صفحات العالم

انكشاف حقيقة الأنظمة … مهم بقدر ما هو إسقاطها!

 


محمد مشموشي *

مثل الذين يعتبرون الديموقراطية قضية انتخابات وعدد أصوات فقط، كمثلِ الذين يرون أن 50,5 في المئة من نسبة الاقتراع في مقابل 49,5 في المئة تسمح لمن ينالها فرض نظام ديكتاتوري كامل على الآخرين والتصرف بالبلد على هواه.

وفي الوقت الراهن، لا يخرج الحال في العالم العربي، وبخاصة في ليبيا واليمن وسورية، عن المثلين معاً وفي آن واحد. فلا يقول الرئيس اليمني علي عبدالله صالح (أقلّه قبل إصابته) عبر التظاهرات التي ينظمها أسبوعياً في وجه معارضيه، ولا العقيد معمر القذافي في حديثه عن الملايين التي تدافع عنه، ولا الرئيس السوري بشار الأسد في تكرار قول مؤيديه إن عشرات الآلاف الذين يتظاهرون ليسوا شيئاً بالمقارنة مع عدد سكان سورية البالغ 23 مليوناً، سوى أن لعبة تزييف الحاكمية ومسخها واحدة هنا وهناك وهنالك: لعبة ديكتاتورية العدد، بغض النظر عن كيفية الحصول عليه… من دون أن ننسى أنه كان سابقاً لا يقل عن 99,99 في المئة.

وفق هذين المثلين، يصبح الاصلاح، اذا تم أو وعد به في يوم، منّة من الرئيس يتكرم بها على معارضيه تحديداً، سواء كان رئيساً منتخباً (حالة صالح والأسد، بغض النظر عن كيفية الانتخاب) أو قائداً ثورياً مختاراً (حالة القذافي، مع غض النظر مجدداً) أو اذا كانت المطالب بالاصلاح شعبية ومحقة وجامعة بحيث لا ينكرها حتى الرؤساء والقادة أنفسهم.

ووفقهما، يصبح مفترضاً أن تنزل الشعوب، بالملايين كلها من النساء والرجال والأطفال، الى شوارع المدن والقرى لكي يقتنع الحاكم بأن ما يحدث ثورة فعلية ضد نظام حكمه، أو أن تحمل هذه الملايين السلاح الثقيل – بأسلوب الانقلاب العسكري الذي جاء به الى السلطة – لمقاتلة جيوش بلدانها وقواتها الأمنية… فضلاً عن الحرس الجمهوري المنشأ أساساً لحماية الرئيس ونظامه من معارضيهما والمطالبين بالاصلاح.

ليس هذا فقط، فإذا لم يتم الشرطان – القبول بمنّة الحاكم اذا قرر اصلاحاً ما ونزول الشعوب عن آخرها الى الشوارع – يكون من حق هذا الحاكم (يقال في هذه الحالة واجبه) أن يستخدم كل ما لديه من قوة لكي يمنع الأقلية الصغيرة، التي توصف دائماً بأنها عميلة للخارج وخائنة للوطن، من تخريب السلم الأهلي ودفع البلد على طريق المجهول.

هل من وصف آخر للوضع الراهن، المستمر منذ شهور والمفتوح على كل الاحتمالات، في كل من ليبيا واليمن وسورية؟

الواقع أن ما حدث في تونس ومصر، وأياً كان الدور الذي لعبه الجيش في كلا البلدين وأدى الى تنحي الرئيسين السابقين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، يبدو عقلانياً الى أبعد حد اذا ما نظر اليه من زاوية الجرائم التي ارتكبتها، ولا تزال، الأنظمة الحاكمة في ليبيا واليمن وسورية، وما عانته نتيجة لذلك، ولا تزال، شعوب البلدان الثلاثة.

فقد انتهت ثورة تونس في ثمانية وعشرين يوماً، وثورة مصر في ثمانية عشر يوماً، وذهب ضحيتهما المئات فقط من دون تدمير مدن بكاملها مثل مصراتة والبريقة والزنتان في ليبيا أو تعز وزنجبار في اليمن أو درعا وتبليسة والرستن في سورية، كما لم ينفتح فيهما ما انفتح وسيعاً في البلدان الثلاثة من عصبيات طائفية وعرقية وقبلية كانت تقترب من أن تصبح شيئاً من التاريخ وفي كتبه الصفراء فقط.

كيف يحدث ذلك، ولماذا هذه المفارقة التي تصدم فعلاً بين ما يعيشه العرب حالياً وما يشهده العالم كله، بما فيه ما يسمى العالم الثالث، في هذه المرحلة من القرن الحادي والعشرين؟

أية مفارقة؟ هي افريقية هذه المرة، عندما احتفلت نيجيريا قبل أيام بتنصيب رئيسها غودلاك جوناثان بعد أن نال 57 في المئة من أصوات الناخبين ضد منافسه محمد بخاري الذي نال 31 في المئة… وأيضاً عندما كان رئيس ساحل العاج لوران غباغبو يصر على البقاء في السلطة على رغم هزيمته في الانتخابات، وعندما لم يرضخ في النهاية الا بعد أن اعتقلته القوات الفرنسية الموجودة في البلاد في أعقاب ارتكابه مجزرة ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين والعسكريين.

وهي تحديداً ما جسدها، بأدق عبارة وأصدقها، ممثل ليبيا الدائم في الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم، عندما وصف ما يفعله القذافي بالشعب الليبي الرافض له ولحكمه بالقول ان مثله مثل من يضع الناس أمام خيار من اثنين: «أحكمكم أو أقتلكم!».

هل يحلم الليبيون واليمنيون والسوريون في هذه المرحلة من حياتهم السياسية، وغيرهم من العرب في يوم ما قريب أو بعيد، بأن يكونوا أقله شبه النيجيريين وليس العاجيين؟

هذا على المستوى الوطني، أما على المستوى القومي، ففي تاريخها كم هائل من الكلام على وحدة الأرض والشعب، بل وعلى وحدة الأمة كلها من الخليج الى المحيط، فيما لا يجد المرء راهناً (في مواجهة الثورات ضدها في شكل خاص) إلا كل ما يتناقض جذرياً وعلى طول الخط مع هذا الكلام.

في البلدان الثلاثة، لا حديث للأنظمة حالياً إلا عن خطر الحرب الأهلية المديدة بين مكونات كل منها الطائفية والعرقية والقبلية، بل ولا ممارسة على الأرض في مواجهة المحتجين الا ما يغذي فعلياً وجدياً هذا الخطر. من أجل بقاء هذه الأنظمة (القومية والوحدوية، كما تدعي) تراها تهدد الوطن الصغير (وفق تعبيرها أيضاً) في وحدته، وتتلاعب بمكوناته الاجتماعية المتعددة فتضع احدها في مواجهة الآخر الى حد أنها تسلحه وتموّله وتعده بالحماية من جهة في الوقت الذي تعمل على تخويفه من شركائه في الوطن والحياة الواحدة من جهة ثانية. وعند اللزوم، فحديث الأنظمة عن خطر التقسيم قائم ومعلن، وإن يكن بصيغ مختلفة على ألسنة قادتها والناطقين باسمها.

واقع الحال أنه اذا لم يكن حديث الأنظمة هذا، أو خطتها تلك، مهيأين للنجاح على المدى القريب أو البعيد، فقد وفرا لها قدرة على اطالة عمرها شهوراً أخرى حتى الآن، ولكن طبعاً على حساب إراقة المزيد من الدماء وإنزال ما يمكن لآلتها الحربية أن تنزله من الدمار في النسيج الاجتماعي للشعب وفي انحاء البلاد ومدنها وبناها التحتية.

فهذه الأنظمة لا تفعل في هذه المرحلة الا أنها تحاول أن تطيل عمرها ولو لأيام، غير مبالية بأنها انما تكشف بأفعالها هذه عن حقيقتها الخبيئة، بعد عقود من التزوير للوقائع والاختباء وراء الشعارات الزائفة عن السيادة والوحدة والوطنية ومعاداة الاستعمار… وحتى لا ينسى أحدنا، تحرير فلسطين من البحر الى النهر!

ولعل هذه هي الواقعة الأهم في تاريخ المنطقة الحديث، طبعاً الى جانب اسقاط هذه الأنظمة وفتح أبواب العالم العربي أمام تاريخ جديد لا تتكرر فيه عمليات التزوير.

 

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى