صفحات العالم

باطنية العرب والأتراك


ساطع نور الدين

اتخذ المنتدى العربي التركي، الذي انعقد في الرباط على مستوى وزراء الخارجية، طابعاً أكاديمياً. لم يكن البروفسور التركي احمد داود أوغلو يحاضر في زملائه العرب، لكن الحديث كان يتخذ اتجاهاً واحداً، قبل ان يتشتت ويضيع في سوء الفهم المتبادل بين الجانبين اللذين يحاولان اكتشاف بعضهما، ويصطدمان اليوم بالمعضلة السورية.

لعل المنتدى كان سابقاً لأوانه بعض الشيء، لأن الغياب السوري لم يكن الوحيد الذي يفرغه من محتواه ويعطل دوره المفترض. المرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم العربي من أقصاه الى أقصاه، بما في ذلك الدول التي لم تحلّ عليها بشائر الربيع، لا تزال في بدايتها، وتركيا يمكن ان تكون شريكاً في النقاش لكنها لا يمكن ان تكون طرفاً في الحل. فكرة النموذج التركي كانت منذ البداية وهمية، ولا تتعدى بعض النخبة المهتمة بالعلاقة مع الجار التركي، ولا يمكن ان تصمد في اي حوار جدي حتى ولو كان بمشاركة إسلاميين عرب، تبين في الفترة الماضية انهم الأقل استيعاباً للتجربة التركية وبالتالي الأشد حذراً تجاهها.

كان السؤال الأهم الذي لم يطرح خلال المنتدى الاول من نوعه، لكنه كان بمثابة الهاجس المتبادل، هو مستقبل سوريا والأزمة الضاغطة على العالم العربي وعلى تركيا التي سبق لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان أن اعتبرها شأناً تركياً داخلياً، ما أثار حفيظة العرب، حتى اكثر الراغبين بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد.

وهنا أيضاً لجأ الجانبان الى الباطنية التي لا تفصح عن الحدود التي يمكن ان يقاربها كل منهما من اجل ضمان التغيير المنشود في سوريا بأقل قدر ممكن من المخاطر والأضرار. الموقف الرسمي المشترك الذي جرى إعلانه برفض التدخل الخارجي كان من وجهة نظر العرب يشمل تركيا، وكان من وجهة نظر الاتراك يستهدف الغرب، وربما أيضاً اسرائيل وإيران. لكن الجميع كانوا يدركون ان الأزمة السورية لن تحل من دون تدخل خارجي ليس هناك حتى الآن تقدير واضح لأدواته وأساليبه.

ثمة حذر متبادل لا شك فيه. لا تزال تركيا ضيفاً طارئاً على الوضع العربي، يتمنى بعض العرب ان تكون ثقلاً موازياً لإيران، وهو ما لا يطمح اليه الاتراك، لأنهم ببساطة يعتبرون ان بلدهم أقوى من إيران وأهم من ان ينحدر الى مثل هذا التوازن.. خصوصاً أن سوريا بالتحديد ليست ساحة صراع بين البلدين نظراً للاعتبارات الجغرافية والسياسية المعروفة، كما أن العراق لن يكون أيضاً مصدر خلاف بين البلدين، بل ربما اصبح في المستقبل مركزاً للتفاهم.

السؤال السوري لم يطرح لأن العرب لا يمتلكون سوى التأثير النفسي والمعنوي في سوريا، كما ان الأتراك يكتشفون هذه الايام ان دورهم في سوريا يواجه الكثير من التحديات والمبالغات التي تحول حتى دون إقامة حزام امني او فرض حظر جوي في الأجواء السورية، التي لا تسمح لأحد بأن يغامر في التدخل في أزمة تخضع لإيقاع داخلي لا لبس فيه.

ساطع نور الدين

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى