صفحات العالم

الهزيمة من أوكرانيا إلى ما بعد بعد سوريا/ راجح الخوري

 

في النهاية لن يحصل أحمد الجربا من أميركا على أكثر من الترهات: حفنة من الدولارات وحفنة من الكلمات الخالية من أي معنى، وحفنة إضافية وممجوجة من تكرار «يبه»!

وهكذا عندما وقف الجربا إلى جانب جون كيري في المؤتمر الصحافي المشترك في واشنطن، لم يجد وزير الخارجية الأميركي سوى القول: «إن تواصل واشنطن مع المعارضة السورية يهدف إلى وضع حد لأعمال العنف والتصدي للنظام والتخفيف من الأزمة الإنسانية والبناء من أجل يوم نرى فيه حكومة ممثلة بصدق تستجيب لاحتياجات الشعب السوري».

ولكن كيف يمكن ترجمة هذا الكلام إذا لم تستجب واشنطن لطلبات الجربا بالحصول على أسلحة نوعية تواجه الطيران الذي يدمر الأحياء على رؤوس أهلها؟ فرغم الحديث عن عدد محدد ومراقب من الصواريخ المضادة للدروع، يؤكد المسؤولون في واشنطن أن بلدهم لا يرغب في تسليح المعارضة السورية حاليا!

المثير أن زيارة الجربا إلى واشنطن، ولقاءه الرئيس باراك أوباما، جاءت متزامنة مع ثلاثة مؤشرات تؤكد أن أميركا تتعامى عن ثلاثة تطورات خطرة، تؤكد أن سوريا ستبقى مستنقعا للفوضى يتهدد المنطقة كلها، وهي:

أولا: السقوط النهائي لمؤتمر جنيف، بعدما بدأ بشار الأسد ما أجمعت دول العالم على أنه «مهزلة ديمقراطية»، أي تنظيم انتخابات رئاسية الهدف الأساسي منها إسقاط البند الذي يدعو إلى عملية انتقال سياسية، عبر حكومة تتولى صلاحيات الأسد، وهذا يعني، على ما أشار الجربا، أن الحديث لم يعد ممكنا عن عقد «جنيف 3».

ليس خافيا أن الأخضر الإبراهيمي استقال الثلاثاء من مهمته المفجعة والفاشلة جدا، وأن الأمم المتحدة لم تجد بعد من يرث الفشل من كوفي أنان ثم الإبراهيمي، وهذا يعني أن الحرب في سوريا ستستمر طويلا وستخلق بؤرة من الفوضى المسلحة التي تهدد المنطقة كلها، وخصوصا مع اتساع التورط الإيراني المباشر في القتال على ما يعلن المسؤولون صراحة في طهران!

ثانيا: أن الاندفاع الروسي في سوريا وأوكرانيا دفع الأميركيين إلى الدخول عميقا في عقدة «مبدأ مونرو». صحيح أن التطورات الدراماتيكية الأخيرة في القرم وشرق أوكرانيا باتت تحتل واجهة الاهتمام في سياق عملية «لي الأذرع» بين أوباما وفلاديمير بوتين، ولكن ليس خافيا أن موسكو عفرت هيبة الأميركيين بالوحول السورية منذ ثلاثة أعوام ونيف، ذلك أن تصريحات أوباما عن نهاية الأسد وأيامه الأخيرة، تبقى نموذجا للسخرية من ترهات واشنطن وأوهامها!

ثالثا: عندما يبقى الأسد في السلطة عبر انتخابات مهزلة، كما تصفها الصحافة الأميركية، وتتغاضى واشنطن عن بيانه الذي «رحب بالأجواء الانتخابية الديمقراطية والتعددية التي تعيشها سوريا في هذه الأيام»، بينما تنهال البراميل المتفجرة على المدن والأحياء، وعندما يعلن طلال برازي محافظ مدينة حمص المنكوبة مثلا «أن حمص مكان مناسب لانتخابات جيدة… وأن القتال والنزوح لا يشكلان أي عقبة أمام التصويت» فتلتزم واشنطن الصمت المخجل حيال كل هذا، يصبح غير ذي جدوى الاكتفاء بإعلان واشنطن منح الائتلاف السوري وضع بعثة أجنبية، فما أكثر البعثات المنسية في واشنطن وغيرها التي تمثل قضايا خاسرة من العالم!

وعندما يتجاوز عدد القتلى الـ150 ألفا ويتم تدمير سوريا على رؤوس أهلها بمساعدة من إيران وروسيا، وتكتفي واشنطن في مارس (آذار) الماضي، أي بعد ثلاثة أعوام، بإغلاق سفارة الحكومة السورية في واشنطن وبمطالبة دبلوماسييها بمغادرة البلاد «بسبب الفظائع التي ارتكبها نظام الرئيس بشار الأسد ضد الشعب السوري»، يعكس هذا الإجراء في مضمونه الهزلي فظائع سياسية وأخلاقية توازي فظائع النظام الدموية، فنحن في النهاية نتحدث عن أميركا وليس عن إحدى جمهوريات الموز المنسية!

رابعا: عندما يعلن المستشار العسكري للمرشد علي خامنئي أن حدود إيران الحقيقية ليست كما هي عليها الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر المتوسط عبر الجنوب اللبناني، ويمضي في انتقاد الدول العربية التي تدعم المعارضة السورية، معتبرا أن سوريا هي الجسر الإيراني الاستراتيجي الذي يربط بين آسيا وأفريقيا، وعندما تقول طهران إن الأسد يقاتل نيابة عنها أو بالأحرى هي التي تقاتل عنه، ولا تتحسس واشنطن أن منطقة الشرق الأوسط تميد من تحتها، فذلك لا يعني أن أميركا تتوارى، بل أنها تنهزم من أوكرانيا إلى ما بعد بعد سوريا!

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى