفكيره في العمل كما أراها كمراقب سياسي من “الخارج” لأن معرفتي الشخصية به محدودة ولا تزيد عن بعض المصادفات في مناسبات اجتماعية وسياسية في بيروت بين1987 و1991؟ وستنحصر المقارنة في نطاق مهماته العربية وتحديدا لبنان والعراق وسوريا لأن هذه الدوائر الثلاث هي أزمات لها خاصيّة التحضير أو المساعدة على التحضير لتركيبة سلطوية داخلية في كلٍ منها (تشبهها أفغانستان بعد الغزو الأميركي).

الملاحظة الأولى:

في لبنان 1989 نجح الأخضر الابرهيمي نجاحا منقطع النظير. في العراق 2004 بقي على هامش التحوّل إن لم نقل أنه فشل من حيثُ عدمُ تمكّنه من المساهمة في التحضير لصيغة عراقية داخلية أكثر تطابقا مع النظام الإقليمي العربي بمحوره السعودي المصري الأقوى يومها أو أقل تناقضا معه. فماذا سيفعل أو لن يفعل في سوريا اليوم وغدا؟

الملاحظة الثانية:

ينتمي الأخضر الابرهيمي، ولستُ هنا في مجال الحديث عن دماثته وذكائه وصلابته التي يسلّم له بها كلُّ من أعرفهم بين أصدقائه، إلى بيئة حياةٍ سياسيةٍ عربيةٍ كان السائد فيها هو العمل الحزبي العسكري القومي اليساري في الجزائر وسوريا والعراق وليبيا وخصوصا مصر. بهذا المعنى في فترة نشوئه ونضجه السياسي كان ينتمي إلى بيئة ذات ثقافة وطنية لاديموقراطية. كان جزءا من هذه البيئة. ولهذا هو يفهم حاليا الجذور العميقة لهذه البيئة البيروقراطيّة في دول كمصر وسوريا، والعراق سابقا، ناهيك عن الجزائر الحالية. وإذْ يأتي إلى سوريا فهو يعرف بعمق عناصر قوة وضعف النظام السوري بل يعرف مكامن عنفه الأمني وطاقته ونمط سيطرته على بنية الدولة ونوع تحالفاته الداخلية الاجتماعية والطبقية والمناطقية. إلا أنه يعرف شيئا أهم هو أن هذا النظام السوري الذي يبدو مختلفا جدا على المستوى الطائفي هو شبيهٌ جدا بـِ، بل جزءٌ من عائلة “السلطات الأمنية” في دول عربية كثيرة حكمها الجيش. لكن الابرهيمي في الوقت نفسه وبسبب تطور تجربته الشخصية في الغرب بات يتحسّس الهوة العميقة بين الثقافة السياسية غير الديموقراطية لهذه الأنظمة وبين تطلّعات نخبها الليبرالية لأنه على صلة بالأوساط العربية التي تنتمي إلى حساسيات ما آل إليه الجيل الجديد من الدياسبورا العربية في الغرب.

ونستطيع الحدس على ضوء ذلك أن الأخضر الابرهيمي “متواطئ” مع طرفي الصراع في سوريا من ناحيتين مختلفتين:

هو صادق جدا في معارضته لتفتّت سوريا وانفجارها المناطقي وهو لهذا لا شك أنه يؤمن بأن شعار وقف الحرب هو أعلى من أي مهمّة أخرى عنده أي أعلى من تغيير النظام. وأتذكّر مرة بعد انفجار الحرب الأهلية في الجزائر إثر رفض الجيش تسليم السلطة لـ”جبهة الانقاذ” الإسلامية الفائزة في الانتخابات أن أحد معارفه العرب نقل لي عنه رأيه بأن الخطأ الجوهري كان إجراء الانتخابات الذي أوصل إلى هذا الوضع، ولكي يتفادى الجيش مأزق تسليم السلطة كان يجب ألا يتورط في إجرائها فتتفادى الجزائر الحرب الأهلية. هذا يعكس نمط تفكيره أو نوع الواقعية السياسية التي ينتمي إليها والتي قد يكون أضيف إليها في العقدين الماضيين إطّلاعُهُ على حصيلة الأبحاث والتقييمات الغربية التي خلصت إلى فشل الإسلام السياسي في إدارة الحكم. والأخضر الابرهيمي متواطئ مع معارضي النظام السوري بأنه، بدءا من محيطه العائلي والشخصي في باريس، بات يعرف أن هذا النوع من الأنظمة العسكرية لم يعد ممكنا أن يستمر بالصيغ القديمة.

الملاحظة الثالثة:

علاقته بالسعودية: في المهمّة اللبنانية التي قام بها كان حسابه للوزن السعودي أساسيا وكان يعرف أن التغيير في “اتفاق الطائف” هو مشروع شراكة سعودية سورية لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان بدعم من الولايات المتحدة الأميركية ثمنها تخفيف النفوذ المسيحي في الدولة اللبنانية. في العراق كان يحمل همَّ النظام الإقليمي العربي الذي يواجه في عراق 2003 وضعا لا سابق له وبهذا المعنى كان يحمل أيضا همّا سعوديا حتى وهو يأتي في مهمّة دولية. في سوريا هو أكثر تمثيلا للتوازن الدولي لاسيما أن السعودية باتت في وضع يعارض حتى الآن هذا التوازن الناشئ بالاتفاق الروسي الأميركي…

الملاحظة الرابعة:

في كل أزمة من الأزمات الثلاث، لبنان والعراق، وسوريا اليوم، هناك طرف يحدّده ميزان القوى كعائق أمام الحل. هكذا ينشأ “الكومبين” كل مرّة. ففي لبنان نجح الابرهيمي في “الالتفاف” على معضلة ميشال عون. وبمزيج من القوة والحيلة أقصى التوافق الدولي العربي الجنرال عون. في العراق كانت المهمة أصعب وأوسع: كيفية صياغة معتدلة وتشاركية لـِ ومع النفوذ الشيعي غير المسبوق الذي أطلقه من قمقمهِ الغزوُ الأميركي. لم يكن صعبا أن يفهم الأخضر الابرهيمي أن الطرف الأساسي لتحقيق هذه المهمة هو المرجع الشيعي السيد السيستاني لكن المهمة كانت أصعب وأعقد حيال الوضع الجديد الذي سيستلم العراق العربي. في لبنان كانت “العقبة” تمثلها قوة متراجعة هي “المارونية السياسية”. بينما في العراق كانت الجهة المعنية قوة “صاعدة” هي “الشيعيّة السياسية”. لم ينجح الابرهيمي وهمّش السياسيون العراقيون الشيعة الجدد مهمّتَه فخرج خالي الوفاض – من زاوية الأهداف الأولى – في حين كان العراق يذهب إلى قبضة معادلة مثيرة لم يحسب الابرهيمي وكل الوسطاء العرب والدوليين آنذاك، حسابها تماما: معادلة نفوذ أميركي إيراني مشترك.

إذا كانت “الحيلة” بالمعنى السياسي لا الأخلاقي التي حَمَلَتْها مهمّةُ الابرهيمي قد نجحت في لبنان 1990 و”فشلت” في عراق 2004 فما هي في سوريا اليوم؟ هل الطرف العائق تبعاً للهدف الدولي داخليٌّ أم خارجي؟ أي بكلام آخر هل “الحيلة” كما حدّد غايتَها التوافقُ الدولي تستهدف طرفا في الداخل أم في الخارج؟ أين كلمة السر التي يحملها الابرهيمي؟

أسلوب الابرهيمي يقوم على انتظار تحوّلات ميزان القوى. لذلك هو سمّى مهمته في سوريا مستحيلة في تكليفه الأول وغاب منتظرا التحوّلات ليظهر في لحظة انعطاف فيختبر إمكانية تحقيق الهدف ثم ينسحب منتظرا تحوّلاتٍ جديدة. هو رجل ديبلوماسية الاختمار. اختمار كل شيء كبير: القوة والضعف، اللاعبون والمسرح، الضحايا وورثتهم، الخاسرون والرابحون… لأنه يعلم – وتَعَلّمَ في لبنان وأفغانستان والعراق واليمن – أن الانعطافات الكبرى أعمق من أن تُهضم بسرعة وأن دوره لكي ينجح يجب أن يحصل على دفعات وبأعلى قدر ممكن من الاعتماد على “الإرادة الدولية العليا”. في لبنان فهم بوضوح نقطة التوافق العربي الدولي. في العراق كانت لعبة تبيّن أنها جديدة ولم يكن النظام الإقليمي العربي وراء الإرادة – الإدارة الأميركية آنذاك يلعب بقواعد اللعبة القديمة التي يتقنها. لكنْ اليوم في سوريا بات الابرهيمي “مدرَّبا” على العامل الإيراني كما الروسي الحاضر بقوة في حين كان الروسي شبه غير موجود في التجربتين اللبنانية والعراقية. في لبنان كان دوره في مرحلة قوة النظام الإقليمي العربي، في العراق كان دوره في مرحلة أول انكسار عميق بل زلزال في هذا النظام الإقليمي.

في سوريا الراهنة هي مرحلة ما بعد النظام الإقليمي. هذا النظام الذي لم يعد كافياً ولا “جائزا”، مع الأسف، تعريفه بـ”العربي” بين المثلّث الإسرائيلي التركي الإيراني الذي لا ينافِس ما تبقى من مرجعيات عربية فقط بل تتصارع كلٌّ من أضلُعِهِ الثلاثة على استقطابها.

النهار

رمادية “جنيف – 2 ” واستعجال “حزب الله”/ وليد شقير

تنشغل القوى الدولية والإقليمية المعنية بعقد مؤتمر جنيف – 2 للحل السياسي في سورية بسجال علني، وبنقاش تحت الطاولة حول تفسير تطبيق قرار جنيف – 1. فتنفيذ ما يتضمنه البيان الصادر عن «مجموعة العمل من أجل سورية»، الصادر في 30 حزيران (يونيو) 2012، كان في صلب التفاهم الروسي – الأميركي الذي حصل في شهر ايلول (سبتمبر) الماضي على التخلص من السلاح الكيماوي السوري.

وحين ووجهت موسكو وواشنطن باستحقاق الحل السياسي سارعتا الى بدء التحضير لجنيف – 2، على قاعدة جنيف – 1، حتى لا تتهما بأنهما تركتا جوهر الأزمة السورية التي تحولت الى حرب أهلية بين النظام ومؤيديه من جهة ومعارضيه ومن يساندهم من جهة ثانية. إلا أن اصطدامهما بالعوائق دفع كلاً منهما الى العودة الى مواقفهما الأصلية. تدرك موسكو أن التفاهم على الكيماوي، وإن سمح بإطالة عمر نظام بشار الأسد، لا يعني أنه جرى تكريس بقائه في السلطة أو أن هذا يقود الى اعتراف خصومه السوريين والإقليميين والدوليين بهذا الواقع. فميزان القوى رسا على معادلة عدم هزيمة الأسد، لا على انتصاره. كما أن موسكو تدرك أن المساعدة التي تلقاها الأسد من إيران و «حزب الله» والميليشيات العراقية المقاتلة الى جانبه ميدانياً سمحت له باستعادة بعض المواقع أو صد هجمات في مواقع أخرى، تتيح له الصمود في شكل لا يخولها أن تبحث مع شريكتها واشنطن في مصير الأسد، من دون التوافق مع إيران على ذلك. وهي لذلك باتت تعتبر أن تطبيق جنيف – 1، لجهة قيام هيئة حكم انتقالية تمارس كامل السلطات التنفيذية، لا تعني تسليم الأسد السلطة، فيما التفسير الدولي المتعارف عليه لهذه الفقرة هو أن يسلم سلطاته، حتى لو بقي رئيساً لسورية، تمهيداً لإيجاد المخرج المناسب له. إلا أن موسكو ذهبت الى تغطية عجزها (أو عدم رغبتها) عن ضمان انتقال السلطة، بالتركيز على رفض المعارضة السورية حضور جنيف – 2 واتهامها بوضع الشروط المسبقة، إذا كان شرطها تطبيق الفقرة المتعلقة بالهيئة الانتقالية. أما واشنطن فتدرك أن تخلّصها من الكيماوي لا يعني أن بإمكانها إدارة ظهرها لجوهر الأزمة وأن عجزها عن إزاحة الأسد وتطبيق الفقرة المتعلقة بالهيئة الانتقالية التي تمارس الصلاحيات التنفيذية بات يهدد علاقتها بحلفائها في المنطقة وبالتالي يجردها من أوراقها التفاوضية سواء مع موسكو أم مع طهران حول ملفها النووي ونفوذها الإقليمي. ولذلك سعت لدى المملكة العربية السعودية الى إعادة تثبيت ما يجمعهما، في شأن أمن الخليج من جهة، وفي شأن الأزمة السورية من جهة ثانية، عبر تطمينها بأنها لن تتخلى عن المعارضة السورية ومطالبتها بأن تحضر جنيف – 2 على هذا الأساس وأن تبذل جهودها مع المعارضة لأن تقبل المشاركة في المؤتمر من جهتها، لتنفيذ جنيف – 1.

وإذا كان هذا التوجه يثبت مدى التزام واشنطن باتفاقها مع موسكو على عقد المؤتمر، استكمالاً للتفاهم على الكيماوي، فإن الأخيرة تعتبر أنها قامت بما عليها لجهة دفع الأسد الى القبول بحضور المؤتمر، من دون شروط مسبقة… وهي تحاذر الحديث عن «ممارسة الحكومة الانتقالية كامل السلطات التنفيذية». فالعبارة نفسها هي التي تتجنبها طهران ولذلك تحاذر الحديث عن قبولها بجنيف -1.

وباستمرار الخلاف على تفسير جنيف – 1 والمرحلة الانتقالية، من الطبيعي أن تغلب الرمادية على المرحلة التي تسبق جنيف – 2، وأحد مظاهر هذه الرمادية ما يشهده لبنان، حيث يعتبر «حزب الله» منذ التفاهم الروسي – الأميركي على الكيماوي، وبدء الانفتاح الأميركي – الإيراني، أنه حقق تفوقاً على الجبهة الإقليمية اللبنانية المعادية للنظام السوري، لا سيما بعد أن حقق هذا النظام تقدماً على الجبهات خلال الشهرين الماضيين في شكل يضمن حماية دمشق من أي هجوم. ولا يعترف الحزب برمادية المرحلة، ويعتبر أن ارتياحه وحلفاءه لما تحقق دولياً وإقليمياً وميدانياً، يجب أن يترجم لبنانياً، قبولاً بخياراته للخروج من الفراغ الحكومي، ولمعالجة وسائل إدارة البلد. ويرى أنها الفرصة السانحة كي تنعكس قراءته لتفوقه مع حلفائه، على القرار اللبناني وفي الحكومة المقبلة. إلا أن المرحلة الرمادية تدفع خصومه المحليين الى الامتناع عن التسليم بقراءته للتحولات الحاصلة. وهذا ما يفسر، ربما، درجة التوتر العالي التي يتسم بها خطاب قادة الحزب، تجاه هؤلاء الخصوم، وتجاه المملكة العربية السعودية وسياستها.

والأرجح أن رمادية المرحلة التي تسبق جنيف – 2 المفترض، ستدفع إيران والحزب الى السعي لإخراج سورية ولبنان من هذه الرمادية، نحو المزيد من الخطوات العسكرية في البلدين، على رغم التكلفة العالية لهذه الخطوات، وعلى رغم أنها ستزيد من إغراق الحزب في رمال سورية وحال الكرّ والفرّ التي تتحكم بالحرب الدائرة فيها.

الحياة

“معارضة بديلة” فوق نهر الدم؟/ راجح الخوري

أمام طوفان العقد التي تواجه “جنيف – 2″، قرر الاميركيون والروس صانعو هذه العقد اصلاً، الإنتقال من الحل المستعصي الى القشور التافهة، بهدف الضغط على النظام السوري والمعارضة المنقسمة، وهو ما يدفعني الى القول انه الوقت الدموي المستقطع على هامش الديبلوماسية العاجزة او الخبيثة!

دعونا نذهب فوراً الى السؤال: وما هي القشور التافهة؟

انها تتمثل في ما اعلنه امس “الائتلاف السوري المعارض” من ان مسؤولين اميركيين وروساً عقدوا اجتماعات مع “معارضة سورية بديلة”، وذلك على هامش الإعداد الفاشل لمؤتمر “جنيف – 2”. بدا الأمر مفاجئاً، لكن المفاجئ اكثر كان اعلان سيرغي لافروف استعداد موسكو لاستضافة المؤتمر وهو ما رفضه المعارضون الذين يعتبرون روسيا طرفاً في النزاع، واكتملت دائرة المفاجأة عندما كشف ميخائيل بوغدانوف اسماء الشخصيات البديلة التي تم الاجتماع الروسي معها !

في مقدم هذه الاسماء رفعت الاسد “بطل” مذابح حماه واخواتها التي بدأت في 2 شباط عام 1982، والذي يرفضه كارهاً الرئيس الاسد ابن عمه اكثر مما يرفضه المعارضون، والعقيد مناف طلاس نجل اللواء مصطفى طلاس ابن البيت الذي كان شريكاً تاريخياً لعائلة الاسد والمرفوض من النظام والمعارضة، وقدري جميل نائب رئيس الوزراء الذي “عزله” الاسد حديثاً، بعدما قيل انه وافق السفير الاميركي روبرت فورد على نظرية “الانتقال السياسي”، لكن المعارضة تعتبره “حصان طروادة الاسد” وقد أنزله داخلها لتوسيع خلافاتها، اضافة الى هيثم منّاع المشتبك اصلاً مع معظم المعارضين!

عن هؤلاء وغيرهم من “معارضي الداخل” الذين ينامون في احضان الاسد يتحدث الاميركيون والروس عن “المعارضة البديلة”، لكن “الائتلاف الوطني” ينظر اليهم على انهم شخصيات محسوبة على النظام ومعظمهم أياديه ملطخة بدماء الشعب السوري، ومن الواضح تماماً ان هذا ليس اكثر من مجرد محاولة لممارسة ضغوط على المعارضة السورية المنقسمة، وقد جاءت بالتوازي مع تصريح الاخضر الابرهيمي الذي تحامل كثيراً على المعارضة عندما حمّلها المسؤولية عن عرقلة انعقاد مؤتمر “جنيف – 2” الذي كان مقرراً نهاية الشهر!

ليس خافياً على احد ان هناك نصف دزينة من العقد والشروط التي تمنع انعقاد المؤتمر وتحول دون نجاحه، وفي مقدمها عقدتان دستهما روسيا في “جنيف -1” وقبلتهما اميركا ربما رغبة في استمرار المذبحة، وهما: عدم الاشارة الى مصير الاسد، والدعوة الى تشكيل حكومة انتقالية كاملة السلطة [بموافقة الطرفين]. هكذا بالحرف “موافقة الطرفين”، فمن أين تأتي الموافقة والدم الى الركب كما يقال؟

تقضي الامانة بالتذكير كيف خرج رئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم يومذاك من الاجتماع غاضباً ومقطباً بعدما تأكد من تعمّد إفشال “جنيف1”!

النهار

واشنطن خذلت الإبرهيمي من أجل “الائتلاف” وموسكو لتمارين عملية للمتفاوضين/ خليل فليحان

خذلت الولايات المتحدة الاميركية وروسيا المبعوث الاممي والعربي الأخضر الابرهيمي، وامتنعتا عن تعيين موعد لعقد مؤتمر جنيف – 2 قبل اجتماع المعارضة غداً السبت في اسطنبول كما كان مقرراً. ويعود طابع العجلة التي ارادها الديبلوماسي الجزائري الى ان التجربة علمته الافادة من الحد الأدنى من التفاهم الذي يمكن ان ينشأ في محاولة لتغيير المشهد الدموي الذي تعيشه سوريا منذ نحو 30 شهراً.

وأفادت “النهار” مصادر ديبلوماسية تنتمي الى كلا الدولتين العملاقتين راعيتي المؤتمر، ان الابرهيمي تسرع، وهو يسعى بعدما وصل الى حافة الاعتذار في المهمة المزدوجة المكلف القيام بها بفعل العقبات الكأداء التي واجهها، الى تحقيق تقدم ما، ويطمح الى قرار لوقف النار بين الطرفين المتقاتلين، لكنه لم يدرك ما اشتهته سفنه لأن كلاً من الراعيين الاميركي والروسي له حساباته الخاصة بهذه الحرب السورية المعقدة والطويلة وفق تقديرات تلك المصادر.

وأشارت الى أن الابرهيمي قبل على مضض عدم تعيين موعد لجنيف – 2، وهذا هو التأجيل الثالث، لأن الموعد الاول لانعقاده كاد ان يكون في أيار الماضي في ختام اجتماع وزيري الخارجية الاميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف، وفقاً لما شرحه الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة الى اجتماع جنيف السفير جيفري فيلتمان. وتابع ان الثاني كان يجب ان يتم في حزيران الماضي، والثالث في تشرين الثاني، وكان المبعوث المشترك للمنظمة الدولية ولجامعة الدول العربية يطمح الى تحديد موعد لانعقاد جنيف – 2 في 23 من الشهر الجاري او 24 منه، لعلّ القتال بين الاطراف المتصارعين على الساحة السورية يتوقف بموجب وقف النار.

ولفتت المصادر الى ان رئيسة الوفد الاميركي، نائبة وزير الخارجية الاميركي ويندي شنايدر كانت وراء التأجيل لوقت طويل يقارب الشهرين تقريباً، وفق ما هو متداول، على الرغم من عدم تحديد الساعة الصفر لانعقاده. وبررت عدم الانعقاد وفقاً لما كان متوقعاً، بأن بلادها ترمي بهذا التأجيل الى اعطاء “الائتلاف” فرصة كافية لتحضير جنيف – 2 وانجاحه، لأن واشنطن ملتزمة ذلك، وفي هذه الفترة الفاصلة يمكنها ان تتدرب لتحقيق لهذا الهدف.

وذكرت أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اشار الى أن بلاده تبذل الجهود لحل “المسائل التنظيمية الرامية الى التئام جنيف – 2. وأعرب عن تمنياته بحل كل ما هو عالق من مشاكل في أقرب وقت من أجل التئام المؤتمر.

واسترعى انتباهها ما اقترحه بوغدانوف بعد التأجيل الطويل نسبيا في نظر بعض المشاركين في اجتماعي جنيف، باستضافة موسكو وفدين مفاوضين، الاول يمثل النظام والثاني المعارضة بشكل غير رسمي في محاولة لانشاء اجواء ثقة بين الطرفين. وأبلغ الديبلوماسي الروسي ان هذا النوع من التجربة لن يفضي الى اتفاق معين. ولم يخف انه عقد اجتماعات مع عدد من التنظيمات المعارضة وحاورها حول المفاوضات وما يمكن ان تتمخّض عنه.

وشدد المجتمعون في جنيف، سواء في الجلسة المختصرة او الموسعة، على أهمية توفير ممرات انسانية آمنة لايصال المساعدات الانسانية من غذائية وطبية.

النهار

“جنيف 2”.. فرصة ثمينة أمام السوريين/ هيو روبرتسون

حظيت الشهر الماضي بشرف تعييني وزيرا للدولة للشؤون الخارجية والكومنولث، بعد عملي السابق وزيرا لأولمبياد لندن 2012. وتأتي منطقة الشرق الأوسط ضمن مهام منصبي، وأكتب هذا المقال عقب عودتي من أول زيارة رسمية لي إلى المنطقة، زرت فيها إسرائيل والأراضي المحتلة والأردن.

وتحدوني رغبة شديدة لأن أطلع قارئ هذه الصحيفة على الكثير من التحديات الدبلوماسية التي يواجهها المشهد السياسي في الشرق الأوسط. بيد أنه فيما يتعلق بحقوق الإنسان، لا يوجد ما هو أكثر أهمية أو إشكالا من الصراع الأكثر إثارة للمخاوف الدائر في سوريا. فما يقرب من 6.5 مليون شخص لا يزالون داخل سوريا نزحوا من منازلهم، وأكثر من مليوني شخص أجبروا على الفرار من سوريا ذاتها. وقد قمت يوم الخميس بزيارة إلى مخيم الزعتري، الذي يضم نحو 800 ألف شخص، والذي يتميز بكونه رابع أضخم تجمع في الأردن. ومن المروع قول هذا، لكنهم ربما يكونون محظوظين في بعض النواحي الأخرى، فقد وجدوا الأمن في مخيم قادر على تلبية متطلباتهم. غير أن هناك الكثير من اللاجئين الآخرين، المحتجزين داخل سوريا، مع اقتراب فصل الشتاء، يحمل المستقبل القريب احتمالية البؤس والمعاناة من الجوع والبرد.

وأعتقد أن المجتمع الدولي لم يقدم اعترافا كافيا بما تقوم به السلطات في بلدان مثل الأردن ولبنان، وتركيا أو العراق من جهود دؤوبة، وتكلفة ضخمة، للاعتناء بهؤلاء اللاجئين في وقت الحاجة. أنا أعي جيدا أن بلدا مثل المملكة المتحدة، في نهاية المطاف، حرة في تقديم المساعدة الإنسانية من عدمه، لكننا نفعل ذلك بسبب الحتمية الأخلاقية، وأنا فخور جدا بأن تتبرع المملكة المتحدة بتقديم المزيد من المساعدات لسوريا من أي قضية أخرى من هذا القبيل في ماضينا، بلغت نصف مليار جنيه حتى الآن. لكن جيران سوريا لم يحظوا برفاهية هذا الاختيار، فكان عليهم التعامل مع واقع 2.2 مليون شخص يبحثون عن ملاذ من العنف الذي مورس عندما قرر الأسد إطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين في عام 2011.

وكما قلت، قدمت المملكة المتحدة الكثير من المال لمساعدة جهود الإغاثة. وكانت الكثير من البلدان الأخرى، بعض منها في منطقة الشرق الأوسط، سخية جدا، أيضا. بيد أن المأساة تكمن في أنه بغض النظر عن كم المال الذي أنفق، إلا أنه بلا جدوى ما لم يصل الطعام والأدوية والخيام إلى الأفراد الذين هم في أمس الحاجة إليها. لقد كان نظام الأسد مسؤولا عن الكثير من الأعمال المروعة، التي لم تتوقف عند القنابل والرصاص وغاز السارين الذي يقتل السوريين. فعدم السماح لوكالات المعونة الدولية، المحايدة، بوصول المساعدات إلى الأماكن التي في أمس الحاجة إليها يقتل الأفراد أيضا. وتظهر قدرة مفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على الوصول بأمان إلى 21 من أصل 23 موقعا للأسلحة الكيماوية، ما يمكن للنظام القيام به عندما يكون مستعدا لذلك. والرفض المتكرر أو التأخير في إصدار التأشيرات لعمال الإغاثة الأجانب، الذي ينتمون إلى وكالات إغاثة إنسانية محترمة، يظهر أنهم غير مستعدين في كثير من الأحيان للقيام بهذا. آخر الأخبار المروعة التقارير التي أشارت إلى انتشار مرض شلل الأطفال، الذي يمكن مواجهته بسهولة عبر اللقاحات الحديثة، داخل سوريا.

يحتاج المجتمع الدولي إلى التحرك سريعا لتمكين عمال الإغاثة من متابعة عملهم. ونحن هنا في المملكة المتحدة نؤكد للمعارضة المعتدلة، بغض النظر عن مدى صعوبة الظروف على أرض الواقع، أن عليهم بذل كل جهد ممكن لضمان قيام قواتهم بكل ما في وسعهم لمساعدة جهود الإغاثة والسماح للعاملين في المجال الإنساني بالوصول الكامل والآمن ومن دون عوائق. ونحن على ثقة من أن الروس يمارسون ضغوطا مماثلة على أصدقائهم في النظام، نظرا لحتمية وصول المساعدات إلى الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. وقد بذلت البارونة آموس، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة، جهودا دؤوبة لتحسين الوصول عبر سوريا، ونحن نقدم لها دعمنا الصادق.

لكن السبيل الحقيقية الوحيدة لإنهاء هذه المعاناة هي السعي بطبيعة الحال لإنهاء الصراع ذاته. وفي نهاية الأسبوع الماضي، أيدت جامعة الدول العربية بالإجماع عملية جنيف الثانية، أو بعبارة أخرى، جمع الأطراف المختلفة معا للتفاوض على الانتقال إلى تسوية سياسية دائمة، من دون الأسد، تضمن المساواة والتمثيل لكل عناصر المجتمع السوري. وهذا لن يكون سهلا، كما أنه لن يكون سريعا؛ فقد تستغرق المفاوضات عدة أشهر. ولكن ما هي البدائل؟ لا يوجد أي احتمال بشأن قدرة أي من الطرفين على تحقيق انتصار عسكري. وإن لم نغتنم هذه الفرص، رغم صعوبتها، لإيجاد حل سلمي، فإننا بذلك نحكم على الشعب السوري بشهور وربما سنوات من إراقة المزيد من الدماء والبؤس. فقد رأيت بنفسي يوم الخميس، في مخيم واحد فقط ثمانين ألف سبب تقف وراء حاجة الشعب السوري الماسة للفرصة التي تتيحها «جنيف 2».

* وزير الدولة البريطاني

لشؤون الشرق الأوسط

الشرق الأوسط

التفاهم الأميركي ـ الروسي حول سوريا لا يزال قائماً/ ثريا شاهين

ما هي المواضيع التي طرحها لبنان خلال الاجتماع التحضيري لمؤتمر “جنيف2” الذي عُقد الثلاثاء الماضي؟ وما هي آفاق عقد المؤتمر في ضوء عدم التفاهم الدولي على موعد له؟

كلَّف وزير الخارجية والمغتربين، عدنان منصور السفيرة اللبنانية لدى جنيف نجلا عساكر تمثيل لبنان في الاجتماع. وعُقد بمشاركة ممثلين عن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والأمم المتحدة وممثلين عن دول الجوار لسوريا, أي لبنان والأردن والعراق وتركيا. وبالتالي لم تكن هناك مشاركة موسعة من كل الدول التي شاركت في مؤتمر “جنيف1” أو المزمع دعوتها للمشاركة في “جنيف2″، عندما يتم التفاهم على موعده. مع الاشارة الى أنه لم تحسم مسألة دعوة إيران الى “جنيف2”.

وأفادت مصادر ديبلوماسية رفيعة، أن الأفكار التي طرحها لبنان في الاجتماع ذات صلة بالوضع العام في سوريا. وشملت النقاط التالية: تأثير الأزمة السورية عليه، وأهمية السلام في لبنان، ومن الضروري إنجاز السلام في سوريا، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على لبنان.

وكذلك أهمية إيجاد الحل السلمي بين مختلف الأطراف السورية، وضرورة مساعدة النازحين السوريين وتقديم ما يلزم، وضرورة تفادي الإرهاب الذي يولد الأفكار المتطرفة. وسيستمر لبنان في المشاركة في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر متى دعي اليها. ويغلب على الاجتماعات الطابع التنسيقي.

المساعي الأميركية والروسية ستتواصل لعقد المؤتمر. ويبدو أن عدم التفاهم على موعد له سببه الخلافات بين الطرفين حوله. الروس وفقاً لمصادر ديبلوماسية مطلعة يعتبرون أنه يجب تأكيد أهمية “جنيف 2″، وأن لا بديل عنه، وأن الطريق الوحيد للحل في سوريا هو الحل السياسي، وأنه يجب ألا تكون هناك أوهام لأي طرف بأن الحل سيكون عن طريق الحل العسكري. موسكو تعتبر أن الولايات المتحدة لا تقوم بتسهيل عملية “جنيف2″، بعد ضغوط من أطراف آخرين مثل دول خليجية وتركيا بموافقة ضمنية أميركية. لكن الموقف الروسي لن يتغير، أي عقد “جنيف2” من دون شروط مسبقة لإنجاز الحل السياسي.

الروس يعتبرون أن المعارضة مشتتة وأن ليس هناك فريق واحد يتحدث باسمها، وأن الأطراف الداعمة لها لا تسهل الانعقاد من خلال الشروط التي تضعها. في حين أن الأميركيين كانوا تفاهموا مع الروس واتفقوا معاً حول ضرورة عقد المؤتمر, وأن كل طرف يضغط على الجهة السورية المعنية لعقد المؤتمر.

وتشير المصادر إلى أن التفاهم الأميركي الروسي حول الوضع السوري لا يزال قائماً، وأن الاتصالات بين الطرفين ستستمر لتوفير مناخٍ مؤاتٍ لعقد المؤتمر، والمبدأ لا يزال نفسه بالمشاركة من دون شروط مسبقة.

وهناك قسم من المعارضة لا يريد المشاركة إلا ضمن شروط، أبرزها، رحيل الرئيس السوري بشار الأسد, وأن تكون المرحلة الانتقالية بلا دور له فيها، وأن تنتقل الصلاحيات كاملة الى الحكومة الانتقالية، هذا القسم مدعوم من الخليج. والانقسام لدى المعارضة يؤدي الى عدم عقد المؤتمر، وطالما أن المعارضة غير متفقة على مبدأ المشاركة وعلى وفد موحد فإنه من الصعوبة عقده. وإذا شارك قسم فقط من المعارضة فلن يكون للمؤتمر أي معنى ولن يتم التوصل الى أي نتيجة، هناك مراعاة للخليج وللقسم التابع له من المعارضة، وبالتالي لن يُعقد المؤتمر من دون مشاركة الأطراف الأساسية من المعارضة فيه لا سيما تلك القريبة من الخليج، ولا تريد الدول أن يشارك قسم من المعارضة من دون الأقسام الأخرى، ما يؤدي الى تجزئة المعارضة لأن هذا سينعكس سلباً عليها. كما أن أي التزام في المؤتمر من طرف معارض قد لا يمكنه تحقيق ما يكون قد اتفق عليه إذا لم يكن مسيطراً على الأرض لتنفيذ الاتفاق. لذلك لم يتم تحديد موعد في انتظار الاتفاق بين أطراف المعارضة وضمان حضور معظمها أو الأساسي منها.

ما جرى في الاجتماع الأخير الطارئ لجامعة الدول العربية، هو الاعتراف مجدداً بأن الائتلاف الوطني السوري هو من يمثل المعارضة، وتم خلاله انتزاع تغطية عربية للائتلاف أمام كل الهيئات الدولية.

المستقبل

أميركا وروسيا .. مؤتمر “جنيف ـ2” و”صفقة الحل”؟/ د.عفيف رزق

هل حان موعد تنفيذ “صفقة الحل” بين روسيا الاتحادية والولايات الاميركية للأزمة السورية ؟، أم ان الحل لم ينضج بعد لإستكمال الحصول على المصالح المشتركة للإستراتيجيتين الاميركية والروسية، وكذلك المصالح الخاصة لكل منهما؟. نعم هناك مصالح مشتركة اهمها، ولا شك، موضوع السلاح وتصديره للأطراف المتنازعة حيث تُعتبر واشنطن وموسكو من المصدرين الوحيدين، تقريباَ للأطراف المتنازعة على الساحة السورية…، اما المصالح الخاصة، بالنسبة لواشنطن فهي تتبع استراتيجيا، من اهم عناصرها، عدم التدخل المباشر في النزاع وترك الاطراف المتقاتلة لتتعب وتستنفد كل قواها، عند ذلك يصبح التدخل الاميركي ضروريا وبناء لطلب هذه الاطراف لفرض الحل الذي تراه مناسباَ؟!؛ اما بالنسبة لموسكو فان اهم ما ترغب في الحصول عليه الوجود كقوة فاعلة واساسية وضرورية، في المنطقة، والمحافظة على مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية…

في مطلع هذا العام عرفت الدبلوماسية، الروسية كما الاميركية، نشاطاَ استثنائياً قاده وزيرا خارجية موسكو سيرغي لافروف، وواشنطن جون كيري، الذي تسلم مهامه في مطلع العام، فموسكو كانت ما ان تودع كيري، حتى تستعد لإستقباله من جديد، وتفعل واشنطن الشيء نفسه في ما خص لافروف، والموضوع الرئيسي للمحادثات والإتصالات الثنائية، المباشرة وغير المباشرة، هو إيجاد حل سلمي للنزاع الدامي في سوريا والذي كان يشهد تصاعداَ لافتاَ في مختلف الميادين: اتساعاَ في جغرافيا المعارك بحيث غطت هذه الاخيرة معظم المدن والبلدات والقرى السورية، وازدياداَ في اعداد المشاركين الذين قدموا من مختلف بقاع الارض، وشراسة في استخدام الآلة القتالية من اعدامات بدم بارد الى استخدام السلاح الابيض… وعلى الرغم من هذا النشاط الدبلوماسي المكثف، بقيت الهوة متسعة جداَ بين موقفي هاتين الدولتين. ومما لاحظه المراقبون، في هذه المرحلة، ان الوزير الروسي كان يبذل جهودا مميزة أكثر من زميله الاميركي . فهو كان يتصل بجميع الاطراف المتنازعة، المعارضة، المدنية والمسلحة، وقادة النظام لتقريب وجهات النظر بينها من خلال الإقتراحات لإنهاء القتال عبر الحوار مع الاصرار على مد النظام بمختلف انواع السلاح، هذا من جهة، ومن جهة ثانية عمل لافروف على عقد اجتماع، في العشرين من شباط الماضي، لمنتدى التعاون الروسي – العربي، الذي كانت تنتظره القيادة الروسية منذ ثلاث سنوات لإعادة إحياء الروابط، التي اصابها الضعف بين العاصمة الروسية والعواصم العربية بعد “الربيع العربي”، بالإضافة، طبعاَ، لمناقشة الوضع السوري المتفجر والمدمر الذي ازداد مأسوية، ومع ذلك فان الحل السلمي للنزاع بقي دونه عقبات جمة؟!.

في هذه الاثناء، وعندما كان الاعلام الاقليمي والدولي يُلاحقان هذا النشاط العلني المتعلق بالوضع السوري، كان هناك نشاط آخر، غير معلن ترجم نتيجته تقرير صادر عن إحدى المؤسسات المعنية بالدراسات والابحاث الاستراتيجية، تُدعى “مؤسسة القرن المقبل”. من اهم النقاط التي عرضها التقرير، والتي يمكن اعتبارها “خريطة طريق” لحل النزاع المسلح، في سوريا، سلميا وتلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا:

ـ ترى موسكو ان من الضروري إشراك السعودية وايران ومصر ولبنان والاردن في “صفقة الحل”، كما جاء في التقرير، شرط ان تبقى المبادرة من اختصاص الادارة الروسية، او كما اشار التقرير “بقاء المفتاح بين يديها”.

ـ طرد القوى الاسلامية المتطرفة كجبهة النصرة وغيرها من سوريا، وعلى الادارة الاميركية المساهمة الرئيسية في هذا المسعى..

ـ تعهد الروس، بعد تنفيذ هذه الخطوات، إقناع الرئيس السوري الوقوف جانباَ، حرصاَ على مصلحة الامة السورية، والسماح بالإنتقال الى حكومة ـ هيئة ـ جديدة في سوريا..

ـ الإطار الزمني لعملية الانتقال سنة واحدة يتم خلالها تشكيل حكومة سورية مؤقتة ـ هيئة ـ يُسلم الاسد السلطة لها، تتألف هذه الحكومة، الهيئة، من 100 عضو، تُعين لجنة دستورية لصياغة دستور جديد لسوريا يُعرض على الاستفتاء الشعبي العام قبل إجراء الانتخابات الاشتراعية…

ـ في هذه الاثناء يلتزم الطرف الاميركي الإنسحاب من مقعد القيادة كي يتسلمها القادة الروس..

استناداَ الى هذه المعطيات التي جاءت في تقرير” مؤسسة القرن المقبل” حيث تم تنفيذ بعض النقاط الواردة فيه، وعلى الرغم من المتغيرات التي طرأت من جراء تصاعد حدة القتال وما اصاب المدن والقرى السورية من تدمير وتهجير . . بقي الثابت الوحيد الذي يُجمع المهتمون عليه هو ان الحل السلمي الممكن الذي قد يضع حدا َللحرب القائمة، الى جانب استبعاد الحل العسكري الذي تأخذ به بعض القوى الاسلامية المتطرفة فقط . في هذه الاجواء يأتي مؤتمر جنيف ـ 2، المدعوم من قبل الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية معاَ. لقد تم تحديد تاريخ للمؤتمر، مبدئياَ، في الثلث الاخير من هذا الشهر . قيل الكثير عن المؤتمر وابعاده ونتائجه المتوقعة وفرص النجاح؛ ومع ذلك ان اهم ما يعترض امكانية الوصول الى الحل السلمي عبر جنيف ـ 2 تنفيذ ما التزمت به موسكو وواشنطن، بحسب ما جاء في التقرير الآنف الذكر: فهل يستطيع الجانب الروسي اقناع الرئيس السوري بالتنحي عن السلطة وتسليمها الى الحكومة ـ الهيئة ـ المنوي اختيار اعضائها من قبل المؤتمر، مع جميع الصلاحيات لقيادة المرحلة الانتقالية؟… وهل يستطيع الجانب الاميركي اقناع القوى المتطرفة من اخلاء الساحة السورية، اما بالضغط على من يدعم هذه القوى، واما بالتدخل عسكرياَ لتنفيذ التعهد؟..

المستقبل

تأجيل جنيف – 2 يزيد الخيبة المسؤولون يسمعون كلاماً ولا يرون أفعالاً/ خليل فليحان

شكّل تأجيل تحديد موعد لانعقاد مؤتمر جنيف – 2 خيبة كبيرة لدى المسؤولين الكبار لان تدفق اللاجئين السوريين سيستمربفعل القتال الذي تنوع في سوريا الى اربعة: الاول بين القوات النظامية ومقاتلي “الجيش السوري الحر”، والثاني بين “داعش” “والنصرة”، والثالث والرابع بين كل من هذين التنظيمين ومقاتلي المعارضة من “الجيش الحر” ومن سواه. ويوسع هذا التنوع مساحات المواجهة، وبالتالي يحتم على الكثير من المدنيين التفتيش عن مكان آمن داخل المناطق السورية البعيدة عن القتال في لبنان والاردن والعراق وتركيا وووفقا للاسقصاءات التي اجريت، ان اللاجىء السوري يفضل لبنان لانه يكون فيه حراً طليقاً، يسكن اينما شاء ويعلم اولاده ويعمل في المهن اليومية ويتقاضى اسعارا مرتفعة، واذا تمكن من تسجيل اسمه وعائلته في قوائم المنظمات الدولية الانسانية فله تعويضات مالية ومساعدات غذائية ومسكن وطبابة مجانية. وقد تنبهت اخيرا بعض الاجهزة الامنية غير المدنية للازداوج الذي يلجأ اليها اللاجئ، وهو نوع من الغش.

وتكبر ازمة اللاجئين يوما بعد يوم وتنمو الوعود الدولية من اميركية واوروبية. ويسمع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي المسؤولين الاجانب الذين يقصدون لبنان او يلتقونهم في دولهم، فيتوسمان خيرا، ولكن يتبين لاحقاً انه صح قول “اقرأ تفرح جرّب تحزن”.

واطلعت “النهار” على مداخلات مسؤولي ست منظمات انسانية ادلوا بها امام اجتماع كبار موظفي الدول التي ستشارك في جنيف – 2، والذي كان ترأسه المبعوث الاممي والعربي الاخضر الابرهيمي. وتعكس تلك المداخلات الحالة المتردية التي يعيشها السوري المدني داخل بلاده وفي الدول التي يلجأ اليها، ومن بينها لبنان، مما دفع برئيسة الوفد الاميركي ويندي شنايدر والروسي ميخائيل بوغدانوف الى الاتفاق على الطلب من ممثلي الوكالات الانسانية المشاركين في الاجتماع تبليغ واشنطن وموسكو بالجهة المعرقلة لوصول المساعدات الى المدنيين القاطنين بقع الاشتباكات او القريبين منها، سواء من قوات النظام او من المعارضة. وهددت شنايدر بلجوء بلادها الى مجلس الامن اذا لم تتأمن ممرات لايصال المساعدات وفقا لما ورد في بيان المجلس ذي الصلة 25-9-2013. واظهرت المداخلات ان المتقاتلين لا يأخذون في الاعتبار ضرورة تأمين ممرات لايصال ما يحتاج اليه المدنيون المحاصرون بالنار، من غذاء ودواء وكساء ومسكن آمن. وطالبوا برفع الحصار عن مناطق مطوقة منذ اشهر. وشددوا على اهمية السماح للمنظمات الانسانية الوصول الى المعتقلين من قوات النظام او من معارضة “الجيش الحر” على اساس ان لا اتصال بمقاتلي “داعش” او “النصرة”. وركزت مداخلة اللجنة الدولية للصليب الاحمر على وقف استهداف سيارات الاسعاف والمستشفيات وهذا ما يزيد الخطر على المرضى او المصابين ويعرّضهم للموت.

النهار

البحث عن معارضة/ سميح صعب

الرافضون لمؤتمر جنيف – 2 من معارضة سورية في الخارج ودول اقليمية داعمة لها يعتقدون ضمناً انه لا يزال في الامكان تحقيق امرين: اسقاط النظام بالحسم العسكري او انقلاب في المعادلة العسكرية تجعل النظام امام خيار واحد فقط هو تسليم السلطة. لكن المعطيات التي تجري على الارض لا توحي بأن أياً من الامرين في وارد التحقق في المدى المنظور، علماً ان الائتلاف الوطني المعارض لا يملك السيطرة الفعلية على الفصائل المسلحة ومعظمها جهادي ينتمي الى “القاعدة” بجناحيها “داعش” و”النصرة” بأجندات لا تمت بصلة الى الديموقراطية او الدولة المدنية التي يرفع لواءها الائتلافيون.

لقد وضع الائتلاف الوطني شروطاً تعجيزية من اجل الذهاب الى جنيف. وهي شروط ان تحققت في واقع الامر تنتفي معها حاجة الى انعقاد المؤتمر، مثل قبول الرئيس بشار الاسد بالتنحي سلفا وان ينسحب مقاتلو “حزب الله” من سوريا وان توقف ايران مساعداتها للنظام. واذا ما تحققت هذه الشروط فما هي حاجة الائتلاف للذهاب الى جنيف ومع من سيتحاور، ويكفيه عندها الانتقال من اسطنبول الى دمشق كي يتسلم السلطة ولا لزوم لكل الجهود الديبلوماسية التي تبذلها واشنطن وموسكو من اجل عقد مؤتمر جنيف -2 والتحضير له وتكليف الاخضر الابرهيمي مشقة التجوال في المنطقة والعالم بحثاً عن دعم للمؤتمر ووضع صيغ ينبغي ان تحظى بموافقة هذا الطرف او ذاك.

مشكلة المعارضة السورية الممثلة في الائتلاف انها تتصرف وكأنها هي النظام الان في سوريا وكأن النظام في دمشق هو المعارضة وانها لا تريد أن تتقاسم معه السلطة، وانه لا بد مع مرور الوقت من وصول النظام الحالي الى نقطة الانهيار عسكريا واقتصادياً وتالياً عدم القدرة على الاستمرار. لكن هذا يعني ايضاً استمرار الحرب مع كل المآسي التي تخلفها من قتل ودمار والقضاء في ما بعد على اي امكان لقيام سوريا موحدة، فضلاً عن الافساح في المجال لتحول سوريا الى افغانستان مطلة على البحر المتوسط على حد تعبير الرئيس التركي عبدالله غول لصحيفة “الغارديان” قبل ايام. وللتذكير، ان غول ليس من محبي الاسد، لكنه بدأ يستشعر خطر وجود “القاعدة” على الحدود الجنوبية لتركيا.

وكلما ابتعد جنيف – 2 زادت احتمالات استمرار الحرب السورية. وربما كان دافع روسيا واميركا اليوم الى عقد اجتماعات مع معارضين سوريين من خارج الائتلاف الوطني، هو البحث فعلاً عن معارضة سورية بديلة تقبل بمحاورة النظام وانقاذ ما يمكن انقاذه من سوريا.

النهار

“جنيف ـ2” إلى موسم الأعياد؟/ د. نقولا زيدان

عندما فتحت مراسلات الزعيم الفيتنامي التاريخي هو شي من (1890-1969) بعد مرور سنة على وفاته، فوجئت القيادة الفيتنامية الجديدة، بعدم العثور إطلاقاً في رسائله الى الرؤساء الأميركيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض خلال الحرب التي قادتها أميركا على فيتنام، على أي أسرار أو مفاجئات مثيرة قط. بكل بساطة كانت كلها تحتوي على عبارة واحدة كان “العم هو” يوجهها إليهم باستمرار: “طالما جيشكم في فيتنام فإننا سوف نقاتلكم بلا هوادة حتى خروجكم منها…”.

إن المعنى العميق والبسيط في آن معاً لما نقول أن المسائل المبدئية في تاريخ الشعوب، خصوصاً في مخاضها العسير وكفاحها من أجل الانعتاق والتحرر هي مبدئية جوهرية ولا تحتمل أي مساومات انتهازية تمس جوهر الصراع القائم وكُنه القضية المركزية، فهي واحدة جوهرية غير قابلة للتجزئة ولا للاستلاب وتواجه المعارضة الثورية السورية في اللحظة التاريخية الراهنة وضعاً مشابهاً، في الوقت الذي يجري التحضير فيه والإعداد لمؤتمر جنيف2 الذي ستطرح فيه الأزمة السورية وصولاً الى حل سياسي لها. إلا أنه بين الهدف المنشود والمعطيات المتوفرة الراهنة، ثمة مصاعب عصية يجب تجاوزها والتغلب عليها. فالمشكلة الرئيسة ترتبط بالتركيب البنيوي للثورة السورية نفسها، ليس لجهة تعدد الفصائل المسلحة ولا القوى المحاربة فحسب، بل لغياب القيادة التاريخية لهذه الثورة، تلك القيادة المجربة التي تملك، سواء في الداخل السوري أو في الخارج، تاريخاً نضالياً مديداً طويلاً في الكفاح النظري والسياسي والعملاني في آن معاً، هذه القيادة التي انتزعت ثقة الجماهير على امتداد عقود من الحكم الأسدي الفردي وأدواته العسكرية والقمعية، ذلك أن قيادة ثورية تاريخية من هذا القبيل لو توفرت لكان بمقدورها حسب مسألة تعدد الفصائل والقوى وحضّها على وضع تلاوين وتباينات أطيافها المكونة جانباً لتصطف وراء جبهة تحرير وطنية موحدة. فالذي تم ضمن هذا الفهم وهذا السياق التاريخي، ومع بدايات التظاهرات المطلبية في درعا منذ سنتين ونصف التي قوبلت بالرصاص والمدافع، هو وضع “عربة الثورة” أمام الحصان الذي انبرى لقيادتها. كنا بحاجة لبرنامج مرحلي واضح، وتصوّر مستشرف واضح الرؤيا لمجموعة التحالفات الخارجية والداخلية في آن معاً لرسم معالم الطريق الشاق المثخن بالدماء والدماء والتضحيات التي سنسلكها، بل مجموعة التكتيكات الضرورية لإنجاح هذا البرنامج.

أضف الى ذلك خصوصية الوضع السوري لجهة تعدد الديانات والمذاهب والأثنيات بل اللغات واللهجات المحكية المكونة للشعب السوري في مواجهة سلطة ديكتاتورية دموية لها باع طويل في إنشاء القوات الخاصة وسرايا الدفاع والحرس الجمهوري وعدد غفير من أجهزة الأمن والمراقبة والتقصي والتنصت والاستطلاع. ولا يجوز أن ننسى قط حزب البعث المتداخل كلياً مع أجهزة المخابرات. فالنظام الأسدي قد عمل طويلاً منذ انقلاب 1970 للتمكين لنفسه عن طريق الترويج والدعاية والتحريض وإذكاء روح الريبة والخوف لدى الأقليات، فأصبح يتملكها إحساس عميق بالشعور بالخطر والتهديد من قبل الآخرين. وإلا كيف نفسر والحالة هذه في ظل حالة سائدة من الفساد والصفقات المريبة والإثراء السريع، تحكم عائلة واحدة وأسرة واحدة وأنسبائها وأقربائها بمقاليد الدولة ومقدرات البلاد.

لقد نهش النظام الأسدي الحاكم روح الاعتراض والممانعة والرفض عند الشعب السوري، فأصبحت الفسح والفرص والحيَن المتاحة أمام القوى الديموقراطية والحس الشعبي العفوي بالخلل والأعطال وتردي الأوضاع غير متوفرة كفاية للإعداد لحركة ثورية أولية بمقدورها التعاطي بكثير من الدراية والحكمة والتكيّف مع مجموعة أطياف الشعب السوري ومكوّناته الفريدة لإطلاق حركة تمرد شعبية عارمة وصولاً الى إسقاط النظام بالعنف والقوة المسلحة.

وقد لعب الجوار العربي، بل الوضعان الإقليمي والدولي، دوراً سلبياً للحؤول دون وصول الثورة السورية الى أهدافها العادلة والطبيعية. فالاصطفاف العربي لدعم الثورة بالمال والسلاح لم يكن متجانساً بل متفاوتاً تبعاً لخصوصية أوضاع كل من تلك الأنظمة ولرؤيته هو لمستقبل الثورة السورية. فالموقف السعودي الثابت وعلى الأصعدة كافة من الثورة السورية، قابلته مواقف عربية أقل ثباتاً وجرأة. وقد تميّز الموقف العراقي، بعد أن أصبح أشبه بمحمية إيرانية أميركية بتورط كلي بمساندة النظام الأسدي لوجستياً على وجه الخصوص. أما مصر فكانت في شغل شاغل بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، وما كان من أمر وصول الأخوان المسلمين الى السلطة والإطاحة بمرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، وكان أكثرهما ردائة موقف لبنان المتخبط في قبضة حليف النظام الأسدي، حزب الله.

أمام الخطر الماثل ونهوض الحركة الشعبية الكبير، أدرك النظام الأسدي خطورة المرحلة، فاستدعى حليفيه الروسي والإيراني ليمدانه بدعم مطلق بالسلاح والذخيرة والمعدات، وبدعم ديبلوماسي كبير في المجتمع الدولي كانت تجلياته تعطيل الروس والصينيين لقرارات مجلس الأمن الدولي.

انتهت معركة الكيماوي لتبدأ معركة الإعداد لجنيف2، هذا في الوقت الذي يستمر النظام الأسدي بحربه الضارية في الداخل (150 ألف قتيل، 225 ألف معتقل، مليونان و500 ألف نازح الى الخارج، 9 ملايين سوري في الداخل إما محاصرون حتى الموت جوعاً أو مشرّدون يلجأون الى الأرياف والطرقات والجسور والكهوف للبقاء على قيد الحياة).

ماذا يريد جنيف2 من سوريا الآن؟ نظاماً ومعارضة على حد سواء. أصبح جلياً أن الأسد ما زال مصراً على البقاء في السلطة، فجميع مقابلاته وتصريحاته توضع في هذا الاتجاه (اعتزامه تجديد ولايته في صيف 2014، تمسكه بدستوره الأسدي، تصريحات وليد المعلم، حركة قدري جميل الالتفافية، تصريحات الأخضر الإبراهيمي المتناقضة الملتبسة نفسها…). فإما جنيف2 لمصلحته وإما لا جنيف2 على الإطلاق. ويدخل في هذا الإطار اشتداد حدة المعارك والمشاركة السافرة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله لاسترداد بعض المواقع الاستراتيجية.:

ـ الأسد يريد لوفده أن يدخل جنيف2 قوياً لفرض شروطه هناك.

ـ أما المعارضة السورية فهي ترفض رفضاً قاطعاً بقاء الأسد في السلطة وتتمسك ببيان جنيف2 وبيان لندن الأخير: وجوب تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات.

ـ ترفض أي مشاركة لإيران في المؤتمر.

ـ تطلب ضمانات عربية ودولية لتنفيذ هذه البنود وتسعى لانتزاع موقف عربي موحّد من المؤتمر.

ـ لا تمانع بمشاركة بعض رموز معارضة الداخل.

يتلخص الموقف الدولي الذي تحتل فيه الأزمة السورية والدعوة لجنيف2 اهتماماً بارزاً باستمرار سريان مفعول اتفاق لافروف كيري الداعي بقوة لضرورة عقده قبل نهاية العام الجاري. وفي هذا الصدد يحاول وزير خارجية أميركا تذليل العقبات التي تحول دون انعقاده في موعدة التقريبي، فهو يقوم بجولة إقليمية سريعة على دول المنطقة والتي تشكو في غالبيتها من تأرجح سياسة الرئيس أوباما وترديها. ففي الغرب يسود انطباع عام مفاده أن سياسته الداخلية قد أصابت بعض النجاح لكنها فشلت كثيراً على المستوى الدولي ابتداء من موقفه المتأرجح من تسليح جدي للمعارضة السورية ومروراً بتراجعه عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري بل مروراً أيضاً بتقليص المساعدات العسكرية لمصر بعد الإطاحة بحكم الأخوان، واعتراء الفتور علاقات أميركا بالمملكة السعودية وانتهاء بأزمة التنصّت على اتصالات قادة حلفائه الأوروبيين وزعمائها البارزين. وتعمل الإدارة الأميركية على إنجاز سريع للملف النووي الإيراني الذي يقترب بسرعة من خاتمة إيجابية. ولا تمانع أميركا بحضور إيران جنيف2 مما يثير حفيظة الدول العربية وعلى رأسها المملكة السعودية التي يؤرقها تعاظم نفوذ طهران في منطقة الخليج. وتأتي تصريحات وزير خارجية إيران “ظريف” بالحديث عن استعدادها للضغط على حلفائها المتورطين في الحرب الدائرة في سوريا للانسحاب بمثابة لفتة طيبة حيال مواقف واشنطن.

أما موسكو فمن الطريف القول عنها أنها في الوقت الذي ما زالت تتمسك بمواقفها المعلنة برفض الضغط على الأسد للتنحي، فإنها منشغلة بجني ثمار أخطاء السياسة الأميركية في المنطقة من قبيل استعدادها لبيع مصر صفقة أسلحة متطورة، كما أنها تنظر بعين الرضا لمواقف وتصريحات الإبراهيمي الممالئة للأسد وتمسكه بحضور إيران جنيف2، وبالأخص تلك المتعلقة بضرورة حضوره من دون شروط مسبقة.

بقي أن نشير أنه منذ أيام معدودات هبط في جنيف فريق أميركي من الخبراء الأمنيين والإداريين لملاقاة نظرائهم الروس في الإجراءات والترتيبات الضرورية لعقد المؤتمر الذي قد يتأخر بعض الوقت ريثما تلين بعض المواقف السورية بفعل الضغوط الأميركية والعربية.

المستقبل

الكوميديا الروسية السوداء/ بشير هلال

منذ نهاية حزيران (يونيو) 2012 علَّق المجتمع الدولي معالجة «القضية السورية» على مشجب اتفاق جنيف- 1 الذي جاء بعد ممانعة روسية شديدة تجلَّت في استخدام حق النقض مرتين حتى تاريخه. كان هذا لمنع إدانة النظام الأسدي والحؤول دون تبني مجلس الأمن أي إجراء عملي يرغمه على وقف حمام الدم الذي افتتحه قبل عام ونيِّف لقمع انتفاضة شعبية سلمية.

المفارقة أن البيان الختامي الذي صدر آنذاك عن «مجموعة العمل من أجل سورية»، والذي تعهّد العمل «على نحو مستعجل ومكّثف من أجل وضع حد للعنف ولانتهاكات حقوق الإنسان وتيسير بدء عملية سياسية بقيادة سورية تفضي إلى عملية انتقالية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري» لم يكُن للتنفيذ كما ادعى، بل أنه استلزم لقاء كيري ولافروف في أيار (مايو) اللاحق لإطلاق «المبادرة الروسية الأميركية» بذريعة تنفيذه تحت مسمى جنيف-2، الذي سرعان ما تبدَّى أداة جديدة لشرعنة امتناع التدخل الأممي و «للحفاظ»على ترسيمة حالة الحرب الشاملة المُحتواة. وهذا ما وجدنا تعبيراً له قبل أيام في استنتاج المبعوث الاممي- العربي الأخضر الابراهيمي صعوبة تحديد موعدٍ لانعقاد مؤتمر جنيف-2 وبقاء الأنظار مشدودة إليه في آن، بعد أن جرى تصنيعه وتسويقه كخشبة خلاص وحيدة ممكنة لعلاجٍ يصبح أكثر عسراً.

والحال أن بين أهم المبررات المقدَّمة رسمياً لعدم فعل شيء آخر غير انتظار جنيف-2 المعادلة التي عبَّر عنها وزير الخارجية الأميركي بقوله خلال زيارته لبولندا بعد فشل محادثاته الأخيرة مع لافروف والإبراهيمي في تحديد موعد لجنيف-2: «شيء وحيد أكيد هو أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في سورية»، ما يعني ضمناً أن نسبة القوى بين «طرفيْ النزاع السوري» متكافئة وغير قابلة للتغيير. الأسوأ أنه يجري استخدام هذه المعادلة من واشنطن كما لو أنها تشكل اداة كافية بذاتها لدفعهما اوتوماتيكياً إلى التسوية فيما كانت أقرَّت في اجتماع «الدول الـ11 الداعمة للمعارضة السورية» في 21 حزيران المنصرم على لسان الوزير نفسه ضرورة زيادة دعم المعارضة «لوضع حدٍ لانعدام التوازن على الأرض مع النظام تسهيلاً للحل السلمي». لا توازن قديماً يسعى النظام إلى زيادته بعد مروره السالم من شباك ردود الفعل على مجزرته الكيماوية ضد الغوطة وهجومه الإعلامي لتحسين فرص إعادة تأهيله دولياً واستئناف حربه الشاملة لاستعادة المواقع المفقودة بدعمٍ ميداني مباشر من حلفائه.

الاستنتاج الأميركي خاطئ لأسبابٍ كثيرة أخرى ليس أقلها أن تجــــربة حروبٍ عديدة أهليةً و/أو ثوريةً داخل الدول بما فيها لبنان تـــشير إلى الاحتمالات المتناقضة لمردود «توازن القوى» على مــدَّة ومدى وطبيعة حل النزاعات… بالتالي فالتأكيد الأميركي عليه يتجاوز خطأ التقدير إلى التستر على فداحة أوجه ثلاثة اخرى:

– التطور السلبي في مورفولوجيا الثورة السورية الذي سمح للقوى الاسلامية المتطرفة بالغلبة وتسريع عملية تهميش «الجيش الحر» وهيئات وفاعليات الحراك المدني وتسييد أشكال تنظيم وقضاء إسلاموية وتعزيز الانقسامات الطائفية وإدراجها ضمن صراعات إقليمية – مذهبية متفجرة تتلاقى مع تثقيل وزن الوجود الايراني – المذهبي في قرار النظام وعمله وبنيته الحربيين على السواء. الأمر الذي يُهدِّد طبيعتها بالذات وليس أشكالها فحسب.

– تفكك ما كان منسوباً إلى «الدولة» من خدمات وبيروقراطية إدارية وهلهلة «الإجتماع السوري» نفسه عبر تغيير الوقائع الديموغرافية بنزوح ولجوء أكثر من ربع السكان وبالتدمير المتمادي لبنية العمران والاقتصاد والسوق والتعليم والصحة في أكبر كارثة إنسانية يعرفها العالم منذ عقود.

– نمو احتمالين خطيرين على المستقبل: الأول هو استنقاع حالة الحرب نتيجة «توازن القوى» وامتدادها لسنوات أخرى تحول سورية ساحات متشظية وفق توقعات محللين ومراكز بحوث بعضها اميركي. والثاني محاولة إعادة تركيب وتجميل النظام الأسدي مع، او من دون، رأسه استناداً إلى التلزيم الأميركي النسبي لموسكو بالملف السوري، كما برز في أعقاب قرار النظام تسليم سلاحه الكيماوي وكجزء من مرحلة تفاهمات و «شراكة» جديدة وإلى نتائج التفاوض الاميركي- الإيراني.

والحال أن نية تفكيك المعارضة لإعادة بناء أخرى مدجنة تبدو واضحة في الحملة الإعلامية التي تضع مسؤولية عرقلة جنيف-2 على انقسامها، كما فعل المبعوث الإبراهيمي والطرف الروسي، في حين أن العقبة الرئيسية التي منعت تحديد موعد لانعقاد المؤتمر تعود، كـــما قال الأمين العام للجامعة العربية، إلى عدم قبول النظام بوثيقة جنيف-1 ونصها على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، إضافة إلى الخلاف على دعوة ايران والتي ترفضها المعارضة لمشاركة طهران في الحرب على السوريين.

والحال ان الطرفين بدَوا وكأنهما يحاولان الالتفاف على جنيف-2: الإبراهيمي بطلبه «وفد معارضة مقنعة»، والثاني بالدعوة إلى لقاءاتٍ موسكوفية بين المعارضة والنظام تسبق المؤتمر، وبالتهديد بعقده بمن حضر وسط سعيٍ حثيث لاستنباط معارضة مُذعِنَة بعضها من شخصيات سُمَِّيت «معارضة الداخل» رغم تناقضها مع الجسم الاساسي للحراك الشعبي وشعاراته، وبعضها كانت او لا تزال مع النظام كنائب رئيس الوزراء «المُقال» قدري جميل، وهي التي التقاها نائب وزير الخارجية الروسي في جنيف، وغالبها باستثناء ممثل «الاتحاد الديموقراطي» الكردي ليس له وزن ميداني.

بذلك تبدو السياسة الأميركية أمام منعطف. إما استمرارها بتلزيم الملف لروسيا «الكوميديا السوداء» والحل التجميلي وتعديل تركيبة المشهد السياسي بالتحشيد حول «محاربة الارهاب»، ما قد يتيح تقسيم المعارضة من دون منع استمرار الحرب بأشكال مختلفة، واستخدام جنيف-2 كأداة شرعنة لمشروعٍ يتفارق مع وثيقة «جنيف-1»… وإمَّا مواجهة حقيقة أن المشكلة هي في رفض النظام وداعميه تقديم أي تنازل جدي، وفي لاتوازن القوى، وأن لا حل خارج إعادة تشكيل تحالفٍ داعم للقوى الديموقراطية والفصائل المعتدلة في «الجيش الحر» المهدَّدة بالتلاشي إن لم تتصدَّ بعد تأخرٍ خطير لسيطرة القوى المتطرفة على المناطق «المحررة» وتستعيد الصلة بالمجتمع المدني وتؤكد على البديل الديموقراطي وتقصي فكرة أن الحرب تدور الآن بين النظام والقاعديين حصراً… وإلا بقي جنيف أداة تبرير مستدامة لعطالة المجتمع الدولي ولامبالاته.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى