صفحات العالم

ملف صفحات سورية الثاني عن الضربة الأميركية المرتقبة على سورية – كتاب عرب وأجانب

الغرب يُجري مقارنته بين جرائم النظام… وفشل المعارضة/ حازم الأمين
المتحفظون في الغرب عن تنفيذ حملة عسكرية على النظام في سورية، هم برلمانات منتخبة ومجتمعات ورأي عام، وليسوا حكومات ودولاً وجيوشاً! قضية على هذا المقدار من العدالة، ومن وضوح وجه الجلاد ووجه الضحية، تواجه صعوبة كبيرة في إقناع العالم في ضرورة التحرك للوقوف إلى جانبها. إذاً، ثمة خلل، أو قل فشل في مكان ما. وهو ليس فشل في تظهير صورة الجلاد وفي جلاء ما تُكابده الضحية، فالعالم أرفق رفضه التدخل بقوله إنه يعرف أن نظام الأسد هو من يقتل وهو من استعمل الأسلحة الكيماوية أكثر من 14 مرة. وثمة أدلة تبدو حاسمة ومقنعة على أنه فعلها في المرة الأخيرة وقتل أكثر من ألف سوري في الغوطة في ريف دمشق.
والحال أن الظلامة السورية حين شرعت بالقول إن العالم أشاح بنظره عن المأساة وإنه متواطئ مع طاغية دمشق، تعرضت في الأسابيع الأخيرة لامتحان شديد المرارة. مجلس العموم البريطاني رفض التدخل للاقتصاص من الطاغية، وها هو الرئيس الأميركي باراك أوباما يتخبط بقراره التدخل، ذاك أن أكثر من 59 في المئة من الأميركيين يرفضون القرار. الرأي العام الأوروبي أشد تحفظاً عن انخراط قوات الـ «الأطلسي» في القتال في سورية. ومرة أخرى نحن لا نتحدث عن حكومات تقيس مصالحها بعلاقاتها الدولية وبحسابات الكلفة والمردود، إنما عن رأي عام وعن هيئات منتخبة مباشرة. ولعل المرارة الأكبر في ما يجري هي أن جميع المتحفظين لا يشكون في هوية الجلاد في سورية، ولا في ميله إلى المزيد من القتل. إذاً، لا سبيل لإدانة الحكومات المترددة، بعد الذي جرى في الأسبوعين الأخيرين. ليست الحكومات هي المترددة في نجدة السوريين. المسألة جوهرية أكثر من أن تُربط بمصالح الدول وبحساباتها. لا بل إن الأخيرة ربما كانت طوق النجاة الأخير، فأوباما قرر أن يُعاقب النظام في سورية وفق حسابات لها علاقة بمصالح الولايات المتحدة وبمصالح حلفائها، ورغماً عن الرأي العام الأميركي.
من الآن وصاعداً من المفترض استبعاد «المؤامرة» في تفسير تردد العالم. فالعالم متردد لأن الرأي العام فيه لا يرغب في التدخل. والجهد الذي كان يُبذل في تفسير «المؤامرة» وفي شرحها يجب أن يُبذل في السعي لفهم العالم وفهم أسباب تردده.
يجب القول إن فشلاً أصاب الثورة في سورية، ولم يعد مجدياً رد هذا الفشل إلى «تلكؤ العالم عن نجدتنا». فقد أفرزت النقاشات التي صاحبت جلسات التصويت في البرلمات والصحف واستطلاعات الرأي في الغرب محاور التفكير الغربي في الشأن السوري. لا داعي للقول إن الغرب مع الأسد، فهذه مسألة غير صحيحة على الإطلاق. هناك ثلاثة مستويات كشفتها المناقشات الغربية للمسألة السورية: الإسلاميين الإرهابيين، شكل نظام الحكم في أعقاب سقوط الأسد، الموقف من عملية السلام العربية الإسرائيلية. شكوك الرأي العام الغربي كما كشفتها المناقشات تتعلق بمعظمها في هذه العناوين التي لم تتعامل معها المعارضة السورية، وهي إن فعلت، فإن تعاملها قد أثار مزيداً من الشكوك.
موضوع الإسلاميين المتشددين كان أكثر حضوراً في المناقشات. فهوية المعارضة السورية شديدة التعقيد بالنسبة للرأي العام الغربي، وأي سعي لتبسيطها كان يُفضي إلى تغليب الإسلاميين في مركبات هذه الهوية. لم تُبد المعارضة بتشكيلاتها المختلفة حساسية كافية حيال «ضمير غربي» يرى في هذه الجماعات الجهادية التكفيرية احتمالات تدميرية لا تقل فتكاً غن الميول البعثية في القتل. وكانت بؤر الثورة السورية بدورها في الكثير من الأحيان ضحية ميول هذه الجماعات لفرض نموذجها على مناطق الثورة. لم تسأل الثورة السورية نفسها من أين قَدِم هؤلاء الى سورية، ولماذا قَدِموا. ومقولة أن الأولوية لقتال النظام كانت نوعاً من الهرب من واقع جلي وواضح. لقد قدم معظمهم عبر تركيا، والتحالف مع أنقرة منع طرح السؤال، وقاموا بممارسات تستهدف جوهر الثورة وهويتها المدنية، ولم يواجهوا. سيطروا على مدينة الرقة، وأقاموا معسكرات لـ «مهاجرين» غير سوريين، وتجنبت الثورة مواجهتهم. اختطفوا الأب باولو وصحافيين غربيين، وبدت المعارضة عاجزة تماماً حيالهم.
من الصعب الحديث عن هوية الدولة السورية وعن شكل نظام الحكم فيها من دون الأخذ في الاعتبار ضعف المعارضة في مسألة مواجهة زحف التكفيريين إلى مناطقها. وكان هذا مداراً ثانياً لمناقشات البرلمانات الغربية للمسألة السورية في ضوء استعمال النظام أسلحة كيماوية في الغوطة. فالمناقشات تضمنت تساؤلات رهيبة عن ضمانات بأن لا تستهدف الضربات إسقاط النظام! فالمعارضة غير جاهزة لإدارة المرحلة الانتقالية، والإسلاميون المتشددون يقفون اليوم على أبواب دمشق. وبصرف النظر عن صحة ذلك، فإن طلب ضمانات لعدم إسقاط النظام خوفاً من المعارضة يجب أن يكون درساً كبيراً لهذه الأخيرة. فمن يطلب ليس الحكومة الأميركية، ولا حكومات غربية «عميلة» لها. من يفعل ذلك هذه المرة هو رأي عام غربي واسع يشعر بأن الأسد يجب أن يُعاقب، لكنه خائف من رحيله.
لم تعد الوثيقة التي أصدرتها جماعة «الإخوان المسلمين» السوريين لتصورها لشكل النظام التعددي بعد سقوط الأسد كافية لطمأنة أحد. تجربة «الإخوان» في مصر أطاحت هذه الوثيقة، واندراج «الإخوان» السوريين في سياق «إخواني» غير سوري أحدث ريبة في نوايا الجماعة. إذاً، الغموض الفعلي يلف شكل نظام الحكم بعد سقوط الأسد، وعزز من هذا الغموض ضعف واضح في حساسية المعارضة حيال مسألة الأقليات، وهي مسألة تقيم في جوهر المخاوف الغربية.
المسألة التي قد تكون في آخر سلم حسابات الرأي العام الغربي، لكنها لا تقل أهمية هي قضية السلام، والصراع العربي – الإسرائيلي. هذه المسألة موجودة في الوعي الغربي العام. نظام الأسد وجد ما يقوله، ويتمثل في تعليق الحرب في مقابل ضمان السلم. ليس لدى المعارضة السورية شيء لتقوله على هذا الصعيد، وتأجيل القضية إلى ما بعد السقوط دفع لمزيد من الشكوك. فالتأجيل كان ترفاً لم يُمارسه النظام. الأخير قدم عروضاً واضحة. تصريحات رامي مخلوف لصحيفة «نيويورك تايمز» كانت الأوضح. لكن الإسرائيليين أيضاً قالوا أكثر من مرة «أن الأسد لن يُحاربنا»، وهو لم يرد على الغارات التي نفذتها طائرات إسرائيلية أكثر من مرة.
ولسوء حظ السوريين، وحظنا أيضاً، يجب أن نعترف بأن أحد الدوافع الرئيسة من وراء القرار بالضربة هو الحماسة الإسرائيلية لها، والخوف الغربي من وجود سلاح كيميائي على حدود إسرائيل. هذا معطًى سياسي، قبل أن يكون أخلاقياً، وتجاهله سيوقعنا مجدداً في التخبط في احتمالات «المؤامرة».
لهذه الأسباب يجب التوقف هذه المرة أمام حقيقة أن من يعيق إسقاط الطاغية هذه المرة هو رأي عام، وليس حكومات تبحث عن مصالحها. ويجب تحديد مكامن الفشل.
الحياة

عن تلك «الضربة» ومساراتها المتعثّرة/ سامر فرنجيّة *

أحدثت مسألة «الضربة» وتقلّباتها السريعة دوامة عرّت واقع الثورة السورية وكشفت فقر المقاربات السياسية الراهنة، ما يفرض مواجهة الخيارات التي باتت بأجمعها مأسوية الطابع. فما بات يُعرف بـ «الضربة» أظهر محدودية المقاربات السياسية التي شكّلت مداخل فهم المنطقة وأحداثها، وفرضت حقيقة مرّة، مفادها أنّه على رغم التضحيات الهائلة للسنوات الأخيرة، لم تتزحزح فكرة واحدة من المنظومات البائتة التي شكلت فكرنا السياسي. لحظة «الضربة» شبيهة، بهذا المعنى، بلحظة «السيسي» في مصر واكتشاف أنّه على رغم الثورة هناك قعر قمعي لم تضعفه التطورات، واللحظتان تؤكدان معاً ضرورة ثورة في الأفكار، وليس في الميادين فقط.

استكمل «سياق محاربة الإمبريالية» انحداره الذي بدأ منذ سنتين ونيف، وإن كان بوتيرة أسرع، ربما تحت تأثير استنفار طاقات الحزب الشيوعي اللبناني. وبدا تخبّط هذا المسار في انضمام أتباع «الجيوش العربية» الجديدة إليه، من الناطق غير الرسمي باسم الجيش المصري، أي حركة «تمرّد» إلى مطربة «بيبسي كولا» كارول سماحة، التي تخاف ضرب الجيوش، «ليتنا نفهم». وإن كان هناك من لم يفهم، فهناك دعوة افتتاحية جريدة الممانعة، التي تترجم عملياً محاربة الإمبريالية مطالبةً بالقتل، «جهاراً نهاراً من دون خجل أو حياء» (إبراهيم الأمين، جريدة الأخبار، ٣١/ ٠٨/ ٢٠١٣).

غير أن هؤلاء لم يلاموا على القعر الذي وصلنا إليه، كونهم لم يدّعوا في أي لحظة نيّتهم الخروج منه. المشكلة في مكان آخر، في سقوط المسارات الأخرى التي اعتدنا عليها. فالمشكلة جزئياً عند «زومبيي» مناهضة الحرب، الذين استفاقوا فجأة من سباتهم الذي دام سنتين ونصف السنة، لم يجدوا خلالها كلمة واحدة مفيدة يقولونها عن الوضع السوري. ومع أول نطق لكلمة السر، أي «الضربة»، بدأ الأموات – الأحياء المناهضون للحرب بإزالة الغبار عن شعاراتهم وعن جورج غالوي بعد استبدال جان – ماري لوبن بنظيره البريطاني نك غريفين، مثرثرين «لا للحرب»، غير معنيين بأن هناك أكثر من مئة ألف قتيل سقطوا في سورية نتيجة الحرب. غير أنّ هذه ليست حرباً بنظرهم، كونها ليست أميركية الطرف. فالحرب، كما تعلّموا في مدرسة العراق، تشنّها الولايات المتحدة من أجل النفط. أمّا الصراعات الأخرى، فلا موقف لهم منها، كونها تحدث بين ضحايا الإمبريالية ومناهضيها. إلا أنّ من دخل السياسة من البوابة العراقية، فشل عند الوصول إلى المرحلة السورية. فإذا كان صف العراق مدخلاً للسياسة في الغرب، فصف سورية الممر الإجباري للسياسة في العالم العربي. وهذا ما لم يفهموه.

فضحت «الضربة» أيضاً خواء مجموعة أخرى وفقر مقاربتها للسياسة، وهي مجموعة مكوّنة من أصحاب «الضمير المرتاح»، الذي يتوزعون على متحدثي مراكز الأبحاث وراديكاليي الجامعات الأميركية الذين فقدوا ثوريتهم في سورية، وجماعة الضد – ين، التي أتقنت اتخاذ الموقف بالمسطرة: لا للإسلام السياسي ولا للعسكر، لا للقاعدة ولا للولايات المتّحدة، لا لصدام ولا للتحالف المقابل، لا للنظام ولا للثورة، لا للكيماوي ولا للضربة. ونقطة التقاء هؤلاء كانت على مقولة «الحل السلمي»، التي تصلح بعموميتها لحل أي نزاع، من حصار طروادة إلى حروب النجوم المقبلة. لا غبار على أخلاقية هؤلاء. ولكن، أيضاً لا سياسة في موقفهم، إلّا في الهروب من الأسئلة الصعبة التي تفرضها معادلات غير مثالية. بهذا المعنى، سهولة فلسطين انهارت في سورية، حيث عادت السياسة لتكون أكثر من مجرّد تشجيع للخير في مواجهة الشر، وهذا ما لم يقبله حتى بعض داعمي الثورة السورية الذين يطالبون بملحمتهم الثورية الخاصة، وإن على حساب الثورة.

غير أنّ ميزة التخبط الفعلي تعود لبعض داعمي الثورة السورية في استقبالهم نبأ «الضربة». فبعد لوم العالم على عدم التدخّل والوقوف مكتوف الأيادي أمام المجازر المروّعة، عاد البعض ليلومه على التدخّل، مستحضراً تاريخه الكولونيالي ومصالحه الإمبريالية. وساد فكر نمطي، يمكن تلخيصه بمعضلة تركيب جملة مفيدة من العبارات الآتية: «الإمبريالية سرطان» و«المصالح الغربية سيئة» و«التدخل الأجنبي دمار» و«أميركا آفة العالم» مع «دعم الشعب السوري دولياً». في وجه هذه الاستحالة اللغوية، بدأت التناقضات. فهناك من لام الغرب على شكل «الضربة»، ورفضها لأنها ليست كافية، وهناك من رفضها لأنّها لم تنمّ عن دوافع إنسانية بل عن مصلحة، وكأن على هذا الغرب «المصلحجي» أنّ يتحوّل إلى جمعية خيرية لأنّ هناك مأساة في العالم. أمّا المخرج الآخر، فكان في رفض «الضربة» لأنّ الغرب إمبريالي، ولكنه مرفق بالمطالبة بدعم الجيش السوري الحر، وكأن الإمبريالية غير المباشرة أقل وطأة أخلاقية أو سياسية من «الضربة». والخلاصة أنّه على رغم سنتين ونصف السنة من التحالف الموضوعي مع هذا الغرب، ما زال هناك حرج منه، يتعامل البعض معه من خلال رياء يأخذ شكل «المطالبة الفوقية» بالتدخّل.

وزاد هذا التخبّط مع قرار الغرب إرجاء «الضربة» لدواع داخلية، وهو قرار، مهما كان مؤلماً للسوريين، صائب دولياً ويضع أسساً أمتن لمبدأ التدخل الإنساني، بخاصة بعد فضيحة العراق. وهذا الإرجاء يعقّد الأمور. فليس المطلوب تأليه الغرب وأبلسته، أو تلخيصه إلى عامل خير يتحرّك وفق مآسي الشعوب أو كتلة مصالح تتناقض ومصالح هذه الشعوب. هناك مصالح تتقاطع وتتناقض وتتغير وهناك رأي عام تحرّكه الأخلاق والخوف والعنصرية والمصالح. مشكلة بعض داعمي الثورة أنّهم يحاولون دمج مسارين متناقضين، يقوم الأول على نظرة للعلاقات الدولية مستقاة من مقولات الإمبريالية، والثاني على مسار إسقاط النظام ضربة واحدة، وكلاهما ينمّ عن فكر خلاصي. ونتيجة المسارين كانت فشل المعارضة السورية على مدى السنتين الأخيرتين في مخاطبة المصالح والأخلاق في آن، أو الغوص بتعقيدات القرار الغربي.

السؤال الفعلي ليس في دعم أو رفض «الضربة». فليس من عاقل سيدافع عن «الضربة» لمجرّد «الضربة». كما أنّ السؤال ليس في حجم الضربة أو محدوديتها، ما يحدّده الضارب وتطور الأمور على الأرض. لعبة أخذ المواقف ليست بالضرورة مفيدة على هذا المستوى. فالمسألة الفعلية في السياق السياسي لهذه الضربة، والذي قد يكون أهم من حدوث «الضربة» أو عدم حدوثها. ولهذا السياق شقان. الشق الأول متعلّق بإمكانية حل خارج الدعم الخارجي وتدخّله، أكان من خلال العقوبات أو الضغط السياسي أو التسليح أو الضربة. ومن بات مقتنعاً بأنّ الخارج بات مدخلاً للحل، فالضربة، مهما كانت لا تستجيب انتظاراته، هي جزء من هذا التدخّل والمسار.

أما الشق الثاني، فمرتبط بهدف هذا السياق، الذي لم يعد مجرّد إسقاط للنظام على الشكل العراقي أو الليبي. فهناك عائق أمام هكذا خيار، إضافة إلى الدعم الخارجي لنظام البعث، وهو المعارضة السورية نفسها، التي في شكلها الحالي غير قادرة على الحكم، أو على قمع التطرف الإسلامي أو، وهو ما قد يكون أهم، على منع مجازر طائفية مضادة، قد تطيل الصراع بعد سقوط النظام لسنوات. من الطبيعي لمن سيتدخّل أن لا يكون متحمساً لإسقاط نظام في ظل هكذا ظروف.

«الضربة»، إن حصلت، تبدو كأنّها تأتي في سياق تفاوضي، يضعف النظام ويضع حدوداً لإجرامه، والأهم، يؤكد له استحالة النجاح، كمدخل لتفاوض قد يؤمن حلاً أكثر انضباطاً من مجرّد سقوطه. بهذا المعنى، لن تكون «الضربة» كيفما جاءت يتيمة عسكرياً، بل جزءاً من ضغط متصاعد على النظام.

الخطر في أن تكون «الضربة» يتيمة سياسيا، إذا لم تعرف المعارضة الاستفادة منها، وقد تكون هذه الإاستفادة من خلال تواضع المطالب والتعاطي التفاعلي معها.

يسقط أكثر من مئة قتيل كل يوم، ولا يبدو أنّ هناك حداً لهذا المسلسل الدموي. من يرِد أن يحافظ على طهارة ملحمته الثورية، يمكن أن يعارض حلولاً تفتقد أي وهج ثوري، كتدخل أجنبي أو تفاوض لإنهاء العنف. غير أنّ عليه أن يواجه بوضوح المستقبل الذي يبدو أقرب كل يوم إلى حرب أهلية لا نهاية لها، وأن يتحمّل مسؤوليته تجاهها. ففي الدقيقة التي يرحل فيها بشار الأسد من الحكم، سيتحول الوضع من «ثورة» إلى «حرب أهلية». قد يكون من الأجدى التفكير بها الآن، وليس انتظار حرب طويلة لا ينهيها إلّا تدخّل أجنبي آخر و «ضربة».

* كاتب لبناني

الحياة

سوريا ومَسائل على هامش الانتظار/ زيـاد مـاجد

لم تحسم التطوّرات السياسية الداخلية في الولايات المتّحدة الأميركية الاتجاه الذي ستّتخذه الأمور في ما خصّ العملية العسكرية المتوقّعة ضد النظام السوري، خاصة بعد التراجع البريطاني نتيجة رفض مجلس العموم مشروع رئيس الحكومة، ونتيجة تصاعد النقاش في باريس حول المشاركة الفرنسية فيها.

وعلى هامش ذلك، يمكن الحديث عن مجموعة مسائل برزت منذ الإعلان عن احتمال الردّ الدولي على جرائم النظام السوري، ويمكن التوقف عند بعضها.

المسألة الأولى تحيلنا الى مدى التبسيط الذي تعتمده معظم القوى السياسية في منطقتنا تجاه ما تسمّيه “غرباً”. فهي في الأغلب لا تهتمّ بأثر الرأي العام ووسائل الإعلام وكتل الضغط في هذا “الغرب” وسبل التعامل معها، ولا بآلية عمل المؤسسات الدستورية وعلاقتها بإنتاج القرار، بل تكتفي باستخدام مقولات حول المؤامرات والمكائد المنصوبة سلفاً، أو في أحسن الأحوال تلجأ الى استعارات سطحية لمنتقدي النظم “الغربية” من داخلها للتشكيك بديمقراطيتها، وتكتفي بالحديث عن “المصالح” و”النخب” من دون فهم أو محاولة فهم النظم السياسية والآليات القانونية (بفضائلها ومثالبها) القائمة. ولم تغيّر التجارب جميعها حتى الآن النظرة المسطّحة هذه.

المسألة الثانية ترتبط بمدى تأثّر سوريا اليوم بعراق العام 2003. والتأثّر له وجهان. الأول في منطقتنا حيث السائد أن “الغرب” الذي اخترع مبرّرات للحرب في العراق وتسبّب بكوارث ما زالت آثارها مستمرة، يحضّر اليوم الأمر نفسه لسوريا. والثاني في “الغرب” إياه حيث يعاني المسؤولون من عقدة العراق وسيرهم الى الحرب فيه، وحيث انتُخب رئيس أميركا لأسباب واحدها نيّته الانسحاب من العراق ووعده بأن لا حروب تخاض في عهده من دون موافقة برلمانية. وهذا يجعل السوريين يدفعون الثمن مضاعفاً: مرّة شعوراً بالعزلة في محيطهم، ومرة أخرى مواجهة لتردّد دولي تجاه التعامل مع مأساتهم المستمرّة منذ عامين ونصف.

المسألة الثالثة، تدور حول مفهوم “التدخّل الخارجي” التي ينبغي البحث فيه ليس لما في استخدامه من ازدواجية معايير فحسب (كمثل أن التدخل الروسي والايراني والحزب ـــ إلهي المستمر منذ عامين لا يعدّه البعض تدخّلاً، لكن التهديد الأميركي الفرنسي للنظام بعد استخدامه السلاح الكيماوي يُعدّ كذلك)، بل أيضاً لما في تمييز “الداخل” عن “الخارج” تدخّلاً حربياً (أو حتى جرمياً) من سفاهة. فأن يقتل الحاكم “الداخلي” مئة ألف مواطن يبدو الأمر مقبولاً أو مدعاة تشاور وخطاب نبذ فتنة وحلّ ضمن “السيادة الوطنية”. أما أن يطلق طرف “خارجي” صواريخ على مواقع عسكرية تنطلق منها نيران ذبحت عشرات الألوف من السوريين، بينهم مئات في أسلحة لم تُستخدم إلا نادراً منذ أكثر من قرن كامل (كانت جريمة صدام حسين في حلبجة ضد المدنيين الأكراد آخر استخداماتها)، فالأمر عدوان يتطلّب الاستنفار والتعبئة القومية والوطنية.

وهذا لا ينفي أن مسألة التدخّل “الخارجي” إشكالية حين تتم من دون الأمم المتّحدة، أو حين تكون انتقائية.

لكن انتقائيّتها أو اصطدام مساعيها الأممية بفيتو لا تعني أن مبدأها في ذاته مرفوض، خاصة تجاه حكّام ممتهني قتل وأكلة لحوم بشر.

في أي حال، ستكون الأيام المقبلة حاسمة على أكثر من صعيد. وسيتجدّد من بعدها البحث في ما ذكرنا وفي غيره من مسائل وقضايا قُيّد للسوريين في ثورتهم أن يصطدموا بها…

موقع لبنان ناو

بيان بشأن سورية

على فرض أن الكونغرس الأميركي خوّل الرئيس أوباما بشن ضربات عسكرية ضد أهداف تتعلق بالنظام السوري، فإن واشنطن (ومعها بعض الحلفاء) ستنفذ هذه الضربات قريباً. إذا فعلت ذلك، فإنها ستكون قد فعلته لأسباب لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري. ذكرت الإدارة الأميركية في سياق مبرراتها الحاجة إلى المعاقبة على استعمال الأسلحة الكيميائية، وردع الذين يفكرون باستعمالها ومنع هذا الاستعمال، وهو هدف يمكن الدفاع عنه، رغم أن السوريين تعرّضوا لفظاعات أكثر فتكاً خلال هذا الصراع دون أن يدفع ذلك إلى قدر كبير من العمل الجماعي للدفاع عنهم. تشير الإدارة إلى الحاجة إلى حماية مصداقية واشنطن، بالنظر إلى أن الرئيس أوباما كان قد جعل من استعمال الأسلحة الكيميائية “خطاً أحمر”، وهو أيضاً هدف مفهوم رغم أنه من غير المرجح أن يلقى صدى لدى السوريين. بصرف النظر عن الحديث عن الغضب، والردع واستعادة مصداقية الولايات المتحدة، ينبغي أن تعطى الأولوية لسلامة ورفاه الشعب السوري. وسواء صدر الأمر بتوجيه الضربات العسكرية أو لا، فإن هذه الأولوية يمكن أن تتحقق فقط من خلال فرض وقف إطلاق نار دائم والشروع في عملية انتقال سياسية مقبولة على نطاق واسع.

إن قياس الأثر الذي سيحدثه الهجوم الأميركي، وبصرف النظر عن نطاقه والجهود المبذولة لمعايرته بعناية، يشكل من حيث التعريف مهمة عبثية؛ ففي صراع استقر على نمط مهلك، رغم أنه مألوف، وفي منطقة تقترب من نقطة الغليان، فإنه سيخلق قدراً كبيراً من عدم اليقين.

من شبه المؤكد أنه من غير الممكن التنبؤ بالتبعات. رغم ذلك، يمكن وضع بعض الملاحظات حول ما يمكن لهذه الضربة أن تحققه أو لا تحققه:

    لن تحظى مثل هذه الضربة العسكرية، ولا يمكن أن تحظى، بالحد الأدنى من الإجماع الدولي؛ وفي هذا السياق، فإن محاولة الحصول على أدلة دامغة على استعمال النظام للأسلحة الكيميائية، مهما كان ذلك ضرورياً، يعتبر أيضاً عملية غير ذات جدوى. بالنظر إلى الادعاءات الزائفة التي سيقت لتبرير غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، والاستقطاب الإقليمي والدولي، إضافة إلى ديناميكيات الصراع في سورية، فإن الأدلة التي ستقدمها الولايات المتحدة لن تكون كافية لتغيير قناعة الذين لا يصدقونها وستظل الشكوك طاغية.

    قد تقنع الضربة من يفكر باستعمال الأسلحة الكيميائية في المستقبل بعدم استعمالها وذلك بإرسال تحذيرات بإمكانية استعمال عقوبات أكثر شدة في حالة عدم الارتداع، وهو ما يشكل إنجازاً بحد ذاته. لكن إذا وجد النظام أنه يقاتل من أجل بقائه، فإن هذا الاعتبار لن يكون ذا أهمية تذكر. كما أن عناصر في المعارضة قد تشعر بإغراء استعمال مثل تلك الأسلحة وتحميل مسؤولية ذلك للنظام، بالتحديد من أجل الدفع نحو درجة أكبر من التدخل الأميركي.

    يمكن أن تؤدي إلى تصعيد عنيف داخل سورية حيث يمكن أن يسعى النظام إلى الانتقام من المتمردين والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وستسعى المعارضة في الوقت نفسه إلى انتهاز الفرصة لتحقيق مكاسب لها.

    هناك إمكانية لحدوث تصعيد إقليمي أو دولي (على شكل أفعال انتقامية من قبل النظام، أو إيران أو حزب الله، لا سيما ضد إسرائيل) لكن هذا غير مرجح بالنظر إلى المخاطر التي ستترتب على ذلك، رغم أنه يمكن أن يعتمد على نطاق الضربة.

    قد لا يكون للعمل العسكري، الذي قالت الولايات المتحدة إنه لن يهدف إلى إحداث انهيار في النظام، أثر دائم على توازن القوى على الأرض. في الواقع فإن النظام قد يسجل نصراً دعائياً بادعاء الصمود أمام الولايات المتحدة وتعبئة الرأي العام المحلي والإقليمي حول الشعارات المناهضة للغرب والإمبريالية.

في المحصلة، فإن السؤال المحوري فيما يتعلق باحتمال توجيه ضربة عسكرية هو ما إذا كان بالإمكان إعادة بعث الحياة  بالجهود الدبلوماسية لتسوية الصراع في أعقاب هذه الضربة. التقديرات الذكية تقول إنها لن تحقق ذلك؛ ففي أعقاب مثل تلك الضربة التي سيدينها النظام وحلفاؤه بوصفها غير قانونية وغير مشروعة، يمكن المجادلة أن هؤلاء لن يكونوا في مزاج تفاوضي، قد يبدو ضبط الولايات المتحدة للضربة بحيث تحدث ما يكفي من الضرر لتغيير حساباتهم لكن دون أن يكون كافياً لدفعهم للانتقام أو إعاقة الجهود الدبلوماسية جذاباً من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فإن من شبه المؤكد أنه لن يكون قابلاً للتحقق.

سواء اختارت الولايات المتحدة شن أو عدم شن هجوم عسكري، فإن مسؤوليتها تقضي أن تحاول تعظيم فرص تحقيق اختراق دبلوماسي. وهذا يتطلب جهداً مزدوجاً لا يزال غائباً حتى الآن يتمثل في صياغة عرض سياسي تسووي وواقعي وكذلك التواصل بشكل حقيقي مع الروس والإيرانيين بطريقة تجعلهم مهتمين بدلاً من الاستثمار في صراع طويل يبدو أنه يتميز بقدرة لا حدود لها على التصعيد.

على هذا الأساس، ينبغي أن تعمل الولايات المتحدة، بشكل جدي وبنّاء، على تقديم مقترح تنظر فيه سورية وحلفاؤها أيضاً بشكل جدي وبنّاء، يستند إلى العناصر الآتية:

    من الضروري إنهاء هذه الحرب. إن حتمية ما يثيره استمرار هذه الحرب من تصعيد، وعدم استقرار إقليمي واشتباك دولي ليس في مصلحة أحد؛

    المخرج الوحيد هو مخرج سياسي، وذلك يتطلب تنازلات شاملة وخفض سقف المطالب من جميع الأطراف. إن الحصيلة الوحيدة القابلة للحياة تتمثل في تسوية تحمي مصالح جميع مكونات المجتمع السوري وتعكس التوازن الاستراتيجي الإقليمي بدلاً من تغييره؛

    تشكّل الأزمة السورية فرصة لاختبار ما إذا كان بوسع الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية العمل معاً على القضايا الإقليمية لاستعادة الاستقرار؛

    لا يمكن لحل سياسي قابل للحياة أن يتضمن بقاء القيادة الحالية في السلطة إلى أجل غير محدود، لكن بوسع الولايات المتحدة أن تكون مرنة فيما يتعلق بالتوقيت والإجراءات المحددة؛

    الولايات المتحدة حريصة على تجنب انهيار الدولة السورية ونشوء فراغ سياسي. وهكذا، ينبغي أن يكون الهدف وضع عملية انتقالية تبني على المؤسسات القائمة بدلاً من استبدالها. وينطبق هذا بشكل خاص على الجيش؛

    ينبغي منح الأولوية لضمان عدم استهداف أي مكوّن من مكونات الشعب السوري بالانتقام، أو التمييز أو التهميش في سياق التسوية التفاوضية.

ينبغي أن يشكل مثل هذا المقترح أساساً لإعادة إحياء جهود الأخضر الإبراهيمي، المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، وأن تفضي بسرعة إلى عقد مؤتمر جنيف 2.

لقد طغى النقاش الدائر حول الضربة المحتملة، من حيث الحكمة منها، ونطاقها المفضل، وشرعيتها في غياب موافقة مجلس الأمن، على ما ينبغي أن يكون الشاغل الأهم وهو كيفية إعادة إحياء عملية البحث عن تسوية سياسية. بصرف النظر عن النقاشات بشأن قانونية الضربات، فإن أي عمل عسكري محتمل ينبغي أن يُحكم عليه استناداً إلى ما إذا كان يساعد على تحقيق هذا الهدف أو يؤخر تحقيقه.

http://www.crisisgroup.org/en/publication-type/media-releases/2013/mena/syria-statement.aspx?alt_lang=ar&utm_source=syria-sm&utm_medium=statement-ar&utm_campaign=sm

الثورة السورية من العفوية إلى التدخل الخارجي/ ماجد كيالي

باتت الثورة السورية، مع التدخلات الخارجية (العربية والإقليمية والدولية) فيها، وطول مدتها، والمآسي التي تمخضت عنها، تعرّف بأنها الثورة الأكثر تعقيدا، والأكثر صعوبة، والأبهظ ثمنا بين ثورات “الربيع العربي”.

ويمكن التحقيب لهذه الثورة -العفوية، وغير المتوقعة، والتي شملت أغلبية السوريين- بالمراحل التالية:

المرحلة الأولى: وهي التي اتّسمت بالحراكات الشعبية، التي غلب عليها طابع الاحتجاج السياسي والمظاهرات والاعتصامات الشعبية، السلمية الطابع. وامتدت هذه الفترة من مارس/آذار إلى أكتوبر/تشرين الأول2011.

وكان من أهم مظاهر هذه الفترة الثورة العارمة في مدن درعا وحمص وحماه، وبعض مناطق دمشق وريفها.

وفي هذه المرحلة استخدم النظام جماعات الشبيحة وميليشيات “البعث” ورجال المخابرات، في مواجهة المتظاهرين والمعتصمين والمحتجين باستخدام الهراوات والأسلحة البيضاء والرصاص، كما تم في هذه المرحلة استهداف نشطاء الحراك السلمي بالتنكيل والاعتقال والقتل.

وفي العموم، فقد كان الهدف من استخدام تشكيلات القمع باللباس المدني الإيحاء للعالم بأن ثمة منازعات أهلية، فحسب، ذات صبغة طائفية، وأن الأمر لا علاقة له بثورة شعبية، في محاولة لإنكار ثورة السوريين، ونزع مشروعيتها.

وقد بلغ متوسط عدد القتلى من السوريين في هذه المرحلة حوالي 600 شهيد في الشهر، وثمة أضعافهم من الجرحى والمصابين والمعتقلين والملاحقين.

المرحلة الثانية: يمكن التأريخ لها في الفترة من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011، إلى يونيو/حزيران2012. وفي هذه المرحلة تم إدخال الجيش إلى المعركة، ليس بصفة جنود مقاتلين فقط، وإنما بأسلحة الدبابات والمدفعية والطائرات، مما نجم عنه تزايد واتساع ظاهرة الانشقاقات من الجيش، وتشكيلات “الجيش الحر”، الذي أعلن عن تأسيس نواته الأولى في أواخر يوليو/تموز2011.

وما تمكن ملاحظته أن ظاهرة “الجيش الحر” هذه شجعت بدورها على قيام جماعات الحماية الأهلية (المحلية) في الأرياف وفي أحياء المدن السورية المشتعلة، ولاسيما في ريف دمشق وحمص وحلب وإدلب ودرعا وشمال شرق سوريا، كردة فعل على العنف المفرط من قبل النظام.

هكذا جرى في هذه المرحلة التمهيد للتحول من الثورة الشعبية السلمية إلى الثورة المسلحة، مع بقاء حالة من المزاوجة بين النضال الشعبي السلمي، والصراع المسلح ضد النظام.

وقد تراوح عدد الشهداء السوريين في هذه الفترة بين 1000 و2000 شهيد شهريا.

ويذكر أن “المجلس الوطني” -وهو الهيئة السياسية للثورة في الخارج الذي تأسس في أكتوبر/تشرين الأول- بدأ عمله في هذه المرحلة، دون أن يحقق النجاحات المطلوبة منه، في الداخل والخارج.

المرحلة الثالثة لهذه الثورة: يمكن التأريخ لها من أغسطس/آب 2012 إلى أغسطس/آب 2013، وبدأت هذه المرحلة بتحول الجماعات المسلحة المعارضة نحو السيطرة على مناطق في المدن السورية، وهو ما حصل تحديدا مع دخول “الجيش الحر” إلى حلب والسيطرة على مناطق واسعة فيها، كما في مناطق في شمال وشمال شرق سوريا، وريف دمشق، وحمص، وإدلب.

وقد نجم عن السيطرة على هذه المناطق إضعاف شوكة النظام وكسر هيبته، وإظهار ضعف سيطرته على الأوضاع. ولكن ذلك أدى أيضاً إلى شراسة النظام وإمعانه في التقتيل والتدمير في هذه المناطق، وتهجير سكانها، بحيث حولها إلى حقل رماية -بكل معنى الكلمة- لقنابل طائراته، وقذائف مدفعيته ودباباته، فضلا عن تشديده الحصار عليها، وجعلها بمثابة معتقلات كبيرة لمن تبقى فيها من السكان.

وفي هذه المرحلة استطاع النظام تفكيك وإضعاف المناطق السورية الحاضنة للثورة، وتحويل قطاعات شعبية كبيرة، من داعمة للثورة أو مساندة لها، إلى عبء عليها، بعد تشريدهم من بيوتهم، وتدمير ممتلكاتهم، وحرمانهم من مصادر رزقهم، بحيث بات العبء الإغاثي يستهلك عمل كثير من النشطاء، والجهود في الخارج، لإيجاد مأوى للاجئين، وتأمين حاجاتهم الأساسية.

ويعني ذلك أن النظام استطاع ليس فقط التخلص من ثقل الكتل الشعبية المتعاطفة مع الثورة وإنما حولها أيضا إلى عبء ومشكلة بالنسبة للثورة، مما أدى إلى خلق حالات من الإحباط بين الجماهير المؤيدة، التي وجدت نفسها وقد خسرت كل شيء بدون أن تستطيع أن تفعل شيئا، ومن دون أن تتيقن بالنسبة للمستقبل.

لعل ما فاقم من مشاعر الإحباط والضياع هذه، انسداد قدرة الجماعات المسلحة على رفع الحصار عن المناطق التي تخضع لسيطرتها، فهي لا تمتلك القوة لذلك، ولا تمتلك القدرة على مواجهة قصف الطيران والمدفعية، التي تعمل فتكا بالأحياء والسكان، هذا أولاً.

وثانياً، لم تثبت قيادات الثورة المفترضة -بتشكيلاتها العسكرية والسياسية والمدنية- القدرة على إدارة المناطق التي باتت تحت سيطرتها، بسبب نزاعاتها وضعف قدراتها، وانشغالها بمصارعة النظام، الأمر الذي نجمت عنه اختلالات أمنية، وحالة من الفوضى والخروج عن القانون.

ثالثاً، أثر بروز جماعات “القاعدة -مثل “جبهة النصرة” و”دولة العراق والشام”- سلبا على نظرة أغلبية السوريين إلى ثورتهم، ونمت المخاوف لديهم من المستقبل، ولاسيما أن هذه الجماعات العسكرية المتطرفة حاولت فرض وجهات نظرها بطريقة قسرية وتعسفية وفجة عليهم، علما أن قيادات هذه الجماعات -في أغلب الأحوال- لا تمت بصلة لمجتمع السوريين ولا لثقافتهم.

في المحصلة، وبناء على كل ما تقدم، يبدو أن مجتمع السوريين بات في واد وثورته في واد آخر، وباتت ثمة كتلة من عدة ملايين من السوريين مشغولة بأمنها وتأمين لقمة عيشها، أكثر من انشغالها بمواجهة النظام، وهي مسألة تتحمل مسؤوليتها الجماعات العسكرية للثورة، التي باتت تتحرك من دون تبصر، ومن دون خطة عسكرية واضحة، ومن دون مراعاة إمكانياتها في مواجهة النظام، أو مراعاة ضرورة الربط بين أي خطوة عسكرية وتحقيق منجزات سياسية.

المرحلة الرابعة: وهي المرحلة التي نعيش وقائعها الآن، وهي الناجمة عن قيام النظام بارتكاب مجزرة جماعية جديدة في غوطتي دمشق بالسلاح الكيميائي المحظور دوليا، تم انكشافها هذه المرة، وما نجم عنها من مصرع حوالي 1400 من السوريين.

وقد فتحت هذه الجريمة الباب على مصراعيه للتدخل الدولي، وعلى احتمال توجيه ضربة محدودة لمواقع قوة النظام، مما يضع الثورة السورية في مواجهة تحد جديد، وتعقيدات جديدة، يصعب الآن التكهن بتداعياتها أو نتائجها، لأن ذلك سيعتمد على حجم هذه الضربة، وحجم تأثيرها على القوة العسكرية للنظام، كما يعتمد ذلك على شكل ردة فعل النظام وحلفائه (إيران وحزب الله) عليها.

والقصد أن الثورة السورية في هذه المرحلة باتت في مواجهة منعطف جديد، على صعيد الاستحقاقات السياسية والعسكرية والمجتمعية، وهو الأمر الذي ينبغي تتبع ملامحه بكل اهتمام، لأنه ربما قد يقرر مصير سوريا وشعبها، وربما مصير الإقليم بكامله.

هكذا، وبعد مرور ثلاثين شهرا على اندلاع الثورة السورية، لم تعد المعادلة الصراعية قائمة على شعب في مواجهة النظام ومن معه، أو بين قوى شعبية تتوخى الحرية والكرامة والديمقراطية، وبين نظام سياسي قائم على الاستبداد والإفساد، إذ باتت ثمة عوارض أخرى مهمة وفاعلة ومقررة، كما بتنا نشهد.

وهكذا تبدو الثورة السورية في غاية الصعوبة والتعقيد والخطورة، ومصدر ذلك -كما لاحظنا- لا يتوقف فقط على شراسة النظام في الدفاع عن سلطته بالطائرات والدبابات والمدفعية، ولا في عدد الشهداء غير المسبوق، ولا في المدى الزمني الطويل، فعلى أهمية كل ذلك، ثمة أيضا واقع يتمثل في وجود عدة “طبقات” من الصراعات المتداخلة والمتشابكة، الأمر الذي يصعب معه تعيين حدودها أو تمييزها.

وكما ذكرنا، فعدا عن طبقة الثورة ثمة الجماعات المسلحة المتطرفة، التي لا تتوخى من إسقاط النظام الاستجابة لمطالب الشعب المتعلقة بالحرية والمساواة والكرامة، وإقامة الدولة الديمقراطية الدستورية، أو دولة المواطنين. فهذه الجهات تصرح بأنها تعمل من أجل مشروع آخر، يتجاوز سوريا، ويتأسس على إقامة دولة الخلافة، أو الدولة الإسلامية الدينية، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.

ولا يرى هؤلاء في الديمقراطية وغيرها إلا مجرد هرطقة ينبغي صدها أو التخلص منها. ولا شك أن هؤلاء أضروا بالثورة السورية، وبمقاصدها الأساسية، كما أثاروا المخاوف في مجتمع السوريين، بتكويناته المختلفة، فضلا عن أنهم شوهوا صورة الثورة السورية، وأضروا بها لدى الرأي العام العربي والدولي.

والأنكى أن هؤلاء لا يعتبرون أنفسهم ضمن هيكلية الثورة السورية من الأصل، ويصرحون علنا بأنهم غير معنيين بأهدافها.

أيضاً، بات ثمة تصارع الأجندات الخارجية، الدولية والإقليمية، على سوريا التي تمثل بلدا “مفتاحيا” في العالم العربي وفي الشرق الأوسط، وثمة فوق ذلك الدعم غير المحدود الذي تلقاه من إيران، ومن معها، إضافة إلى روسيا.

وإذا كان النظام لا يبالي بجعل البلد مرتعاً لإيران وميلشياتها (اللبنانية والعراقية)، فإن هذا النظام بالذات هو المسؤول عن استدراج التدخل الدولي باستهتاره بالمعايير الدولية، التي تحرم وتجرم استخدام الأسلحة الكيميائية، حتى في الحروب بين جيوش الأعداء، هذا أولاً.

وثانياً، بالنسبة للحديث عن الضربة العسكرية، فهذه إن حصلت لا تحصل دفاعا عن السوريين، ولا نصرة لقضيتهم، بقدر ما تأتي بحسب مصالح الغرب، ورؤيته لذاته، ولاسيما أن من تحرك اليوم تحت ضغط استخدام النظام للسلاح الكيميائي لم يتحرك طوال ثلاثين شهراً، رغم سقوط نحو 150 ألف ضحية، وأضعافهم من الجرحى والمصابين والمعتقلين، وملايين المشردين واللاجئين.

وعلى خلفية هاتين الحقيقتين، فمن المهم بالنسبة للثورة السورية -ومع حاجتها للدعم الخارجي- جذب التعاطف والدعم الإقليمي والدولي للثورة، لا جعل هذه الثورة ورقة في يد هذا النظام أو ذاك.

وفي ضوء ذلك ثمة ضرورة للتمييز بين كل ما يجري، وعدم الخلط بين هذه الطبقات من الصراعات، التي باتت على هامش الثورة السورية، والتي تحاول التسلل إلى متنها، لحرفها والتأثير عليها.

وعلى العموم، لا ينبغي لمثل أمور كهذه أن تقلل من مشروعية الثورة، ولا من سلامة مسارها، ولا من نبل مقاصدها، بقدر ما يتطلب ذلك تحصين هذه الثورة المجيدة، وتعزيز نقدها لذاتها، وتنظيمها لصفوفها، وتوضيح ذاتها.

ومعلوم أن التاريخ لم يعرف ثورات خالصة أو كاملة أو نظيفة، وأن الثورات تتمخض أيضاً عن آلام ومآس وكوارث، مع الأسف، وكلما كان تشبّث القوى المستبدة بالسلطة، ودرجة العنف التي تستخدمها لوأد الثورة أكبر، كان الوقت أطول.

وما ينبغي إدراكه هنا أيضا أن الثورات ليست خيارا من بين خيارات، أو من بين كماليات، وإنما هي بمثابة ممر إجباري للتغيير، حين يستعصي التغيير بالوسائل العادية والسلمية والتدرجية، أي أنها أيضا ليست هواية ولا نزوة.

وبخصوص السوريين فربما كان الأفضل والأسلم والأجدى لهم ألا تكون ثمة ثورة من الأساس، لا مسلحة ولا حتى سلمية، ولا تدخل خارجي، ولا نقطة دم ولا دمعة من أم، لو أن النظام اكتفى بأربعين عاما ورحل بهدوء، متخليا عن فكرته الشائنة “سوريا الأسد إلى الأبد”، ومهد لمرحلة انتقالية، سلمية هادئة، تتحول فيها سوريا لكل السوريين، ومن دون أي تمييز.

هكذا وصلنا إلى هنا، وإلى هنا أوصلنا الطغاة الذين تحكموا بحياتنا ومصائرنا. هكذا يقف السوريون اليوم بين يدي القدر.

الجزيرة نت

تصعيد الرد الروسي/ الياس حرفوش

من الصعب أن نتذكر مرحلة بلغت فيها العلاقات بين واشنطن وموسكو هذه الدرجة من التدهور، منذ زمن الغزو السوفياتي لأفغانستان، أو زمن المظلة الروسية التي حاولت موسكو نشرها فوق رؤوس جزّاري بلغراد لحمايتهم في حروبهم ومذابحهم ضد كل من كان من غير الصرب في البلاد التي ورثوها من جوزف تيتو.

من الصعب أن نتذكر أيضاً مرحلة بلغ فيها التصعيد في لهجة الرد الروسي على المسؤولين الأميركيين درجة وصلت إلى حد اتهام موسكو لهؤلاء المسؤولين بالكذب، على ما جاء في وصف بوتين الاتهامات الأميركية بأنها «محض هراء»، وكذلك في ما نقل عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي قال إن موسكو «غير مقتنعة إطلاقاً» بالمعلومات التي قدمها الرئيس اوباما ووزير خارجيته جون كيري عن أن لدى الإدارة الأميركية ما يثبت أن نظام الرئيس بشار الأسد استخدم غاز السارين في قصف مناطق في غوطتي دمشق قبل أسبوعين، والذي أدى إلى مقتل أكثر من ألف شخص، من بينهم ما يزيد على 400 طفل.

إنه مستوى غير مسبوق من سقوط كل أصول اللياقة الديبلوماسية في العلاقات بين الدول، وكل ذلك تفعله موسكو من أجل حماية نظام دمشق، هي التي قامت بكل ما أمكن على مدى العامين والنصف الماضيين، لحمايته من المحاسبة، وكان ثمن ذلك شلّ مجلس الأمن ومنعه من القيام بمسؤولياته في حماية السلم العالمي. غير أن الثمن الأفظع كان المستوى الاستثنائي الذي بلغته آلة القتل السورية ضد شعبها، وحجم الدمار والخراب الذي لحق بالمدن والمؤسسات والبنى التحتية السورية، والتي ستحتاج إلى أعوام طويلة وبلايين لا تحصى لإعادة إعمارها.

ما الذي يدفع موسكو إلى اعتماد هذا النهج التصعيدي في وجه واشنطن من أجل إرضاء النظام السوري، وهي تعلم من دون شك أن بقاء هذا النظام صار مستحيلاً، ولم يعد أمام روسيا، إذا كان لها أن تكسب شيئاً في مستقبل سورية، سوى أن تتفاوض مع الشعب السوري على ما يمكن أن يحفظ مصالحها في المرحلة المقبلة؟

بل ما الذي يدفع موسكو إلى استعداء الأنظمة العربية ومعظم شعوب المنطقة بهذه السياسة التي اعتمدتها في مواجهة الأزمة السورية، والتي أدت إلى منع الحل السياسي الذي كانت تطالب به الدول العربية منذ البداية؟ فإذا كانت موسكو تدعي اليوم أن السبب وراء موقفها الداعم للنظام السوري هو الخوف من سطوة الجهاديين والحركات الأصولية على صفوف المعارضة، فإن تعطيل الحل السياسي، من خلال توفير الحماية للنظام وإقناعه بإمكان الانتصار المسلح على المعارضة، هو الذي أدى إلى دخول هذه المجموعات أصلاً إلى الأرض السورية، وإلى تفاقم أعمال العنف والارتكابات الإجرامية التي بتنا نتابعها بشكل شبه يومي.

هذه هي الأسئلة التي تحير كل مراقب لتطور الموقف الروسي من هذه الأزمة. فإذا كان موقف النظام الإيراني وحلفائه في المنطقة مفهوماً وتأييدهم لبقاء النظام السوري مبرراً، إذ إن بقاءهم مرتبط مباشرة ببقائه، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى موسكو. ومن هنا سبب الاستغراب.

لم يتأخر الوقت الذي تستطيع فيه موسكو أن تساهم في عمل إيجابي حيال الأزمة السورية. ولعل قمة مجموعة العشرين التي ستعقد هذا الأسبوع تكون فرصة لذلك. لقد قال الرئيس بوتين إن هذه المجموعة ليست بديلاً عن مجلس الأمن، لكنها منبر جيد لبحث هذه الأزمة. وبينما اتهم الولايات المتحدة بتدمير النظام الدولي، تجاهل أن تصويت بلاده (مع الصين) ثلاث مرات بالفيتو في مجلس الأمن هو الذي عطل قدرة هذا المجلس على اتخاذ قرار يفرض حلاًّ متوازناً.

قد تكون قمة العشرين فرصة مناسبة للبحث عن مخرج ولتفاهم جديد بين واشنطن وموسكو. لكن … إذا كان باراك اوباما قرر اللجوء إلى الكونغرس لاستشارته في كيفية الرد على النظام السوري، فهل من هيئة روسية يمكن أن يلجأ إليها بوتين لسماع رأيها في دعمه لنظام لا يتردد في استخدام كل الطرق للقضاء على معارضيه؟

الحياة

ماذا سيفعل اوباما اذا لم يوافق الكونغرس/ صحف عبرية

أعلن الرئيس الامريكي أنه سيهاجم سورية، كما قال حكماؤنا ‘في الزمان والمكان اللذين يختارهما’. يمكن أن نعود الى الحياة المعتادة حتى إشعار جديد. فالهجوم سيُنفذ كما يقولون عندنا بعد الأعياد.

لا يريد العالم أن يحارب من اجل مواطني سورية، فهذه دولة غير مهمة لا تهم أي أحد. وهذا هو الدرس الذي يجب على اسرائيل أن تحفظه، وهو أنه اذا دُفعنا الى ازمة مع ايران فلن يكون أحد في العالم مستعدا لتحريك طائرة واحدة من أجلنا، بل سنحصل في الأكثر على دعم كلامي.

على حسب الجدول الزمني الجديد يمكن أن ينفذ الهجوم على سورية بعد تسعة ايام أو عشرة في أدنى الاحتمالات. وسيشارك اوباما بعد غد الى السبت في مؤتمر الدول الصناعية في ستوكهولم. وفي يوم الاثنين التاسع من ايلول/سبتمبر سيجتمع مجلس النواب الامريكي لمباحثات سيتم في نهايتها تصويت تأييد للهجوم أو اعتراض عليه. وقد تستمر المباحثات بضعة ايام أو أكثر من ذلك.

إن مشكلة الرئيس هي ماذا يفعل اذا لم يوافق مجلس النواب، وكيف يتم الحفاظ على الغضب على سورية لدى الرأي العام وقتا طويلا؟ إن عشرة ايام في الشرق الاوسط هي بحر زمن لتطورات غير متوقعة، توجب على الرئيس أن يؤجل ويؤجل ويؤجل.

إن الشيء الوحيد الذي أعلنه الرئيس، هو أنه لا يوجد طريق رجعة وأنه يجب على الولايات المتحدة أن تجبي من النظام السوري ثمنا عن استعمال السلاح الكيميائي. وعلى حسب الخطة، وهذا صحيح الى اليوم، يفترض أن يهاجم الجيش الامريكي نحوا من 90 هدفا في سورية في نفس الوقت.

حدث في اليوم الاخير انطباع أن الولايات المتحدة تغير صورة الهجوم المخطط له: من هجوم على دفعات يطول يوما أو أكثر، الى هجوم مُركز لبضع ساعات على التوالي، مع مُهل قصيرة فقط. إن الفرق بين هجوم مستمر على دفعات طول يوم كامل أو اثنين، وبين هجوم مُركز يدوم بضع ساعات شديد الأهمية بالنسبة إلينا، لأنه كلما طالت العملية زاد خطر أن يفلت زمام السوريين ويطلقوا قذائف صاروخية أو صواريخ على اسرائيل.

اذا استقر رأي الامريكيين على العمل في مواجهة منظومة صواريخ ارض ارض السورية المتحركة، فليس من المنطق أن تُستعمل صواريخ توما هوك لذلك، بل وسائل طيران (مع طيارين أو بغيرهم) تتعرف على الأهداف وتطلق عليها سلاحا موجها دقيقا من الجو.

إن تغيير تصور العملية هو نتيجة مباشرة لتأخر تجنيد دعم داخلي للهجوم وانشاء تحالف دولي استعدادا له. وبسبب التسويف تفقد الادارة الامريكية التأثير، ولهذا كلما تأجل القرار أكثر أخذت العملية المخطط لها تتضاءل، من هجوم عقاب قاسٍ مؤلم الى عملية محدودة مع قدر أقل من أخطار التورط السياسي والعسكري.

إن المادة الاستخبارية الدامغة التي عرضها وزير الخارجية الامريكي جون كيري على العالم ليست مادة امريكية فقط، فقد شارك في هذه المعلومات البريطانيون ايضا، ويجوز لنا أن نفرض أن الامريكيين لن يتخلوا عن تعاون استخباري مع دول مثل تركيا واسرائيل.

ويتبين أن سورية شفافة جدا للاستخبارات، وهذه بشرى طيبة. فمن المنطقي جدا أن نفرض أن كل محاولة سورية لتوجيه سلاح غير تقليدي أو صواريخ ارض ارض على اسرائيل سيُكشف عنها في وقتها.

إن الشيء البارز في كشوف كيري هو حقيقة أن ‘المسدس المدخن’ لا يرتبط ارتباطا مباشرا بالرئيس الاسد. فالاستخبارات التي اعترضت مكالمات بين القيادة العليا السورية والوحدات الميدانية قبل المذبحة وبعدها أدانت النظام بتنفيذ المذبحة، لكن الاسد نفسه لا يظهر في هذه المكالمات. من الممكن جدا أنه ظهر في المقاطع الاستخبارية السرية التي لم تُنشر. ومهما يكن الامر فان كيري يسمي الاسد ‘قاتلا’ ويمهد بذلك لتقديم لائحة اتهام ضد الرئيس السوري، بجرائم حرب في المحكمة الدولية في لاهاي.

قدّمت الاستخبارات البريطانية تقارير عن 14 واقعة استُعمل فيها السلاح الكيميائي في سورية، تمت إحداها بواسطة صاروخ سكاد كان يحمل رأسا كيميائيا أصاب حلب في مطلع السنة. وهذه شهادة اخرى على أن العالم كان يعرف طول الوقت ما يحدث في سورية وصمت. حتى إن العالم يتلعثم الآن وهم يُحركونه بالقوة.

اليكس فيشمان

يديعوت 1/9/2013

سورية وسيناريو الحرب/ حسام الدجني

انطلقت شرارة الثورة السورية في مارس/2011، وحينها اقتصرت الثورة السورية على مطالب شعبية عادلة تتمثل بالاصلاح السياسي والعدالة الاجتماعية، ولم يكترث النظام السوري لتلك المطالب، وأطلقت قوات النظام النار على المتظاهرين، فتأزم الموقف بعد سقوط ضحايا، وحينها رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، وحاول الرئيس بشار الأسد المناورة وتقديم بعض التنازلات، ولكن بعد فوات الأوان، وانزلقت الأحداث في سورية نحو الصراع المسلح، وسقط أكثر من مئة ألف شهيد، واستخدم السلاح الكيماوي 48 مرة، حسب تقرير الرابطة السورية لحقوق الإنسان، ولم يحرك الغرب ساكناً، واكتفى بتصريحات الادانة والاستنكار، والدعم المحدود للمعارضة السورية، وبعد مذبحة السلاح الكيماوي بالغوطة الشرقية، التي راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل أغلبهم من الأطفال، واتهام النظام السوري بأنه يقف خلفها، قررت الولايات المتحدة توجيه ضربة عسكرية لسورية، وهذا يطرح مجموعة من الأسئلة تحتاج للاجابة..

هل هناك اختلاف بين من يقتل بالسلاح الكيماوي وبين من يقتل بغيره؟ وما هي دوافع القرار الامريكي بالحرب على سورية؟ وما هي تداعياته على المنطقة العربية؟

من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الاسباب والموت واحد، هذا حال الشعب السوري الشقيق، الذى فقد أكثر من مئة ألف شهيد، ومئات الآلاف من الجرحى والمهجرين، من دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً، فالأزمة السورية كشفت عورة المنظمة الأممية ممثلة بمجلس الأمن، التي اخفقت في أكثر من مناسبة في اصدار قرار أممي يدين سورية وينقذ الشعب السوري من بطش النظام، ومن حجم التدخلات الاقليمية والدولية، وكذلك لم يحرك دعاة الانسانية وحقوق الانسان لممارسة دور يحمي المدنيين على أقل تقدير، ولكن بعد مجزرة الغوطة الشرقية بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء ضرب الكيماوي، فإن تلك الجريمة التي تقشعر لها الابدان تدعو العالم للوقوف عند مسؤولياته تجاه ما يجري في سورية، ولكن ضمن قرار أممي، واضح المعالم والأهداف، ويجب ان تسبقه جهود دبلوماسية محددة بجدول زمني للحل السياسي، كونه أقل تكلفه، وقد يجنب سورية مزيدا من الدمار والقتل والخراب، وفي حال لم توافق الاطراف المعنية بتلك المبادرة، من الممكن أن يتخذ المجتمع الدولي قرارا باسقاط النظام ضمن الخيار العسكري، وقد تكون الجيوش العربية بمساندة من بعض الدول الاسلامية، هي من يقوم بتلك العملية التي تهدف الى انقاذ الشعب السوري وحمايته، لا كما تخطط الادارة الامريكية من وراء حملتها العسكرية، الذي هو حماية مصالحها القومية التي تمثل اسرائيل جزءا رئيسيا من رؤيتها الاستراتيجية، ولا أعتقد أن حماية الشعب السوري تندرج ضمن مصالحها القومية، فهناك العديد من الدوافع التي تنسجم مع المصالح القومية للولايات المتحدة الامريكية بقرارها الحرب على سورية، منها:

اعادة رسم الخارطة السياسية في منطقة الشرق الاوسط، بما يضمن تفوق الحضارة الغربية على أي مشروع نهضوي أو وحدوي عربي اسلامي، ويضمن دمج اسرائيل في المنطقة. الصراع مع روسيا على سوق الطاقة عبر البحر المتوسط.

ضمان عدم وصول السلاح النوعي لجبهة النصرة أو حتى لحزب الله.

تقليم أظافر ايران تمهيداً لتوجيه ضربة عسكرية لبرنامجها النووي.

وقف تدفق السلاح لحزب الله تمهيداً لقرار تجريده من السلاح.

قد تعيش الادارة الامريكية ازمة اخلاقية، ولكنها ليست المحدد الرئيس في قراراتها الخارجية.

أما بخصوص تداعيات القرار الامريكي بالحرب على سورية، فإنني مع الرأي الذي يقول بأن روسيا وايران وحزب الله لن يقحموا أنفسهم بالمعركة، فالروس من الدول التي سرعان ما تتخلى عن حلفائها، وهذا ما حصل مع القذافي في ليبيا، وربما لو وجد الروس صفقة سياسية تضمن لهم سداد دول الخليج للديون المتراكمة على الدولة السورية، وضمان بقاء قاعدتها العسكرية، فإنها ستكون من اوائل من يتخلى عن نظام بشار الاسد. اما ايران التي تربطها بدمشق اتفاقية دفاع مشترك، فلم تقم بأي دور عندما قصف الطيران الصهيوني العاصمة دمشق عشرات المرات، وحزب الله سيحاول الحفاظ على قدراته العسكرية وبذلك لن يتدخل، وسيسقط النظام السوري بكل سهولة، ولكن قد يوجه بعضا من صواريخه تجاه اسرائيل، وحينها سيكون من الصعب قراءة تطورات الاحداث واتجاهاتها، ولكن ستتأثر العديد من الدول والمحاور من وراء تلك الخطوة العسكرية، التي ندعو وبكل قوة أن تكون منسجمة مع القانون الدولي ومع الشرعية الدولية، وأن تهدف أولاً وأخيراً لحماية الشعب السوري، وتحقيق طموحاته وتطلعاته.

‘ كاتب فلسطيني

القدس العربي

أيها السوريون.. بلادكم ليست لكم/ نصري الصايغ

I ـ بانتظار الهاوية

الفداحة السورية فاقت معدلات الجنون المقبول. باتت سوريا مشروع «سوريانستان»، والسوريون، لا بلاد لهم، في كل صقع يهيمون، بانتظار بلوغ أبعد قعر في الهاوية.

عامان ونصف وسوريا تضخ دماء أبنائها بغزارة، فرضتها غريزة السلطة في الاستئثار، وغريزة المعارضة في الثأر. لا طاقة لشعب على احتمال هذا التدمير وهذه المواظبة على القتل، بكل ما أوتيت البربرية والبشاعة من فنون، يتقن أصحاب السلاح، في الطرفين الناحرين، تصويبها على البشر وعلى ما تبقى من حجر فوق حجر.

عامان ونصف، وبشاعة القتل فاقت قدرة الإنسان على احتمال أبنائها وتحمُّل صورها، أكان القتل بعقيدة السلطة العسكرية، براً وجواً وبأنواع الأسلحة المرعبة، أم كان بعقيدة الثأر والتكفير والانتقام. مئة ألف قتيل، على الأقل، ملايين البؤساء النازحين، مئات آلاف الجرحى، عشرات المجازر والمجازر المضادة، قرى مبادة، بلدات مدمرة، مدن مذبوحة، أرياف مباحة، ونزوح يشعر إزاءه العاجز عن المساعدة بالعار، وهي حال أعداد غفيرة من أصحاب الضمائر، آثروا الانتماء إلى عذابات الضحايا والنازحين، والهائمين على وجوههم التي ضاعت عن قسماتها، نبالة الانتماء إلى سوريا الأم والأمة.

المزيد من القتل، هو العنوان المستعاد. لا شيء غير القتل. لا كلام في السياسة. جملتان تكفيان لتفسير الحالة السورية: لا حل عسكرياً في الأفق، ولا حل سياسياً في الأفق كذلك. إذاً، وحدها الطريق إلى القتل سالكة في كل الاتجاهات.

II ـ عواء الحرب من الغرب

لم يتجرّع البريطانيون حرباً أخرى. تذوقوا مرارة الكذب عندما ساقهم طوني بلير، إلى حرب شائنة. صدّقوا رئيسهم الذي قاده جورج دبليو بوش إلى غزو العراق. هدَّدهم: «إما الحرب أو استقيل». خافوا من السيد الأميركي. سمحوا لجزمة البنتاغون بقيادة دونالد رامسفيلد بأن يكون لها حق الأمرة على «جلالة بريطانيا العظمى».

هذه المرة، انتصر البرلمان البريطاني، ولم يُسمح لكاميرون أن يكون «كلب» أوباما كما كان بلير «بوبي» بوش. وصفة الكلب هذه، أطلقها البريطانيون على رئيسهم، ولا علاقة لي بذلك. يومها، احتل الكذب المنصة الدولية الأعلى، وتفوَّق كولن باول، ذو السمنة السياسية البيضاء، في عرض الأسباب الموجبة لغزو العراق، ففتح ملفاته المدعمة بالوثائق والصور والشواهد المزورة، مؤكداً أن العراق يستحق حرباً، لامتلاكه «النووي» و«الكيميائي».

ولقد تبين بعد خراب العراق، أن ما أقدم عليه باول، كان أشنع خديعة وأقذر ذريعة. يومها، لم تنطل الرواية الملفقة والصور المزوّرة والأدلة المفبركة على فرنسا، فوقف وزير خارجيتها دومنيك دو فيلبان، مدافعاً عن الشرعية الدولية، ورافضاً شن حرب على بلد، يكفيه ما فيه، من مصائب جلبها عليه الاستبداد البعثي والصدامي.

بريطانيا لن تشارك في حرب «محدودة» على سوريا. برلمانها يشبه توما، يريد تأكيداً مبرماً، لم يحصل عليه. فرنسا تستعجل، برغم هشاشتها العسكرية، الحرب على سوريا. بريطانيا، غسلت قليلاً بعض ما لحقها من عار النفاق، فيما فرنسا خرقت عصمة الموقف الذي تبنته قبيل غزو العراق، والذي التزم موقف هانز بليكس ومحمد البرادعي، إذ قاوما بصرامة وموضوعية لصق تهمة «النووي» و«الكيماوي» بالعراق.

هولاند، «العسكريتاري» الكاريكاتوري، يقلد طوني بلير بشكل سيئ، ومستعد للذهاب إلى الحرب، متى توفرت «قشرة الموز» الدولية.

هذا فصل صغير، من فصول الأزمة السورية دولياً، ولكنه فصل دامٍ ومدمّر. والمسألة، على فداحتها، ليست في هذا التفصيل. هذا شأن يخص الدول الغربية. لديهم مروحة واسعة من الخيارات، وينتقون منها، ما يتصوّرونه لمصلحتهم، وما يحسبونه كسباً لهما. عندهم حقوق الإنسان أو ما دونها بكثير.

نحن… لسنا في هذا النصاب. مكاننا الدائم، الإقامة في المأزق، وأمام الأفق المسدود. وخياراتنا تتحدد وفق المعادلة العربية المزمنة: إما أن تختار الأسوأ أو الأسوأ منه أو ترفض الاثنين، وتكون عندها خارج التاريخ، إنما، داخل الضمير.

المشهد الذي ارتسمت معالمه بالدم في سوريا، ليس جديداً. لقد وُضِعنا في السابق بين أن نكون مع استبداد صدام، أو مع بوش وغزو العراق… لا يمكن أن تكون مع استبداد مقيم ولا مع غزو استعماري حديث. إنهما يتنافسان في السوء والظلم.

III ـ ربيع العرب الدامي

حظنا في السياسة، أن يكون الوعد قصير العمر، وأن يكون الوعيد مديده، شديد الوطأة وباهظ الكلفة. وعد الحرية والوحدة والاستقلال بعد الانتصار العربي على العثمانيين، أجداد رجب طيب أردوغان (انتصار مؤيد من بريطانيا وفرنسا)، هذا الوعد لم يعمر إلا شهوراً. وعد بلفور قضى عليه في ميسلون، وعساكر دو جوفنيل أباده في جبل العرب وأحياء دمشق المدمرة. تحرّرنا بدمنا، ثم احتلتنا فرنسا وبريطانيا… تاريخ الوعيد الفرنسي يسجل كيف أذنت فرنسا لنفسها بأن تتصرف كآلة قتل وإخضاع وإرهاب وتدمير وتقسيم. يروي التاريخ عندنا، أن أول دولة قمعت التظاهرات بالطائرات هي فرنسا، وأن أول دولة خطفت طائرة بركابها هي فرنسا، (خطف بن بيلا ورفاقه) وأول دولة استعملت السيارات المفخخة هي فرنسا. أما تاريخ «الحليفة» البريطانية فيكفيه أنه يسجل لهم إعطاء فلسطين (كأرض بلا شعب) لليهود، (كشعب بلا أرض)، أما مآثرهم في بلاد الرافدين فيندى لها الجبين.

هذا حظنا مع ربيع الحرية الأول. سرقه الاستعمار منا، واستبدله باستعمار أوكل أمره في ما بعد، إلى وكلاء له، يستبدون عنه، من أجله لأجيال مديدة. أما حظنا مع الربيع العربي الثاني، بعد اندلاعه في تونس، فقد كان أسرع إلى الانطفاء، قبل أن تثمر براعمه الواعدة. كان الربيع التونسي والمصري، مولوداً رائعاً، فبات موؤوداً على عجل وبصخب عنيف. كنا على موعد مع ربيع مصري مجيد، يعيد لهذا الوطن الأم الضاربة في الخصوبة التاريخية والنضالية، صدره المترع بالعطاء والاحتضان. كنا على موعد مع ربيع ليبي يزيح طاغية ويحرر شعباً، كنا ننتظر ربيعاً يمنياً بلذة القات وخدر الحرية.

كنا على موعد مستعجل مع ربيع بحريني يفتح الطريق إلى وطن يحتضن جميع أبنائه، سواسية كأسنان المشط، إذا قيس بالمدنية. وكنا على وعد، بأن يقرع الربيع العربي المجيد أبواب الممالك والإمارات والسلطنات العفنة. كنا على موعد مع ربيع سوري يستحقه شعبها، يطوي أربعين عاماً من استبداد متقن ومدروس ومهندس ومحتذى، على قياس حزب لم يعد حزباً وعقيدة لم تعد عقيدة وسلطة لم تعد إلى طغمة.

حظنا في السياسة، إبن ثقافتنا وربيب بنية مجتمعنا. حظنا أن نقيم في منطقة العواصف الدينية والمذهبية والتكفيرية. حظنا أن نحصي الخسائر ونكدس الهزائم ونعض على الجراح وننزف دماء ونلملم الضحايا ونعد المشردين والنازحين… حظنا أن الربيع العربي تحوّل على أيدي عتاة الدين والمذاهب والطوائف، وعتاة السلاح والممالك والنفط، وعتاة السلطات المستبدة، إلى جحيم ديني، وحروب عسكرية مستشرية تقرع أبواب المنطقة برمتها.

الطريق إلى جنيف معبّدة بالقتل، إلى أن يتساوى الطرفان في العجز وإقرارهما بذلك. من هنا، الحملة الدولية على سوريا النظام، بقيادة السعودية وأهل الردة العربية ميدانياً، وبقيادة أوباما صاروخياً، هي لمنع تقدم «جيش النظام» وإجباره على البقاء في الحظر الدائم، ولمنع «المعارضة» من السقوط. فالانتصارات غير متاحة لأحد.

مَن يضمن أن «جنيف» هو خاتمة القتل، بعد كل هذه المقتلة؟ لا أحد.

IV ـ ماذا يبقى من سوريا؟

ماذا يبقى من سوريا للسوريين؟ أو، هل سيبقى شيء من سوريا للسوريين؟ أو، ألن تصبح سوريا «طاعون» السياسة، المُعدي والمفتري والمفترس؟

لقد استولى العنف الأقصى والأعمى والجهنمي على سوريا، هو عنف مدعوم ومرصوص ومعقد ومعولم وممذهب وفالت من قواعد الاشتباك المتعارف عليها. شيء من قبيل «طالبان» أو «العصائب» أو العصابات. لا إمكانية لتحرير سوريا قريباً، أو بعيداً، من العنف. لا العنف الديني عاقل ولا عنف النظام متعقّل.

لا وجود لنص سياسي يرسم صورة لسوريا في المستقبل. كأن المستقبل السوري مفقود، أو غير موجود.

إنها، بهذا المعنى، قضية أبعد من القصف الصاروخي الدولي، وأشد غموضاً من نتائج الغزو الفضائي المدمّر. المزيد من الحرب، ثأراً أو انتقاماً أو لإعادة الأعداء إلى نصاب التوازن، هو المزيد من التوغل في «سوريانستان».

من لديه سطر واحد لمستقبل سوريا، فليقرأه على الملأ. وبالتأكيد، لن يسمع أحد غير عويل الثكالى والأيتام والنازحين، وسيكون منشغلاً بتوضيب وليمة يومية للمقابر، ومهتماً بتعداد المجازر والعمليات العسكرية.

الأسوأ آتٍ… سوريا تقود المنطقة كلها إلى المجهول.

السفير

سوريا تفلت من ضربة أوباما/ ‏مكرم محمد أحمد

 يبدو أن الضربة الأمريكية لسوريا التي أعلن أوباما فجأة تأجيل موعدها‏,‏ رغم أن الدستور الأمريكي يفوضه مستقلا في حق استخدام القوة‏,‏ انتظارا لقرار يصدر عن الكونجرس يدعم قرار الرئيس سوف يتبدد دخانا في الهواء‏.

لأن الكونجرس رغم كثرة صقوره يعزف عن اصدار قرار تعارضه أغلبية الشعب الأمريكي, التي ضاقت ذرعا بتورط البلاد في حربين خاسرتين في العراق وافغانستان, أزهقتا أرواح كثيرين وضربتا الاقتصاد الأمريكي, ولم تنته أي منهما بالنصر الذي وعد به قادة البلاد! ومازاد من كراهية الأمريكيين لأي حرب جديدة وأضعف ثقتهم في قرارات الحرب, الاستخدام السياسي السييء لقرار الحرب كما حدث في حرب العراق, وزيف الذرائع والأسباب التي ساقها الرئيس بوش الابن لتبرير حربه تحت دعاوي تقارير مخابراتية زائفة تدعي أن العراق يملك أسلحة دمار شامل! ومن المؤكد أن أوباما الذي يعاني من غياب القدرة علي الحسم لن يقدم علي ضرب سوريا إذا رفض الكونجرس الأمريكي قرار الحرب, إلا إذا انتهت تقارير المفتشين الدوليين الذين زاروا المواقع في غوطة دمشق وحققوا الحادث إلي وجود أدلة يقينية بأن بشار استخدم بالفعل الأسلحة الكيماوية ضد شعبه, خاصة أن مجلس العموم البريطاني خذل رئيس الوزراء كاميرون أقرب حلفاء أمريكا, ورفض قرار الحرب بأغلبية شارك فيها31 عضوا من المحافظين, فيما اعتبرته الصحافة البريطانية هزيمة مهنية لرئيس الوزراء, لم يحدث مثلها منذ عام1762!

ولا يتحمس غالبية المجتمع الدولي لضرب سوريا ليس حبا في الرئيس بشار, ولكن لأن قرار الحرب حتي إن التزم المواصفات التي أعلن عنها أوباما ضربة محدودة الزمن ضيقة المدي محددة الأهداف سوف يكون له مضاعفات خطيرة علي دول الشرق الأوسط, خاصة لبنان والعراق اللتين تتعرضان لمخاطر تجدد الحرب الأهلية, يليهما الأردن حيث تتربص جماعة الإخوان المسلمين شرا بالحكم, فضلا عن اشعال نار الفتنة بين السنة والشيعة, وسقط مائة ألف سوري لقوا مصرعهم في حرب مجنونة يحكمها توازن القوة بين الحكم والمعارضة.

الاهرام

تراجع» أوباما وإسرائيل: تساؤلات وخيبة/ حلمي موسى

لا شيء أكثر إحباطاً للقيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية من الشعور بالمفاجأة سواء جاءت من أعداء أو أصدقاء. وربما أن تزامن المفاجأة مع الذكرى السنوية الأربعين بالتوقيت العبري لحرب تشرين العام 1973، التي كانت المفاجأة الأكبر التي تركت ندوباً لا تبرأ في الذاكرة الإسرائيلية، يزيد الأمر إيلاماً. فالمفاجأة تعني أن ما كانت تظنه إسرائيل معلوماً كان في الواقع مجهولاً، الأمر الذي يعبّر عن وجود ثغرة يمكن أن تكون فائقة الخطورة.

ولا ريب أن إسرائيل الرسمية والشعبية فوجئت بقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بإعادة قرار مهاجمة سوريا إلى الكونغرس ليقول كلمته. وقد باغت القرار القيادة العسكرية الإسرائيلية أثناء اجتماع تداولي لها في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب، حينما كانت الأعصاب مشدودة للحظة بدء الغارات، التي كانت متوقعة في غضون ساعات. فالفرضية السائدة قالت إن الهجوم الأميركي على سوريا سيتم فور خروج بعثة المفتشين الدوليين عن آثار الهجمات الكيميائية في محيط دمشق. وفيما كان التوتر الإسرائيلي على أشدّه، جاء قرار أوباما بالاستدارة وإعلان أن الطريق إلى دمشق تمر بتلة الكابيتول في واشنطن.

وبرغم الصمت الرسمي فإن المسؤولين الإسرائيليين العسكريين والسياسيين سرّبوا مواقف غاضبة لوسائل الإعلام تتهم الرئيس الأميركي بالجبن. فصورة القيادة هذه تبدو مضحكة حينما تسمع عن قرارات بالغة الأهمية تتصل بأمنها، وتصدر عن حليفها الأول وربما الوحيد من وسائل الإعلام والمؤتمرات الصحافية. ولا بد أن تتساءل أين ذهبت ترتيبات الحوارات الإستراتيجية والتعاون الثنائي والتنسيق المتبادل وفتح الخطوط ووسائل الاتصال المشتركة. صحيح أن القرار أميركي، ولكنه يهم إسرائيل، التي تعيش حالة توتر جراء اعتقاد باحتمال، ولو متدن، لتعرضها لرد على الهجوم الأميركي ذاته.

كان التبرير الأول لدى بعض المسؤولين الإسرائيليين هو أن أوباما لم يستشر حتى أقرب المقرّبين منه قبل اتخاذ هذا القرار. ولكن هذا التبرير لا يقلل من خطورة المسألة، فالولايات المتحدة تتصرف في شأن يهم إسرائيل بشكل منفرد وهذا يشي بعواقب غير حميدة. لهذا السبب ترجم غالبية المعلقين الإسرائيليين صدمة القيادة الإسرائيلية بمقالات تؤكد وجوب استخلاص الحكومة العبر من ذلك، وأن «لا شيء يحك جلدك مثل ظفرك».

وتزداد خيبة الإسرائيليين من القرار الأميركي لأنهم يعلمون أن التأجيل نبع من «ارتعاد فرائص» أوباما بعد خسارته تأييد بريطانيا وبعدما أظهرت استطلاعات الرأي الأميركية معارضة الغالبية لهذا الهجوم. ويعتقد مسؤولون إسرائيليون كبار، وفقاً لصحيفة «يديعوت»، أن الأميركيين فقدوا زخم الهجوم لأنهم منحوا الرئيس السوري بشار الأسد الوقت للتحصن والاحتماء، وجعل الإيرانيين يضحكون في طريقهم لامتلاك القنبلة.

وقد لخّص المعلّق العسكري في صحيفة «إسرائيل اليوم»، شبه المتحدثة باسم الحكومة، يؤاف ليمور الخيبة في مقالته «بمقدار الأمل ـ حجم الذهول والخيبة». وأشار إلى أن القيادة العسكرية الإسرائيلية كانت في ذروة التوتر، منتظرة أن يقع الهجوم العسكري الأميركي على سوريا ليلة السبت الأحد أو الاثنين على أبعد تقدير، خصوصاً بعد خطاب وزير الخارجية جون كيري. وأضاف أنه بعد الخيبة جاءت التساؤلات ليس حول الموعد المقبل، وإنما حول ما إذا كان هجوم أميركي سيقع أصلاً أم لا، وهل سيفلح أوباما أصلاً في استصدار قرار من الكونغرس أو حشد ائتلاف دولي داعم.

ومن بين الأسئلة المركزية التي تشغل إسرائيل السؤال عن الشيء الذي قد يدفع العالم للتحرك إذا كان «الاستخدام المثبت للسلاح الكيميائي للمرة 14 خلال نصف عام لا يدفع العالم للعمل، فما الذي سيدفعه؟ وإذا كان أوباما سيستجدي مصادقة الكونغرس على هجوم ثانوي، ما الذي سيحدث له إن طلب، مثلاً، مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؟ والسؤال الأشد إيلاما هو: إذا تعرضنا لهجوم كيميائي من جانب سوريا أو أي عدو آخر، هل يمكننا أن نثق بأن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبنا، أو إلى جانب الأردن أو السعودية، الذين أقسم الأميركيون لهم أيضاً إخلاصاً أبدياً؟».

ويعتقد ليمور وآخرون أن الخشية تتصاعد في إسرائيل من أثر هذه القرارات الأميركية في المنطقة وكيف تقرأها الدول العربية. ويشير كثيرون إلى أن خشية قيادة الجيش تتركز حالياً على احتمال أن يتشجع السوريون وحلفاؤهم على استفزاز إسرائيل بهدف حرف الاهتمام العربي عن الشأن الداخلي وتوجيهه نحو الصراع مع إسرائيل. ولهذا السبب يقولون إن حالة التأهب التي أعلنها الجيش الإسرائيلي لن تتراجع بل ستزداد حدة لأن إسرائيل معنية بالمحافظة على قدرتها الردعية وزيادتها في ظل تراجع الردع والهيبة الأميركية في المنطقة.

تقريباً كان رئيس تحرير «هآرتس» ألوف بن، وهو من المعلقين السياسيين المخضرمين، أول من عالج القرار الأميركي من زاوية مختلفة أساسها أن القرار حكيم وأنه يرمي إلى تحقيق غاية سياسية، قد تقود إلى الخروج من الأزمة السورية. وألمح إلى احتمال أن تكون هناك قنوات اتصال غير معلنة بين واشنطن والكرملين للتوصل إلى حل يعتمد على «نموذج قرار مجلس الامن 687، الذي أنهى حرب الخليج في العام 1991: بشار الاسد يبقى في كرسيه، وفي المقابل ينزع مراقبو الامم المتحدة عن سوريا السلاح الكيميائي والصواريخ بعيدة المدى». وطبعاً يستمر الصراع.

ومن جهته، وبّخ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وزير الإسكان في حكومته أوري أرييل جراء تصريحاته ضد الرئيس الأميركي باراك أوباما، بشأن التوجه للكونغرس للمصادقة على ضربة لسوريا. وكان أرييل، وهو من زعماء المستوطنين، قد انتقد أوباما في مقابلة إذاعية قال فيها إنه «لا ينبغي انتظار قتل عشرات آلاف آخرين من الأطفال كي يتدخل في ما يجري في سوريا». يذكر أن نتنياهو طلب من وزرائه وكبار المسؤولين في حكومته بعدم إطلاق أي تصريحات بشأن سوريا وحصر ذلك به شخصياً وبوزير الدفاع.

وقال نتنياهو لوزرائه إن الأزمة حول الهجوم الكيميائي في سوريا ما زالت في ذروتها وأن الوضع حساس ودقيق. وأشار إلى «أننا ندير الوضع باتزان ومسؤولية، ولا مجال لتصريحات خاصة. ثمة إدارة مركزية، مسؤولة ومتشددة، وهكذا تتصرف حكومة مسؤولة، ولذلك فإني أطلب منكم مواصلة التصرف بمسؤولية». وأضاف «إنني أطلب ألا تتصرفوا بانعدام اتزان وبقلّة مسؤولية مع حليفتنا الولايات المتحدة لكسب عناوين في اللحظة. إنني أدعوكم أن تواصلوا التصرف بمسؤولية. هذا مهم لأمن كل مواطني إسرائيل. وستواصل إسرائيل الدفاع عن نفسها وتواصل الحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية. لقد تم اختياركم لخدمة مواطني إسرائيل من داخل الحكومة وهذه التصريحات لا تخدم مواطني إسرائيل».

السفير

باراك لكنه… “أوماما”/ راجح الخوري

لم ولن يدمر باراك أوباما مخازن السلاح الكيميائي السوري، لكنه نجح في تدمير بروتوكول جنيف الموقع عام 1925 والذي يمنع استعمال هذا السلاح عندما ابتلع كل تهديداته بتوجيه ضربة الى النظام السوري، ولحس ترهاته عن “الخط الاحمر” الذي ثبت فعلاً انه مكتوب بالحبر المخفي كما يقول جون ماكين!

لقد استمعت الى جون كيري متنقلاً بين الشاشات محاولاً التخفيف من الخيبة العارمة، التي أثارها أوباما بقراره تأجيل الضربة التي كان قد اوحى بأنها حاصلة بين لحظة واخرى، والذهاب الى الكونغرس، الذي ربما كان عليه ان يتذكره قبل حشد الاساطيل وتحديد الاهداف الـ90 التي كانت ستضربها الصواريخ، لكن كيري فشل في استعادة الحد الادنى من الصدقية، ذلك ان قرار أوباما توجيه الضربة سيضيع في ادغال الكونغرس، حيث تتداخل الحسابات السياسية مع الرهانات الانتخابية في بلد منهك من الحروب، ومع رئيس دخل الى البيت الابيض رافعاً شعار التغيير والانسحاب من الحروب!

ليس عذراً القول ان فشل ديفيد كاميرون في الحصول على تأييد مجلس العموم لمشاركة بريطانيا في توجيه الضربة الى الاسد، ادى الى عرقلة أوباما ودفعه للذهاب الى الكونغرس، فاذا كانت الصحف الاميركية تقول ان فشل كاميرون اوقع بأوباما، فها هي الصحف الفرنسية تقول ان أوباما اوقع بدوره بفرنسوا هولاند المتحمس لتوجيه الضربة من دون الذهاب الى استشارة ممثلي الامة، فليس كثيراً ان تقول صحيفة “لاكروا” ان الفخ قد اطبق على هؤلاء المسؤولين الذين هبّوا سريعاً الى اعلان رغبتهم في معاقبة النظام السوري على رغم ان مجتمعاتهم لا تملك حماسة حيال الحروب!

تبدأ معركة أوباما السياسية المعقدة داخل ادغال الكونغرس في 9 ايلول، وسيخوض معركة ديبلوماسية يومي الخميس والجمعة مع فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين، آملاً في الحصول على مساعدة تحفظ ماء وجهه عبر قرار روسي باستجلاب الاسد الى جنيف وترتيب عملية انتقال سياسي تلغي كل حاجة الى العمل العسكري، لكن هذا الامر يبدو صعباً جداً.

واذا كان هناك في “البنتاغون” من يشكك في جدوى الضربة، واذا كان الرأي العام الاميركي يعارضها بنسبة 46% في مقابل 24%، واذا كان أوباما قد وضع يده على الزناد حابساً انفاس العالم ثم فاجأ حتى ادارته بالذهاب الى استشارات غير مضمونة في الكونغرس متجاوزاً حقه الدستوري في توجيه الضربة، فهل هناك شك في ان الضربة لن تقع؟

قبل عشرة ايام قال أوباما ان الاسد تجاوز كل حدود الجريمة باستخدام الكيميائي، لكنه يتجاوز كل حدود الانكفاء، حتى دمشق تتهمه الآن بالضعف والتردد والسوريون يقولون انه جبان… لكنني أقول: رحم الله القتلى في زمن باراك “أوماما”!

النهار

لو سار أوباما على خطى بوش/ اوكتافيا نصر

حبس العالم أنفاسه ترقّباً لخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما لمعرفة الموقف الرسمي للولايات المتحدة من التدخّل العسكري في سوريا. إذا لم تكونوا منهمكين خلال الأسبوع الماضي في التعليق على الوضع وتحليله واكتفيتم بالمراقبة، فغالب الظن أنكم توصّلتم إلى الاستنتاج الآتي.

صُوِّر الأمر وكأنّ الولايات المتحدة تستعدّ لشن حرب ضارية على سوريا وشعبها من دون سبب محدّد. تحوّل القتلى والمصابون والمبتورو الأعضاء والنازحون مجرّد أرقام لا أهمية لها، وتقدّمت القومية العربية إلى الواجهة وسيطرت على الجميع. تدفّقت التعليقات الداعِمة لسوريا من كل حدب وصوب، مع العلم بأنه طوال سنتين ونصف سنة، لم نسمع تعليقات متحمّسة بالدرجة نفسها للتنديد بالرئيس بشار الأسد الذي زجّ سوريا في حال الفوضى التي تتخبّط فيها حالياً. لم نسمع تحسّراً على خسارة الأرواح والأرزاق في بلد يُعتبَر جاراً وشقيقاً في الوقت عينه، بل اكتفاء بالتنديد بأي تدخّل أجنبي في سوريا، وكأن هذه لا تزال الحصن المجيد كما في السابق، وكأنها لم تشهد مجزرة جماعية وحرباً كيميائية!

داخل سوريا، تهافتت العائلات على شراء المواد الغذائية والسلع، وفي إسرائيل وقف الناس في صفوف طويلة أمام مراكز توزيع الأقنعة الواقية من الغازات السامّة. ونقل الأردن مقاتلاته إلى العقبة، واستعدّ لبنان لاستقبال مزيد من اللاجئين فيما انتظر مقاتلو “حزب الله” صدور الأوامر للزحف في اتجاه سوريا كما وعدهم الأمين العام للحزب.

وأظهر الخبراء الذين ينتقلون من محطة تلفزيونية إلى أخرى، ثقة كبيرة بالنفس فيما راحوا يتوقّعون اليوم، لا بل الدقيقة التي سيبدأ فيها “الهجوم”، وكم سيدوم، ونطاقه، من غير أن تكون لديهم أي معرفة بنوع “التدخّل” أو بأهدافه القصيرة والطويلة الأمد. بدا العالم طوال أسبوع كأنه حديقة حيوانات من دون رؤوس؛ كثيرٌ من الآراء إنما من دون مضمون جوهري. وكان يجب التفتيش جيداً للعثور على المحللين النادرين والمتّزنين الذين لا يزرعون الإرباك والخوف في نفوس الجماهير المتعطِّشة الى الحرب.

وقد نجحت آلة البروباغندا، بطريقة ما، في جعل كثر في المنطقة العربية ينسون ما عاناه الشعب السوري في الأشهر الثلاثين الاخيرة، ناهيك بالهجوم الكيميائي الذي جعل الولايات المتحدة تتنبّه لمسؤوليتها الأخلاقية. تحوّل النقاش هجوماً على التدخل الأجنبي في سوريا.

لطالما تساءلت، ترى هل نشاهد جميعنا المجازر نفسها، والانقسامات نفسها، والدمار نفسه، والمأساة البشرية نفسها التي يتحمّل السوريون وطأتها منذ عام 2011؟ ألم نلاحظ أن الغرب التزم الصمت حيال التصعيد المأسوي في سوريا؟ ألم نسمع السوريين، وخصوصا في الداخل السوري، يشتكون بألم من أن الغرب لم يحرّك ساكناً لمساعدتهم؟

كلا، لم يأتِ القرار الأميركي حول سوريا من العدم. كانت مداخلة أوباما عن سوريا واضحة جداً. فقد كشفت المخططات التي يضمرها خصوم الرئيس الأميركي للعالم. كما أنها فضحت أولئك الذين يريدون “الحرب” ايا يكن الثمن.

قال القائد الأعلى للقوات المسلحة الأعتى في العالم: “يتعين على الولايات المتحدة القيام بعمل عسكري ضد أهداف تابعة للنظام السوري”. وأضاف رئيس الديموقراطية الدستورية الأقدم في العالم، أنه سيسعى للحصول على موافقة الكونغرس التي سينالها على الأرجح بعد المناقشات.

إلا أن هذا السلوك المتّزن والمتحضّر أثار استهزاء كثرٍ حول العالم بما في ذلك داخل الولايات المتحدة.

لا يسعنا سوى أن نتخيّل الغضب الشديد الذي كان لينفجر لو أن أوباما سار على خطى جورج دبليو بوش وشنّ الحرب من دون استراتيجيا واضحة ولا خطة للخروج. المفارقة هي أنه يبدو أن هذه كانت أمنية كثيرين، في صفوف الأصدقاء والأعداء على السواء!

النهار

بشأن المستجدات في الوضع السوري/ شادي الخش

في ظل التطورات الأخيرة، التي يشهدها الوضع السوري والذي ذهب به نظام الاسد بعيدا بالتطرف في إستخدام الآلة العسكرية، بكل أشكالها وأنواعها وآخرها كان استخدام الاسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، والتي نتج عنها ابادة قرى بأكملها، ووفق الحصيلة المبدئية والتي مازالت تزداد فإن اعداد الشهداء قد بلغت مايقارب الألف وستمائة شهيد، معظمهم من الاطفال والنساء وكبار السن، اضافة الى استخدامه الفوسفور الابيض الحارق في مناطق حمص وادلب، وغيرها من الاسلحة التي تعتبر اسلحة ابادة شاملة، تسبب مجازر تزداد كل يوم وعلى مدار الساعة، كثفها النظام السوري في الآونة الأخيرة في معظم المناطق السورية، وخاصة بعد الحديث عن مؤتمر جنيف اثنان وبعد استهداف مناطق ريف اللاذقية وطرطوس ذات الاغلبية المؤيدة له، والتي لم تشهد احداث تذكر إلا في بداية الثورة السورية، اضافة الى الضغط الكبير الذي شكلته قوى الجيش الحر على دمشق وتمركزها بأعداد كبيرة في الغوطة الشرقية والغربية والتي كانت هدف الضربة الكيميائية.

كل هذا أدى لوضع المجتمع الدولي وعلى رأسه واضعو الخطوط الحمراء الاميركان والفرنسيون والأتراك والبريطانيون، في مأزق انساني وأمني وأخلاقي وصار لزاما عليهم وبعد مرور ثلاثين شهرا على الصراع الدائر في سوريا، وأعداد الضحايا التي فاقت المئة الف انسان، ان يثبتوا انهم قادرون ولو شكلياً على حماية القانون الدولي، ومعاقبة من يعمل على خرقه، وخاصة بموضوع استخدام الاسلحة الكيميائية المحرمة دولياً، والتي تشكل تهديداً مرعباً لأمن دول الجوار وخاصة اسرائيل، وتعزز المخاوف من ان يقوم النظام السوري بإستخدامها على نطاق ابعد من حدوده.

اضافة الى ان استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه بل وتفاقمه وازدياد تأثيره خارج الحدود السورية اصبح بشكل حقيقي مسألة تحتاج الى تحرك فاعل من المجتمع الدولي متمثلا بالدول العظمى ودول الجوار اضافة الى دول الخليج العربي.

هذا من ناحية، اما من ناحية مقابلة، فإن تمركز قوات كبيرة للقوى المتطرفة في سوريا، وازدياد خطرها وقدرتها على الضرب والسيطرة داخل الاراضي السورية، والذي فُتح له المجال على مصراعيه من كل دول الجوار، والتي سمحت وعن عمد بمرور كل هذه الفصائل ومن جنسيات متعددة الى الأراضي السورية، وتحويل سورية الى مصيدة لجذب كل متطرف وذي فكر تكفيري من انصار القاعدة الى كل التنظيمات الجهادية التكفيرية، جعل من امكانية ضرب كل هذه القوى مجتمعة مغنماً عظيماً بالنسبة للدول التي تتصدر قائمة الدول المحاربة للإرهاب، ويفتح شهية كل متتبع لهم في كل اصقاع الارض فما بالنا ونحن نراهم قد تجمهروا في سورية وتجمعوا فيها آتين من كل حدب وصوب.

كل ماسبق مهد وبشكل كبير للتفكير بجدية، والبدء بخطوات فعلية للقيام بحملة عسكرية غير برية لتأديب النظام السوري، وبنفس الوقت انهاء ما أمكن من المجموعات التكفيرية المتطرفة وعلى رأسها القاعدة وأذيالها.

وهذا ما بدأت تتضح ملامحه، من التحركات التي تقودها الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية من خلال جولات واجتماعات مكوكية، كان آخرها اجتماع عمان الذي ضم قادة أركان لإثنتي عشرة دولة معنية بشكل مباشر بالملف السوري، والذي نوقشت فيه كل الإحتمالات الناتجة عن القيام بمثل هذا التصعيد العسكري الخارجي ضد نظام الاسد.

وقد باشرت فعلاً الولايات المتحدة بإجراء عملي مباشرة بنشر مجموعة من المدمرات التابعة لاسطولها البحري في المتوسط، اضافة للإستعدادات العسكرية المكثفة في تركيا، سواء من الجانب التركي او من الجانب الاميركي في قاعدة انجرليك الاميركية في تركيا، هذا اضافة الى التحركات المكثفة للجيش الفرنسي والبريطاني من تهيئة لقطع كبيرة من اسطولها الحربي.

على صعيد آخر نشهد تحركات عسكرية اسرائيلية مكثفة على طول الحدود السورية، من نشر لبطاريات صواريخ دفاعية وهجومية بشكل كثيف ورفع درجة التأهب في الجيش الاسرائيلي، وتقدم قوات كبيرة منه بإتجاه الحدود مع سوريا ولبنان والاردن، تحسبا لاي تطورات تحصل في حال تنفيذ الضربة العسكرية الدولية على سوريا.

هذا كله على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي فقد حدثت تطورات خطيرة جدا، وربما مفاجئة لبعضهم، أبرزها كان من راعيِّ نظام الأسد وداعميه اولها تصريح لواحد من كبار القادة الإيرانيين يقول فيها: بأن النظام السوري من الممكن ان يكون قد استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه. وهذا التصريح بحد ذاته يعتبر مؤشراً على رفع ولو محدود للغطاء الذي كانت تشكله ايران للنظام الأسد.

ومن الجانب الروسي اتت الصفعة الاعنف، بتصريح وزير خارجيتها لافروف بأن روسيا لن تدخل حرباً مع اميركا في حال قررت الأخيرة وحلفائها توجيه ضربة عسكرية، وهذا ما اعتدنا عليه من الجانب الروسي عبر كل القضايا المشابهة فهو متمرس بالتخلي دائما عن حلفائه عندما يحين وقت الجد، او يُدفع له ثمن سكوته وتخليه عن مواقفه.

ولم تكتفي روسيا فقط بتصاريح سياسية عبر وزير خارجيتها، بل ارسلت الطائرات نفسها التي كانت تحمل الأسلحة والمعدات للنظام السوري لمعاونته على قتل شعبه، ارسلتها هذه المرة لإجلاء ما تبقى من مواطنيها ورعاياها من على الارض السورية، وبدأت الاستعدادات الفعلية لإخلاء قواعدها في طرطوس وبانياس، بما فيها المحطة الروسية العائمة، والتي تعتبر من اكثر المحطات اهمية لها في سوريا، بسبب الدور الذي تلعبه في السيطرة والبحوث المتعلقة بالمخزون الهائل من الغاز قبالة الساحل السوري، والتي اعتقد بأنه اذا ما كان هناك سبب رئيسي للتوافق الروسي الاميركي حول الملف السوري، فهو وصولهم لإتفاق توزيع حصص الغاز بينهما، اضافة للتوافقات حول نتائج هذه الضربات، والتي من الممكن جدا ان لا تكون بهدف اسقاط نظام الاسد، بل لجعله اقل قدرة على الاستمرار، وتقصير عمر الصراع، اضافة الى تدمير ما تبقى من البنية التحتية لبعض المدن السورية التي لم تطالها آلة النظام العسكرية.

ومن جهة اخرى تدمير جزء من القدرة العسكرية للنظام وإجباره بشكل حقيقي على الدخول في مفاوضات السلام، التي ليست بالضرورة هادفة لإنهائه، بل لإعادة رسم الخارطة السياسية السورية وفق ما يتوافق مع المصالح الدولية اولاً، السورية ثانياً.

المستقبل

أوباما والمعضلة السورية/ كاثلين باركر

يستيقظ الرئيس الأميركي باراك أوباما من نومه مبكرا، ثم يغتسل بالماء ويستعد لحلاقة ذقنه وهو يمسح البخار من على المرآة وعلامات التجهم على قسمات وجهه وهو يقول لنفسه: يا للأسى، أبدو أكبر من سني الحقيقية، واشتعل الرأس شيبا. وهنا ترد عليه صورته في المرآة قائلة: هدئ من روعك، فشعرك الأبيض يجعلك تبدو أكثر تميزا، ولا يمكنك أن تشن حربا من دون أن يبدو عليك قليل من مظاهر القلق. ويضحك أوباما، ثم يقول لنفسه: حتى ضحكتي تبدو وكأنها ضحكة رجل عجوز. أنا رئيس الولايات المتحدة الأميركية وزعيم العالم الحر!

وترد عليه صورته قائلة: عليك بتكرار تلك الكلمات، فربما يمكنك تصديقها في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي نجح فيه باقي الرؤساء، ولكن ما المشكلة؟ لا شيء، إنها مجرد محاولة لإبقائكم على الأرض. إذن كيف ستسير الأمور الآن، بعدما تجاوز النظام السوري «الخط الأحمر» الذي حذرت من تجاوزه؟ هل ستتحرك بمفردك؟

وهنا يضع أوباما يده على ذقنه ويتساءل: ماذا حدث بحق الجحيم؟ ما المشكلة مع ديفيد كاميرون؟ ألا يمكنني الاعتماد على أي شخص؟ أولا، لا يستطيع رئيس مجلس النواب جون بوينر الحصول على أي شيء من الأعضاء السذج في حزب الشاي! والآن، أعلن البريطانيون أنهم لن يذهبوا معي إلى سوريا. أين توني بلير عندما أكون في حاجة إليه؟ ربما يتعين عليّ أن أكون كاثوليكيا مثله، حتى يمكنني إبداء الندم والقول إنني أخطأت، ولكني في نهاية الأمر أعتقد أنني قمت بما رأيت أنه الأفضل!

وترد عليه الصورة قائلة: ولكنك حصلت على دعم الفرنسيين، ألا يكفي هذا؟ ويقول أوباما إن ذلك بالطبع سيثير الرعب في قلب الأسد، قبل أن تقول الصورة: لقد شن بلير وبوش حربا على العراق على الرغم من عدم وجود أسلحة دمار شامل، ولكننا رأينا، على الأقل، أن الأسد لديه أسلحة كيماوية قد استخدمها بالفعل ضد شعبه. ألم ترَ صور الضحايا المروعة؟ ألم تسمع عن وزير الدفاع الأميركي الأسبق كولن باول، فربما يمكنه مساعدتك في تلك المشكلة؟

ويضحك أوباما بصوت مرتفع، ويقول: لا لم أسمع عنه! لا بد أنني مريض! لديّ رغبة مفاجئة بالحديث مع دبليو بوش، بعدما تورطت في الحديث عن «الخط الأحمر»؟ ولكن لماذا يتعين علينا دائما الحديث عن الألوان؟ أشعر أنني شخص ساذج. أنا لست من نوعية الرؤساء الذين يتخذون قرار الحرب، ولكني من الرؤساء الذين يسعون لإنهاء الحروب، وحتى لو اضطررت للهجوم فأنا أعتمد على الطائرات من دون طيار وليس صواريخ كروز! أنا أسعى فقط لعلاج المرضى ومساعدة الفقراء هنا أو هناك. أشعر أنني سأتقيأ بعد رؤية كل هؤلاء الضحايا من الأطفال، يا إلهي!

وهنا يخترق صوت سيدة باب الحمام المغلق، إنه صوت ميشيل أوباما، التي تقول: ما الذي تفعله هناك؟ لقد أصبح الطعام باردا. وهنا ينظر أوباما إلى صورته في المرآة وهي تقول له: انظر سيدي الرئيس، إنك تقسو على نفسك أكثر مما ينبغي، وليس لديك خيارات جيدة. ربما لم يكن يتعين عليك التحذير من تجاوز «الخط الأحمر»، ولكن من كان يعرف أن الأسد سيتجاوزه بالفعل؟ وبالمناسبة، دعنا نستمتع بتلك السخرية، فأصدقاؤك في الحزب الجمهوري الذين كانوا يشعرون بالصدمة والرعب، هم من يطالبون الآن بتوخي الحذر! هم الآن من يطالبون بموافقة مجلس الأمن! هم من أصبحوا فجأة بحاجة إلى دليل قاطع على أن الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية! ألم يكن هذا الشك موجودا عندما قمنا بغزو العراق؟

ويرد أوباما قائلا: حسنا، كل ما يمكننا تعلمه من ذلك الفشل الذريع، هو أنه مهما كانت نوايانا جيدة ونحن ذاهبون للمعركة فلا يمكننا السيطرة على ما سيحدث في اليوم التالي. إنها تلك التصريحات اللعينة التي حذرت فيها من تجاوز «الخط الأحمر»، ولكن كل ما قلته هو أن هذا التجاوز ستكون له عواقب وخيمة وأن الأسد سيحاسب على ذلك! هذا لا يعني أن أقوم بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا أو أن أشعل حربا عالمية – تفضلها روسيا وإيران وحزب الله. أن أكون مبالغا في تلك الخدعة أفضل من أن أتسبب في إراقة مزيد من الدماء والدخول في حرب لا نهاية لها مع شعب سوف يكرهنا مهما كانت النتائج. ومن يعرف ما هي نتيجة تلك الحرب، في ظل عدم وجود دعم دولي؟

وترد الصورة على أوباما قائلة: ولكن ماذا عن الأطفال، سيدي الرئيس؟ وماذا عن تلك الصور المروعة، والمعاناة التي يعيشها الشعب السوري ومقتل 100 ألف سوري؟ وماذا عن مصداقيتك أنت؟

ويقول أوباما: أعرف كل هذا جيدا، ثم يضع المنشفة على ذقنه ويسرع إلى حجرته ويمسك بالهاتف ليتصل بالرئيس السابق جورج دبليو بوش، وهو يقول: جورج، هل يمكنك أن تعطيني من وقتك دقيقة واحدة؟

* خدمة «واشنطن بوست»

الشرق الأوسط

معاقبة الضرب بالكيماوي أم مكافأته؟/ عبد الوهاب بدرخان

مع أميركا أو مع سوريا، مع أوباما أم مع الأسد، مع الضربة العسكرية أم ضدها؟ أسئلة من هذا القبيل تتوالى هذه الأيام، وتذكرنا بتجارب سابقة، قاسية بتطرفها وبالانقسامات التي تزرعها.

ما الحاجة إلى أميركا أو سواها إذا لم تكن أوضاعنا ذاتها هي التي تستدعي هذا وذاك إلى التدخل. في عام 1990 كان رفض التدخل يعادل الموافقة على أن يبتلع صدام الكويت، وفي عام 2011 كان يعني تفويض القذافي سحق الشعب الليبي. ومنذ عام 2011 أيضاً كان يجيز لبشار أن يقتل بما يناسب مزاجه حتى وصل إلى مرحلة إبادة الشعب بالغازات السامة.

هذا هو الخيار إذاً بين مصيرين أفضلهما سيئ، لكن الآخر أكثر سوءاً ليس هناك عقل سليم يستسيغ التدخل الخارجي لتحديد مصائر الشعوب والبلدان والأنظمة. أما العقل الذي يتقبل أن يضرب نظام شعبه بالسلاح الكيماوي ولا يقر بضرورة ردعه ومعاقبته، فهل يمكن أن يكون عقلاً سليماً.

لا شك أن مرحلة الحراك العربي لا تنفك تكشف لنا بعضاً من الكثير، الذي كان مدفوناً في أعماقنا حتى بتنا محكومين بتطرفين لا وسط بينهما، فكل شعب صار شعبين، ولكي يبقى الشعب واحداً يجب أن يزول الآخر، هذه خلاصة نصف قرن ونيف من الأنظمة والسياسات التي ولدت خطأ واستمرت خطأ وانتهت خطأ، فإذا بالشعوب تتخبط بالأخطاء من بعدها.

أخيراً لاح التدخل الخارجي الذي طلبه نظام الأسد منذ الخطاب الأول عن «المؤامرة»، ومنذ الرواية الأولى عن «العصابات»، إذا لم تكن هناك مؤامرة فإن عقل هذا النظام وآلة القتل التي يحركها لا يستطيعان أن يعملا. ولو لم تكن هناك مؤامرة لوجب اختراعها، فهذا نظام «متصالح» مع شعبه ولا يمكن أن تأتيه المتاعب إلا من الخارج، لأن الداخل – أي الشعب – موجود وغير موجود في آن، ولم يرد ولا مرة في حساباته التي كانت دائماً خارجية، والواقع أنه منذ منتصف عام 2011 لا يفعل شيئاً آخر غير مغازلة «المؤامرة» لإغرائها بالتوغل، بدأ برفع منسوب القتل وارتقى إلى القصف ثم إلى التدمير فالمجازر المتنقلة والمرفقة بملايين المهجرين والمشردين وصولاً إلى سياسة الأرض المحروقة فالإبادة بالسلاح الكيماوي.

من تصعيد إلى تصعيد، كان نظام الأسد يخاطب الدول الضالعة في «المؤامرة» التي يتخيلها ويديرها ويقوم بأبرز أدوارها تحقيقاً لأهم أهدافها: تدمير سوريا شعباً وعمراناً واقتصاداً، وإضعافها دولة ومؤسسات وجيشاً، وتمزيقها استعداداً لإعمال سكاكين الجراحة في خريطتها، تلك الأهداف التي يدعي من رتبها فيما يبذل كل شيء لتلبيتها، كان يخاطب الخارج لإقناعه بتجديد الثقة به حاكماً قادراً على تطبيع الوضع في سوريا، متجاهلاً أن الخارج تغير ولم يعد وارداً أن يعتمد عليه بعدما أوغل في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية فخسر بالتالي إمكانية إعادة تأهيله.

إذاً ها هو الاستحقاق الدولي يوشك أن يضرب، وها هو النظام يبدأ رقصته المعتادة احتفالاً بالانتصار على العدوان حتى قبل أن يبدأ يحتفل لأنه أعلم مستبقاً بأن الضربات لا تتوخى إسقاطه بل إيلامه، وطالما أنه باقٍ فليس أمامه سوى امتصاص الوجع واحتوائه، وهو معتاد على ذلك إلى حد أنه يعتبره رياضته المفضلة، من قبيل أن الضربة التي لا تقتلك تقويك.

وفي حال نظام الأسد، فإن الضربة لن تقويه بل ستجعل وحشيته متفلتة وعارية، لكنها بالتأكيد ستقوي حلفاءه، روسيا وإيران و«حزب الله» الذين سيتعرّفون مجدداً إلى الحد الأقصى لما تريده الولايات المتحدة وتعتزمه. أي أن شيئاً لن يدعوهم إلى تغيير سياساتهم، بل إن الضربات قد تفتح لهم بعض الهوامش لتوسيع تلك السياسات والإصرار عليها طالما أنها تنجح في تحدي أميركا.

لم يبد حلفاء النظام السوري، أي اهتمام بكون استخدام السلاح الكيماوي جريمة، بل انشغلوا بنفي أن يكون حليفهم متورطاً فيها، وتحولوا أبواقاً لترويج روايات عن أن فصائل في المعارضة تملك الكيماوي، وتضرب به مناطق للمعارضة، لكنها روايات تشبه كل ما نسجه النظام منذ بدايات الصراع ناسباً ارتكاباته إلى معارضيه، إذا استطاع أي فصيل متطرف الحصول على مواد كيماوية من دون معرفة النظام، فإن بضع عشرات من الأجهزة الاستخبارية ستعلم قبل أن يعلم النظام نفسه.

الاتحاد

هل لدى اوباما دوافع اخلاقية في تأجيل ضربة سورية؟

قرار الرئيس الامريكي باراك اوباما يوم السبت الماضي تأجيل التدخل العسكري ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد واحالة القرار الى الكونغرس، فاجأ زعماء العالم، باستثناء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تلقى اتصالات قبل القرار باربع ساعات، واذا كانت التقارير الاسرائيلية تتحدث عن اطلاعه على قرار التأجيل، لكن ليس من المستبعد ان يكون القرار بحد ذاته نتيجة هذه المحادثة التي تعبر عن التنسيق العميق بين الدولتين.

تبع هذا التنسيق قيام الجيش الاسرائيلي بتسريح جنود الاحتياط الذين استدعاهم الاسبوع الماضي، كما بدأ باعادة نشر منظومة ‘القبة الحديدية’ الى ما كانت عليه قبل رفع حالة التأهب.

وفيما تعرض اوباما لسيل من الانتقادات لتردده وتلكؤه، تلقى اشادة هامة من الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس لانضباطه وعقلانيته، مؤكدا بانه يثق به بكل ما يتعلق باسرائيل.

تصريحات بيريس يوم امس للاذاعة الاسرائيلية وقوله ان الوضع في سورية لن يعود الى ما كان عليه قبل نشوب الحرب فيها، دليل على ان اوباما وطبعا المحرض اسرائيل، لا يهتمان الا بانهاء قدرات سورية على تهديد اسرائيل، وليس الشعب السوري وما يتعرض له. فاليوم من الواضح ان الرئيس اوباما ينظر للشرق الاوسط من المنظار الاسرائيلي.

الادارة الامريكية اكتفت خلال الثلاثين شهرا الماضية، بالمراقبة الدقيقة لهجمات الاسد، ولم تقدم على اي تدخل طالما لا تؤثر اجراءاته على اسرائيل، وطالما لا يوجد حسم عسكري، فلا قوات النظام السوري استطاعت انهاء المعارضة، ولا قوات المعارضة ستنهي حكم آل الاسد، والخاسر الوحيد اليوم هو سورية وشعبها، الذي فقد اكثر من مئة الف شخص منذ بداية الثورة.

فحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الانسان، قتل 101513 سوريا منذ آذار/مارس 2011، وحتى تاريخ 21 آب/اغسطس الماضي، تاريخ المجزرة الكيماوية في الغوطتين بريف دمشق. وحسب الشبكة فان هذه الارقام موثقة بالاسم والمكان والتاريخ وكيفية قتلهم. وتضمن التقرير ارقاما مفزعة، منها ان عدد القتلى من المواطنين المدنيين بلغ 89 ألفا و664 اي ما نسبته 88′، وعدد الاطفال بلغ 10 آلاف و914 طفلا اي ما نسبته 12′ من المدنيين، بينما قتل 9911 امرأة بنسبة 11′، اضافة الى مقتل 2964 جراء التعذيب في السجون. وهذه الارقام تشير الى مقتل 6 مواطنين كل ساعة و135 مواطنا كل يوم، بحيث يقتل كل ساعتين طفل وكل ثلاث ساعات تقتل امرأة.

امام كل هذه الارقام التي يعرفها الرئيس الامريكي، ما زال يؤكد على خططه بتوجيه ضربة محدودة لا تنهي قدرات الرئيس الاسد على مواصلة القتل والتدمير، بل تقضي على ما تبقى من ترسانته العسكرية التي قد تهدد اسرائيل، وهو ما قد يقبل الاسد على دفعه مقابل الحفاظ على قدرته على مواصلة الحرب في الداخل، خاصة وهو يدري ان امريكا ليست جاهزة لليوم التالي بعد رحيله.

يحاول الرئيس اوباما الحصول على شرعية للضربة العسكرية للنظام السوري من الكونغرس، وربما يأتي تراجعه عن قرار التدخل الا باذن من المشرعين ضمن جهود تستهدف تحقيق توافق دولي على الرد على استخدام الاسلحة الكيماوية، وهو ما يثير دهشة الشعوب والمسؤولين في العالمين العربي والاسلامي، فالادارة الامريكية وعلى مدى 65 عاما تتعاطى مع القضية الفلسطينية وهي تغض النظر عن الانتهاكات للقرارات الدولية التي ترتكبها اسرائيل حليفها الاول واكبر متلق للمعونات الامريكية.

موقف امريكا يثير من جديد الشكوك بسياستها تجاه منطقة لديها بها مصالح حيوية، ولا تقررها الا من خلال مصلحة اسرائيل، فهل يستطيع اوباما اقناع العالم انه يتحرك لدوافع اخلاقية وانسانية وبموجب متطلبات القانون الدولي، اذا كان تعاطيه مع القضية الفلسطينية لا ينطوي على اي احترام للقانون الدولي؟

القدس العربي

سوريا المستهدفة وليس النظام/ هاني المصري

بالرغم من أنّ العدّ العكسيّ للحرب الأميركيّة الإسرائيليّة التركيّة «العربيّة» على سوريا قد بدأ، إلا أنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلن في اللحظة التي كان من المتوقع فيها اندلاع الحرب إنه سينتظر قرار الكونغرس الأميركي، مع أنه ليس بحاجة إلى تفويض منه.

جاء تأجيل الحرب على الرغم من إعلان أوباما أنه قرر الحرب ولن يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن ولن ينتظر تقرير المراقبين الدوليين، برغم نشر وكالة «أسوشييتد برس» خبرًا نقلاً عن معارضين للنظام السوري أن بعض عناصر المعارضة هي التي استخدمت السلاح الكيماوي عن طريق الخطأ.

لقد أدى تأجيل الحرب، الذي قد يصل إلى الامتناع عنها في حال التوصل إلى صفقة أميركيّة روسيّة، إلى ثورة غضب عارمة إسرائيليّة ضد أوباما، فقد اتهمت أوساط إسرائيليّة متعددة أوباما بأنه جبان ولا يريد الحرب، وإذا كان يخشى الحرب ضد سوريا، فكيف سيحارب إيران؟

جاء في صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيليّة، أن إسرائيل هي العقل المدبر والمحرك الرئيسي للحرب برغم أنها لن تشارك فيها، لا في بدايتها ولا في نهايتها، إلا إذا تعرضت إلى اعتداء، لدرجة أن قادة إسرائيليين انتقدوا نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيليّة، وطلبوا منه عدم الظهور بمظهر القائد للحرب، حتى لا تدفع إسرائيل ثمنًا باهظًا مقابل ذلك.

ما الذي أدى إلى تأجيل الحرب، وهل سيؤدي إلى إلغائها؟

إن العامل الأبرز الذي أدى إلى تأجيل الحرب أن نتائجها غير مضمونة والعواقب التي تنجم عنها قد لا يمكن السيطرة عليها.

فالإدارة الأميركيّة تحدثت أكثر من مرة أن الحرب التي ستشنها ستكون محدودة، ولن تستهدف إسقاط النظام، وإنما عقابه، والحد من قدرته على استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، وستحاول تدمير هذا السلاح حتى لا يستخدم مرة أخرى، وحتى لا يقع في أيدي أطراف قد تستخدمه ضد إسرائيل. فأمن إسرائيل وتأمين النفط هما الهدفان الرئيسان من الحرب، أما الحديث عن الإنسانيّة والأخلاق وحقوق الإنسان فما هي سوى دعاية رخيصة لا تنطلي على أي إنسان عاقل، لأن المصالح لا البحث عن العدالة هي التي تحرك أميركا والغرب الاستعماري، وإذا لم يكن الأمر كذلك لوافقت الإدارة الأميركيّة على الدعوات المتعددة، بما فيها دعوة سوريّة سابقة، إلى الاتفاق على حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، فهذه الدعوات لم تتحقق، لأن حكام واشنطن يريدون استثناء إسرائيل وتمكينها من الاحتفاظ بكل أنواع أسلحة الدمار الشامل، الكيماويّة والنوويّة، وغيرهما.

«أن تكون الحرب محدودة» هذا وصف غير محدد بالضبط، لأنه إذا كان يشمل مثلاً تدمير المراكز الحيويّة للقوة السوريّة، بما في ذلك المطارات، ومنصات إطلاق الصواريخ، ومراكز القيادة والسيطرة والاتصالات، فهذا يعني أنها ستخلف نظامًا سوريًّا معرضًا للانهيار السريع، وهذا أمر قد يدفعه للرد على الحرب برغم أنها محدودة، لأنه سيظهر في هذه الحالة لأول مرة كنظام مقاومة وممانعة يقارع الولايات المتحدة الأميركيّة وحلفاءها وليس أذنابها فقط، وهذا قد يدفع حلفاءه، خصوصًا «حزب الله» إلى ضرب إسرائيل في محاولة لتوسيع الحرب لضمان وقفها أو لمنعها من تحقيق أهدافها.

وإذا كانت الضربة محدودة، بمعنى أنها ليست أكثر من ضربة رمزيّة يتم الاتفاق عليها وعلى حدودها وما بعدها بين موسكو وواشنطن، فإنها ستستهدف في هذه الحالة حفظ ماء وجه الرئيس الأميركي وإدارته، التي تبدو في موقف حرج بعد أن تم تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته أكثر من مرة من دون أن تفعل شيئًا، وبعد أن رفض مجلس العموم البريطاني مشاركة بريطانيا الحليف الأبرز للولايات المتحدة بالحرب، الأمر الذي أضعف كثيرًا من ادّعاء شرعيّة الحرب، خصوصًا أن معظم بلدان أوروبا أعلنت إما أنها لن تشارك برغم تأييدها للحرب، أو تعارض الحرب إذا لم تحصل على تفويض من مجلس الأمن.

إذا ضمنت الولايات المتحدة الأميركيّة نتائج الحرب فلا يهمها كثيرًا من سيشارك معها، ولكنها لا تضمن الحرب وتخشى التورط فيها، بحيث لا تستطيع وقفها، خصوصًا أن النظام السوري لديه حلفاء أقوياء لا يمكن أن يفرّطوا به بسهولة، يقف على رأسهم روسيا والصين وإيران، وانضمت إليهم، بشكل أو بآخر، مؤخرًا مصر، وما يعنيه ذلك من أن الغطاء العربي الذي قدمته الجامعة العربيّة للحرب مخروق ومشكوك فيه كثيرًا.

إن قرار تأجيل الحرب مثله مثل أن تكون محدودة أغاظ إسرائيل وأردوغان والأطراف العربيّة المتحسمة لها، وسيغيظهم أكثر الامتناع عنها، حيث حذر أردوغان من أن الحرب المحدودة غير كافية، بل يجب أن يكون هدفها الإطاحة بالنظام، فهم راهنوا بكل ما يملكون على إسقاط النظام، وإذا صمد النظام بعد الضربة الرمزيّة أو من دونها فسيكون ذلك مقدمة لانتصاره القادم.

لا أعرف ماذا سيقول القرضاوي «مفتي البنتاغون» إذا لم تقع الضربة أو كانت رمزيّة، بعد أن أفتى بالاستعانة بالتدخل الأجنبي ضد ليبيا ومصر وسوريا، ويستخدم الدين بصورة فظّة خدمة لآرائه المنحرفة ومصالح أسياده من خلال القول «إن الله سخر الإدارة الأميركيّة للانتقام من النظام السوري وإحقاق الحق»؟ هل توقفت إرادة الله عن العمل في هذه الحالة أيها الشيخ؟

إن الهدف من الحرب إذا وقعت واضح وهو سوريا وليس النظام، والدليل أن الحرب في سوريا تحولت منذ زمن طويل إلى حرب إقليميّة دوليّة تغذيها إسرائيل، ودور الأطراف المحليّة فيها يتراجع باستمرار، لإضعاف سوريا وتقسيمها والقضاء على جيشها تمامًا، مثلما حصل في العراق، فلو كان الهدف تحقيق مصالح الشعب السوري وتمكينه من تحقيق إرادته في الحريّة والعدالة والديموقراطيّة والاستقلال، لما تم دعم حرب استنزاف داخليّة طويلة تدمر سوريا، ولوضعت أميركا والمجتمع الدولي كل ثقلهما من أجل دعم الأطراف الديموقراطيّة السوريّة المنادية بوقف الحرب، والتوصل إلى حل سياسي يقوم على تغيير النظام بوسائل سلميّة وديموقراطيّة عبر مرحلة انتقاليّة يتم فيها اختيار الشعب السوري لمن يمثله بكل حريّة، بعيدًا عن التدخلات الخارجيّة التي تريد فرض قيادة على مقاس المصالح الأجنبيّة، وإذا لم يتم ذلك فلتذهب سوريا إلى الجحيم.

إن رد الشارع العربي ليس في مستوى الخطر الذي يتهدد سوريا، لأنه منقسم بين الديني والعلماني، وبين العرب والأقليات، والمسلم والمسيحي، والسني والشيعي، والإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، وبين إعطاء الأولويّة للحرب مع إيران أو مع إسرائيل، في وقت تنشغل فيه البلدان العربيّة إما في صراعات داخليّة مدمرة، أو في العمل على إبقاء هذه الصراعات بعيدة عنها، ولو عن طريق إذكائها وحرفها عن طريقها الصحيح. طريق تحقيق الحريّة والعدالة والديموقراطيّة والاستقلال الوطني.

لقد لاحظنا كيف أن أميركا دفعت إلى إطالة الحرب الداخليّة السوريّة وعدم حسمها لكي تستنزف الجميع، وإلى عدم انتصار أي طرف، بحيث لا يقوى أحد بعد ذلك على تهديد إسرائيل؟

وإذا كانت سوريا هي المستهدفة، فنحن مع سوريا ضد كل من يحاول تدميرها وتقسيمها، من دون أن يعني ذلك أننا يجب أن نختار التحالف مع شيطان ضد الشياطين الأخرى. فمن يتحالف مع الشيطان مهما كان شكله ودوره سيصبح عبدًا له.

السفير

القرار المؤجّل أقسى من المعجّل؟/ سليمان تقي الدين

لم يتراجع الرئيس الأميركي عن قرار الضربة الردعية المحدودة لسوريا، بل أراد حشد التأييد لها في الداخل والخارج، وربما تعديل أهدافها وحدودها. واجه اعتراضات من حلفائه الغربيين، كما واجه تشكيكاً بجدوى العملية، وأسئلة عن تداعياتها. لكن تأجيل العملية العسكرية ليس انسحاباً أمام التهويل بالرد من أطراف عاجزة عن حسم معارك داخلية أو من قوى إقليمية تعرف تماماً حدود التوازنات العسكرية. وقد يكون احتمال ردود فعل على الدول المجاورة بشيء من الفوضى ممكناً بحيث يحتاط الأميركي وحلفاؤه لها، ولا يقتصر الأمر على «العملية النوعية» من بعد، ولو أنه يجزم بعدم الرغبة في خوض حرب برية.

كما أن تشابك القوى الإقليمية والدولية في الصراع على سوريا قد لا يجعل هذه الضربة المحدودة مدخلاً أو حافزاً لتسهيل الحل السياسي. والحرب الأهلية الدائرة بواسطة أطراف منظمة أو غير منظمة لا تلجمها عملية عسكرية ما دامت تملك معطيات جغرافية وديموغرافية وتستقطب جماعات حزبية من كل حدب وصوب دعماً لكلا الطرفين.

لم يخسر الرئيس الأميركي هيبة الدرع وهو يؤكد أنه يدافع عن «القيم والمبادئ الأميركية» ويدعو لمشاركة الشعب الأميركي وممثليه في اتخاذ القرار، على الأقل ليس أمام القوى الإقليمية. قد يكون حصل على عروض أخرى (تسليم السلاح الكيماوي) أو يدرس احتمالات أو بدائل أو خيارات أوسع. ما يُقال عن انكفاء أميركي عن المنطقة لم يكن صحيحاً وهي تؤكد ارتباط أمنها القومي بإسرائيل والنفط. وما يُقال عن تورطها وخسائرها في الحروب البرية تحاول تلافيه بواسطة تقنياتها العالية غير البرية وبحروب الواسطة. وفي كل حال، ازداد منسوب التوتر والصراع ولم ينحسر في المنطقة، وازدادت رقعة المواجهة والملفات والقضايا حتى صار تفكيكها وفصلها أكثر صعوبة من ذي قبل.

وخلافاً لكل ادعاء، فإن الوضع الميداني في سوريا ليس مرشحاً للحسم العسكري، ولا حتى ثبات بعض الأطراف على نفوذ معيّن. إن سوريا في حالة كارثة إنسانية تتفاقم وتشكل عبئاً ثقيلاً ليس فقط على الضمير العربي والعالمي بمآسيها، بل لها تداعيات مادية ملموسة في الإقليم كله، باستنزافه مادياً، وبنقل الفوضى إليه، وحتى بتغيير توازناته الديموغرافية.

إلا أن فكرة «التدخل لأسباب إنسانية»، وهي ذات مشروعية حديثة في القانون الدولي، لا تغطي الانحياز المتطرف للغرب في نزاع له بُعد إقليمي وليس محلياً فقط كما كانت الأوضاع في يوغسلافيا السابقة. فضلاً عن أن القرار الأميركي المعلن لم يكن يقدّم نفسه بهذه الطريقة بل هو يتصرف على أساس «عملية عقابية محدودة» من حيث نتائجها في مسار الحرب في سوريا وعليها.

هذه السياسة المواربة والمخادعة لا تخدم الحل السياسي بل تجلب المزيد من العنف والفوضى والمداخلات الخارجية. ولأن «المسألة السورية» باتت تختزل المصالح والصراعات المتشعبة في المنطقة والعالم، فمن العبث الاعتقاد بانسحاب أي طرف أو تسليمه بخسارة دوره فيها. فما تأجّل اليوم من إجراءات أو قرارات قد يصبح غداً أكثر قسوة وحدّة وشمولاً. ولقد كان لافتاً أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تفويض واسع من الكونغرس برغم صلاحياته الخاصة، ما قد يعني أنه يتهيأ لاحتمالات حربية أكبر وإجراءات لا تقتصر على العملية الردعية المحدودة. وفي الاتجاه نفسه، حين تستفتي حكومات الغرب برلماناتها وشعوبها نكون أمام عمل كبير محتمل وليس أمام قرار يجري تهريبه أو اتخاذه وكأنه لا يؤثر على أمن العالم وسلامته واستقراره اقتصادياً وسياسياً. فهل سيكون القرار المؤجّل أقسى من القرار المعجّل؟

السفير

الكونغرس سفينة نجاة أوباما/ حسين عبد الحسين

 في منتصف آذار الماضي، قدم عضو الكونغرس الديموقراطي، آليوت انغل، مسودة قانون بعنوان “تحرير سوريا”، دعا فيها الادارة الى تزويد الثوار بالسلاح، من دون تدخل عسكري اميركي مباشر. وفقاً للمعتاد، كان من المفترض ان يتقدم عدد من اعضاء الكونغرس من الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، لـ”رعاية” المشروع حتى يتم ارساله الى اللجان للمناقشة والموافقة، ثم احالته للهيئة العامة للمصادقة. لكن بعد اسبوعين، لم يكن قد تقدم لرعاية المشروع أي من أعضاء الحزبين، ما دفع برئيس “لجنة شؤون الاستخبارات”، السناتور الجمهوري مايك روجرز، الى وضع اسمه الى جانب اسم انغل، لانقاذ زميله من الحرج الذي وقع فيه بسبب الغياب التام لتأييد مشروعه.

 بهذه البرودة يتعامل الكونغرس مع الأزمة السورية منذ اندلاعها، وهو ما يجعل من الضروري التساؤل حول  أسباب انعطاف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، واتخاذه قرار العودة الى الكونغرس نفسه، بعدما كان يصر البيت الابيض أنه سيقوم بتوجيه ضربة الى سوريا من دون المرور بالكونغرس.

مصادر البيت الابيض تفيد بأن أوباما اتخذ قراره لوحده، ثم ابلغه لعدد من مستشاريه، واعلنه امام فريقه للأمن القومي، قبل ان يخرج لاعلانه على الملأ. وتقول المصادر أيضاً إن أوباما قال لمستشاريه إن الحصول على دعم الكونغرس غير أكيد، نظراً لتفشي الخصومة السياسية بين مجلس النواب، ذي الغالبية الجمهورية، وأوباما الديموقراطي. لكن أوباما اضاف، حسب المصادر، إن موافقة الكونغرس على توجيه ضربة ضد سوريا من شأنها ان تسمح بحملة عسكرية اوسع، في حال اقتضت الحاجة.

 مستشارو أوباما قدموا، بدورهم، وجهة النظر المضادة بقولهم إن الفشل في الكونغرس من شأنه ان يضعف الرئيس سياسياً، وأن يقيد يديه عسكرياً، اذ حتى لو تمسك أوباما بصلاحياته الدستورية التي تسمح له بشن ضربة من دون موافقة الكونغرس، اي ضربة صوت ضدها الكونغرس، ستأتي حينذاك وسط ضغط سياسي كبير في الداخل.

لم يكترث أوباما للرأي المخالف، وقال إنه تشاور ورئيس الموظفين دينيس ماكدنو، المسؤول عادةً عن حشد تأييد الاكثرية في الكونغرس للمشاريع التي يتقدم بها الرئيس. بالفعل، وزع ماكدنو نص مشروع القانون الذي ارسله أوباما الى رئيس الكونغرس الجمهوري، جون باينر، لمناقشته والتصويت عليه.

 واستند مشروع قانون أوباما الى ثماني حيثيات، اولى اثنتين تشيران الى “ان الحكومة السورية قامت في 21 آب 2013 بهجوم كيماوي على ضواحي دمشق راح ضحيته اكثر من 1000 من السوريين الابرياء، وان العمل يعتبر تجاوزاً فاضحاً للاعراف الدولية وقوانين الحرب”.

 الحيثيتان الثالثة والرابعة تستندان الى قوانين ماضية سنّها الكونغرس، ويقتضي تطبيقهما توجيه ضربة الى سوريا، احداهما تنص على أن “الولايات المتحدة و188 دولة اخرى، تشكل 98 في المئة من سكان العالم، موقعة على اتفاقية الاسلحة الكيماوية التي تحظر تطوير وانتاج وحيازة وتخزين واستخدام الاسلحة الكيماوية”، فضلاً عن انه “بموجب  قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان للعام 2003″، والذي كان عرّابه انغل نفسه، بتنسيق مع رئيس التيار الوطني الحر ميشال عون، سبق أن رأى “ان حيازة سوريا لأسلحة الدمار الشامل تهدد امن الشرق الاوسط ومصالح الامن القومي للولايات المتحدة”.

 في الحيثية الخامسة، لفت مشروع أوباما الى “قرار مجلس الامن الرقم 1540 الصادر عام 2004، الذي أكد على ان انتشار الاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية يهدد السلم والأمن الدوليين”، فيما تركزت الحيثيات الثلاث الاخيرة على اعتبار أن “هدف استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية هو منع، وتعطيل، وتقليص القدرة على اي استخدام مستقبلي للأسلحة الكيماوية وأسلحة الدمار الشامل”. كما اعتبرت أن “حل الصراع في سوريا يأتي فقط من خلال تسوية سياسية، في وقت يدعو فيه الكونغرس كل اطراف الصراع في سوريا الى المشاركة بشكل عاجل وبطريقة بناءة في عملية جنيف”، وان “العمل الموحد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية سيرسل اشارة واضحة حول العزم الاميركي”.

 بناء على الحيثيات الواردة، وفقاً لنص مشروع القانون الجديد “يسمح الكونغرس للرئيس باستخدام القوة العسكرية بالطريقة التي يراها مناسبة وضرورية لمواجهة استخدام الاسلحة الكيماوية او اي اسلحة دمار شامل اخرى في سوريا”.

 وفيما سيباشر مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية ديموقراطية مؤيدة لأوباما، مناقشة المشروع للمصادقة عليه بدءاً من الاسبوع المقبل، تمهيداً لاحالته الى مجلس النواب الذي يعود من عطلته الصيفية الاثنين المقبل، من المتوقع ان يكون النقاش حامي الوطيس في مجلس النواب الذي يبلغ عدد اعضاؤه 435، منهم غالبية 233 من الحزب الجمهوري، و200 من الحزب الديموقرطي. إلا ان الانقسام يرجح ان لا يأتي هذه المرة حسب الاصطفاف الحزبي.

 داخل الحزب الديموقراطي عدد لا بأس به من النواب الذين يعارضون حروب اميركا في الخارج ويطالبون باستخدام الاموال داخلياً، وسيشكل هؤلاء تحدياً لزعيمة الاقلية الديموقراطية، نانسي بيلوسي، التي اعلنت تأييدها للضربة، ووعدت بتأمين أكبر تأييد ديموقراطي لها داخل الكونغرس.

 اما الحزب الجمهوري، فاعلنت قيادته نيتها عدم التدخل في التأثير في أصوات نوابها وفتح المجال لهم للتصويت حسب اختيارهم. الجمهوريون في الكونغرس منقسمون الى فصائل متعددة تجاه الحرب في سوريا، فئة منهم تعارض توجيه ضربة محدودة، وتطالب بحرب شاملة تطيح بالرئيس السوري بشار الاسد ونظامه، وفئة اخرى تؤيد الضربة المحدودة ولكنها ترغب في توجيه “لكمة سياسية الى انف أوباما”، حسب التعبير السياسي الرائج في الولايات المتحدة.

 كذلك، من بين فصائل الحزب الجمهوري قرابة 50 نائباً يشكلون كتلة “حفلة الشاي”، وهؤلاء مزيج من اليمين المسيحي والليبراليين، الذين يطالبون بتقليص دور الدولة الى ادنى مستوى ممكن داخلياً وخارجياً.

 نواب اليمين المسيحي، كانوا كرروا معارضتهم للحرب، بقولهم إن بقاء الأسد هو في مصلحة مسيحيي سوريا والمشرق ومصلحة امنهم، فيما عبّرت “عرابة حفلة الشاي”، المرشحة السابقة الى منصب نائب الرئيس، سارة بايلين، عن موقفها بالقول “لندع إله المسلمين يتدبر ما يحدث في سوريا”، في اشارة واضحة إلى أن هذه الكتلة تعتقد ان ما يحدث في سوريا شأن سوري ولا علاقة لاميركا به، بالرغم من تزايد عدد القتلى.

 بين كل هذه الفصائل، سينشط رئيس موظفي البيت الابيض ماكدنو ومساعدوه لحشد التأييد المطلوب لتمرير مشروع قانون حرب في سوريا، إلا ان التجربة الماضية لا توحي بالثقة. منذ مطلع العام الحالي، تكبد أوباما هزائم متعددة داخل الكونغرس، كان ابرزها سقوط قانون تنظيم السلاح الفردي الذي قدمه على اثر مجزرة مدرسة ساندي هوك. كذلك، تكبد الرئيس الاميركي هزيمة في مشروع قانون “تعزيز فرص العمل”.

 لماذا اذاً أخذ أوباما ضعفه الدولي وزجه في الكونغرس، حيث لاقى الرئيس الاميركي سلسلة هزائم في الاشهر الاخيرة؟ الاجابة متعددة الجوانب، ولكنها لا شك تتعلق بشخصية محام ناجح وخطيب باهر، ولكن برئيس صار كثيرون يعتبرونه بدرجة وسط.

المدن

سيهاجم دون أن يرغب/ الون بنكاس

ثمة في الشرق الاوسط، كما يتبين، خوف من الهجران يجد تعبيره باستياء واستخفاف بمن يهجره. فماذا يعني انه “اجل الهجوم على سوريا”؟ الا يخجل؟ واذا لم يهاجم؟ فهو بلا شخصية. انه لا يفهم حقا الشرق الاوسط. هكذا سيقولون. صحيح. فقط الاسرائيليون، السوريون، الفلسطينيون وباقي الجيران يفهمون الجمال الرائع لهذه المنطقة.

من يعتقد أن الرئيس اوباما “جبان”، “متردد”، “ليس زعيما” وباقي التعابير الحماسية التي ستنطلق اليوم (ولا سيما على ألسنة اولئك الذين اجتاحوا لبنان ثلاث مرات بحكمة سياسية عليا) لا يفهم اميركا 2013، الرأي العام الاميركي بعد الحرب في العراق وفي افغانستان، ويرفض أن يفهم باراك اوباما، الرجل والرئيس.

باراك اوباما لا يريد أن يهاجم سوريا. المنطقة التي تعرف بـ “الشرق الاوسط” اجتذبت اليها الكثير من الطاقات والمال والمكانة والصدقية الرئاسية الاميركية، المردود شبه صفري، والندوب لا تزال واضحة.

اوباما سيهاجم في سوريا، ولكنه سيفعل هذا لانه قيّد نفسه برسم خط أحمر للاستخدام بالسلاح الكيميائي، وليس حقا لانه يرى في هذا مصلحة اميركية. صحيح أنه تحدث عن “الامن القومي للولايات المتحدة”، ولكنه ببساطة لا يرى ميزة سياسية أو منفعة استراتيجية في مثل هذا الهجوم. انه سيفعل هذا بسبب الالتزام والضمير الاخلاقي. ومن لا تعجبه الترددات والتلبثات ملزم بأن يفهم بأن هذا يتعلق بالجدول الزمني وبالساعة الاميركيين وليس الاسرائيليين. الهجوم هذه الليلة أو في 10 أيلول سيان من ناحية الولايات المتحدة. ان قرار الرئيس طلب المصادقة من الكونغرس ليس مجرد مسألة دستورية تقع تحت نطاق “قانون صلاحيات اعلان الحرب” الذي سُنّ كدرس عن حرب فيتنام. عمليا، يمكن الرئيس بسهولة أن يطلع الكونغرس وعندها يعمل، او أن يطلعه بعد الفعل.

ولكن اوباما، الرئيس الذي انتخب ضمن امور اخرى كرد على التورطات في العراق وفي افغانستان، يطلب من الكونغرس ابداء المسؤولية. ان يكون شريكا، ان يتحمل نتائج قراراته. فلنرهم معترضين. اوباما يعرف بأن هذا سيقر.

كلمتا الرئيس كانتا كلمتي الرئيس ضمن اطار منصبه بصفته “القائد الاعلى للقوات المسلحة”، ليس مقاولا فرعيا لاسرائيل، تركيا، السعودية أو فرنسا لشؤون سوريا والمنطقة.

لقد عكس اوباما الموقف الحقيقي للولايات المتحدة. لا تريد، لا تسارع، لا تتحمس، لا ترى فائدة في عملية عسكرية ضد سوريا، لا تريد ورطة اخرى في الشرق الاوسط.

وملاحظة للحماية في اسرائيل. هل مؤكد ان عملية اميركية خير لاسرائيل؟ هل مؤكد؟

“يديعوت احرونوت” ترجمة “المصدر”

لا معلومات جديدة عن موقف الكونغرس حشد المدمرات يرجح إبقاء احتمال الضربة/ خليل فليحان

الانظار متجهة إلى الاتصالات الجارية في واشنطن وما اذا كان الكونغرس الاميركي سيتجاوب مع طلب الرئيس باراك أوباما ويدعمه في توجيه ضربة صاروخية عن بعد الى مواقع عسكرية سورية لمنع القوات السورية من استعمال السلاح الكيميائي ضد المدنيين، كما فعلت في الغوطة وأوقعت ضحايا بين قتلى وجرحى.

وذكّرت مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت “النهار” بأنه يفصلنا عن موعد انعقاد جلسة الكونغرس نحو ستة أيام ابتداء من اليوم الثلثاء، ولم تحمل التقارير الديبلوماسية الواردة الى بيروت اي معلومات تؤكد التجاوب مع طلب أوباما او تنفيه، وكل ما ينشر في وسائل الاعلام غير موثّق الى الآن. وأشارت الى ان فرنسا تنتظر ما سيقرره مجلسا النواب والشيوخ الاميركيان، ولن تبادر الى شن هجوم بمفردها، وهي في الوقت نفسه باقية على الحلف مع الولايات المتحدة الاميركية كما وعد الرئيس فرنسوا هولاند عند تحالفه مع أوباما، لجهة الاشتراك في قصف سوريا، وهناك قوة عسكرية فرنسية مرابضة في المياه الى حين اكتمال التنسيق مع الاميركيين سلبا او ايجابا.

ولفتت الى انه لا يمكن الجزم بأن طلب أوباما من الكونغرس الموافقة على الضربة العسكرية، يجب الا يعني صرف النظر عنها، بدليل ان حشد المدمرات لا يزال قائما حاليا، وان مدمرة جديدة تدعى “نيميتس” اتجهت الى البحر الاحمر وتعمل على الطاقة النووية. واشارت الى ان معارضي الضربة السورية كثر، فبعد بريطانيا جاء دور ايران التي تبرّع مسؤولوها باطلاق تهديدات، تارة من نواب الشورى وطورا من مسؤولين حكوميين او قادة عسكريين، يحذرون من خلالها أوباما من شن الضربة العسكرية نظرا الى ما سيكون لها من رد عسكري على اسرائيل وعلى المصالح الاميركية. والبعض نبّه الى ان تلك الضربة قد تشعل حربا اقليمية. وكثرت السيناريوات للرد عليها، فالبعض يتوقعها انطلاقا من الجنوب، والبعض الآخر من الاراضي السورية. وهناك سيناريو آخر يجري تداوله، هو قصف دولة عربية تستضيف قوة عسكرية اميركية في الخليج.

واستنتجت ان الضربة لم تلغ بعد، بدليل طرح تلك السيناريوات. كما ان الرافضين لها يكثر عددهم، وهذا يعني انه لم يصرف النظر بعد عن الخيار العسكري، وان المرحلة شديدة الخطورة وحساسة في وقت واحد. وما يلفت هو المناخ الجديد في الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة، لجهة ان اي معاقبة للنظام السوري لاستعماله السلاح الكيميائي يجب ان تكون في اطار ميثاق جنيف واتفاق الامم المتحدة الذي يجرّم استخدام ذلك السلاح في النزاعات المسلحة. وذهب الأمين العام للجامعة نبيل العربي الى ابعد من ذلك، اذ اعتبر ان استعمال القوة العسكرية خارج ميثاق المنظمة الدولية يكون بمثابة “قرار منفرد”.

وسألت مصادر سياسية لبنانية عما سيكون موقف الجامعة اذا شنت المدمرات الاميركية هجوما على سوريا، فهل تنقسم الدول الاعضاء مجددا بين مؤيد للضربة او معترض عليها؟

وشددت على اهمية تحصين الوضع الداخلي لمواجهة انعكاسات محتملة، عبر تدفق سوري جديد من اللاجئين على كل المناطق. وركزت على ضرورة عدم اتاحة الفرصة امام اسرائيل ليكون ردها اجتياحا جديدا للبلاد لا احد يعرف حجمه ولا مداه.

اللنهار

استعداد إيران لما بعد الأسد/ طارق الحميد

يبدو أن في إيران من يحاول تحقيق مكاسب في حال جرى استهداف الأسد عسكريا، ويتضح ذلك من جملة تصريحات، سواء من مقربين من الرئيس روحاني، أو ساسة كبار مثل هاشمي رفسنجاني، وحتى من قبل إيرانيين معارضين، وهذا أمر لافت بالطبع!

التصريحات الإيرانية تأتي متفرقة وحال قراءتها بشكل متسق تتضح الصورة الكاملة والتي تظهر جهدا إيرانيا مفاده أن على واشنطن في حال قررت ضرب الأسد فتح قنوات اتصال مع طهران، التي يبدو أن فيها من استوعب خطورة الذهاب إلى آخر المطاف مع الأسد، حيث صدرت قبل أيام تصريحات للرئيس الإيراني السابق رفسنجاني تحمّل الأسد مسؤولية استخدام الكيماوي، ورغم النفي الرسمي إلا أن تسجيلا ظهر يثبت دقة تلك التصريحات، مما يظهر انقساما داخل النخب الإيرانية تجاه التعامل مع الأسد.

ومن إيران أيضا نقلت صحيفة الـ«نيويورك تايمز» تصريحات لوزير الخارجية الإيراني يلمح فيها إلى أن الرئيس روحاني مثله مثل أوباما رجل يطمح للسلام، إلا أن المتشددين بأميركا يدفعون أوباما للحرب في سوريا، مثل ما أن المتشددين في إيران يدفعون روحاني للحروب! وهذا ليس كل شيء حيث نقلت الصحيفة أيضا عن المحلل الأميركي من أصل إيراني بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي كريم سجادنبور قوله إن «أميركا وإيران تخوضان حربا بالوكالة في سوريا محصلتها صفر في الوقت الراهن»، مضيفا أنه «إذن، وفي حال، سقط الأسد فإن الجانبين، الإيراني والأميركي، لديهما عدو جذري مشترك وهو الجهاديون السنة»!

حسنا، هذه التصريحات، والتحليلات، الإيرانية هي غيض من فيض، وهدفها تحفيز التواصل الأميركي الإيراني بحجة خطورة «المتطرفين السنة» بعد سقوط الأسد، حيث يجري تصوير هؤلاء «المتطرفين السنة» كعدو مشترك لطهران وواشنطن، وهذا ما تروّج له روسيا، وروّج له الأسد، وقام بصرف ملايين الدولارات لترويج تلك الدعاية! ونقول دعاية لأنها قراءة قاصرة هناك ما يناقضها حيث انسحب أوباما من العراق غير مكترث بالإرهاب الذي هو نتاج الإقصاء الطائفي بالعراق، ويكفي فقط تأمل عودة الحكومة العراقية لمجالس الصحوات الآن بعد أن حاربتها! كما أن الإرهاب الذي يقال إن من مصلحة طهران وواشنطن مجابهته بعد الأسد كان جزءا من أدوات الأسد نفسه السياسية في العراق، ولبنان، وسوريا نفسها طوال الثورة، وبرعاية إيرانية!

ويكفي أن يسأل الأميركيون المتحدث باسم «القاعدة» السجين لديهم سليمان أبو غيث ما الذي كان يفعله بإيران، مثلا؟ كما يجب التساؤل: هل قوة حزب الله، بالسلاح الإيراني، أو نفوذ المالكي، بدعم من طهران، قادا إلى استقرار في البلدين، أو نتج عنهما ديمقراطية حقيقية؟ الإجابة لا، فلا حكومة تشكلت حتى الآن في لبنان، مثلا، ولا استقرار بالعراق، مما ينفي أكذوبة الاعتدال الشيعي مقابل التطرف السني، وينفي أن لإيران دورا إيجابيا بالمنطقة التي من مصلحة الجميع فيها، وخارجها، عودة إيران إلى نطاقها الجغرافي، والكف عن التدخل في شؤون الدول العربية.

الشرق الأوسط

أين أخطأ أوباما قبل التهديد بالضربة وبعده؟ نتائج التفتيش الدولي تحتّم خيارين/ روزانا بومنصف

تعتبر مصادر ديبلوماسية في بيروت ان واقع الامور نتيجة التحضيرات الاعلامية والنفسية لضربة عسكرية اميركية ضد مواقع النظام السوري ردا على استخدامه الاسلحة الكيماوية ضد شعبه تطور على نحو خطير من واقع ان صدقية الرئيس الاميركي باراك اوباما كانت على المحك باعتباره هو من رسم خطا احمر لاستخدام النظام السوري اسلحة كيميائية تخطاه هذا الاخير، الى ان تضحي صدقية الولايات المتحدة في المنطقة وحتى في العالم على المحك وليس فقط صدقية رئيسها. فقد يكون الرئيس الاميركي غير الراغب في استراتيجيته للحكم في اي حرب جديدة اخطأ في رسم خط احمر حول استخدام الكيميائي لم يعتقد ان النظام السوري قد يتخطاه. كما انه قد يكون اخطأ في الاعلان عن ضربة عسكرية ولو محدودة ينوي توجيهها ضد مواقع النظام حرصا على صدقيته وانقاذا لماء وجهه كزعيم اهم دولة وجرى الاستخفاف بالخط الاحمر الذي رسمه. الا انه وبعد تراجعه ساعيا الى موافقة الكونغرس، فإن صدقية الولايات المتحدة ككل وهيبتها باتتا في الميزان. لكن المسألة باتت تتصل بدفاع الولايات المتحدة عن صورتها في المنطقة وصورة الغرب ككل معها الذي بات متصلا او متأثرا بما تقرره الولايات المتحدة الى حد بعيد لكنه ليس داعما فحسب لما قدمته الولايات المتحدة من عناصر جازمة في استخدام النظام السوري للاسلحة الكيماوية بل هو صاحب “قضية” ايضا في هذا الاطار بحيث بات يتعين عليه ان يساعد اوباما للخروج من هذه الازمة واخراج نفسه معه. وترى هذه المصادر ان مسؤولية الغرب تتمثل في حتمية العمل على بناء قضية مسندة تؤمن الغطاء لضربة عسكرية تساعد الرئيس الاميركي امام الكونغرس او في حال تلكأ هذا الاخير عن توفير هذا الغطاء الداخلي للرئيس الاميركي. وادرجت المصادر في هذا الاطار موقف الامين العام للحلف الاطلسي اندرس فوغ راسموسن الذي اعلن الاثنين “ان ادلة كثيرة توافرت عن استخدام النظام السوري للاسلحة الكيميائية” مشددا على “وجوب ان يرد المجتمع الدولي على الهجوم الكيميائي” علما ان الناتو كان تحفظ عن المشاركة بعمل عسكري ضد النظام، وكذلك موقف فرنسا التي اكدت بدورها هذا الاستخدام للاسلحة من جانب النظام واعتبارها “ان امن فرنسا والعالم” مهددين بفعل ذلك.

وتبعا لذلك، فإن هذه المصادر لا ترى الوضع السوري على ما كان عليه قبل الضربة العسكرية مماثلا لما هو عليه من دون حصولها اقله حتى اشعار اخر في المقاربة الدولية علما ان الرهانات على مفاعيل لضربة محدودة ووفق ما وصفها الرئيس الاميركي لم تكن كبيرة على اي حال وربما كانت ستأتي بنتائج عكسية وفق ما ابرزت مواقف ومعطيات عدة خصوصا انها لم تكن تهدف الى انهاء الرئيس السوري اواخراجه من المعادلة السياسية السورية. لكن الامور وصلت الى حد تصعب من المتابعة كما لو ان شيئا لم يحصل او لم يكن علما ان بعض المراقبين لا يرون المسألة وتطوراتها اكثر من محطة خطيرة اخرى من محطات الازمة السورية انما بدرجة خطورة وحساسية اكبر نتيجة تطور الموقفين الروسي والايراني من هذه المحطة على غير ما ظهرا في صدمتهما الاولى بعد اظهار الولايات المتحدة عزمها على توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري. وقد لفت هؤلاء اظهار احد المسؤولين الروس نهاية الاسبوع الماضي تشكيكا مسبقا بنتائج عمل المفتشين الدوليين الذين كانوا أنهوا عملهم في سوريا وغادروها الى لاهاي مما يفيد باستكمال فصول الصراع على سوريا ايا تكن عناصره على قاعدة ان اي توافق في النظرة الروسية والاميركية الى الحل السوري لم تتوافر ظروفه بعد.

لكن بالنسبة الى المصادر المعنية يتعين اولا مراقبة اذا كان النظام لم يأخذ هذه التهديدات الاميركية على محمل الجد فعلا ويمكن ان يلجأ مجددا الى استخدام الاسلحة الكيميائية كنتيجة لتقويمه ان اوباما فشل في تنفيذ تهديده وانه لن يحصل على التغطية اللازمة لهذا التنفيذ. وتستبعد المصادر المعنية ان لا يكون درس وضع الاميركيين الاصبع على الزناد وافيا حتى الان على هذا الصعيد.

ومن جهة اخرى، ترى هذه المصادر ان المهلة الفاصلة حتى الاسبوع المقبل من اجل مناقشة الكونغرس الضربة العسكرية وفي انتظار ظهور نتائج عمل لجنة المفتشين الدوليين ستكون مفتوحة على احتمالات تحمل مخاطر كبيرة على المستويين العسكري والسياسي على حد سواء . فاذا طابقت نتائج عمل المفتشين المعلومات التي تحدثت عنها واشنطن والدول الغربية فانه يتعين على هذه الاخيرة تحضير ملفها في اتجاهين متوازيين الاول هو رد قوي مختلف عما كان متوقعا لان اي ضربة عسكرية محدودة او هزيلة ستكون في غير محلها ومن دون فائدة تذكر بعد كل ما اصاب صدقية الولايات المتحدة والغرب بحيث تكون الضربة عاملا حاسما في حمل النظام وحلفائه الى حل انتقالي. والاخر هو الحل السياسي الذي يمكن احراج روسيا به على الاخص في ضوء نتائج لجنة المفتشين وبحيث يمكن التمهيد لذلك وفي حال رغبت روسيا العمل فعلا لاطاحة امكانات الضربة العسكرية باثمان سياسية سيكون هذا الاسبوع متاحا عبر قمة العشرين في بطرسبرغ لتلمس احتمالاتها.

النهار

الثورة ستقتصّ من “بشار الكيماوي|/ علي حماده

حسناً فعل الرئيس الاميركي باراك اوباما بتأجيله الضربة العسكرية بذريعة الحصول على دعم الكونغرس، فالضربة التي كانت مقررة كانت محدودة للغاية، لا بل غير مؤثرة بمعنى تغيير المعادلة القائمة على الارض. قلنا سابقا ان الضربة الاميركية غير مفيدة ما لم تفتح الطريق امام الثوار لاقتحام دمشق، او اقله لتحقيق تقدم ملموس وحاسم في الميدان. كل ما عدا ذلك غير مهم. ومن هنا قولنا الآن للرئيس الاميركي باراك اوباما بأن يحتفظ ببضعة صواريخ “توماهوك” في مخازنه، وليترك امر الاقتصاص من “بشار الكيماوي” ومن معه للشعب السوري الذي سيحسم المعركة مهما طال الامر.

وبالعودة الى الضربة ثمة معلومات تشير الى ان استحصال اوباما على تفويض من الكونغرس الاميركي سيضعه في موقع القوة في هذه الازمة، ويعيد توزيع الاوراق على الطاولة مع روسيا على وجه الخصوص. كما ان تفويض الكونغرس قد يدفع مجلس العموم البريطاني الى تغيير موقفه اذا ما جرت دعوته في الاسبوع المقبل للنظر في امر مشاركة بريطانيا في الضربة ضد النظام في سوريا. اكثر من ذلك فإن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن انعقاد الكونغرس قد تأتي بمزيد من الادلة والاثباتات بشأن مسؤولية نظام “بشار الكيماوي”، بحيث يصبح من الصعب على المعترضين على الضربة التذرع بقلة المعلومات، في وقت اصطفت غالبية الدول العربية ضمن المحور الداعي الى معاقبة النظام على ارتكابه الجريمة الاخيرة. لكن كل هذه المعطيات يمكن ان تتغير رأسا على عقب اذا ما فشل اوباما في الحصول على دعم الكونغرس. وكما قلنا ان ضربة عقابية محدودة لا تفتح الباب امام تغيير جوهري في الميدان غير مرحب بها على الاطلاق. وفي هذه الحالة يفضل الاستعاضة بدعم عسكري حقيقي للثورة على مستوى التسليح كي تعجل في تغيير المعطيات على الارض.

بناء على هذه المعطيات، لا بد لـ”بشار الكيماوي” من ان يتحسس رأسه، لأن الواقع الميداني متحرك في غير مصلحته، ولأن الثوار السوريين يقفون على ابواب العاصمة.

لبنانيا نكرر نصيحتنا الى “حزب الله” بأن يوقف لمرة واحدة الانجرار خلف جنون “الحرس الثوري”. فأي رد من الحزب على ضربة غربية لن تحظى بأي تعاطف لبناني، وأي محاولة لإشعال حرب مع اسرائيل ستضع الحزب بين مطرقة اسرائيل وسندان الموقف اللبناني الرافض للتورط مجددا في حروب الآخرين على ارضنا.

ان “حزب الله” اصغر من ان يتحمل عواقب الحرب في سوريا، وخصوصاً أنه مقبل على هزيمة محققة هناك مهما فعل. وعليه ننصح قيادة الحزب بالانسحاب فورا من سوريا، والعودة الى طاولة حوار وطني للبحث في اجراءات تسليم السلاح الى الدولة اللبنانية والانتقال الى العمل السياسي حصرا، وبالتوازي افساح المجال امام تشكيل حكومة انقاذ وطني لبناني. ان الالتصاق بـ”بشار الكيماوي” انتحار.

النهار

عقدة الرقم 3 الأميركية/ امين قمورية

يبدو أن الادارات الاميركية المتعاقبة، جمهورية كانت ام ديموقراطية، مصابة بعقدة نفسية اسمها الاعوام الذي تنتهي بالرقم ثلاثة. غريب امرها كيف تفقد عقلها وصوابها مع حلول هذه الاعوام. تجتاحها فجأة النزعة العدوانية وحب التسلط والعدوان والرغبة في الاجتياح والانقلاب واطاحة منافسيها.

عام 1953، ضاق صدرها بوطنية رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق، لم تحتمل استقلاليته ولا قراره تأميم شركة النفط البريطانية الايرانية المتحكمة بموارد بلاده. الحل كان عندها الاستئصال بعملية استخبارية محكمة بالتعاون مع البريطانيين كانت نتيجتها اطاحة مصدق وسجنه والمجيء بصنيعتها الجنرال زاهدي الى رأس السلطة.

في العام نفسه بلغ تدخلها الدموي ذروته في شبه الجزيرة الكورية قبل اعلان الهدنة بين الكوريتين.

عام 1973، لم تتحمل النزعة اليسارية الانسانية للرئيس التشيلياني الطبيب سالفادور الليندي، خشية ان يعم وهجه الاشتراكي والديموقراطي القارة اللاتينية التي تعاني استبداد جمهوريات الموز الملحقة بها، فكان انقلابها العسكري الذي اهدر دم الرئيس المنتخب وأعاد الجزمة العسكرية الى القصر.

في العام نفسه، كانت جيوشها الغازية تحرق ارض فيتنام وشعبها قبل انسحابها المذل منها بعد سنتين.

عام 1983 قصفت البارجة الاميركية “نيوجيرزي” جبال لبنان في محاولة لتغيير معادلة داخلية واقليمية لم تتغير.

وعام 1993، قصفت الصواريخ الاميركية العراق للمرة الاولى.

عام 2003 ، استباحت الجيوش الاميركية ارض العراق من دون سند قانوني دولي ومن دون حجة مقنعة. احرقت بلداً ، دمرت تاريخا، قتلت شعباً، قلبت نظاماً وقتلت رئيساً بذريعة نشر الديموقراطية. لكن الديموقراطية التي جاءت على ظهر دبابة تحولت فتنة حارقة بنظام المحاصصة الطائفية وانفلات العصابات والقبليات “الديموقراطية” . سقط ديكتاتور في الغزو وفرخ بعده في كل شارع ديكتاتور جديد.

عام 2013، اعتقد الجميع ان باراك اوباما خلص اميركا من عقدة الحرب وتغيير النظم والدول والخرائط بالقوة. ولكن يبدو ان المرض الاميركي تفشى وتجذر وبات من الصعب اقتلاعه. فما كاد الرئيس الديموقراطي يعلن توبته عن الحروب الخارجية حتى دهمته العقدة نفسها بالعام الذي ينتهي بالرقم 3، فقرر شن الحرب على سوريا. صحيح انه اضطر الى ارجاء التنفيذ لنيل موافقة الكونغرس لاسباب محض داخلية. لكنه لم يتريث للتحقق من الجهة التي استخدمت الاسلحة الكيميائية في غوطة دمشق. ولم ينتظر نيل موافقة مجلس الامن من اجل تأمين الغطاء اللازم للضربة المحتملة ، ذلك ان عقدة التجبر والنزعة “الطبيعية” الى استخدام القوة المتجذرة في العقل السياسي الاميركي أقوى بكثير من ان يلجمها المنطق او القانون الدولي.

النهار

المسرح السوري: بعض الملاحظات/ جهاد الزين

حصلت الاسبوع الماضي بعضُ “نتائج حرب لم تقع” حسب تعبير قديم لبعض الكتّاب الغربيّين. ومن المبكر لمؤيدي التحالف الإيراني الروسي الصيني ادعاء الانتصار فيها مثلما من المبكر لأخصام النظام السوري ادعاء “تأجيل” الانتصار… لأنها حرب طويلة ومفتوحة.

رغم المدى المفتوح على كل الاحتمالات الذي دخلت فيه مجدّداً قضية استخدام أسلحة كيمائية في ضواحي دمشق، فإن تجربة الأسبوع ونيّف المنصرمة أظهرت عددا من المفارقات الشكلية والمضمونية للوضع في الشرق الأوسط.

– وضعيّةُ البيت الأبيض بعد “انعطافة” يوم السبت المنصرم يمكن أن تسمح بتسجيل مفارقة طريفة أنه إذا كان هناك زعيم مسلم سنّي في العالم لا يريد توجيه ضربة للنظام السوري فهو “مسلم سُنّي” الأصل وبروتستانتي حالياً إسمه باراك حسين أوباما!

… يليه طبعاً قادة مصر الجدد وشيخ الأزهر ورئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة.

الواضح أن هذا الرئيس الأميركي الذكي يعاني شخصيّاً – وليس فقط سياسيّاً – من جرّاء التزامه العالي الصوت على مدى دورتين انتخابيّتين أنه جاء لإنهاء الحربين اللتين تورّطت بهما الولايات المتحدة الأميركية قبله وليس لإشعال حرب جديدة.

– لا نعرف إلى أي حد بعد يعكس القرار تأثير السياسة الروسية “الهجومية” في اتخاذ قرار التأجيل ولا نعرف ولا يمكننا بعد أن نثق بأن “الأسد” العسكري الإيراني هو أسد حقيقي وليس من ورق حين يتعلّق الأمر بإمكانيّات دولة عظمى بل العظمى هي الولايات المتحدة الأميركية، لأن التجربة المعاصرة أظهرت مع الأسف أن قوتين إقليميّتين جرى تقديمُهما على أنّهما قوّتان عسكريّتان كبيرتان… أظهرت أنهما “من ورق” الأولى مصر عبدالناصر في صدمة عام 1967 والثانية صدام حسين عام 1991 الذي مهّد الإعلام الغربي طويلا لهزيمته بأنه يقود “رابع جيش في العالم”. فلماذا اليوم علينا أن نثق بسهولة أن إيران هي أمرٌ مختلف عن سابقَيْها المسلمَيْن؟ (طبعا استعاد الجيش المصري قدراً جاداً من مصداقيته عام 1973).

لذلك وحتى يُثبِت الإيرانيون أنهم “استثناء” تبدو القوة الروسية وإمكاناتها هي الأرجح مختلفة حين يكون الصراع هلى هذا المستوى؟

أيّاً يكنْ اتجاه الأمور ضمن “قواعد اللعبة” الجديدة التي أحدثها الرئيس الأميركي بعد إحالته قرار الضربة العسكرية على الكونغرس، نجح الرئيس أوباما في كسب بعض الوقت لأميركا من حيث التخطيط والتفكير في نتائج الضربة سياسيا وعسكريا واقتصاديا. ولكن ما هو أهم من كسب الوقت أنه أصبح كرئيس بعد الآن في وضعٍ أكثر أماناً في السياسة الداخلية الأميركية لأنه وسّع قاعدة الشرعية الديموقراطية لأي قرار سيتخذه.

لقد صبّ الرئيس أوباما ماءً باردة على الرؤوس الحامية في الغرب والعالمين العربي والمسلم، الرؤوس التي كانت تستعجل الضربة بأي ثمن وبأية ظروف، وكأن تكرار واشنطن لقرار الحرب خارج موافقة مجلس الأمن هو عملية سهلة المضاعفات على الوضعية الأميركية في الداخل والخارج، كما أن الذهاب إلى ضربة عسكرية ولو محدودة قبل تأكيد لجنة التحقيق الدولية استخدام الأسلحة الكيميائية هو أيضا عملية تعبوية مقنعة كفايةً بعد التجربة العراقية؟

– بعد أن أَجبَر مجلسُ العموم البريطاني رئيسَ الوزراء ديفيد كاميرون على قرار عدم مشاركة بريطانيا في أي عملية عسكرية في سوريا ظهرت – على الأقل شكليّاً – المعادلة التالية: بريطانيا الدولة المؤسِّسة للكيان العراقي أي للدولة العراقية عام 1921 وقفت مع الغزو العسكري الأميركي للعراق عام 2003 وتعارض الضربة العسكرية الأميركية لسوريا عام 2013، في حين أن فرنسا الدولة “المؤسِّسة” للكيان السوري عام 1921 أي للدولة السورية تقف مع الضربة العسكرية الأميركية لسوريا في حين تعارض بريطانيا هذه الضربة.

هل لهذه المعادلة التي أفرزتها أحداث الأسبوع المنصرم أي معنى يتجاوز الدلالة الشكليّة؟ هل لها دلالة في أن فرنسا تطرح نفسها شريكا أساسيا في منطقة نفوذها السابقة بين الحربين العالميّتين الأولى والثانية أي سوريا بينما بريطانيا تجد نفسها غير معنية جوهريا بقسمة النفوذ الاقتصادي السياسي في حال نجح الغرب في مشروعه السوري أو في حال تمّ التوافق ذات يوم على الصيغة السورية الجديدة؟ العكس حصل في العراق إذ أدّى الحلف العسكري البريطاني الأميركي في عراق ما بعد 2003 إلى وجود بريطاني أساسي في بنية مصالح النظام العراقي الجديد بينما الفرنسيون في موقع ثانوي في الشبكة النفطية والاستثمارية.

أيّاً يكن الجواب لعلاقة الشكل بالمضمون، فإن أحداث الأسبوع الماضي قد أحدثت شرخا رمزيا بين مارك سايكس وجورج بيكو طرفي اتفاقية سايكس – بيكو الشهيرة. نشير بالمناسبة أنه في الخارطة الأصلية لتلك الاتفاقية كانت منطقة الموصل أي معظم شمال العراق الحالي ضمن النفوذ الفرنسي الذي تخلّى عنه لصالح بريطانيا لاحقا وفي إطار تسوية نفطية، مثلما كانت منطقة كيليكيا ضمن النفوذ الفرنسي الذي خسرها لصالح مقاتلي مصطفى كمال أتاتورك وأصبحت في معاهدة لوزان عام 1924 جزءاً من الجمهورية التركية. ولاحقا في أواخر الثلاثينات تخلّت فرنسا طواعيةً عن لواء اسكندرون لتركيا كما هو معروف.

– يمكن القول بدون تردّد أن المعارضة السورية لاسيما بين أوساط المعارضين الليبراليين واليساريين السابقين أظهرت حماساً جماعيا وفرديا عارماً لمشروع الضربة العسكرية الأميركية باستثناء قلة قليلة من المثقفين المستقلين. وفي لبنان كان الجو شبه احتفاليٍّ بمشروع الضربة في أوساط 14 آذار في حين كان القلق (وربما بعض الذعر) سائدا في أوساط 8 آذار.

– أحدث الموقف الرسمي المصري المعارض للضربة العسكرية بعض المساحة للثقافة السياسية التقليدية للمنطقة القائمة على تقليد الاعتراض على التدخل الأجنبي لاسيما في بلد كمصر تعرّض لـ”العدوان الثلاثي” البريطاني الفرنسي الإسرائيلي في الخمسينات من القرن الماضي. صحيح أن هذا الموقف المصريّ الرسمي يحظى بتأييد معلن من معظم الأسماء الفاعلة في المشهد الثقافي المصري ولكن يجب تسجيل أن تأثيره بات ثانويا إن لم يكن غير مؤثّر في تغيير استقطابات السجال العربي على الأقل في الظرف الراهن. وقد سمعت شخصيا في مناسبة غداء خاصة يوم الخميس المنصرم أحد الحاضرين يقول للسفير المصري في بيروت أنه لو شاءت مصر أن توقف قرار الجامعة العربية (قبل الأخير) المؤيّد للضربة لفعلت. ولكن السفير المصري أجاب محدّثه بأن ذلك لم يكن ممكنا بسبب الأغلبية الكاسحة التي يحظى بها مؤيّدو الضربة العسكرية. وما تستطيعه مصر فَعَلَتْهُ، وهو موقفها المعترض، مع العلم أن النقاشات في اجتماع الجامعة العربية يومها كانت حارة.

– إلى حدٍّ ما بل إلى حدٍّ بعيد ظهر انقسام مثير في المواقف: ففي العديد من الأوساط الإعلامية والثقافية في البلدان العربية كان الذين عارضوا الحرب على العراق هم أنفسهم الذين أيّدوا مشروع الضربة العسكرية في سوريا.

– في تركيا عدا الانقسام الصريح بين حكومة مؤيّدة ومعارَضة معارِضة للضربة العسكرية في سوريا بدا هذا الاختلاف بندا من بنود السجال العام بين رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان وبين معارضيه المتزايدين حتى داخل “حزب العدالة والتنمية” وليس قضيّةً قائمةً بذاتها ومسيطرةً على السجال العام. والسبب في ذلك أن جدول أعمال الوضع الداخلي طاغٍ في العادة في الوضع التركي والقضايا الخارجية جزءٌ منه وليست مستقلة. ساهمتْ في عوامل القلق الداخلي المؤشّراتُ الاقتصادية وأخطرها التدنّي المفاجئ في سعر الليرة التركية تجاه الدولار مما أعاد إلى التركيز المعضلة الرئيسية في بنية الاقتصاد التركي حاليا وهي العجز التجاري الكبير. وقد أشار عددٌ من المعلّقين الأتراك إلى أن السياسة التركية في سوريا حدّت من تدفّق الرساميل الأجنبية مما ساهم أيضا في التراجع الاقتصادي.

النهار

من يوقف المأساة السورية؟/ علي بردى

استعصت الازمة السورية على أي حل حتى الآن. لم تلجمها الجهود الديبلوماسية ولا التهديدات العسكرية. جاء الفصل الاخير من المأساة باستخدام الاسلحة الكيميائية ليثير في الولايات المتحدة سؤالين، الاول يتكرر كثيرا ويرتبط بأسباب تنصيب أميركا نفسها شرطيا على العالم، والثاني يتعلق بتشكيك كثيرين – وهم محقون – في صدقية تطبيق المذهب الاميركي لنشر قيم الحرية والديموقراطية عبر العالم.

جاء الاختبار هذه المرة تحديدا من حادثة الغوطتين. اتخذ الرئيس باراك أوباما قرارا بمعاقبة نظام الرئيس بشار الاسد. أحال القضية على ممثلي الشعب الاميركي في الكونغرس. حوّل عمليا الازمة الدولية الناجمة عن الحرب السورية نقاشا داخليا بين الاميركيين في شأن المساهمة المطلوبة من واشنطن لوضع حد لواحدة من أبشع مآسي الانسانية في القرن الحادي والعشرين. هذه فرصة حقيقية ثمينة كي يحاول الديبلوماسيون ايجاد مخرج سياسي للأزمة السورية المستفحلة. وكي يتمكن المفتشون الدوليون من انجاز مهمتهم. لا بد أولا وقبل أي أمر آخر من ترك مهمة تقصي الحقائق في الادعاءات عن استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا تنجز مهمتها، حتى لو كانت غير مخولة تحديد الطرف الذي أقدم على هذه المجزرة الشنعاء. يؤكد الجميع في سوريا وخارجها ان الاسلحة الكيميائية استخدمت مرات في هذه الحرب. لا اختلافات في الموضوع. السؤال الذي لن يجيب عنه المحققون: من هي الجهة المسؤولة عن استخدام سلاح الدمار الشامل هذا؟ غير ان تحديد طبيعة السلاح الكيميائي المستخدم والمقذوف الذي نقله ومن أي اتجاه ونوع المنصات التي يطلق منها وبعض الادلة العلمية الاخرى ستوفر فكرة معقولة وموثوقا بها عن الادعاءات المتناقضة في هذا الشأن. لا أحد يعرف ما اذا كان الرئيس الاسد أعطى أمرا كهذا، ولا ما اذا كان أحد الضباط تصرف من تلقائه، او أن جهة ما دولية أو اقليمية سلمت بعض الارهابيين هذا السلاح القذر والفتاك او أن جماعة معارضة حصلت عليه من أحد مخازن الجيش السوري.

لا يحتمل الامر رأيا او تأويلا.

يبدأ المفتشون الدوليون برئاسة آكي سالستروم اليوم اختبار “العينات القيمة” التي حصلوا عليها، وهي تتضمن شظايا من الصواريخ ستدل من دون أي شك الى المواد التي كانت تحتوي عليها، فضلا عن الاشارات الفريدة التي تشير الى طبيعة السلاح، الى عينات من البيئة المستهدفة وقشور الطلاء في المنطقة، فضلا عن عينات الدم والبول والانسجة من الضحايا والناجين. على رغم ما أشيع عن محاولات لتضييع أثر الهجمات هذه، يؤكد خبراء أنه بالنسبة الى الهجمات التي شنها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على أكراد حلبجة في آذار 1988، تمكنت منظمة أطباء لحقوق الانسان بعد أربع سنوات من نقل عينات الى مختبرات بورتون داون الدفاعية البريطانية للمواد الكيميائية والبيولوجية.

النهار

النظام الديكتاتوري تنقذه الآلية الديموقراطية وأوباما يواجه خسارة الرأي العام الحليف/ روزانا بومنصف

من المفارقات اللافتة ان تنقذ المبادئ الديموقراطية المعمول بها في الدول الغربية أكان في بريطانيا من خلال رفض البرلمان البريطاني الموافقة على المشاركة في ضربة عسكرية ضد الرئيس السوري لاستخدامه الاسلحة الكيميائية ضد شعبه، أم في الولايات المتحدة الاميركية لاحقا من خلال إحالة الرئيس باراك أوباما توجيه ضربة عسكرية على الكونغرس للموافقة عليه، علما ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري وصف الرئيس بشار الاسد قبل يوم من قرار أوباما بـ”المجرم والقاتل”. ويمكن اتهام النظام السوري بآثام كثيرة. لكن أحدا لا يمكن ان يتجاهل ادراكه أهمية تجييش الرأي العام الغربي او اللعب على تناقضاته من اجل الاستفادة منها وفق الخطوة التي أقدم عليها البرلمان السوري في ارسال مناشدة الى مجلس العموم البريطاني قبيل انعقاده لمناقشة امكان مشاركة بريطانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري تحت عنوان “لا تقصفونا بل اعملوا معنا”. ومع انه لا يمكن الجزم بمدى تأثير هذه المناشدة في مجلس العموم البريطاني، إلا أنه احتمال لا يمكن تجاهله نظرا الى الفارق الضئيل في التصويت في مجلس العموم الذي حرم الحكومة البريطانية الضوء الاخضر للمضي قدما مع واشنطن وفرنسا في قرار توجيه ضربة عسكرية الى النظام، بالتزامن مع صدور استطلاعات للرأي في كل من بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا تنحو في اتجاه رفض توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري لاستخدامه الاسلحة الكيميائية. وهذه الاستطلاعات يتعين على زعماء هذه الدول أخذها في الاعتبار بحيث يمكن القول إنهم خسروا معركة الرأي العام في بلدانهم وان اختلفت الاسباب او تنوعت. وهذا مكسب للخصم أي النظام السوري في لجوئه الى السلاح الكيميائي ضد شعبه والذي سيستشرس مع ايران حليفته في توظيف ما جرى لمصلحته.

وليس واضحا ما اذا كان الامر سيكون مماثلا مع الكونغرس في الولايات المتحدة حيث سارع مندوب النظام السوري في نيويورك الى تثمين خطوة أوباما المفاجئة بالعودة الى الكونغرس. والامر وفق ما يشرح ديبلوماسيون معنيون مفتوح على احتمالات متساوية من القبول او الرفض، مع الاعتبار لاحتمال ان يواجه القرار في مناقشات الكونغرس مصيرا مماثلا لما آلت اليه المناقشات التي حصلت في مجلس العموم البريطاني وكان لها الاثر في اعتماد أوباما السبيل نفسه من أجل تأمين غطاء داخلي في ظل غياب الغطاء الدولي والخارجي الكافي. فالنتيجة المباشرة لقرار أوباما هي التأجيل وهذا مكسب يصب في خانة النظام السوري وحلفائه وإن كان السيف لا يزال مصلتا من خلال احتمال توجيه ضربة او من خلال وجود المدمرات الاميركية في البحر.

والتأجيل مسألة حساسة باعتبار انها أفقدت الضربة الاميركية زخمها، خصوصا ان الادارة كانت تعتزم قبل ان تطرأ العوامل التي دفعت أوباما الى تغيير رأيه واللجوء الى طلب موافقة الكونغرس، الاستفادة من عامل الوقت بعد عشرة أيام على الاكثر من وقوع مجزرة الغوطة من اجل توجيه الضربة ربطا بهذه الحادثة بالضبط، في حين ان ارجاء توجيه الضربة، في حال الموافقة عليها، سيتيح من جهة دخول عوامل كثيرة على الخط من بينها اكتمال تحضير النظام وحلفائه لرد مناسب بما يفقد الضربة معناها وأهدافها.

بعض المراقبين يرجحون ان يوافق الكونغرس على الضربة العسكرية المحدودة حتى لو عمد ربما الى تضييق هامشها ايضا، نظرا الى ارتباط القرار الاميركي بقول الوزير كيري إن “خيارنا ستكون له تداعيات وسيؤثر في دورنا في العالم ومصداقيتنا وما نؤمن به” بما يمكن ان يعنيه ذلك على هيبة الولايات المتحدة أمام حلفائها وخصومها على حد سواء، خصوصا بتأكيد أوباما ما ينسب اليه من ضعف وتردد ازاء القرارات الحاسمة في السياسة الخارجية. لكن الاحتمالات مفتوحة بالتساوي أمام أسئلة تتصل بما اذا كان الرئيس الاميركي يمكن ان يقدم على توجيه ضربة عسكرية في حال رفض الكونغرس توفير الغطاء السياسي له بذريعة حماية المصالح الاميركية، أو الاخطار التي يمكن أن تطاولها. كما هي مفتوحة ايضا أمام امكان ان يعيد أوباما الزخم الى قراره لموافقة دولية أوسع في حال أصدرت الامم المتحدة خلاصة تقرير لجنة مفتشيها في سوريا، على رغم اعلان الامين العام للمنظمة الدولية ان الوصول الى نتائج يحتاج الى اسبوعين، أي تقريبا المدة التي سيستغرقها الكونغرس الاميركي أو اكثر قليلا.

هناك أزمة داخلية تترتب على عاتق الادارة الاميركية وأوباما تحديدا في ظل احتمالي الاتجاه الى توجيه الضربة العسكرية او عدمه كما أزمة خارجية او عالمية ستواجهها نتيجة اتخاذها اي من القرارين. لكن ما يعني دول المنطقة أنها تتأثر من وجهي هذه الازمة في ظل محاور متصارعة تسعى الى توظيف كل امكاناتها في معركة الربح والخسارة القائمة بشراسة في المنطقة.

النهار

اوباما لا يشبه بوش لكن النتائج الكارثية متشابهة!

رأي القدس

يعكس قرار باراك اوباما احالة مسألة الموافقة على الضربة العسكرية الامريكية للنظام السوري الى مجلس النواب، بشكل مدهش، الازمة الفظيعة التي ينوء تحتها نهج اوباما السياسي.

ينسجم قرار كثيرا مع النمطية التي تأطرت فيها شخصيته السياسية التي اعتاد عليها الناس في الولايات المتحدة والعالم، وتتميز هذه الشخصية بكونها مترددة وتتراجع عند الضغط (كما حصل في موضوع النزاع الفلسطيني الاسرائيلي) ولا ترغب في تحمل مسؤولية قرارات كبيرة، لا في امريكا ولا في العالم.

باستثناء عملية اغتيال زعيم القاعدة اسامة بن لادن، واستخدام الطائرات الحربية دون طيار في افغانستان واليمن وبلدان اخرى، لم يدخل اوباما في اية مواجهة عسكرية مع اية جهة لا داخل امريكا ولا خارجها.

لا يعود الأمر الى التجربة الامريكية المرة في افغانستان والعراق فحسب، ولا حتى بالأزمة الاقتصادية الامريكية فهذه الأسباب وحدها لا يمكن ان تفسر دور اوباما في تكريس الخلل السياسي الذي خلقه امتناعه عن تحمل أية مسؤولية عن الحرب الهائلة التي يخوضها النظام السوري وحلفاؤه الاقليميون والدوليون ضد الشعب السوري.

أدى هذا الموقف الامريكي الى تغوّل غير مسبوق للنظام الذي لم يوفر طريقة لا لقمع شعبه فحسب بل لتدمير الحجر والشجر والنسيج الاجتماعي والديني والتاريخي للمنطقة، مما صعد الأزمات السياسية في لبنان والعراق والاردن وتركيا بشكل هدد جغرافيات وحدود وكيانات تلك البلدان، وحوّل شعباً معتدلاً ووسطياً مثل الشعب السوري الى حاضنة لجهات التطرف الجهادي المسلح.

تردد اوباما وامريكا في تحمّل مسؤوليات واكلاف الموضوع السوري أدى وسيؤدي، الى دفع عشرات اضعاف هذه الاكلاف لاحقاً، وهو أمر يثبت انه لا يمكن تجاهل أزمات العالم وتسويفها ومعالجتها بالخطب وحفلات العلاقات العامة والصفقات السياسية مع الدب الروسي الذي يريد جزءا اكبر من كعكة المشاركة في ادارة العالم.

بعد احالة قرار الضربة الى الكونغرس، سيجد اوباما نفسه في موقف أصعب من اتخاذ الحرب، وسواء وافق الكونغرس أم رفض، فان الرئيس الأمريكي سيمنى بهزيمة لادارته ولنهجها في تأجيل معالجة الى ان تصبح غير قابلة للعلاج، وهو أمر سيؤدي، ربما، الى اكتشاف بطل نوبل للسلام، لاحقاً، ان البحث عن السلام بإرجاء الحرب قد يؤدي الى نتائج اسوأ من نتائج الحرب نفسها!

في بداية ولايته الاولى توجه اوباما للعالم العربي بخطاب مليء بالأمال والوعود، لكنه فوجئ ان طغاة المنطقة، وعلى رأسهم اسرائيل، لم يعاملوه مثلما فعلت ادارة جائزة نوبل التي منحته الجائزة لأنه… لم يفعل شيئا.

العالم الذي راقب بفزع اندفاعات القوة الامريكية العمياء في افغانستان والعراق خلال حكم جورج بوش الابن انتبه متأخرا ان تدخلات امريكا الوحشية لا يوازيها في نشر وتثبيت النتائج الكارثية الا وحشية عدم تدخلها عندما يحتاج العالم الى توازن يوقف نظاما محميا دوليا واقليميا عن ابادة شعبه.

ينطبق هذا الأمر على سورية كما ينطبق، بأشكال مختلفة، على فلسطين والعراق وبلدان أخرى تعاني من مسؤولية الادارة الامريكية عن كوارثها.

قد يكون أوباما عكس بوش ولكن عدم الردّ على اختلال العالم يطابق المشاركة في اختلاله ويؤدي الى النتائج الكارثية نفسها!

أوباما أوباما/ غسان شربل

يذهب باراك اوباما إلى قمة العشرين بعد إصابته في الأزمة السورية. لا يكفي ليشعر بالعزاء أن ينظر إلى ديفيد كامرون الذي أصيب هو الآخر في سورية. وأغلب الظن أن الارتباك سيعاوده حين يصافح رجب طيب أردوغان الذي كان ينتظر الضربة واثقاً من حصولها ومتكهناً حول تاريخها. أردوغان أصيب هو الآخر في سورية.

لن تكون المصافحة ممتعة بين سيد البيت الأبيض وقيصر الكرملين. لقد تلذذ الثاني برؤية الأول يرتبك أمام حقل الألغام السوري. بالغ فلاديمير بوتين في الصيد في بركة الدم السورية. ذهب بعيداً في مجلس الأمن وكذلك في حمص. الطائرات التي تدمي المعارضة والبلاد هي طائراته. والسيف الذي يشل مجلس الأمن هو سيفه. حقق الجاسوس السابق حلماً قديماً. إنه الثأر من أميركا التي دمرت الاتحاد السوفياتي من دون أن تطلق رصاصة. من أميركا التي طوقت الاتحاد الروسي بالدول التي هاجرت إلى حلف شمال الأطلسي ورادارات الدرع الصاروخية.

الفارق كبير بين الرجلين. يبدو أوباما في صورة أكاديمي يرصّع خطبه بالمشاعر الإنسانية والمبادئ الكبرى. انتخب لإعادة الجنود الأميركيين من حربين منهكتين رافقتهما أزمة اقتصادية طاحنة. وربما يريد الاكتفاء بهذه الصورة أمام التاريخ مضافاً إليها الأمر الذي أصدره بقتل أسامة بن لادن وفوزه بجائزة نوبل للسلام. يمكن أن نضيف إلى ذلك خيبته من «الربيع العربي» والأهوال التي ظهرت بعد سقوط المستبدين.

في المقابل، يبدو الكولونيل السابق في الـ «كي جي بي» حاملاً مشروعاً للثأر. الثأر لبلاده وجيشها وسلاحها وصورتها وقدرتها على حماية حلفائها بغض النظر عن سجلاتهم. إنه صاحب الكلمة الأخيرة في ديموقراطية ذات أنياب بعدما نجح في تطويع كل المؤسسات بلا استثناء فضلاً عن رجال الأعمال. تجربته في سحق التمرد الشيشاني أكسبته قدرة على التعايش مع الدم والاصطياد فيه.

اغتنم بوتين الأزمة السورية لتسديد اللكمات إلى سيد البيت الأبيض. أقفل في وجهه مجلس الأمن وتلاعب بروح مؤتمر جنيف ليكشف محدودية القدرة الأميركية. لم يترك لأوباما غير خيار إرسال الجيش لاقتلاع النظام السوري، وهو ما لا يريده الرئيس الأميركي، فثمن التدخل العسكري في سورية باهظ، والبدائل المحتملة للنظام تثير المخاوف. هكذا بدا أوباما أمام العالم رخواً ومتردداً وراغباً في الابتعاد عن الحريق السوري، متناسياً ما قاله عن فقدان الأسد شرعيته.

تعايش أوباما مع نهر الدم المتدفق على الأرض السورية. حظه سيء. مجزرة الكيماوي ذكّرت العالم بحديثه السابق عن «الخط الأحمر». طرحت بقوة أسئلة عن الدور القيادي لبلاده وصدقية تعهداته. وقع في الامتحان الذي طالما حاول تفاديه. وحين حبس العالم أنفاسه منتظراً انطلاق الصواريخ، رمى أوباما قنبلة الضربة المحدودة وطلب التفويض من الكونغرس. خيَّب حلفاءه وخيب المعارضة السورية.

وقع العالم في انتظار المواعيد الجديدة. من التسرع الاعتقاد أن أميركا انكفأت تماماً. إذا اقتنع الكونغرس باتهامات الإدارة للنظام السوري باستخدام الكيماوي ومنح أوباما التفويض، سيكون الرئيس أقدر على شن عملية أكثر إيذاء لنظام الأسد من تلك التي كان سيشنها بلا تفويض. لقد ألزم الرئيس نفسه بمعاقبة النظام السوري. فوزه بالتفويض سيساعده على تخطي «العملية التجميلية» لإرغام النظام على سلوك طريق جنيف. التفويض نفسه سيشكل رسالة إلى روسيا وإيران وحلفاء النظام السوري. أما إذا رفض الكونغرس تفويض الرئيس، فإن الأزمة السورية ستدخل مرحلة جديدة مختلفة. عجز اوباما عن التحرك سيطرح أسئلة عميقة وصعبة لدى حلفاء بلاده.

من حق المراقب أن يتساءل: هل يريد بوتين الانتقال من دور المعرقل إلى دور صانع الحل؟ وهل يستطيع توظيف التهديد الأميركي بالضربة للحصول من النظام السوري على ورقة تسهل التوجه إلى «جنيف-2»؟ وهل النظام السوري راغب في تقديم مثل هذه الورقة؟ وهل هو قادر؟ وهل يشعر بخطورة ما يمكن أن يواجهه؟ وهل يدرك أن ما بعد الكيماوي لا يشبه ما قبله مهما ارتبكت العواصم الغربية وتأخرت؟ وماذا عن ايران الحاضرة في الميدان السوري والقرار السوري؟

منذ مجزرة الغوطتين انشغل العالم بكلمتين، هما: الضربة وأوباما. في انتظار مناقشات الكونغرس سيتكرر اسم الرئيس الأميركي كثيراً. الخبراء يدعون إلى الحذر، يقولون إن اوباما ليس جورج بوش لكنه ليس الأم تيريزا أيضاً. إن اتجاه الأسابيع المقبلة في الأزمة السورية معلق بأوضاع رجل واحد اسمه باراك أوباما. أعرف أن المراهنين يقولون أوباما وأن الخائبين يقولون أوباما أوباما.

الحياة

انسوا أوباما! / عبد الرحمن الراشد

صحيح أن تردد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتأجيله الضربة العسكرية التأديبية التي توعد بها نظام بشار الأسد في سوريا، سبب القنوط عند البعض، وأفرح النظام في دمشق، مع هذا على المعارضة أن تدرك أنها وحدها مسؤولة مسؤولية كاملة عن تحرير بلادها، سواء بعون من دول كبرى أو من دونها. ويفترض أن يقتنع حلفاء المعارضة، من دول عربية وأجنبية، أن واجبهم مضاعفة دعم الجيش السوري الحر ليقوم بهذه المهمة، ومنع غيره من الوصول إلى دمشق وحكم البلاد. نحن في ساعة السباق نحو العاصمة رغم كل التحصينات ورغم حتى استخدامه للأسلحة الكيماوية.

ورغم تلكؤ الرئيس أوباما اليوم ما زلت أتوقع أن يفعلها لاحقا، ويلعب دورا رئيسا في إسقاط نظام الأسد. السبب ليس فقط لأن في دمشق نظاما شريرا تمادى في حرب الإبادة ضد شعبه، بل أيضا لأن أمن أميركا ومصالحها ستفرض عليها التدخل. فقد أصبحت سوريا أكبر مزرعة لإنتاج الإرهابيين تستقطب مقاتلين من أنحاء العالم، وغاية هؤلاء استهداف قوى أساسية مثل الولايات المتحدة. نظام الأسد مهّد للمتطرفين دخول الحرب، اعتقادا منه أن ذلك سيدفع الدول الغربية لمساندته ضدهم، كما وقفوا إلى جانب الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من قبل، وغيره.

وقد يتساءل البعض مستنكرا، فعلا لماذا نتوقع أن يصطف أوباما إلى جانب هذه الجماعات الجهادية لإسقاط الأسد، وليس العكس؟ السبب أن نظام الأسد سقط فعلا، لم يعد يحكم معظم سوريا. وفي غياب نظام مركزي تنجرف سوريا لتصبح مثل أفغانستان والصومال. وفي هذا الفراغ والفوضى وجدت القوى الجهادية تربة خصبة، ولعبت على مشاعر مئات الملايين من المسلمين في أنحاء العالم الذين رأوا في سوريا مأساة لا يمكنهم السكوت عنها. سيأتي اليوم الذي يدرك فيه الأميركيون أن الدخول في سوريا ضرورة أمنية لا فكاك منها.

لكن إلى ذلك الحين، على المعارضة السورية نسيان الدور الدولي، والدور الأميركي، وعليهم أن يقتلعوا النظام السوري بأيديهم. هذا واجبهم، وهي قضيتهم، ولو أن المعارضة المسلحة والسياسية تمكنت من ترتيب أوضاعها، فهي قادرة على الإطاحة بنظام الأسد اليوم أكثر من أي وقت مضى. فالدعم الخارجي، من إيران وروسيا، استنفد معظم طاقته، وقد وجد حلفاء الأسد أنهم يدعمون جثة هامدة، وبالتالي لا قيمة لكل ما يفعلونه اليوم سوى أنهم يؤخرون دفن النظام أشهرا أخرى.

الشرق الأوسط

أوباما أراح الأسد وحير الجميع!/ طارق الحميد

أثار قرار الرئيس أوباما، المفاجئ، بضرورة الحصول على تفويض من الكونغرس للقيام بضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد الكثير من الحيرة في واشنطن، ولدى الحلفاء بالمنطقة، كما أراح نظام الأسد الذي عد إعلامه الرسمي أن هذه الخطوة تمثل استمرارا لمسلسل التراجعات الأميركية، فكيف نفهم قرار أوباما؟

المؤكد أننا أمام رئيس أميركي متردد، لا يملك رؤية سياسية حقيقية تجاه المنطقة، ولذا فإن قراره بضرورة الرجوع للكونغرس الأميركي، رغم إقراره علنا بأنه سيقوم بالضربة العسكرية، يعني أن أوباما قلق، ومتردد، خصوصا أن قرار اللجوء للكونغرس، وبحسب الإعلام الأميركي، جاء في اللحظات الأخيرة، وفاجأ حتى المقربين منه، مما يوحي بأن أوباما أراد من القرار حماية نفسه، وتاريخه الشخصي، وليس مصالح بلاده، وأمن المنطقة الذي هو جزء من مصالح أميركا. أوباما يريد أن يذكر التاريخ أنه الرئيس الذي أنهى الحروب، لا الذي سار على نهج جورج بوش الابن، وهذا بحد ذاته دليل ضعف سياسي، فأيا كانت قوة الرئيس الأميركي فإنه ليس من يقرر سير الأحداث في عالم فيه أمثال بشار الأسد، وإيران، وحزب الله، وبالطبع روسيا.

قرار أوباما يظهر أنه يريد غطاء من الكونغرس ليتجنب «المقص السياسي» الذي وقع فيه في واشنطن، خصوصا أن أحد المسؤولين في إدارته يقول نقلا عن أوباما نفسه إنه قلق من بعض أعضاء الكونغرس الذين سينتقدونه إن لم يحصل على إذن من الكونغرس، وسينتقدونه بعد ذلك على أي قرارات يتخذها، أي أن أوباما يدرك أنه بات أشبه بمن انطبقت عليه مقولة: «اللعنة إن فعلت، واللعنة إن لم تفعل»، وهذا بحد ذاته يظهر ضعف أوباما، وضعف قيادته. وخطورة تردد أوباما اليوم في سوريا لا تقل عن خطورة تردده منذ اندلاع الثورة، فكلما قرر الهروب من الأزمة زادت تعقيدا، ولاحقته أكثر، خصوصا أنه، أي أوباما، هو من رسم الخطوط الحمراء للأسد الذي تجاوزها بكل استهتار وتحدٍ، مما وضع الرئيس الأميركي في ورطة حقيقية تتزايد يوما بعد الآخر. والحقيقة أن خطاب أوباما ليس بذاك السيئ لو كان نابعا من زعيم يعرف ما يريد، حيث يمكن اعتبار خطابه مناورة لتحقيق عدة أهداف مثل الحصول على غطاء سياسي داخلي يخوله قيادة تحالف دولي ضد الأسد، مع استغلال خطوة اللجوء للكونغرس من أجل الضغط على الروس القلقين من تداعيات الضربة العسكرية على الأسد، إلا أن الإشكالية هي أن إدارة أوباما نفسها، وفريقه، قد صدموا من قرار اللحظات الأخيرة باللجوء للكونغرس، مثلهم مثل الحلفاء، مما يظهر أن أوباما لا يتحرك في الملف السوري وفقا لرؤية سياسية واضحة، أو على غرار نصيحة الرئيس الأميركي السابق روزفلت: «تكلم بهدوء واحمل عصا غليظة» وإنما يتحرك بتردد حير من حوله، وأراح الأسد كثيرا، وهنا تكمن الخطورة، ليس على سوريا وحدها، وإنما على كل المنطقة!

الشرق الأوسط

العراق.. يبتلع السوريين/ ديانا مقلد

فعلت التجربة العراقية فعلها..

منذ اليوم الأول للثورة السورية حين كانت حراكا سلميا ومع صور سقوط تماثيل حافظ الأسد وبشار الأسد، استحضرت ذاكرة إسقاط طاغية العراق صدام حسين ومشهدية تحطيم تماثيله..

جرى تجاهل خبيث، عامد أحيانا وساذج في أحيان أخرى، لحقيقة أن السوريين حطموا التماثيل وخرجوا يسعون لرفع ظلامتهم المزمنة من دون تدخل أميركي. كم كان سهلا على الممانعين وحلفائهم أن يسخفوا الألم السوري ونسبته إلى خبث استخبارات من هنا ومال من هناك..

منع النظام السوري الإعلام من التغطية في سوريا ولا يزال.. لا بأس، اندفع السوريون والسوريات لتسجيل موتهم بأنفسهم.. لكن، لحظ السوريين العاثر كانت مرارة العراق أقوى لدى الرأي العام الغربي والعربي. ولم تدخر آلة دعاية النظام السوري وحلفائه الممانعين جهدا في اعتبار أن النظام يواجه مؤامرة خارجية فلاح الشك حيال كل ما يفدنا من صور الوجع السوري..

شهر سيف العراق في وجه السوريين منذ اليوم الأول لنزولهم للتظاهر..

كلما زاد موتهم تحصن العالم بتجربة العراق، مما حولنا جميعا إلى متفرجين صامتين حيال المقتلة التي لم تتوقف منذ سنتين ونصف. حتى حين نبكي ونتألم نفعل ذلك بصمت مخافة أن يظهر علينا ضحايا تجربة العراق ليذكرونا كيف فرحنا بإسقاط ظالمهم فتصيبنا الحيرة..

الرصاص والاعتقال والذبح والسكود والنابالم، والكيماوي بجرعات خفيفة بداية، كلها تفاعل معها الرأي العام الغربي والعربي أيضا من موقف العاجز، أو المتفاعل السلبي في أحسن الأحوال..

«تذكروا العراق».. «هل تريدون تكرار العراق».. تكرر استخدام هذا المنطق وتضاعف استخدامه على نحو غير مسبوق خلال الأيام الماضية. الجميع خائف من حرب مفترضة وكأن ما يجري منذ سنتين ونصف هو أقل من ذلك..

كل النقاشات والتحليلات بشأن الضربة ضد النظام السوري هي أسيرة العراق، مما جعل القتل اليومي في سوريا موتا ساقطا من الذاكرة..

العراق.. العراق.. العراق..

بات العراق صدى لأي جريمة وأي مجزرة..

لا يجهد أحد نفسه تقريبا لإقناع رأي عام غربي بأن سوريا ليست العراق وأن الثمن الذي يدفعه السوريون بسبب تجربة العراق باهظ وسيتجاوز الثمن العراقي إذا استمررنا في تجاهله..

وفي سياق استحضار العراق، تم تجاهل حقيقة أخرى أيضا تتمثل في الدور الذي لعبه النظام السوري في العراق نفسه وفي إفشال التجربة هناك، ذاك أن هذا الدور حاسم لجهة تزكيته ولجهة دفع العراق نحو الهاوية.

بهذا المعنى، فإن الخلاص من النظام في دمشق هو خلاص أيضا من دور رئيس في الأزمة في بغداد..

لقد استنفدت الضربة قبل حصولها، فالنظام السوري حضر ضحاياه مسبقا، والرئيس الأميركي باراك أوباما متردد، والانتظار صار ثقيلا ينوء تحته ضحايا مفترضون وضحايا قبلهم سقطوا بالكيماوي..

ثم إن الضربة وخلال انتظارها، امتصت الكثير من ظلامة السوريين، فضحايا الكيماوي صاروا ماضيا وتقدم عليهم ضحايا افتراضيون..

ابتلعت تجربة العراق ألم السوريين وهي ستبتلع المزيد إذا بقي هذا العجز قابضا علينا..

الشرق الأوسط

سوريا: هل يتراجع أوباما؟/ مصطفى اللباد

شكل خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير نقطة تحول في مسار التصعيد العسكري ضد سوريا، بعد قراره بتحويل الملف إلى الكونغرس الأميركي ليبتّ في الموضوع. يبدو خطاب أوباما والمعاني الكامنة فيه جديراً بالتحليل، كونه يكشف دوافع أوباما من التصعيد، وكذلك حدود قدرته باستعمال الأدوات العسكرية لتحقيق هدف الحفاظ على صدقيته، وفي الوقت نفسه عدم الإخلال بموازين القوى الحالية على الأرض السورية، تلك الموازين التي تكرس تعادلاً دموياً بين الأطراف المتحاربة، يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

خطاب أوباما

استهل باراك أوباما خطابه في حديقة البيت الأبيض أول من أمس بتقرير واقعة استخدام الكيماوي في سوريا باعتبارها «أسوأ استخدام للأسلحة الكيماوية في القرن الحادي والعشرين. الحكومة السورية قامت بالهجوم على مواطنيها، ومعلومات استخباراتنا تقول إن القوات السورية استخدمت السلاح الكيماوي لتقصف به أحد أحياء دمشق المأهولة بالسكان، فقتلت أكثر من ألف شخص نساء ورجال وأطفالاً. هذا اعتداء على الكرامة الإنسانية، ما يشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي. قررت أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية بشن ضربات على أهداف سورية ولكنها لن تكون تدخلاً مفتوح النهاية، ولن نضع قوات على الأرض. بدلاً من ذلك سنقوم بعمليات محدودة النطاق والزمن. أنا مقتنع بأننا نستطيع محاسبة نظام الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ونردّ هذا السلوك ونحجّم قدرته على تكرار ذلك. أخبرتني قيادة قواتنا أننا نستطيع فعل ذلك في الوقت الذي نريد، وأن الموضوع ليس حساساً للوقت. والضربات ستكون فعالة اليوم وغداً والأسبوع المقبل أو حتى شهر من الآن. أعي تماماً بأني رئيس أعرق ديموقراطية دستورية في العالم، ولذلك اتخذت قراراً ثانياً بالحصول على تفويض ممثلي الشعب الأميركي في الكونغرس للقيام بالضربة. حاولنا الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي المنقسم جداً، وتابعنا هذا الأسبوع برلمان حليفنا الأقرب انكلترا، الذي لم يفلح في تمرير قرار بالهدف ذاته، على الرغم من تأييد رئيس الوزراء له. وعلى الرغم من اعتقادي أنني أملك الصلاحية للقيام بهذا العمل، دون تفويض محدد من الكونغرس، إلا أنني أعرف أننا سنكون أكثر قوة إذا اعتمدنا ذلك الطريق، لأن خطواتنا ستكون أكثر فعالية. يجب أن نحصل على هذه المناقشة، لأن هذه القضية كبيرة للغاية على اعتبارها شأناً روتينياً. وهذا الصباح اتصلت بكل من جون بونير وهاري رايد ونانسي بيلوسي وميتش ماكونيل، واتفقنا أن هذا هو أفضل ما يمكن فعله لديموقراطيتنا».

تحليل مضمون الخطاب

بدا واضحاً من مضمون كلمة أوباما أنه يستهدف الرأي العام الأميركي المتخوف من انزلاق أميركا إلى مستنقعات الشرق الأوسط وحروبها، في محاولة للمزج بين اعتبار معاقبة النظام السوري، وفي الوقت نفسه تأجيل الحسم لأسباب كشفها مضمون كلمته. ولذلك فقد اختار أوباما من حيث الشكل الحديث من حديقة الزهور في البيت الأبيض، وإلى جواره نائبه بايدن بالملابس الرسمية ومن وراء منصة عليها شعار الرئاسة الأميركية وفي الخلفية العلم الأميركي. كان ممكناً لأوباما أن يلقي خطابه بشكل أكثر رسمية وصرامة داخل المكتب البيضاوي، الذي تعلن منه في العادة الحروب، على الأقل في عصر جورج دبليو بوش. لم يكن خطاب أوباما لإعلان حرب وشيك كما توقع كثيرون، وإنما للحديث علناً مع الرأي العام الأميركي حول خياراته وحساباته السورية. أشار أوباما في الجزء المقتبس أعلاه من كلمته إلى أمور عدة: أولاً، مسؤولية النظام السوري عن استعمال السلاح الكيماوي الأخير طبقاً لمعلومات أجهزة الاستخبارات الأميركية، منهياً بذلك النقاش حول التثبت من الجهة التي استعملته. ثانياً، أن ذلك الاستعمال يشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي، ما يبرر قيام أوباما بشن ضربات عقابية ضد أهداف سورية. ثالثاً، أن الضربات المقترحة للرد ستكون محدودة الهدف والنطاق، ولن تشمل قوات برية ما يطمئن الرأي العام الأميركي بوضوح إلى تورط محدود للغاية. رابعاً، وإذ شدد أوباما على قدرة الولايات المتحدة الأميركية على محاسبة النظام السوري، إلا أنه توخّى تفكيك حالة الضرورة القصوى للقيام بالضربة زمنياً، حيث يقول إن القوات الأميركية تستطيع معاقبة النظام السوري اليوم أو غداً أو الأسبوع المقبل أو حتى الشهر المقبل. خامساً، التوجه للحصول على تفويض من ممثلي الشعب الأميركي في الكونغرس، يأتي في اتساق مع كون الولايات المتحدة الأميركية هي أعرق ديموقراطية دستورية في العالم. تبرير يتسق مع سرعة بديهة أوباما، ويتسق مع تعبيراته البليغة على الأقل خلال فترة ولايته الأولى، ولكنه لم يكن مقنعاً هذه المرة بالرغم من ذلك. سادساً، يبرر أوباما قراره بالحصول على تفويض الكونغرس بأن محاولات أميركا للحصول على غطاء من مجلس الأمن قد باءت بالفشل، وأن البرلمان البريطاني حجب مشاركة بريطانيا إلى جواره في الضربة العسكرية، وبالتالي هو يتيح المجال للكونغرس الأميركي أن يناقش الموضوع ويعطيه تفويضاً أو يسحبه منه فيقدم له سلم النزول من على الشجرة التي صعد عليها في الموضوع السوري. باختصار ربح أوباما بخطابه ما يزيد على أسبوع من الوقت الثمين، انتظاراً لعودة انعقاد الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب في التاسع من الشهر الجاري، ومفسحاً الطريق أمام البرلمان الفرنسي الذي سيجتمع بعد غد الأربعاء، لاتخاذ قرار ربما مماثل لقرار البرلمان الانكليزي، ما يؤدي إلى تعزيز فرصة تراجع الكونغرس عن منح التفويض. ولا ننسى هنا أن أكثر من 143 عضواً في مجلس النواب أعلنوا بالفعل رفضهم لتوجيه ضربة إلى سوريا من حزب الشاي ومن الحزبين الجمهوري والديموقراطي.

تشير الفقرة الأولى من خطاب أوباما إلى العزم عن توجيه ضربة ما، وإلى تثبته من مسؤولية النظام السوري، ولكن الفقرات التالية تفضح رغبته في تخفيف اللهجة بطريقة ضمنية. ربما تشير واقعتان مهمتان إلى رغبة أوباما في التملص من شن ضربة على النظام السوري، الأولى أن أوباما لو كان حريصاً بالفعل على مشاورة الكونغرس، لكان قد فعل ذلك قبل تقديم المسألة إلى مجلس الأمن ومناقشتها فيه. والثانية أن أوباما اشترك في إسقاط النظام الليبي بعمليات عسكرية ذات نطاق زمني واسع وأهداف أكثر تنوعاً وليس مجرد توجيه ضربة عقابية له، من دون تفويض الكونغرس. وفي النهاية لا يقوى منطق الأخلاق على النهوض كوسيلة لتبرير مواقف أوباما المتراجعة في الأزمة السورية، حيث قدم السوريون أكثر من مئة ألف شهيد منذ اندلاع الحراك، ولم يحرك أوباما ساكناً طيلة أكثر من سنتين.

المصالح الأميركية وصدقية أوباما

يؤكد خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما ما ذهب إليه مقالي الأسبوع الماضي (السفير- سوريا: أوباما أسيراً لخياراته 26/8/2013)، من أن مصلحة واشنطن تقتضي منع أي من الطرفين المتحاربين من تحقيق الانتصار، لأن انتصار أيهما سيعني خسارة للولايات المتحدة الأميركية. انتصار النظام في سوريا سيثبت حضور المحور الذي تقوده إيران في المنطقة ويضم النظام السوري و«حزب الله»، أما انتصار المعارضة، التي يهيمن عليها منذ فترة الجهاديون والسلفيون الطالبانيون، فسيشكل تهديداً لأميركا وتحالفاتها في المنطقة. لذلك كلما تقدم النظام السوري لإحراز «إنجازات» على الأرض، سارعت واشنطن إلى مد المعارضة بالسلاح وتسهيل حصولها عليه. وبالمقابل كلما بدأت المعارضة في «تحرير» مناطق ومواقع، أوقفت إدارة أوباما الدعم العسكري واللوجستي لها، حتى يعود النظام السوري لتدارك الوضع على الأرض. هكذا مضى الوقت لمدة سنتين ونصف سنة دموية دفع ثمنها الشعب السوري من دمه وماله وأرواحه، لقاء وضع تعادلي يسمح بسفك الدم السوري، ولكنه لا يسمح لأحد الطرفين المتصارعين بالقضاء على الآخر أو الحسم العسكري على الأرض.

يتمثل هدف أوباما إذاً في استمرار الحالة الدموية التعادلية السورية، مع محاولة الحفاظ على صدقيته لأنه حدد خطه الأحمر باستعمال الأسلحة الكيماوية. سارت حسابات أوباما في طريق توجيه ضربة عسكرية محدودة تكرس الحالة التعادلية على الأرض السورية، وتكسبه مظهر الرئيس الحاسم في مواجهة المنطقة والعالم في الوقت نفسه. ولأن الهدف كان محدوداً ورد الفعل الدولي ليس مشجعاً، يبدو أوباما وقد قرر عبر خطابه أول من أمس أن يعيد التموضع إلى المنتصف.

يعني ذلك إبقاء خيار الضربة المحــدودة حاضــراً، وفي الوقــت نفــسه فتــح أبواب خلفــية للــهرب مــنها في حال قرر الــبرلمان الفرنــسي عدم المشــاركة أو حجب الكونغرس تفويضه. وفي أي الحالتين سيستمر الشعب السوري في تقديم الشهداء والجرحى، وستظل الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى تجري حساباتها على نحو شبيه بأوباما. ستعمل الأطراف المنخرطة كلــها للحــفاظ عــلى المأساة السورية من دون حل حتى يقضي كل منها وطره، وكل ذلك على ظهر الشعب السوري وبدمه الذي لا يدخل بالضرورة في حسابات تلك الأطراف كلها.

السفير

أوباما على خطى الأسد: الرد في الوقت المناسب/ جورج سمعان

الذين كانوا يقرعون طبول الحرب يمكنهم أن يستريحوا الآن. أمامهم ربما بضعة أيام أو أسابيع أو أشهر. الرئيس باراك أوباما اتخذ قراره بتوجيه ضربة إلى سورية، لكنه على مثال دمشق، ربما، هو الذي سيختار «التوقيت» المناسب! يستطيع شريكه ديفيد كامرون أن يتنفس الصعداء. لم يعد في حاجة إلى تقديم اعتذار إليه. بل يستطيع أن يمسح آثار الصفعة أو «الإهانة» التي وجهها إليه مجلس العموم برفض المشاركة في توجيه ضربة إلى نظام الرئيس بشار الأسد. كان ينظر قبل أيام بقلق إلى تحويل الرئيس فرنسوا هولاند فرنسا الشريك الأوروبي لأميركا، بدلاً من بريطانيا الشريك التقليدي، أو «حليفة الولايات المتحدة الجيوسياسية الأهم في العالم»، كما وصفها الرئيس فلاديمير بوتين. يمكن زعيم حزب المحافظين أن يطمئن اليوم. فالرئيس الأميركي أختار أن يقتدي بخطوته والتوجه إلى الكونغرس للحصول على موافقته.

كان في إمكان الرئيس أوباما الذهاب إلى الحرب بلا تفويض، وأمامه مهلة من ستين يوماً للعودة إلى الكونغرس من أجل شرح أسباب هذه الحرب. حتى عندما قرر الخروج على تردده فاجأ الذين انتظروا منه طويلاً التحرك بأنه يريد مزيداً من الوقت. هل خانته الشجاعة، أم خانته المواقف الداخلية والخارجية؟ وحتى عندما قرر أن يستعيد شيئاً من صدقيته بتغيير «قواعد اللعبة» إذا تجاوز النظام السوري «الخط الأحمر»، رهن هذا التغيير بالكونغرس. أدار ظهره للأمم المتحدة ومتاهة مجلس الأمن، لكنه أدخل قراره متاهة القضايا والانقسامات الحزبية الداخلية. ربما تذكّر بعدما ذكّره بعض خصومه بأنه كان يعارض، قبل وصوله إلى البيت الأبيض، اتخاذ الرئيس قرارات مصيرية كقرار الحرب من دون الرجوع إلى الكونغرس. لذلك قرر العودة إلى ممثلي الشعب الأميركي الذي أظهرت الاستطلاعات أن ثمانين في المئة منه يصرون على تفويض من الكونغرس.

التفت الرئيس أوباما حوله فلم يجد أحداً من أولئك الذين كانوا يعيبون عليه تقاعسه عن ممارسة دور بلاده القيادي في العالم. إنها عقدة الحربين على أفغانستان والعراق والتدخل في الصومال ونتائجهما التي لا تحتاج إلى شرح. وليست عقدة الأميركيين فحسب، بل عقدة غالبية الأوروبيين. انفض عنه شركاء كثيرون كانوا لشهور وأيام خلت يحضونه على ضرب هذا النظام بدعوى شروط الديموقراطية والوقوف على رأي الناخبين، حتى وإن بدا أن هذه الديموقراطيات تتراجع عما سعت إليه قبل سنوات عندما دفعت الأمم المتحدة، منتصف العقد الماضي، إلى شرعنة التدخل في الشؤون الداخلية للدول إذا استدعت الحاجة حماية المدنيين من خطر الإبادة. كان شبح تجربة حربي أفغانستان والعراق خصوصاً ماثلاً وأكثر حضوراً من الملف الكيماوي السوري، في مجلس العموم وفي عموم أوروبا.

كما هي الحال في أوساط الشعب الأميركي الذي يعارض أكثر من نصفه الخروج إلى أي حرب جديدة. وإذا كان لأعضاء الكونغرس أن يجاروا ناخبيهم هذه الرغبة فذلك يعني أن صفحة «الضربة» قد طويت… إلا إذا كان الرئيس ضمن مسبقاً موافقة صقور الجمهوريين على تنفيذ قراره بعيداً من المماحكات الداخلية. علماً أنهم كانوا يطالبونه بتحرك أقسى يطيح النظام السوري. وهم يتندرون اليوم أنه طالما ردد ويردد دعوته إلى رحيل الرئيس الأسد، فكيف يخطط لضربة لا يريدها سلفاً أن تغير في ميزان القوى على الأرض أو تطيح النظام في دمشق ما دام أنه بات يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها في المنطقة؟!

كثيرون يأخذون على الرئيس الأميركي تردده، بل تقاعسه، في كثير من المحطات والمنعطفات، وفي أكثر من قضية. شركاؤه في المحيط الهادي يستشهدون بموقفه من كوريا الشمالية. وحليفته الاستراتيجية إسرائيل تأخذ عليه مهادنته المفرطة في مواجهة الملف النووي الإيراني، وستزداد مآخذهم عليه. وشركاؤه العرب سجلوا ويسجلون عليه عجزه عن تنفيذ وعوده في القضية الفلسطينية، ورضوخه لغطرسة حكومة بنيامين نتانياهو. وبعضهم يأخذ عليه سكوته على ما جرى ويجري في سورية، وتهاونه أمام التحديات التي ترفعها روسيا وإيران في هذا البلد.

القرارات المصيرية رهن بأوقاتها. وقد فوت الرئيس الأميركي كثيراً من الفرص، وهذه لا تتكرر. لذلك يعتقد كثيرون بأن ثمة مشكلة قيادة في واشنطن. وسواء نفذ أوباما قراره بتوجيه ضربة أو خذله الكونغرس، فإن الظروف التي أحاطت بهذا القرار تكاد تفرغه من أي تأثير في مجرى الأزمة السورية. إذ لم يحدث أن استنفدت حرب هذا الوقت من الجدل العلني الذي أفقدها المفاجأة، العنصر الأهم في أي مواجهة ميدانية. ولم يسبق أن نالت حرب من قبل هذا الكم من الضجيج والتهويلات من هنا وهناك. كأن سورية فعلاً «أكبر تحد في عالم اليوم»، على حد ما عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. حرب «معلبة» سلفاً كأنها عمل هندسي له هيكلية واضحة: عقابية، تحذيرية، محدودة، جراحة تجميلية، مدروسة الأهداف، لن تسقط النظام، لن تغير في ميزان القوى على الأرض، ستعجّل الحل السياسي، وتقود إلى «جنيف 2»… إلى آخر هذه التوصيفات. كأن المطلوب سلفاً أن يستعد الخصم لتلقي الضربة. وأن يلتزم حلفاؤه الهدوء ما دام أن لا هدف لتغيير النظام أو حتى معالم مسرح العمليات!

من حق المعارضة السورية السياسية والعسكرية أن تعبر عن استغرابها لمنح الرئيس أوباما نظام الرئيس الأسد مزيداً من الوقت للاستعداد للضربة المنتظرة، تفادياً لخسائر جسيمة، أو لاختيار وسائل الرد بمساعدة حلفائه. ومن حقها أن تلقي باللوم على العالم الذي تردد ويتردد في نجدتها. وأن تندب «ربيعها» الذي أحاطت وتحوط به ظروف وتعقيدات وحسابات ومصالح إقليمية ودولية. ولكن ألا يجوز أن تسأل هذه المعارضة نفسها لماذا لم تستطع حتى الآن، بعد مرور عامين ونصف عام على ثورتها، وبعد سقوط أكثر من مئة ألف ضحية وكل هذا التدمير والتهجير في الداخل والخارج، كيف أنها لم تحسن تسويق قضيتها، ولم تتمكن من اقناع هذه «الديموقراطيات» الغربية بوجوب مساعدتها؟ ألا تسأل نفسها لماذا عجزت وتعجز عن اقناع «أصدقاء الشعب السوري» بوجوب مساعدتها ومدها بأسباب القوة سياسياً وميدانياً؟ ألم يحن وقت المساءلة وتغيير كل السياسة التي اتبعت منذ قيام «التحالف الوطني» إلى «الائتلاف الوطني»، أم أن العلة فقط في حلفائها الذين لم يعرفوا كيف يصطفون خلفها كما تقف موسكو وطهران خلف دمشق؟

الحديث عن «الضربة الأميركية» لم يعد مفيداً، سواء نفذ باراك أوباما قراره، أو خذله الكونغرس. ما دام الجميع، خصوصاً الراغبين في معاقبة الأسد، ليسوا مقتنعين بأن الحل العسكري هو الدواء الناجع للأزمة السورية. بل يتوخون من العملية «المحدودة» تحذيره من تكرار استخدام السلاح الكيماوي ودفعه إلى القبول بشروطهم للتسوية في «جنيف 2» أو «جنيف 3». ولعل الرئيس الأميركي استمع إلى بعض نصائح العسكريين الأميركيين المجربين بأن أحداً لا يمكنه التحكم بالمدى الذي تقود إليه الحرب بعد انطلاقها. وأن «الضربة» قد لا تظل محصورة بالساحة السورية. بل ربما لجأ النظام السوري إلى تحريك النار في دول الجوار. في حين أن واشنطن عللت قرع طبول التدخل ليس لردع دمشق عن اللجوء إلى الأسلحة المحظورة دولياً فحسب، بل لمنعها من تهديد الأمن القومي الأميركي، وتهديد جيرانها أيضاً، العراق والأردن ولبنان إلى تركيا وإسرائيل، كما سماهم أوباما.

في أي حال ان «الضربة المحدودة، أو «الجراحة المدروسة» قد تترك الأسد جريحاً. وهناك من يتوقع أن تدفعه نتائجها إلى مزيد من التشدد والقسوة في مواجهة خصومه. وقد لا يجد ضرورة لاستخدام السلاح الكيماوي، إذا كانت واشنطن بقرعها طبول التدخل أثبتت فعلاً أن تجاوز «الخط الأحمر» وحده سيدفع إلى تغيير «قواعد اللعبة» التي حصدت حتى الآن ما حصدت من أرواح… وإذا كان على العالم أن ينتظر موقف الكونغرس، فإن قمة قادة الدول العشرين في بطرسبورغ قد تشكل محطة هي الأخرى. فهل يلقى الرئيس أوباما التفويض اللازم أيضاً من شركائه؟ وهل يقنع الرئيس فلاديمير بوتين الذي قدم إليه تأجيل تسليم صواريخ «اس 300» إلى سورية لثلاث سنوات، فلا يخرج سيد الكرملين «منتصراً»، كما خرج من قمة الثماني في إرلندا الشمالية منتصف حزيران (يونيو) الماضي.

الحياة

هل تريد أميركا فعلاً التدخل بسبب الكيماوي؟/ عبدالله ناصر العتيبي *

هناك أربعة أسباب محتملة لدخول أميركا في معترك الأزمة السورية، والعمل على تغيير نتائجها.

السبب الأول هو الموقف الأخلاقي الأميركي تجاه استعمال نظام بشار الأسد أسلحة كيماوية محرمة دولياً ضد شعبه، وما نتج من ذلك من موت المئات من المدنيين. تظن أميركا أن من واجبها الأممي ومسؤولياتها العالمية الوقوف ضد أية دولة تخرق القوانين الدولية، من أجل عالم آمن ومنسجم. وما قام به نظام بشار يتعارض مع كل أدبيات هذا الواجب وهذه المسؤولية، الأمر الذي يحتم التدخل لإعادة النظام العالمي إلى مساره الطبيعي، وردع كل من يحاول أن يختبر قوة الأخلاق والعدل والحرية والكرامة.

وأميركا لها تاريخ حافل في هذا الجانب، فلطالما تحركت منفردة أو مع «فرق افتراضية» كان لها الدور الأكبر في تشكيلها، للوقوف بحزم أمام مغامرات أفراد أو جماعات أرادوا تركيع العالم أو أجزاء منه لرغباتهم ومصالحهم.

الإدارة الأميركية «الملاك هنا» لم تستطع أن تستصدر أمراً من مجلس الأمن بالتدخل العسكري تحت البند السابع بسبب الممانعة «الروس – صينية»، ولم تستطع تشكيل فريق افتراضي يضم الحليف التقليدي بريطانيا (الذي يمثل أحد أعمدة العالم الحر) بسبب تصويت مجلس العموم ضد المشاركة في أي عملية عسكرية ضد سورية، لكنها استطاعت رفع نسبة التأييد المحلي لهكذا تدخل (٩ في المئة قبل استخدام الكيماوي، و٤٢ في المئة بعد استخدام الكيماوي)، ما قد يدعم موقف الحزب الديموقراطي في انتخابات الكونغرس المقبلة في تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٤، واستطاعت أن تستميل الفرنسيين لجانبها، للمضي قدماً في مشروعها الذي لا يحتمل الإلغاء أو التأجيل، فالأسد تجاوز «الخط الأحمر»، ولا مجال للتراجع!

السبب الثاني، هو الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي ظل طوال أعوام يمثل تهديداً للدول الحليفة لأميركا في المنطقة، وما التذرع بمعاقبة سورية في شكل محدود لخرقها المعاهدات الدولية التي تجرم استخدام الأسلحة الكيماوية إلاّ غطاء للهدف الرئيس للتدخل المتمثل في الإطاحة بنظام الأسد واستبداله بنظام موال يضع مصالح الأميركان على رأس أولوياته دائماً.

ظلت سورية طوال أعوام الماضية عظمة في حلق الأطماع الأميركية في المنطقة، وامتداداً لخط ممانعة يمتد من إيران وحتى جنوب لبنان، وقد جاءت الفرصة لضرب هذا المحور الممانع تحت ذريعة حماية المجتمع الدولي من مجموعة من المارقين الدوليين الذين لن يرعووا عن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد كل من يخالفهم ويختلف معهم في المستقبل.

السبب الثالث يتمثل في حرص أميركا على حصار الحال الجهادية التي وجدت في الدولة الفاشلة حالياً «سورية» منطقة مناسبة للظهور من جديد والنمو والتمدد، ما سيهدد السلم والأمن العالميين. لن تستطيع أميركا القضاء على الجهاديين الذين لا يعترفون بالحدود الدولية إلا بإسقاط نظام بشار الأسد، ومن ثم تعيين قائد «كرزاوي» جديد يساعد الأميركيين في تطهير البلاد السورية من أصحاب الفكر الأحادي الذي لا يعترف بالآخر مطلقاً!

تظن أميركا أن الوقت ليس في مصلحتها في ما يخص المعركة الدائرة الآن في سورية بين النظام والمجاميع الجهادية المتشكلة من مختلف دول العالم بما فيها أميركا نفسها. وإن لم تتدخل في شكل يتناسب ويتماشى مع «اللوح العالمي المحفوظ»، فإنها ستصبح بعد أعوام قليلة وربما أشهر معدودة في مرمى قصف هذه الجماعات وتحت رحمة مساوماتها ومغامراتها!

السبب الرابع لتدخل أميركا عسكرياً في سورية هو مساعدة الثوار السوريين في بحثهم عن الحرية والعدالة والكرامة والمساواة، وتمكينهم من السلطة لحكم أنفسهم بأنفسهم، وذلك من خلال قصف مناطق القوة في جيش بشار الأسد، وبالتالي السماح لـ «لجيش الحر» (أو أي قوة أخرى يرتضيها السوريون وتباركها القوى الإقليمية) بالتقدم وتسلم زمام الأمور، وتشكيل حكومة انتقالية مدنية تعقبها انتخابات حرة ونزيهة لاختيار رئيس للبلاد وممثلين للشعب في المجالس النيابية.

هذه هي الأسباب الأربعة عزيزي القارئ التي لا يمكن أن تخرج عنها أسباب تدخل أميركا في سورية تحت غطاء معاقبة الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية، وما عليك إلا أن تحدد السبب الذي يتفق مع وجهة نظرك وبنائك الفكري والعقدي، لكن تذكر دائماً إن كنت عربياً متعولماً وعالمي الأفق واخترت السبب الأول، أو كنت بعثياً مستفيداً أو حزب اللهياً مؤمناً واخترت السبب الثاني أو كنت قاعدي الفكر أو مؤدلج العقل واخترت السبب الثالث أو كنت مواطناً سورياً في قرية نائية واخترت السبب الرابع، تذكر دائماً أن هناك طفلاً سورياً يموت كل يوم وآخر يفقد أباه، فيما تنعم أنت بطفلك في أحضانك. تذكر وأنت تصوغ الكلمات التي تدعم موقفك وتزخرفها بألوان اللغة أن هناك صبية يموتون كل يوم في سورية نتيجة قصف عشوائي، وتذكر أيضاً أن أميركا على مدى العقود الماضية ظلت بحسب رأينا تتنقل بين المواقف العدائية والصديقة، فيما هي تعتمد طريقة حكم واحدة لم تتغير ولم تتبدل ولم تصطدم بالشعب!

تتغير حاجتنا باختلاف أزماتنا. ندعو أميركا لإنقاذنا مرة، ونطلب منها عدم التدخل مرة. نرجوها مرة، ونلعنها مرة. أميركا ثابتة ونحن ندور، حلفاء كنا أو أعداء!

تذكر يا سيدي إن كنت تلعن أو تصفق، أنك عربي ضعيف، ضعيف وكفى.

* كاتب وصحافي سعودي

الحياة

مصداقية أوباما في ميزان الكارثة السورية/ د. خطار أبو دياب

الحرب، كما يَصفها الفيلسوف الإغريقي “هرقليطس” (Héraclite)، هي أمّ جميع الأشياء، “فهي تجعل من بعضهم آلهة، ومن آخرين عبيداً أو رجالاً أحراراً”. وهذه الخلاصة لا تَسترعي حكماً انتباه الرئيس باراك أوباما الذي يُفضّل دوام ارتباط إسمه بجائزة نوبل للسلام من دون أن يصنع السلام، ولذا حرص منذ تفاقم الازمة السورية على الابتعاد عن كل خيار عسكري وعن أي سياسة متماسكة وفعالة، إذ لم يستوعب ايضا مبدأ هرقليطس الآخر وهو: “كل شيء في حركة مستمرة وتغيّر”.

بعد عامين ونصف على اندلاع الصراع في سوريا وحولها، نشهد اليوم الكارثة الكبرى الأولى في القرن الحادي والعشرين. على رغم هول الكارثة والاستعصاء، لم يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته نتيجة احتجاز روسيا والصين لمجلس الأمن الدولي وغياب الارادة السياسية الاميركية، مما اعطى الانطباع بأننا أمام شريعة الغاب في فوضى عالمية تلائم سياسات موسكو وبكين، وتعكس ضعف الغرب وانهيار الزعامة العالمية ومفهوم الحوكمة بحد ذاته.

في خضم احتدام النزاع التدميري، أتَت مجزرة الغوطة الكيماوية في 21 آب الماضي لتشكل منعطفاً حاداً انكشفت فيه اوراق اللاعبين الإقليميين والدوليين، ووضعت سياسة أوباما على المحك بعد تعهداته (أو تورطه في هذه التعهدات أو اقتصار التعهد الفعلي حيال إسرائيل) حول الخطوط الحمر بالنسبة الى السلاح الكيماوي.

وفي هذا الصدد، يلاحظ الديبلوماسي الاميركي السابق فريديريك هوف الذي كان يتولى الملف السوري أنّ “الجديد تمثل في قيام الأسد بإذلال رئيس الولايات المتحدة وتدمير مصداقيته، سواءً في منطقة الشرق الأوسط أو في العالم”.

ويضيف هوف، “أن اعتقاد الأسد بأنه يستطيع فعل ذلك من دون عقاب، كان حساباً خاطئاً”. هكذا لولا التحدي الشخصي لأوباما لما كان فكَّر باستخدام القوة ورد الاعتبار لواشنطن أمام تحدي روسيا وايران لها في بلاد الشام.

في الايام العشرة الاخيرة، كانت الادارة الاميركية متخبطة ولم تفكر للوهلة الاولى في ردة الفعل أو الضربة العسكرية المحدودة في الزمان والمكان، لكن ضخامة المسؤولية الاخلاقية وبشاعة المجزرة وصورة الولايات المتحدة كانت عوامل كافية ليُغيّر أوباما تكتيكاته.

لكن الضجيج الاعلامي ودق طبول الحرب لم يأتيا بالنتيجة المرجوة، إذ افرغت دمشق بنك الاهداف المفترض، وسرعان ما اتسم موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتشدد استناداً إلى موقف ايراني مصمّم على المواجهة ولو حيال ضربة محدودة ورمزية.

ووفق الاوساط الاوروبية المطلعة، لم تنجح زيارة جيفري فيلتمان مساعد الامين العام للأمم المتحدة إلى طهران (كان بمثابة ناقل الرسائل الاميركية للرئيس حسن روحاني) في تبديد هواجس إيران، ولم يصمد موقف روحاني المعتدل والمتفهم أمام موقف الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الايراني في الخارج، الذي هدَّد بالويل والثبور وتحويل بلاد الشام إلى كتلة نار تصيب اسرائيل والغرب ومصالحه.

أمام التلاحم في المحور المؤيد للنظام السوري، أتى التصويت السلبي لمجلس العموم البريطاني ليعقد قرار الدول الراغبة في معاقبة النظام السوري، وزاد ذلك من تردّد أوباما على رغم التزام هولاند بوقوف باريس إلى جانب واشنطن للدفاع عن مصالح مشتركة في شرق المتوسط. وليل الجمعة 30 آب، اتخذ اوباما قراره بتأجيل الضربة وربما الغائها تحت غطاء طلب موافقة الكونغرس. مرة جديدة، يثبت أوباما أنه ليس رجل القرارات الصعبة، ولا يملك جرأة اتخاذ المواقف الحاسمة.

من الناحية العملية، يركز اوباما على عدم التورط في الرمال السورية المتحركة ويصرّ على الابتعاد التدريجي عن الشرق الاوسط، وهو يحاكي الرأي العام الاميركي الذي هزَّه الانخراط المكلف في افغانستان والعراق. الأهم اذن بالنسبة الى أوباما ليس مأساة الشعب السوري وحمايته، بل العامل الداخلي اولا وتشريع الكونغرس لأي خطوة يتخذها.

من الاسباب الممكنة للتراجع الاوبامي عدم الرغبة في الصدام المفتوح مع روسيا، والأرجح تفضيل الرئيس الاميركي عدم القطيعة ومحاولة ايجاد مخرج مع بوتين على هامش قمة العشرين في سان بطرسبورغ يومي 5 و6 أيلول.

استناداً إلى هذه المعطيات تبدو الصورة غامضة ومشوشة، وسيكون لإسرائيل دور في تظهير الموقف الأميركي الأخير لأنّها سهلت المفاوضات مع السلطة الفلسطينية في مقابل تشدد أميركي مفترض في الملف النووي الايراني، ولأن ثقلها في الكونغرس يمكن أن يقلب المعادلة.

إزاء كل هذه الاحتمالات يضع أوباما صدقيّته على محك تتمّات الأزمة السورية، ومن دون شكّ سيؤدي التراجع الاميركي أو عدم فعالية السياسة الاميركية إلى تقوية خصوم واشنطن، أي طهران من جهة والجهاديين من جهة أخرى، وترك المشرق مسرحا للسيطرة الروسية.

الجمهورية

لماذا معاقبة مجرم حرب بإشعال حروب أخرى؟/ مطاع صفدي

 ينجح نظام دمشق في جذب (التدخل الدولي) إلى عقْر داره، والمشرق العربي هل يسرّه أنه يستعيد سمعته التقليدية باعتباره أرض البراكين الموقوتة، تلك التي تنفجر اليوم أو تلك التي تؤجل انفجارها إلى الغد، لكن الثابت في مقدرات هذا الوطن الجريح أن لغات النيران وحدها هي المتبادلة بين الأيدي كلما أعياها التراشق بالألفاظ الملغومة ما بين الألسن.

هذا المشرق العربي باتت حياته اليومية مرتهنة بوقائع المهالك الجماعية المباشرة أو بأحداثها الكئيبة المتواترة. فليس ثمة وطن تحتله جبهات قتال من كل نوع، يمكنه أن ينشئ مجتمعاً سوياً على الأقل، وليس مجتمعاً للديمقراطية والحرية، كما يحلم شبابه الصاعد. فالرحلة نحو هكذا مجتمع لا تزال تحبو دون خطواتها الأولى؛ ومن يثابر على التمسك بفلسفة هذه الرحلة، لن يكون سوى ذلك المواطن العادي الذي تلقاه في شوارع المدن الصامتة أو الصاخبة، طوائف المصدقين لحتمية الديمقراطية ليسوا هم الفاعلين للأسف في مجريات الجبهات المفتوحة.. هم من صنف البشر المهمشين غالباً، أصواتهم ضعيفة ومتناثرة تحت أزيز الرصاص المتصاعد فوق رؤوسهم، لكن أمكنة الهوامش وسكانها ليسوا منسحبين من خارطة الواقع بقدر ماهي الهوامش تؤطر النصوص تحاصرها بمراجعها الأصلية.

ما نقوله أن ‘الربيع العربي’ ليس مضطراً أن يتقبل كل حراك جماهيري رافع لاسمه أو مردّداً لشعاراته؛ ليست كل الساحات الدموية هي من صنع شريعته التي لم يكتبها أحد بعد، ولم تصدر بها وثائق ممهورة بتواقيع شرفاء الثوار وحدهم، بل ربما تحول الربيع العربي أحياناً كثيرة إلى مجرد هامش مطرود ومطارد من قبل محازبيه المدعين أنفسهم. بل هو الربيع العربي فارسٌ هُمام، فريدُ عصره وزمانه، وقد تتخاطف موائدُ اللئام حضوره في كل صقْع تسود فيه شائعاته أكثر من أفعاله، وفي هذا الخضم الهائل من كل المقتلات والمهالك سوف يمسي الربيع هو الغريب الأوحد، الميّتم بين أهله المدّعين لقرابته. وفي المنعطف الراهن حيثما في الصميم من خضم الأهوال هذا قد ينفجر بركانُ جهنمٍ جديد، وفريد نوعه ولا شك. فقد نجح نظام الاستبداد الدمشقي أخيراً في جذب وحش التدخل الدولي إلى عقر داره، إنه المنعطف الذي سيجعل حقاً كل ما سيأتي به وما يليه لن يشبه في شيء مما كان سبقه.

مرة أخرى سوف ينخفض صوت ‘الربيع′ الداعي إلى الثورات، ليعلن ‘التدخل’. أن أصوات الحروب هي المدوية بعد اليوم، ما يعنيه التدخل هو أنه لا يأتي معاقباً لمجرم استثنائي في تاريخ نوع الإجرام الشمولي بحق الإنسانية، بل ربما جاء ناشراً معمماً لأسباب الجرائم العظمى ضد الإنسانية، في كل ساحة دموية قائمة أو آتية.

هل أصبح من يسمى بالمجتمع الدولي عاجزاً عن معاقبة مجرم إلا باشعال حرب أو حروب أخرى، فلو كان هذا المجتمع أميناً ومؤتمناً فعلاً على شريعة العدالة أصلاً، ما كان لهذه الجريمة أن يستفحل وباؤها، أن يوغل الاستبداد الدمشقي في ارتكاب فظائع المجازر، جاعلاً منها إيقاعاً ثابتاً لممارسته حرب الإبادة الجماعية لشعبه وحضارة بلده.

أما كان باستطاعة المجتمع الدولي أن يُحيل مجرم العصر على المحكمة الدولية، هو وأعوانه وأدواته من الجلادين، أما كان الرأي العام العالمي، وليس الغربي فقط، سوف يقدم كل مساندة ومؤازرة لمسيرة هذه المحكمة التي قلما تركتها الدول الكبرى تمارس نشاطها القانوني ضد طواغيت السياسة العالمية، تطهر هذه السياسة من البربرية المستدامة، والمحمية بأعلى الدبلوماسيات المريبة.

فهل لم تعد لدى ضمائر الغرب من وسائل التكفير عن خيارات التسامح مع قتلة الشعوب، الا بقتل المزيد من الناس.. فالتدخل العسكري مهما ادعى أصحابه كونه محدداً ومنظماً، فإنه لا بد من أن يكون له قتلاه كذلك، بل لا بد أن تكون له تداعياته السلبية التي لن تتوقف أضرارُها على النظام وأهله فحسب، والحقيقة فإن أية مناقشة هادئة لمفاعيل هذه الضربة (المحدودة) ستبرز مدى تبعاتها السلبية التي ستتجاوز بعيداً مساحتها الأصلية بشرياً وجغرافياً. فإن عودة ‘الحرب الدولية’ إلى الشام، إلى صميم المشرق العربي، لن تكون ظاهرة عارضة، مهما كانت نتائجها المباشرة، سواء كان تأثيرها في نظام دمشق محدوداً أو متواتراً، فالضربة الأمريكية/الدولية سوف تهز كل المعادلات السياسية القائمة، وما مظاهر الحيرة والارتباك في الجو الأمريكي والأوروبي التي تسبق القرار إلا دليل العجز الواضح لدى كبار المسؤولين عن الاتفاق ليس فقط حول درجة الضربة، والغاية الفورية المترتبة عليها، بل لعل الخلاف هو حول السيناريو الأبعد والأشمل لمتغيرات المنطقة، وليست لسورية وحدها، بعد هذه (الغزْوة) الحربية الجديدة للغرب؛ فالاحتمالات كثيرة ومتشعبة، وما يزيد في هذا القلق الاستراتيجي هو أن العقل الغربي لم يحسم أمره بعد في شأن بقاء الأسد ونظامه. لن تتوقف الأزمة إذن عند أو بعد إنجاز الضربة الصاروخية. هذا هو الحد الأدنى الذي تتفق حوله آراء الدول الغربية لكنها من ثمَّ تختلف في كل اتجاه؛ لا بد من الضربة لكن ما هي نوعيتها، وما الغاية الفعلية منها، تلك هي الأحجية المسكوت عنها في ضمائر هذه الدبلوماسية الدولية، هل هذه الضربة تتمتع بخصائص العقوبة القانونية المشروعة، وإن لم تصدر عن محكمة عالمية معروفة، ومع ذلك قد يقال أن الضربة اكتسبت مشروعيتها كأمر واقع فرضه أوسع رأي عام دولي شعبي أكثر منه رسمياً أو حكومياً، وقد استفزته فظاعة الجريمة غير المسبوقة. فلم يحدث في تاريخ الإجرام السياسي والأهلي أن حاكماً يقرر عن سابق تصور وتصميم تسميم مئات من أطفال شعبه، مع معرفة الجميع أن تلك الجريمة النكراء جاءت ذروةً لمسلسل من فظائع الإبادات الجماعية التي قضت على عشرات الألوف من الأبرياء المدنيين، لكن هؤلاء الضحايا لو كان لهم أن ينطقوا لأعلنوا رفضهم القاطع أن تعاقب سوريا كلها باسم معاقبة الجلاد الأكبر؛ وذلك انتقاماً لنكبتهم.

رغم هذه المشروعية الإنسانية الشاملة التي يمكن للضربة العسكرية أن تدعيها، فإن الرأي العام الدولي الغاضب كان يفضل أن تصدر هذه الضربة عن محكمة دولية كعقوبة؛ بل كمدخل أمني للعقوبة العادلة الأصلية، وهي القبض على المجرم المنتهك الأول لجوهر القانون الدولي.

هكذا يمكن لضمير الإنسانية أن يستعيد طمأنينته الأخلاقية قليلاً: عندما تصان حرمة القانون الدولي من أذَيّات النفاق السياسي المتعامل بمصطلحات المصالح للدول الكبرى.

ليس المجتمع الدولي (الحقيقي) مضطراً أن يشن حرباً على بلد من أجل أن يعاقب جلاده، وليس أبداً من أجل تحرير البلد من سلطانه، لا شك أن الأخطر في غابة هذه التهويلات التي تمارسها كل الأطراف ضد بعضها، هو أن جلاد السم الكيميائي يعتبر ضمناً أو ترميزاً أن حفلات التسميم التي نفذها على مراحل طيلة الأشهر السابقة، ليست سوى تمارين أولية وقد توَّجها بحفلة التسميم الكبرى لأطفال (الغوطة) ونسائها، وأن كل هذه الحلقات لن تكون سوى مادة التهديد الأعظم الذي يعده ضد الجميع، باستخدام الحرب الكيمياء في أوسع نطاق، ضد شعبه أولاً، وربما سيتجرأ كذلك على ضرب الدول المجاورة. هذا التهديد قد يكون تحقيقه مستحيلاً لأسباب كثيرة، لكنه واقعي جداً من حيث أنه يتمتع بكل النوايا السيئة في ضمائر أصحابه.

أليس من المحزن حقاً أن يتابع كبار ساسة العالم الغربي سجْنَ عقولهم في منطقة ردود الفعل إزاء أهم الأحداث دون أن تكون لهم الإرادة الفورية لاستعادة زمام الأمور، حتى عندما لم يتبق لديهم سوى وسيلة الحروب يشتونها على الشعوب المستضعفة للحفاظ على رواسب مصالحهم كما يدعون، فإنهم لن يكونوا واثقين من إمكان سيطرتهم على نتائجها، وليست مواقف كبارهم من ثورات الربيع العربي، ومن المذبحة السورية المستدامة خاصة، سوى أدلة، فاقعة ليس على تخليهم عن اصطناع سياسة المبادئ فحسب، بل على عجزهم عن القيام بأعباء مصطلحهم المفضّل حول (السياسة الواقعية).

هذا السلوك الدولي الذي استهلك صولاته وجولاته العنترية الغابرة، بات مجرد حركات متأرجحة بين الإقدام والنكوص، فلم يستطع أوباما أن يحشد حلفاء أمريكا التقليديين وراء مشروعه العسكري التأديبي ضد حكام دمشق، فلقد تخلّفت معظم دول الاتحاد الأوروبي عن دعم الزعامة الأمريكية ماعدا دولة فرنسا التي يبدو أن قراراتها الرئاسية تسابق ديمقراطية مجالسها النيابية. فهل ستذهب أمريكا إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط وهي شبه وحيدة هذه المرة ما خلا بعض أتباعها من دول الشرق الأوسط؟ من الواضح أن أوباما قد قطع على نفسه طريق الرجعة أو التراجع، والمقتلة الجديدة في سورية أمست واقعة لا محالة، لأول مرة لن تكون مقتلة أسدية، بل أمريكية أوبامية. فقد تعددت عناوين المقتلات الجماعية في هذا البلد العربي المنكوب وكان حصادها دائماً واحداً هو الموت، وضحاياها المجهولون هم شعب المدنيين الأبرياء.

ليت أوباما يمارس تردده المعتاد، لن يكون تراجعه عن ارتكاب المعصية القانونية والأخلاقية الجديدة، لن يكون تراجعه هزيمة سياسية بقدر ما سيكون انتصاراً أخلاقياً حتى على السياسة الضالة نفسها، فليسلمْ المقتلة الرهيبة كقضية عدالة كبرى إلى مراجعها الشرعيين. فليخرج العدالة الدولية من متاهاتها الدبلوماسية، ليطلق حرية المحكمة الدولية في الممارسة والمقاضاة الشرعية لكن… هل هناك رئيس أمريكي يجرؤ يوماً على منح المحكمة الدولية مقعداً يعلو مرتبةً واحدة على الأقل ما فوق مقعد كل رئاسة دولانية أخرى.

لو تحققت ذات يوم تلك الحرية الشرعية للمحكمة الدولية هل يبقى لمركّب الاستبداد/الاستغلال ثمة دول وسلاطين تعيث فساداً في إنسانية هذا العالم البائس. هل هذا هو المدخل الأصعب نحو مصطلح ‘العالم الأفضل عندما تصبح العدالة سيدةً على قرارات الحرب والسلم مابين دول، قادرة على اصطياد وحوش الأنظمة الاستبدادية وشعوبها المناضلة.

القدس العربي

راهنية جورج بوش الابن تحاصر أوباما/ وسام سعادة

لحظة التشاور مع الكونغرس هي في الحقيقة تكثيف للحظة حيرة بين أمرين، أولهما “التركة الثقيلة” لتجربة جورج بوش الابن، وثانيهما “راهنية” الكثير من التصوّرات التي رافقت تلك التجربة.

أمّا عن التركة الثقيلة، فهي المتأتية أساساً من عدم قابلية الترويج لنموذج “الاحتلال التحريري” الأميركي للعراق كعلاج نافع للاستبداد والإرهاب في العالم الثالث، الأمر الذي أدى من ثم إلى انتشاء الاستبداد والإرهاب مجدداً.

أما عن التصوّرات التي تكتسب راهنية، فهي التي تقول بعدم كفاية ترك الأمور لنضال الشعوب الرازحة تحت أنظمة الاستبداد والطغيان لوحدها كي تحرّر نفسها بنفسها. فهناك بلدان كالعراق وسوريا يرث فيها النظام الديكتاتوري “الوطني – الفئوي” الآليات الاستعمارية ضد الشعب الذي يقمعه، ويقسّمه إلى معازل منفصلة عن بعضها البعض، ويحرّم عليه التعددية الثقافية أو الإقليمية أو الدينية أو القومية في الوقت نفسه باسم فضائل الانصهار ومثالات الدولة المركزية. وفي هذه البلدان فإنّ التحوّل الديموقراطيّ لا يمكنه أن يستند لا إلى تجربة تحديثية تنموية ناجحة أمّنها الاستبداد، ولا إلى حركة وطنية جامعة شكّلها النضال ضد هذا الاستبداد من بعد الاستعمار. وبالتالي، فهي بلدان، إذ يستخدم النظام فيها تقنيات المستعمر، ويتعامل مع السكان كاستعمار داخلي لهم، فإنه يفرّغ مبدأي “حق تقرير المصير للشعب” و”حق كل بلد في اختيار نظام الحكم الذي يرتأيه”، حين يصيران حقاً للطاغية في التنكيل الدامي بجزء يزيد أو ينقص من أبناء هذا الشعب.

وإذا كان الربيع العربي في سنته الأولى أظهر مشهدية انتفاضية لا تحتاج لتصدير الديموقراطية إليها بالدبابات، إلا أن الكارثة الدموية السورية أظهرت كذلك الأمر المصير الذي يهدّد شعوباً كثيرة أخرى في عالم اليوم لو أنّ ثقافة “حقوق الإنسان” العالمية وما يستتبعها من “حق تدخّل إنساني” انهارت بشكل حاد، ومن دون بدائل، في عالم اليوم.

فإذا كانت جسامة الفشل الأميركي في العراق أنه يضرب بشكل عميق فكرة إسقاط الأنظمة الاستبدادية بالتدخل الأمبراطوري التعسفي من الخارج، فإن خطورة الوضع السوري أنه يؤسس لسابقة كارثية من المخيف، لكن الواقعي تماماً، أن تتعمّم في بلدان أخرى خارج النادي المغلق للحضارة الغربية.

من هنا، إذا كانت كل فلسفة باراك أوباما الانتخابية ضد جان ماكين هي عثرة أميركا في حرب العراق، ونقد تفرّدها الذي استنزفها، فإن الوضع السوري يعود ويعطي حيثية لذلك الموقف المحافظ الجديد الداعي إلى تخطي المنظمة الدولية.

عندما شنّ بوش الابن حرب احتلال العراق لم يكن ثمة أي استحقاق يستدعي تلك العجلة على مستوى نظام صدام حسين. فالاجتياح الأميركي ـ البريطاني تمّ بعد انقضاء سنوات عديدة على ارتسام خطوط الحظر الجوي الشمالية والجنوبية، ولم تكن هناك وقتها انتفاضة ثوروية ومسلّحة ضد النظام. لم يقتنع كثيرون بصحّة التعليل الأميركي للحرب (برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية)، وهذا ما دفع الولايات المتحدة للتفرّد… مع بريطانيا.

أمّا الآن، فالتفرّد الذي وجد أوباما أن سلفه كان في غنى عنه في العراق، فهو الآن شبح يطارده في المسألة السورية. فهذه المسألة لا حل لها بعرفه، في أروقة المنظمة الدولية، لا قبل ولا بعد استخدام الكيماوي، وإن كان هذا الاستخدام لحظة نوعية خطيرة.

من جهة، يستعيد باراك أوباما نفس منطق جورج بوش الابن (تدخل عسكري “إنساني”، من دون تغطية أممية)، ومن جهة ثانية يحاول أن يتبرأ من هكذا وجه. لكنه في مسعاه هذا، وحين يطلب مشورة الكونغرس، فإن ما يفعله هو في جزء أساسي إعادة الاعتبار لرهانات المحافظين الجدد.

فسوريا سابقة خطيرة في عالم ترنّحت فيه الديموقراطية كثيراً في السنوات الماضية. والأخطر أن عطل المنظمة الدولية يتضاعف. فمن مشكلات العالم أن نظامه الدولي كما صنعه الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية، لم يتبدّل في نهاية الحرب الباردة، الأمر الذي سينعكس سلباً على القوة الغانمة لتلك الحرب: أميركا.

وسط كل هذا، عبثاً يحاول باراك أوباما القول إن تصوره عن التدخل الدولي اليوم هو نفسه وقت انتخابه لأول مرة. لا، ثمة إعادة اعتبار ولو ضمنية لمنطق جورج دابليو بوش، وثمة في الوقت نفسه اهتمام حسيس بغسل اليدين من ذلك. في الحالتين، يحاصر شبح بوش الابن أوباما: مرة حين ينوي على الفعل المنفرد، ومرة حين يستشير الكونغرس الذي على يمينه.

مع ذلك، لا ينبغي المكابرة على مشكلة أساسية وقع بها أوباما. وهي أنّه خاطر بتوتير الجو الدولي لأيام ثم برّده، وهذا في الحرب الباردة يذكر نوعاً ما بإحجام نيكيتا خروتشيف من بعد تصعيده في المسألة الكوبية، ما شكّلت منعطفاً نحو خسارة السوفيات للحرب الباردة.

لكن هذا الخطأ الذي وقع فيه أوباما سيتكفّل النظام السوري بتصحيحه بمجرّد أن يعتبر تمديد لحظة الضربة بمثابة إشعار له بأن اقتل المزيد ثم المزيد.

المستقبل

أوجه الضربة المحتملة على سورية/ إيتيين كوبِل *

التدخل في سورية ممكن على ثلاثة أوجه أو سيناريوات، هي الآتية:

1) تدخل لا تشارك فيه الولايات المتحدة. وهو مستبعد.

ويقضي الاحتمال هذا بتوجيه سلاح الجو ضربات من بعيد من غير مؤازرة قوات برية فلا تسقط ضحايا في صفوف الحلفاء. وتطلق طائرات «رافال» أو «تيفون» أو «ميراج 2000» صواريخ «سكالب» الطويلة الأمد، على نحو ما جرى في ليبيا في 2011. وفي مقدور صاروخ «سكالب» إصابة أهداف صلبة مثل مرائب الطائرات المصنوعة من خرسانات مسلحة، ومراكز القيادة. وهو محمل بـ «شحنتين» أو طلقتين متتابعتين فتفجر الثانية المدرج وتقتلع البلاطات عن مساحات واسعة منه ليتعذر ترميم الأضرار. والهجوم بواسطة صواريخ «سكالب» يحول دون توسل النظام سلاح الجو لشن هجمات على الثوار، ويقوض عمل نظام الاتصالات. ولكن الصواريخ هذه لا تصلح لاستهداف أهداف متحركة أو محجوبة. ويقتضي تدمير الدبابات والمدفعيات ومركبات النقل الحربي استخدام مروحيات تصيب الأهداف المتحركة. ولكن المروحيات هي في مرمى نيران الخصم. وفي جعبة جهاز «ألات» (الطيران الخفيف التابع للقوات البرية الفرنسية) مروحيات ممتازة الأداء من طراز «تيغر» اختبرت في مالي وليبيا. وإذا استعملت هذه الطائرات في سورية، يفترض إطلاقها من على متن حاملة المروحيات/ ميسترال» أو حاملة الطائرات شارل ديغول.

2) ثاني السيناريوات الثلاث، يفترض مشاركة الولايات المتحدة في الهجوم. ويُرجح أن يتصدر أولويات الأميركيين تدمير الأسلحة الكيماوية. ولكن استهداف الصواريخ «الكيماوية» عسير. ويتعذر تمييز حجمها من الصوارخ «العادية» أو الكلاسيكية. ولكن في وسع الأميركيين تحسين الخطط الفرنسية أو البريطانية من طريق توسل صواريخ كروز الموجهة. وقدرة هذا النوع من الصواريخ على إصابة هدفها عالية. فهي صواريخ دقيقة وقوية، في الإمكان إطلاقها من غواصات أو سفن حربية أو طائرات، ويسعها شل المقاتلات السورية ومراكز القيادة السورية والاتصالات. وفي المتناول تدمير القصر الرئاسي. ولكن، يرجح أن يحتمي الرئيس بملاجئ آمنة لن تكون في منأى من الصواريخ.

تمتلك القوات العسكرية الاميركية والمدنية (جهاز الـ «سي آي أي») طائرات من غير طيار عالية القدرات التجسسية والتدميرية. والطراز الأميركي الذائع الصيت «بريدايتور» سطر ملاحمَ في أفغانستان وباكستان، إذا لم تُحتسب في ميزان تقويمه الضحايا البشرية والنتائج السياسية السلبية المترتبة على ضرباته.

في عتاد سلاح الجو (الفرنسي) طائرات «A10» النفاثة وسرعتها أدنى من سرعة الصوت، وهي تُعرف بشاحنات القنابل. فهي مقاتلات بالغة الدقة وفي وسعها تدمير الأهداف، على اختلاف أنواعها. وهي في منزلة بين المروحيات والطائرات الأسرع من سرعة الصوت، أي يجمعها بالمروحيات هشاشة وقوعها في مرمى نيران الخصم من جهة، والقدرة على إسناد القوات حين اندلاع القتال، من جهة أخرى. ومنذ عقود صنع الأميركيون قنابل بالغة القوة هي القنابل الخارقة. وهي قادرة على تدمير مواقع محصنة و «مدفونة» عشرات الأمتار في أعماق الأرض.

3) السيناريو الثالث قوامه إرساء مناطق حظر جوي. غالباً ما يدور الكلام على مثل هذه المناطق. وفكرة إرسائها يعتد بها. فهي تقضي بحظر الطيران فوق منطقة ما وحماية السكان. ولكن فرض منطقة حظر عسير في بلد مثل سورية مساحته أصغر من العراق حيث فرض حظر جوي في مناطق الأكراد. ولكن في المقدور إرساء الحظر إثر توجيه سلسلة ضربات مكثفة إلى الدفاعات الجوية السورية.

والحق أن كفة هجوم مشترك تشنه القوات الجوية الأميركية والفرنسية والبريطانية تؤازرها صواريخ كروز راجحة. والهجوم هذا محدد المدة. وعلى لائحة الأهداف مدارج الطيران السوري، وكل مرائب الطائرات المقاتلة ومراكز الرادارات، ومواقع إطلاق الصواريخ، ومراكز الاتصالات وعدد كبير من مراكز القيادة. وفي وقت أول لن تُدمر كل قدرات بشار الأسد «الكيماوية». ولكن مثل هذه الضربات توجه له رسالة مفادها أن ضربات أكثر دقة ستوجه إلى الأهداف المتحركة إذا شُن هجوم كيماوي جديد.

* قائد سلاح الجو الفرنسي السابق، عن «لوموند» الفرنسية، 30/8/2013، إعداد منال نحاس

الحياة

التفصيلي والجوهري/ عبدالله إسكندر

مع إحالة الرئيس الأميركي باراك أوباما مسألة تقرير الضربة العسكرية للنظام السوري على الكونغرس، انتقلت المسألة من القضية الجوهرية والأساسية إلى تفصيل صغير.

القضية الجوهرية هي أن نظاماً سياسياً، هو النظام السوري، استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه الرافض له. والتفصيل الصغير هو كيفية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة في شأن عمل عسكري. والغرق في هذا التفصيل سجل قبل ذلك في بريطانيا التي رفض مجلس العموم فيها مشروع رئيس الحكومة ديفيد كامرون المشاركة في الضربة تخلياً أخلاقياً لا سابق له بالنسبة إلى القضية الجوهرية. إذ طغت حجج ضرورة الضربة أو الامتناع عنها على السبب الأساسي الذي كان وراء إثارة مسألة الضربة، أي إقدام النظام السوري على استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين.

ونشهد حالياً أيضاً غرقاً مماثلاً في هذا التفصيل في فرنسا حيث يدور الجدل حول شرعية قرار الرئيس فرنسوا هولاند، أو ضرورة أن ينال موافقة البرلمان بغرفتيه، على رغم وضوح الدستور الفرنسي لجهة حق الرئيس في اتخاذ هذا القرار.

القضية لا تتعلق هنا بكيفية اتخاذ القرار في بلدان غربية ذات نظم ديموقراطية مختلفة، إنما تتعلق بكيفية تعامل المجتمع الدولي، بكل مكوناته، مع إقدام نظام على استخدام سلاح قتل شامل ضد شعبه، بغض النظر عن ظروف هذا الاستخدام أو مبرراته.

إن استخدام السلاح الكيماوي، سواء ضد مقاتلين أو مدنيين، يبقى جريمة موصوفة ضد الإنسانية وإبادة جماعية، مهما كان الموقف من الضربة العسكرية الغربية للنظام السوري. وينبغي التعامل مع مجزرة غوطتي دمشق على هذا الأساس، بما ينطوي عليه ذلك من خطوات على مستوى الأمم المتحدة وعلى المستويات الدولية الأخرى الثنائية والفردية، ضد من أمر واشترك ونفذ. وذلك بغض النظر عن أي ضربة عسكرية «عقابية» للنظام، ما دام تغييره ليس هدفاً للضربة.

أما الذين، خصوصاً في منطقتنا، يعارضون الضربة بوصفها عدواناً غربياً على سورية وتدخلاً خارجياً في شؤونها، فإنهم يسقطون في محظور التخلي الأخلاقي والسياسي إزاء جريمة إبادة جماعية. ليس لأن الضربة وحدها يمكن أن تشكل رداً على الجريمة، وإنما لأن هذا الموقف يحرف القضية برمتها من جريمة سياسية وأخلاقية وإنسانية إلى نزاع نفوذ مع الغرب.

ولو أن ثمة إدراكاً عميقاً لدى دول العالم، خصوصاً في أكثر الدول حماسة لفظية لتوجيه ضربة للنظام السوري أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لمعنى صدور أمر استخدام سلاح إبادة جماعية، لكان الأجدى البدء في اتخاذ إجراءات فورية تظهر الطبيعة التوتاليتارية والعنصرية لهذا النظام على مستوى الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث لا ينفع الدعم الإيراني ولا الفيتو الروسي – الصيني. وتجعل من هذا النظام منبوذاً ومكروهاً، سياسياً وأخلاقياً.

ليس المطلوب، بأي شكل من الأشكال، تحريض الغرب على ضرب النظام السوري، لأن مثل هذه الضربات تقويه إن لم تقض عليه. في الوقت الذي لا يريد أحد التورط بحرب جديدة ومكلفة في سورية. إنما المطلوب أساساً عدم نسيان طبيعة جريمة غوطتي دمشق وطبيعة النظام الذي أمر بها، وإيجاد الرد السياسي البعيد المدى الذي يقضي على كل أشكال الديكتاتوريات التي تتيح مثل هذه الجرائم.

الحياة

تهديدات الأسد لفرنسا/ رندة تقي الدين

مقابلة الرئيس بشار الأسد مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية تؤكد مجدداً شخصيته التي تنكر الواقع. فهو ينتقد فرنسا، ويقول عنها انها فقدت استقلالها وتابعة للسياسة الاميركية في حين ان نظامه لا يمكن ان يبقى ولا يعيش لولا اعتماده على روسيا وإيران و «حزب الله». منذ الهجوم الذي قتل فيه القياديون الامنيون السوريون في دمشق وفي طليعتهم آصف شوكت صهر الاسد، تسلم «الحرس الثوري» الايراني ادارة القتال في سورية، لأن نظامه غير قادر وحده على ذلك. وأجبر «حزب الله» على إرسال خيرة شبابه الذين ما زالوا في سن المراهقة ليُقتلوا في سورية لحساب النظام وضد ارادة اهلهم. فالاسد يتكلم عن تبعية فرنسية لأميركا في حين انه ما كان استمر لولا تبعيته لإيران وروسيا. ان اقواله في الصحيفة الفرنسية وتهديداته للمصالح الفرنسية تدخل في خانة تاريخه وتاريخ النظام القاتل. مثلما هدد الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما التقاه في المرة الاخيرة في دمشق انه سيهدم جدار لبنان عليه وعلى جاك شيراك، ها هو يجدد التهديدات للمصالح الفرنسية إن شاركت فرنسا في الضربة العسكرية لسورية.

منذ سنتين يقصف الرئيس السوري ويضرب شعبه بصواريخ «سكود» التي تمده بها روسيا. ومنذ سنتين تقصف روسيا وإيران الشعب السوري البريء ولم يردعهما احد. والآن، يهدد الاسد المصالح الفرنسية وكأن فرنسا دولة صغيرة لا تدرك انه لا يحتاج الى التهديد لتعرف انه سيقوم بأعمال إجرامية وإرهابية ضدها.

ان الغرب ضعيف بسبب ضعف وتردد الرئيس الاميركي باراك اوباما في وجه الديكتاتوريات وإرهابهم. ومما لا شك فيه ان الارباك اتى من بريطانيا وديموقراطيتها التي اجبرت رئيس الحكومة على التراجع عن المشاركة في ضربة محتملة. وقد اثار ذلك استياء الادارة الاميركية من عدم إعداد كامرون برلمانه في شكل جيد لهذا الموضوع. وأوباما الذي ينظر اولاً الى الرأي العام (الذي لا يبالي بما يحصل في سورية لأن الاميركي البسيط لا يعرف حتى اين سورية على الخريطة) لم يكن عازماً على القيام بأي عمل عسكري لولا الهجوم الكيماوي وتهديده منذ سنة بأن استخدام الكيماوي تجاوز للخط الاحمر. لا شك في ان الرفض البريطاني ساهم في تأخير اوباما للضربة وطلب تصويت الكونغرس. ولا شك في ان الرئيس فرانسوا هولاند كان في الطليعة لمعاقبة النظام السوري لاستخدامه الكيماوي، ولكن ليس في امكانه ان يذهب وحده من دون التأييد الاوروبي ومن دون الولايات المتحدة لضرب النظام القمعي، لأن فرنسا عضو اساسي في الاتحاد الاوروبي وحليفة للولايات المتحدة.

كان الرئيس الفرنسي يتمنى ان تكون الضربة للنظام السوري في اسرع وقت، ولكنها تأخرت إن لم تؤجل الى ما لا نهاية بسبب الكونغرس الاميركي. وقد تغير قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبورغ الامور اذا تم الاتفاق بين اوباما وبوتين وهولاند وكامرون وميركل والقيادة السعودية التي هي عضو في المجموعة على حكومة انتقالية في سورية وعلى ان يتم الاتفاق على عقد مؤتمر جنيف. ولكن هذا حالياً مستبعد ولو انه ممكن اذا شعر الجانب الروسي بأن القرار الاميركي جدي بتوجيه ضربة قاسية إلى النظام. ولكن بوتين رئيس قمعي بنموذج نظيره السوري. فالتغيير مستبعد اذا لم يقدم اوباما شيئاً ملموساً لبوتين.

الحياة

الأسد: تاريخ طويل من «القراءات الخاطئة/ محمد مشموشي *

لم يفعل رئيس النظام السوري بشار الأسد، باستخدامه الأسلحة الكيماوية في قصف ضواحي عاصمة بلاده دمشق، إلا ما فعله على الدوام منذ وراثته الحكم عن والده في 2000. وأساس هذا الفعل قراءة الأسد الخاطئة للمشهد السياسي في المنطقة والعالم من جهة أولى، ولطبيعة العلاقات بين الدول التي تحترم نفسها من جهة ثانية، وبعد ذلك كله خطل توقعاته لرد الفعل المحتمل من هذا العالم من جهة ثالثة.

ومع أن لدى البعض ميلاً للاعتقاد بأن المسألة ليست مسألة قراءة خاطئة، بل هي تجسد مواقف وقرارات له متعمدة وعن سابق تصور وتصميم، فليس من شك في أن حصيلتها في الحالة الأخيرة هذه ستكون، كما في المرات السابقة، مزيداً من الخسائر وفقدان الثقة من شعبه في الداخل، والعداوات وفقدان الصدقية في المنطقة، والعزلة السياسية على مستوى العالم.

وعملياً، فلا معنى للتهديد حالياً بضربة عسكرية لآلة النظام العسكرية، وإن محدودة ومن الولايات المتحدة وحدها، سوى هذا المعنى.

وللتذكير، فسلسلة قراءات الأسد السياسية الخاطئة، أو لنقل مواقفه وقراراته المتعمدة، طويلة على امتداد الأعوام الثلاثة عشر الماضية كما يأتي:

= فعل ذلك بعد قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 حول لبنان في 2004، عندما وصفه بأنه لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به، لكنه عاد بعد أقل من ثلاثة أعوام ليعلن سحب قواته من لبنان تنفيذاً لهذا القرار بالذات… مع أن حداً أدنى من الفطنة كان يتيح له ادعاء أن الانسحاب يتم، على سبيل المثل، تنفيذاً لاتفاق الطائف أقله حفظاً لماء الوجه أمام شعبه، إن لم يكن أمام اللبنانيين الذين كانوا يطالبونه بذلك. لكنه لم يملك حتى القدرة على استغلال هذا المهرب من التناقض الفاضح بين موقفيه.

والأنكى أنه وأتباعه استمروا، منذ ذلك التاريخ في نيسان (أبريل) 2006، يرددون أنه لن ينسى ولن يتسامح مع الانسحاب المهين لقواته من لبنان.

= وفعل ذلك، مرة أخرى، إزاء مبادرة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز في قمة الكويت الاقتصادية تحت عنوان «عفا الله عما مضى»، وإبداء الاستعداد لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع النظام في سورية، لكن رأس هذا النظام قدم لاحقاً كل ما يشير إلى أنه اعتبر المبادرة دليلاً على ضعف صاحبها في مواجهته السابقة معه من جهة، وعلى صحة مواقفه ومواقف حلفائه في المنطقة من جهة أخرى.

= وفعل الشيء نفسه، مجدداً، عندما نظر إلى توجه الرئيسين الأميركي والفرنسي الجديدين يومها، باراك أوباما ونيكولا ساركوزي، لبدء حوار معه حول نقاط الخلاف مع دولتيهما، بعد فترة عداء مستحكمة مع سلفيهما، على أنه اعتراف من رئيسي هاتين الدولتين (أقله، وفق إعلامه والناطقين باسمه حينها) بما وصف بـ «هزيمة الاستكبار العالمي» في حروبه على «تحالف المقاومة والممانعة» الذي يجمعه مع كل من إيران و «حزب الله» و «حماس» و… فنزويلا والبرازيل وكوريا الشمالية أيضاً.

ولعل دعوته يومها لحضور الاحتفال الرسمي بالعيد الوطني الفرنسي في باريس، وقرار أوباما تعيين سفير لبلاده لدى دمشق على رغم رفض الكونغرس، والزيارات المتعددة لسورية من قبل ساركوزي وجون ماكين الذي وصل إلى حد وصف نفسه بـ «صديق الأسد» وغيرهما من ساسة أوروبا، كانت مؤشراً جدياً إلى هذا التوجه الغربي الجديد.

لكن الأسد لم ير فيه إلا تأكيداً للاعتراف بـ «الهزيمة» المزعومة، بما أدى في النهاية إلى زيادة تدهور العلاقات بين البلدان الثلاثة في الأعوام التالية.

الحال في الفترة الحالية، أن الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية والغازات السامة ضد شعبه أكثر من 14 مرة وفي أكثر من منطقة سورية في العامين الماضيين، ولكن على نطاق ضيق بحيث لم يسقط نتيجته ضحايا كثر بين المدنيين، وبالتالي عدم حصول غضب في المجتمع الدولي ولدى الرأي العام في العالم.

كذلك، فإن أوباما الذي أعلن قبل أكثر من عام أنه يعتبر الأسلحة الكيماوية خطاً أحمر، لم يشر ولو تلميحاً إلى أنه علم بما فعله الأسد، ولا إلى أنه قد يرد على ذلك بعمل عسكري، أو حتى بالسماح بتزويد «الجيش السوري الحر» الأسلحة النوعية التي طالما طالب بها.

في الوقت ذاته، لم تؤدِّ الجرائم التي ارتكبها (أكثر من 110 آلاف قتيل، وتشريد 6 ملايين إلى دول الجوار وفي الداخل، وتدمير بعض المدن والقرى بنسب تصل إلى 80 في المئة كما في حمص والقصير وأريحا إلخ…) إلى تغيير في مواقف دول العالم تجاهه. بقيت روسيا والصين على موقفيهما في مجلس الأمن، وبقي الغرب على تردده في التدخل لوقف حرب الإبادة والتدمير المتواصلة أو في تسليح المعارضة للدفاع عن نفسها، وازدادت مشاركة إيران و «حزب الله» والمسلحين العراقييين واليمنيين المباشرة في هذه الحرب من دون رد فعل عملي ولا حتى إدانة لفظية من المجتمع الدولي… فضلاً عن موقف عربي إجماعي منها!

ومرة أخرى الآن أيضاً، قرأ الأسد واقع العالم و «جمود» دوله عند مواقفها وسياساتها السابقة بطريقته ذاتها. وليس مبالغاً به القول إن قراءته الخاطئة القديمة – الجديدة هذه هي التي جعلته يستخدم الأسلحة الكيماوية والغازات السامة على هذا النطاق الواسع في غوطتي دمشق الشرقية والغربية.

… وغني عن البيان أن الحصاد النهائي، حصاد هذه القراءة، لن يكون مختلفاً هذه المرة كذلك.

* كاتب لبناني

الحياة

سوريا تفضح القوى العظمى/ موناليزا فريحة

إذا كان ضرب سوريا يفجّر المنطقة، فالسلام بالتأكيد لن يحل بمجرد التراجع عن خطوة كهذه، لكون زعماء العالم الحر صحوا فجأة على التقاليد الديموقراطية لدولهم، ورموا على كاهل برلماناتهم عبء قرار قيدوا به أنفسهم ولم يعرفوا سبيلا آخر للتنصل منه.

لم يكن أكثر المتحمسين لضرب سوريا مقتنعين تماماً بأن تلك الضربة التأديبية العاجلة المفترضة، وهي قد تكون من أكثر المبادرات العسكرية التي حظيت بدعاية اعلامية، ستشكل حلاً للازمة ، في ظل غياب أية استراتيجية متكاملة لمرحلة ما بعدها. بدت أهداف تلك الضربات لوهلة مجرد اعادة ترسيم لخط أحمر رسمه أوباما وضيعت معالمه دماء أطفال الغوطتين ، ومحاولة من فرنسا لتعزيز دورها المتراجع في الخارج. لم يتوهم أحد في أية لحظة أن تلك الضربة “الجراحية” أو”التأديبية” ستنقذ سوريا مما تتخبط فيه منذ سنتين ونصف سنة. في الشكل التي رسمت به، كانت، في أحسن الاحوال، ستكون تبرئة ذمة دولية حيال السوريين.هذا إذا لم تحقق تلك الضربة “الانسانية” نصراً للأسد لصموده في وجه البوارج الغربية، وتطلق يده للمضي في استخدام اسلحته التقليدية التي أثبتت مدى الاشهر الثلاثين الاخيرة أنها لا تقل فتكاً عن الترسانة الكيميائية.

طوال الاسبوع الماضي، كان صدى بيانات الحرب الصادرة عن واشنطن يتردد في المنطقة. كثرت السيناريوات عن استعدادات محور الممانعة للرد، وعن خطط جاهزة لضرب اسرائيل ومصالح غربية انتقاما لنظام الاسد. ومع تراجع الزخم العسكري في واشنطن، خفتت طبول الحرب في المنطقة وساد ما يشبه هدوء ما قبل العاصفة التي لم يعد معروفا من أين ستهب.

لا يبدد التراجع عن الضربة أيا من أخطار المضي فيها. لن تتوقف روسيا وايران و”حزب الله” عن دعم الاسد، ولن يزيد تردد الغرب النظام السوري إلا بطشاً. أما استخدام السلاح الكيميائي فسيتجاوز مع الوقت حدود الغوطتين وسوريا و الشرق الاوسط كله، ليصير تهديدا للامن العالمي كله.

كشفت الازمة السورية مشكلة حقيقية في النظام العالمي. فلا أميركا التي تعد نفسها القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولا روسيا التي تتطلع الى استعادة امجاد غابرة، تمكنتا من وضع حد لمأساة القرن. وبدل أن تتطلعا جديا الى حل ، قررتا كل على طريقتها، أداء دور سلبي في تمديد الازمة. وجاء الاستخدام المفترض للأسلحة الكيميائية ليفضح ضعف من تعتبران نفسهما قوتين عظميين، وهشاشة الامن العالمي.

لعل الايجابية الوحيدة في تراجع أوباما للافساح في المجال مرة أخيرة للاعبين جردتهما الازمة السورية من مؤهلات القوة العظمى، لتحريك جهود الحل السلمي. فعندما يلتقي زعماء العالم في بطرسبرج غدا وبعد غد، ستكون ثمة فرصة أخيرة وإن ضعيفة للبحث عن السلام الموعود، ربما قبل… الحرب.

النهار

جامعة عربية أم جمعية لدفن الموتى؟/ راجح الخوري

نسي بعض وزراء الخارجية العرب الذين رفعوا عقيرتهم نهاية الاسبوع داعين الى حل سلمي في سوريا، ان النظام السوري الذي يصرّ على الحل العسكري منذ بداية الازمة، كان قد رفض “المبادرة العربية” موجهاً بيانات الاحتقار الى الجامعة ومتهماً اعضاءها بالخيانة، لمجرد انهم حاولوا وضع تصور لحل سياسي ينهي فصول المذبحة التي دمرت سوريا وقتلت اكثر من مئة الف سوري آخرهم قضى اختناقاً بالسلاح الكيميائي.

مباشرة ومن دون تردد اقول، انه لولا صوت الامير سعود الفيصل ودعوته الصريحة الى “تدخل المجتمع الدولي لوقف العدوان على الشعب السوري قبل ان يفنى” لكنا امام جمعية عربية لدفن الموتى وليس امام جامعة عربية، يفترض ان تكون لها كلمة فاعلة وقوية في الشأن العربي، وأي شيء أهم من رفع الصوت في مواجهة المذبحة السورية المفتوحة، ومن دعوة العالم الى تحمل مسؤولياته القانونية والاخلاقية والانسانية حيال ما يجري… على الاقل فليسعد النطق إن لم تسعد الحال؟

لم تذهب الجامعة العربية الى مجلس الامن المقفل بالفيتو إلا بعدما اسقط الروس والايرانيون مبادرتها للحل السلمي، ثم سرعان ما تم إفشال مهمة المراقبين العرب ثم الدوليين، وسرعان ما أفلس كوفي انان ثم الاخضر الابرهيمي، وعلى رغم ان وليد المعلم يستحي الآن من المطالبة بمراقبين عرب للتحقيق في مذبحة الكيميائي فان عدنان منصور لا يستحي!

والجامعة إما ان تستحق اسمها وإما ان لا تكون من هذا العالم العربي، لهذا كان من الفظاظة ان يبدو بعض وزراء الخارجية في مواقفهم من المذبحة الكيميائية، وكأنهم يأتون من بلاد الماو ماو مكتفين بالحديث عن الحل السلمي في وقت يمضي النظام السوري في الحل العسكري الذي وصل الى درجة استخدام الكيميائي، وهو ما اثار غضب العالم ولم يثر في بعض هؤلاء الوزراء الميامين مجرد احساس بسيط حيال شعب يواجه الفناء على يد حكامه كما قال سعود الفيصل!

واذا كان الشعب السوري المذبوح يطالب المجتمع الدولي بمساعدته لإيقاف النزف الدموي، فأقل الواجب الاخوي والاخلاقي ان يؤيده مجلس الجامعة في هذا، فكيف اذا كان بعض الوزراء يتعامون عن المذابح ويتحدثون عن ترهات الحل السياسي الذي يرفضه النظام؟

عندما تسارع الجامعة العربية الى نفي وجود غطاء عربي للضربة العسكرية الاميركية المحتملة، مكتفية بتفاهة الحديث عن “المنظور الاخلاقي والسياسي والاستراتيجي”، فإنها بذلك تستمر في تأمين غطاء الصمت الشيطاني عن التدمير العسكري الممنهج الذي يمضي النظام فيه بالكيميائي وبغيره، اضافة الى تغطية التدخل الميداني الايراني الذي لا يبالغ الفيصل حين يعتبره احتلالاً… أولم تقل طهران ان سوريا هي الولاية الايرانية رقم 35؟

النهار

الكيماوي او صاروخ توماهوك؟/ دلال البزري

 لم تنطلق الضربة الأميركية ضد بشار بعد، حتى انفجر السجال اياه بين قطبين: معارض ل”العدوان الأميركي البشع”، وآخر متنوع، بين مؤيد ومرتبك وراض…

 الأول ما زال منتفخاً بالأنتي أميركية وبالعالمثالية. يرفع حُرم الخيانة والتصهين كيفما أعجبه، تؤازره الترسانة اللغوية المعهودة ضد “العملاء” من مؤيدي هذه “الهجمة”. ومعروف عن هذا القطب انه يضم كل مكونات أطراف “الممانعة” من بشار الأسد الى “حزب الله” الى كافة القوميين واليساريين التقليديين، وبقيادة ميدانية إيرانية روسية.

القطب الثاني أكثر “تواضعاً”، أكثر تنوعاً. أيضاً، تجد فيه، تقليدياً، المؤيدين المتحمسين للـ”ضربة”، لا يختلفون عن خصومهم بجلب الحجج من خزاناتهم العتيقة. ولكن بالقرب منهم، مروحة متفاوتة تجد فيها: من يرى نفسه مضطراً للقبول بهذه “الضربة”، على مضض، لا يرى غيرها منفذاً لمسار الحرب على سوريا. وهو يخجل، ومعه حق أن يخجل: فالغرب سـ”يضرب” بأجندته الخاصة، والتي لا تنسجم بالضرورة مع أجندة الثوار. في المعسكر نفسه تجد هؤلاء الثوار الذين استجيب لشيء من مطالبهم المزمنة، بهذه “الضربة” المرتقبة؛ إنما أيضاً ستكون الضربة محسوبة عليهم. وهم في حمى الانجاز، أي إنجاز، يتوسلونها، هذه الضربة. وبين الاثنين “لجان التنسيق” الداخلية، مثلا، التي تسجل ظنونها حول أهداف الضربة ونوعيتها، ولكنها تنصح الضاربين بتوخي الدقة، وتدعوهم الى “تنسيق مستمر ودعم كاف للمعارضة السورية، السياسية والمسلحة”.

واضح في ذهن الاثنين الأخيرين، عكس ما هو غائب عن صاحب ذهن القطب الأول، بأنهم ليسوا هم من يصنع مصيرهم، ليسوا هم أصحاب قرارهم. وإذا كانوا شجعاناً بما يكفي، منسجمين مع أنفسهم بما يكفي، فسوف يقولون بأن امتناع الغرب عن القيام بضربة سوف يغرق سوريا بالمزيد من غاز السارين، ومن القتل “الكلاسيكي”. هذا من زاوية أبسط مصلحتهم هم، ككائنات عائشة، ليس فقط في الأراضي السورية، إنما أيضاً في تلك المجاورة لها، وربما الأبعد منها، حيث نحن، ولكن إسرائيل ايضاً… الجنون الكيماوي في الغوطة، فتح عيون البشر، قبل ان يكونوا معارضين أو موالين سوريين أو فلسطينيين أو اسرائيلين، امبرياليين أو ملالي حتى… أن تكون هذه الضربة، الموجعة الدموية، غامضة الأهداف… خير من العيش تحت تهديد الكيمياوي، المحرّم، قانونياً وإنسانياً. فكان عليهم في هذه الحالة الخيار بين صاروخ “توماهوك” وبين الكيماوي، ومشتقاته من براميل وصواريخ سكود” الخ… والاثنان يفتحان أبواباً من جهنّم. فاختاروا “التوماهوك”، أو بالأحرى وقفوا، معه؛ إذ لا يملكون غير أن “يقفوا”. وبهذا لا يختلفون عن خصومهم “الممانعين”.

وكانوا بذلك، أشبه بالمصريين، الذين وقفوا بين “الكوليرا والطاعون”، وما زالوا عالقين بينهما، وقد صارا “إرهاباً” أو “إنقلاباً”…

 السوريون الآن، في هذه اللحظة من تاريخهم، نحن اللبنانيين طبعا معهم وكذلك الفلسطينيين، هم مثل المصريين مخيّرون بين شرّين: “التوماهوك” و”الكيماوي”؛ لا هم ممسكين بمقابضهما، ولا وجود لـ”خيار آخر”، “ثالث”، بينهما. من المكان الذي يسكنوه، كل ما هم قادرون عليه هو “الموقف”. قادرون على هذه الدور، وممعنون في  لعبه. لا يطمحون الى أكثر من ذلك. يعلمون في أعماقهم بأنهم أسرى خيارين لم يصنعوهما. هم لا يصنعون شيئاً، غير “الموقف”. على الخشبة الشرق اوسطية الآن أميركيون يلعبون مع الروس ويتقاسمون، ويقررون طبعا؛ نحن الآن بانتظار قرارهم… خلفهم أوروبيون، ودور ميداني لإيران الراكضة خلف النووي، شيء لتركيا. ثم نحن…

ما الذي يجري لنا؟ ما هو الشيء الذي لم نفهمه، في هذه الثورات؟ كانت مفروشة بالآمال واذا بها حقول الغام؟

الذي يجري، ان هذه الثورات كشفت عن واحد من عيوبنا، وقد يكون تكوينيا: وآيته اننا لا نعرف ان نعارض في ظل الاستبداد الذي لا يعرف أصلا كيف يحكم. ولا نعرف أن نحكم بعد إسقاط الاستبداد، وحتى خلال إسقاطه. فلا نحسن غير صناعة الأوضاع التي نجد فيها انفسنا عالقين بين الكوليرا والطاعون، بين الكيميائي و”التوماهوك”.

 ولكن، لماذا لا نعرف؟

 المدن

عن الحرب الاتية/ ساطع نور الدين

 اهم ما في النقاش الدائر في الكونغرس الاميركي حول العملية العسكرية المتوقعة ضد سوريا، ذلك الاكتشاف المتأخر الذي توصل اليه المسؤولون والمشرعون الاميركيون، وحتى صناع الرأي، بان غالبية المعارضة السورية علمانية، بعكس ما روجت له واشنطن على مدى الشهور الماضية من الازمة السورية، عن ان الاسلاميين المرتبطين بتنظيم القاعدة يتقدمون صفوف الحملة من اجل اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد.

ولعل هذا الاكتشاف الذي يستخدم الان كحجة لاقناع الراي العام الاميركي المتردد بضرورة التدخل العسكري في سوريا، يمثل المراجعة الاعمق للموقف الاميركي ليس فقط من الثورة السورية بل ايضا من الثورات العربية، التي كاد الغرب كله يعتبرها انتفاضات اسلامية على دكتاتوريات علمانية، يجوز معها الاستعداد للتعايش مع انظمة اسلامية معتدلة في العالم العربي، على غرار الانظمة الاوروبية الغربية التي ارستها احزاب مسيحية ديموقراطية في اعقاب الحرب العالمية الثانية.

لم يعمد الاميركيون حتى الان الى ربط ذلك الاكتشاف بالتجربة المصرية الاخيرة، التي تمثل في جوهرها تمردا مدنيا وعسكريا واسعا على حكم اسلامي منتخب، اطيح به بسهولة وتجري الان تصفية مختلف رموزه بطريقة لا تخلو من الفاشية، حتى على المستوى الاجتماعي، حيث اصبح كل ملتح عرضة للاضطهاد، واي محجبة عرضة للاشتباه. هذا ما يحصل الان في مصر، المجتمع الذي انتج اهم واعرق تنظيم اسلامي في العالم المعاصر، واطلق اخطر شبكات ارهابية اسلامية.. والذي يقول اليوم انه يقوم بعملية تطهير ذاتي، تتخذ في معظم الاحيان شكل الثأر من التاريخ.

مصر هي بلا ادنى شك درس سوري، لم يلتقطه الاميركيون كما يبدو، ولم يدركه كثيرون من العرب والمسلمين. وما يجوز في مجتمع اشد تعلقا بالدين وبفكرة الاسلام السياسي، مثل المجتمع المصري، يصح اكثر على مجتمع قام على حجج علمانية واقعية، قومية كانت او حتى اشتراكية، تحولت في الاونة الاخيرة الى ادعاءات واهية، مثل المجتمع السوري الذي لا يزال يحافظ على هواه المدني، على الرغم من انه  انتج تنظيمات اسلامية متشددة تفوق نظيراتها المصرية تطرفا وارهابا.

لن يعدم المجتمع السوري وسيلة لاحتواء هذه التنظيمات التي افرزتها ظروف المواجهة مع النظام، وربما ايضا تصفيتها في مرحلة لاحقة، على الطريقة المصرية، التي يتحفظ عليها الاميركيون والغربيون علنا، لكنهم في السر يباركونها ويشجعون على استئصال تلك الظاهرة، التي لم تنتج دينامياتها الداخلية سوى انشقاقات وشبكات تتبارى في اظهار تشددها.. وهي مهمة سورية لن تكون سهلة ابدا، لانها تتصل بالجبهة العراقية المفتوحة على صراع طائفي هو الاسوأ والاخطر في التاريخ العربي.

الاكتشاف الاميركي بان سوريا علمانية، ليس فقط بنظامها بل ايضا بمعارضتها، وبمجتمعها كله، يوحي بان واشنطن دخلت فعليا الحرب الاهلية السورية، حسبما وصفها جميع المسؤولين والمشرعين الاميركيين من دون استثناء، وقررت المساهمة في حفظ هذه الهوية السورية، التي فشل نظام الاسد في الدفاع عنها. وهي اضافة جذرية على العملية العسكرية المقبلة، بقدر ما هي عبء جديد الثورة السورية، لن يكون من السهل التخفف منه مستقبلا، مهما كان شكل النظام المقبل في سوريا، الذي لا بد ان يأخذ في الاعتبار الانجراحات الطائفية الراهنة.

لم يعد سرا القول ان بعض الصواريخ الاميركية التي ستطلق على مواقع النظام السوري ستوجه نحو قواعد ومراكز تؤوي اسلاميين سوريين وعرب واوروبيين من جبهة “النصرة” او جبهة “داعش”، او غيرها من التنظيمات الاسلامية على امتداد الاراضي السورية. كما لم يعد سرا ايضا ما يتردد في واشنطن عن ان قواعد ومخازن حزب الله السورية موضوعة ايضا على لوائح الاهداف الاميركية..

حرص الاميركيون حتى الان على القول ان عمليتهم العسكرية المقبلة، لا تهدف الى اسقاط النظام. متابعة النقاش في الكونغرس تقود الى الاتجاه المعاكس تماما، وتنبىء بانها ستكون خطوة اولى من رحلة طويلة ومعقدة، لا يمكن ان تقارن باي حرب سابقة خاضها الاميركيون، الا بهامش الخطأ، الذي يمكن ان يكون سببا للمزيد من الشقاء السوري.

المدن

أوباما» الجبان.. أم الذكي؟/ يوسف الكويليت

ورّط الرئيس الأمريكي «جونسون» بلده في حرب مدمرة في فيتنام، ونتائجها كانت كارثية وسط أفراح للمعسكر الشرقي السوفياتي، والصين بانتصار عقيدتهما الشيوعية وخططهما العسكرية وسلاحهما، ثم بعد سقوط السوفيات تجرأ الرئيس «بوش» الأب على خوض حرب تحرير الكويت فأعطته، امتياز القائد والدولة العظمى، وإعلان سيادة أمريكا على العالم في سد جميع الفراغات الأمنية بما فيها اختيار الضربة لأي دولة أو نظام يخرج عن طاعتها، وهذا الغرور بالقوة دفع «بوش» الابن لأن يحارب بزمن متقارب أفغانستان مقبرة الغزاة منذ الاسكندر الأكبر وحتى آخر حروبها الراهنة، وقد كانت المغامر مكلفة مادياً حين تصاعدت أرقام الخسائر إلى (الترليونات) من الدولارات وآلاف من الضحايا، وإعلان عام عالمي على كره أمريكا وسياستها، وكذلك الحرب على العراق التي كانت شركاً وقعت فيه القوة العظمى..

أوباما لا يستطيع الادعاء أنه رسول سلام لعصور ما بعد الحروب، إذ جرب خوض حرب محدودة في ليبيا، وفي صلب سياسته التي أعلن عنها قبل اختياره رئيساً أنه ضد أي مغامرات عسكرية يخوضها بلده، لكن مسؤوليات دولة عظمى قد لا تكون صاحبة الخيار في شن هذه الحروب إذا ما تطورت الأحداث لضرورة تدخلها تحت ضغط داخلي أو إقليمي وعالمي، وقد جاءت سورية لتكون المشكل الجديد لامتحان قدرة رئيس، وقوة دولة عظمى، وهي مسألة لابد من مراعاة جميع الظروف المحيطة بالرئيس وبلده، ولذلك فُسر تردد أوباماً بأنه عجز وغباء سياسي وجبن، وهي صفات يمكن قبولها تحت أي ذريعة لكن بحسابات اليوم فالظرف مختلف، أي أن اتخاذ قرار كهذا يمكن لصلاحيات الرئيس أن تعطيه هذا الحق وفق القوانين الأمريكية، لكن اقتناعه يأتي لأسباب مختلفة.

فهو وضع ميزاناً دقيقاً لرد الفعل الداخلي في حال ما كانت الضربة مؤثرة، أو اضطر لتجاوزها، لتدخل مباشر واحتلال سورية أسوة بما جرى في العراق، وهنا يعني دخوله الأنفاق المظلمة، وبالتالي فاشتراك الكونجرس وتحميله المسؤولية، بالاتفاق على خوض هذه المعركة أو الامتناع عنها ينقذه من ورطة من سبقوه، لكن هناك من يقيس التردد على سمعة أمريكا كقوة منفردة يخشاها العالم، وكيف ستؤثر سياسياً وعسكرياً في مجريات الأحداث، وهل روسيا والصين وإيران هم من حقق المكاسب؟

ثم كيف سيكون عليه الوضع الداخلي السوري إذا ما شعر الأسد أنه مطلق الصلاحية في استخدام ما يريد من أسلحة تقليدية أو كيماوية دون مخاوف من أي عقاب، وأن الحلول السياسية لم تعد قابلة للتفاوض إلاّ بشروطه وحده؟

هذه الأفكار مطروحة بين الأسود والحمائم في الكونجرس الأمريكي ومتخذي القرار، وستكون الأغلبية للتصويت الذي يرجح أي إجراء يتخذ، وهنا سيخرج أوباما من الملامة إلى السند القانوني والديمقراطي، وأن صلاحياته لا يمكن تجاوزها بوجود ممثلين عن كل الأمريكيين، والسبب قد لا يعود لتصويت البرلمان البريطاني ضد المشاركة، بينما في فرنسا هناك صلاحيات للرئيس بحق استخدام القوة دون الرجوع للبرلمان، وهذا ما يفتح الباب، إذا ما تم الاتفاق على الضربة لمحور أمريكي – فرنسي جديد، لكن ماذا عن بقية دول أوروبا الأعضاء في حلف الأطلسي حين اختفت ألمانيا وهي القوة الأساسية في أوروبا وكذلك أسبانيا وإيطاليا، وتنفرد تركيا فقط في تأييد التدخل والمشاركة فيه؟

تقديراتنا العربية وحتى الدولية تختلف عن أمريكا وحلفائها، فهي تملك جميع الأسباب القانونية والقدرات العسكرية بتوجيه الضربة لكن يبقى الأهم ما بعدها، وهو الذي تجري عليه حسابات الخسائر والمكاسب والتقويم التام لجميع الاحتمالات الأخرى..

الرياض

الخطايا العشر في القصة الأميركية/ عبد المنعم سعيد

كان واجبا أن يكون هذا المقال عن سوريا وما سوف تؤدي إليه الضربة الأميركية المحتملة لها من نتائج؛ خاصة أن القصة المصرية أخذت في الشحوب مع مضي الأيام، وظهر أن مشهد النهاية الذي توقعه الإعلام الأميركي والغربي عامة من حرب أهلية وحمامات للدم لم يثبت أن له أساسا. كان لما جرى في مصر ضحايا لا شك فيهم، لكنهم كانوا الثمن الذي يدفع بالضرورة في معارك المصير التي عندها تتحدد مصائر بلاد ومستقبلها. ولذا وجب أن نختم الحكاية كلها ليس لأنها وصلت إلى نهايتها، فقصص الأمم ليس بها نهايات، لكن لأنه ربما كانت المرحلة الجديدة تحتاج اهتماما من نوع آخر؛ وربما يكون لها ارتباط بأشكال متنوعة مع القصة السورية التي وصلت بسرعة إلى ما تمناه آخرون لمصر من حرب أهلية وحمامات دم وصلت إلى النتيجة البشعة باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري.

الخطيئة الأولي في القصة الأميركية هي أنها استلبت تماما من المشهد المصري فكرة «الإرادة الشعبية». وكما هو الحال في «المفاهيم» الجمعية فإنها صعبة الترجمة العملية. ولكن ما حدث أن الشباب المصري نجح في وضع المفهوم تحت الاختبار من خلال جمع التوقيعات حول ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكان ما جرى جمعه خلال شهرين تقريبا (28 أبريل/ نيسان، إلى 28 يونيو/ حزيران، 2013) هو أكثر من 22 مليونا. تولدت عن الخطيئة الأولي خطيئة ثانية هي إسقاط مظاهرات الثلاثين من يونيو التي زادت على ثلاثين مليونا من التحليلات والتعليقات والسياسات الأميركية. لقد وفّى بالعهد هؤلاء الذين وقعوا، ونزلوا إلى الشوارع والميادين، معلنين المطالب نفسها التي وقعوا عليها، وما كان على المصابين بحالة الإنكار إلا أن وقعوا في خطيئة ثالثة من النوع نفسه وهي تجاهل أن هؤلاء الملايين تجمعوا حتى يوم الثالث من يوليو (تموز)، ثم نزلوا مرة أخرى في اجتياح بشري مبهر يوم 26 يوليو استجابة لطلب الفريق أول عبد الفتاح السيسي بأن تعطيه الجماهير «تفويضا» بمقاومة الإرهاب. الخطايا الثلاث الأولى في الفكر الأميركي والغربي عامة بصدد الحالة المصرية أنه كان مستبعدا لموقف الجماهير المصرية وإرادتها تهربا من استحقاق ديمقراطي وهو أن الشعب في النهاية هو مصدر السلطات، واستبدال ذلك «بميكانيكا» الديمقراطية وهي الصفة التمثيلية التي تأتي عن طريق صناديق الانتخابات. كان في ذلك إنكار لأن تعود الوديعة إلى أصحابها في لحظات نادرة من التاريخ تجد الشعوب فيها نفسها تأخذ الأمر بيدها وتمارس الأمر مباشرة خوفا من لحظة قادمة تجمعت نذرها في الأفق، وتقول إن ما جري من تمثيل وانتخاب لن يتكرر مرة أخرى، وهو ما شهد عليه قانون الانتخاب الذي كان يعده «الإخوان» واعترضت عليه المحكمة الدستورية العليا لأنه كان يعني ببساطة أن أحدا لن ينجح في الانتخابات سوى الإخوان.

الخطيئة الرابعة جاءت من اختطاف التغيير في مصر كلها ووضعه في عنوان «الانقلاب العسكري». وبغض النظر عن حالة النفاق التي سادت الساحة الأميركية عندما لم يقارن أحد بين ما جرى في يوليو 2013، ويناير (كانون الثاني) 2011، فإن الساحة ذاتها أسقطت من ذاكرتها حقيقة أن القوات المسلحة المصرية لم تتحرك إلا بعد ثلاثة أيام من الثورة الشعبية، وكان لرئيس الجمهورية فيها الحق التام في الاستجابة لرغبات الجماهير الإعلان عن انتخابات مبكرة. ولذا كانت الخطيئة الخامسة منطقية، وهي أن أحدا لم يذكر في الصحافة والإعلام الأميركي شيئا عن أن الجيش المصري عرض على رئيس الجمهورية خلال يومين (الأول والثاني من يوليو) أن يعرض الأمر على استفتاء شعبي ليتبين له بما لا يوجد فيه مجال للشك أين توجد إرادة الجماهير. عند ذلك فقط لم يجد الجيش المصري بداً من الاستماع إلى طلب الشعب.

مثل هذا التسلسل التاريخي يوضح كيف أن الخطايا الخمس الأولى وضعت الأسس للخطايا الخمس التالية، حيث كان هناك انعقاد للنية على تجاهل الأمور التي تخص جماعة الإخوان وحلفاءها من الجماعات المتأسلمة وحتى الإرهابية. فالخطيئة السادسة نظرت إلى الاعتصامات على أنها سلمية مثل تلك التي تجري في البلدان الغربية حيث لا سلاح ولا أطفال ولا نساء يُستخدمون دروعا بشرية، ويجري فيها التحريض على العنف، والتهديد بحرق البلاد والعباد. مثل هذا كان يجري في مصر بصورة يومية وعلى منصة اعتصامي رابعة والنهضة، ويجري نقل ما فيه عبر القنوات التلفزيونية، ولم يكن الأمر يحتاج ما هو أكثر من الترجمة من اللغة العربية إلى الإنجليزية التي كان الإخوان يتحدثون بها عن الديمقراطية والسلمية والشرعية.

وهكذا كان منطقيا أن تأتي الخطيئة السابعة، وهي التجاهل التام لحقيقة أن الاعتصامات لم تكن ساكنة بل كانت متحركة، ورغم ما ركزت عليه الدعاية الغربية عن «المذابح» التي جرت عند نادي الحرس الجمهوري وعند المنصة على طريق صلاح سالم السريع، إلا أنها تجاهلت حقيقة أن كلا الحادثين جرى في ساعات الصباح الأولى بعد أن تركت جماعات من المعتصمين مكانها لقطع الطريق ومحاولة شل الحياة في مدينة كبيرة مثل القاهرة. هنا كانت الخطيئة الثامنة وهي أن الاعتصامات «المسلحة» كان لها ظهير أكثر تسليحا وتدريبا وإرهابا ممثلا في الجماعات الإرهابية التي تمركزت في سيناء والتي اعتمدت استراتيجية تقوم على محاولة إنهاك القوات المسلحة المصرية من ناحية، ومحاولة جر إسرائيل إلى المعركة المصرية من خلال عمليات صاروخية بمعاونة حماس تدفعها إلى الرد العنيف ومن ثم كسر معاهدة السلام بين البلدين.

كل ذلك لم يشاهده أو حاول تجاهله الإعلام الأميركي، وكثرة من الساسة الأميركيين، ومع هذا العمى المعلوماتي والتحليلي جاءت الخطيئة التاسعة المنطقية وهي الفشل في التعرف على توازن القوى، وكان الخطأ في الحسابات مروعا. والبداية كانت الفشل في إدراك قوة الدولة المصرية ممثلة في الحالة «الوطنية» المصرية، وقوة المؤسسات التي وقفت في وجه الإخوان من القوات المسلحة والقضاء والمؤسسات الأمنية سواء كانت الأمن العام أو المخابرات أو الأمن الوطني أو الإعلام أو الأزهر والكنيسة وغيرها، فكانت المعركة بين الدولة كلها شعبا ومؤسسات ضد جماعة سياسية فاشلة مع حلفائها. ولكن ربما كانت المفاجأة الكبيرة في تقدير العون الذي قدمته الدول العربية الشقيقة سواء كانت المملكة العربية السعودية أو دولة الإمارات العربية أو الكويت، والتي قلبت المعايير كلها، وجعلت من التهديد بوقف المساعدات الأميركية مجرد فقاعة لا تعني شيئا.

الخطيئة العاشرة جاءت بفشل الإدراك الأميركي أن جماعة الإخوان توقفت أن تكون منافسا على حكم مصر، فمن يريد حكم بلد لا بد أن يحافظ عليه، وعلى مؤسساته، ولا يجعل من أول أهدافه هدمها وإحراقها. ساعتها خرج الإخوان من المعادلة المصرية ولم يخرجهم أحد لأنهم فشلوا في فهم معنى قيادة دولة.

الشرق الأوسط

الأمل نفسه فر من سوريا!/ يان ايجلاند

من شبه المؤكد أن الأسلحة الكيماوية أدت لمقتل المئات في ضواحي العاصمة السورية دمشق، وهو ما أثار موجة من ردود الفعل واحتمال شن هجوم عسكري. والآن، تُعقد مجالس النواب وتشق السفن الحربية والطائرات القاذفة طريقها نحو الشرق الأوسط، وربما يتحول التركيز مرة أخرى من المعاناة على الأرض إلى المشاحنات السياسية بين الزعماء والعواصم.

واليوم، وصل عدد اللاجئين السوريين المسجلين من قبل الأمم المتحدة إلى مليوني لاجئ. وعلى مدى الأيام العشرة الماضية، التقيت بعض هؤلاء اللاجئين الذين فروا إلى تركيا ولبنان والعراق والأردن، وكان كل ما يمكننا تقديمه لهم هو خيمة في مخيم مكتظ أو فراش في مأوى جماعي. وعلى الرغم من كل تلك المعاناة، إلا أنهم أعربوا عن راحتهم وشكرهم لنا، وقال لي أحدهم: «هنا على الأقل يوجد بعض الأمن والغذاء – أما هناك فلم نشاهد سوى الدمار واليأس والموت. الأمل نفسه فر من سوريا». وكان هذا الرجل قد فر من سوريا بين عشية وضحاها مع زوجته وأطفاله الستة ووالدة زوجته. وكانت هذه أول ليلة مع أكثر من 100 ألف لاجئ في مخيم الزعتري بالأردن.

وخلال أكثر من عامين من الحرب، لم يكن هناك أي إسعافات أو حماية لأي من المدنيين في الحي الذي كان يقيم به هذا الرجل في درعا، ولا يلوح في الأفق أي أمل في تقديم أي مساعدات. وبينما كانت هذه العائلة تنتظر عبور الحدود الأردنية، سمعت شائعات عن مقتل الآلاف جراء تعرضهم لهجوم بالأسلحة الكيماوية في الشمال. وقال الأب: «سوف يفر عدد لا يحصى من السكان لو استمرت الهجمات على المدنيين ولم يجرِ تقديم المساعدات في مناطق الحرب».

وكنت أسمع نفس القصص من جميع اللاجئين الذين التقيت بهم. إن أكثر من 800 يوم وليلة من الفظائع والفرص المحدودة أو المعدومة لوصول المعونات الإنسانية لعدد لا يحصى من المحاصرين يؤدي إلى نتيجة واحدة فقط وهي النزوح القسري لأعداد هائلة من السكان. ولا يوجد أدنى شك في أن الكارثة السورية تعد الحرب الأسوأ منذ مطلع الألفية الثالثة. وبدلا من الضغط الجماعي من قِبل القوى الإقليمية والعالمية لوضع حد لجرائم الحرب والمطالبة بوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين، بدأت أطراف خارجية تسكب البنزين على النار.

كنت شاهدا على معظم الحروب الكبرى ومناطق الكوارث لهذا الجيل، ولكني لم أرَ مثل هذا التخاذل في اتخاذ إجراءات دولية متماسكة. إنها ليست كارثة طبيعية، ولكنها كارثة من صنع الإنسان من بدايتها لنهايتها، ولذا يمكن للإنسان إيقافها وإعادة الأمل إلى سوريا.

وقد استقبلت البلدان الأربعة السخية المجاورة لسوريا مليوني لاجئ، ومن الأهمية بمكان أن تظل الحدود مفتوحة بحيث يتمكن المدنيون السوريون من الفرار، ويجب أن يحصل الأطفال السوريون على التعليم حتى يتمكنوا من تحقيق أحلامهم، ويجب علينا أن نعمل على دعم البلدان التي تستضيف اللاجئين، كما يجب أن يحصل جميع اللاجئين – بما في ذلك اللاجئون الفلسطينيون من سوريا – على الدعم الكافي حتى يتمكنوا من العودة في أمان.

يتعين علينا أن نمنع التشرد من خلال تقديم المعونات لمن يحتاج إليها داخل سوريا. ويجب أن يحصل أكثر من أربعة ملايين يائس ومشرد داخل سوريا، وملايين أكثر خارج سوريا، على الإغاثة والحماية قبل أن يجبروا على الفرار من البلاد.

وفي الآونة الأخيرة، سألت طلابا سوريين عن أحلامهم بعد الانتهاء من الدراسة، وقال كثيرون إنهم يريدون أن يكونوا أطباء أو رجال أعمال أو مهندسين أو معلمين، ولم يقل أي منهم إنه يريد أن يكون مقاتلا أو متشددا أو متطرفا، ولذا ما زال هناك أمل، ولكن الوقت ينفد.

وحتى يمكن التعامل مع أزمة بهذا الحجم، يجب على المجتمع الدولي أن يتحد، ونحن نعلم أن ذلك قد يأتي بنتيجة إيجابية. لقد تعاونت الحكومة السورية عندما اتحد أعضاء مجلس الأمن للمطالبة بدخول مفتشي الأسلحة الكيماوية التابعين للأمم المتحدة إلى المناطق المتضررة في دمشق، ولذا نحن بحاجة الآن إلى مثل هذا الإجماع لرفع القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية للسوريين داخل البلاد، ولمن فروا بالفعل.

* السكرتير العام للمجلس النرويجي للاجئين

الشرق الأوسط

السياسة الأميركية… ومنطق «البُستاني الحذِر/ جوزيف إس. ناي

تعرض أوباما للتشهير بسبب استجابته الحذرة للثورات العربية، وضمن هذا لإطار وصفته إحدى الكتابات النقدية في «واشنطن بوست» بأنه «رئيس يهرب سريعاً». وحث كثيرون الرئيس الأميركي على أن يراهن كثيراً على الديمقراطية في المنطقة. وعندما بدأت الانتفاضات التي عرفت باسم «الربيع العربي» في أول الأمر كان بعض المحللين متفائلين عن مستقبل الديمقراطية، لكن الثورات يجب أن يُنظر إليها في مدى عقود وليس في مدى فصول.

فلم يتوقع إلا قلة من المراقبين في باريس عام 1789 أن ضابطاً من كورسيكا سيقود القوات الفرنسية إلى ضفاف النيل في غضون عقد من الزمن. وأن التدخل في الثورة الفرنسية من قوى كبرى مثل النمسا وبروسيا أشعل نيران القومية ولم يطفئها.

ويجب أن يكون للمراهنات الكبيرة في السياسة الخارجية احتمال معقول للنجاح على الأقل. وتوصلت في بحثي في تاريخ أميركا في القرن العشرين إلى أن الرؤساء الذين أحدثوا تحولاً في السياسة الخارجية، والذين قاموا بمراهنات كبيرة لم يكونوا أفضل في الأخلاقيات، أو في الفاعلية. فقد راهن «ودرو ويلسون» مراهنة مكلفة وخاطئة على معاهدة فرساي التي ساعدت في العزلة الكارثية لثلاثينيات القرن الماضي. وريتشارد نيكسون الذي نجح في مراهنته على الانفتاح على الصين في عام 1971 راهن بشكل متزامن تقريباً، وإن يكن بشكل خاطئ على دمار نظام «بريتون وودز» النقدي، الذي ساعد على تدشين عقد من التضخم. وفي وقت أكثر قرباً، وقع بوش الابن في خطأ استراتيجي مكلف بغزوه العراق، وكان هذا في جانب منه أملاً في تحقيق الديمقراطية في الشرق الأوسط.

ومن المفيد المقارنة بين «ويلسون» و«بوش الأب». ففي المدى الطويل، ثبتت قيمة بصيرة «ويلسون» عن عصبة الأمم جزئياً في إقامة الأمم المتحدة لكن «ويلسون» افتقر إلى مهارات الزعامة لتطبيقها. ويشتهر عن «بوش» قوله إنه لا يفعل «أموراً تتعلق بالبصيرة» لكن تنفيذه وإدارته الحصيفة للسياسة الخارجية في زمن ثوري كان ممتازاً.

وهذا ليس جدلاً حول زعماء يمثلون نقطة تحول أو عن مراهنات كبيرة في السياسة الخارجية الأميركية، فقد ساهم روزفيلت وترومان بشكل حاسم في تشكيل العصر الأميركي بإرسال القوات الأميركية إلى أوروبا وإبقائها هناك بعد الحرب العالمية الثانية. لكن في الحكم على الزعماء خلال حقبة تاريخية معينة نحتاج إلى الالتفات إلى الكلاب التي نبحت وغيرها التي لم تنبح.

والمشكلة الكبيرة في السياسة الخارجية هو تعقيد السياق، ويتعين على المرء أن يفهم ليس فقط الأنظمة الدولية والعابرة للدول، لكن أيضاً الأمور الدقيقة في السياسة الخارجية في مجتمعات مختلفة. وهذا التعقيد يتعلق بشكل خاصة برأي أرسطو في الفضيلة – تجنب الإفراط والتفريط – نحن نعيش في عالم متنوع الثقافات ونعلم القليل جداً بشأن الهندسة الاجتماعية وكيفية «بناء الأمم». هذا صحيح بشكل خاص فيما يتعلق بالثورات.

وعندما لا يمكننا التأكد بشأن كيفية تحسين العالم، فالحذر يصبح فضيلة مهمة والرؤى العظيمة يمكن أن تشكل خطراً كبيراً. وهذا شيء ينساه أحياناً الذين يريدون من أوباما أن يراهن بشكل أكبر على ثورات الشرق الأوسط اليوم. فمحاولة تحريك الأحداث في الأطراف وتأكيد قيمنا على المدى الطويل، هذا شيء، أما أن نعتقد أنه يمكننا أن نشكل الثورات التي لا نفهمها تماماً، فهذا شيء آخر. فهناك فرق بين عقاب محدود لسوريا، لخرقها حرمة دولية باستخدام الأسلحة الكيماوية وبين التورط في حرب أهلية. وفي السياسة الخارجية، كما في الطب، من المهم ألا تتسبب في ضرر أولًا. واستطاع بوش الأب الرئيس الحادي والأربعون للولايات المتحدة الذي افتقر للقدرة على صياغة رؤية أن يعبر الأزمات وتبين أنه كان زعيماً أفضل من ابنه الذي كان لديه بصيرة قوية، لكن قليل من الذكاء المتعلق بسياق المنطقة التي حاول إعادة تشكيلها.

وفي محاولة لشرح دور وزير الخارجية، قارن «جورج شولتز» ذات مرة بدور البستاني: «التغذية المستمرة لمصفوفة معقدة من الفاعلين والمصالح والأهداف»، ودعت كوندليزا رايس خليفته في المنصب إلى «دبلوماسية تحولية». وهناك دور لكل منهما، بحسب السياق لكن يجب علينا أن نتجنب الأخطاء الشائعة للاحتفاء بمهندس الخريطة التحولية. وفي الاستجابة لما قد يصبح عقداً من الثورات العربية، فإن الزعيم الأفضل هو البستاني الحذر.

جوزيف إس. ناي

أستاذ في جامعة هارفارد

ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

الاتحاد

سورية من الانسداد إلى الانفجار/ ماجد كيالي *

ما كان مقدّراً لسورية أن تصل إلى حال الانفجار السياسي والمجتمعي والهوياتي، لولا الانسداد، الذي تعيش فيه منذ ما يزيد على أربعة عقود، بعد أن تحوّلت إلى مجرّد «سورية الأسد»، وهي الجملة القاطعة والمطلقة، التي تختصر في معانيها ليس غياب السياسة فقط، وإنما غياب مجتمع السوريين برمّته كفاعل سياسي أيضاً.

الدلالة الأخرى، لهذه الجملة، تفيد بأن الطغمة التي حكمت سورية وتحكّمت بها لم تهيمن على السلطة السياسية، وعلى موارد البلاد فقط، وإنما هي هيمنت، فوق هذين، على المجالين الدولتي والمجتمعي، كما على التاريخ والرموز والخطاب العام، ما أدخل هذا البلد في حقبة من الانسداد السياسي والاقتصادي والثقافي.

مع اندلاع ثورة السوريين، في آذار (مارس) 2011، في شكل مفاجئ، ضمن تداعيات «الربيع العربي»، على شكل احتجاجات وتظاهرات واعتصامات شعبية وسلمية، عبّر هذا الانسداد عن ذاته بداية بإنكار النظام لهذه الثورة، واعتبارها مجرّد فبركات إعلامية، وكناية عن مؤامرة خارجية. وقد نجم عن ذلك كله، كتحصيل حاصل، إغلاق النظام أبواب الحلول السياسية، وممانعته التحوّل نحو الديموقراطية، نسبة، أولاً، لاعتباره البلد بمثابة مزرعة خاصّة، وهذا هو معنى «سورية الأسد إلى الأبد». وثانياً، بسبب تنكّره لمشروعية الثورة السورية، ولحق السوريين في الحرية والكرامة. وثالثاً، بسبب تصنيفه المتظاهرين باعتبارهم أعداء، أو أدوات خارجية.

في هذا الإطار يمكن ملاحظة أن النظام اتبع استراتيجيات متعددة لوأد الثورة، ضمنها إضعاف وتفكيك بيئاتها الاجتماعية، وتشويه مقاصدها، ورفع كلفتها السياسية والاقتصادية والبشرية والمعنوية. وقد تأسّست هذه الاستراتيجيات على اعتبار الثورة عملاً عدائياً، وليست عملاً سياسياً، كجزء من الصراع على السلطة، ما تجلى في تعامله معها باعتبارها نوعاً من حالة حرب، تسوّغ له استخدام صنوف الأسلحة كافة، في شكل مفرط، لتحقيق الغلبة والإخضاع، تماماً كما التعامل مع أعداء، وضمن ذلك أتى اعتباره الحواضن الشعبية لهذه الثورة، مناطق عدوّة.

هكذا، تمّت في الأشهر الأولى مواجهة المتظاهرين والمعتصمين والمعارضين بالشبيحة ومنتسبي الحزب ورجال الأمن (باللباس المدنية)، الذين استخدموا الهراوات والأسلحة البيضاء والرصاص، في أعمال التنكيل وإخضاع المناطق المتمرّدة، لإظهار الصراع وكأنه بين الأهالي، أولاً، وثانياً، للإيحاء بأن الصراع ليس صراعاً على السلطة وإنما هو بمثابة حرب أهليّة، مع الترويج لصورة النظام كحام للأقليات والطوائف.

وبعد توسّع الثورة، قام النظام بإقحام الجيش في حربه ضد غالبية الشعب، في تأكيد منه على نزع السياسة، وصدّ الحلول السياسية، لا سيما أننا هنا لا نتحدث عن مشاركة جنود، أو فرق خاصّة من الجيش، وإنما عن مشاركة أسلحة المدفعية والدبابات والطيران (ليس الهليكوبتر وإنما الميغ)، وهي سابقة لم يشهد التاريخ مثيلاً لها من قبل.

في المحصلة، وإزاء الأهوال التي عايشها السوريون، فقد عرفت الثورة السورية باعتبارها الأبهظ ثمناً، من النواحي البشرية والمادية والمعنوية، إذ ارتفع عدد الضحايا من حوالى 600 شهيد في كل شهر من الأشهر الثمانية الأولى من الثورة، إلى حوالى ألف أو ألفي شهيد، في كل شهر بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 وحزيران (يونيو) 2012، ثم إلى أكثر من أربعة آلاف شهيد في كل شهر منذ تموز (يوليو) 2012 إلى الآن، مع ارتكاب عديد من المجازر الجماعية في الحولة والقبير وتريمسه وداريا، مثلاً. وقد نجم عن ذلك، أيضاً، تدمير البنى المجتمعية، وتشريد ملايين عدة، ممن افتقدوا اماكن سكناهم وموارد رزقهم، مع إحداث تدمير هائل في الممتلكات الخاصة والبنى التحتية.

أيضاً، فإن هذا التحوّل، المتمثّل بإدخال الجيش إلى دائرة الصراع، أدّى إلى بروز ظاهرة الانشقاقات، التي قادت بدورها إلى بروز ظاهرة «الجيش الحر»، وتالياً لذلك تشكيل جماعات الحماية الأهلية المسلّحة، ما نجم عنه انحسار البعد الشعبي والسلمي للثورة، وتحوّلها إلى ثورة مسلحة، لا سيما منذ حزيران 2012، أي بعد سيطرة وحدات «الجيش الحر»، على مناطق في مدينة حلب والشمال وريف دمشق.

فمنذ هذه اللحظة، أي طوال أشهر العام الماضي، بدا أن هذه الثورة تعاني مشكلتين خطيرتين، أولاهما، بروز جماعات تنظيم «القاعدة»، كـ «جبهة النصرة» و «دولة الشام والعراق»، التي صعدت في المناطق المحرّرة تحديداً، وبتغطية من «القيادات» السياسية والعسكرية للثورة، على رغم أن هذه الجماعات لا تعترف بهيكلية الثورة، ولا بأهدافها، فضلاً عن غربتها عن مجتمع السوريين وثقافتهم. ولا شك في أن هذا التطور، الذي ساهم في النفخ فيه «الأصدقاء» والأعداء، أضرّ بالثورة، وبصدقيتها، وأضعف التعاطف العربي والدولي معها، فضلاً عن أنه نمّى المخاوف بين السوريين، لا سيما من المتردّدين والصامتين.

أما المشكلة الثانية، فنبعت من ضعف المرجعية السياسية والعسكرية لهذه الثورة، مع المشاكل التي عانى منها «المجلس الوطني» وبعده «الائتلاف»، وغيره من الإطارات، ومع استفحال تشرذم الجماعات العسكرية ذات المرجعيات المتعددة، التي هي في الأغلب مرجعيات خارجية، تتبع مصادر التمويل والتسليح.

الأنكى أن هاتين المشكلتين كشفتا، أيضاً، افتقاد الثورة استراتيجية سياسية وعسكرية، وضعف صلتها بمجتمعها وبالواقع، ناهيك عن تخبّط إدارتها للمناطق المحرّرة.

فعلى الصعيد السياسي، مثلاً، انحصرت الثورة في هدف إسقاط النظام، مرّة واحدة، وهو هدف بديهي ومشروع، ولكن المشكلة تتمثّل في عدم إدراك أن هذا الهدف يحتاج، ربما، إلى توسّطات وتدرّجات معينة، لا سيما بسبب ضعف الإمكانيات، وحال الدمار المحيقة بمجتمع السوريين، الذي باتت غالبيته خارج معادلات الصراع المباشر. وبديهي أن من غير المعقول لأية ثورة أن تغامر بطرح الحد الأقصى، من دون أن تترك مجالاً لها للتعامل السياسي، لا سيما في المحافل العربية والدولية لتعزيز قوتها، وعزل النظام، وأقلّه استثمار ذلك في تنظيم احوالها، وتمكين مجتمعها من التقاط أنفاسه، واستعادة عافيته.

وعلى الصعيد العسكري، كان واضحاً أن عمل الجماعات المسلحة، على أهميته، لم يكن مبنياً، في الأغلب، على خطة واضحة، وناضجة، ومجدية، بخاصّة أن المناطق التي تمّت السيطرة عليها باتت بمثابة حقل رماية لقذائف النظام من الجو والبر، بالطائرات والدبابات والمدفعية، فضلاً عن تحوّلها إلى معتقلات كبيرة، بتشديد الأطواق حولها.

على ذلك، يبدو جلياً أن هذه الثورة تكابد جراء غياب المرجعية القيادية التي تدرك أن الصراع ليس على الشعارات أو الحق والعدالة، فقط، وإنما هو أيضاً، على موازين القوى والمعطيات العربية والإقليمية والدولية المحيطة، وعلى صورة الثورة في الرأي العام الدولي، وبخاصّة عند السوريين. وقد اتضح، أيضاً، أن هذه الثورة افتقدت القيادة التي تعرف متى تتراجع ومتى تتقدم، ومتى تناور ومتى تحسم، في صراع طويل ومرير يمكن كسبه بالنقاط، طالما يصعب حسمه بالضربات القاضية، بالنظر الى موازين القوى. ومن الأساس لم تتوافر لهذه الثورة القيادة التي تدرك أن الصراعات قد لا تحقق كامل أهدافها دفعة واحدة، وأن ميزة القيادة الحكيمة تتمثل في حسن إدارة الموارد، وتوظيفها على نحو أمثل، وتقليل الأكلاف، لا تبديد الموارد وزيادة الأكلاف البشرية والمادية.

هكذا وصلت هذه الثورة إلى حال من الانسداد، فلا هي قادرة على تعزيز مكانتها، بتحويلها إلى مكاسب سياسية، إزاء شعبها وإزاء العالم، ولا هي قادرة على «التراجع»، أو إبداء بعض المرونة، للحفاظ على مكتسباتها وترتيب أوضاعها.

والواقع، فإن الذهاب نحو الحدّ الأقصى سياسياً وعسكرياً، مع ضعف الإمكانيات، وافتقاد الحدّ الأدنى من التنظيم والقيادة، انطوت على مخاطر جمّة، من ضمنها الارتهان الى الإرادات الخارجية (العربية والإقليمية والدولية)، فضلاً عن أن هذا وذاك جرى، على الأغلب، بسبب هذا الارتهان، والأوهام التي عزّزتها هذه الاطراف عند قوى الثورة، مبكراً، إن في شأن احتمال تدخّل خارجي، على شكل مناطق حظر جوي أو مناطق آمنة، أو على شكل زيادة التسليح، كماً ونوعاً، وهما أمران لم يحصلا بعد عامين ونصف العام، كما شهدنا.

الآن، وبعد استخدام النظام للسلاح الكيماوي، باتت سورية في حال انسداد إزاء الخارج، أيضاً، بسبب استهتار النظام بالمعايير الدولية، ما يعني أن ثورة السوريين ستدخل في حقبة جديدة، لا أحد يستطيع التكهّن بها، أو بمخاطرها، أو بمآلاتها. فمن الواضح أن النظام الدولي الذي ترك النظام يقتل في السوريين، ويدمر عمرانهم، طوال 30 شهراً، على رغم مصرع حوالى 150 ألفاً منهم، وتشريد ملايين عدة، لن يقوم للسوريين بما يفترض ان يقوموا به من أجل أنفسهم. أي أن ما ينبغي الانتباه إليه، أن رد الفعل على استخدام النظام للسلاح الكيماوي، المحظور دولياً حتى في الحروب بين الأعداء، لن يتجاوز ضربة محدودة لبعض القواعد العسكرية، ربما. وأن هذه الضربة، إن تمّت، لا تأتي لتخفيف معاناة غالبية السوريين، ولا نصرة لقضيتهم، وإنما بسبب معايير النظام الدولي ذاته، وكشكل من أشكال صراع الإرادات على الصعيدين الدولي والإقليمي لا أكثر.

لذا، ومع تأكيد أن النظام هو المسؤول الأكبر عن كل ما يجري، وما قد يجري، في سورية، وعن كل نقطة دم، وكل دمعة أم، قبل التدخّل وبعده، فربما أن تنحّي هذا النظام هو وحده الذي من شأنه وقف مسار التقتيل والتدمير في هذا البلد، والذي قد يمكّن من الذهاب نحو مرحلة انتقالية، لإحداث التغيير الديموقراطي، والتمهيد لبناء سورية جديدة.

باختصار، نحن إزاء معادلة مغلقة وحدّية وإشكالية، فإما «سورية الأسد إلى الأبد»، كـ «مزرعة» خاصّة ووراثية، أو سورية للسوريين كل السوريين.

* كاتب فلسطيني

الحياة

الثورة الأبهظ ثمناً دموياً، التعويض فقط في خلاص السوريين/ ماجد كيالي

لم تكن المجزرة المروعة في الغوطتين الأولى من نوعها، فقط تميزت هذه المجزرة بأنها الأكبر بين مثيلاتها، وبأن السلاح المستخدم فيها محرّم دولياً، حتى بين الجيوش المتعادية والمتحاربة، وبأنها استجرّت ردود فعل دولية، غير مسبوقة، قد تحدث فرقاً في مسار الصراع المرير الجاري في سوريا وعليها، منذ عامين ونصف.

ففي مناطق الغوطتين، شرقي وغربي دمشق، استشهد نحو 1400 من السوريين، في يوم واحد (21/8)، بواسطة القصف بصواريخ محمّلة بمواد كيماوية، منهم 399 في زملكا، و261 في حمورية، و 168 في دوما، و151 في كفر بطنا، و100 في المعضمية، و70 في سقبا.

ويتبيّن من تفحّص خريطة المجازر الجماعية، والتي ارتكبتها بعض الوحدات العسكرية التابعة للنظام، أو جماعات الشبيحة، في الثلاثين شهراً الماضية، أن ثمة عشرات المجازر. ومثلاً، ثمة مجزرة ذهب ضحيتها اكثر من 400 من السوريين في جديدة عرطوز جنوبي دمشق (نيسان 2013)، ومجرزة راح ضحيتها أكثر من 300 شخص في حمص (شباط 2012)، وثلاثة مجازر قتل في كل واحدة منها أكثر من 200 شخص، في تريمسة وداريا (تموز وآب 2012) وفي البيضا (أيار 2013)، و 13 مجزرة ذهب ضحية كل واحدة منها أكثر من مائة شخص، في جسر الشغور (حزيران 2011) وكفر عويد (كانون الأول 2011)، وفي دمشق وحمص وحلب والحولة والديابية وداريا (2012). أيضاً، ثمة 58 مجزرة لقي في كل واحدة منها أكثر من 50 شخصاً مصرعهم، جرت في القبير والمعضمية وقطنا ودوما وزملكا وداريا وحمص وإدلب ودمشق وحلب (2012) ودير الزور وحماه (2011)، ونحو 153 مجزرة لقي أكثر من 25 شخصا مصرعهم في كل واحدة منها في مختلف مدن سوريا وأريافها، أغلبها في العام 2012.

المروع أن هذه المجازر ترتكب بعد قيام النظام بقصف المناطق المعنية بالطائرات، أو بالمدفعية والصواريخ، وبحجة وجود الجماعات المسلحة التابعة للجيش الحر فيها، كما انها ترتكب غالبا بواسطة القصف بالبراميل المتفجرة، أو بالقذائف الصاروخية، كما بالرش الجماعي بالرصاص، أو بالقتل بالأسلحة البيضاء، بعيدا عن نظر الاعلام، ومن دون تمييز، وعلى أساس الهوية الطائفية.

وبالإجمال، وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فقد لقي 110 آلاف شخص مصرعهم خلال الثلاثين شهراً الماضية في سوريا، بمعدل قدره 3700 شخص شهرياً، معظمهم قتل بواسطة القصف الأعمى للمناطق السكنية من الجو والبر، بواسطة الطائرات والدبابات والمدفعية بمختلف أنواعها، ما يفسّر هذا العدد الكبير، وهذا الحجم المهول من الدمار، وتشريد ملايين السوريين داخل سوريا وخارجها.

واستطاع “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” (http://www.vdc-sy.info/)، تنظيم جداول بأسماء نحو 72 ألف من الشهداء من ضحايا النظام، مع طريقة قتلهم، ومكان وتاريخ ذلك، كما استطاع، وبالمعايير ذاتها، توثيق اسماء 11124 شخصاً من النظام لقوا مصرعهم في المواجهات مع الجماعات المسلحة ولاسيما “الجيش الحر”، وذلك خلال الثلاثين شهراً الماضية.

أما حسب صفحة “إحصائيات الثورة السورية” على فيسبوك (https://www.facebook.com/Syrian.Revolution.Statistics?fref=ts) فقد بلغ عدد ضحايا النظام السوري، من منتصف آذار 2011 وحتى 31 آب 2013، نحو 90,246 شهيداً (منهم 1610 شهداء من الفلسطينيين)، بينهم ثمانية آلاف طفل، وأزيد من سبعة آلاف امرأة، و 2800 قضوا تحت التعذيب، وبلغ عدد الجرحى نحو 143 ألف، وعدد المعتقلين نحو 247 ألف، وعدد المفقودين نحو 89 ألف، وعدد اللاجئين خارج سوريا نحو 2,5 مليون، وعدد النازحين داخلها أزيد من 6.5 مليون.

ومن ناحية التفاصيل، فقد بلغ متوسط عدد الضحايا، حتى في أشهر الثورة السلمية، وهي الأشهر الثمانية الأولى للثورة، من آذار حتى تشرين الأول 2011، برصاص اجهزة الأمن والشبيحة، نحو 600 من السوريين شهرياً، وهو عدد كبير جداً. وقد ارتفع هذا العدد، منذ تشرين الثاني 2011 إلى حزيران (2012) من 1000 الى اكثر من ألفي ضحية شهرياً، وذلك بحكم التحول نحو الثورة المسلحة. ومنذ تموز (2012) حتى الآن، ومع تصعيد النظام لحربه ضد المناطق الحاضنة للثورة، باستخدام الطائرات وقذائف المدفعية والدبابات، تضاعف عدد الضحايا، إذ بات يزيد عن 4000 شهرياً، ضمنهم 6800 في شهر آب (2012)، وبذلك بات هذا الشهر هو الأكبر من حيث عدد الشهداء، يليه في ذلك شهر سبتمبر، مع نحو 5500 شخص لقوا مصرعهم خلاله. (وهذه المعطيات مستخلصة إحصائيات “قاعدة بيانات الثورة السورية” http://syrianshuhada.com/default.asp?a=st&st=8)

وبديهي أن هذه الاحصائيات بحاجة إلى توثيق، وهو عمل صعب ومضني ومتعذّر، على الأغلب، بسبب الظروف الأمنية، وبسبب تعمد النظام التعمية على مايجري، ولعل هذا يفسر الفارق بين الأعداد الموثّقة والأعداد المتداولة في وسائل الإعلام، أي أن الرقم الواقعي أكثر بكثير من الرقم الذي تم توثيقه.

هكذا باتت الثورة السورية تعرّف بكونها الأبهظ ثمناً بين مجمل ثورات “الربيع العربي”، فهي الثورة الوحيدة التي ووجهت بهذا القدر من العنف المفرط، والذي وصل حد القصف من الطائرات والدبابات، وبصواريخ السكود، وبالكيماوي. وحتى بالقياس إلى الثورة الليبية، التي كانت لقيت اسناداً من قوى خارجية، اسهمت في تحييد أسلحة الطيران والمدفعية، فإن ثورة السوريين، بدت بمثابة ثورة يتيمة تماماً. وكما شهدنا فقد تركت هذه الثورة طوال عامين ونصف من دون أي غطاء، ومن دون اية مناطق آمنة، أو عازلة، وحتى أنها حرمت من الدعم بالسلاح المناسب، الذي كان يمكن ان يساعدها على مواجهة قصف الطيران على الأقل. ومعلوم أن الدعم الذي تلقاه السوريون من “الأصدقاء” لم يرق أبداً إلى المستوى الذي يمكنهم من مواجهة النظام، ولا إلى مستوى الدعم الذي يتلقاه هذا النظام من حلفائه، لاسيما من روسيا وإيران، ومعهما حزب الله اللبناني، ولواء أبو الفضل العباس العراقي.

الآن، وبالنظر إلى هذه الكلفة الباهظة، من النواحي البشرية والمادية والمعنوية، ربما يصعب على الإنسان، من الناحية الأخلاقية، أن يوازن بين الثورة كضرورة وبين كلفتها، لكن هذه الموازنة لم تعد تفيد بعد أن حصل ماحصل، إذ بات التعويض عن كل ذلك يكمن فقط في خلاص السوريين.

المستقبل

ما بعد التدخل… المستنقع السوري/ د. بهجت قرني

إذا ثبت فعلاً استخدام الكيماوي وحدث التدخل، فما المستقبل إذن؟

المقصود بالتدخل هنا هو الهجوم العسكري الرسمي الذي قد يحدث هذا الأسبوع، لأن أنواع التدخل المختلفة لم تتوقف منذ قيام الانتفاضة السورية منذ أكثر من عامين.

لم يقتصر هذا التدخل في الماضي على قطاع دون آخر أو على الجانب الحكومي أو المعارض. فنظام بشار يستفيد إلى أقصى حد من الدعم الإيراني من سياسي واقتصادي وعسكري، بل إن حلفاء إيران في المنطقة مثل «حزب الله» اعترفوا صراحة بأن بعض قواتهم تقاتل إلى جانب القوات السورية هناك أيضاً الدعم الاقتصادي والعسكري، خاصة الدبلوماسي من جانب روسيا، وكذلك الصين الذي أصاب مجلس الأمن بالشلل فيما يتعلق بأية قرارات تضعف نظام بشار، ثم على مستوى أقل هناك تأييد من بعض الأنظمة المسماة ثورية، والتي تعتقد أن أي مقاومة للنفوذ الأميركي هي معركتها، وبالتالي وجب تأييدها لإضعاف الهيمنة الأميركية على المستوى العالمي، كما هو حال فنزويلا.

التدخل موجود أيضاً بالنسبة للمعارضة السورية، ومن الجائز بحجم أقل. هناك بالطبع التأييد السياسي من العديد من الدول العربية، وكذلك معظم الدول الغربية، ولقد ترجم بعض المؤيدين دعمهم السياسي إلى دعم اقتصادي، كما هو الحال بالنسبة لبعض دول الخليج، أو دعم عسكري غير رسمي، كما هو الحال بالنسبة لتركيا أو حتى مستشارين عسكريين من دول حلف «الناتو» وبتأييد نقدي من دول مثل قطر.

التدخل الخارجي في سوريا إذن ليس بجديد بالمرة خلال العامين المنصرمين، ما جعل سوريا تتصدر الأبناء العالمية هذه الأيام هو التداول الدولي حول تدخل عسكري رسمي جرى الحديث عنه مراراً منذ عدة شهور، ولكن التخطيط له الآن أكثر صراحة على أساس أن نظام بشار تعدى الخطوط الحمراء خاصة فيما يتعلّق بأدلة معظمها من إسرائيل – على استعمال الأسلحة الكيميائية ضد ما يسميهم المتمردين أو الإرهابيين. بل وصل التحديد أن الهدف العام هو ليس إسقاط النظام، بل وصل الأمر ببعض الجهات الأميركية إلى تحديد بعض مواقع الضربة العسكرية المحتملة، وهو في الواقع غريب بعض الشيء أن يتم إعلان كل هذه المعلومات قبل أن تبدأ هذه الضربة العسكرية.

هنا إذن تخبط فيما يتعلّق بالمستنقع السوري، ومن أكثر من جانب، على مستوى الحكومات كما على مستوى الشعوب.

لعلّ أوضح مؤشرات هذا التخبط هو ما حدث في مجلس العموم البريطاني يوم الخميس الماضي. كان رئيس الوزراء البريطاني المحافظ من أكبر المؤيدين للتدخل العسكري المباشر، ومتحمساً للعمل مع حليفه التقليدي – واشنطن – كتجسيد «للعلاقة الخاصة» التي تربط هذين البلدين ذوي الثقافة الأنجلوساكسونية، وبالرغم من خطاب ديفيد كاميرون الناري والتحريضي إلا أن مجلس «العموم» خذله وصوَّت ضد التدخل البريطاني في سوريا، وهي ضربة قوية ليس لرئيس الوزراء البريطاني فقط ولكن لمعسكر التدخل الدولي نفسه. فانتهزت المستشارة الألمانية ما حدث لتكرر اعتراضها على التدخل العسكري المباشر، كذلك أعلن سكرتير عام حلف الناتو أنه – بعكس ما حدث في ليبيا – فإن الحلف أعلن رسمياً عدم اشتراكه في التدخل العسكري. ثم اعتراف أوباما المدهش أن القرار – عندما يُتخذ – سيكون طبقاً للمصالح القومية الأميركية، بعكس ما كان يشاع دائماً أن التدخل ما هو إلا جزأ من عملية «تدخل إنساني». وفي كل هذه الضجّة العالمية لتسويق التدخل، يتلكأ العمل العربي المؤسسي – هذه الجامعة – ليضيف إلى التخبط وكأن ما يحدث في سوريا ليس من الأهمية لبيت العرب!

على المستوى الشعبي أو غير الرسمي فإن من أوضح المؤشرات على هذا التخبط الصورتين التي نُشرتا لابن بشار – حافظ – ذي الأحد عشر ربيعاً. صورة وهو يجلس على مكتب والده ويلبس الزي الرسمي لجنرال عسكري بما فيه «الكاب». أما الصورة الثانية فهو يلعب ويجلس داخل حقيبة كعادة كل الأطفال الأبرياء، التعليقات نفسها على الصورتين والتي تزيد عن 156 تعليقاً في آليات التواصل الاجتماعي هي غاية في الانقسام بين مؤيد لحماية النظام وعسكرية ملبس الطفل وبين إدانة الزج بالأطفال في العسكرة وأجواء الاقتتال.

أعتقد أن هذا التخبط سيستمر حتى بعد التدخل العسكري المحتمل والمكثف، والذي قد لا يقضي على النظام، ولكن يُضعف قوته وشوكته. بل قد يستخدم أعوان النظام هذا التدخل لتدعيم مقولتهم المكررة إن سوريا ونظامها الحالي ما هما إلا رمز للمقاومة في وجه مؤامرة صهيونية ودولية مستمرة لا تبغي إلا الشر للعرب.

أساس هذا التخبط المستمر داخلياً وخارجياً وجود عاملين:

1- أن المعارضة السورية لم تنجح حتى الآن في أن تكون بديلاً للنظام في الداخل. ليس هناك قواعد شعبية أو عمل جماعي أو حتى تفتت أو انشقاقات كبيرة في النظام الحاكم، بل على العكس لا يزال النظام مسيطراً على الجيش والمؤسسات الأمنية.

2- غير واضح حتى الآن أن بديل النظام القمعي سيكون عملية تحول ديمقراطي، حتى متعثرة، ولكن انشقاقات داخل المجتمع نفسه على أساس العرق أو المذهب الديني، وقد تؤدي إلى حرب أهلية أو طائفية تزيد من معاناة السوريين ويمتد آثارها إلى الدول المجاورة من العراق، لبنان أو حتى الأردن. هكذا يتحوَّل المستنقع السوري إلى مستنقع عربي.

وهكذا بسبب عدم مؤسسة الائتلاف الوطني السوري كبديل حاكم، تتبلور أكثر وأكثر مقولة النظام السلطوي. «إما أنا … أو الطوفان».

الاتحاد

النظام السوري وأيتامه في لبنان/ خيرالله خيرالله

يتصرّف ايتام النظام الامني السوري- اللبناني الذي دفنه اللبنانيون في العام 2005 اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه بطريقة توحي بأنّ في استطاعتهم استعادة الماضي. لا يستطيع ايتام النظام الامني القبول بأنّ لبنان ما قبل اغتيال رفيق الحريري ليس لبنان ما بعد الاغتيال. لا يستطيع هؤلاء تصوّر ذلك، بغض النظر عن كلّ الاخطاء التي ارتكبها اللبنانيون الذين ينادون بالسيادة. كذلك، بغض النظر عن مسارعة ايران، عبر الميليشيا المسلّحة التابعة لها المسمّاة “حزب الله”، الى ملء الفراغ الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان، وصولا الى تشكيل الحزب حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، ابن طرابلس. كان تشكيل تلك الحكومة تتويجا لسلسلة من الاحداث صبّت في جعل لبنان مستعمرة ايرانية لا أكثر. لم يمنع ذلك اللبنانيين من المقاومة على الرغم من بنادق “حزب الله” الموجهة الى صدورهم العارية…

يحلم يتامى النظام الامني السوري – الايراني أن في استطاعتهم اعادة عقارب الساعة الى خلف رافضين الاعتراف بأنّ النظام السوري سقط، بل شبع سقوطا. لم يعد الموضوع موضوع ضربة اميركية او أطلسية يمكن أن تساعد احرار سوريا، من ابناء الشعب السوري، في دخول دمشق وتحرير تلك الدولة العربية المهمّة من نير العبودية والذلّ. الموضوع الآن ماذا بعد رحيل النظام بشكل نهائي؟ هل من أمل في استعادة سوريا وحدتها الترابية واقامة نظام ديموقراطي ومدني في الوقت ذاته؟ هل من أمل في أن تتحوّل سوريا الى دولة حضارية تعترف بأنّ فيها أكرادا وعربا، مسلمين ومسيحيين ودروزا وعلويين واسماعيليين، وأن وجود هؤلاء مصدر ثروة للبلد؟

لا بدّ من العودة الى ما يعانيه لبنان جراء عجز كثيرين فيه عن استيعاب أبعاد الحدث السوري. هناك في لبنان من لا يستطيع تصديق أن النظام السوري سقط فعلا وأنّه صار من الماضي بعدما فقد الركائز الاساسية التي قام عليها. في طليعة هذه الركائز سنّة الارياف الذين اعتمد عليهم مؤسس النظام حافظ الاسد في المواجهة مع سنّة المدن الذين كان يكرههم.

هناك أيضا النظام نفسه الذي لا يزال يعتقد أن الهرب الى لبنان يمكن أن يساعد في انقاذه فلجأ الى تفجيرات في بيروت وطرابلس يعرف الطفل أنه لا يمكن أن تفيده في شيء. هذا النظام سقط عمليا في العام 2004 عندما مدّد بالقوة ولاية الرئيس اللبناني اميل لحّود بما يخالف الدستور أوّلا وعلى الرغم من صدور قرار عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة حمل الرقم 1559 هو نسخة طبق الاصل عن اتفاق الطائف في العام 1989 والذي دعا الى الانسحاب السوري من لبنان والى حلّ كلّ الميليشيات… ثانيا وأخيرا.

ما على المحكّ مصير سوريا. هل تساعد الضربة المتوقعة، بعد اسبوع أو شهر أو سنة… وهي ردّ على لجوء النظام الى السلاح الكيمياوي، في المواجهة التي يخوضها مع شعبه؟ هل تساعد في تسريع سقوط النظام الساقط أصلا؟ بكلام أوضح، هل تساعد الضربة في وضع حدّ لمأساة طالت أكثر مما يجب خدمة للذين يعملون على تفتيت سوريا، وهم للأسف الشديد كثر ومن مشارب متنوّعة؟ هناك الاسرائيلي وهناك الايراني وهناك الروسي وهناك آخرون. ما يجمع بين هؤلاء الاستعداد لخوض كلّ الحروب في المنطقة حتى آخر سوري أو لبناني أو فلسطيني أو عراقي وبمختلف أنواع الشعارات الفضفاضة مثل “المقاومة” و”الممانعة” وما شابه ذلك.

ما يفترض أن تتركّز عليه الانظار في المرحلة الراهنة ليس الضربة الاميركية أو الاطلسية التي قد تأتي قريبا، كما قد تتأخر. من الافضل أن يكون التركيز على مرحلة ما بعد الضربة، أي على مستقبل سوريا كدولة ودورها في المنطقة. كيف العمل من أجل اعادة بناء المؤسسات السورية؟ كيف تخليص سوريا ومن سيحكم سوريا من عقدة الدور الاقليمي، وهو دور أقرب الى وهم من أي شيء آخر؟

يمكن لسوريا أن تكون بلدا واعدا بالفعل، خصوصا بعدما أظهر شعبها الذي يقاتل على غير جبهة كلّ هذا الوعي والنضج في الحرب التي يخوضها مع نظام لم يبخل عليه بأي نوع من أنواع الاسلحة ووسائل القتل… ولكن من أجل سحقه واستعباده واذلاله.

مرّة أخرى، الموضوع ليس موضوع ضربة قد تحصل وقد لا تحصل، قد تأتي سريعة أو قد تتأخّر، علما أنها آتية يوما. الموضوع مرتبط بمساعدة الشعب السوري في اعادة بناء مؤسسات دولته التي قضى عليها نظام عمره يزيد على اربعين عاما. قضى على هذه المؤسسات الواحدة تلو الاخرى. انه نظام يرفض الرحيل قبل التأكد من أنّه لن تقوم لسوريا أيّ قيامة من بعده.

ما يبعث على بعض الامل أن التفجيرات التي استهدفت الشيعة والسنّة في لبنان، لم تؤد الغرض المطلوب. هناك قناعة باتت راسخة لدى معظم اللبنانيين والسوريين، الشرفاء حقّا، بأنّ كلّ الوسائل التي يلجأ اليها النظام لم تعد تجده نفعا. فهذا نظام لم يعرف يوما سوى لغة إلغاء الاخر. لم يعد أيتامه في لبنان قادرين حتى على الدفاع عنه، علما أنّهم يعدون نفسهم باعادة الحياة اليه. هل من نهاية أسوأ من هذه النهاية التي جعلت من النظام ينتقل من شعار الانتصار على لبنان كبديل من الانتصار على اسرائيل…الى شعار الانتصار على الشعب السوري كبديل من الانتصار على لبنان؟

انّها بالفعل نهاية لا يحسد عليها نظام اعتقد في يوم من الايّام أنه يمتلك سوريا ولبنان والسوريين واللبنانيين وأن هناك حلفا في المنطقة سيشعل الشرق الاوسط دفاعا عنه. لم يدرك أن شركاءه في هذا الحلف يتفوّقون عليه في لعبة الابتزاز وأنّهم سيتركونه لمصيره بعد استهلاكه…وهذا ما نشهده الان بأمّ العين!

تعود مشكلة النظام السوري الى أنه لا يعرف ايران جيّدا على الرغم من محاولته أن يكون حليفا وندّا لها. كذلك، لا يعرف اسرائيل التي وفّر كل وسائل الطمأنة والضمانات لها.

تكمن مشكلة النظام السوري في النهاية، وهي مشكلة لا يستطيع يتامى النظام في لبنان فهمها، في عجز هؤلاء اليتامى عن استيعاب أنّ لكلّ شيء نهاية وأنّ الغش والابتزاز لا يمكن ان يساهما في قيام الدول وحماية الانظمة…أو نشوء الامم، مهما تاجروا بفلسطين والفلسطينيين.

المستقبل

الاحتمالات المفتوحة في سوريا رهينة التوافق الأميركي ـ الروسي/ ماجد الشيخ

في أجواء يلوثها الكيماوي والغازات السامة، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ضغوطا متزايدة تدعو الى التحرك لوقف العنف في سوريا، وقد اشتدت هذه الضغوط اثر اتهام المعارضة نظام بشار الاسد بشن هجوم كيميائي اوقع بحسب المعلومات 1300 قتيلا. غير ان المخاوف تبقى قائمة لدى السلطات والرأي العام من الانجرار الى حرب جديدة في الشرق الاوسط، والاضطرار الى ارسال قوات على الارض، وهو ما تجمع واشنطن وباريس على استبعاده بشكل قاطع.

وازاء هذا الوضع تواجه الاسرة الدولية سباقا ماراثونيا بين محاولات إيجاد حل سياسي يبدو مستبعدا، وسيناريوات مختلفة لتدخل عسكري تبدو هي الأخرى مستبعدة كذلك، وهي تتراوح بين القضاء على ترسانة النظام من الاسلحة الكيميائية، واقامة منطقة حظر جوي، غير انها تنطوي جميعها على عواقب ومخاطر تثنيها منذ اكثر من سنتين عن التدخل. إزاء المواقف المتسارعة تجاه ملف استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا ما هي السيناريوات والإحتمالات الممكنة؟

يبدو أن أبرز السيناريوات المحتملة أو المتوقعة، تتلخص في الأمور التالية: إقامة مناطق عازلة؛ حيث يقترح بعض الخبراء اقامتها على طول حدود سوريا مع تركيا وربما الاردن ايضا، وتكون بمثابة مناطق آمنة للاجئين وقاعدة خلفية لمقاتلي المعارضة. ومع هذا الخيار تبقى المنطقة التي سيترتب على القوات الدولية السيطرة عليها محدودة غير ان رئيس هيئة الاركان المشتركة للجيوش الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي حذر في رسالة الى احد النواب في الكونغرس الاميركي من ان هذه المهمة لن تكون سهلة.

أما في ما يتعلق بإقامة منطقة حظر جوي، الذي اقترحه العديد من انصار تدخل عسكري، فإنه يهدف الى منع النظام من استخدام طائراته ومروحياته لقصف المعارضة والسكان المدنيين وامداد قواته. وقال السناتور النافذ جون ماكين الطيار السابق في الجيش الاميركي ان هذا الخيار يمكن تطبيقه بسهولة نسبيا، غير ان خبراء آخرين حذروا من انه لا يخلو من المخاطر.

أما بالنسبة لهدف القضاء على الأسلحة الكيميائية السورية، فإنه بالرغم من ان معظم ضحايا النزاع في سوريا الذين تخطى عددهم مئة الف قتلوا بالاسلحة التقليدية، الا ان اتهام المعارضة النظام بشن هجوم كيميائي يوم الاربعاء المشهود (21آب/أغسطس الماضي) في ريف دمشق اثار موجة استنكار شديد في العالم. حيث يعتقد الخبراء ان النظام السوري يخزن مئات الاطنان من غازات السارين، في اكس والخردل، في وقت بدأت ترتفع اصوات تدعو واشنطن الى قيادة عملية للقضاء على هذا المخزون، او ضبطه ومنع استخدامه ضد المدنيين او وقوعه بأيدي ارهابيين.

في مطلق الأحوال يتحدث بعضهم عن حرب نفسية وآخرون عن ضربات جوية محدودة، وسريعة، لكن ساعات الترقب في المنطقة التي تبدو طويلة وطويلة جدا، تنتظر القرار النهائي لمسار الأمور المتصل بالأزمة السورية، ربما تحسمها النتائج المنتظرة من لجنة الخبراء الدوليين بشأن الأسلحة الكيميائية بعد الكشف على الغوطة. وفي هذا الإطار تزدحم التصاريح الدولية حول ضربة عسكرية محتملة لسوريا. ضربة رأت موسكو أنها إذا نفذت فإنها ستعد انتهاكاً للقانون الدولي، لكن وزير خارجيتِها سيرغي لافروف لفت إلى أن بلاده لن تحارب أحداً بسببها. ولعل قبول دمشق بدخول المفتشين إلى الريف الدمشقي سحب البساط قليلاً من تحت أقدام الراغبين بتغيير مجرى التوازن العسكري في سوريا. وهذا القبول يساعد موسكو في “الدرع الدبلوماسي” الذي تسعى لتشكيله مع إيران وبكين وغيرهما، لمنع أي هجوم عسكري واسع على سوريا، لكن الإحتمالات تبقى مفتوحة.

في هذه الأجواء، عبرت أغلبية ساحقة بين الإسرائيليين عن معارضتها الدخول بالحرب في سوريا، في وقت سيطرت فيه على المشهد الإسرائيلي صورة آلاف الأشخاص بالقدس وتل أبيب وحيفا يقفون في طوابير للحصول على أقنعة واقية من أسلحة غير تقليدية، فيما تعرض رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لانتقادات بسبب تهديداته المتكررة للرئيس السوري، بشار الأسد. وأظهر استطلاع للرأي العام في إسرائيل، نشرته صحيفة (معاريف) الجمعة الماضية، أن 77% من الإسرائيليين يعارضون تدخل إسرائيل في القتال الدائر في سوريا، في حال عدم تدخل الولايات المتحدة، وقال 11% أن على إسرائيل التدخل، بينما أجاب 12% أنه ليست لديهم إجابة على سؤال كهذا.

وقالت “معاريف” إنه في الوقت الذي يسود فيه الشعور بأن نتنياهو يؤيد عملية عسكرية ضد سوريا “يبدو أن قسما من المسؤولين رفيعي المستوى في محيطه أقل حماسة”، وأنه “فيما نتنياهو لا يترك شيئا للخيال عندما يهدد بالرد على أي صواريخ تُطلق من سوريا، يبدو أن قسما من زملائه حول طاولة المشاورات (الأمنية) يعتقدون أن على إسرائيل أن تصمت وتضبط النفس.

هذا في وقت يعتقد مسؤولون في المؤسسة السياسية الأمنية أن “نتنياهو يرتكب خطأ استراتيجيا عندما يهدد بتدمير سوريا ردا على إطلاق صواريخ” وأنه يتصرف مثل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، “الذي وضع خطا أحمر أمام السوريين وأوقع نفسه بفخٍ، وسيضطر في ساعة الامتحان إلى كسر كلمته والتصرف من خلال ضبط النفس”.

وهكذا أو لهذا تفضل الولايات المتحدة أن تحافظ إسرائيل على ضبط النفس في حال نفست سوريا عن غضبها عقب ضربة أميركية، بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، وأنه “ليس صدفة أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، التقى مع جنرال أميركي قبل أيام”. وبحسب “معاريف” يريد الأميركيون إنهاء الضربة العسكرية بسرعة، من دون أن تتدهور المنطقة إلى مواجهة نتيجة لأخطاء في تقدير ردود الفعل وردود الفعل المضادة، لأن التخوف هو من رحيل الأسد وسقوط سوريا بأيدي منظمات متطرفة من دون تسوية سياسية، وهذه السياسة لا تواجه الولايات المتحدة وروسيا وحسب، وإنما إسرائيل ايضا.

وفي وقت أعرب المبعوث العربي والدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي عن اعتقاده “أن الهجوم الكيميائي يجب أن يسرّع مسألة الإعداد لعقد مؤتمر “جنيف 2 ويجب أن يثبت للعالم انه لا يوجد حل عسكري”. أظهرت مشاورات هاتفية بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا، وجود قرار واضح لدى الجانبين بعدم ترك المتشددين يستغلون الفرصة لنسف العملية السياسية التي يجري التحضير لها في جنيف منتصف تشرين الأول المقبل.

ولهذا بالتحديد كشفت مصادر موقع “ديبكا” الاستخباري الإسرائيلي في واشنطن وموسكو، أن “الرئيس الأميركي باراك أوباما يعرقل تطبيق قرار الهجوم على سوريا، من أجل كسب الوقت بهدف انجاح المفاوضات السرية التي يقوم بها وزير الخارجية جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وابرام اتفاق يقضي بأن تقلص الولايات المتحدة الاميركية عملها العسكري الى ضربة رمزية، وبعد ذلك يعلن الرئيس الاميركي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن موعد لعقد مؤتمر “جنيف 2″ للتوصل الى حل للازمة السورية وإنهاء الحرب الاهلية”.

ولكن ولحد الآن وبحسب مصادر “ديبكا” فإن “القناة السرية المفتوحة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري، لم تحقق بعد النتائج المطلوبة، وبالتالي ما يزال موعد بدء العد العكسي لعمل عسكري قابل للتغيير أو التعديل أو التأجيل؛ إن لم يكن الإلغاء في حال التوصل إلى صيغة حل سياسي يبدأ من جنيف، وينتقل إلى المنطقة، في حال استجابة النظام وترتيب المعارضة صفوفها، كي تواجه النظام موحدة على طاولة تسوية سياسية قد تنجح جزئيا ومؤقتا، ولكنها لن تنجح في الخلاص من نظام أرق حياة السوريين أكثر من خمسين عاما، من إلغاء الشعب والمجتمع، ونشر مباذل الاستبداد والنظام الأمني.

المستقبل

سوريا باتجاه جنيف/ عبد الرحمن الراشد

الطريق إلى العاصمة السويسرية بات أقل خطرا مما كان عليه، لكن قبل ذلك معارك ليست بالهينة. جملة أحداث مهمة خلال الأيام القليلة ستقف عند الأزمة السورية، أولها قمة الدول الصناعية الكبرى العشرين التي تعقد غدا (الخميس) في سانت بيترسبورغ الروسية. وبعد أسبوع تبدأ الجمعية العامة نقاشاتها، وقد بدأ الوفد السعودي حملته للحصول على قرار ضد نظام الأسد، وخلال أسبوعين ربما يكون الكونغرس الأميركي قد صوت لصالح هجوم على قوات الأسد عقابا لها على استخدام السلاح الكيماوي.

الأزمة السورية تكبر مع الوقت، على الأرض وفي المحافل الدولية، لم يعد سهلا تجاهلها. الأمم المتحدة تكرر تحذيراتها بأنها أصبحت خارج السيطرة، فثلث الشعب السوري هجر من منازله، وأكثر من خمسة ملايين صاروا بلا مأوى، وقد فاضت الملاجئ في الدول المجاورة، ونفدت قدرات المنظمات الإغاثية التي تقدم العون لملايين المحتاجين منذ نحو عامين.

وفضلا عن المأساة الإنسانية تزداد مع الوقت المخاطر السياسية المرتبطة بالقتال هناك. الجار لبنان دخل في بدايات معارك طائفية وحزبية على خلفية ما يحدث في سوريا، وهي اشتباكات في حجمها ونوعيتها الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية قبل عشرين عاما. كما يحاول الأتراك السيطرة على مناطقهم الحدودية، المهددة بالمزيد من الاضطرابات. والعراق نقل معظم قواته إلى حدوده مع سوريا بعد عودة الإرهاب إليها، وارتفاع نسبة العنف المرتبطة بما يحدث في سوريا.

ولحسن الحظ أن المعارضة السورية، وكذلك قواتها من الجيش الحر، استطاعت خلال الفترة القصيرة تحقيق تقدم لا بأس به، على صعيد التناغم السياسي وانخفاض مستوى الخلافات بين الفصائل، وحصلت على دعم نوعي وكمي جيد. أيضا، النشاط السياسي السوري المعارض والعربي الداعم له حقق نجاحات جيدة. السؤال، ما الذي تعنيه كل هذه الحركة سلبا وإيجابا؟ سوريا أصبحت قضية العالم، لا السوريين وحدهم، وهذه المسؤولية تمنع النظام من فرض الحرب أو الحل الذي يريده. جنيف، مؤتمر السلام المقترح، أصبح خيارا جيدا بالتطورات العسكرية والسياسية الأخيرة. من الممكن أن يعقد في الخريف بالشروط المعقولة التي تنهي نظام الأسد وتسلم الحكم للمعارضة. لم يعد ممكنا طرح العرض السابق، حل سياسي يقوم على المشاركة بين نظام الأسد والمعارضة لفترة انتقالية يمنح خلالها كل السلطات الرئيسة. لقد اكتشف الروس والأميركيون استحالة القبول بذلك العرض المسموم، الذي يمكن أن يحقق فقط المزيد من الاقتتال. لقد عملت عدد من القوى السورية والحكومات العربية على إفشاله. الحل الممكن والمعقول خروج الأسد، والمحافظة على المؤسسات الكبرى للدولة، بما فيها الجيش، وتسليم السلطة للمعارضة وتحقيق مصالحة وطنية. لن يكون هناك مكان للأسد وقياداته في سوريا الجديدة. المعارضة السورية المسلحة والسياسية رقم لم يعد ممكنا تجاهله، أو إجراء مصالحة من دون موافقتها. الحكومات العربية الداعمة للشعب السوري صارت لها اليد العليا ضد حلفاء الأسد. وبالتالي صارت جنيف مدينة وحلا في ظروف عسكرية وسياسية ملائمة.

الشرق الأوسط

يسقط الأسد… تنهض التسوية/ راجح الخوري

يصل باراك اوباما اليوم الى سان بطرسبرج متأبطاً كثيراً من عناصر القوة التي كان فلاديمير بوتين يظن انه لن يحصل عليها وخصوصاً من الكونغرس وفي بلد متعب من الحروب الخارجية، لكن مسودة التفويض التي أقرتها لجنة الشؤون الخارجية بعد ساعات من المناقشات التي شاهدها العالم، ستحصل على موافقة الكونغرس، بما يعطي الضربة الاميركية لسوريا قوة اجماع داخلي يحفظ صدقية اوباما ويعطيه قدرة اكبر على التصرف!

“الضربة العقابية المحدودة” لا تحتاج الى شهرين مع جواز تمديد المهلة شهرا اضافيا كما تنص صيغة التفويض، الذي يحظر نزول القوات الاميركية على الارض، ذلك ان قصف الاهداف الـ90 التي حددها “البنتاغون” بصواريخ “كروز” و”توما هوك” يمكن ان يحصل في اقل من ثلاثة ايام، وسبق ان تمت الاشارة الى هذا الامر، لكن الواضح ان اوباما والمسؤولين في الكونغرس وفي البنتاغون يعرفون ان الذهاب الى الحرب لتوجيه ضربة محدودة عملية سهلة لكن العودة من هذه الحرب قد لا تكون سهلة على الاطلاق، ولهذا فتح المجال على مدى ثلاثة اشهر!

ولأن اوباما يعرف ان الضربة العقابية قد تجرّه الى حرب مفتوحة أصرّ على الذهاب الى الكونغرس لتكون المسؤولية وطنية، فليس سراً ان العقاب قد يدفع الاسد الى السقوط وإلاّ فانه سيقف في اليوم التالي ليقول: “لقد صمدنا في وجه العدوان… لقد هزمنا اميركا” فتستمر المذابح بالكيميائي وغيره، وليس سراً ايضاً ان سقوط الاسد سيؤدي الى سقوط معادلات ورهانات اقليمية كبيرة من روسيا الى ايران وأذرعها العسكرية الممتدة من “حزب الله” في لبنان الى الحوثيين في اليمن مروراً بـ”عصائب اهل الحق” في العراق، ولذا فان الضربة قد تتحول حرباً اقليمية، وخصوصاً اذا أطلق الاسد صواريخه على اسرائيل او اذا تم دفع “حزب الله” الى مثل هذا، لهذا تبدو مهلة الاشهر الثلاثة منسجمة تماماً مع الحسابات التي لا تستبعد حصول حرب اقليمية، رغم ان الموقفين الايراني والروسي لا يوحيان برغبة في الإنجرار الى صراع اقليمي في المنطقة.

في أي حال أرى ان السؤال الأهم الذي يجب طرحه هو: ماذا قصد اوباما عندما قال “ان اضعاف قدرة الاسد ينسجم مع استراتيجية اوسع يجب في نهاية المطاف ان تحقق العملية الانتقالية، التي يفترض ان تجلب السلام والاستقرار ليس الى سوريا بل الى المنطقة”!

هل المقصود ان هناك مراهنة اميركية على ربط عملية التغيير في سوريا باحياء فعلي لعملية التسوية السلمية، بحيث تعوّض اميركا خسارتها التاريخية بعد سقوط مشروع “اخونة” المنطقة بتسوية ترسم شرق اوسط يقوم على توازنات جديدة؟!

النهار

آثار مناورة أوباما السياسية حيال سورية/ بول سالم *

للوهلة الأولى، بدا إعلان الرئيس الأميركي أوباما نقل قرار الحرب والسلم مع سورية إلى يد الكونغرس الأميركي، علامة ضعف وتردد، إلا أن حشد تأييد الكونغرس – المتوقع – سيعزز موقف أوباما ويعطيه خيارات أوسع – لا بل قد يفرض عليه خيارات – في مجال حجم الضربة العسكرية المرتقبة وفي تحريك العجلة الديبلوماسية تجاه الأزمة.

كانت خطة أوباما الأولى تقضي بتنفيذ ضربة محدودة جداً وذات أثر رمزي، أو «طلقة تحذير» كما وصفها هو نفسه. كان المنوي توجيه ضربة رمزية ردّاً على استخدام النظام الأسلحة الكيماوية، وتهدف إلى التدليل على أن الولايات المتحدة جادّة في شأن فرض «خطوطها الحمر» ضد استخدام أسلحة الدمار الشامل. لكن هذه الضربة لم تكن تهدف إلى الانخراط في الصراع السوري بصورة مباشرة، ولا إلى تغيير موازين القوى الداخلي بين الأطراف المتحاربة.

بيد أن وضع قرار الحرب أو السلام في يد الكونغرس يغيِّر الإطار السياسي ويلزم الإدارة الأميركية بضربة أكبر. ولكي تقنع الكونغرس والرأي العام الأميركي بالقرار، كان على إدارة أوباما أن تقول إن الضربة ترتبط بالسعي إلى تحقيق هدفين يحظيان بشعبية كبيرة في الكونغرس ووسائل الإعلام الأميركية: حماية إسرائيل، وردع إيران عن مواصلة السعي المزعوم لامتلاك أسلحة نووية.

الديمقراطيون في الكونغرس كانوا مترددين عموماً في دعم القيام بمغامرة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، لكن من المحتمل أن يتمكَّن اللوبي المؤيد لإسرائيل من إقناعهم بأن التصويت بالرفض على هذه المسألة سيشجّع إيران كثيراً ويعرّض إسرائيل للخطر. ومن المرجّح أن يصوّت الجمهوريون في نهاية المطاف بالموافقة أيضاً. إذ إن لوجهة النظر المؤيّدة لإسرائيل أيضاً تأثيراً قوياً في أوساط المشرّعين الجمهوريين. سيدعم الجناح الإنجيلي المسيحي للحزب وجهة النظر الإسرائيلية، في حين يجادل الجناح المتشدّد للحزب، والذي يمثّله إلى حد كبير السيناتور جون ماكين، بأنه إذا أرادت الولايات المتحدة ضرب سورية، فينبغي أن تضرب بقوة وتضعف الأسد ويكون لها تأثير حقيقي في مسار الحرب في سورية.

وفي سياق التعبئة الإعلامية التي ستواكب المناقشات العلنية في الكونغرس، وفي ظل تنافس المشرعين كي يظهروا بمظهر الموالين لإسرائيل والمعادين لإيران، قد يكون الفوز من نصيب وجهة نظر الصقور. وقد تخسر المعايير الدقيقة التي ربما تخيَّلها أوباما في أول مراحل الأزمة أمام الزخم السياسي المطالب بتوجيه ضربة أوسع نطاقاً. فأوباما الذي ترشّح لمنصب الرئاسة وهو يعد بالانسحاب من الحروب في الشرق الأوسط، والذي أدلى ببيان قبل عام مضى عن الخطوط الحمر والأسلحة الكيماوية كوسيلة لتجنّب الانخراط في الصراع السوري، قد يجد نفسه محاصراً بكلماته وبالكونغرس للقيام بعمل عسكري كبير.

يجادل السيناتور ماكين وآخرون بأنه إذا أرادت الولايات المتحدة توجيه ضربة إلى سورية، فعليها أن تفعل ذلك بطريقة من شأنها أن تضعف نظام الأسد فعلاً، وتقلّص فعالية قدراته العسكرية، وتزعزع ثقة ضباطه وحلفائه، وتعطي دفعة جدّية لفرص المتمردين الذين يقاتلون في دمشق وأنحاء أخرى كثيرة من البلاد. ويقول هؤلاء أيضاً إن الضربة يجب أن تكون مرتبطة بسياسة جادّة وسريعة لتقوية الجيش السوري الحر. كما يقولون إن توجيه ضربة صغيرة و «رمزية» لا تحقق هذا الهدف ما يجعل الولايات المتحدة تبدو ضعيفة، أو كما يقول المثل «تمخّض الجبل فولد فأراً». فهي ستطمئن نظام الأسد وحلفائه إلى أن هذا هو الحد الأقصى الذي تبدو الولايات المتحدة على استعداد للقيام به في هذا الصراع.

وفعلاً، بعد أيام من انطلاق النقاشات مع الكونغرس، أعلن الرئيس أوباما أن الضربة لن تكون إنذاراً فقط بل ستضعف قدرة نظام الأسد على استخدام الأسلحة الكيماوية، وتندرج ضمن اسراتيجية لإضعاف النظام وتقوية الثوار والضغط من أجل انتقال السلطة في سورية.

طرح شن هجوم كبير مسألة خطيرة تتعلّق بالتداعيات. في السيناريو الأول الذي تضمن توجيه ضربة رمزية محدودة، لن تكون للنظام وحلفائه، على رغم التهديد والوعيد الذي يطلقونه، مصلحة في الانتقام أو التصعيد بصورة خطيرة. إذ لن تكون للضربة عواقب وخيمة وسيرغبون ببساطة في أن يرحل الأميركيون بسرعة ويعودوا إلى سياستهم القديمة المتمثّلة بتجاهل الصراع السوري.

لكن، إذا كانت الضربة كبيرة، واقترنت بسياسة فعّالة لتقديم دعم جدّي للمتمردين، عندها تكون الولايات المتحدة قد انخرطت فعلياً في الحرب في سورية بطريقة كبيرة وطويلة الأمد. ومع أن سورية وحلفاءها ربما لا يرغبون في مهاجمة إسرائيل أو الولايات المتحدة مباشرة بهدف تجنّب انخراط جيشيهما في الحرب أكثر، فقد يتحرَّك حزب الله لتعزيز قبضته على لبنان، وربما يحاول النظام السوري وحلفاؤه جعل حلفاء الولايات المتحدة في الأردن وتركيا والخليج يدفعون ثمناً من خلال القيام بأعمال تهدف إلى التخريب وزعزعة الاستقرار.

إلا أن التصعيد الاميركي قد يكون له تداعيات سياسية إيجابية أيضاً، بمعنى أنه قد يحرِّك المسار الديبلوماسي. إذ من أهداف السياسة الأميركية الضغط على روسيا وإيران لإقناع الأسد بضرورة الدخول في تسوية سياسية لإنهاء الأزمة، تنطلق من مبادئ اتفاق جنيف الأول وتتضمن تنحي الرئيس الأسد عن السلطة. لا تزال إيران وروسيا تقفان بقوة إلى جانب النظام، إلا أن الرئيس الإيراني روحاني شجب استعمال الأسلحة الكيماوية بشدة، وفي موقف مفاجئ أعلن الرئيس بوتين أنه إذا ثبت استخدام النظام السلاح الكيماوي، فهو قد لا يعارض قرار توجيه ضربة إلى سورية إذا مرّ عبر مجلس الأمن.

قد تخلق قضية السلاح الكيماوي، إذا ثبتت، كوة بين سورية وحلفائها الدوليين وتطلق فرصة لتحريك المسار السياسي. كان واضحاً سابقاً أنه إلى جانب دعم إيران وروسيا وحزب الله النظام، كان ثمة استياء من سوء إدارة الرئيس الأسد الأزمة، وتشبثه بالسلطة المطلقة وإدخال بلاده وحلفائه في نفق دموي مسدود. سنرى في اجتماعات قادة دول العشرين (G – 20)، في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية ما إذا كان التصعيد الأميركي سيؤدي إلى تفاقم الاستقطاب الدولي، أم أنه سيضع الجميع أمام ضرورة إيجاد مخرج سياسي لهذه الأزمة التي باتت تهدد الأمن الإقليمي برمته واستقرار العلاقات بين الدول الكبرى في شكل لم يشهد العالم له مثيلاً منذ الحرب الباردة.

في الختام، إن استخدام الأسلحة الكيماوية في دمشق ربما أطلق العنان لسلسلة من التطورات التي يمكن أن تؤدّي إلى تغيير كبير في مسار الصراع السوري، إما عسكرياً أو سياسياً.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، لبنان

أوباما والخداع الإيراني/ حسان حيدر

حتى لو وافق الكونغرس على منحه تفويضاً بتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري، وهو أمر بات مرجحاً بعد نيله تأييد القادة الرئيسيين فيه، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يزال أسير مواقفه، فلا هو قادر على تجاهل الجريمة المفزعة التي أقدم عليها بشار الأسد باستخدامه السلاح الكيماوي، ولا هو راغب في تجاوز رد محدود في الزمن والأهداف، بحيث لا يتورط في حرب خارجية جديدة بعدما بنى كل سمعته واستراتيجيته على تفاديها.

ولهذا يتركز جهده خلال الأيام القليلة المتبقية قبل تصويت المشرعين الأميركيين، على البحث عن مخارج أو ضمانات خارجية، وخصوصاً في قمة العشرين التي تبدأ اليوم، خشية أن تتطور الضربة المحدودة إلى مواجهة أوسع تشمل الشرق الأوسط برمته، وفق تهديدات الروس والإيرانيين ونظام دمشق؟ وفي هذا الوقت الضائع قبل انتهاء مداولات الكونغرس يُطرح الكثير من النظريات والاحتمالات والسيناريوات، لكن اخطرها على الإطلاق نصائح تسدى إلى الإدارة الأميركية باعتماد «المخرج الإيراني» وتستند إلى فرضية تقول إن بإمكان طهران التدخل لدى حليفها السوري لتقديم تعهد بعدم اللجوء مجدداً إلى أسلحة القتل الشامل واستفزاز المجتمع الدولي، في مقابل صرف النظر عن الضربة العقابية.

ويبدو أن لهذا المخرج مؤيدين في أميركا وخارجها، خصوصاً بعدما تُركت الولايات المتحدة وحدها للقيام بمهمة التأديب الدولية، إذا استثنيت مشاركة فرنسا المحدودة القدرات.

لكن هل هناك فعلاً أي فرصة لمثل هذه الصفقة، وهل أبدت ايران أي تمايز في المواقف عن حليفها الوحيد في المنطقة؟ أم أن الهدف الفعلي للتسريبات التي تطلقها على لسان بعض سياسييها هو تمييع الموقف الأميركي بحيث لا يحصل الرد، أو بالأحرى بحيث لا يشكل سابقة قد تطبق عليها لاحقاً؟ لقد اضطر الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني إلى التراجع عن تصريح أدلى به عن مسؤولية الحكومة السورية في الهجوم الكيماوي الأخير على غوطتي دمشق، وأرادت به الرئاسة الجديدة اختبار رد فعل المتشددين الذين يمسكون بمفاصل القرار الإيراني ويصعب دفعهم إلى التخلي عنها.

وإذا كان روحاني لا يزال يتلمس طريقه داخل حقل الألغام الداخلي ويركز على المسائل الاقتصادية والاجتماعية لمعرفته بأن السياسة الخارجية حكر على المرشد خامنئي والمقربين منه، فإن هؤلاء يستغلون على ما يبدو صراحة أوباما الذي قال انه عندما اتخذ قرار معاقبة الأسد إنما استند إلى معيارين لا ثالث لهما: مصالح الولايات المتحدة وأمن إسرائيل، ولهذا ضاعفوا التصريحات عن إشعال المنطقة كلها وعن «برميل البارود» الذي سينفجر لثنيه عن قراره، وأسعفهم الروس بتحذيرات مماثلة وحشد بحري.

ثم إن ايران غارقة حتى أذنيها في دعم نظام الأسد بالمال والسلاح والرجال، وأرسلت تابعها اللبناني «حزب الله» وتوابعها العراقية للقتال إلى جانبه، وتخشى أن يمثل سقوط النظام السوري نكسة استراتيجية لجهودها القائمة منذ عقود على اختراق الداخل العربي، ويقطع الإمدادات المباشرة عن «حزب الله» ويضعفه في المعادلة الداخلية اللبنانية، ولهذا فإن أي مساومة معها تعادل المساومة مع الأسد نفسه.

وأياً تكن الإشارات التي أرسلتها طهران أو التي تخّيل أصحاب نظرية «المخرج الإيراني» أنهم تلقوها، فستظل في إطار الخداع النفسي والسياسي الذي يتقنه مخترعو الشطرنج، وحبال من الهواء لا يمكن التعلق بها.

الحياة

دعم “بشار الكيماوي” استثمار في ميت/ علي حماده

كل الدلائل تشير الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما سائر بخطى ثابتة نحو انتزاع تفويض من الكونغرس بتوجيه ضربة عسكرية الى النظام في سوريا ردا على استخدام الأخير السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية يوم ٢١ آب الفائت. وفي هذه الاثناء تحتشد خلف اوباما الدول الراغبة في الانضام الى تحالف ومن بينها دول عربية بلغت مرحلة الاقتناع بأن لا حل إلا بتوجيه ضربة عسكرية الى النظام وبشكل غير مباشر الى الحليف الايراني على الارض في سوريا. هذا لا يعني ان ثمة رغبة في الاشتباك مع الايرانيين على الارض، بل ان توجيه ضربة قاسية للنظام ستصيب الايرانيين ومن ضمنهم ذراعهم في لبنان “حزب الله” باضرار بالغة. فدعم النظام الضعيف وهو متوازن شيء، اما دعمه وهو في انهيار شبه تام فشيء آخر. فبعد ان يخسر معظم بناه التحتية الدفاعية على مستويات عدة سيصير النظام في حالة الاهتزاز الشديد وفقدان التوازن بحيث ان الايرانيين وحزب الله” لن يتمكنوا من رفعه مجددا، خصوصا ان الثوار يقفون على مداخل العاصمة دمشق. ولن يتأخروا عن استغلال الضربة الاميركية التي اذا ما حصلت، لن تسقط النظام بالضربة القاضية، وانما ستضعه على طريق الانهيار المتسارع.

مهما فعل الايرانيون فإنهم لن ينقذوا بشار. بشار انتهى منذ امد بعيد، الضربة المتوقعة ستسرع في تعيين موعد الدفن. اما “حزب الله” فأمامه خيارات عدة: اما ان يواصل الغرق في دماء السوريين الى ان يمنى بهزيمة كبيرة على الارض، او ان يدفع به الى اللعب على الحدود مع اسرائيل فيفتح باب حرب اقليمية سيخسرها بالتأكيد في مواجهة جبهة عريضة دولية واقليمية. ومع التورط في اللعب على الحدود مع اسرائيل سيتسبب بتدمير لبنان مجددا، واول البيئات التي ستعاني ستكون بيئة الحزب نفسه.

ليس الوقت للكلام الكبير، ولا للبطولات الفارغة. ان دعم “بشار الكيماوي” هو وصمة عار على جبين الايرانيين وخصوصا على جبين قادة “حزب الله” الذين يرسلون ميليشياتهم للقتال دعما لاكثر الديكتاتوريات اجراما في التاريخ. انه وقت التفكير بالعقل، والبحث عما يمكن ان يجنب لبنان تداعيات ازمة سوريا. ومن هنا نصيحتنا للمستكبرين في لبنان ان يعودوا الى رشدهم، وان يسارعوا الى سحب ميليشياتهم من سوريا، وان يأتوا الى طاولة حوار وطني لبحث التفاصيل الاجرائية لعملية تسليم السلاح، كل السلاح، الى الدولة اللبنانية الجامعة للكل. انتهى السلاح مثلما انتهى بشار. وكل يوم تتأخرون فيه عن القيام بما عليكم القيام به لانقاذ بلدكم، فإنكم تستثمرون في الفوضى والخراب.

قلنا قبل ايام: ضربة او لا ضربة المهم اسقاط النظام. ولن تتوقف المعركة في سوريا قبل ان يسقط النظام ومعه المشروع الايراني في المشرق العربي. وفي مطلق الاحوال، فإن الثورة في سوريا اقوى بكثير مما يعتقد قادة “حزب الله” الذين لن يغيروا كثيرا في المعطى الاستراتيجي على الارض.

ان من يدينون الضربة، اي ضربة ضد “بشار الكيماوي” لا يمارسون سياسة وطنية او قومية بل انهم يطالبون بمزيد من غاز “السارين” على رؤوس السوريين العزل.

النهار

المتوسط مرأب للبوارج الأميركية والروسية ويتحوّل مسرحاً للصواريخ في أيام/ خليل فليحان

أكد رئيس الجمهورية ميشال سليمان انه ضد الضربة الاميركية لسوريا، وكذلك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ولم يؤيد أي من الزعماء السياسيين، حتى المعارضين للنظام السوري تلك الضربة. ورأى سفراء غربيون معتمدون لدى لبنان في معرض ردهم على أسئلة طرحتها “النهار” عليهم، أن التلاقي على رفض الضربة يستوجب تحصين لبنان من أي انعكاسات سلبية يمكن أن تنشأ في حال القصف الصاروخي الاميركي لسوريا، لكن ما ينقص ذلك التحصين هو استئناف الحوار بين أركانه. ونُقل عنهم خشيتهم أن تكون خريطة الطريق التي طرحها الرئيس نبيه بري لاستئناف الحوار لا تلقى الصدى.

واعترفوا بأنهم لم يتلقوا بعد معلومات عن موعد مباشرة تلك الضربة، غير أنهم طلبوا منهم اتخاذ احتياطات اضافية بالنسبة الى تنقل الرعايا الموجودين في لبنان أو اللبنانيين الحاملين لهويات الدول التي ينتمون اليها، من أجل حمايتهم من أي اعتداء عليهم بسيارة مفخخة أو بعبوة ناسفة تزرع على قارعة طريق يمرون عليها. الا انهم أكدوا أن روسيا غير مستعدة للرد العسكري على الضربة الأميركية – الفرنسية، ومع ذلك رأوا أن الخطر يبقى جاثماً، ويكمن في حال نفّذت إيران تهديداتها بالرد وحليفيها في المنطقة على إسرائيل، لأنه من الناحية التقنية لا تملك إيران وسوريا وآخرون يدورون في فلكهما أي أسلحة تعطّل الصواريخ، ووقتئذ فالضربة التي حرص الرئيس الأميركي باراك أوباما على أن يصفها بأنها محدودة ستكون أوسع مما تصورها فتدخل الدولة العملاقة ومن يساندها في حرب مع قوى إقليمية، مما يجعل ردها قاسياً وسريعاً وفي مدى زمني قد لا يبقى محدوداً، وفي هذه الحال ستتأذى البلاد في أكثر من منطقة، وهذا ما حدا بالرئيس سليمان على أن ينبّه الى خطورة الانخراط في أي قتال مع بدء الضربة الأميركية، وأن الرئيس بري ليس بعيداً عن موقفه، والمهم من لديه القدرة على التدخل في المواجهة العسكرية، إذا تطورت من ضربة من البحر وعن بُعد الى ضرب أقرب، وهذا ما سيؤدي الى حركة نزوح لا يستسيغها أي لبناني مهما بلغت محبته وتأييده للنظام السوري.

وأوحوا أن تجميع أصوات التأييد حول طلب أوباما من الكونغرس في الطريق الى الاكتمال وتأمين نسبة معينة من القبول، مما يعطي أوباما الزخم للبدء بالضربة. وقللوا من أهمية مواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي وصفوها بأنها ترمي الى تصحيح العلاقة مع نظيره الاميركي قبيل وصوله الى اجتماع القمة الصناعية في سان بطرسبرج اليوم الخميس وغداً الجمعة، ولا سيما بعدما تبيّن له أن سيد البيت الأبيض لن يعقد معه خلوة على هامش تلك القمة. ووصفوا المواقف الروسية طوال يوم أمس بأنها أكاديمية، كالخلاصة التي توصّل إليها بوتين عندما قال إن أي ضربة أميركية من دون قرار من مجلس الأمن تعتبر عدواناً، على الرغم من أنه قال صباح أمس إنه إذا ثبت أن قوات النظام استعملت الكيميائي فهو سيصوّت ضدها. ولاحظوا أن الخارجية الروسية أصدرت أكثر من بيان ركّزت فيه على أن السلاح الذي استعمل في الغوطة تنتج مثله المعارضة، أو أن الهجوم على سوريا سيؤدي الى آثار “إشعاعية كارثية”، إضافة الى الاعلان عن إبحار غواصة روسية لاستعمالها في الأعمال الحربية.

ولفتوا الى أن الجديد أمس هو تهديد أطلقه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى كل من الأردن وتركيا بالرد على أي إطلاق نار يصدر عنهما. وشبهوا المتوسط بأنه تحوّل الى مرأب للبوارج الأميركية والروسية والفرنسية، وخلال الاسبوع المقبل سيكون مسرحاً لإطلاق الصواريخ على سوريا، فهل ستطلق الأخيرة صواريخها في اتجاه إسرائيل أيضاً؟

النهار

نظام الأسد يحتفل بـ«نصر» استباقي على ضربات أوباما/ عبدالوهاب بدرخان *

هكذا جاءت أيام على العرب أصبح التدخل الخارجي يُستجدى فيها استجداء، لأن النداءات والمناشدات الى نظام دمشق لم تفلح في وقف القتل والتدمير والإبادة. ثمة مجرم في البيت، مدجج بأكثر الأسلحة فتكاً، مصمم على القتل ولا شيء سواه، فما العمل اذاً، مجرد الرضوخ والموت، أم الاكتفاء بيوم عالمي للصلاة دعا اليه البابا فرنسيس الأول؟ جميع المعترضين على ضربات اميركية مزمعة ضد النظام السوري، هم على حق، مروراً ببيان مشيخة الأزهر «المستهجن» استخدام السلاح الكيماوي «أياً كان مستخدمه» (!) و «المستنكر» قرار الرئيس الاميركي الذي «يتخطّى كل الحدود والأعراف الدولية»، فالشعب السوري انتفض من أجل حريته وكرامته وحقوقه لا من أجل أن تضرب بلاده بالصواريخ. لكن المعترضين جميعاً ليست لديهم حلول أو حتى أفكار لوضع حد للمأساة، ولذا فإنهم يتجاهلون ما حصل أخيراً في الغوطتين ويستنجدون – كما يفعل الرئيس الروسي وزعيم حزب العمال البريطاني – بـ «حل سياسي» يعرفون أنه مستعصٍ لأن بشار الأسد لجأ الى الكيماوي كي يبقي الحل والربط في يده.

ها هي الأصوات نفسها تنبعث، كالعادة، من عقول عربية سقيمة أو عقول ايرانية خبيثة، لتقول إن الأفضل عندها أن يقتل الاسد شعب سورية – الذي لم يعد شعبه ولا هو رئيسه – وأن لا يُبقي فيها حجراً على حجر، على أن يأتي أي كان من الخارج لإنقاذ هذا الشعب وتخفيف معاناته أو لتقديم مساعدة بسيطة تعينه على الصمود. ففي مصر واليمن وتونس، كذلك في العراق، ولا تعجبوا اذا ما تعالت غداً حتى في ليبيا، اعتراضات على ضربة اميركية مزمعة للنظام السوري، اعتراضات بحّت حناجر أصحابها من التنديد بديكتاتور هنا أو هناك، لكنهم يريدون لديكتاتور سورية أن ينتصر ويستمر في الحكم، يريدون له وضعاً خاصاً لأنهم يتوهمون أنه كان/ أو لا يزال يمثل شيئاً اسمه «الممانعة» لاميركا واسرائيل والغرب. هؤلاء هم أنفسهم من ثاروا في بلدانهم على الاستبداد وسفك الدماء والفساد والتوريث، ومعظمهم تخلص من ديكتاتورييه بدعم ومساهمة غربيين حاسمين، إلا أن العقل السياسي القومي – البعثي – الاسلاموي يستهين بالحياة وبالانسان ولذلك فهو لا يرى في تدشين النظام السوري مسلسل مجازر كيماوية شيئاً مرتبطاً بإجرامٍ يتجاوز الاستبداد ويفوقه. ولا يرى في سقوط أكثر من مئة ألف قتيل، أو في احتجاز نحو مئتين وخمسين ألف أسير واختفاء عشرات الألوف، سوى «مؤامرة» اميركية – غربية لا يمكن دحرها إلا بقتل مزيد من السوريين.

نعم، صحيح، سوابق التدخلات غير مشجعة، ولا سيما الاميركية منها، فهي تتقن الهدم والإضرار والإفساد وقلّما تحسِن البناء أو الاهتمام بإعادة اللحمة الى الشعوب والمجتمعات. لكن هل أن الاسد يفعل شيئاً آخر غير كل هذه وسواها من الجرائم والموبقات. ألم يستورد بنفسه تدخلاً ايرانياً وروسياً يعينه على الشعب. فعلامَ الانقسام والخلاف في شأن التدخل الخارجي اذا كان عدم التدخل يعني المزيد مما شهدناه وشاهدناه طوال ثلاثين شهراً. في المبدأ لا أحد يحبذ أي تدخل، خصوصاً متى توافر حقن للدماء وسعي حقيقي الى حلول داخلية أو «وطنية» اذا جاز التعبير، أما أن ينبري فلاديمير بوتين للحديث باعتباره محايداً يرفض أن «يُفرض شيء من الخارج على الشعب السوري» فهذا ذروة الخداع لأن روسيا ذهبت الى الحدود القصوى في دعم الأسد كي يفرض الحل السياسي الذي يلائمه ويديم نظامه. وفي الأساس لا أحد يؤيد التدخل شكلاً وموضوعاً، أما أن يسلّم الاسد سورية الى «الحرس الثوري» الايراني ليخوض منها معركته مع الغرب فهذا أيضاً «احتلال» وفقاً لتوصيف السوريين الذين يعانون منه مباشرة وللتعريف الذي تبنّاه وزير الخارجية السعودي أمام مجلس الوزراء العرب.

بطبيعة الحال لا أحد يتوقع أن تُسقط الضربات الاميركية نظام الاسد، لكن النظام بدأ للتوّ احتفالات بالنصر حتى قبل أن تحصل الضربات، وسيواصل الاحتفال بعدها بإظهار جثث السجناء المدنيين والعسكريين الذين ينقلهم مسبقاً كدروع بشرية في المنشآت المرشحة للإستهداف. كما أنه وحليفيه ايران و «حزب الله» أن ثمة فرصة مؤاتية لتحقيق «نصر إلهي» جديد، أولاً لأن قوتهم الردعية منعت باراك اوباما من التفكير في عملية عسكرية متكاملة، وثانياً لأن قراءتهم الدقيقة لمعادلات الوضع الدولي جعلتهم يعتبرون قرار اوباما بعد تردد وتلكؤ طويلين مؤشراً لـ «انكفاء تاريخي» للولايات المتحدة، وثالثاً لأنهم واثقون بأن زمام المبادرة في يدهم طالما أن صواريخ «حزب الله» موجهة الى اسرائيل ويمكن أن تُطلق في أي لحظة ومن الجولان هذه المرّة على سبيل تحدي اميركا بأن من يبدأ المواجهة ليس هو بالضرورة من ينهيها. فإيران تتعامل مع ما قد يحدث في سورية باعتباره حرباً استباقية لحرب كان يمكن أن تكون عليها.

في النهاية اتخذ اوباما قراراً كما لو أنه لم يفعل. أعلن عن هدف عسكري لا هدف له، وعن مهمة يعتبرها العسكريون غير مسبوقة بشكليتها ومحدداتها ولائحة المحظورات التي تكبّلها (لا تغيير لميزان القوى الداخلي، لا تدخّل في الصراع الدائر، لا استخدام لصواريخ استراتيجية بل الاعتماد على «توما هوك» التكتيكية، لا إسقاط للنظام…). هي عملية أقرب الى الرمزية منها الى الردعية، اذ يُبلّغ الطرف الآخر مسبقاً بلائحة «الأهداف» ليتخذ اجراءات تقلّص من الخسائر والأضرار. ومع ذلك يدعى الكونغرس الى اعطاء تفويض للذهاب اليها، رفعاً للعتب. فما المراد منها اذاً؟ أهو نهي نظام الاسد عن معاودة استخدام السلاح الكيماوي، أم افهامه فقط بأن ذلك لا يمرّ من دون ثمن، أم استطراداً استئناف التداول مع روسيا بحثاً عن صيغة جديدة لـ «جنيف 2» والحل السياسي المؤمل منه. من الواضح أن هناك حرصاً اميركياً على عدم إغضاب الروس الذين لن يدّخروا أي مساهمة ممكنة في جعل الضربات توريطاً للولايات المتحدة.

يجب ألا ننسى أن النظام سعى منذ ربيع 2011 الى أحد هدفين، إما أن يجدّد الغرب ضمانه له واعتماده عليه كقوة اقليمية فيعمل عندئذ بشيء من الجدّية على ايجاد حل سياسي داخلي لا يخلو من تنازلات، أو يعتبر أن ما يجري في سورية مؤامرة خارجية وأنه يقف لها بالمرصاد من ضمن «خط المقاومة» مستدرجاً أي تدخل خارجي، بالأحرى اميركي، كمخرجٍ وحيدٍ له من مأزقه الداخلي: أن يبدو كبطل قومي يقاوم عدواناً خارجياً فيما هو يسحق ثورة شعبية في الداخل. في الحالين أخفقت محاولاته سواء عبر القنوات الديبلوماسية، أو من خلال تصعيد الحل الأمني، فالتصعيد من أجل حسم عسكري، وأخيراً باستخدام الكيماوي لتغيير طبيعة الصراع. لكن التدخل الخارجي المرتقب جاء متأخراً جداً وعلى غير ما يتصوّره، إلا أنه تحوّط للأمر باستدعاء ايران و «حزب الله» مبكراً، وبذلك هيّأ الصراع ليكون اقليمياً أو دولياً، لكن هل هناك ما يضمن بقاءه اذا توسّعت المواجهة. لا شك في أن النظام منتشٍ بالتصويت السلبي في مجلس العموم البريطاني وباضطرار الرئيس الاميركي لطلب مساعدة الكونغرس وبالأصوات الكثيرة العربية وغير العربية التي تستنكر أي تدخل خارج اطار مجلس الأمن، فكل ذلك يوهمه بأن العالم منقسم بين مريدين متضامنين معه ولا يكترثون اذا أقدم على القتل حتى بالغازات السامة وبين خصوم يفتقدون المنطق، اذ لم يحرّكهم سقوط عشرات آلاف الضحايا ثم هالهم قتل بضع مئات بسلاح الابادة فباتوا يطلبون معاقبته.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

هل يمضي الأسد على طريق صدام؟/ سهيل كيوان

مشهد الإسرائيليين وهم يقفون مذهولين متدافعين بطوابير للحصول على الأقنعة الواقية من الغازات السامة لهم ولأطفالهم إثر تصريحات أوباما عن قرب ضرب سورية، أثار الكثير من السخرية لدى كثيرين من العرب، واعتبروا أن هذا التصرف دليل على جبن اليهود! تعليقات كثيرة وصفتهم بالجبن لتصرفهم الطبيعي وهو الخوف من الموت، حتى لو كان هذا الموت افتراضيًا! أما بعد تصريح أوباما عن تأجيل الضربة حتى عرضها على الكونغرس، فقد فهمه كثير من اليهود والعرب على أنه نتيجة جبنه هو الآخر، وتناقل البعض صورًا لأوباما يبدو فيها مذهولا من الأسد الذي يزأر بوجهه فيكاد يفقده توازنه أو صوابه، بل وجعل شعر رأسه يقف رعبا من الأسد، وفي فوتو شوب آخر، يظهر أوباما هاربًا ووراءه يعدو أسد غاضب!فانتازيا يا عرب…

بالنسبة للإسرائيليين فإن جبنهم واضح وصحيح إلى حد كبير، فهم حريصون جدا على الحياة، على حياتهم وعلى حياة أطفالهم، ولكن في ثقافتنا الهلالية والعنترية يبدو هذا الحرص وهذه الحيطة وكأنها جبن!

إلى جانب الشعب الجبان في إسرائيل، يشعر المسؤولون بالخوف والهلع، لأنهم سيقعون تحت طائلة المساءلة إذا ما سقط صاروخ يحمل رأسا كيماويًا وقتل عددًا من الإسرائيليين دون أن يكونوا قد أعدوا الجبهة الداخلية بشكل جيد، وبصراحة يوجد من يحاسب على كل روح إسرائيلية قد تسقط نتيجة إهمال، للأسف وبمرارة نرى قيمة الإنسان العربي هو وروحه، سواء في سورية حيث باتت أرواح الناس والقطط سواء، أو في ميدان رابعة العدوية حيث رأينا جرافة عسكرية مصرية تقوم ب’تجريف’ عشرات الجثث لفتح الطريق، بينما الرجال يبكون ويستغيثون ويحوقلون ويسترجعون، ولهذا يجب طرد (الجزيرة) وأي وسيلة إعلام قد تنقل مشهدًا كهذا كي لا يرى أحد ولا يسمع. كذلك رأينا المفاوضات مستمرة رغم استشهاد ثلاثة فلسطينيين قبل أسبوع وكأن شيئًا لم يحدث، علما أنه لو ألقي حجر على سيارة إسرائيلية لتوقفت ‘المفاوضات’ الى أجل غير مسمى وصودر جبل مقابل الحجر.

لهذا وبسبب حرص الإسرائيليين على أرواحهم، هناك من يرجح بأن تأجيل الضربة الأمريكية جاء بالذات لأن أربعين بالمئة من الإسرائيليين لم يتزودوا بالأقنعة الواقية للغازات بعد، كذلك لأنها فترة عيد رأس السنة العبرية عند اليهود، وبما أن الإدارة الأمريكية ستُعلم قادة اسرائيل بالضربة قبل وقوعها، فيبدو أنهم طلبوا التأجيل، وقام نتنياهو بدعوة الشعب للاحتفال برأس السنة بدون خوف، وأن يخرج للتنزه بالذات إلى المناطق الشمالية والى هضبة الجولان، وأن لا يخشى شيئا، فهو واثق بأن الضربة لن تحدث إلا بعد إعداد إسرائيل لهذه اللحظة على أكمل وجه.

كذلك اعتبر البعض تراجع أوباما وطلبه دعم الكونغرس محاولة للهبوط عن الشجرة العالية وحفظا لماء الوجه بعدما ‘خاف’ من التهديد السوري بالرد، علما أن أي مسؤول سوري لم يصرح بأن النظام سيرد على أمريكا، فقد قال مسؤولون سوريون إن سورية ستدافع عن نفسها، والدفاع عن النفس لا يعني الرد بالضرورة ، وقد يتلخص بإطلاق مضادات غير فعالة على الصواريخ الحاملة للموت والدمار. وهناك من قال أن الرد سيكون على حلفاء أمريكا في المنطقة! فهل هذا يعني أن النظام سيرد على إسرائيل في حالة الهجوم الأمريكي عليه!

النظام الذي لم يرد على إسرائيل عندما ضربته هي بنفسها بطائراتها، هل سيرد على أمريكا بضرب إسرائيل!

هل يمكن للنظام أن يقامر بمثل هذه المقامرة! وهل سترد إسرائيل على النظام إذا قام بضربها! أم ستتصرف كما تصرفت في حرب عاصفة الصحراء عام 1991! عندما سقطت صواريخ الحسين العراقية على إسرائيل ولم ترد، بل تركت الحلفاء يقومون بالمهمة بهدوء دون أن يكلفها شيئًا، كانت فقط فرصة لتسويق المعلبات الكاسدة منذ سنين، والنايلون واللاصقات ‘خوفًا من الكيماوي’!

ولكن هذا المرة لن تسكت وسترد إسرائيل بقوة، أولا لأنه لا يوجد حلف دولي قوي يقوم بالمهمة حتى نهايتها على الأرض كما كان الوضع في العراق، كذلك هي فرصتها لتوريط أمريكا بحرب طويلة ضد سوريا ومن ثم إرغام إيران وحزب الله على خوضها إذا ما طالت، على الأقل حسب ما يصرح به مسؤولون إيرانيون بأنهم لن يتركوا حليهفم الأسد وحيدًا.

النظام خاض ويخوض كل هذه الحرب الأهلية بكل هذه الضحايا من المدنيين والعسكريين والمسلحين كي يبقى في الحكم، فهل يقامر من خلال الرد على إسرائيل! هذا يتعلق بحجم الضربة التي سيحاول امتصاصها، فإذا انتهت بسرعة سيعلن انتصاره، ويستمر في حربه الأهلية. من ناحيتها لن تسعى الإدارة الأمريكية لحشره في الزاوية وإسقاطه وهو ما يؤكده أوباما.

إسرائيل أعلنت أنها خارج اللعبة، وأنها ليست طرفا بما يحدث، ولكنها المحرض الأكبر الآن على ضرب قوات النظام، فهل غيّرت إسرائيل من استراتيجتيها تجاه النظام الذي قررت التعايش معه على أنه أفضل من مجهول قادم لا تعرف من هو وكيف تتعامل معه! هل باتت تستشعر خطورة النظام عليها بعد استعماله الكيماوي، أو عدم قدرته على السيطرة على الكيماوي! هذا يدعوها لتأزيم الوضع أكثر كي ينتهي إلى العمل على نزع سلاح الدمار الشامل من سورية وتدميره بقرار دولي كما حدث مع صدام حسين، سواء كان هذا السلاح بيد النظام أو بيد من سيأتون بعد هذا النظام! أليس هذا ما تسعى إليه إسرائيل بأن تكون القوة الوحيدة في المنطقة التي تملك سلاح الدمار الشامل…

القدس العربي

مهاجمة سورية… المعارضة ومخطط لويس/ د. فايز رشيد

بات في حكم المؤكد تراجع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن مهاجمة سورية على المدى القريب المنظور، فهو وبعد إفشال مجلس العموم البريطاني لنوايا كاميرون في توجيه الضربة، واحتجاجات شعبية بريطانية – غربية كثيرة على شن الحرب على سورية، وبعد توقع التداعيات الممكنة للضربة، واحتمال مهاجمة أطراف المقاومة مجتمعة، حزب الله، إيران وسورية، لحليف أمريكا الاستراتيجي، الكيان الصهيوني، آثر أوباما التريث قليلاً في القيام بالعدوان. وبسبب من الإحراج الكبير له بسبب التراجع، فضّل أن يسلّم القضية برمتها للكونغرس الأمريكي. هذا لا يعني توقف المخطط الأمريكي- الغربي- الإسرائيلي عن استهداف سورية، وإزاحتها وحليفتيها من الطريق الموصل لمواجهة تل أبيب، لأن الاستهداف يأتي، ضمن تصور شمولي لعموم المنطقة أكبر بكثير من ضربة عسكرية محدودة.

لعله ليس جديداً القول إن التصور الأمريكي للوطن العربي يتمثل في تفتيت بلدانه إلى دويلات مذهبية وطائفية وإثنية متناقضة ومتقاتلة في ما بينها، بما يضمن السيطرة النهائية الأمريكية – الإسرائيلية على المنطقة برمتها، وتدمير العقبات التي تعترض ضمان هيمنة الحليف الإسرائيلي عليها، ضمن إعطاء أبعاد تاريخية وسمات جديدة بعيدة كل البعد عن تراثها وحضارتها، في ما اتفق على تسميته بــ’الشرق الأوسط الجديد’.

لعل أكثر من تفاعل مع هذا المخطط المفكر الصهيوني البريطاني الأصل برنارد لويس، الذي صاغ مخططه المتكامل المسمى باسمه، والذي يستهدف تقسيم دول المنطقة العربية إلى 52 دويلة مفصلّة تفصيلاً دقيقاً. لويس المؤرخ الغربي الأول في دراسة العالمين العربي والإسلامي. لقد أفاد لويس الدوائر الغربية في تفصيلات تشريح وتقسيم الدول العربية، حيث وصفه بول وولفويتز الصهيوني ومساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق قائلاً: ‘لقد تمكن لويس في شكل باهر من وضع علاقات وقضايا الشرق الأوسط في سياقها الأوسع، وبفكر موضوعي وأصيل ومستقل دوماً. لقد علّمنا برنارد كيف نفهم التاريخ المعقد والمهم للشرق الأوسط، وكيف نستعمله لتحديد خطوتنا التالية لبناء عالم أفضل لأجيال عديدة’. الدليل على صحة اعتماد الدوائر الأمريكية الغربية على ما خططه لويس هو، تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي في 29 ايلول/سبتمبر 2007 على انسحاب الولايات المتحدة من العراق، شريطة تقسيمه إلى ثلاث دويلات: شيعية في الجنوب سنية في الوسط، وكردية في الشمال. هذا يتواءم تماماً مع تصور لويس في خطته للعراق. الدليل الثاني هو غزو العراق الذي عمل لويس من أجل تحقيقه، حتى أن صحيفة ‘الصنداي تلغراف’ البريطانية في 15 شباط/فبراير 2004 وصفته ‘بأنه الرجل الذي كان وراء غزو العراق’. الدليل الثالث على التفاعل الغربي مع مخطط لويس هو، استهداف سورية وما أخذ يتردد في الأنباء، وضمن مخطط دعائي إعلامي كبير، بإشراف تلك الدوائر’من أن الصراع الدائر في سورية هو صراع طائفي’. بالتالي فإن المحاولات جارية لطبع هذا المفهوم واعتباره السمة الرئيسية للصراع، هذا أولاً، وثانياً تقسيم سورية وفقاً لما يجري تحقيقه في العراق، إلى أربع دويلات طائفية وإثنية: دويلة علوية على الساحل، دويلتين سنيتين في حلب ودمشق، ودويلة درزية في جبل العرب. بهذا يمكن القضاء على وحدة سورية، والتأثير على لبنان والأردن على طريق تقسيمهما، وبذلك تنزاح عقبات حقيقية من أمام إسرائيل.

الغريب في الأمر في ما يتعلق باستهداف سورية ومهاجمتها، هو موقف المعارضة السورية (باستثناء المعارضة الداخلية التي وقفت ضد العدوان) فهي في الأيام الأولى من التهديدات الأمريكية – الغربية بدت كأنها تستعجل هذا التدخل وتباركه، وأظهرت سرورها البالغ بتوجيه الضربة إلى سورية بلدها، ولما خفتت احتمالات العدوان، بدأت وكأن الطير حطّ على رؤوسها، أصبحت حزينة، محبطة، وجيّرت حملاتها باتجاه أمريكا والغرب. بداية نقول ان قصف الجيش السوري وهدم البنية التحتية في سورية، هما عدوان موجه من أجل تدمير سورية الوطن، قبل أن يكون تدميراً لنظام معين، فالأنظمة تتعاقب وتتوارى والوطن باقٍ أبد الدهر. لنأخذ تجربة العراق مثلاً : غالبية فصائل المعارضة العراقية رحبت باحتلال العراق في عام 2003، ساعدت المحتلين وماذا كانت الحصيلة؟ ذهاب نظام صدام. هذا صحيح ولكن الظاهرة الأعمق هي تدمير بنية العراق، وتأخره مئات السنين إلى الوراء. صراعات طائفية وإثنية وانقسام مجتمعي وتحارب مستمر، وسيطرة أجنبية على ثروات العراق وأهمها نفطه، فوضى عارمة، تفجيرات يومية، انعدام الأمن، في بلد النفط لا يوجد نفط ولا مياه ولا كهرباء لشعبه. بإجماع كل المراقبين فان العراق بحاجة إلى عقود طويلة ليعود مثلما كان قبل الاحتلال. قصدنا القول ان العدوان الأجنبي يؤدي إلى هذه الظواهر، فهل ترحب المعارضة السورية لتكون سورية على شاكلة العراق؟

للعلم، فإن الحقيقة الأكيدة أنه مهما بلغت درجة التناقض بين مطلق معارضة ومطلق نظام، فإنه وأمام العدوان الخارجي، يتوجب تأجيل هذه التناقضات ومواجهة هذا العدوان، ليس من قبل النظام فحسب، وإنما أيضاً من قبل المعارضة، التي من واجبها أيضاً مقاومة العدوان الخارجي على بلدها. لا نقول كلاماً مجافياً للواقع، وعاطفياً مثالياً لكن من منظار وطني قومي إنساني، وتوجب ما يجب أن يكون وليس العكس. للأسف جاء اجتماع الجامعة العربية حول الشأن السوري ليستجدي التدخل الأمريكي في سورية العربية، هل وصلنا الى هذا الحد من الهوان؟!

إن الحراكات الجماهيرية في ما اصطلح على تسميته بــ(الربيع العربي) في العديد من الدول العربية، لا يشك أحد في صدق خلفياتها ومنطلقاتها، لكن للأسف فإن هذه الحراكات لم يجر قطف ثمارها بالطريق الوطني الديمقراطي القومي الصحيح، فهي لم تُستكمل من جهة، ومن جهة أخرى تمكنت دول التحالف الاستعماري، اختطافها من خلال احتوائها، وبالفعل تم عقد العديد من الاتفاقيات ما بين دول التحالف وحركات الإسلام السياسي في هذه الدول، المتمثل بالإخوان المسلمين، وبالتالي تم إفراغ هذه الحراكات من مضامينها الثورية لصالح الصفقات التي كانت حريصة على تسييد مصالح الولايات المتحدة والدول الغربية، والإبقاء على كافة الاتفاقيات المعقودة بين بعض هذه الدول والعدو الصهيوني، مثل معاهدة كامب ديفيد، وضمان عدم مواجهة إسرائيل مستقبلاً.

في التغييرات التي حصلت في الثلاثين من يونيو /حزيران لهذا العام، وإسقاط حكم الإخوان المسلمين وعزل مندوبهم في قصر الاتحادية محمد مرسي، بعدها جُنّ جنون الغرب، واستنكر ما حصل واعتبره ‘انقلاباً على الشرعية (وكأنهم حريصون عليها وعلى مصالح الجماهير العربية في مصر)، رغم أن التغييرات جاءت تلبية لأرادة غالبية أبناء الشعب المصري. آخر الأنباء ووفقاً لما ذكرته صحيفة ‘الخليج’ الإماراتية في الأول من سبتمبر الحالي، ونقلاً عن موقع ‘اليوم السابع′: ‘فإنه تم عقد اجتماع في قاعة ‘جامعة تل أبيب’ حضره الموساد الإسرائيلي وممثلان عن القوات البريطانية ووزارة الدفاع الفرنسية، وأعرب المجتمعون عن ضرورة دعم الإخوان المسلمين من خلال: تزويدهم بالسلاح، وحماية صفهم القيادي الثاني، وتصعيد حملة تشويه لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وإحداث فتنة طائفية، وإحياء مخطط التقسيم في مصر’. يبقى القول إن مخطط تقسيم الدول العربية (ومن ضمنها سورية) يجري على قدم وساق، ولا يريدونه لدولة واحدة، بل للعديد من الدول العربية فلتنتبه إلى ذلك المعارضات العربية ومنها’المعارضة السورية’.

‘ كاتب فلسطيني

القدس العربي

أشباح العراق/ هشام ملحم

كيف يستخدم أي رئيس أميركي – أو لا يستخدم – القوة العسكرية، يساهم كثيرا في تحديد شخصيته وتركته ومكانته التاريخية. أعظم ثلاثة رؤساء اميركيين: جورج واشنطن، ابراهام لينكولن وفرانكلين ديلاند روزفلت صهرت شخصياتهم ومكانتهم ثلاث حروب مصيرية، حرب الاستقلال، الحرب الاهلية والحرب العالمية الثانية. الاولى خلقت الجمهورية الاميركية، الثانية انقذتها من الانقسام ووحدتها، والثالثة جعلتها قوة عظمى.

استحالة تحقيق نصر عسكري حاسم في حرب فيتنام أرغمت الرئيس ليندون جونسون على عدم السعي الى ولاية ثانية. الحرب أثرت سلبا على السجل الداخلي الممتاز لجونسون المتعلق بدعم الحقوق المدنية والضمانات الصحية. جيمي كارتر “انهزم” في الصحراء الايرانية عندما اخفقت قواته في انقاذ الرهائن في طهران، قبل ان يهزمه رونالد ريغان في الانتخابات. وريغان بدوره أفلت من احراج تفجير مقر “المارينز” في بيروت، حين غزا غرانادا في اليوم التالي عمليا، ولانه واصل محاربة الاتحاد السوفياتي بالوكالة في أفغانستان وغيرها.

استخدام جورج بوش القوة العسكرية في 1991 ضد العراق بعد غزوه للكويت، كان افضل مثال على تحضير الارضية الديبلوماسية لتغطية حرب قصيرة ذات أهداف محددة. كان ذلك استخداما حكيما للقوة، خصوصاً ان بوش رفض احتلال بغداد.

وبينما كان جورج بوش الأب حذرا ودقيقا في استخدام القوة العسكرية في العراق، كان جورج بوش الابن متهورا ومتطرفا في استخدامها حتى في حال الدفاع المشروع عن النفس كما هو الحال في افغانستان، حين حّول المهمة من تعقب اسامة بن لادن و”القاعدة” ومعاقبتهما، الى محاولة لاعادة صياغة مجتمع بكامله. لكن تهور بوش وغطرسة القوة لديه بلغا ذروتهما في غزو العراق ومحاولة قلب مجتمعه رأسا على عقب. ولعقد من الزمن تقريبا وجدت اميركا نفسها تحاول تنفيذ مهمة مستحيلة لاعادة صياغة مجتمع معقد، مقهور وغاضب، اكتشفت متأخرة انها لا تعرفه على الاطلاق. الاميركيون، ومعهم العالم، صدموا حين اكتشفوا محدودية العسكرية الاميركية في صحراء الانبار وشوارع بغداد وأزقة الفلوجة.

وبقدر ما كان بوش الابن متهورا ومتطرفا في استخدام القوة، ينفر باراك أوباما منها ويتردد في استخدامها ويحاول تفادي مسؤوليتها، اولا لأنه مسالم ويؤمن بالتحاور، ولكن وهذا هو الاهم، لانه لا يزال يعيش في ظل اشباح الحرب العراقية، ولذلك استعجل الانسحاب من هذا البلد ولم يفاوض العراقيين جديا لابقاء ولو قوة محدودة. وفي كل مرة يتحدث أوباما عن الازمة السورية، يشير الى “تعب” او “ارهاق” الاميركيين من حرب العراق التي ستبقى اشباحها تهيمن على أي استخدام اميركي للقوة ولو كان محدودا ربما لعقود من الزمن. عندما ينظر اوباما الى سوريا يرى العراق واشباحه… ويتراجع.

النهار

هل نحن أمام “لبننة” سوريا أم “سورنة” لبنان؟/ حسين أيبش

عندما اتّخذ “حزب الله” قراره المصيري بالتدخّل عسكرياً في الحرب الأهلية السورية، كانت مسألة وقت فقط قبل أن تطارده الحرب إلى الداخل وتشعل ناراً في لبنان. فخلال هذا الشهر [شهر آب الماضي] انفجرت ثلاث سيارات مفخّخة في لبنان، ما أدّى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات بجروح.

ما إن اندلع النزاع السوري حتى انتشر بسرعة إلى الأجزاء الشمالية من لبنان، وتحديداً طرابلس، التي باتت تضمّ بصورة مستجدّة سنّة لبنانيين سلفيين ومحافظين، إلى جانب العلويين. وقد انجرفت هذه القوى، التي يخوض رفاقها وأبناء طائفتها القتال على جبهتَين متواجهتين في الجهة الأخرى من الحدود، إلى التقاتل في ما بينها في شمال لبنان.

لكن القوى السياسية الأساسية في البلاد قرّرت أن تحاول حصر التأثير الممتدّ للحرب السورية في تلك المنطقة الشمالية. تتّصف السياسة اللبنانية منذ أكثر من عقد بتوازنٍ بين عناصر غير مستقرّة. لا يريد أحد شنّ حرب شاملة في لبنان، لأنه ما من فريق يمكنه أن يكون على ثقة بالفوز، والجميع معرّضون بشدّة للخسارة أكثر منهم للانتصار.

فضلاً عن ذلك، نستنتج من التاريخ اللبناني الحديث أمراً واضحاً لا مفرّ منه: أيّ مجموعة – داخلية أم خارجية – تحاول فرض سيطرة مهيمِنة على البلاد بكاملها تواجه بسرعة معارَضة موحَّدة من جميع القوى الأخرى تقريباً، وتُضطرّ في نهاية المطاف إلى الانكفاء في قواعدها.

لكن “حزب الله”، وعلى الرغم من أنه يعرف جيداً مخاطر تدخّله في سوريا، يعتبر أن بقاء نظام بشار الأسد هو ببساطة ضرورة وجودية. تجسّد سوريا شريان الحياة المباشر بين “حزب الله” وطهران. فلولا ذلك الرابط المجاور، ولولا الدعم من التأثير الخارجي الأقوى في لبنان – أي سوريا – لكان وجود شبه الدويلة التي يقيمها “حزب الله” في شكلها الحالي، مع سياستها الخارجية والعسكرية المستقلة، في خطر شديد.

لن يزول “حزب الله”. فعلى غرار كل الأحزاب السياسية اللبنانية، يتّسم بالازدواجية كما الإله جانوس المعروف بأنه ذو وجهَين. فمن جهة، تمثّل هذه الأحزاب ناخبيها. وفي حالة “حزب الله”، تتألّف قاعدته الناخبة من الطائفة الأكبر في لبنان، أي الشيعة حيث الحزب هو القائد الأول بلا منازع (لا وجود لطائفة أكثرية في لبنان). لكن من جهة أخرى، وأسوةً بجميع الأحزاب اللبنانية، يمثّل “حزب الله” أيضاً قوّة خارجية راعية له، ألا وهي إيران.

انطلاقاً من هذا الولاء للجهة الراعية، “حزب الله” في هو شكل أساسي صنيعة الحرس الثوري الإيراني. وفي حين أمكن التكهّن خلال العقد المنصرم حول ما إذا كان الحزب قد طوّر شخصية سياسية مستقلّة، جاءت الحرب في سوريا لتضع حداً لهذه التساؤلات. فـ”حزب الله” يظلّ مرتبطاً بقوّة برعاته الإيرانيين، والطرفان ملتزمان، وجودياً، ببقاء ديكتاتورية الأسد مهما كان الثمن.

إذاً اتّخذ “حزب الله” خطوة متطرّفة ومتهوّرة وغير مسؤولة على الإطلاق – إنما أيضاً لا غنى عنها على الأرجح من وجهة نظره – عبر إرسال عدد كبير من وحدات النخبة التابعة له للقتال إلى جانب القوات السورية دفاعاً عن بعض المناطق الأكثر أهمّية على المستوى الاستراتيجي.

لقد وصلت تداعيات الحرب السورية، بصورة محتومة، إلى لبنان. فقد أحدثت شللاً في السياسة اللبنانية خلال الأشهر الخمسة الماضية منذ استقالة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، وكان السبب الظاهري الخلاف حول تنظيم انتخابات جديدة. لكن الواقع هو أن الانقسام داخل الحكومة يعكس الخلافات السياسية حول الحرب في سوريا، وتدخّل “حزب الله” هناك، والتنافس بين انصار السعودية وانصار إيران في السياسة اللبنانية. لكن مع ذلك، جرى حصر الارتدادات العنيفة في منطقة الشمال في شكل أساسي، نظراً إلى أن إحدى المسائل القليلة جداً التي يُجمع عليها معظم اللبنانيين هي أنه ليس من مصلحتهم اندلاع حرب أهلية جديدة.

مما لا شك فيه أن تنظيم “القاعدة” وسواه من التنظيمات السلفية الجهادية التي تتواجد في الشمال بأعداد صغيرة، لا تحظى بالشعبية في أوساط السنّة اللبنانيين. في الواقع، اسم “القاعدة” في ذاته ملعون جداً في المشرق إلى درجة أن التنظيم اضطُرّ إلى أن يُعيد تقديم نفسه باسم مختلف: “جبهة النصرة” في سوريا وسواها من الأسماء الأخرى التي تندرج في إطار الحيَل التسويقية في لبنان وفي صفوف الفلسطينيين.

تنهار الجهود الهادفة إلى حصر تداعيات الحرب الأهلية السورية في شمال لبنان، بطريقة دموية ودراماتيكية. فتدخُّل “حزب الله” في سوريا سيظلّ يطارده حتى العمق اللبناني، وبصورة متزايدة وأكثر حدّة من دون أدنى شك. لقد راهن الحزب بكل شيء، ويعرف ذلك. ومجدداً تصرّف بتهوّر على حساب ما تبقّى من لبنان، وبطلب من الإيرانيين. حقّق الاحتواء نجاحاً نسبياً حتى تاريخه، فلبنان لا يشبه بشيء الظروف التي تواجهها سوريا. لكن حتّام؟

الضرر كبير حتى الآن. أولاً، الالتزام الذي قطعه الأفرقاء اللبنانيون بعد عام 1989 بعدم استخدام لبنان ساحة لخوض حروب بالوكالة عن الآخرين، كما حصل في الماضي، في صدد الانهيار. ثانياً، بما أن “حزب الله” التزم بقوّة المساهمة في النزاع في سوريا – وبما أن سوريا هي القوّة الخارجية الأهم في لبنان – سيكون لنتائج الحرب السورية تأثير عميق على المعادلة السياسية اللبنانية. يبذل معظم الأفرقاء اللبنانيين محاولات صادقة لتجنّب وباء المذهبية، لكن في ظل الظروف الراهنة، يبدون عاجزين عن وقف انتشاره القوي.

مما لا شك فيه أن الدولة اللبنانية تتصدّع أكثر من أي وقت مضى، على صعيدَي مؤسّساتها وهيكلياتها السياسية، كما على مستوى التوازن الهش بين أفرقائها السياسيين. تدخُّل “حزب الله” في سوريا هو المحفّز الأساسي، لكنه ليس السبب الوحيد. ففيما تفشل الجهود الهادفة إلى ضبط العنف المتمدّد من الحرب السورية وحصره في الشمال اللبناني، تزداد أيضاً احتمالات توسُّع العنف المذهبي في مختلف أنحاء البلاد، وكذلك الاحتمال القاتم إنما المعقول باندلاع جولة جديدة من النزاع الأهلي.

المفارقة هي أن سوريا تتصدّع بطريقة تثير ذكريات مخيفة عن الحرب الأهلية المذهبية اللبنانية من 1975 إلى 1989. فمنذ انتهاء الحرب، ينعم لبنان إلى حد كبير بالسلام، لكنه مفكّك: إنه عبارة عن مجموعة من الجيوب المذهبية والإثنية (مع درجات أعلى أو أقل من الحكم الذاتي) التي تربطها معاً، بصورة فضفاضة، حكومةٌ ضعيفة جداً في بيروت وتعاني من اختلال وظيفي متزايد، حتى إنها باتت أعجز من التظاهر، في جوانب جوهرية كثيرة، بتأدية وظائفها الأساسية التي يُفترَض بالدولة النهوض بها.

ليس لبنان دولة فاشلة، لكنه جمهورية متصدِّعة ومفكّكة تعاني من اختلال وظيفي. منذ عام 1989، وفّرت التسوية درجة مقبولة من الاستقرار، لكنها تستند إلى توازن من العناصر غير المستقرّة. لطالما كانت قابلية هذه التسوية للاستمرار موضع شكوك في أفضل الأحوال، كما أنها تمرّ حالياً في امتحانها الأقوى منذ وضع اتفاق الطائف حداً للحرب الأهلية عام 1989.

يستحيل توقّع النتيجة في المدى الطويل في سوريا: ثمة عدد كبير من المتغيّرات والعوامل التي لا يمكن قياسها بدقّة. لكن الدولة الوطنية المتكاملة والحديثة والمركزية المحكومة من دمشق التي قامت عليها سوريا منذ استقلالها في أربعينات القرن الماضي، لا تملك حظوظاً فعلية بالخروج سليمة معافاة من الحرب الحالية.

قد تعتبر نظرةٌ يمكن وصفها بغير المتشاءمة أن السيناريو الأفضل (أو الأقل سوءاً) بالنسبة إلى سوريا في المدى المتوسط هو النموذج اللبناني: بلد يشكّل نظرياً كلاً متكاملاً، لكنه في الواقع منقسم بشدّة، ويحكمه على المستوى المحلي سماسرة سلطة ذوو انتماءات مذهبية وإثنية، مع درجات أكبر أو أقل من الاستقلال الذاتي في التحرّك، وتربطهم معاً حكومة مركزية ضعيفة جداً في دمشق وعاجزة عن فرض سلطتها في الجزء الأكبر من البلاد التي يمكن اعتبارها وطناً بالاسم فقط.

ولعل المفارقة الأكبر هي أن هذا السيناريو “الأقل سوءاً” في سوريا ربما يعكس ما يعيشه لبنان منذ عقدَين والذي يتعرّض الآن لتهديد شديد بسبب القوى نفسها التي تدفع جارته الشمالية، سوريا، في اتّجاه مشابه تماماً. إذاً السؤال المطروح هو الآتي: هل يستطيع لبنان أن يصمد في وجه “لبننة” سوريا من دون السقوط في جولة مروّعة أخرى من إراقة الدماء؟ هل يمكن أن تصبح سوريا “لبنانَ” آخر من دون تحطيم هذا النموذج الهش في لبنان نفسه؟

لا بد من التشديد على أن هذه الأسئلة تستند بالكامل إلى تفادي مزيد من السيناريوات البائسة. فحدوثها، لحسن الحظ، أقل احتمالاً من سيناريو الشلل اللبناني القاتم إنما المقبول نوعاً ما – وربما الشلل السوري الناشئ – وتوازن القوى غير المستقرّة في دول مجزّأة إنما غير فاشلة. شئنا أم أبينا، ليس هذا التقويم متشائماً. حاولوا أن تتكلّموا مع متشائم حقيقي.

– كبير الباحثين في فريق العمل الاميركي من أجل فلسطين

– ترجمة نسرين ناضر

النهار

المواقف الدولية من قضية السلاح الكيماوي في سورية/ د. يوسف نور عوض

خلال سنوات الحرب الباردة ظهرت كثير من الأنظمة العربية الشمولية، وكانت وسيلة هذه الأنظمة في الوصول إلى الحكم الانقلابات العسكرية، وظلت هذه الأنظمة تمني الشعوب بالعدالة الاجتماعية والحرية رافعة شعارات الوحدة والقومية العربية وغيرها من الشعارات التي لقيت رواجا كبيرا في تلك المرحلة، وقد صدق الناس الشعارات لأن العالم العربي كان خارجا من مرحلة الاستعمار المباشر، وظل هذا العالم يرى أنه أقرب إلى المعسكر الشرقي منه إلى المعسكر الغربي، لكن سنوات من العسف ونهب الأموال لم تحقق ما كان يرجوه الناس، وذلك ما أدى في آخر الأمر إلى اندلاع حركة شعبية أطلق عليها ثورات ‘الربيع العربي’، وهي الثورات التي أسقطت عددا من أنظمة الحكم، كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، وعندها تعرف الناس على معلومات أقرب إلى الخيال في سرقة الأموال من خزائن الدول بلغت المليارات، لكن الدول لم تعرف كيف تستردها حتى الآن.

وبالطبع كان الكثيرون يتوقعون أن تصل ثورات الربيع العربي إلى سورية التي هي من الدول المحورية في رفع شعارات الأنظمة الشمولية، وقد بدأت بالفعل الثورة في سورية، وكانت المفاجأة كبيرة عندما اكتشف العالم العربي الوجه الآخر لنظام الحكم في هذا البلد والذي لم يكن مجرد نظام عسكري يمكن إزالته بالثورة، بل كان نظاما طائفيا استطاع أن يخبىء حقيقته على مدى عدة عقود رفع خلالها شعارات القومية العربية والوحدة، وهي شعارات تتناقض تماما مع أيديولوجية النظام الذي مكث أكثر من عامين وهو يقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه دون أن يحرك العالم ساكنا، وأخيرا ظهرت في الأفق قصة الأسلحة الكيماوية التي استخدمت في ضرب الغوطة الشرقية، وعندها بدأ العالم الخارجي يبدي نوعا من الاهتمام، ولم يكن هذا الاهتمام – بكل تأكيد- بسبب الشعب السوري بل كان تخوفا من استخدام هذه الأسلحة في يوم من الأيام في مواجهة إسرائيل، ولا يعني ذلك أن النظام كان يستعد للمواجهة مع هذه الدولة، بكون الحقائق تقول إن النظام السوري استمر أكثر من أربعين عاما دون أن يطلق طلقة واحدة في اتجاه إسرائيل من أجل تحرير أرضه المحتلة في الجولان، لكن مجرد امتلاك هذا السلاح جعل هذا الأمر أكثر تعقيدا، ويلاحظ أن إسرائيل لم ترفع صوتها في هذه القضية التي تتعلق بأمنها، ولم يكن ذلك بسبب عدم أهمية القضية بالنسبة لها، بل لأن إسرائيل استهدفت أن يتولى المجتمع الدولي أمر القضية دون أن تكون هناك إرهاصات بأن تحرك المجتمع الدولي يصب في مصلحة إسرائيل. ومن ثم بدأت القضية تستقطب اهتماما كبيرا وظهرت إشارات من العالم الغربي تدعو إلى أن توجه الدول الغربية ضربة إلى نظام بشار الأسد، لكن المواقف الروسية والصينية جعلت هذا العالم يتريث حتى يتم إثبات أن النظام السوري كان وراء استخدام تلك الأسلحة الكيماوية، ويلاحظ في هذا السياق أن مجلس العموم البريطاني صوت ضد توجيه ضربة إلى سورية وقال الكثيرون إن هذا التصويت كان سببا في التوجه نحو أدلة دامغة تثبت تورط النظام السوري، وهو ما دعت إليه فرنسا أيضا التي قالت إنها لن تشارك في عمل عسكري ضد سورية دون تفويض دولي، ولكن الولايات المتحدة ظلت مصممة على توجيه هذه الضربة بشرط أن يوافق عليها الكونغرس عندما تقدم إليه الأدلة الوافية.

ولا يبدو أن الولايات المتحدة واجهت مشكلة في هذا الاتجاه، ذلك أن وزير خارجيتها ‘جون كيري’ أكد أن الكشف المخبري أظهر أن العينات التي أخذت من موقع الضربة أوضح أن سورية استخدمت السلاح الكيماوي، وقال ‘كيري’ في مقابلة تلفزيونية إن هناك دوافع قوية لتوجيه ضربة لنظام بشار الأسد، ويبدو من جانب آخر أنه على الرغم من أن الرئيس ‘أوباما’ قد أحال الأمر إلى الكونغرس فإن هناك أسبابا قوية لجعل الكونغرس يصوت لصالح القرار لأن تلك من وجهة نظره مسؤولية يجب أن يقوم بها الكونغرس بحسب رأي كيري، لكن هذه الروح التفاؤلية لا تنفي وجود معارضة قوية عند بعض النواب الذين لا يريدون دخول الولايات المتحدة في حرب لا يعرفون لها نهاية.

ومن جانب آخر يعتبر موقف تركيا في هذه القضية مهما جدا، لأنه إذا وجهت الضربة إلى سورية فلابد أن يستعان بالقواعد التركية، وأما موقف الحكومة التركية في هذه المسألة فكان واضحا في تصريحات وزير خارجيتها ‘أحمد داؤود أو غلو’ الذي قال إن الوضع يستوجب موقفا قويا من الحكومة والجيش، وذلك من أجل مواجهة الأخطار التي قد تأتي من سورية، ووصف ‘أوغلو’ ما حدث في سورية بأنه جريمة ضد الإنسانية، وقال إن العالم يوضع الآن أمام اختبار في كيفية التعامل مع هذا الأمر، ودعا ‘أوغلو’ إلى ضرورة أن يتخذ مجلس الأمن موقفا موحدا في معاقبة النظام السوري، وتلك مهمة بكل تأكيد يصعب تحقيقها لأن مجلس الأمن ظل دائما منقسما على نفسه بسبب الفيتو واختلاف المواقف في القضايا الدولية. ولم يغب عن وزير الخارجية التركي أن الموقف الروسي قد لا يسير في هذا الاتجاه، وذلك ما دعاه لأن يتصل بوزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ ليؤكد له أن عدم اتخاذ موقف موحد من سورية في هذه المسألة سوف يعطي ضوءا أخضر لاستخدام مثل هذا السلاح الخطير في أماكن أخرى من العالم.

غير أن الموقف الروسي في هذه المسألة ظل واضحا ويتركز في أن القضية يمكن أن تحل على المستوى السياسي وليس على المستوى العسكري.

وبالطبع ظل الموقف الإيراني مهما، إذ أبدت الحكومة الإيرانية تأييدها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وقال المسؤولون الإيرانيون إن سورية تخضع لمؤامرة يحيكها العالم الغربي وإسرائيل لإسقاط النظام.

ويلاحظ مع ظهور أدلة جديدة على استخدام الأسد للسلاح الكيماوي بدأ بعض القادة والزعماء البريطانيين يطالبون بإعادة التصويت في هذه القضية

ويبدو من كل ذلك أن العقبة الحقيقية التي سيواجهها الموقف ضد سورية هي تجاوز الموقف الروسي، وذلك ما حفز زعماء مجموعة العشرين الذين سيعقدون قمتهم في سان ‘بطرسبورغ’ أن يواجهوا الرئيس الروسي ‘فلاديمير بوتن’ بما وصفوها بالأدلة الدامغة التي توصل إليها الفرنسيون بشأن استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية. وسيطلب الزعماء من الرئيس الروسي أن يظهر مرونة في هذه القضية.

ومن جانبه يقول الرئيس بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة ‘الفيغارو’ إن العالم الغربي لم يستطع أن يقدم حتى الآن دليلا واحدا على أن نظامه استخدم أسلحة كيماوية، وتحدى الولايات المتحدة وفرنسا أن تثبتا بالدليل القاطع أنه استخدم هذه الأسلحة. وهذا الموقف يتطابق مع موقف وزير الخارجية الروسي ‘سيرغي لافروف’ الذي طالب الدول الغربية بأن ترفع القناع عن سرية المواقف في هذه الاتهامات.

ويبدو من هذه الصورة العامة أن المواقف الدولية لا علاقة لها في الواقع بالحدث ذاته بقدر ما هي مواقف سياسية تتسم بقدر كبير من السرية، ذلك أن التساؤل الذي يبدو مهما هو لماذا لم يتحرك العالم على هذا النحو وهو يرى نظام بشار الأسد يقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه، وبدأ الاهتمام فقط عندما استخدم النظام الأسلحة الكيماوية، هل ذلك حقا لخطورة هذه الأسلحة أم لأنها تشكل للمرة الأولى تهديدا لأمن إسرائيل في حال حدوث مواجهات لأي سبب من الأسباب، بالطبع لا يتوقع أحد إجابة حاسمة على مثل هذا التساؤل، ولكن التساؤل سيظل قائما بينما يستمر نظام بشار الأسد في قتل شعبه.

‘ كاتب من السودان

القدس العربي

الضربة» ستنفذ لا محالة والنظام سيسقط بالتأكيد/ صالح القلاب

لأن «الضربة العسكرية» ضد النظام السوري لم تعد متوقعة فقط، وخلال أيام قليلة، بل مؤكدة، ثم لأن سقوط هذا النظام بات حتميا، فإن المعارضة السورية، الجيش السوري الحر على وجه التحديد، التي وضعت أقدامها ابتداء من يوم أمس الأربعاء على بداية طريق جديد، أصبحت أمام مسؤولية تاريخية، وأصبح عليها أن تهيئ نفسها لمهمة في غاية الصعوبة والدقة، وهي المبادرة إلى التقاط لحظة غدت سانحة قد لا تتكرر، والمسارعة إلى ملء الفراغ الذي سيتركه انهيار حكم بشار الأسد الذي غدا انهياره مسألة وقت قريب جدا فقط.

رغم البلبلة التي أحدثها رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة في الضربة العسكرية المقترحة ردا على جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا، بموجب «بروتوكول» عام 1925، ورغم التردد الذي أبداه الرئيس باراك أوباما بالتخلي عن حقه كقائد أعلى للقوات الأميركية المسلحة بالرجوع إلى الكونغرس الأميركي، فإن ما غدا مؤكدا أن هذه «الضربة» ستنفذ، وأن حلف شمال الأطلسي قد يشارك فيها، وهو سيشارك فيها حتما، وأن البريطانيين سيلتحقون بها، وإنْ متأخرين، بعد التصويت مجددا على ما كان رفضه برلمانهم قبل أيام.

إن مما لا شك فيه أن الرأي العام الأميركي ومعه الرأي العام الأوروبي لا يمكن أن يسكتا عن الجريمة التي ارتكبها بشار الأسد ضد شعب من المفترض أنه شعبه، فهذه مسألة حساسة جدا، والمعروف أن هناك «بروتوكولا» دوليا أُبرم في عام 1925 قد حرم استخدام السلاح الكيماوي في الحروب باعتباره سلاحا فتاكا، وباعتبار استخدامه ضد العسكريين والجيوش، وبالطبع أيضا ضد المدنيين والأطفال، جريمة إنسانية لا يجوز السكوت عنها، وهذا يعني أن «الضربة العسكرية» التي يجري الحديث عنها سوف تتم بالتأكيد، وسوف يشارك فيها حلف شمال الأطلسي إلى جانب فرنسا التي حسمت أمرها، والتي أثبت رئيسها فرنسوا هولاند أنه القائد المطلوب والمناسب في الظروف الصعبة، وأنه صاحب قرار ولا يعرف التردد عندما يتعلق الأمر بقضية إنسانية وسياسية على كل هذا المستوى من الخطورة.

إن هذه مسألة، حيث من غير الممكن أن يصمت الضمير العالمي على هكذا جريمة بشعة ارتكبت ضد أناس أبرياء بأبشع أسلحة الدمار الشامل. أما المسألة الثانية، التي طرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يتحدث عن موجبات هذه الضربة وأهدافها، فهي هز العصا أمام أنوف المسؤولين الإيرانيين وإفهامهم أن الدور باستخدام القوة العسكرية المدمرة سينتقل إليهم إن هم واصلوا سياسة ركوب رؤوسهم، واستمروا بمحاولات إنتاج الأسلحة النووية التي إن هم أنتجوها فإنها قد تدفع العالم إلى حرب «ذرية» قد تبدأ بالشرق الأوسط؛ هذه المنطقة الاستراتيجية والحساسة.

لقد قال باراك أوباما وقال الزعيم الجمهوري في الكونغرس الأميركي جون ماكين ومعه الزعيم الديمقراطي في هذا المجلس نفسه ليندسي غراهام، إن عدم تنفيذ هذه «الضربة» سيشجع القيادة الإيرانية على الإسراع بإنتاج الأسلحة النووية، كما أنه سيشجع كوريا الشمالية على استخدام الصواريخ الباليستية ضد كوريا الجنوبية، وربما ضد اليابان وضد الولايات المتحدة نفسها، وهذه من أكثر المسائل تأثيرا على الرأي العام الأميركي، وبخاصة أن هذا الأمر في جانب كبير منه يتعلق بأمن الدولة الإسرائيلية التي تتمتع بتأثير كبير على توجهات الأميركيين وتوجهات البيت الأبيض من خلال مجموعات الضغط اليهودية وأهمها «إيباك» كما هو معروف.

ولذلك فإنه من غير الممكن أن يسير الكونغرس الأميركي على خطى مجلس العموم البريطاني، وأن يتخذ قرارا يحول بموجبه دون استخدام الرئيس الأميركي لصلاحياته كقائد أعلى للقوات الأميركية المسلحة ويقوم بالضربة العسكرية المقررة، فهذه المسألة بالنسبة للرأي العام الأميركي، رغم أنه لا يزال يعيش ارتدادات وانعكاسات كارثة التدخل في أفغانستان والتدخل في العراق، لا تعد مسألة إنسانية فقط، بل أيضا مسألة ضرورة منع الإيرانيين من إنتاج الأسلحة النووية ومسألة وضع حد لألاعيب رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الصبيانية، وأيضا منع حزب الله من الاستمرار في عملياته الإرهابية إن ضد أوروبا وإن ضد الدول العربية المناهضة للتدخلات الإيرانية السافرة في هذه المنطقة الشرق أوسطية.

وبالتأكيد فإن الرأي العام الأميركي من خلال من يمثلونه في الكونغرس سيضع في اعتباره أن روسيا قد استغلت في الأعوام الثلاثة الأخيرة ما رأت أنه ضعف وتردد في الإدارة الأميركية، وبدأت تسعى بالاعتماد على الأزمة السورية التي كان الرئيس باراك أوباما قد أظهر تجاهها موقفا لا يليق بالموقع الكوني الذي غدت تحتله بلاده، لاستعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي الذي تراجع حتى حدود التلاشي بعد انهياره بدايات تسعينات القرن الماضي.

ولذلك ولكل هذا فإن هذه «الضربة العسكرية» ستجري حتما، إنْ اليوم أو غدا أو بعد أسبوع أو بعد شهر، كما قال الرئيس باراك أوباما في أحد تصريحاته الأخيرة المتعلقة بهذا الشأن، وهذا يعني أن نظام بشار الأسد سيسقط بالتأكيد؛ إذ إن هكذا ضربة، مع أنها وصفت بأنها ستكون محدودة وسريعة وأن هدفها ليس إسقاط نظام الرئيس السوري، ستؤدي إلى خلخلة هذا النظام وإلى فقدانه السيطرة على نفسه وعلى قواته العسكرية المصابة بالإعياء والتشتت، والتي ازداد نزيفها البشري وازدادت الانشقاقات فيها، مع تزايد شعورها بأنها ستجبر على خوض معركة خاسرة لا محالة.

إنه من غير الممكن وغير المتوقع أن يتماسك، أمام ضربة ستكون صاعقة ومدمرة، جيش كل تاريخه ارتكاب مذابح ضد شعبه.. من عام 1964 إلى عام 1982، إلى مذبحة سجن تدمر الشهيرة، إلى كل الموبقات التي ارتكبها قادته في لبنان، إلى هذه المذبحة المستمرة منذ أكثر من عامين، إلى جريمة استخدام السلاح النووي الأخيرة، ثم إن المؤكد أن هذا الجيش، الذي جرى تحويله إلى ميليشيات طائفية يقودها ضباط إيرانيون وتخضع لتوجيهات حسن نصر الله الذي عانى من انشقاقات فعلية على مستوى القاعدة وعلى مستوى القيادة والذي تدنت روحه المعنوية، سينفرط عقده مع أول غارة جوية أميركية ومع أول رشقة صواريخ، وهذا ينطبق حتى على الحرس الجمهوري وحتى على الفرقة الرابعة التي توصف بأنها قلعة هذا النظام وأنها خندقه الأمامي الذي من الصعب اقتحامه والسيطرة عليه.

نحن لا نتحدث هنا عن الجيش العربي السوري البطل، الذي خاض حرب عام 1948 ببطولة نادرة، والذي حاول الالتحاق فورا بجبهات القتال إبان العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 والذي خاض حرب يونيو (حزيران) عام 1967 وخاض حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 وكل حروب المناوشات الاستنزافية مع إسرائيل.. إننا نتحدث عن جيش جرى الانحراف به عن عقيدته العسكرية الوطنية والقومية وتحويله إلى مجموعات من القتلة الذين ذبحوا شعبهم في عام 1964 وفي عام 1982 وفي سجون تدمر وفي هذه المجازر البشعة المستمرة منذ أكثر من عامين.. إن جيشا كهذا لا يمكن أن يقاتل إلا شعبه، وإنه لا يستطيع الصمود أمام هذه «الضربة» المنتظرة، وهذا يعني أن انهيار بشار الأسد بات محتما، وأن مصيره في أفضل الأحوال سيكون كمصير سلوبودان ميلوسيفيتش، وفي أسوأ الأحوال كمصير معمر القذافي.

ولهذا فإنه على الجيش الحر أن يكمل استعداداته بسرعة وبحيث يبادر فورا إلى ملء الفراغ والإمساك بزمام الأمور بمجرد انهيار هذا النظام، الذي سينهار بالتأكيد، فالتجارب علمتنا أن «الثورات» يصنعها الأبطال، وأن الجبناء هم الذين يقطفون ثمارها.. وهنا فإنه لا بد من التأكيد على مسألتين هما:

الأولى، يجب عدم الوقوع في خطيئة استهداف أبناء الطائفة العلوية الكريمة، ويجب عدم أخذ هذه الطائفة الكريمة بجريرة هذا النظام المستبد القاتل، فهي ذات تاريخ وطني نظيف عنوانه سيف الدولة الحمداني وصالح العلي، وهي بمعظمها قد وقع عليها خلال سنوات حكم حافظ الأسد وولده ما وقع على الشعب السوري كله.

أما الثانية، فهي ضرورة قطع الطريق على أي تنظيم من التنظيمات الإرهابية وعلى أي حزب شمولي ومنعه من اختطاف الحكم كما اختطفه «الإخوان المسلمون» في مصر وأوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه.

الشرق الأوسط

بوتين والأسد المنتحر!/ طارق الحميد

أطلق الرئيس الروسي تصريحات مهمة حول مواقف بلاده من سوريا، وتداعيات الضربة العسكرية المحتملة، وذلك قبل قمة العشرين المرتقبة، حيث أعلن بوتين أن بلاده قد تنضم للجهد الدولي لو ثبت استخدام الأسد للكيماوي، كما أكد عدم إتمام بعض صفقات الأسلحة الصاروخية. فكيف نفهم هذه التصريحات، وما هو تأثيرها على الأزمة السورية؟

القراءة المتأنية لتصريحات بوتين تقول إن موسكو لم تغير موقفها تماما بقدر ما أنها تشير إلى أن الروس غير مستعدين للذهاب بعيدا في العملية الانتحارية التي يقوم بها الأسد، كما تشير إلى أن موسكو تسابق الوقت على أمل الوصول إلى صيغة تفاوضية حول سوريا مع الغرب، وتحديدا مع الرئيس أوباما الذي ألغى اجتماعا ثنائيا كان مقررا مع بوتين بقمة العشرين، وذلك على خلفية قضية العميل الأميركي. وهنا يجب أن نتذكر أنه على أثر جريمة الغوطة البشعة، وإعلان أوباما عن نيته التحرك ضد الأسد، كثف الرئيس بوتين من اتصالاته مع الزعماء الأوروبيين على أمل حثهم على عدم التحرك العسكري، وضرورة اللجوء للحل السياسي بسوريا.

اليوم تشير تصريحات بوتين إلى الأمر نفسه، فالرئيس الروسي يسابق الوقت لإقناع الغرب، وتحديدا أميركا، بضرورة التفاوض حول سوريا، ويريد بوتين بالطبع استغلال قمة العشرين في روسيا، وهو ما لم يخفِه في مقابلته الصحافية التي أطلق فيها هذه التصريحات ليترك الباب مواربا لمن يريد التفاوض، خصوصا عندما عبر بوتين عن أسفه لإلغاء أوباما للاجتماع الثنائي، كما أن بوتين قال صراحة إن جدول أعمال قمة العشرين مقرر سلفا، إلا أن بلاده تأمل في أن يخصص الزعماء وقتا كافيا لمناقشة الأزمة السورية.

وعليه فبكل تأكيد يريد بوتين أن يقول بتصريحاته هذه إنه ليس لديه استعداد للمضي إلى ما لا نهاية مع نظام الأسد، كما يريد أن يوجد لبلاده منطقة وسطا، سواء دوليا، أو داخل روسيا نفسها، مع التأكيد بأنه لا يزال هناك متسع من الوقت للتفاوض، مع سعيه الواضح، أي بوتين، للتشويش على المشرعين الأميركيين في الكونغرس الذين هم بصدد التصويت على الضربة العسكرية ضد الأسد، مع محاولة تعميق الخلافات أيضا داخل أوروبا التي تدور فيها النقاشات نفسها حول جدوى الضربة، ويتضح ذلك من قول بوتين إن بلاده مستعدة لاتخاذ موقف حاسم حال ثبت استخدام الأسد للكيماوي، فما يريده بوتين هو مزيد من النقاشات والتحقيقات، وهذا يعني مزيدا من الوقت.

ومن هنا فليس مهما ما يقوله بوتين، بل الأهم هو الأفعال، ولولا التحركات الجادة الساعية لتنفيذ عملية عسكرية دولية ضد الأسد لما تحركت موسكو، وصدرت عنها مثل هذه التصريحات، فالثابت في الأزمة السورية أن الأفعال هي التي تحدث فرقا وليس الأقوال، وهذا ما يفهمه الأسد وحلفاؤه الذين تعودوا مطولا على تردد أوباما. ملخص القول هو أن موسكو تسابق الوقت في سوريا لأنها تعي أن ما بعد الضربة العسكرية سيكون مختلفا تماما عما قبلها.

الشرق الأوسط

الإسرائيليون قيّدوا أوباما بالخط الأحمر/ رندة حيدر

كان الموقف الإسرائيلي من نظام بشار الأسد من أكثر المواقف السياسية الإسرائيلية التباساً. فالحرب الأهلية في سوريا وضعت إسرائيل أمام خيارين سيئين: “الشيطان الذي تعرفه” اي نظام الأسد، والشيطان الذي لا تعرفه اي التنظيمات الجهادية الإسلامية المتطرفة. وفي مطلق الاحوال كانت القاعدة هي عدم التدخل الا للدفاع عن المصالح الأمنية لاسرائيل مثلما جرى في الغارات الإسرائيلية على مخازن للسلاح داخل سوريا لمنع تهريبه الى “حزب الله”.

وحتى الأسبوع الماضي كان يبدو ان إسرائيل معنية بصورة اساسية باستمرار النزف السوري الى ما لانهاية لان ذلك يضعف النظام السوري ومعه محور إيران- (سوريا) -“حزب الله”. لكن خيبة الامل الإسرائيلية الكبيرة لتأجيل الرئيس الأميركي باراك أوباما الهجوم على سوريا اظهرت موقفاً إسرائيلياً واضحاً مؤيداً لضرب نظام الأسد. فما الذي دفع الإسرائيليين الى الخروج عن حرصهم على البقاء خارج ما يدور في سوريا ليكشفوا عن حماستهم الكبيرة لهذه الخطوة؟

هناك عدد من الاعتبارات في تبدل الموقف الإسرائيلي، منها انعكاسات الانجازات العسكرية التي حققتها قوات الأسد بمساعدة مقاتلي “حزب الله” في تعزيز قوة المحور الإيراني – السوري – حزب الله في المنطقة؛ السابقة التي يشكلها استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي ضد خصومه وابناء شعبه وانعكاسات ذلك على الصراعات في المنطقة وخصوصا مع إسرائيل.

اضطلع الإسرائيليون بدور مهم في تقييد الرئيس أوباما بالخط الأحمر الذي وضعه على استخدام السلاح الكيميائي في سوريا. وقد بدأ هذا الدور بالظهور علنا منذ مطلع السنة الجارية حين نشرت الصحف الإسرائيلية أنه خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما لإسرائيل في آذار الماضي قدم الجانب الإسرائيلي اليه أدلة تثبت استخدام الأسد السلاح الكيميائي.

وفي شهر نيسان الماضي كشف رئيس قسم الابحاث في الاستخبارات العسكرية العميد إيتاي برون عن استخدام نظام بشار الأسد سلاحاً كيميائياً في الحرب الاهلية، مما اثار حرجاً كبيراً في واشنطن. أما في ما يتعلق بالحادثة الأخيرة في الغوطة، فتحدثت تقارير عن معلومات استخبارية إسرائيلية ثبت تورط النظام في سوريا في الهجوم الكيميائي.

يظهر هذا كله الدور الذي اضطلعت به إسرائيل طوال الاشهر الاخيرة في تجميع الادلة التي تثبت استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي. وهدف ذلك مزدوج، احراج الرئيس أوباما والتشكيك في صدقيته، واختبار الحد الذي يمكن ان يذهب اليه في الوفاء بتعهداته، ولا سيما منها تلك التي أكد فيها انه لن يسمح قط لإيران بالحصول على السلاح النووي.

النهار

عن بوتين المفجوع سورياً/ راجح الخوري

يستطيع فلاديمير بوتين ان يواصل مناوراته حتى النهاية لكنه يعرف ضمناً انه لن يتمكن او أنه لا يريد ان يرد على الضربة الاميركية الحتمية ضد بشار الاسد، بأكثر من ان يحذف اسم باراك اوباما من حسابه في “فيسبوك”!

طبعاً يبدو الامر طريفاً في مثل هذه الساعات الدقيقة التي تسبق مرحلة ستعيد رسم الخريطة السياسية للشرق الاوسط، ولعل الاكثر طرافة ان اوباما سارع الى الرد بالغاء اسم بوتين من حسابه في “تويتر”!

يحاول بوتين ممارسة السياسة عبر المقالب على طريقة لعبة الكاراتيه التي يجيدها، عندما يعلن الآن ان روسيا قد توافق على عملية عسكرية ضد سوريا إذا ثبت ان دمشق نفذت هجمات كيميائية، مضيفاً “لكن هذه العملية لا يمكن تنفيذها إلا بموافقة الامم المتحدة”، ولكأن هناك من لا يعرف انه هو من يقفل مجلس الامن منذ بداية المذبحة السورية بشمع الفيتو الاحمر!

بالتأكيد لقد تذكر بوتين خلال لقائه امس مع اوباما على هامش قمة العشرين في سان بطرسبرغ، انه فعلاً لا يزال “مثل طفل كسول في الصفوف الخلفية” وهو الوصف الذي اطلقه عليه اوباما في قمة ايرلندا الشمالية، ذلك ان كل تصريحاته التي حاولت نفي حصول المذبحة الكيميائية في الغوطتين، بدت نوعاً من المغالاة في الفظاظة، وخصوصاً بعدما قال ان “الارهابيين” فبركوا صور الاطفال الضحايا المختنقين ولكأن هؤلاء الارهابيين يعملون في استديوهات هوليوود!

من المثير فعلاً ان يحاول بوتين عشية الضربة الاميركية فتح ثغرة في جدار الشرعية الدولية المقفل بالفيتو الروسي في محاولة لاستنقاذ النظام السوري، الذي تمادى في المذابح واستعمال الاسلحة المحرمة، من المثير اكثر اصراره على ان كل المعارضة السورية التي تقف في وجه النظام هي من الارهابيين والتكفيريين، بالرغم من ان دعمه المتمادي لهذا النظام وقيامه بشراء الوقت تلو الوقت للحل العسكري، الذي يتمسك به الاسد وأوصل عدد القتلى الى عشرات الآلاف ودمر سوريا، كانا وراء استجلاب عناصر التطرف الى الميدان، الذي يخشى بأنه سيشكل منطلقاً لتأجيج تحرك الاسلاميين في القوقاز والشيشان ضد موسكو.

إن الاعلان عن ارسال طرّاد روسي الى المتوسط لن يغيّر شيئاً من مسار العملية الاميركية، فكل ما يحرص عليه بوتين، بعدما اعلن انه لن يخوض حرباً دفاعاً عن الاسد، هو الإسراع في إجلاء الخبراء الروس الذين يعملون في القواعد العسكرية السورية بعدما بدأت عمليات اجلاء عائلاتهم منذ اشهر!

ليس من حق بوتين الآن توجيه الاتهامات الى اميركا فهو المتهم الاول بعدما اختار الوقوف الى جانب نظام يذبح شعبه ولم يستمع الى كل التعهدات التي قدمتها له المعارضة لجهة حرصها على صون المصالح الروسية الحيوية في سوريا ما بعد الاسد!

النهار

التفاوض قبل الضربة أم بعدها؟/ وليد شقير

مثلما أجبر النظام السوري العرب أجمعين على أن يختاروا بين أن يقبلوا باستمرار قتله الشعب السوري بأبشع وسائل القتل، وبين أن يقبلوا بالتدخل العسكري الخارجي، والأميركي تحديداً، لثنيه عن استخدام السلاح الكيماوي الفتاك الذي لن يقصّر من عمر الأزمة السورية، على الأرجح، فإن القوى المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد وُضِعت هي أيضاً في موقع الاختيار بين أن تذهب في دفاعها عن ارتكابات النظام الى حد خوض حرب ولو محدودة في مواجهة الضربة المرتقبة عقاباً على استخدامه الكيماوي، وبين أن تغض النظر ولا ترد على محاولة الرئيس الأميركي باراك أوباما استعادة شيء من هيبة بلاده في موازين العلاقات الدولية، بعدما جرى استغلال انكفائها عن المنطقة من قِبَل خصومها الدوليين والإقليميين.
الجميع بات أمام امتحان بين خيارين أحلاهما مرّ، مثلما هي حال أوباما، إزاء «الإهانة» التي وجهها إليه الأسد بتخطي الخط الأحمر الذي سبق له أن وضعه في ما يخص استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع. ومثلما أن أوباما في مأزق، سواء وجه الضربة العسكرية أم لم يوجهها، فإن حلفاء الأسد، لا سيما روسيا وإيران، أمام مأزق الرد أو عدم الرد على الضربة، سواء كان هذا الرد مباشراً أم غير مباشر.

والمنطق يقول، والحال هذه، إن تفادي ما يمكن أن تطلقه ردود الفعل على الضربة، من مواجهة إقليمية، حتى لو بقيت محدودة بمحدودية الضربة، يحتاج من الدول المعنية بها الى مفاوضات ترسم تلك الحدود وتضع لها ضوابط، سواء قبل حصولها أم أثناء ذلك أم بعده.

وإذا كانت الأولوية الأميركية هي تجنب تحويل الضربة الى مواجهة واسعة، فإن الأسباب التي تستدعي الحذر الأميركي، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، تنطبق على خصوم الولايات المتحدة، فخصوم واشنطن عينهم أيضاً على اقتصادياتهم، من زاوية تأثير الاقتصاد الأميركي في الاقتصاد العالمي، في حال إطالة أمد أي مواجهة في الإقليم جراء ضربة أوباما.

فبالإضافة الى أن تأجيل الضربة جاء نتيجة الحاجة الى تأمين الغطاء الداخلي عبر الكونغرس الأميركي، وإلى ضمان توسيع دائرة الحلفاء المؤيدين للخطوة العسكرية أو المشاركين فيها، فإن الوقت المستقطع أتاح وسيتيح في الساعات المقبلة تفاوضاً على الحدود التي يمكن رسمها لردود الفعل على المبادرة الأميركية.

كشف تأجيل قرار أوباما الكثير من الأمور، كما تكشف ساعة الحقيقة بعض المستور. ومن أبرز ما كشفه قول وزير الخارجية الأميركي جون كيري في جلسة الاستماع مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ إن الحديث عن أن المتطرفين في المعارضة (التكفيريين) هم الأكثر نفوذاً في المعارضة السورية غير واقعي. وهي الحجة التي كانت الإدارة تستخدمها لتأخير دعمها المعارضين و «الجيش السوري الحر» بالسلاح النوعي لمواجهة تفوق قوات الأسد بالطيران والمدفعية والكيماوي. وكشفت من بين ما كشفته، أن الإدارة الأميركية كانت تمالئ موسكو بهذه الحجة، وكانت تستغلها من أجل أن يتواصل القتال ويتعب الفرقاء الداخليون والخارجيون في سورية، قبل أن يوجه الأسد الصفعة الى أوباما بالكيماوي. وكشف الدفاع الروسي – الإيراني عن النظام الحليف، عدم ممانعتهما ذهابه الى حد استخدام الكيماوي، في تمسكهما به كورقة للتفاوض عليها مع الخصم الأميركي، على رغم الإحراج الذي سببه لهما باستخدامه المحرّم. وهذا يعني أن تضخيمهما مقولة الإرهاب و «التكفيريين» مهما كانت صحتها كانت حجة للتمسك به الى أن يحين وقت التفاوض.

على ماذا يحصل التفاوض في الوقت المستقطع؟ إذا كان سقف موسكو هو رفض إسقاط النظام بالوسائل العسكرية وترجيح الحل السياسي للأزمة السورية والذي اتفقت على السعي لأجله مع واشنطن في جنيف – 2، فإن هذا التفاوض يفترض أن يتم على التزام روسي واضح بوقف الأسد عملياته العسكرية بالكامل وإرسال وفد يمثله للتباحث حول ترتيبات المرحلة الانتقالية في سورية خلال أسابيع يكون لموسكو الدور الأبرز فيها. هذا أمر يجنب أميركا الضربة وروسيا خيارات الرد عليها.

وإلا فإن التفاوض يجري قبل الضربة على حدودها، تمهيداً لاستكماله بعد حصولها، وفي ضوء نتائجها العسكرية والسياسية تحت سقف جنيف – 2. وهو خيار يبقي على احتمال إطالة عملية الانتقال الى مرحلة الحل السياسي، لأن محدودية الضربة ستحدث توازناً بين فريقي النزاع الذي سيطول أكثر، الى أن يقتنع أرباب النظام بأنه لا يمكنهم الغلبة والانتصار. وهذا أمر مشكوك بإمكان حصوله.

الحياة

هل العراق مستقبل سورية؟/ حسام عيتاني

واحدة من العبارات التي تكررت كثيراً في معرض التحذير من الضربة الأميركية المرجحة للنظام السوري، هي دعوة إلى «عدم تحويل سورية إلى عراق آخر».

أن تلاقي سورية مصير العراق، فذلك آية الخراب وخلاصة المهانة لها كدولة ومجتمع، على ما يشير المحذرون، بيد أن ثمة اختلافاً بين ما يريد هؤلاء قوله وبين الواقع العراقي الحالي.

ويتلخص هذا في أنه بعد عشر سنوات من سقوط نظام صدام حسين، يصعب العثور على بارقة أمل واحدة في المشهد العام. الحرب الأهلية غير المعلنة مستمرة بين السنة والشيعة، الفساد يبلغ معايير فلكية، حيث تغيب الخدمات الأساسية أو تكاد في بلد تبلغ موازنته السنوية 117 بليون دولار. البرلمان يرفض إعادة النظر في الرواتب التقاعدية لأعضائه رغم تحولها إلى موضوع يعمّق الانقسام السياسي. ورئيس الوزراء يوسع صلاحياته وسلطاته فيما لا يبدو البرلمان قادراً على أداء الدور المطلوب منه.

الصخب الشديد الذي يواجه مراقب الحياة السياسية، لا يعكس في واقع الأمر وجود «الحياة» هذه على النحو الذي تمكن ملاحظته في بلد يفترض أن يكون متعدداً سياسياً ومتنوعاً طائفياً وعرقياً. وتدعو إلى دهشة عميقة، تلك القدرية التي يقابل العراقيون بها أوضاعهم الكارثية. وبات من الصعب إحصاء عدد السيارات المفخخة التي تنفجر في شوارع المدن العراقية يومياً والتي انفجر منها 18 سيارة في يوم واحد الأسبوع الماضي ما أسفر عن سقوط أكثر من 80 ضحية، ناهيك عن هجمات على قوات الأمن وقتل عائلات بكامل أفرادها لأسباب طائفية والهجوم على «معسكر أشرف» الذي يقيم فيه أعضاء منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية.

بيد أن كل هذا وغيره لا يبدو كافياً كدافع للبحث عن تسوية سياسية بين العراقيين. التفسيرات الأمنية هي الغالبة في بغداد حيث الكلام عن استعادة «القاعدة» زمام المبادرة في أسوأ انتكاسة أمنية في البلاد منذ أحداث العامين 2006 و2007. أما كيف وصل الوضع إلى هذا الدرك ومن يتحمل تبعاته وكيف الخروج من الحالة هذه، فأسئلة لا اجابات عليها.

الصورة السريعة أعلاه هي ما يمكن رسمه من المعلومات الصحافية اليومية، لكنها لا تفي الوضع شديد التعقيد حقه. فالعراق بدولته ومجتمعه يبدو كمن تلقى ضربة قاسية أقعدته، حتى ليعجز عن القيام منها. تضاف إلى ذلك أدوار القوى الخارجية التي تخوض صراعاً على أرض العراق يتجاوز مصالحه وحدوده.

هل هذا هو العراق الذي يجدر ألا تقتدي سورية به؟ الأرجح أن لا.

الغريب في التحذيرات من المصير العراقي لسورية أنها لا تأتي إلا من طرف سياسي واحد هو المؤيد لنظام بشار الأسد، أما الرفض الغربي للضربة فيصدر عن هواجس مختلفة. علة ذلك أن خوف المؤيدين ينحصر في نقطة محددة: إسقاط النظام بأثر هجوم خارجي من دون أن يشيروا إلى أن الفشل الأميركي الذريع في إعادة بناء الدولة العراقية شكل هدية ثمينة لإيران التي لم تتوان عن بسط هيمنتها.

سقوط النظام إذن، هو المشكلة الحقيقية. أما التخويف من الفوضى فينجم على الأرجح عن تعذر مد السيطرة الإيرانية إلى سورية ما بعد بشار الأسد، لتؤدي الجماعات الإرهابية وما ترتكبه في العراق دوراً في التحذير من سقوط الأسد من دون الأخذ بالبعد الأهلي للعنف في العراق.

الحياة

بريطانيا وسورية/ سيريل تاونسند *

مساء يوم 29 آب (أغسطس)، تلقّت الحكومة الائتلافية هزيمة مهينة في مجلس العموم البريطاني بعد رفضه توجيه ضربات صاروخية بقيادة الولايات المتحدّة ضد سورية. شكّل هذا الحدث مفاجأة. فكان التصويت على هذه المسألة متقارباً فيما انهارت السياسة الخارجية والدفاعية التي تتوخاها المملكة المتحدّة حيال منطقة الشرق الأوسط واندثرت. وواجه ديفيد كاميرون من موقعه كرئيس للوزراء معاناة كبيرة في الداخل وفي الخارج فيما بدت علاقة المملكة المتحدّة بالولايات المتحدّة سيئة جداً. منذ نحو قرن، لم يُلحق التصويت في مجلس العموم هزيمة مماثلة بالسياسة الخارجية في المملكة المتحدّة حيال موضوع أساسي.

تفاجأتُ حين أدركتُ أنّ المشكلة الحقيقية تكمن بالطريقة التي أقنع فيها رئيس الوزراء حينها طوني بلير مجلس العموم بالموافقة على الغزو الأميركي والبريطاني للعراق بهدف دعم الرئيس جورج بوش والمحافظين الجدد. إلا أنّ هذا الحدث، فضلاً عن ملف أسلحة الدمار الشامل المزعوم في العراق، حصل عام 2003 فيما يغيب اليوم طوني بلير عن الساحة السياسية البريطانية ويعدّ حزب العمّال حزباً سياسياً معارضاً للحكومة الائتلافية.

يرى الرأي العام أنّ السم لا يزال يسري في العروق. فقد كذب عليهم السياسيون منذ عشر سنوات ويجب ألا يتمّ السماح لهم بإقحام البلد في نزاع مع سورية. إذ لا تزال ذكريات حربي العراق وأفغانستان حية ونابضة. لقد ندّدتُ بشدّة بغزو العراق حينها إلا أنني أعتقد أنّ الوضع الحالي حيال سورية مختلف جداً. فكيف يمكن للرأي العام أن يبقى أسير الأحداث الماضية؟

أظهرت استطلاعات الرأي التي نُشرت قبل تصويت مجلس العموم أنّ الدعم الشعبي لإطلاق صواريخ بريطانية ضد أهداف عسكرية في سورية تراجع من 25 في المئة إلى 22 في المئة. لم يبد الرأي العام تفهماً كبيراً إزاء مفهوم التدخّل الإنساني الهادف إلى حماية شعب بلد من حكامه. أدّت المملكة المتحدّة دوراً ريادياً في دفع القانون الدولي والأمم المتحدّة إلى تقبّل هذا المفهوم وذلك عقب مقتل مليون شخص في غضون ثلاثة أشهر في رواندا عام 1994 فيما وقف سائر العالم متفرجاً.

أخفق إيد ميليبند، زعيم حزب العمال المعارض في مجلس العموم في دعم الحكومة على رغم التنازلات التي تمّ تقديمها عقب التقرير الأمني الصادر عن «10 داونينغ ستريت». ظنّ رئيس الوزراء أنّ حزب العمّال سيدعم الحكومة عن طريق مجموعات الضغط كما فعل حين تمّ التدخّل عسكرياً في ليبيا. فمنذ أزمة السويس عام 1956، لم تخفق المعارضة البرلمانية على هذا النحو في دعم عملية إرسال الجنود البريطانيين إلى سورية.

تشهد الحياة السياسية تقلبات عديدة. فأمضى إيد ميليبند وحكومة الظل فصل صيف سيء. دعاهم نقادهم من حزب عمّال إلى التكلّم بصوت أعلى بما أنّ الحكومة تبدو ماضية قدماً إلا أنّه بدا واضحاً أنّ حزب العمال لم يكن لديه الكثير ليقوله.

تعرّض إيد ميليبند لانتقادات من زملائه في حزب العمال لأنه لم يطالب ديفيد كاميرون بتقديم المزيد من التنازلات. فرأى زملاؤه في ذلك فرصة للتقرّب أكثر من الرأي العام المعارض للتدخّل في سورية وإحراج الحكومة الائتلافية. فقد خسرت الحكومة التصويت بـ 13 صوتاً فيما أخفق النواب عن حزب المحافظين في دعمها وامتنع 31 عن التصويت.

لا شكّ في أنّ إيد ميليبند سيعزّز موقفه الشخصي في استطلاعات الرأي إلا أنني أظن أنه سيعاني على المدى الطويل لأنه عارض إرسال القوات البريطانية لدعم القوات الأميركية. سيثني نظام الأسد وروسيا وإيران وحزب الله عليه إلا أنّه سيواجه مشاكل مع الأميركيين على مدى السنوات المقبلة.

لقد عرفت المملكة المتحدّة نهاراً سيئاً بعد التصويت ضد ديفيد كاميرون مع العلم أنّه لن تتمّ نسيان مسؤولية إيد ميليبند عن ذلك. كان الخطاب الذي ألقاه إيد ميليبند في مجلس العموم يفتقر إلى موضوع جدي وإلى اليقين. عبّر عن رغبته في تقديم معلومات استخباراتية أفضل، الأمر الذي يقوم به الجميع. وعلى غرار أمين عام ضعيف للأمم المتحدّة، رأى أنّه يجب تأخير القرارات الأساسية، الأمر الذي سيسمح لنظام الأسد بإخفاء المعدات الأساسية.

وعبّر وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند الذي يعدّ محاسباً ذكياً عن تأييده موقف الحكومة وموقف القوات المسلحة. وقال فيليب هاموند بعد الاستماع إلى الانتقاد الذي أطلقه البيت الأبيض حيال ما جرى في وستمنستر «أنا خائب الأمل، وقلق بعض الشيء، فلدينا علاقة عمل وثيقة مع الأميركيين. إنه وقت صعب لقواتنا المسلحة، فبعد الاستعداد للمشاركة في هذا العمل العسكري نتراجع ونراقب، بينما الولايات المتحدة، تتصرف بمفردها أو ربما مع فرنسا».

كم تتغير الأزمنة! وصف وزير الخارجية الأميركية جون كيري فرنسا بأنها «الحليف الأقدم» للولايات المتحدة. فمنذ عقد، وصف الأميركيون الفرنسيين على أنّهم «قردة الاستسلام الذين يأكلون الجبنة» بعد أن رفضوا دعم غزو بوش للعراق. ويجدر بالبريطانيين بعد أن انسحبوا من هذا العمل أن يتفرجوا على الفرنسيين يأخذون مكانهم في واشنطن. يبدو أنّ الشؤون الدولية تتغيّر بسرعة فائقة.

* سياسي بريطاني ونائب سابق

الحياة

هل يفعل بوتين ما فعله أيزنهاور في السويس فيطلب تنحي الأسد تجنباً لحرب إقليمية؟/ اميل خوري

عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر وكاد ان يشعل حربا بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي طلب الرئيس الاميركي يومذاك أيزنهاور من بريطانيا وفرنسا واسرائيل الانسحاب فورا من قناة السويس التي احتلتها هذه الدول ردا على تأميم الرئيس عبد الناصر اياها، تجنبا لنشوب حرب عالمية، لا ترى أميركا مصلحة في نشوبها اذ ان اضرارها تفوق اكثر بكثير الارباح التي تجنيها دول الغرب من عائدات قناة السويس، فكان هذا الطلب الاميركي كافيا لانهاء ذلك العدوان وانسحاب الجيوش الفرنسية والبريطانية والاسرائيلية من الاراضي المصرية.

والسؤال الذي يطرح في اوساط سياسية هو: هل يفعل الرئيس الروسي بوتين ما فعله الرئيس الاميركي أيزنهاور مع حلفائه فيطلب من الرئيس بشار الاسد التنحي عند الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية تتمثل فيها كل القوى السياسية الاساسية المعتدلة في سوريا وتنقل اليها كل الصلاحيات من اجل ادارة شؤون الحكم خلال الفترة الانتقالية التي تحضر لانتخابات نيابية على اساس قانون جديد ولانتخاب رئيس للجمهورية على اساس دستور جديد يقيم النظام الديموقراطي في البلاد، وتكون الحكومة الانتقالية بما تمثل ومن تمثل قادرة على تحقيق انتقال هادئ وسلمي للسلطة بعيدا عن اي شكل من اشكال الفوضى التي سادت دولا اخرى بعد اسقاط الحكام والانظمة فيها؟

ثمة من يعتقد ان الرئيس الاسد استخدم الاسلحة الكيميائية في غوطة دمشق ولن يستمر في الدفاع عن بقائه الى حد اشتعال حرب واسعة في المنطقة حتى وان حيدت روسيا نفسها عنها اذ لا يعقل من اجل بقاء الرئيس الاسد في الحكم بضعة اشهر قبل انتهاء ولايته تدمير ما تبقى من سوريا واشعال حرب اقليمية تفوق خسائرها البشرية والمادية ارباح اي حل سياسي يأتي بعد حرب في حين يمكن التوصل اليه من دون حرب وبأقل خسائر ممكنة، الا اذا كان الرئيس بوتين واثقا من ان النظام في سوريا لم يستخدم السلاح الكيميائي واذا كان قد استخدمه فالقرار يكون لمجلس الامن وليس لأي دولة بمفردها.

ويرى اصحاب هذا الرأي ان كل الحروب انتهت بعد دمار وخراب بالجلوس الى الطاولة لعقد اتفاق صلح او اتفاق على تقاسم مناطق النفوذ بين كل من خاض هذه الحروب. فلماذا لا يكون جلوس الى الطاولة للاتفاق وتجنب ويلات الحروب، ويكون مؤتمر جنيف – 2 هو الطاولة التي ينبغي الجلوس اليها للاتفاق على حكم بديل من حكم الرئيس الاسد سواء كان مسؤولا عن استخدام السلاح الكيميائي او غير مسؤول لان الدمار الذي حل بسوريا ومئات آلاف القتلى والجرحى الذين سقطوا في المعارك، وملايين السوريين الذين لجأوا الى دول الجوار، كافية للطلب من الرئيس الاسد التنحي كما فعل سواه من الرؤساء العرب بعد الاتفاق على حكم يكون بديلا من حكمه وتطمئن اليه الدول المعنية ولاسيما اميركا وحلفاؤها وروسيا وايران وحلفاؤهما، فمن الجنون ومن اجل بضعة اشهر الاصرار على بقاء الرئيس الاسد في الحكم لتدمير ما تبقى من سوريا وقتل المزيد من الابرياء وتهجير مزيد من السوريين، واشعال حرب اقليمية لا احد يعرف متى تنتهي عندما تبدأ، ثم يجلس الجميع الى الطاولة للاتفاق على ما يمكن الاتفاق عليه ولكن بعد خراب البصرة.

وثمة من يعتقد بان استخدام السلاح الكيميائي ليس هو السبب الحقيقي لضربة عسكرية يكون لها تداعياتها وانعكاساتها على دول الجوار لسوريا، وعلى كل دول المنطقة، إنما السبب هو الملف النووي الايراني الذي يقلق اسرائيل خصوصا ويجعل قوى التطرف الديني والعقائدي تتغلب على قوى الاعتدال في المنطقة ويفتح معركة الصراع الحاد بين محورين: محور الشر كما تسميه الولايات المتحدة الاميركية ومن معها ومحور الهيمنة والتسلط والاستكبار الاميركي – الصهيوني كما تسميه ايران. فاذا كان قد آن اوان الصدام بين المحورين، فإن هذا الصدام ينطلق من سوريا ليعم المنطقة، اما اذا كانت روسيا لا ترى مصلحة لها في صدام كهذا، فإنها ستستفيد من الضغط العسكري الذي تمارسه دول الغرب بالتهديد بتوجيه ضربات محددة الى مواقع عسكرية للنظام في سوريا بحيث يصبح غير قادر على مواجهة قوى المعارضة المسلحة ولاسيما الجيش السوري الحر، فيضطر الرئيس الاسد الى التنحي مكرها او يظل يدافع عن موقعه حتى الموت.

الواقع ان حجم الرد على الضربة العسكرية لسوريا تحدده روسيا اولاً وايران ثانياً، فإذا كان حجم الضربة محدودا، ولا يغير كثيرا في موازين القوى على الارض سوى انه يجعل كل الاطراف يذهبون الى جنيف – 2 من دون شروط مسبقة، فإن الضربة تكون تأديبية ولها اهدافها المحددة. اما اذا كان حجم الضربة كبيرا والرد عليها كبيرا فإن منطقة الشرق الاوسط تكون قد دخلت الحرب بين المحورين وعلى نتائجها يتقرر مصير كثير من الانظمة والحكام، ويقوم شرق اوسط جديد.

النهار

أوباما ينزع صورة الرئيس المتردد/ راغدة درغام

ليس في الأفق ما يشير إلى نضوج «صفقة كبرى» أو حتى تسوية بين اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين في شأن سورية، يتم بموجبها حذف الخيار العسكري عن الطاولة. التطورات المثيرة منذ أسبوع كللها تراجع الرئيس باراك أوباما عن المضي بضربة عسكرية محدودة هدفها التأديب والردع تأهب لها العالم تلاه إعلان الرئيس الأميركي أنه اتخذ قراراً بضرورة توجيه الضربة لكنه يريد من الكونغرس اتخاذ قرار مماثل.

في البدء ظهر وكأن محور روسيا والصين وإيران و «حزب الله» والنظام في دمشق انتصر على الولايات المتحدة بل على حلف شمال الأطلسي «ناتو» الذي بدا مُبَعثراً، منقسماً مُشتَّتاً وخائفاً. هذا الانطباع ما لبث أن تضعضع عندما تحوّل فريق إدارة أوباما من حمائم إلى صقور انطلقوا إلى الكونغرس بثقة عارمة بأن الكونغرس سيعطي الرئيس صلاحية العمل العسكري – وإن كان لا يحتاج الصلاحية. الرئيس أوباما احتفظ بحق تنفيذ قراره بتوجيه ضربة عسكرية بصرف النظر عما يحدث في الكونغرس وانطلق إلى قمة مجموعة العشرين في سانت بطرسبرغ متأبطاً استراتيجية إحراج الآخرين ليقلب الموازين التي أعطت الانطباع أن الورطة ورطته هو. أخرج باراك أوباما نفسه من قفص كان فيه شبه وحيد موسِّعاً حلقة المسؤولية لتشمل الرأي العام والكونغرس أميركياً وحكومات ورأي عام الدول العشرين الأهم عالمياً.

الغائب الحاضر المهم جداً في معادلات التسوية أو الصفقة هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تؤدي دوراً مصيرياً في سورية، مباشرة وعبر حليفها «حزب الله» الذي يقر علناً أنه يحارب إلى جانب النظام في دمشق. هذا النظام صعّد وتوعّد بحرب عالمية ثالثة إذا تجرأ الرئيس الأميركي على توجيه ضربة محدودة كان قد وضّح أنها لا تهدف إلى اسقاط النظام. أما طهران فإنها أوضحت لكل من يعنيه الأمر أنها متمسكة بسياستها الداعمة لحكومة بشار الأسد، بلا تراجع ولا تردد ولا تعديل مهما تعاظم التهويل والتهديد. دخلت إيران ومعها «حزب الله» مداولات الكونغرس الأميركي بصورة غير مسبوقة في إطار علاقاتهما بالأزمة السورية، فطرأ تحوّل نوعي على النقاش الأميركي للمسألة السورية.

حكومة الرئيس الجديد في طهران، حسن روحاني، تعمدت الإيحاء للعالم عبر زائريها بأنها جاهزة للانخراط مع الأمم المتحدة، ومستعدة لخطاب أكثر انفتاحاً. إلا أن رجال روحاني كانوا واضحين جداً بأن لا تغيير قيد أنملة في ما يخص سورية، وأن سياسة تأمين انتصار الأسد وبقائه في السلطة حتى الانتخابات عام 2014 ما زالت سياسة طهران. هو ذا «الخط الأحمر» لطهران إن كان عبر صفقة أو تسوية وإذا كان رداً على عمل عسكري من أي نوع كان.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول الإيحاء بأنه جاهز للالتحاق بإجماع في مجلس الأمن لإعطاء صلاحية القيام بعمل عسكري في سورية، لكنه قيّد ذلك الاستعداد بشروط تعجيزية مصرّاً على موقفه الأساسي بأن الأسلحة الكيماوية التي استُخدِمَت في سورية قامت المعارضة السورية باستخدامها وليس النظام. تحدى بوتين الرئيس الأميركي على التقدم بأدلة قاطعة عن قيام النظام في دمشق باستخدام هذه الأسلحة المحظورة من دون أن يضع أي عبء مماثل على نفسه لإثبات اتهامه المعارضة باستخدام هذا السلاح.

الصين تلتزم الصمت، كعادتها، لكنها أيضاً صامدة في محور الممانعة الذي يضمها إلى «حزب الله» وبشار الأسد إلى جانب إيران وروسيا. ماذا ستفعل الصين في حال انخراط إيران وروسيا في الصراع. ماذا ستفعل الصين في حال انخراط الولايات المتحدة ومجموعة من الدول في عمل عسكري في سورية يبقى مجهولاً. المعروف هو أن الصين بقيت متماسكة في تحالفها مع روسيا في المسألة السورية، وهناك معلومات أنها تمد المعونة بمختلف أنواعها – المباشرة وغير المباشرة – للنظام في دمشق ليس فقط عبر روسيا وإنما أيضاً عبر إيران.

روسيا والصين دولتان مسؤولتان عن حفظ الأمن والسلم الدوليين وعن منع انتشار أسلحة الدمار الشامل والسلاح الكيماوي كونهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي. استراتيجيتهما حتى الآن، تبدو قائمة على التشكيك بالأدلة التي تقول إدارة أوباما إنها جليّة بأن النظام في دمشق استخدم الأسلحة الكيماوية. إنها استراتيجية النفي والنكران. ذلك أن أي إقرار بهذا يضع موسكو وبكين في حرج كبير، بل يضعهما في خانة الاتهام بأنهما تتعمدان الطعن بمعاهدات منع انتشار الأسلحة المحظورة.

جميع أطراف محور الممانعة هذا يراهنون على ضعف باراك أوباما وعلى الرأي العام الأميركي والغربي عموماً كما على البرلمانات الغربية. ما حدث في مجلس العموم في بريطانيا أثبت لهم أنهم محقون في هذا الرهان. فرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون تسرّع وأخطأ تكتيكياً فأفسح في المجال لما يصفه البعض بأنه «خدعة» من جانب زعيم حزب العمال إيد مليبند وأمام تصويت مجلس العموم ضد عملية عسكرية في سورية. احتياجات كاميرون السياسية وتعاطف الحكومات الصديقة له مع تلك الحاجة أدى إلى إخراج بريطانيا من «تحالف» كان يُبنى مع الولايات المتحدة. أتى ذلك التطور ليظهر مدى انخفاض ثقة صناع القرار البريطانيين بالولايات المتحدة ومدى استعدادهم لتقويض تلك العلاقة المميزة في التحالف بين الدولتين. وشكل صفعة مؤلمة لكل من ديفيد كامرون وباراك أوباما. ومثّل هدية ثمينة لبشار الأسد وفلاديمير بوتين وآية الله علي خامنئي والسيد حسن نصرالله الأمين العام لـ «حزب الله». أتى أيضاً ليبيّن نوعاً من «نفاق» الذين يرفعون شعار ضرورة الوقوف في وجه مَن يرتكب جرائم ضد الإنسانية، في مجلس العموم كما في صفوف الرأي العام البريطاني.

تلك «الخضّة» التي سبّبها تصويت مجلس العموم لباراك أوباما ساهمت في تراجعه المفاجئ الذي أذهل عواصم عدة – بما فيها باريس حيث الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند كان عقد العزم على الحلول مكان كامرون في موازين التحالف مع الولايات المتحدة. فقرر أوباما، على ضوء ذلك الدرس، أن مصلحته السياسية تقتضي قلب الموازين على الذين اتهموه بالتصرف انفرادياً واتخاذ قرار عسكري بلا صلاحية مجلس الأمن – كما فعل سلفه جورج دبليو بوش. قرر أن يشتري الوقت وأن يجر صناع القرار في أميركا إلى مشاطرة المسؤولية.

وزير خارجيته جون كيري – الذي تلقى صفعة من نوع آخر عندما وضعه الرئيس أوباما في واجهة التوعّد ثم خذله بتراجعه – نفض الغبار عن نفسه وتحوّل إلى أحد أهم أعضاء الإدارة الأميركية المكلفين إقناع الكونغرس بجدوى التصويت لمصلحة التدخل العسكري. لقد انقلب كيري 2011 على كيري 2009 الذي كان يدافع عن الأسد وزوجته أسماء معتقداً أنهما عنوان لإصلاح. بات يصف الأسد بأنه «مجرم» و «سفّاح» وبات أهم الداعين إلى عمل عسكري من أجل الحفاظ على سمعة الولايات المتحدة الأميركية كما من أجل حماية الأمن القومي الأميركي.

تغيّر النقاش في الكونغرس من عملية عسكرية محدودة عقاباً لاستخدام النظام في دمشق الأسلحة الكيماوية وردعه عن تكرار ذلك، دخل النقاش حلقة أوسع وصبّ في معنى وعواقب وتداعيات الرضوخ أمام مثل هذا التطوّر، بلا رد أو إجراء. توسعت الحلقة لتصبّ ليس فقط في تداعيات السكوت والتقهقر أمام نظام الأسد وإنما لتشمل معنى انتصار «حزب الله» في الحرب الأهلية في سورية، ومعنى انتصار الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الحرب السورية إقليمياً، ومعنى انتصار روسيا على الولايات المتحدة عبر المسألة السورية، ومعنى السماح للحلف الروسي – الصيني إخضاع الولايات المتحدة للصمت والخوف.

إقرار «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس الشيوخ مشروع قرار يجيز توجه ضربات عسكرية ضد نظام الأسد في تدخل «محدود» مدته القصوى 60 يوماً مع إمكانية تحديده حتى 90 من دون نشر قوات أميركية على الأرض ثم إدخال لغة مهمة عليه بناء على طلب من السيناتور الجمهوري جون ماكين نصّها أن السياسة الرسمية للولايات المتحدة تهدف إلى إحداث «تغيير في الدينامية على أرض المعركة في سورية». رافق ذلك إجراءات تفيد باعتزام الولايات المتحدة زيادة دعمها العسكري للمعارضة السورية المسلحة وإنهاء طابعه السري عبر نقله من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) إلى وزارة الدفاع.

أركان الإدارة الأساسيون، نائب الرئيس جو بايدن، ووزير الدفاع تشاك هاغل، ووزير الخارجية جون كيري، ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس فريق مهم في صياغة أهداف العلميات العسكرية – من الردع إلى «تقويض» أو إذلال قدرات النظام، إلى إحداث تغيير في الدينامية على الأرض. بالمقدار نفسه من الأهمية، إن إقرار الكونغرس – إذا أقر – العمليات العسكرية يعني عملياً أن الولايات المتحدة دخلت المعركة السورية ليس عبر ضربة واحدة وإنما عبر ضربات عسكرية متكررة أقله لشهرين أو ثلاثة. وهذا يفتح الباب أمام إمكان إنشاء منطقة حظر طيران وممرات إنسانية.

محور الممانعة الذي تهكم ضاحكاً على الرئيس أوباما بسبب تراجعه قد يجد أن النكتة وقعت عليه. فهناك اليوم كل سبب للاعتقاد بأن باراك أوباما سيحصل على صلاحية أوسع من الكونغرس، وأنه بعد عودته من سانت بطرسبرغ سيخاطب الرأي العام الأميركي ليبلغه بأنه سينفذ قرار التدخل العسكري. بالطبع، هناك إمكانية حقيقية بأن يعدل أوباما عن العمل العسكري إذا عارضه الكونغرس. لكن إصراره على أنه هو شخصياً، بصفته رئيس الولايات المتحدة الأميركية وقائد قواتها، يملك حق اتخاذ القرار يوحي بأنه عازم على ألا يبدو ضعيفاً مرة أخرى، لا سيما بعدما أعلن تكراراً أن لديه الأدلة بأن النظام في دمشق استخدم السلاح الكيماوي لقتل آلاف المدنيين ومئات الأطفال. فهو لا يريد أن يبدو نمراً من ورق، مرتبكاً، ضعيفاًً – كما صوّره حلف الممانعة. لا يريد أن يكون الرئيس المتراجع دوماً الذي لا يتصدى للذين ينتهكون القواعد الدولية والقيم الإنسانية. ولا يريد أن تكون سيرته التاريخية أنه الرجل الذي خضع للتهديد الآتي من نظام بشار الأسد أو من فلاديمير بوتين أو من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الحياة

السوريون و”الدول الكبرى/ حسام كنفاني

كان وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، صريحاً قبل انعقاد قمة العشرين. ما الحاجة إلى البحث في جمع المعارضة والنظام على طاولة واحدة. من الأجدى البحث في اتفاق الدول الكبرى قبل الدخول في ذلك التفصيل الهامشي في محور الأحداث. هو هامشي فعلاً، طالماً أن التدويل أصبح سمة الثورة السورية، التي باتت مترابطة بمصالح وحسابات دول كبرى تتعدى بكثير الرغبة الأولية البسيطة التي خرج من أجلها السوريون.

 لم تعد الحرية والكرامة والديموقراطية هي المحدد للثورة ومصيرها، بل باتت الأمور أعقد من ذلك بكثير. مصير أميركا ودورها كالقطب الأوحد في العام أصبح على المحك. الصعود الروسي والصيني على مسرح الأحداث في العالم لمنافسة الولايات المتحدة باتت ساحته الأراضي السورية.

إيران وبرنامجها ومشروعها الإسلامي، سواء لتصدير الثورة او للإبقاء عليها، سيحسمها مجرى الأمور في سوريا، وهوية المنتصر على الأرض.

السوريون أنفسهم أصبحوا هامشيين في المعادلة. الأمر لا يقف عند حدود الثوار والممثلين الكثر للمعارضة، الذين تتنازعهم الأهواء والمصالح الدولية والإقليمية، بل حتى النظام ورئيسه بشار الاسد، لم يعد يملك خيوط الحل والربط. هو أيضاً اصبح ورقة خاضعة للتوازنات والأهواء الدولية والصفقات المبرمة فوق الطاولة وتحتها.

النظام والمعارضة، على حد سواء، يقفان متفرجين على المشهد العالمي، ويساعدان قليلاً هنا وهناك في ضبط الحركة وتحسين الشروط التفاوضية لهذا الطرف أو ذاك.

فابيوس كان محقاً حين قال “يجب ان نجمع الى طاولة المفاوضات الدول الكبرى. معرفة ما اذا كان يجب ان نجمع فوراً الاطراف المعنيين اي من جهة ممثلي النظام ومن جهة اخرى ممثلي المعارضة مسألة اخرى”.

لكنه لم يجرؤ على تسمية هذه الدول الكبرى، أبقى الأمور مفتوحة للتأويلات. هو يدرك أن فرنسا وسائر الدول الأوروبية لا يمكن أن تدرج من ضمن “الدول الكبرى” المقررة في الملف السوري. هي أيضاً على الهامش تنتظر قرار من هو أكبر وأكثر فاعلية. لكن لا بأس من الممكن أن تحضر إلى طاولة المفاوضات لمساندة المحور الذي تنتمي إليه، حتى وإن كانت عاجزة عن المبادرة.

قمة العشرين في سان بطرسبرغ مناسبة لمثل هذا الاجتماع الذي تحدث عنه الوزير الفرنسي. الدول الكبرى حاضرة، وسوريا هي أساس النقاش، ولا سيما أن طبول الحرب تقرع على أبواب المنطقة منذ أن رفع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، شعار التدخل العسكري. قمة العشرين قد تكون فرصة لـ “الدول الكبرى” للخروج بموقف بنّاء على حسابات الربح والخسارة لكل منها.

أوباما يبحث عن مخرج من التورط في الضربة. رمى المسؤولية على كاهل الكونغرس. بالنسبة له أصبحت “مصداقية الكونغرس” هي على المحك. لم يأت على ذكره مصداقيته الشخصية. الكونغرس سيكون مسؤولاً. وتصويت الكونغرس خاضع للكثير من الاعتبارات التي تشهدها الأرض السورية، والتي تسارعت بشكل مفاجئ وغير مفهوم، من دخول المقاتلين المعارضة إلى قرية معلولة المسيحية إلى تسريب المقاطع المصورة للإعدامات الميدانية. توقيت يخدم كل الراغبين في الخروج من الوضع الراهن من دون التورط في معركة واسعة النطاق.

الروس أيضاً يمكن إدراجهم في هذا السياق، وهم الذين يبحثون التخفف من الإحراج أمام الرأي العام العالمي والداخلي، والذي بات ينظر إلى موسكو على أنها القطب الجديد في العالم. قطب لا يمكن أن يتبلور بشكل تام من دون اللجوء إلى القوة والمواجهة، وهو ما تبدو روسيا غير مستعدة له حالياً.

قمة العشرين كانت فرصة “الدول الكبرى” للبحث عن مخرج. لكن الفرص لا تغتنم دائماً.

المدن

هل هي الحرب العالمية الثالثة؟/ عبد الرحمن الراشد

نبهنا فيصل مقداد، الرجل الثاني في وزارة الخارجية السورية، إلى أن حكومته لن تسكت على هجوم أميركي عليها، ولو أدى ذلك إلى قيام حرب عالمية ثالثة!

وسبق للإعلام الرسمي السوري ترويج مقولة أن الهجوم على نظام الأسد سيشعل حربا كونية. طبعا، هذا هراء، فلا إسقاط النظام السوري، ولا شن حرب غربية، ولا رد فعل حلفاء الأسد في أقصى حالاته، يمكن أن يشعل حربا تتجاوز سماء المنطقة. الأسد استطاع جر الإيرانيين، وحزب الله، والروس لمساندته بالمقاتلين والسلاح والوقود. وفي الخندق المضاد، جاء الدعم الخليجي والتركي المادي والعسكري. كما هبت جماعات متطرفة، رأت في الفراغ والدمار فرصة للتسلل وبناء خلاياها، لها مشروع ثالث مختلف عن الأسد، وعن الشعب السوري.

هذا هو واقع سوريا اليوم، لكن لن تتحارب من أجله روسيا والولايات المتحدة، ولن ينجرف الغرب إلى أكثر من عمليات محدودة، وسيسعون جميعا لتطويق النار فلا يخرج رصاصها خارج الحدود السورية.

الدول الكبرى، غالبا، تتحاشى المواجهة، فتتقاتل عبر وكلائها. وقد رسمت لنفسها قواعد اشتباك منذ زمن الحرب الباردة لا تتجاوزها، فلم يحدث أن تقابل مقاتلون روس ضد أميركيين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وحتى صدامها غير المباشر لا يكون إلا على مناطق النزاع الأكثر حيوية لمصالحها الكبرى، مثل ما دفع جورج بوش إلى المشاركة بمائة وعشرين ألف جندي لتحرير الكويت، بدأوا في الوصول بعد أسابيع من احتلال صدام الدولة الرابعة في تصدير النفط في العالم، وكررها ابنه جورج دبليو بوش في غزو العراق بمائة وثلاثين ألفا. حاليا، القوات الأميركية لا يتجاوز عددها الألفين فقط في الأردن، ضمن تشغيل صواريخ دفاعية واستهدافات محدودة، وربما هناك عدد مماثل على الحدود مع تركيا.

بشار الأسد، رغم أنه يصغر رئيس العراق الأسبق صدام حسين بنحو ثلاثين عاما، فإنه يشبهه في الجهل، يفكر ويتصرف بالعقلية نفسها. صدام فشل في فهم علاقات الدول الكبرى، وفي حساب ميزان القوى، ولم يع حكم المصالح، فانتهى مشنوقا صبيحة العيد. الأسد، منذ البداية، كان يفترض أنه علم باستحالة استمرار حكمه، عقب انتشار المظاهرات مثل السرطان في أنحاء بلاده، ثم ارتفاع وتيرة العنف، ولاحقا بدخول لاعبين إقليميين مهمين ضده.

كان بالإمكان ترتيب خروج آمن يحفظ له شيئا من احترامه، وربما من وجوده. لكن الأسد، إلى الآن، ينتظر معجزة ما! وها هو يتصور أن الروس سيحاربون عنه.. ألا يسأل نفسه لماذا؟ لا يوجد سبب واحد سيشتبك من أجله الغرب والشرق، لا دفاعا ولا هجوما.

أعطوا الأسد الفرص والوقت والدعم، ومع هذا فشل في إنقاذ حكمه، وأخيرا اقتنع الجميع أنه حان موعد مغادرته. الغرب يريد إقصاءه، وتمكين نظام بديل يستطيع الحفاظ على مركزية دمشق لحكم هذه الدولة الواسعة، ومنع «القاعدة»، وأمثالها، من التواجد على ترابها والانطلاق لمهاجمة الغرب ومصالحه في العالم.

الروس، كذلك وافقوا على إقصاء الأسد، وتمكين المعارضة، لكنهم يفضلون خروجه بصيغة سياسية، ونظام حكم بديل مختلط من الماضي والحاضر، وتوقيت كذلك يحفظ ماء وجههم وحلفاءهم. عمليا الشرق والغرب متفقان على طرد الأسد لكنهم يختلفون على التفاصيل. لهذا السبب، واشنطن تريد المزيد من الضغط على الأسد، بما في ذلك استخدام ضربات توجعه وتجبره على التفاوض. أما الأسد، مدعوما من إيران، فيكابر ويعاند، ويستخدم أبشع أسلحته معتقدا أن ذلك سيزيد الفوضى، ويعزز حظوظه في البقاء، ليكتشف أنه في الحقيقة أيقظ العمالقة ضده، واستعجلهم للتخلص منه!

الشرق الأوسط

إسقاط الأسد مدخل إلى تسوية إقليمية؟/ راجح الخوري

في قمة الثماني الكبار التي عقدت في آيرلندا الشمالية وصف باراك أوباما ندّه الروسي فلاديمير بوتين بعد محادثاتهما حول الأزمة السورية بأنه «طفل كسول يشعر بالملل في الجزء الخلفي من الصف»، اليوم وفي قمة مجموعة العشرين التي تبدأ في سان بطرسبورغ، كان بوتين يأمل في أن يصف أوباما بأنه «طفل متردد يجرجر الفشل في كواليس الكونغرس»، لكنه تلقى الخيبة بعدما تبين أن أوباما يتجه للحصول على تأييد الكونغرس لا لضربة عقابية محدودة فحسب، بل «لتنفيذ خطة أوسع تهدف إلى إضعاف الأسد وتعزيز المعارضة، توصلا إلى العملية الانتقالية التي تجلب السلام والاستقرار ليس فقط إلى سوريا بل إلى المنطقة».

هذه الكلمات التي أدلى بها أوباما وهو «مدجج» بزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب جون بينر الذي جلس إلى يمينه وبزعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي إلى يساره، توحي بأنه يريد للضربة العقابية في النهاية ألا تسقط الأسد فحسب بل أن تفتح الطريق أمام التسوية السلمية المعطلة في المنطقة!

كان واضحا أنه ما لم يتمكن أوباما من إقناع الكونغرس بالضربة العسكرية، وهو أمر ليس بالسهل قياسا بمجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، فإننا سنكون أمام منتصر وعدة مهزومين، أما المنتصر فسيكون الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون وأذرعهم العسكرية، وأما المهزومون فهم أولا، أوباما الذي وصفوه في دمشق بأنه «جبان ومتردد ومضطرب وممثل فاشل»، وثانيا، وهو الأهم هزيمة بروتوكول جنيف الموقع عام 1925 الذي يحظر استعمال السلاح الكيماوي، وثالثا تدمير كل القوانين والمفاهيم ذات الصلة المتعلقة بحماية المدنيين ومنع حروب الإبادة!

إن توصل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إلى اتفاق على مسودة تفويض لاستخدام القوة في سوريا، يفتح الطريق أمام موافقة الكونغرس بما يعطي عملية التدخل قوة الإجماع الداخلي، الذي كان من الواضح أن أوباما توخى الحصول عليه، لأنه مثل القيادات العليا في البنتاغون كان يخشى أن تجره الضربة المحدودة إلى حرب واسعة ففضل أن يتحمل الكونغرس المسؤولية إلى جانبه!

أوباما بنى حجته للتدخل العسكري على تلك النظرية التي شرحها على امتداد ساعات ليل فجر أول من أمس كل من جون كيري وتشاك هيغل والجنرال مارتن ديمبسي أمام لجنة الشؤون الخارجية وفي خلال جلسة شاهدها الملايين في العالم الذي يحبس أنفاسه، إنها النظرية التي تقول إنه إذا لم تفعل أميركا شيئا رغم كل تهديداتها والحديث المتكرر عن «الخط الأحمر»، فإنه ستضعف قوة الردع الدولية لحظر استخدام الأسلحة الكيماوية وهذا سيشجع الأسد وحلفاءه الإيرانيين وحزب الله، وخصوصا عندما يجدون أن انتهاكا صارخا لهذه القواعد الدولية لا تترتب عليه أي تبعات، لكن هذا الكلام الذي يقنع الكونغرس لا يقنع الرأي العام في بلد أتعبته الحروب فقد كشفت آخر الاستطلاعات أن 59 في المائة من الأميركيين يعارضون الضربة في مقابل 36 في المائة يؤيدونها، ثم إنه كان يخشى أن حسابات السياسة الداخلية وخصوصا عند الجمهوريين مع اقتراب الانتخابات النصفية لن تصب في مصلحة الضربة.

إن الاتفاق على النص المحدد للتفويض الذي تبنته لجنة الشؤون الخارجية يؤكد أن الكونغرس سيوافق على عمل عسكري حددت مدته الأولى بـ60 يوما قابلة للتمديد مدة شهر، والكونغرس سيقر التفويض أولا، لأنه كان في وسع أوباما أن يتخذ قرار التدخل دون العودة إليه ولكنه أراد الحصول على إجماع يقوي الموقف الأميركي، وثانيا، لأنه بعد كل التهديدات وحشد الأساطيل وتحديد الأهداف التي ستقصف، وحبس أنفاس العالم لمدة 48 ساعة، كانت أميركا ستفقد كثيرا من هيبتها وصدقيتها وستبدو كنمر من ورق وهي صورة سيتحمل الكونغرس وزرها، وثالثا، وهو الأهم لأن التلويح بالضربة والتراجع عنها سيدفع النظام السوري إلى ارتكاب المزيد من المذابح الكيماوية التي كانت ستقيد على خانة أميركا كدولة بلا أنياب، يقودها رئيس حائر لا يملك غير الخطابة المنمقة وميل جارف إلى الاستقالة من العالم، ويتخذ سياسات رخوة حيال المذبحة السورية وفي فلسطين «هل تذكرون رؤية الدولتين» ومع إيران، ولا يتوانى عن التلويح بعصا كرتونية حيال المذبحة الكيماوية في الغوطتين ثم يهرب ليتوارى وراء الكونغرس!

يدرك الجميع أن الضربة «العقابية المحدودة» قد تتحول حربا واسعة لم يرد أوباما تحمل مسؤوليتها وحده «وهو الذي ينتقد جورج بوش لهذه الأسباب عينها» ومن المؤكد أنه كان يعرف ميل الشعب الأميركي إلى عدم الانخراط في حروب جديدة، لكنه الآن وبعدما ضمن وقوف الكونغرس إلى جانبه، فإنه سيقتحم سان بطرسبورغ اليوم مكررا اتهام بوتين بأنه فعلا «طفل كسول في الصف الخلفي»!

الشرق الأوسط

سورية: بؤس اليقين واليقين المضاد/ حبيب سروري

أمريكا كذبت قبل حرب العراق بشكل سافر: فبركت قصّة رابع جيشٍ في العالم، أسلحة الدمار الشامل العراقيةô

الأكثر نفاقاً وخبثاً ربما: أمريكا والغرب كانت على دراية تامّة ومباشرة بأن صدام حسين استخدم السلاح الكيماوي في حلبجة، ولم تقل حينها شيئا، لأنه كان آنذاك، بكل بساطة، حليفها في الحرب ضد إيران.

ألم تفضّل دول الغرب عموماً، بأنانية جليّة، أن تتحوّل الثورة السورية رويداً رويداً إلى حرب لا مباشرة بين أعدائها التاريخيين (إيران وحزب الله من جهة، والقاعدة من جهة أخرى)، تراقبها وهي تفرك أيديها، كمن يراقب من رأس الجبل ضبعان يتقاتلان في أسفل الوادي؟

ثم، من دافع دوماً في السراء والضراء عن إسرائيل، بكل جرائمها، غير أمريكا؟

باختصار: من يصدق ويثق بكل ما تقوله أمريكا إما مترزِّقٌ منها حليفٌ لها، أو غبيٌّ أكثر من اللازم.

بالمقابل، طغاتنا العرب مجرمون استثنائيون قادرون على أبشع المجازر.

ألم يطلق صدام السلاح الكيماوي على شعبه في حلبجة؟

هل ابن حافظ الأسد أكثر نبلاً من صدام؟…

السؤال الذي يتناساه البعض والذي أودُّ توجيهه للجميع:

إذا تأكد (من مصادر مستقلة موثوقة) أن بشار استخدم السلاح الكيماوي (بعد الطائرات والدبابات والصواريخ الذي أطلقها على شعبه، والذي لا ينكر أحد نتيجتها: 100 ألف قتيل)، ماذا يلزم أن نقول عنه؟

ألا يلزم أن يردّ عليه العالَمُ أجمع (باستثناء أمريكا وإسرائيل اللتين تجاوزته بجرائمها) لتأديبهِ على جرائمه بحقّ الإنسانية؟ لتأديبهِ هو شخصيّاً، وليس الشعب السوري الذي يحتاج للدعم والإنقاذ…

ألا تلزم محاكمته كمجرم حرب، شأنه شأن ميلوزوفيتش؟…

لنتذكّر يوميا هذا الرقم الذي يلزم أن يكون هوسَنا اليومي: 100الف قتيل!

أخشى، بسبب ثقافة تقديس الطاغية وعدم مقدرة المواطن العربي غالباً على اجتثاث عقلية الإعجاب به والخضوع له، أنه سيوجد دوماً، رغم كل ذلك، من سيظلّ يغني: اشبيحة إلى الأبد، من أجل عيونك يا أسد!’ô الخوف من الحاكم العربي يشبه خوف الطفل الذي انتُهِكت محارمه من الأب المغتصِب: جذريٌّ يصعب استئصاله.

لا يوجد في الحقيقة أصعب من اجتثاث هذا الرعب من الضحية، وتحريره من السطوة النفسية الديكتاتورية للأب المنتهِك للمحارم.

لذلك ربما كان لـبطائر الخرابب (في الرواية التي تحمل هذا الاسم) وجهان في نفس الوقت: هو منتهك محارم، وزعيمٌ سياسيٌّ في نفس الآن!ô

لاحظتُ تجليات ذلك الرعب النفسي، المستوطِن في الضحية، في أكثر من طرح، لاسيّما في سؤالٍ أذهلني، حول منشور كتبته عن سورية.

سأل حينها صديق عزيز: ألم تعاند الثورة السورية لأكثر من سنة ونصف في الأسد؟

سيجد المحلل النفسي في كلمة: اعنادب ما يلخص مأساة ضحية انتهاك المحارم الذي يشبُّ ويكبر وهو يكره نفسه، كما يقول علماء النفس. يجد ألف تبرير وتبرير لجريمة المنتهِك، ويعتقد دوما أنه هو نفسه علّة تراجيديته الحميمة، وليس المجرم المغتصِب!

ما يعقد الموضوع كثيرا في شأن سورية هو أن أنظمةً أبشع من سورية بكثير (التي لها مع ذلك محاسن كبيرة في دعم اللغة العربية على سبيل المثال، في مكافحة الفكر الظلامي وتكريس المدنيّة، وغير ذلك)، أنظمةً تستحق أن يُثار عليها قبل سورية وأكثر منها ربما، تُرسِل الجهاديين وأبشع الظلاميين إلى سورية للقتال باسم دعم الثورة السورية!…

لكل ذلك: محنة سورية من أصعب المواضيع وأكثرها حاجةً للنقاش الوفير والجدل…

تعقيدات ثورتِها تستحق المزيد من التأمل والتفكير قبل الاتهام والاتهام المضاد، اليقين واليقين المضاد…

‘ كاتب واكاديمي من اليمن

القدس العربي

فيتنام ايران؟/ سعد محيو

لا أحد، بما في ذلك حتى  أبرز الخبراء الدوليين الموثوقين في الشأن الإيراني، يستطيع أن يدّعي ولو للحظة أنه قادر على توقّع سلوك طهران في السياسة الخارجية، لأنه ينبع (على حد قولهم الإجماعي) من ثنائية تاريخية شهيرة وعصية على التنبؤ: الباطنية أو التقيّة الشيعية، والدهاء أو الخبث الفارسي.

وربما هذا ما دفع عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري، إلى القول عن تجربته في السلطة طيلة 40 سنة من الحليف الأكبر للنظام السوري: “لم تكن نعرف طيلة هذه الفترة ما يريد الإيرانيون، إلا بعد أن يحدث”.

حسنا. إذا ما كان من الصعب، أو حتى المستحيل معرفة ما يريده الإيرانيون حقاً على المستوى الذاتي، إلا أنه ليس كذلك على الصعيد الموضوعي. وهذا ما قد يتبدى الآن في الحالة السورية، حيث بات واضحاً الآن أن  هذه الظروف الموضوعية بدأت تُملي على القادة الإيرانيين توجهات  تناقض صرخاتهم التضامنية المجلجلة مع النظام السوري.

ما هي هذه الظروف؟

إنها ببساطة تحوّل الحرب الأهلية- الإقليمية السورية إلى ما بات بعض المسؤولين الإيرانيين يصفونه في مجالسهم الخاصة بأنه “فيتنام إيران”، في وقت  يُجمع العديد من المحللين على أن الاقتصاد الإيراني يترنح بالفعل على شفير الانهيار، بفعل الحصار الغربي، والفساد المستشري، وسوء الإدارة الحكومية. فالريال الإيراني فقد نصف قيمته خلال أشهر قليلة، والتضخم بلغ ذرى شاهقة، وبطالة الشباب تجاوزت نسبة الأربعين في المئة.

وجاء الاستمرار غير المتوقع للحرب السورية، التي حوّلتها طهران إلى حربها الخاصة من خلال الاشتراك المباشر لوحدات من الحرس الثوري (فرقة القدس) وقوات حزب الله اللبناني وبعض الميليشيات الشيعية العراقية في المعارك، لتجعل سورية بمثابة “ثقب أسود” يستنزف ماتبقى من روح أو زخم في الاقتصاد الإيراني (يتندر الموظفون الرسميون في سورية بأنهم باتوا يتقاضون رواتبهم التي تقدّر برقم فلكي يناهز المليار دولار (ريال) شهريا من طهران).

هذه المعطيات تقف على الأرجح وراء التمخضات التي تجري حالياً، وإن ببطء، في الداخل الإيراني حيال سورية، من جهة، والاتصالات”تحت الطاولة” وفوقها بين إيران والولايات المتحدة، من جهة ثانية. وهذان التطوران وثيقا الصلة ببعضهما البعض.

ففي الداخل الإيراني، برز الموقف الخطير الذي اتخذه أية الله هاشمي رفسنجاني، الرئيس السابق وأحد الأعمدة الرئيس للنظام الإيراني، حين قال (في شريط فيديو مسجّل تمت إذاعته لنفي الرواية الرسمية عن عدم دقته):” بارك الله شعب سورية الذي تعرَّض إلى هجوم بأسلحة كيمائية على يد حكومته نفسها، والذي يتعيّن عليه الآن أن يتوقع غزواً أجنبيا”. كما أدان رفنسجاني انتهاكات حقوق الإنسان في سورية، وبدا وكأنه يدعم التمرد الشعبي ضد الرئيس بشار الأسد.

ويقول المحلل السياسي الإيراني صادق زيبا كلام، أن تصريح رفسنجاني هذا “لايعبِّر عن آراء ملايين المواطنين الإيرانيين وحسب بل هو أيضاً لسان حال مسؤولين كبار مثل الرئيس الجديد حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف” اللذين رحبا من أعماق قلبيهما به سرا”.

هذا الرأي أيدته صحيفة فايننشال تايمز النافذة، لكنها لم تربطه بالمواقف الإنسانية بل في التوجهات الاستراتيجية، إذ قالت أن الرئيس روحاني وحكومته لايريدان مواصلة دعم نظام الرئيس الأسد مالياً وعسكرياً بلا شروط، لأنهما يعتبران ذلك عقبة أمام جهودهما لكسر الطريق المسدود في المحادثات مع الدول الست الكبرى حول الملف النووي الإيراني. وهذا ماقد يفسّر اللهجة غير التصعيدية الإيرانية حيال احتمالات الضربة العسكرية الأميركية لسورية.

ويقول هنا استاذ إيراني للعلاقات الدولية، طلب عدم ذكر اسمه،:” إيران لم تعد تريد وضع كل بيضها في سلة (الرئيس) الأسد، وقد بات من المصلحة الفضلى الاقتصادية والاستراتيجية لحكومة روحاني البحث عن بديل له”. ويضيف إلى ذلك مهرزاد بوروجيردي، مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في جامعة سيراكوز:” المسألة الآن هي كالتالي: إذا ماتدهورت أوضاع الرئيس الأسد في ساحات المعارك، فمتى ستتخلى عنه طهران؟ إذا ماظهرت أدلة جديدة على أن جيش الاسد استخدم بالفعل الأسلحة الكيميائية، فهذا سيرفع إلى حد كبير الأكلاف السياسية لدعم إيران له”.

هذه التطورات على الصعيد الداخلي الإيراني ترتبط بشكل وثيق، كما أشرنا، باتصالات ما تحت الطاولة بين إيران والولايات المتحدة، والتي يبدو أن سلطان عمان قابوس ونائب الأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلاتمان، اللذان زارا طهران موخراً، يقومان فيها حالياً بدور ساعي البريد بين الطرفين.

وتوضح مصادر دبلوماسية غربية هنا أن سورية باتت عنصراً رئيساً في هذا الحوار غير المباشر الأميركي- الإيراني، حيث تبدو واشنطن حريصة ألا تؤدي أي ضربة عسكرية لسورية إلى ضرب آفاق هذا الحوار، وحيث تبدي أيضاً حكومة روحاني الحرص نفسه عبر النأي بنفسها بقدر الإمكان عن بعض ممارسات النظام السوري.

وذهبت هذه المصادر أبعد من ذلك بكثير، حين نقلت عن محللين أميركيين وإيرانيين قولهم أن إيران ربما ترحّب ضمناً بأي ضربة عسكرية أميركية محدودة لسورية، لأن ذلك سيجعل من الأزمة السورية مشكلة أميركية، بعد أن بقيت طيلة نحو سنتين ونصف السنة مشكلة ضخمة (مالية وعسكرية وإديولوجية) لطهران .

لا بل يعتقد محللون بريطانيون أن إضعاف النظام السوري قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تحويل نقمة العقبة السورية أمام الحوار الإيراني – الأميركي إلى نعمة، من خلال بروز تحالف بين الطرفين ضد المنظمات الجهادية السنّية المتطرفة في سورية (وبالتالي في العراق) أسوة بما حدث بينهما في أفغانستان العام 2001.

وهذا أيضاً ما يراه كريم ساجادبور، خبير الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، الذي يقول:” تخوض إيران والولايات المتحدة الآن حرباً بالواسطة في سورية لن يخرج منها أحد رابحا. لكن، إذا، أو حين، يسقط الأسد، سيبرز أمام كلا الطرفين عدو مشترك هم الجهاديون المتطرفون السنّة”.

هل هذه التحليلات في محلها؟

ربما. لكن هنا يجب الأخذ بنصيحة خدام: انتظار وقوع الحدث الإيراني، قبل أن نتأكد من أنه سيحدث بالفعل!.

المدن

وحشية النظام الأسدي مسؤولة عن التدخل الأجنبي/ د. نقولا زيدان

يواجه الوطنيون العرب وعلى رأسهم النخب القومية والديموقراطية والتقدمية في المنطق التاريخي الراهن أزمة خيارات ومسؤوليات سياسية ليست من السهولة بمكان، بل هي شائكة عصية صعبة تكاد تقارب امتحان الضمير والوعي الوطنيين. ولا تطاول هذه الأزمة النخب الطليعية وقياداتها المجربة فحسب بل تشمل القواعد الجماهيرية الشعبية والمواطن العربي العادي أيضاً بشكل عام. وتتلخص ازمة الضمير والوعي هذه في السؤال التالي: ما الموقف الذي يتوجب علينا اتخاذه في حال تعرض سوريا، بل لنكن أكثر دقة وتحديداً بالقول النظام السوري، لضربة عسكرية غربية تبدو متراوحة بين المحتمل والممكن الحدوث والمحتم الذي لا مفر منه ولا مناص؟ وبالطبع ان هذا الموقف لن يكون بمقدوره قط إحداث تغيير جوهري وأساسي في مآل الأحداث وتداعياتها، إلا ان التاريخ وهو ذاكرة الشعوب سوف يسطر في سجلاته هذا الموقف وتسترشد به الأجيال المقبلة إما بالتثمين والاعجاب أو باللائمة والادانة والاتهام.

لقد قادت الديكتاتوريات العسكرية بلدانها بل الامة العربية وشعوبها قاطبة وعلى دفعات وموجات متتالية إلى مآزق تاريخية، قد ادت عملياً إلى تدمير المشروع القومي والاجهاز عليه، بعد تعرضه للانحسار والتراجع بل الهزيمة في أحيان كثيرة. فقد اصيب هذا المشروع في صلبه وكبده بنكسات حادة ومرّة، وتعرضت طروحاته وشعاراته لأزمات ثقة عميقة من قِبَل الجماهير الشعبية وقواها الحية الفاعلة، لا بل راحت النخب الطليعية تغادر مواقعها الامامية وتتخلى عن دورها القيادي لتلتحق بمواقع السلطة القمعية التعسفية المستبدة لتجد مكاناً لها مريحاً ومكاسب آنية في آلة الحكم الديكتاتوري ونسقه المستأثر والمستحوذ على خيرات هذه البلدان والرافض لأية اصلاحات جدية فعلية تطاول بنية الدولة التي نخرها الفساد والرشوة والعشائرية والعائلية والتعصب المذهبي والجهوي.

كان هذا هو الواقع المعاش في ظل أنظمة عسكرية حيث حلت محل المشروع القومي الواعد حركات دينية سلفية سوداء، وانتفاضات مذهبية عشائرية جهوية راحت تأخذ بألباب ومشاعر الفئات المسحوقة والمهمشة الى الاتجاه الخاطئ والحل السيئ والرديء للمشكلات المستفحلة.

ولم يكن قط الربيع العربي والحراك الجماهيري الكبير والشامل إلا النتاج التاريخي والمولود الطبيعي لأزمة تلك الأنظمة، ولم يأتِ هذا التدفق الهائل والزخم الجماهيري الواسع من خارج هذه المجتمعات، بل انبثق من رحم أزماتها ومن الطريق المسدود التي وجدت هذه الشعوب أنفسها تصطدم به على الدوام. فعوضاً عن تحرير الأرض والإنسان كان الذي جرى هو المزيد من خسارة الأرض وتدمير انسانية الانسان. وقد استطاعت الاحادية الأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية والصعود المتسارع لأوروبا الاتحادية والصين التي تحولت إلى دولة نيورأسمالية، استغلال المعطيات الجديدة الى حدودها القصوى حيث اسقطت نظام صدام حسين عام 2003 وفيما بعد تدخلت عسكرياً في ليبيا عندما أتاحت الانتفاضة الشعبية فرصة سانحة لشركاتها للامساك بالثروة النفطية فيها، تماماً كما جرى في العراق من ذي قبل.

لقد تركت أزمة المشروع القومي الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام الطروحات المذهبية ومزاعم الإسلام السياسي بالتحرير والعدالة، احتواء النضال الفلسطيني وقضيته العادلة، فراحت طموحات النظام الايراني تتعدّى حدود جمهوريتها الثيوقراطية في محاولات محمومة حثيثة للحلول عملياً محل المشروع القومي والعمل والسعي ليل نهار كي تصبح ايران دولة نووية تفرض نفسها على الصعيدين الاقليمي والدولي. وفي ظل الفراغ الذي خلفه غياب الاتحاد السوفياتي كان النظام الأسدي الفردي الفاشي بحاجة ماسة لحليف قوي استراتيجي اقليمي صاعد تمثل بإيران.

حيال اندلاع الثورة السورية التي أصم النظام الأسدي الكلياني الفاشي اذنيه أمام مطالبها الاصلاحية الاولى، ذلك انه ظل على الدوام أسير تركيبته الفئوية المذهبية الضيقة ونظام التوريث العائلي وعبادة الفرد، راحت القوى الخارجية ابتداء بروسيا الجديدة ومروراً بإيران وطموحاتها التي لا حدود لها بل وصولاً إلى “حزب الله” الذي استطاع بفضل خصوصية الوضع اللبناني فرض أمر واقع عسكري على لبنان في الأزمة السورية التي تحولت إلى ما يشبه حرباً أهلية طاحنة. هذا وقد حصدت وما زالت عشرات الألوف من الشهداء وما لا يقل عنهم عدداً من المعتقلين والمفقودين وملايين النازحين والمهجرين.

ان الاصطفاف الدولي راح يحول الازمة السورية إلى مشكلة عالمية خاصة بعد ان وجدت المعارضة السورية قد تحولت إلى كفاح مسلح آذاناً صاغية في العالم العربي والأوساط الغربية ودولها التي بدورها لها مصالح اقليمية في المنطقة تماماً كما لروسيا وربيبتها الجديدة إيران التي زودت النظام السوري بكل ما يحتاج من الأسلحة والذخائر والمعدات لسحق الثورة. لقد جرى تدمير ومحو أحياء وقرى بأكملها، وجرى ارتكاب النظام لفظائع تقشعر لها الأبدان، وبالفعل واجهت المعارضة العنف بالعنف ولم يتمكن الجيش النظامي رغم استعانته بالخبراء الروس والحرس الثوري الايراني وحزب الله اللبناني من القضاء على الثورة.

كان النظام الأسدي قد لجأ مرات عدة وفي أكثر من موقع لاستخدام السلاح الكيماوي وكانت المعلومات الموثقة والأدلة والبراهين قد اصبحت بحوزة اجهزة الاستخبارات الغربية منذ شهور. ورغماً عن تعهدات موسكو بضمان عدم لجوء بشار الأسد لاستخدام السلاح الكيماوي فإنّ الاخير راح يضرب عرض الحائط بهذه التعهدات.

ان مجزرة الغوطتين الاخيرة قد اوصل فيها الاسد المجتمع الدولي الى طريق مسدود. وبات التدخل العسكري الغربي لردع جموح الأسد وشيكاً وتميل وجهات نظر المراقبين الدوليين للاعتقاد بحتمية وقوعه.

الوطنيون العرب، من نخب ومثقفين ومناضلين طليعيين وقوى قومية وديمقراطية التي اعلنت انحيازها إلى جانب الثورة السورية والاطر السياسية والعسكرية المنبثقة عنها، وهي تعي تماماً خطورة المرحلة وحراجتها، كانت على الدوام تعارض أي تدخل عسكري اجنبي في الأزمة السورية وهي التي دانت بشدة التدخل المسلح للنظام الايراني وانغماس “حزب الله” فيه، لم يعد بوسعها التمسك المبدئي كما في السابق برفضها الحازم لتدخل المجتمع الدولي العسكري في سوريا. لقد أخرج لجوء النظام الأسدي لاستخدام السلاح الكيماوي العلني والمكشوف والمثبت بالقرائن والأدلة القاطعة الدامغة في الغوطتين، واستمرار تحديه للقوانين والشرع والأعراف الدولية والانسانية، الملف السوري بأكمله من أيدي الشرفاء العرب ومناضليهم الطليعيين، نهائياً. فإن كان التدخل العسكري المرتقب والمتوقع كأساً مرّة عليهم تقبّلها، فإن وحشية النظام الأسد وبربريته وجنوحه بل جنونه هو الشر بعينه الذي لا بد من وضع حد له، وذلك الآن قبل فوات الأوان.

المستقبل

سورية في قمة العشرين/ يوسف الكويليت

قمة مجموعة العشرين، هي اقتصادية كونية تنعقد وسط ظروف اقتصادية عاصفة على مراكز القوة في العالم، والكل يتطلع إليها من زاوية الخروج من الأزمات باتفاقات جديدة، حتى إنها تعتبر قمة خبراء لا رؤساء، لكن باعتبار أنه لا فصل بين السياسة والاقتصاد، برزت المسألة السورية على قائمة أولويات المؤتمر، وهي بصيغتها الجدلية بين طرفيْ نزاع شرقي – غربي أعادت لنا سلوك الحرب الباردة على مناطق النفوذ، وإن كان التراجع الروسي بدأ قبل هذه القمة عندما اشترط بوتن تأييد الضربة بشروط أن يقدم الغرب أدلة مقنعة ترعاها الأمم المتحدة، ويبدو أن هذا الموقف دفع بإيران من خلال عدة أصوات حكومية وغير رسمية بأن بلادهم لن تحارب إلى جانب سورية، وأن حزب الله، لا يستطيع التحرك طالما إيران اتخذت مؤقفاً مغايراً للتهديدات التي جاءت من أطراف توظف إعلامياً لمثل هذه الظروف من قبل أنصار الحزب..

فريق الأسد راهن على ضربات موازية قد تحدث تأثيراً مضاداً، وأن مجرد استمرار الضربات فإنه، في ظلها، ستقوم حرب عالمية ثالثة، وهي نفس التداعيات لما جرى في العراق، وكأن إدارة الأساطيل، والصواريخ عابرة القارات، ومخازن الأسلحة النووية، في الحقيبة السرية لبشار الأسد الذي سيعطي الأوامر لمثل هذا الرد، وكان من المفترض لكسب مؤيديه أن يكون واقعياً، وتكون لغته اللغةَ الأقرب للإدانة والدفاع الدبلوماسي ليأخذ بتصرف قوة عظمى موازية مثل روسيا، التي قررت علناً أنها لن تدخل في الأزمة عسكرياً، ولو كان أكثر حكمة لعرف أن تخطي روسيا والحلفاء الآخرين باستعمال الأسلحة الكيماوية سيوصله إلى مواجهة مع دول لديها ما تتصرف به وفق القانون الدولي ودون الرجوع لنظمها أو مجلس الأمن، فقد كان يستطيع أن يعطي روسيا مبرر وقف الضربة طالما الحرب تجري بأسلحة تقليدية، لكن التمادي بالجنون بدوافع اليأس جعله يتصرف بحماقة، ليكون الرد عليها بنفس العمل، وقوة التدمير..

أوباما حصل على الضوء الأول بإجازة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إقرار الضربة، وينتظر التصويت من قبل الكونجرس، وفي حال تم الاتفاق على رغبة الرئيس والتي تبررها عوامل هيبة الدولة العظمى، واحتمالات استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى، ثم سمعة الدولة العظمى أمام العالم ستكون حوافز لتمرير القرار وإعداد الهجوم، ولا تستطيع قوى أخرى منعها لتوفر القرائن وما يشبه الإجماع على قبول تأديب الأسد عالمياً وعربياً، إلاّ من بعض الدول مثل العراق، والذي جاء اقتراح المالكي بتسوية النزاع السوري بجملة آراء في الوقت الضائع، والبقية من العرب بقوا بين المؤيد والمعارض، ولكن في النهاية يبقى القرار أمريكياً في جميع الأحوال..

مدينة «سان بطرسبرج» التاريخية ليست من سيقرر ما سيحدث لسورية، ولكنها صورة لمماحكات وتداول آراء، وحتى لو حدثت قمة روسية – أمريكية، فربما تحلحل بعض القضايا ولكنها لن تصنع اتفاقاً، وبالتالي فإن السياسة تبقى مجسّدة للعمل الاقتصادي حتى مع عولمته وآفاقه المفتوحة وعبورة الآفاق، غير أن أهمية الأدوار للدول العظمى تفرض جميع أسلحتها من أجل تنفيذ ما يؤكد مصالحها، وأمريكا حتى مع العجز المالي وتردد الرئيس في اتخاذ قرارات حرب، تبقى القوة الراجحة على الجميع، ويأتي هذا الإقرار من أنها المرجح للسلام والحرب في مسار ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم…

الرياض

فرصة أوباما لاستعادة الزعامة؟/ حازم صاغية

قد توفّر سوريّا للرئيس الأمريكيّ باراك أوباما الفرصة التي تعادل ما سيوفّره أوباما لسوريّا عبر ضرب نظامها أو إضعافه نوعيّاً.

ففي الأسابيع القليلة الماضية بات الحديث عن ضعف أوباما واحداً من المواضيع المجمع عليها في التحليلات الأمريكيّة والغربيّة عموماً. حتّى الضربة العسكريّة للنظام السوريّ، التي صار حصولها شبه مؤكّد، خصوصاً وقد حصل أوباما على دعم أقطاب الكونغرس من الحزبين، لا تلغي المعاني التي تضمّنتها دعوته للوقوف على رأي الكونغرس. ذاك أنّ تعزيز الضربة وتشديدها، ممّا سيؤمّنه له الكونغرس، هو، في وجهه الآخر، اعلان عن رغبة الرئيس الأمريكيّ في توسيع قاعدة من يتحمّلون مسؤوليّتها فلا تقتصر عليه وحده. وهذا أمر تزايد إلحاحه بعد تصويت أكثريّة مجلس العموم البريطانيّ ضدّ المشاركة الحربيّة لبريطانيا.

قبل ذلك تراوحت الطريقة التي اتّبعها أوباما في التعامل مع تحوّلات “الربيع العربيّ”، ولا سيّما مع الثورة السوريّة، بين محاولات التنصّل والتحايل وبين البطء والتعثّر. هكذا بات يمكن القول في أوباما ما قاله الرئيس الفرنسيّ السابق جاك شيراك في الرئيس الأمريكيّ السابق بيل كلينتون حين كان التردّد الأمريكيّ حيال حرب البلقان في أشدّه: “إنّ مقعد قائد المعسكر الحرّ شاغر”.

صحيح أنّ المعارضة السوريّة فشلت فشلاً ذريعاً في مخاطبة الرأي العامّ الأمريكيّ والغربيّ وفي تغييره لصالحها، فيما عمل الدور المتعاظم الذي اضطلعت به الأطراف الجهاديّة السوريّة وغير السوريّة على المزيد من تنفير الرأي العامّ المذكور. بيد أنّ هذا لا يقلّل من أهميّة الدور القياديّ في العالم، خصوصاً أنّه يعني الولايات المتّحدة وصورتها وصدقيّتها بشكل مباشر.

وفي هذه الحدود كان ما يضاعف الاستغراب حيال السلوك الأوباميّ تذكّر الأدوار المفصليّة التي لعبتها واشنطن في العالم. فهي التي عجّلت في حسم الحرب العالميّة الثانية، وقد جرت بعيداً عن أرضها، وفي إنقاذ أوروبا تالياً. وقد يقال إنّ الأوروبيّين والروس، بتضحياتهم الجسيمة، كان يمكنهم التغلّب على ألمانيا النازيّة. لكنّ المؤكّد أنّ الانخراط الأمريكيّ في الحرب هو الذي ضمن سرعة الحسم كما ضبط الأكلاف، وإلاّ فإنّ أوروبا كانت مرشّحة لأن تُدمّر عن بكرة أبيها قبل تحقيق الانتصار.

وبعد الحرب، أخذت واشنطن على عاتقها الأمن الاقتصاديّ للعالم، خصوصاً من خلال مشروع مارشال للإعمار، قبل أن تتولّى الدفاع ثانية عن أوروبا في الحرب الباردة. وإنّما بفعل هذا الجهد المضني كسب العالم الحرّ معركة الثنائيّة القطبيّة وانهار الاتّحاد السوفييتيّ كما زال تهديده للديمقراطيّات الغربيّة ما بين برلين وكوريا.

وبالمعنى نفسه كانت واشنطن، لا سيّما في الخمسينات والستينات، تخوض نزاعاً سياسيّاً مع حلفائها البريطانيّين والفرنسيّين لحملهم عن الانسحاب من مستعمراتهم القديمة. وقد جاءت هذه السياسة، التي بلغت ذروتها الدراميّة في مصر في 1956، تواكب مستجدّات ما عُرف بـ”التحرّر الوطنيّ في العالم الثالث”.

لا شكّ أنّ أوباما في انسحابه من هذا التطلّع القياديّ إنّما جاء محكوماً بحروب جورج دبليو بوش وإخفاقاتها التي تبدّت واضحة في العراق وأفغانستان.

في هذا المعنى كان الانكفاء الى الداخل الذي عزّزه انفجار الأزمة الماليّة والاقتصاديّة في الولايات المتّحدة وعموم العالم. وفي هذا السياق يمكن القول إنّ ما فعله الرئيس الحاليّ هو النقيض الكامل لما كان قد أقدم عليه الرئيس الراحل رونالد ريغان في الثمانينات: فهذا الأخير انطلق من إخفاقات السياسة الخارجيّة لسلفه جيمي كارتر، خصوصاً في إيران، كما انطلق من الشعور الأمريكيّ الخانق والشالّ بـ”عقدة فيتنام”، معتمداً سياسة هجوميّة اضطلعت بدور مهمّ في إنهاء الاتّحاد والمعسكر السوفييتيّين.

ولربّما جاز القول إنّ الضربة المتوقّعة للنظام السوريّ هي مقدّمة التحوّل لملء المقعد الشاغر الذي تحدّث عنه شيراك. فالأوباميّة التي أحدثت تحوّلات تقدّميّة في الداخل الأمريكيّ، لم يعد في وسعها أن تمضي متخفّفة من مسؤوليّاتها وواضعة العالم الخارجيّ بين هلالين أو مفترضة أنّ الحروب باتت من الماضي.

وهذا ما يتركنا أمام سؤال مُلحّ: متى يحلّ نوع من التوافق بين نهج تقدّميّ في السياسات الداخليّة ونهج صارم، من غير أن يكون عدوانيّاً، في السياسات الخارجيّة؟ ألا يحيل ذلك إلى عهدي روزفلت في الثلاثينات والأربعينات؟

الحياة

“الضربة|: تحجيم قدرات النظام ودعم المعارضة تمهيداً لـ “جنيف – 2″/ عادل مالك *

في هذه الأيام الكل يصرف فعل «ضرب» ومنها اشتقاق كلمة «الضربة»، حيث يعيش العالم على وقع التساؤلات: هل هناك ضربة أميركية لسورية ثأراً وانتقاماً من نظام الرئيس بشار الأسد بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية. وبمعزل عن الأدلة ومدى جديتها وصوابيتها فالواضح حتى اللحظة، أن «الضربة العسكرية الأميركية» يعتبرها البعض بديلاً عن عدم تمكن قوى الغرب الأميركي منه والأوروبي من تزويد الجيش السوري الحر «بالمساعدات التي وعد بها»، على أن يكون نتاج مثل هذه «الضربة» الإسراع في التوجه إلى مؤتمر «جنيف – 2» للمضي في الحل السياسي المطروح بين نظام بشار الأسد ومعارضيه. وفي الخوض في بعض التفاصيل: من الطبيعي أن تكون سورية قد اتخذت كل التدابير الوقائية قدر المستطاع مقابل الضربة المتوقعة حيث أفادت معلومات من مصادر موثوقة بأن الروس زودوا الرئيس بشار الأسد حزاماً أمنياً يردع الصواريخ التي ستطلق من البوارج الأميركية الراسية على مقربة في البحر الأبيض المتوسط، وفي أماكن أخرى.

لكن تداعيات مثل هذه الضربة لو وقعت اليوم أو غداً أو بعد غد لن تقتصر على سورية فحسب بل على دول الجوار، وفي الطليعة لبنان الذي يستقبل الآلاف من السوريين الوافدين إليه حيث يعاني مما يمكن تسميته «الانقلاب الديموغرافي»، إذ عندما يدخل إلى عدد سكانه الأصليين هذا العدد الكبير والهائل والذي يتزايد ساعة بعد ساعة مع اقتراب موعد 9 أيلول (سبتمبر) الحالي وهو موعد استئناف الكونغرس الأميركي لمداولاته. وإضافة إلى الزحف الهائل باتجاه لبنان هناك التدخل المباشر من مختلف الأفرقاء المعنيين بالأحداث. ففريق يراهن على تجاوز النظام هذه الأزمة، فيما تراهن أطراف أخرى على سقوط هذا النظام، ولكل طرف حساباته. ولكن إذا كان لبنان يخشى تداعيات ما تشهده الساحة السورية من عمليات ارتدادية للزلزال السوري الآتي، فكيف هي حال الوطن وسط كل هذه الأجواء البركانية؟

أيلول 1920 – أيلول 2013: ثلاثة وتسعون عاماً من عمر إعلان «لبنان الكبير». ولولا كلمة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بالمناسبة، لمرت الذكرى مرور الكرام وسط كل ما ينوء به الوطن من أعباء ثقيلة.

وجاء خطاب الرئيس فرصة للإضاءة على حال الجمهورية وما هي غارقة فيه من شؤون وشجون، لذا تضمن كلامه الكثير من الرسائل، لعل من كانت لديه أذنان فليسمع.

وحول أبرز محطات هذا الخطاب يمكن التوقف عند النقاط الآتية:

أولاً: قال: «نلتقي اليوم في صرح (قصر بيت الدين) يمثل رمزاً من رموز الحكم الوطني، وعلى بعد مسافة قصيرة من دير القمر عاصمة الأمراء الذين تميز حكمهم بالانفتاح وبالتقاء الجبلين الشمالي والجنوبي في بوتقة واحدة قبل أن يضم الأمير فخر الدين الثاني الكبير بيروت وبعض المدن ويتمدد إلى الجنوب والبقاع وسهل عكار».

يضيف: «هذا اللبنان الكبير الذي اعترض عليه قسم من اللبنانيين في البداية منشدين الوحدة السورية أو العربية أو أولئك المتمسكون بالحماية الأجنبية، يتمسك به اليوم جميع أبنائه وطناً نهائياً بعدما عمدوه بدماء شهداء المقاومة والتحرير والسيادة والاستقلال عن الانتداب والاحتلال والوصاية والارتهان».

ثانياً: يقول الرئيس ميشال سليمان: «لبنان الكبير أعلن كبيراً وظل كبيراً على رغم التحولات الدولية منذ سايكس – بيكو، وعلى رغم الحروب في الشرق الأوسط ولبنان، فلا حلم سورية الكبرى استطاع تصغيره، ولا أطماع إسرائيل الكبرى نجحت في ابتلاعه… وكما رفض اللبنانيون دويلة صغيرة ضمن مشاريع الهلال الخصيب في الأربعينات والفيديرالية السورية – العراقية – الأردنية – اللبنانية ولم يتفقوا على مشاريع الوحدة العربية في الخمسينات رفضوا بقوة الانجرار إلى مشاريع التقسيم خلال حروب السبعة عشر عاماً في لبنان وعليه، وأثبت عن حق أنه أكبر من أن يبتلع وأصغر من أن يقسم».

وهذه العبارة بالذات يعلن العماد ميشال عون أبوته لها في أكثر من مناسبة، وليس مهماً الاختلاف على «حقوق المؤلف» لمن تذهب، بل الأهم هو العمل على توسيع قاعدة التفاهم المشترك بين اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم.

في هذه الظروف المصيرية والمفصلية التي تحاصر الوطن من كل جانب ومن التاريخ الغابر إلى الواقع المعيش، ويرسم صورة تمتزج فيها الأمنيات وبالوقائع حيث قال: «إن لبنان الكبير» كان وسيبقى بلد المكونات الطائفية المتشاركة لا بلد الأكثريات الساحقة والأقليات المسحوقة.

وعن واقع الإقليم في شكل عام يرى الرئيس سليمان «أن لبنان الكبير الذي كان نشازاً عن محيطه في الحرية والليبرالية السياسية والاقتصادية صمد حتى أصبح نموذجاً تقاتل الشعوب المنتفضة لاستنساخ تجربته في الحرية والديموقراطية على رغم شوائبها الكثيرة».

ويستحضر الرئيس سليمان صفحات من التاريخ اللبناني المضيء، مذكراً ببعض طروحات ميشال شيحا ليقول: «أثبتت المحن والتجارب أن ما تخسره المؤسسات السياسية الشرعية يربحه الشارع، لذلك فإن لبنان لا يمكن ويجب ألا يكون بلد التهور والمجازفة، هو بلد يجب أن تحميه التقاليد من العنف، كما كتب ميشال شيحا» ليخلص إلى القول: «نؤكد على الأطراف الداخلية والخارجية كافة ضرورة تحييد لبنان أرضاً وجواً وشعباً عن تداعيات ما قد يحصل من تطورات عن فعل أو رد فعل»، والإشارة هنا واضحة إلى الوضع السوري المتفجر والملتهب، انتظاراً لقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما في ما يتصل بالموقف من سورية بعـد قـرار الكونغرس بـ «توجيه ضربة محدودة لا تـستهدف إسقاط نظام بشار الأسد» وفق التوصيف الأميركي.

وفي محاولة واضحة من الرئيس سليمان للتعبير عن حال الضيق التي يـشعـر بـها نـتـيـجـة الأزمـــــة القـائمة وتداعياتها حيث نـاشد الأفرقاء كافة ضرورة تطبيق «اتفاق الطائف» وعدم اللجوء إلى التعطيل أو المقاطعة أو إسقاط النصاب في الاستحقاقات كافة، وأعني هنا وجوب تسهيل مهمة رئيس الحكومة لممارسة صلاحياته إلى جانب رئيس الجمهورية الإسراع في إصدار التشكيلة الحكومية.

وينتهي رئيس الجمهورية إلى القول في ما يشبه الصرخة على الوطن والعمل بشتى الوسائل على عدم التفريط به قال هاتفاً… «ندعو جميع المواطنين، لا سيما منهم الشباب إلى المناداة بأعلى صوت وبكل الأساليب الديموقراطية بتطبيق «إعلان بعبدا» ولا تترددوا في إقامة عاميات على غرار عامية انطلياس عام 1840 في أرجاء الوطن كافة من أجل تطبيق «إعلان بعبدا» لتعيشوا كراماً».

ومع كامل الاحترام والتقدير لمقام رئيس الجمهورية ومن قبيل الحرص على من هو مؤتمن بالحفاظ على لبنان وعلى دستوره نطلق بدورنا، وبكل تواضع صرخة لنقول: ما أبعد اليوم عن البارحة!

وبعد الاستفاقة من الحلم التاريخي والعودة إلى الحاضر لتلمس الوقائع اليومية للبنانيين، في مختلف طوائفهم ومذاهبهم، ومناطقهم لنلاحظ حال الشلل السائدة في طول الجمهورية وعرضها، فلا حكومة في الأفق، حتى كتابة هذه السطور، ولا تمكين لمجلس النواب من الانعقاد للتداول في تشريع القوانيين المختلفة.

هذا على الصعيد السياسي العام… لكن، إذا ما استعرضنا الوضع الأمني نواجه بالواقع المر والحزين، إذ يعيش لبنان على وقع ما بين انفجار وانفجار هناك انفجار، الأمر الذي أوجد حالاً من الذعر من دون تفرقة بين ضاحية بيروت الجنوبية وشمال لبنان وجنوبه وبقاعه. وإذا كنا نقدر الجهود التي يبذلها وزير الداخلية مروان شربل، ضمن الظروف المتاحة فهو يصارح اللبنانيين بالقول… لا يمكننا تأمين حمايتكم جميعاً! وهو يعكس بذلك المثال الشعبي المأثور: «العين بصيرة واليد قصيرة».

وبعد…

إن التساؤل ما إذا كان «لبنان الكبير» الذي ولد في عام 1920 سيبقى «كبيراً» مرده إلى المخاوف من احتمال تعرض الوطن الصغير إلى ارتدادات الزلزال السوري حيث لا طاقة له على تحملها، وهنا تأتي أهمية اللبنانيين المنخرطين في الصراع السوري فضلاً عن نتائج الانقلاب الديموغرافي.

ألم يحن الوقت بعد للإقناع في «الوطن النهائي»، أن لا خيار أمام اللبنانيين سوى التمسك بالوطن مقابل أي نوع من أنواع الضغوط أو الإغراءات من هنا أو من هناك؟

تحبون لبنان؟ فعلاً! كونوا لبنانيين أولاً… والبقية تأتي لاحقاً.

وفي العودة إلى محور هذا المقال للإشارة الى ما يأتي: قيل إن الرئيس باراك أوباما اتخذ قراره بتسديد ضربة أو ضربات ضد سورية النظام قبل أن يطلع على تقرير فريق المراقبين الدوليين المولجين بهذا الأمر بعد الحصول على عينات من ضحايا السلاح الكيماوي.

ومع شعور البعض بأن الضربة الأميركية ليست قدراً نهائياً بانتظار تسوية اللحظات الأخيرة، يتذكر البعض زمن صدام حسين في العراق وفق الشعار الآتي: يتم تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهمين. ثم يجري البحث عن الأدلة!

* إعلامي لبناني

الحياة

الحل الوحيد في سورية/ جهاد الخازن

الضربة العسكرية الأميركية للنظام في سورية، كما وعد الرئيس باراك أوباما أو أوعد، ستبدأ بعد 48 ساعة أو 72 ساعة، وقد عارضتُها لأن هدفها ليس إسقاط النظام أو تمكين الجزء الوطني من المعارضة، وإنما معاقبة النظام على استخدام السلاح الكيماوي، فيما الولايات المتحدة هي آخر بلد في العالم يحق له معاقبة الآخرين بعد دورها المستمر في دعم الاحتلال الإسرائيلي بالمال والسلاح رغم جرائم الحرب التي يرتكبها كل يوم.

هل من مخرج؟ عندي اقتراحات تحمل صفة المفاجأة، تماماً كما فعل الرئيس الأميركي وهو ينقل المسؤولية عن الضربة القادمة إلى الكونغرس، فإذا أيدها يصبح شريكاً فيها، وإن عارضها يقول الرئيس: أردتُ معاقبة نظام الأسد ولكن الكونغرس رفض.

أقترح التالي:

– يعلن الرئيس الأسد وقف إطلاق نار شاملاً وفورياً في كل أرجاء سورية، ويتعهد بألا تطلق القوات المسلحة النار إلا في حالة تعرضها لهجوم، ثم يتحدى المعارضة أن ترد بوقف مماثل يحفظ حياة السوريين.

– يتعهد بألا يرشّح نفسه للرئاسة بعد انتهاء ولايته الحالية في 2014.

– يحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات برلمانية ورئاسية قبيل انتهاء ولايته الثانية، على أساس أول دستور سوري بعد الاستقلال سنة 1946 (دستور 1950)، ويطلب أن تُشرف جامعة الدول العربية والأمم المتحدة على إجراء الانتخابات.

– يُعدّ النظام الجديد دستوراً جديداً لسورية.

– يشترط أن تُطرد العناصر الإرهابية مثل النصرة من سورية، وأن يحارب الإرهابيون الأجانب الذين يدينون بالولاء للقاعدة (هذا يناسب أميركا)، وربما اشترط لاحقاً منع الإخوان المسلمين السوريين من ترشيح عضو في الجماعة للرئاسة (هذا يناسب الدول العربية المحافظة).

– يعلن الرئيس قبول استقالة الحكومة ويدعو المعارضة الوطنية مثل الائتلاف الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي والمجلس الوطني الكردي والمنبر الوطني الديموقراطي إلى المشاركة في حكومة وحدة وطنية يحتفظ لنفسه فيها خلال الفترة الانتقالية، حتى انتخاب رئيس جديد وبرلمان، بوزارتي الدفاع والداخلية، ويترك للمعارضة الاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها.

– يعلن الرئيس عفواً عاماً عن كل الجرائم التي ارتُكبت خلال الثورة بين آذار (مارس) 2011 وانتخاب الرئيس الجديد والبرلمان، ويطلب أن يوافق النظام التالي على هذا العفو.

– يتحدى الرئيس الدول العربية القادرة على وضع خطة لإعادة تعمير سورية، فبعضها أيّد المعارضة الوطنية وبعضها سلّح الإرهابيين، ويقول على سبيل التشجيع أن يبدأ بناء ما تهدّم فور تركه الحكم حتى لا يُقال إنه يريد ادعاء الفضل في التعمير.

– ربما ضم البيان الرئاسي إشارة إلى الأكراد السوريين في شمال شرقي البلاد، فيدعو إلى منحهم حكماً ذاتياً واضحاً ومحدوداً داخل الدولة السورية، يَصلح نموذجاً للتعامل مع الأكراد في البلدان المجاورة.

كل ما سبق يمكن إعلانه في عشر دقائق بدل ساعتين، وأتوقف هنا لأقول إنني اقترح وليس عندي ذرة أمل بأن يقبل النظام السوري رأيي، فهو لو اختار الحكمة بدل القتل لما شهدنا المأساة المستمرة، ولكان مئة ألف سوري، بينهم أطفال، على قيد الحياة، ولما كان هناك زجاج مكسور في نافذة واحدة في حمص، التي شهدت دماراً وكأن مدينة خالد بن الوليد تعرضت لقنبلة نووية.

في التوراة «على من تقرأ مزاميرك يا داود»، وأنا لا أؤمن بداود ومزاميره، ولا أؤمن أيضاً بأن النظام قادر على شيء غير الحل الأمني فهو اختاره من اليوم الأول، وفشل شهراً بعد شهر ولا يزال ماضياً فيه بعد أن فشل 30 مرة.

أيضاً أُدرك أن الذين ارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري لا يستحقون عفواً، ولكن أصر على أن يكون العفو جزءاً من الحل (الوهمي) لأن من دون العفو سيستمر القتلة في القتل دفاعاً عن أنفسهم، وإدراكاً منهم أي مصير ينتظرهم لو خسروا المواجهة.

اقتراحاتي هدفها الأول والأخير حماية أرواح السوريين، ولعلي دخلتُ في نوع من الحلم أو الهلوسة فأرخص شيء في سورية هذه الأيام هو حياة الإنسان.

الحياة

سقوط المناورة الروسية الأخيرة/ راجح الخوري

الاستعراض السياسي المضحك الذي قدمه فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين لم يمر، فقد حاول ان يصيب عصفورين بحجر واحد : انقاذ النظام السوري من الضربة العسكرية، وبالتالي اظهار باراك اوباما وكأنه مسخرة، او كما وصفته دمشق “جبان ومضطرب وممثل مسرحي”، لكن النتيجة لم تكن لمصلحة هذه المناورة الروسية الفظة، التي حاولت استبعاد الضربة العسكرية ضد الاسد، بالحديث عن ضرورة العودة الى الشرعية الدولية ومجلس الامن !

لقد بدا بوتين نفسه في موقع المسخرة لأنه هو الذي يعطّل الشرعية الدولية ويغلق مجلس الامن بالفيتو منذ ثلاثة اعوام، لهذا لم يكلف اوباما نفسه عناء التصدي للمناورة الروسية، بل ترك لسفيرته سمانثا باور ان تصفع الباب في وجه موسكو عندما اعلنت بالتزامن من مناورات بوتين : “ان اميركا تنفض يدها من مجلس الامن في الازمة السورية” وانها لن تحاول الحصول على موافقة المنظمة الدولية على الضربة العسكرية ضد سوريا لأن روسيا تتخذ من مجلس الامن رهينة، وهو ما سمح للنظام السوري باستخدام الغاز السام ضد اطفال ابرياء !

لم يكتف بوتين بالدعوة الى ضرورة العودة الى مجلس الامن ولو كان يقفله بالشمع الروسي – الصيني الاحمر، بل تعمّد ان يقدم على هامش قمة العشرين لوحة من الديكور السياسي السخيف، عندما إستحضر الاخضر الابرهيمي نافضاً عنه غبار النسيان وركام إهانات الاسد، ليضعه الى جانب بان كي مون الذي من واجبه الاخلاقي والقانوني الاستمرار في الحديث عن ضرورة دور الامم المتحدة، كل هذا في سياق السعي المضحك والمكشوف للإيحاء بأن هناك بعد فرصة للحل السياسي عبر الامم المتحدة .

سيرغي لافروف بدوره لم يتردد في محاولة دعم هذه المناورة بالاعلان عن ان وليد المعلم سيزور موسكو مباشرة بعد القمة، للإيحاء ايضاً بأن هناك بعد فرصة للحل قبل ان تتساقط صواريخ كروز وتوما هوك على رأس النظام السوري، لكن كلام باور كان جازماً عندما قالت : ” من الضروري احياناً الذهاب في اتجاه آخر خارج مجلس الامن حينما يصل المجلس الى طريق مسدود”، واستشهدت على ذلك بالحرب في كوسوفو عام 1999 عندما كان الروس يقفلون مجلس الامن بالفيتو كما يحصل الآن .

من خلال المناقشات والمواقف في سان بطرسبرغ، بدا ان بوتين خسر آخر مناوراته لإنقاذ حليفه بشار الاسد، ولو عبر المناورات المعيبة التي لا تليق بدولة كبرى مثل روسيا، لم تتردد منذ بداية الازمة في افشال كل الحلول السلمية ومضت في تغطية حمامات الدم التي تجري بالسلاح الروسي وها هي كمن يرقص على قبور الاطفال، تحاول مسح جريمة الكيميائي في الغوطتين بذقون “الارهابيين”!

النهار

أميركا وروسيا … اختبار القوة/ سميح صعب

الاندفاع الاميركي نحو الخيار العسكري، يجعل سوريا حقل الاختبار الاساسي لمكانة اميركا الاستراتيجية في الشرق الاوسط والعالم. الرئيس الاميركي باراك اوباما يبدو كأنه اسيتقظ الآن على حقيقة اهتزاز هذه المكانة في الاعوام الاخيرة.

ولم تكن التقارير عن استخدام السلاح الكيميائي وحدها هي التي ايقظت الولايات المتحدة وجعلتها تبدو كعملاق جريح. إذ ان إقدام الجيش المصري على اسقاط حكم “الاخوان المسلمين” في مصر، على رغم 17 مكالمة هاتفية بين وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل ونظيره المصري الفريق اول عبد الفتاح السيسي، كان مؤشراً لانحدار كبير في مستوى الهيبة للولايات المتحدة بصفتها الدولة العظمى في العالم.

قبل اكثر من 22 عاماً ، جعل الرئيس الاميركي جورج بوش الاب، العراق ميداناً لتتويج الولايات المتحدة القطب الوحيد في العالم عقب خروجها منتصرة من الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي السابق. وأتى جورج بوش الابن عام 2003 ليكمل حرب العراق وليجعل اميركا قوة قادرة على العمل بمعزل عن الامم المتحدة وليخوض عملية “بناء الامم” في العراق وفي افغانستان.

وبعد هاتين الحربين والانهاك الاقتصادي الذي اصاب اميركا بسببهما، أتى باراك اوباما كي يستعيد اميركا من المغامرات الخارجية الفاشلة وليركز على انتشال البلاد من ازمتها الاقتصادية والاجتماعية. فانسحب من العراق وهو يعد العدة للانسحاب من افغانستان. وفي مرحلة الانهاك الاميركي نتيجة الحروب الخارجية، نهضت روسيا مجدداً لتخوض غمار مواجهة باردة جديدة مع اميركا انطلاقاً من سوريا.

وكما يريد اوباما ان يجعل سوريا نقطة لتذكير العالم بان العصر الاميركي لم يأفل نجمه بعد، تخوض روسيا اليوم معركة استعادة المكانة الدولية التي كانت تتمتع بها ايام الاتحاد السوفياتي، ولتعيد تشكيل نظام عالمي جديد ينهي عهد القطب الواحد.

واذا ما خسرت واشنطن المعركة في سوريا اليوم، فهي مهددة غداً بخسارة مصر في شرق اوسط يتغير بايقاع متسارع ويوفر نموا لتنظيم “القاعدة” من اليمن الى العراق الى سوريا وليبيا وشبه جزيرة سيناء. وبذلك تتحول سوريا حقل اختبار لقدرة اميركا على البقاء لاعباً وحيداً في العالم.

وفي الوقت عينه تراهن روسيا على ان تكون سوريا المنصة التي تنطلق منها للدفع نحو تشكيل عالم متعدد القطب، يضع حداً للسيطرة الاميركية المطلقة على العالم ويفرز نظاماً دولياً جديداً معاكساً لذلك الذي ولد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وللمرة الاولى منذ انتهاء الحرب الباردة، يصل التوتر الى هذه الذروة بين واشنطن وموسكو. وهذا دليل آخر على الاهمية التي تشكلها سوريا في ترجيح هذا المعسكر او ذاك.

النهار

بعد الضربة جنيف – ٢ بلا بشار/ علي حماده

على الرغم من الصعوبات التي تعترض طريق الرئيس الاميركي باراك اوباما داخل جدران “كابيتول هيل” (مقر الكونغرس) لانتزاع تفويض من الكونغرس بمجلسيه لتوجيه ضربة الى النظام في سوريا، ردا على استخدام الاخير اسلحة كيميائية، فإنه حسبما يبدو يسير قدما في اتجاه الحصول على التفويض في ضوء الحملة الكبيرة التي يقوم بها واركان ادارته من اجل ذلك.

واذا كان من درس يستفاد منه من هذه المعركة الداخلية والخارجية التي يخوضها اوباما، ان القوى الدولية التي تقف ضده بقوة ولا سيما روسيا، وعلى الرغم من تحصّنها بمجلس الامن لكي تعرقل الخطوة الاميركية، لم تقدم اي ادلة جدية على عدم تورط نظام بشار الاسد في استخدام السلاح الكيميائي صبيحة يوم ٢١ آب الفائت، ولا حتى حاولت ان تقدم ادلة (غير الخطاب الخشبي) على اتهامها المعارضة بأنها هي التي استخدمت تلك الاسلحة، ناهيك ببقاء الرواية الرسمية للنظام التي ساقتها بثينة شعبان، والتي تزعم ان المعارضة خطفت مواطنين من ريف اللاذقية وساقتهم الى غوطة دمشق لتقصفهم بالسلاح الكيميائي، وتستخدم ذلك ذريعة لاتهام النظام، لم تكن اكثر من “فانتازيا” تزويرية للنظام.

لقد بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال هذه الازمة متعاليا ومتعجرفا، وحاول اهانة اوباما في عقر داره عبر ارسال وفد من الدوما الروسي الى واشنطن ليجتمع بقادة من الكونغرس الاميركي لحضهم على رفض طلب اوباما بمنحه التفويض. وكانت هذه الخطوة سيئة في اطار العلاقات العامة، اذ ووجهت برفض رئيس مجلس النواب الاميركي لقاء الوفد.

في مطلق الاحوال، اذا استحصل اوباما على التفويض، فإنه يصبح في موقع قوة لكونه مدعوما من الكونغرس الاميركي، وسوف يتمكن في الايام القليلة المقبلة من توسيع اطار التحالف الدولي الذي يدعمه في توجيه الضربة. واذا لم ينتزع الرئيس التفويض، ولم يمارس صلاحياته الرئاسية بأن يأمر القوات الاميركية بتوجيه الضربة، فإن مفصلية ما حدث يوم ٢١ آب الفائت أدت في كل الاحوال الى تغيير في طبيعة المواجهة في سوريا، اولا من حيث قرار دعم المعارضة المسلحة (الجيش السوري الحر) بسلاح اكثر تطورا لقلب موازين القوى على الارض عاجلا ام آجلا، ووضع بشار الاسد وبطانته تحت المجهر في انتظار ان يرتكب خطأ آخر يفتح الباب امام ضربة اكبر. اكثر من ذلك، فإن دفع الاميركيين موضوع استخدام السلاح الكيميائي من النظام في سوريا الى الواجهة بهذا الشكل، وضع بشار الاسد شخصيا ومقربيه في اسوأ موقع، حيث يجري الحديث في معظم عواصم العالم عن انتهاء البحث في تسوية سياسية للازمة في “جنيف – ٢”، يكون بشار من ضمنها. لقد انتهى الكلام مع “بشار الكيميائي”.

النهار

المأزق بالضربة أو من دونها/ سليمان تقي الدين

ليست شعوب الغرب من يشن الحروب علينا. منذ حرب فيتنام اتسع الرأي العام الغربي المناهض للحرب خاصة في أميركا. قرارات الحرب اتخذتها الإدارات السياسية والعسكرية وليس الشعوب. في 11 أيلول 2001 وقف الشعب الأميركي غاضباً خلف إدارته رداً على اعتداء تعرض له أمنه الداخلي. لكن الشعوب لم تسأل رأيها في معظم الحروب خاصة الهجومية. ما نعرفه أن شعوب الغرب عبّرت عن إرادتها في الخروج من العراق وأفغانستان. انتخاب الرئيس باراك أوباما نفسه كان تأييداً للخروج من الحرب. حين يحصل نقاش واسع في الدول الديموقراطية الغربية، في الإعلام أو في البرلمانات، لا نتوقع تأييداً قوياً للحرب. هناك مجتمعات منشغلة بأولويات تقدمها الاجتماعي وأمنها واستقرارها، فضلاً عن معالجة مشكلات داخلية ناتجة عن الحروب وسباق التسلح.

هذا النقاش الدائر في المؤسسات الغربية الديموقراطية هو حاجة داخلية، لأن كلفة الحرب تقع على الشعوب وتؤثر في خياراتها السياسية.

أن يلجأ الرئيس الأميركي إلى تفويض من ممثلي الشعب مسألة تخص نظامه السياسي ومستقبل حزبه وما قد تعنيه الحرب الآن من دور قيادي لأميركا في نظام عالمي يخضع لمنافسة شديدة. قيل إن أميركا تنكفئ عن الشرق الأوسط لتركيز جهودها في مواجهة العملاق الصيني. هذه فرضية خاطئة أو على الأقل تصبح خاطئة حين يحاول أن يملأ الفراغ في المنطقة أقطاب دوليون أو تتوسع فيها أدوار القوى الإقليمية على حساب النفوذ الأميركي.

الرئيس الأميركي لا يستأذن ممثلي الشعب للقيام بعملية عسكرية هي في صلب صلاحياته الرئاسية، بل يعيد تكوين خيارات في السياسة الخارجية في مواجهة الروسي والصيني وعدم وحدة الموقف مع أوروبا الغربية، وما أصبح متداولاً في السياسات العالمية عن حرب باردة جديدة. لا يمثل الخلاف الأميركي الروسي حول سوريا إلا جزءاً بسيطاً من الصراع الدولي. فحين تتشدد روسيا في موقفها إلى هذا الحد في سوريا فإنما يعكس ذلك حجم الخلافات على ملفات دولية كثيرة.

وقف باراك أوباما حائراً وتراجع عن فكرة «الضربة المحدودة» التأديبية أو العقابية في سوريا، لأن الجدوى من تلك العملية المحدودة ضعيفة جداً وقد لا تعطي أية نتائج سياسية مؤثرة في الصراع. سوريا الآن ليست يوغسلافيا السابقة، وليست دولة معزولة عن التداعيات الإقليمية. فإذا لم تكن الضربة مؤثرة على الحلفاء الإقليميين والدوليين فسوف تكون تعميقاً للأزمة وتوسيعاً لدائرة العنف والفوضى. بهذا المعنى يحتاج أوباما إلى تفويض شعبي أو إلى توافق الحزبين (الديموقراطي والجمهوري) من أجل عمل عسكري أقوى وأكثر فاعلية قد يتدحرج إلى حرب إقليمية. ما يعد به الأميركيين هو عدم التورط في حرب برية ليس إلا، لكنه يدرك أن استيعاب الضربة العسكرية بعدم رضوخ خصومه سياسياً يحتاج إلى توسيع العمليات العسكرية وربما الدفاع عن حلفائه أو زجهم في المواجهة. وفي المقابل يعرف خصوم أوباما أن التفويض السياسي الشعبي إذا حصل عليه فهو سلطة استثنائية لعمل تدميري واسع. هكذا يلعب الجميع على حافة الهاوية مع الاحتفاظ بحق البحث عن مخارج ليس من بينها «هزيمة الإمبريالية» ولا التسليم للآخرين في المنطقة أن يتصرفوا بها كما هي الآن بتهديد العالم بالفوضى. ليس من حتميات لكن مأزق المنطقة أكبر وأعمق من الحديث عن ضعف الإمبراطورية الأميركية.

هذا المأزق لا تحلّه نظرية الأولويات بين الداخل والخارج، ولا المفاضلة البشعة بين الاستبداد والاستعمار. إن المسألة كانت ولا زالت في بناء مجتمعات ودول على مبدأ الحرية، فلا تقاوم الاستعمار بالعبودية، ولا تزيل العبودية بالاستعمار. فالمشكلة اليوم أنك لا تستطيع مقاومة الهجمة الاستعمارية بمجتمعات منقسمة على نفسها، ومتناحرة على هوياتها الفئوية، ومتوجسة بل ممزقة بما يطاولها من العنف المتبادل ومنطق القوة، وهي ضحية للإرهاب والترهيب من داخلها وبين جماعاتها السياسية.

نحن في مجتمعات لا تحتكم إلى الحوار والديموقراطية والتفاوض وكل وسائل السياسة الحديثة، بل إلى منطق الغلبة والعصبية والقوة. ولقد صارت القوة في مرتبة القتل والتصفية والتفجير والإقصاء والإلغاء فلا مرجعية سلمية لإدارة شؤوننا وخلافاتنا. وها نحن اليوم أمام موجة من العنف تعد بها المرحلة المقبلة فلا نعرف كيف نجتمع على أمر بما في ذلك أمننا واستقرارنا والدفاع عن وجودنا كشعوب. ومن الظاهر الجلي أن العدوان الغربي الجديد لن يحل مشكلة كهذه بل يغذيها ويوسع نطاقها ويفتح لجماعات العنف والتكفير والإلغاء من كل حدب وصوب لكي يبرّروا لأنفسهم ذلك.

وليس لنا أن نسأل اللبنانيين المتدخلين في الأزمة السورية عن مشروعهم وعن مصيرهم طالما هم لا يعرفون كيف يحلون مشكلات بلدهم وليسوا مستعدين لأدنى التضحيات السياسية، إذا كانت تضحيات، من أجل سلامة بلادهم وأمنها واستقرارها وحياة شعبها.

هم أنفسهم يتحدثون عن الحريق الآتي والمتطاير إلى جوار سوريا وكأنهم بذلك يحققون إنجازاً إذا خربت بلاد ودول أخرى. أو يعتقدون أن مواجهة الخارج بالمزيد من الفوضى والمزيد من الكوارث الإنسانية. هذه قوى وجماعات خارج السياق التاريخي وخارج فكرة التقدم الإنساني. إن المعيار الأساسي للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والوطنية هو في المجتمعات التي لا تقوم علاقاتها على العنف والغلبة والقهر والاستبداد. وهي التي تنشغل في تقدمها الاجتماعي وما يستجره من تقدم في الميادين الأخرى بما في ذلك بنيتها العسكرية للدفاع عن أمنها ووجودها. فهل ندرك أن العدوان علينا من الخارج يتكرر لأننا لا نعرف كيف تجب مقاومته؟

السفير

هل ستقع الحرب ولماذا؟/ بشار لقيس

هل السياسة استكمال للحرب بلغة أخرى؟ في رده على كلاوزفيتز عام 1976 راح ميشال فوكو يعيد انتاج علاقة الحرب وفق مقولات الهيمنة والسياسة. ثمة علاقة اطّرادية بين الحرب والسياسة كان نظام ما بعد «عصبة الأمم» قد أنتجها، وهي على الدوام قابلة لإعادة الإنتاج والاختبار على مسرح السياسة الدولي. بهذا المعنى، شكلت حرب 1956 لحظة من لحظات اختباره في الشرق الأوسط، مثلما شكلت حربا 1973 و1982، بنحو من الأنحاء، محاولات لاستعادة التوازن واختبار الردع عند أطراف المعادلة الداخلية فيه. ثمة نص يعرفها لمتحاربون جيداً، الحرب صنو اللغة، ومن شأنها أن تسدل على الواقع مضارع المنتصر أو القادر على فرض إرادته.

بعد اكتشاف احتياطات النفط العربية، كان ثمة استراتيجية مستجدة في عواصم الدول الكبرى في منطقة المتوسط تقتضي توازناً، صفري المحصلة، بين قوى اقتصادية عالمية ثلاث، الدول المحددة للتوجهات الصناعية العالمية، المستهلك الأول للطاقة، دول المجال الإقتصادي، وهي الدول التي شغلت محور رحى التنمية بموجب خطة ماريشال، ودول اعادة تدوير الاقتصاد، وهي دول أطراف، لكنها – بشكل أو بآخر – لازمة لاحتياج عجلة الاقتصاد العالمي. يومها تقاسم كل من الروس والأوروبيون والصينيون اقتطاعات المنطقة، وفق أولويات الأمن وجغرافيا تقاطع خطوط الماء والطاقة. حزام طوق منطقة المتوسط (إيران، تركيا، إثيوبيا) كان مقسماً على قوى العالم الثلاث; تركيا الأوروبية، إيران الروسية- الأميركية، وإثيوبيا التي كانت ولم تزل موطئاً صينياً بالمعنى السياسي والاستراتيجي. في العالم العربي نفسه اقتطعت أوروبا مناطق نفوذها التاريخي على طول ضفة حوض المتوسط، حافظت الصين على حضورها الدائم في اليمن ومعه القرن الإفريقي. فيما تآزرت روسيا في كل من موانئ المرسى الكبير، والاسكندرية وبور سعيد والحديدة، على طول خط التجارة العالمي، وهي قسمة لن تستمر بعد حرب حزيران 67.

مرة جديدة كانت حرب حزيران اختباراً لقدرة الردع والتوازن بين القوى المتنافسة عالمياً. عشية الخامس من حزيران، حجزت فرنسا وبريطانيا مقعدين لهما في نادي عجزة الأطلسي، دخل الأميركي والسوفياتي على خط المنطقة بشكل أكثر فاعلية، أُعيد توزيع المواقع والأدوار على مسرح المتوسط، فيما سارعت كيانات المنطقة لاحتياز وكالات اعتماد الدول الكبرى. بدا المشهد الأولي منقسما بين منظومتين شرقية وغربية، وأن لكل من هذه القوى توجهها الخاص والمتباين بحسبها. لقسمة الاقتصاد والسياسية عرى لم تغب عن فضاء المنطقة. تناوب الروس والأميركيون هذه المرة على تركة الميراث الاستعماري (الفرنسي- البريطاني)باعتبارهما محددتين للتوجهات الاقتصادية العالمية. حافظت أوروبا – فرنسا تحديداً- على مناطق تحفظ مجالها الأمني-في المغرب العربي-، فيما بدت الصين نائية، محافظة على ثبات موقعها في زحمة التحولات الكبرى التي شهدها العالم منذ منتصف الخمسينيات، ومع صعود الحرب الباردة منتصف الستينيات.

ثمة أحزمة جيوسياسية ثلاث تتقاطع عند منطقة المتوسط، الحزام الأمني الأوروبي ويتمثل بجدار دول حافة المتوسط، الحزام الأورو- آسيوي الروسي، والممتد من بودابست حتى بغداد. وحزام الداخل الآسيوي المناط بخط التجارة العالمي من مضيق مالاق او حتى مضيق جبل طارق على الحدود المغربية. لكل من هذه الأحزمة أولويتها وأهميتها بالنسبة لقوى الإقتصاد العالمي الثلاث.

مثلاً، تشكل دول حوض المتوسط بالنسبة لأوروبا جداراً يحول دون امتداد أزمات الجنوب ناحية أوروبا والشمال، بهذا المعنى يمكن اعتبار البحر المتوسط «بحيرة داخلية» بالمعنى الجيوسياسي والأمني الأوروبي، يشكل الحزام الأوروآسيوي صمام الأمان والحرب بالنسبة لروسيا – الأوراسية- يمتلك هذا الحزام امكانية لعب دور البديل الآسيوي للطاقة المصدّرة من روسيا لأوروبا، من خلال امداد تركيا لأوروبا بالنفط الآذري عبر حوض المتوسط (خط باكو- جيهان)، بينما يشكل الحزام الأخير ميراث الخطة الأطلسية القديمة «حلقة الأناكوندا» القاضية بإحكام السيطرة على المنافذ القارية لليابسة الأوراسية، والذي تكفلت أميركا بشكل رئيس في تأمين أمنه وسلامة انتقال الطاقة فيه.

ترتسم عند هذه الأحزمة مؤشرات توازن أي من القوى المتنافسة. عشية سقوط أفغانستان بيد المجاهدين العام 1991، خسرت روسيا ممري حيدر آباد في الشمال، وبوابة الذهب في إقليم هلمند الاستراتيجيين، ومعهما خسرت ثغرة في الحزام الآسيوي الرابط بين خطوط التجارة التقليدية الصينية – الهندية ودول آسيا الوسطى. لقد فقدت روسيا بانسحابها من أفغانستان امكانية التأثير بخط التجارة الصينية الأوروبية مثلاً، مثلما فقدت بخسارتها العراق العام 1990. ومعه بعض من دول أوروبا الشرقية، امكانية التأثير في خط مرور الطاقة جنوب البحر الأسود.

ما بعد الحرب الباردة، كان مفصلاً مهماً، دفع بالدول الإقليمية لإعادة تشكيل خيوط المسألة السياسية برمتها. سادت المنطقة مرحلة من الفراغ الاستراتيجي، بدت كل من تركيا وإيران باحثتين عن دور يملأ هذا الفراغ. إيران الثورة كانت تعد بتمدد ناحية ضفاف المتوسط لتدخل في مواجهة مفتوحة وصريحة مع الغرب الأميركي والأوروبي. تركيا «البانطورانية» (نسبة إلى جذرها القبلي البانطوراني الممتد على طوال دول آسيا الوسطى)كانت قد رفعت شعار «العالم التركي من الأدرياتيكي إلى سور الصين العظيم». داوود أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي» ما فتئ يذكّر بأن «الدفاع عن اسطنبول يبدأ من ساراييفو، مثلما أن الدفاع عن شرق الأناضول يبدأ من شمال القوقاز وغروزني». بدا كل من الشرق الأوسط والبلقان ساحتين لنشاط القوى المندفعة ومساحة تتقاطع فيها المنافسة الدولية. أميركا ستتدخل على خط أزمة يوغوسلافيا منذ منتصف التسعينيات لتقترب من خطوط انتقال الطاقة من آسيا الوسطى، روسيا ستقابلها بتزويد قبرص اليونانية بصواريخ أس 300 لوقف المشروع التركي لنقل الطاقة من أذربيجان، أوروبا التي ستقدم بعد مؤتمر منظمة التعاون والأمن الأوروبية في بودابست للسيطرة على مخارج خليج الإسكندرون وشرق البحر المتوسط – بضم قبرص للاتحاد الاوروبي -، أميركا ستوسع مبادرة الدفاع الاستراتيجي، بالتمدد في شرق أوروبا ناحية بولونيا والتشيك، وبدخولها لكل من أفغانستان والعراق،ستعيد من خلال هذا الدخول للهلال الممتد من شمال غرب تركيا إلى باكستان أولويته كحزام جيوسياسي رادع لروسيا عن أي امتداد جنوبي-غربي، وكحزام يحكم الطوق على»إيران» – جسر الأوراسيا الجديدة والمعضلة الأكبر في شبكة أمن الطاقة العالمية-.

هل ستقع الحرب على سوريا؟ لكل حرب مجالها وسياقها الخاص، وفق تقاطع الأحزمة وتوجهات الدول الإقليمية، بدا كل من الثلاثي الإقليمي (السعودية، إيران، تركيا) في حالة من النزاع والمراوحة في علاقته بالآخر، يدفع الروسي ومعه الإيراني للامتداد غربا واحكام الطوق على مضيقي هرمز وباب المندب. يوازن الإيراني بين تطلعاته الاستراتيجية، ومصالح الحليف الصيني في القرن الإفريقي، يدفع الأميركي بالسعودي للامتداد شمالاً لقطع الذراع الإيرانية في العراق، ويعيد توزيع الشراكة بين تركيا والسعودية لإنفاذ الطوق الأخضر في العمق الآسيوي عملاً بمبدأ كيسنجر. يدفع الأوروبي بالتركي هو الآخر للامتداد جنوباً لتأمين مجاله المتوسطي، تعهَد اوروبا لتركيا مهمة الامتداد في البلقان من خلال منح كوسوفو استقلالها عن صربيا. تقطع روسيا على تركيا امكان التمدد شرقاً بدخولها أوسيتيا عام 2008. تشتعل الحرب في سوريا، وتتنازع القوى الإقليمية ومعها الأطراف العالمية إزار الحرب، بامكان روسيا وإيران الحفاظ على ضفة شرقي المتوسط خارج مناطق مرور الطاقة عالمياً. بإمكان تركيا وأوروبا تسديد ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي ـ ومعه الأمن القومي الإيرني – بفتح منطقة شرق المتوسط لانابيب النفط الخليجي. بإمكان النظام في سوريا اشعال ضفة المتوسط بفوضى تثقل كاهل أوروبا. بإمكان إيران تهديد الاقتصاد الأميركي من خلال ضربات موضعية على طول خط التجارة العالمي.

هل ستقع الحرب على سوريا؟ يستدعي سؤال الحرب تأملاً في ما يمكن أن تفترضه هذه الحرب، أن تُضرب دمشق ويحتفظ النظام بحق الرد، قد يعني أن طهران خسرت إحدى أهم الأوراق، وأن جدارها صار مُشرّعاً للغرب بلا انفلات لقواعد اللعبة. أن تُضرب دمشق ويحتفظ النظام بحق الرد، قد يعني أن روسيا أناءت برحلها تاركة للغرب شرعة التقدير والتقرير، لما يحفظ مجالها في الشرق الممتد من الأوسط إلى البلقان. أن تُضرب دمشق ويحتفظ النظام بحق الرد، قد يعني عود لشرعة التدخل الإنساني – السياسي، وهو ما تعيه الصين وتحذره جيداً، مع ارتكاز قوات مشاة البحرية الأميركية في مجالها الإقليمي.

رويداً يعود السؤال من جديد فيما لو بادر النظام للرد. هل ستقع الحرب على سوريا؟

السفير

بشار الروسي.. وبوتين السوري/ فؤاد مطر

في محاولة خجولة من جانب أهل الحكم الروسي لتبديد مشاعر الدهشة إزاء موقف الرئيس بوتين من الموضوع السوري وكيف أن هذا الموقف غير مرحب به من حلقات في الطيف السوري الملتف حول الرئيس بشار الأسد، سرب أوساط الحكم معلومات مفادها أنه جرى وقف تصدير صواريخ وطائرات إلى سوريا. والقول إنه موقف غير مرحب به لأنه في ظاهره لمصلحة سوريا إلا أنه في حقيقة الأمر متاجرة بالمصير السوري، فضلا عن أن هذا الموقف يطيل المحنة السورية بما تسجله أيامها ساعة بعد ساعة من ويلات وتدمير وقتل وتهجير.

كما أن الموقف غير مرحب به من جانب الطيف السوري بمختلف تشكيلاته وانتماءاته المنتفض على النظام، لأنه عمليا مشاركة للنظام في أعمال القتل والتدمير ليس فقط لأن المدفع روسي والصاروخ روسي والطائرة روسية والذخيرة على أنواعها روسية، وإنما لأن حكم بوتين غير مكترث بكل هذه الويلات فلا يعترض في الحد الأدنى على استعمال قوات النظام لكل أنواع الأسلحة التي في الأصل لم تسدد أثمانها بالكامل والتي لم تزود مصانع السلاح الروسي على مدى سنوات النظام السوري بها لكي يستعملها ضد الشعب في مواجهات تستوجب معالجة عسكرية غير تلك التي تتواصل للسنة الثالثة على التوالي.

كما أن الموقف الروسي غير مرحب به عربيا لأنه في بعض جوانبه متاجرة بالدم السوري لتحقيق مكاسب على الأرض. وبدل أن يسجل بوتين وقفة إيجابية تخفف من أهوال المحنة نراه يعتمد مختلف أنواع المكائد والإصرار على استعمال «فيتو» لا يستفيد منه النظام لأنه سيزيده عنادا وإكثارا من الخطأ، كما إنه إرباك لمسعى التسوية السياسية لأنه يضيف تعقيدا إلى الكم الهائل من التعقيدات. هذا إلى أن الموقف الروسي جعل العرب المحافظين يعاودون التفكير في إغلاق بوابات الانفتاح على روسيا. وكان في استطاعة بوتين تليين الموقف بعض الشيء وبذلك لا يحرج الصين التي تميل ضمنا إلى الموقف المرن لكنها تحسب الحساب للمزايدة الروسية.

وللحيثيات نفسها فإن الموقف الروسي استمر غير موضع ترحيب معظم الدول والشعوب الإسلامية عدا إيران النظام مقابل انزعاج نسبة عالية من الطيف الإصلاحي الذي تمثله ملايين الأصوات التي اقترعت لمصلحة ترئيس حسن روحاني خلفا للرئيس محمود أحمدي نجاد.

طوال أكثر من سنتين حافلتين باستعمال نظام بشار الأسد معظم أنواع السلاح الروسي في تعامله مع الانتفاضة، كانت روسيا بوتين بسكوتها وتفسيرات غير نزيهة القصد من جانب وزير خارجيتها سيرغي لافروف متفرجة ومشجعة ضمنا، مع أنه كان على الرئيس بوتين أن يشترط، خصوصا خلال الزيارة التاريخية للرئيس بشار إلى روسيا قبل ثمانية أعوام، تحريم استعمال أنواع عدة من الأسلحة ضد الشعب السوري مهما استوجبت الظروف ذلك والتعامل مع حركات الاحتجاج المتوقعة نتيجة تغليب العلاج الأمني على الحوار بالخفيف من السلاح لا أكثر.. هذا إذا كان لا بد من ذلك. إلى أن حدثت واقعة السلاح الكيماوي التي ينطبق عليها اعتبار من يورده ومن يأمر باستعماله أو يعرف ولا يمنع أو يتقصد استعماله سيان من حيث مسؤولية إلحاق الأذى بالشعب. ووسط الضجيج الشامل عدا قلة من عرب ومسلمين وأجانب تحجرت قلوبهم فلم يذرفوا دمعة على منظر جثامين عشرات الأطفال والنساء وكبار السن الذين قضوا اختناقا من آثار السلاح الكيماوي الذي استعمل، بات لا بد من موقف أخلاقي وإن بنسبة بسيطة من جانب روسيا بوتين، فلا يلتزم الصمت أمام هذا المشهد المرعب الذي كان توأم منظر عشرات الأطفال والنساء الذين قضوا بفعل أحد صواريخ أميركا بوش الأب اخترق حتى ملجأ العامرية في بغداد المبني تحت الأرض من جانب خبراء فرنسيين ليكون الملاذ الواقي للناس في حال هجوم نووي، وأتى على مئات من الأرواح افترضت أنها ستنجو من الشر البوشي.

من هنا جاءت الاشتراطات الروسية والقول إن الاتهامات هراء ويجب أن تكشفوا عما لديكم من إثباتات. ولأنها اشتراطات تفتقد إلى الحس الإنساني ولكي لا يبدو بوتين أنه شريك في محنة تكابد منها سوريا بجناحيها، النظام ومن معه والمنتفضون عليه ومن يساعدهم، فإنه جرى تسريب معلومات مفادها أن روسيا أرجأت، وبعد خراب البصرة على نحو المثل الشائع، صواريخ أرض أرض من طراز «إسكندر»، كما أرجأت ولمدة ثلاثة أعوام تزويد النظام 12 طائرة مقاتلة ومنظومة الدفاع الجوي الصاروخية «S.300». وأما أسباب الإرجاء فإنها مادية وفنية على حد التبرير الروسي وليست لصحوة ضمير إنسانية. واللافت أن إرجاء التسليم في حال كانت المعلومات مؤكدة وليست مسربة لغرض في نفس بوتين يكون استباقا لقمة الثمانية الكبار التي يستضيفها بوتين وتلطيفا لموقف يفتقد إلى النزاهة يشمل تحديدا أنواع الأسلحة التدميرية بما في ذلك ربما السلاح الكيماوي، أي الأسلحة التي استعملت في المواجهة المجنونة منذ سنتين وبضعة أشهر.

وبالنسبة إلى الأسباب المادية ثمة مخاوف من أن تتحول أثمان هذه الصفقات المرجاة وغيرها من صفقات تتعلق بالذخيرة والصيانة إلى ديون لا أمل في أن يسددها نظام بشار الأسد لأن وضعه المالي في أسوأ حال ولأنه على مشارف الانصراف إسقاطا أو طوعا كما هو مستحسن وبعد خطاب اعتذاري المفردات واللهجة وليس كسائر خطبه في سنوات مضت. اعتذار من الشعب ومن أمته العربية التي آذرت القضية السورية طوال نصف قرن. وهو إذا انصرف فإن روسيا ستجد نفسها أنها ستكرر تقليص رقم الديون المتراكمة على سوريا بغرض استرضاء النظام الجديد علما بأنه لن يكون منفتحا على روسيا، أو اعتبار العلاقة مع سوريا الأسد بأنها كانت تجارة لا تنجي المتاجر الروسي بها من عذاب نار المحنة التي ذهب ضحية عناد نظام بشار أكثر من مائة ألف قتيل وأكثر من مائة ألف جريح وعدد كبير من المعاقين وبضعة ملايين من النازحين واللاجئين والتائهين.. هذا إلى إعادة سوريا كما العراق من قبل إلى مشارف العصر الحجري.

وتبقى في موضوع الديون الإشارة إلى أن روسيا بوتين وما غيرها ومن غيره ألغت نسبة من ديونها على سوريا عندما زارها الرئيس بشار في الأسبوع الأخير من شهر يناير (كانون الثاني) 2005 لكنها في الوقت نفسه زودته بالسلاح الذي استعمله لمواجهة انتفاضة كان من الممكن معالجتها بالحسنى. ولكنه العقل الذي أوجز الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أهميته بعبارة «ربي من وهبته العقل فماذا حرمته ومن حرمته العقل فماذا وهبته..».

والحديث يتواصل عن بشار الروسي وبوتين السوري.

الشرق الأوسط

تحديات إيران في الحرب على سوريا/ محمد السعيد ادريس

أيام، وربما ساعات قليلة، ويصبح خيار “الحرب على سوريا”، الذي ظلّ هاجساً يسيطر على مخططات معظم فصائل المعارضة السورية منذ فرض خيار عسكرة الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار الأسد، إلى واقع دموي ملموس . فلجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ بدأت تعد خطاب تفويض الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشن هذه الحرب، فكيف سيكون موقف إيران من هذه الحرب التي تراها عدواناً على الشعب السوري، وفي ظل قناعة إيرانية مفادها أن النظام السوري بريء من تهمة قصف غوطتي دمشق بأسلحة كيماوية يوم 21 أغسطس/ آب الماضي، وأن المعارضة السورية هي من ارتكب الجريمة البشعة مدفوعة من جانب أطراف داعمة .

السؤال تزداد أهميته في الوقت الذي تزداد فيه صعوبته لسببين أولهما، ما أوردته بعض المصادر الإعلامية من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن أنه “لا يستبعد الموافقة على شن عملية عسكرية في سوريا إذا ثبت استخدام دمشق سلاحاً كيميائياً”، لكنه اشترط مصادقة الأمم المتحدة أولاً . ولكنه لم يتراجع عن قناعاته العقلية والمنطقية باستبعاد تورط النظام السوري في استخدام أسلحة كيميائية ضد المعارضة . وقال “من وجهة نظرنا يبدو أنه من العبث تماماً للقوات النظامية السورية والتي تقف في موضع الهجوم اليوم وفي بعض المناطق قامت بتطويق ما يسمون بالمتمردين وتعمل على الإجهاز عليهم، أن تشرع في مثل هذه الظروف في استخدام أسلحة كيميائية محظورة، وهي على يقين كامل بأنها قد تستخدم كذريعة لفرض عقوبات ضدها بما فيها استخدام القوة”، واعتبر بوتين أنه “لمن السخف” اتهام القوات النظامية السورية بمثل هذا الاتهام .

هذا يعني أن بوتين لم يغيّر قناعاته باستبعاد تورط النظام في جريمة الغوطتين، ولكنه لم يستبعد أن يوافق على شن عملية عسكرية ضد قوات النظام إذا ثبت بالدليل القاطع أنه استخدم أسلحة كيميائية . البعض يقرأ تصريح بوتين على أنه ربما يقبل بتمرير العملية العسكرية، لكن الأهم أنه لن يلجأ إلى اتخاذ تدابير عدائية ما ضد الولايات المتحدة، وهذا أمر يختلف كلية عن كل ما ورد على لسان بوتين ووزير خارجيته في الأيام الماضية .

السبب الثاني ما تكشّف خلال مرافعات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الدفاع تشاك هاغل ورئيس الأركان الجنرال ديمبسي من نوايا مبيّتة لجعل ما أسموه ب “العملية العسكرية” وليس مصطلح “الضربة” العسكرية، عملية “مفتوحة زمانياً ومكانياً” . فمنذ اللحظة الأولى التي ظهر فيها التوجه الأمريكي لاستخدام الخيار العسكري ضد النظام السوري وقواته العسكرية كان المصطلح الذي جرى ترويجه هو “الضربة العسكرية” في محاولة مدروسة لتقليل واحتواء ردود الفعل الرافضة أو المتحفظة مسبقاً من خلال تمرير إيحاء بأنها ستكون “مجرّد ضربة صاروخية لساعات محدودة”، وهو ما وصفته صحف “إسرائيلية” مستهزئة ب “ذر للرماد في العيون” . الأمر بدأ يختلف الآن، وربما تكون “إسرائيل” قد قامت بدور مهم في ذلك، وكذلك بعض الأطراف الداعمة للحرب على سوريا وفصائل المعارضة، بهدف توسيع “الضربة” لتتحول إلى “حرب موجعة للنظام” وليس مجرد ضربة إثبات موقف والسلام . فما ورد على لسان “فرسان أوباما الثلاثة” أمام الكونغرس تضمّن حرصاً على تمكينه من الحصول على “تفويض مفتوح زمانياً” من الكونغرس، أي إعطاء الرئيس حق توجيه ضربات ضد النظام السوري في كل مرة يشك فيها أنه استخدم أسلحة كيميائية، كما تضمن حرصاً على تفويض بدخول قوات برية إلى الأراضي السورية، وهذا كله لم يكن وارداً في الأيام الأولى عند تفجّر الأزمة، حيث كان المسعى الأمريكي منحصراً في “ضربة محدودة” عقابية .

كيري كان الأوضح في الحديث، فقد حثّ الكونغرس على عدم ربط العملية بلحظة زمنية واحدة، معتبراً أن “هناك خيارات لاحقة” تملكها القوات الأمريكية إذا استخدم الأسد الأسلحة الكيميائية في المستقبل” . كما أوضح أنه “ربما تكون هناك حاجة لعدم استبعاد وجود قوات برية أمريكية على الأرض” .

كيف سيكون رد فعل إيران على ضوء هذه التطورات الجديدة التي تجاوزت كثيراً كل ما كان يروّج عن “الضربة المحدودة”، وتحولت إلى “عملية عسكرية” بكل ما يعنيه مصطلح “العملية”، وما يفرض من استمرارية في العمل العسكري، أي دخول واشنطن طرفاً عسكرياً مباشراً في الأزمة السورية، وهنا يمكن أن يكون هدف “إسقاط النظام” هدفاً لاحقاً أو متضمناً في قول كيري إن “الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من أي تسوية في المستقبل” .

قبل تكشّف هذه المعلومات الجديدة عن معالم الحرب على سوريا، كان الجدل الداخلي في أروقة صنع القرار الإيراني حول موقف إيران من “الضربة العسكرية” الأمريكية “المحدودة” ينحصر بين أحد خيارين: الأول أن تقبل إيران تمرير هذه الضربة من دون رد فعل مباشر، مكتفية بأن تقوم بدور التنديد والشجب والإدانة السياسية والإعلامية، ومكتفية أيضاً بردّ عسكري من النظام السوري يحفظ له ماء الوجه . أما الخيار الثاني فهو أن يدخل حزب الله كطرف مباشر في الدفاع عن الحليف السوري نيابة عن إيران، وأن يدعم موقف القوات السورية في الرد على العدوان الأمريكي وفق الخطة التي سيجري ترتيبها .

كان هناك ترجيح للخيار الأول من خلال إدراك أن “تيار الاعتدال” الذي يقوده الرئيس الجديد حسن روحاني مستهدف من التيار المتطرف داخل إيران، وخاصة الحرس الثوري، وهؤلاء يدفعون باتجاه توريط إيران في الأزمة السورية للتخلص من موجة الاعتدال الجديدة في السياسة الإيرانية، خصوصاً بعد دخول هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام طرفاً داعماً لاعتدال الرئيس روحاني ومؤيداً للحوار مع الولايات المتحدة، ومن خلال إدراك أن تيار الاعتدال مستهدف من الكيان الصهيوني . فأي حوار مباشر أمريكي إيراني، وأية تهدئة في العلاقات الأمريكية الإيرانية ليست في مصلحة الخطة “الإسرائيلية” الرامية إلى توريط واشنطن في حرب تشنها “إسرائيل” لضرب المنشآت النووية الإيرانية، والقدرات العسكرية الإيرانية خاصة الصاروخية منها .

إدراك ذلك أثبت أن أي تورط إيراني مباشر الآن في الدفاع عن سوريا سوف يعني استعجال إيران للحرب مع “إسرائيل”، لأن الرد السوري على العدوان سيكون مستهدفاً “إسرائيل” بالأساس، فإذا قبلت إيران الدخول مباشرة في الحرب إلى جانب سوريا، أو إذا دفعت حزب الله للقيام بالمهمة، فإن المهمة هذه لن تخرج عن كونها حرباً على “إسرائيل”، عندها ستجد “إسرائيل” كل ما كانت تفتقده وكل ما كانت تأمله من مبررات لإقناع واشنطن في تعجيل شن الحرب على إيران .

كان هناك دافع آخر لترجيح القبول بخيار عدم التورط في الحرب، وهو ما ورد على لسان جيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة (المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي والسفير السابق في لبنان) خلال لقائه بالمسؤولين الإيرانيين في طهران للبحث في أمر “مؤتمر جنيف -2” . فقد أوضح أن نجاح مؤتمر “جنيف -2” يجب أن يقوم على توازن في القوى بين النظام السوري والمعارضة، ونوّه إلى أن “إيران يجب أن تفهم هذا (أي أن تفهم أن الضربة الأمريكية لسوريا هي من أجل تحقيق هذا التوازن، ومن أجل إنجاح المؤتمر) من أجل الوصول إلى هدف أكبر وهو تحقيق السلام في سوريا” .

ما قاله فيلتمان وصل إلى أولي الأمر في طهران، والرسالة باتت واضحة وهي: ضربة محدودة تبقي على النظام السوري وتكون حافزاً لإقناع كل الأطراف للذهاب منفتحة إلى “جنيف -2”، ويبدو أن إيران لم تفهم فقط بل ووافقت .

الأمر أضحى مختلفاً الآن بعد أن تحولت “الضربة المحدودة” إلى “حرب مفتوحة”، وبعد أن تكشّف أن واشنطن تريد إسقاط النظام السوري الحليف لطهران أو على الأقل وضع نهاية للمستقبل السياسي للرئيس بشار الأسد، هل ستغيّر إيران من موقفها؟!

المرجح أن إيران لن تتورط في الحرب مع سوريا، وسوف تضع الموقف الروسي نصب أعينها، لكنها سوف تنهج موقفاً مرناً، أي الأخذ بقاعدة الانتظار، بمعنى عدم التعجّل بإعلان النية على التدخل والاكتفاء بالتهديد، وترك “الضربة” تحدث، لكن التدخل يمكن أن يكون وارداً في حالة تحوّل الضربة فعلاً إلى حرب أو عدوان أمريكي مفتوح على سوريا هدفه إسقاط النظام، عندها سوف تختلط كل الحسابات، ولن يستطيع الاعتدال الإيراني أن يصد موجات الغضب لدى الحرس الثوري .

الخليج

تصويت الأمم المتحدة بشأن سوريا ليس أمرا اختياريا/ أونا هاثاواي وسكوت شابيرو

العالم في مأزق. لقد انتهكت سوريا المعايير الأساسية للقانون الدولي والإنسانية باستخدام أسلحة كيماوية ضد شعبها.

إن الأمم المتحدة، التي من المفترض أنها تحمي السلام الدولي، تقف عاجزة أمام تعنت روسيا والصين، اللتين تتمتعان بحق النقض في مجلس الأمن.

وليس من المفاجئ أن كلا من أنصار التدخل الليبراليين والواقعيين المحافظين الجدد يؤيدون تدخل الجيش الأميركي، حتى وإن كان غير قانوني. مثلما أشار الرئيس أوباما يوم السبت: «إذا لم نفرض المساءلة في مواجهة هذا العمل المشين، فما دلالة هذا بالنسبة لعزمنا الوقوف في وجه الآخرين الذين يضربون بالقوانين الدولية الأساسية عرض الحائط؟».

غير أن هذا السؤال يتجاهل حقيقة واضحة وهي أنه إذا ما بدأت الولايات المتحدة هجوما من دون تصديق من مجلس الأمن، فسوف تنتهك أهم قانون دولي محوري على الإطلاق – وهو منع استخدام القوة العسكرية، لأجل أي أمر خلاف الدفاع عن النفس، في غياب تصديق من مجلس الأمن. ربما يكون هذا القانون أكثر أهمية لأمن العالم – وأميركا – من حظر استخدام الأسلحة الكيماوية.

لا يمكن أن يبرر أوباما شن هجوم على سوريا استنادا إلى أي تهديد مباشر للولايات المتحدة. كذلك، لا يبدو أن هناك تهديدا مباشرا لتركيا، وهي أحد أعضاء حلف الناتو، الأمر الذي قد يبرر شن هجوم بناء على أي دفاع جماعي عن النفس.

الحقيقة المرة هي أن الرئيس السوري بشار الأسد يبث الرعب، الآن، خاصة بين مواطنيه، مع أن النزاع قد أدى بمليوني لاجئ إلى الهرب لدول أخرى.

ويرى البعض أن القانون الدولي ينص على «مسؤولية حماية» تسمح للدول بالتدخل خلال الأزمات الإنسانية، من دون تصديق مجلس الأمن. ويشيرون إلى تدخل حلف الناتو في عام 1999 في كوسوفو. لكن في عام 2009، رفض الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، هذه الرؤية، مشيرا إلى أن «مسؤولية الحماية لا تغير، بل تعزز، الالتزامات القانونية للدول الأعضاء بالإحجام عن استخدام القوة إلا بما يتوافق والميثاق»، وهو موقف أكد عليه يوم الثلاثاء. (توصلت المفوضية الدولية المستقلة بشأن كوسوفو إلى أن التدخل كان «غير قانوني ولكن مشروع»).

ويقول آخرون إنه من القانوني، بل وحتى من السذاجة، الاعتماد فقط على ميثاق الأمم المتحدة، الذي جرى خرقه عددا لا يحصى من المرات. غير أن هذه الخروقات تزيد، وفي كل منها يصعب إلزام الآخرين بالقواعد والقوانين. إذا أتبعنا كوسوفو والعراق بسوريا، فسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، منع الآخرين من استخدام مماثل للقوة على طول الخط.

انظر للعالم الذي سبق الأمم المتحدة. كانت القاعدة الأساسية لذلك النظام، الذي استمر على مدى قرون، هي أنه كان لدى الدول مبرر لخوض حرب، حينما انتهكت الحقوق القانونية. فحاولت إسبانيا تبرير غزوها للأميركتين بقولها إنها كانت تحمي المواطنين الأصليين من الفظائع التي يرتكبها سكان البلاد الأصليون الآخرون، وقامت حرب الخلافة النمساوية حول ما إذا كان لامرأة حق في أن ترث العرش، كما بررت الولايات المتحدة بدرجة كبيرة الحرب المكسيكية الأميركية، بما فيها غزو كاليفورنيا ومعظم ما يمثل الآن جنوب غربي المنطقة، بالإشارة إلى فشل المكسيك في تسوية الدعاوى المدنية القديمة وسداد الديون المعلقة.

لم تكن المشكلة مع النظام القديم أنه لا يمكن لأحد تفعيل القانون، ولكن أن أعدادا هائلة ممن رغبوا في ذلك كان بوسعهم هذا.. وكانت النتيجة حربا شبه دائمة.

وفي ميثاق «كيلوغ – برياند» لعام 1928 وفي ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، رفض العالم هذا النظام.

منعت الدول من تفعيل القانون بنفسها وتعين عليها العمل من خلال نظام أمن جماعي.

ومع كل إخفاقاته الواضحة، فقد مهد نظام الأمم المتحدة الطريق لعالم أكثر سلاما من ذلك الذي سبقه. ليس ثمة قائد يمكنه أن يطالب بالحق في تحصيل الديون أو الفوز بالمنصب بالدخول في حرب. ربما تتفكك الدول إلى أجزاء أصغر، لكن لا يجري غزوها. كذلك، فإن دبلوماسية السفن الحربية غير واردة.

إن الرغبة في الرد على الأعمال الوحشية في سوريا باستخدام القوة طبيعية؛ إذ يستحيل مشاهدة ذبح المدنيين من دون الشعور بالتزام أخلاقي باتخاذ إجراء، ورفض مجلس الأمن اتخاذ إجراء يتركنا عاجزين في مواجهة الشر.

غير أن الاختيار بين القوة العسكرية أو لا شيء يعد خطأ. معظم القانون الدولي لا يعتمد على القوة في تفعيله، وإنما على السلطة الجماعية للأمم في حرمان الدول من مزايا العضوية في نظام دولي. يستطيع أوباما أن يلغي أي عقود حكومية قائمة مع الشركات الأجنبية التي تجري تعاملات مع نظام الأسد. بمقدوره أيضا العمل مع الكونغرس من أجل القيام بالمزيد لأجل الثوار واللاجئين السوريين – بما في ذلك إمدادهم بأدوية مضادة لتأثير غازات الأعصاب، التي يعانون من نقص فيها. كذلك يمكنه استغلال هذه القوة البلاغية في فضح روسيا والصين والضغط عليهما.

ومع كل ما يتمتعون به من حكمة، إلا أن مؤسسي الأمم المتحدة أظهروا افتقارا للحكمة على نحو لا يمكن تصديقه في تجميد نظام تملك فيه خمس دول حق النقض الدائم في مجلس الأمن. ولسوء الحظ، ليس من المرجح أن يتغير هذا، بغض النظر عن الإجماع شبه الرسمي على أن نظام الأمم المتحدة يفتقر للمنطق. السؤال هو هل يمكننا أن نتعايش مع أوجه القصور هذه؟ إذا كانت الإجابة بالنفي، فعلينا التفكير بجدية في البديل المحتمل – وإدراك أنه ربما يكون غاية في السوء.

* أونا هاثاواي وسكوت شابيرو أستاذان بكلية الحقوق

بجامعة ييل الأميركية

* خدمة «نيويورك تايمز»

الشرق الأوسط

الأسئلة الصحيحة حول سوريا/ نيكولاس كريستوف

ترجمة: جلال عمران

يصيب نقاد العمل العسكري الأميركي في سوريا حين يشيرون إلى كافة المخاطر والشكوك حول الضربات الصاروخية، ولديهم رأي عام أميركي إلى صفّهم.

لكن للذين يعارضون ضربات صواريخ الكروز، ما البديل الذين تفضّلونه؟

جيّد للغاية أن تحثّ الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لفعل المزيد، لكن ذلك يعني أنّ السوريين سيظلّون يقتلون بمعدّل 5,000 شهيد شهرياً. أمّا إشراك محكمة الجنايات الدوليّة في الأمر فيبدو رائعاً، لكن من شأنه أن يزيد صعوبة التوصل إلى اتفاق سلام يتنحّى من خلاله الرئيس بشار الأسد. فماذا تقترحون إذاً، غير أن نقلّب أصابعنا بينما تستعمل حكومة أسلحة كيميائية ضد شعبها؟

منذ عقد من الزمن، كنت مذعوراً لأنّ الكثير من الليبراليين كانوا داعمين لحرب العراق. اليوم أنا مستاء لأنّ الكثير من الليبراليين أيضاً، يبدو أنهم، بعد أن أصابتهم صحوة العراق، مستعدون للسماح بقتل السوريون بمعدل 165 يومياً، بدلاً من التفكير بضربات صاروخية بالكاد يمكنها، وعلى الهامش، أن تصنع فارقاً متواضعاً.

لقد جرّبنا الرضوخ للحلول السلمية حتى هذا اليوم، لكنها لم تنجح. وكلّما استمرّت الحرب في سوريا، ازدادت معها عناصر القاعدة قوةً، ازداد لبنان والعراق اضطراباً، ومات مزيد من الناس. الإصرار على تدخّلات سلمية بحتة يستحقّ الإعجاب، لكن دعونا نعترف بأنّ النتيجة الأرجح هي أن نجلس جانباً بينما قد يتعرض 6,000 آخرون من السوريين للقتل خلال العام المقبل.

فالمرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي يسجّل عدد القتلى في الحرب الأهلية، ساخط من حمائم الغرب الذين يظنون أنّهم يتخذون موقفاً أخلاقياً. «أين كان هؤلاء الناس خلال العامين الفائتين؟»، يسأل المركز على موقعه الإلكتروني، ليتابع: «الذي يتشكّل الآن في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو حركة مضادة للحرب بالشكل، لكنّها مؤيدة للحرب بالجوهر». بعبارة آخرى، هل يختلف الأثر كثيراً بين كونك «مؤيداً للسلام» في هذه الحال وكونك «مؤيداً للأسد» ومستقيلاً من مسألة استمرار المذبحة بحقّ المدنيين؟

سؤال «ما هي مخاطر ضربات صواريخ الكروز على سوريا؟» ليس السؤال المركزي بالنسبة لي. فأنا أضمن أن هذه المخاطر كبيرة، من الصواريخ المخطئة وحتى انتقام حزب الله. السؤال المركزي بالأحرى هو: «هل المخاطر أكبر إذا قمنا بإطلاق الصواريخ، أم إن نحن واصلنا الجلوس على أيدينا؟».

دعونا نكن متواضعين كفاية لنعترف أننا لا يمكننا التأكد من الإجابة، وأن سوريا ستكون داميةَ أكثر مهما فعلنا. نحن الأميركيين غالباً ما ننغمس بذاتنا إلى حدّ الاعتقاد أن ما يحصل في سوريا يعتمد علينا؛ بالحقيقة هو يعتمد بشكل كبير جداً على السوريين.

لكن بالمقابل، بينما أحيي التردد العام حول الوصول إلى استعمال العدة العسكرية، يبدو لي أن المخاطر الإنسانية والاستراتيجية للعطالة أكبر في هذه الحالة. نحن في مسار يقود إلى تسارع في وقوع الإصابات، وإلى المزيد من الاضطراب في المنطقة، وإلى تعاظم قوة قوات القاعدة، وإلى المزيد من استعمال الأسلحة الكيميائية.

هل يمكن لبضعة أيّام من الضربات الصاروخية بصواريخ الكروز أن تصنع فارقاً؟ وصلتني رسالة جماعية عبر البريد الإلكتروني مرسلة من مجموعة نسائية تعجبني، اسمها V‪-Day، تطلب من الناس أن تعارض التدخّل العسكري لأنّ «فعلاً كهذا سيؤدي ببساطة لمزيد من التعب والمعاناة… التجربة تقول بأنّ التدخلات العسكرية تؤذي نساءً ورجالاً وأطفالاً أبرياء».

حقاً؟ بالتأكيد يسبب ذلك في أحياناً، كما في العراق. لكن في كلّ من البوسنة وكوسوفو، التدخل العسكري أنقد أرواحاً. ينطبق الأمر نفسه في حالة مالي وسيراليون. الحقيقة أنّه لا يوجد درس سلس أو بسيط يمكننا تعلّمه من الماضي. يجب علينا أن نناضل، حالة بحالة، لنصل إلى مقاربة تناسب كلاً منها.

في سوريا يبدو لي أن ضربات بصواريخ الكروز يمكنها أن تحدث فارقاً متواضعاً، عبر ردع توظيف المزيد من الأسلحة الكيميائية. فغاز السارين المثير للأعصاب يؤمن أفضلية محدودة للجيش السوري، لدرجة أنّه احتاج إلى عامين كي يستعمله بشكل واسع، فمن المعقول إذاً أن نستطيع ردع ضباط النظام من استخدامه مرة ثانية إذا كان ثمن استخدامه [بعد الضربة] باهظاً.

كما أنّ الحكومة السورية كان لها اليد العليا مؤخراً في المعركة، وهكذا فإنّ ضربات جويّة قد تجعلها أكثر استعداداً للتفاوض باتجاه اتفاق سلام لإنهاء الحرب. لا يسعني الرهان على ذلك، لكن في البوسنة ساعدت الهجمات الجوية في التوصل إلى اتفاق دايتون للسلام.

الضربات الجوية لمطارات الأسد العسكرية قد تضعف كذلك قدرته على قتل المدنيين. عندما يكون بحوزة الأسد عدد أقلّ من المقاتلات العسكرية، ستقل قدرته على إلقاء شيء يشبه النابالم على مدرسة، كما يبدو أن قوّاته قد فعلت في حلب الشهر الماضي.

لقد قام طاقم شجاع من البي بي سي بتصوير الجثث المتفحمة، بملابسها المحترقة والجلد المتقشّر عن أجسادها، كما قابلت شاهد عيان غاضباً يسأل أولئك الذين يعارضون العمل العسكري: «أنتم تدعون للسلام. أيّ نوع من السلام تدعون إليه؟ هل تشاهدون هذا؟».

الجمهورية

الهجمات بالسلاح الكيمياوي والتدخلّات العسكرية/ عمر ضاحي

إن صور الجثث المصفوفة على الأرض والمكفنة بالشراشف البيضاء، دون أثر لدم أو إصابة انتشرت الأسبوع الماضي عبر الإعلام الاجتماعي وفي نشرات الأخبار كي تشير إلى مرحلة أخرى مروّعة في الحرب السورية. ففي الرابع والعشرين من آب، أفادتْ منظمة أطباء بلا حدود أنّ كثيراً من المصابين، الذين تلقوا العلاج في أعقاب الهجوم في الغوطة الشرقية، ظهرت عليهم “أعراض التسمم العصبيّ”، رغم أنّ المنظمة شددت أنها لا تستطيع أن تبرهن ذلك علمياً أو أن تحدّد السبب. مذاك، لم تترك مجموعات أخرى عديدة ـ وبينها مركز توثيق الانتهاكات ـ مجالاً للشك بأنّ هجوماً من نوع ما بالسلاح الكيماوي قد شُنّ في الحقيقة.

إن النسبة الكبيرة للمعاناة في سوريا ـ عدد القتلى الذي وصل إلى مائة ألف وملايين المهجّرين ـ  يجب ألا تجعلنا نُغْفل حقيقة أن هذه الجريمة جريمة كُبرى، كمثل جرائم القتل الأخرى التي حدثت في سوريا، ويجب أن يُحقّق فيها دون تحيّز وباستقلالية تامة.

اتهمت الحكومة قوات المعارضة بشنّ عملية سريّة، وقال مراقبون آخرون بأنه من غير المعقول أن تشنّ الحكومة هجوماً من هذا النوع فيما يتواجد مفتشو الأمم المتحدة في سوريا للمرة الأولى في أكثر من عام، ويمكثون على بعد عدة أميال من مكان حدوث الهجوم. لماذا ستهاجم الحكومة الآن فيما تبدو كأنها تربح الحرب بالأسلحة التقليدية؟ إذا ما تم تأكيد هذا الهجوم، فإنّه سيكون السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى تدخل عسكري أميركي أو أميركي ـ أوربي أكثر عدوانية. ومن غير المعقول أيضاً أن تكون قوات المعارضة قد شنّت هذا الهجوم بالسلاح الكيماوي. فإذا كانت قوات المعارضة قادرة في الحقيقة على شنّ هجوم كيماوي واسع النطاق كهذا، وكانت دمويّة بما يكفي كي تستخدم هذه الأسلحة ضد المدنيين، فلماذا لا تهاجم القوات الحكومية وتغيّر مسار الحرب بدلاً من اختيار أرض متعاطفة مع الانتفاضة وخارج سيطرة النظام؟ إن المنطق السليم والعقل بالتالي ليسا وسيلتين كافيتين للتحقيق في أفعال كهذه أو إلقاء اللوم. ثمة تأويلات أخرى قابلة للتصديق أيضاً: أنّ النظام شنّ الهجوم ردّاً على تصعيد مُتَصَوَّرٍ أو فعلي  من قبل  قوات المعارضة (بما فيه تقارير عن وحدات عمليات خاصة أميركية ومدربة أميركياً تتقدم نحو دمشق)؛ وأنّ منشقين مرتبطين بالمعارضة شنوا الهجوم كي يحثّوا على التدخل الدولي عبر توريط النظام؛ أو أخيراً، أنّ بنية القيادة تتفكك داخل الحكومة السورية، وهذا موضوع استهلك كثيراً من التقارير الأخيرة. كيف يجب أن يكون الردّ على هذه الأحداث؟ إن الجواب بالنسبة للحريصين على مصير السوريين هو نفسه كما كان على العنف المستمر سابقاً، وهو الدفع إلى حلّ سياسي ووقف فوري للعنف مترافق مع مساعدة إنسانية للسوريين.

إن عملية تقودها أميركا أو الناتو ـ والتي تبدو وشيكة ـ من المحتمل أن تكون كارثية بالنسبة للسوريين (كما للبنانيين والفلسطينيين). وإذا كان الهجوم قوياً بما يكفي للقضاء على النظام السوري بشكل كامل فإنه سيدمّر ما تبقى من سوريا. وإذا لم يفعل ذلك فإنّه سيترك النظام في موقعه كي يرد، حيث هو قويّ، ضد أعدائه الداخليين، عدا عن أنه سيدعّم أوراق اعتماده القومية بأنه صدّ الهجوم الأميركي. كيفما كان الأمر، إن الضربة ستكون مدمّرة لملايين السكان داخل سوريا، ناهيك ملايين اللاجئين والمهجّرين داخلياً الذين يعيشون على الكفاف، ويعتمدون على المساعدة الإنسانية اليومية، التي ستُقاطَع أو تتوقّف.

ليس هناك ما يُدعى بـ “الضربة العسكرية الجراحية”، ولا مجال في بلاد فيها كثافة سكانية كسوريا لهجوم لا يسبّب سقوط ضحايا مدنيين. إنّ هذا يقصي حقيقة أنّ السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، ماضياً وحاضراً، وتواطؤ أميركا في هجمات سابقة بالسلاح الكيماوي، من المستحيل ألا تجعلنا مرتابين في البواعث التي تكمن خلف هذا الهجوم. فضلاً عن ذلك، صار الناس في المنطقة مقتنعين في العامين الماضيين بأن السياسة الأميركية تجاه سوريا مُمْلاة ـ كما من قبل ـ من قبل ما يفيد إسرائيل، التي لم ترغب بانهيار كليّ للنظام، بل كانت تستفيد من صراع متواصل على حدودها الشمالية طالما بقي قابلاً للاحتواء.

 سمعتُ لازمةً تتكرّرُ في  العامين الماضيين بعد كلّ تصعيد في الصراع بأنّ “الأمور لا يمكن أن تسوء أكثر”. تحت هذه الراية، جزئياً،  بُرِّر اللجوء إلى العسْكرة على نحو عصبيّ ثم تمّ تبنّيها، وفُرضتْ العقوبات الاقتصادية التي سبّبتْ الشلل. وفي كل حالة تصاعدت نسبة القتل والمعاناة دراميّاً وساءت الأوضاع أكثر ـ ليس بالنسبة للنظام، ولكن بالنسبة للمواطنين العاديين.

إنّ حلاً سلميّاً سيكون بداية وليس نهاية الصراع. فقد غرق الصراع الآن في حرب تدميرية هي أيضاً حرب بالوكالة تشنّها بلدان إقليمية على حساب السوريين. وما من شكٍّ بأن النظام السوري شنّ حرْب تدمير ضد شعبه بدعم مادي وسياسي حاسم من إيران وروسيا، ويتحمل مسؤولية العنف على نحو رئيسي. ذلك أنّه لم يُظهر ميلاً جدياً إلى أيّ شيء سوى النصر الكلي. على أي حال، منذ بداية الانتفاضة، رأتْ بلدان الخليج على الفور أن الفرصة سانحة لهزيمة إيران في سوريا، واستخدمت المال والسلاح لخطف الانتفاضة ولغة الثورة لصالح أجندة دنيئة مضادة للثورة، مما قاد إيران إلى أن تصبح أكثر تخندقاً في دعمها لسوريا، وإلى زيادة دعمها في كل دورة. أما الولايات المتحدة وحلفاؤها فقد كانوا يرتّبون الاحتمالات لحرب أهلية بلا نهاية. إن حقيقة أن الولايات المتحدة تهدد بشنّ عملية عسكرية الآن لا تتعلق بأية طريقة برفاه السوريين، وكل شيء يتعلق بمحافظة الولايات المتحدة على “مصداقيتها”، وموقعها كقوة مهيمنة.

 من الصعب تجنّب الشعور اليائس بأن السوريين فقدوا تقريباً أي تحكّم بمستقبلهم الجمعيّ. فالاتحاد الأوربي والخليج والولايات المتحدة يمكن أن يزيدوا من تسليح المعارضين، ويمكن أن تقصف الولايات المتحدة سوريا بصواريخ كروز، ويمكن أن يفرض الناتو منطقة حظر للطيران أو يجتاح جزءاً من سوريا أو كلّ أراضيها.

لكنّ الاستمرار بالزعم بأنّ أفعالاً كهذه ستصبّ في مصلحة الشعب السوري هو ببساطة تمرين في العلاقات العامة والخداع. إن كلّاً من الموالين للحكومة والمعارضة يواصلون تأطير نتائج الصراع المحتملة إما كنصر للحكومة أو كنصر للمعارضة، وهذه طريقة لتجنب الاعتراف بالاحتمال الثالث: أن الطرفين قد خسرا في المعركة. إن الخيار الوحيد المتبقي للسوريين، الذين ما يزالون يهتمّون في إيقاف المزيد من السقوط في الهاوية، هو طلب حلّ سياسيّ ومساعدة كبيرة من أجل المساهمة في معالجة الكارثة الإنسانية الضخمة داخل سوريا وفي البلدان المجاورة.

ستكون هذه بداية السياسة والاحتمالات: إنها كئيبة جداً في ضوء الواقع، غير أنها، على الرغم من ذلك، احتمالات غير موجودة الآن.

[ نشر للمرة الأولى على جدلية بالإنجليزية وترجمه إلى العربية أسامة إسبر]

جدلية

الضربة بين الحدود المقصودة والنتائج الممكنة/ حسن منيمنة

سعي الرئيس الأميركي باراك أوباما للحصول على رأي الكونغرس في مسألة الضربة الاقتصاصية الموعودة للنظام السوري يشكل بحد ذاته أن وقوع هذه الضربة أضحى أمراً محتماً، سواء حصل الرئيس على الموافقة من مجلسي الكونغرس أو لم يحصل عليها. وقد كان الرئيس أوباما حذراً في تأكيده أن دعوة الكونغرس إلى المناقشة بهذا الشأن ليست من أجل الحصول على إذن، انطلاقاً من قراءته، وقراءة من سبقه من الرؤساء، للصلاحيات الدستورية بما يمنحه حرية التصرف في حالات كهذه، من دون تفويض مباشر من السلطة التشريعية. فإذا ما استتب التصويت لمصلحة تخويل الرئيس توجيه الضربة، وهو الأمر المتوقع، يكون أوباما قد ضمن غطاء سياسياً لخطوته. أما إذا كانت النتيجة الاعتراض على هذا العمل ومطالبة الرئيس بالامتناع عنه، فإن أوباما قد يجد نفسه مرغماً على مخالفة موقف الكونغرس كي لا تشكل تلبيته له، إن حصلت، سابقة تلزمه الامتناع تحديداً عن استعمال أدوات استفاض في استعمالها في الأعوام الأخيرة، ولا سيما منها الطائرات من دون الطيار التي تشن حرباً متواصلة على التنظيمات المعادية من دون رقابة وتفويض من الكونغرس.

دعوة الكونغرس إلى النقاش والتصويت جاءت عقب اعتراض مجلس العموم البريطاني على أي دور لبريطانيا في الضربة المحتملة. من البديهي إذاً أن تثار الشكوك حول هدف أوباما من دعوة ما يقابل مجلس العموم البريطاني هذا في الولايات المتحدة، وفي أجواء شعبية ميالة بشدة إلى الانعرالية والابتعاد عن كل ما يمت الى الشرق الأوسط بصلة، إلى إبداء الرأي في هذا الشأن، وكأن الهدف هو الحصول على اعتراض يتمكن أوباما عبره من التملص من وعود بدا وكأنه قطعها بتحميل النظام السوري كلفة اجتياز ما رسمه هو من خطوط حمر.

إلا أن القراءة الأقرب الى الواقع، ولا سيما مع انصباب فريق عمل الرئيس على تحشيد التصويت لمصلحة الضربة، هو أن أوباما يسعى بالفعل للحصول على غطاء، ليس للتملص بل للإقدام.

وتوصيف أوباما للهدف من الضربة تكرر وبقي ضمن إطار واحد. فالهجوم بالسلاح الكيماوي الذي اقترفه النظام يشكل خطراً على المصلحة الوطنية الأميركية إذا لم يدفع من اقترفه الثمن، وذلك من توطيد سابقة على مستوى السلوك العدائي لأطراف مختلفة، من إيران إلى كوريا الشمالية، أن هجوماً كهذا يبقى من دون عقاب. وفيما يتعدى الإطار المذكور صراحة، فإن السياق كذلك يدعو إلى الحزم، فالهجوم القاتل جاء في ما يقارب تاريخ حديث الرئيس الأميركي نفسه عن خطوط حمراء تقتضي تبديل التحفظ عن التدخل بالأزمة السورية في حال تجاوزها.

وإذا كانت أشباح التجربة العراقية، والتي شهدت بدورها مزاعم أسلحة دمار شامل كحجة لتدخل يكاد الرأي العام الأميركي يجزم بأنه كان عقيماً وضاراً، تسكن الإعلام والسياسة في الولايات المتحدة وتفرض على كل معادٍ للضربة أن يستعيد مزاعم حكومة الرئيس السابق بوش وتأكيداتها أن النظام العراقي حينها كان مستمراً في انتاج سري لسلاح الدمار الشامل، وهي تأكيدات ثبت أنها خاطئة بل برأي العديدين كاذبة، فإن الجهد السياسي والإعلامي لطاقم الرئيس، ولا سيما وزير الخارجية جون كيري قد نجح بإبراز الاختلاف العميق بين الحالتين، إذ لا شك هنا بتاتاً في أن السلاح الكيماوي قد استعمل، والمعلومات الاستخبارية التي يكشف عنها تشير بوضوح إلى أن مسؤولية الاعتداء تقع على النظام السوري، لا على الثوار الذين وفق الروايات المثبطة لا يستهدفون بالقتل إلا حاضناتهم الشعبية.

ويمكن الإشارة إلى تسليم ضمني في معظم الصف المعادي للضربة بموضوع مسؤولية النظام عن الهجوم الكيماوي من خلال الانتقال إلى خط دفاع ثانٍ يتمثل بالتحذير من النتائج الكوارثية للخطوة الأميركية، ومن التنبيه تحديداً إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تستدعي من النتائج ما لم يكن في حسبان طاقم الرئيس وأن تؤدي بالتالي إلى توريط طويل الأمد للولايات المتحدة بالمستنقع السوري، بل ان تعرض المصالح الأميركية في عموم المنطقة للهجوم والنكاية.

ولا شك في أن الرئيس أوباما نفسه متوجس فعلاً من هذه الاحتمالات، ومن هنا تأتي تأكيداته المتواصلة على أن الهدف الصريح للضربة سيكون تحميل النظام السوري ثمن إقدامه على استعمال السلاح المحظور، وليس تبديل موازين القوى أو إسقاط النظام أو غيرها من الأهداف التي يتمناها المعارضون. غير أن الرئيس يتعرض كذلك لاتهامات متكررة بأنه يسعى إلى شكل دون مضمون، من خلال الكشف عن محدودية العملية وتوفير الوقت للنظام لبعثرة قواته وعتاده بما يخفف من احتمالات خسارتها، وما يستتبع ذلك من طمأنة النظام إلى أن استيعاب الضربة سيطوي صفحة التدخل الأميركي.

والكلام في الأوساط المقربة من الرئيس هو أن النظام قادر بالفعل على توزيع سلاحه وتتريسه بشرياً بما يجعل الوصول إليه مسألة صعبة، وليس الهدف من الضربة تدمير هذه الذخائر أساساً، لما قد يؤدي إليه ذلك من تداعيات بيئية وغيرها. بل الهدف هو الطعن بهيبة النظام، ورموز هذه الهيبة، من قصور قيادته إلى وزارة الدفاع وغيرها ثابتة، وهي بالتالي عرضة لتدمير ينفي عن الضربة سمة التأديب الصوري.

وبين الرغبة الأميركية بتقويض هيبة النظام اقتصاصاً وحاجة هذا النظام إلى الهيبة للمحافظة على تماسكه الداخلي وسطوته على عموم السوريين تتبدى أطراف معادلة الضربة المقبلة، وذلك على خلاف ما قد يبدو بديهياً. فالبداهة ظاهراً الافتراض أن انكفاء النظام بعد الضربة دليل هزيمته، والتصعيد بالإرهاب والاعتداء والانتقام من السوريين دليل فشل الضربة.

أما المعطيات الذاتية للمواجهة الحالية فتفيد بأن امتناع النظام عن رد الفعل قد يكون دليلاً على أنـه تمكن من استيعاب أضرار الضربة وأولـويته بالتالي هي إبقاء الولايات المتحدة خارج المسألة السورية، أما جنوحه إلى ردود فعل فإشارة إلى أن الضربة قد صدعت نفوذه إلى حد يصبح معه توسـيع نـطاق المـواجهة هو السـبيل إلـى تأجـيل سقوطه المحتوم. لا شـك في أن أوبـامـا يفـضل الاحتمال الأول. ولكنه، من خلال التصويت في الكونغرس، يستعد للاحتمال الثاني

الحياة

هكذا كان الأسد يلعب في العراق/ كامران قره داغي

قبل أن ينقلب السحر على الساحر وتغرق سورية في حرب أهلية، لا مناص من اقرار ان عراقيين كثيرين يتشفون بها، كان نظامها البعثي سعى قبل ذلك الى اشعالها في العراق «الشقيق»، كان وزير خارجيتها وليد المعلم حين يأتي الى بغداد مُرسـلاً من مـعلمه ويلتقي كبار المسـؤولـيـن فيها وينظر اليهم وابتسـامة شريرة تـرتـسم على وجهه فيقول لهم بغطرسة ان كل مزاعـمـهم بأن الارهابيين يتسللون الى العراق من سورية لا اسـاس لها وأن دمـشــق لا تـؤوي أي قياديين من حزب البعث العراقي واذا وجد بعثيون هناك فهم افراد مسالمـون لا حول لهم ولا قوة. وإذ كان العراقـيون يواجهونه بأنهم يملكون ادلة ملموسـة عـبارة عـن صور وفـيديوات تـظهر الارهابيين وهم يعبرون الحدود الى العراق تحت أنظار حرس الحدود السوريين كانت ابتسامة خبيثة ترتسم على وجهه ويقول لهم انها أدلة مطعون في صدقيتها لأن الصور مصدرها المحتلون الاميركيون اعداء النظام السوري والأمر لا يتعدى كونه «مشاكل على الحدود» تحصل في أحسن العائلات!

ماذا كـان البعث الـسوري يـريد من العـراق ويأمل بتـحقـيـق هــدفـه فـيـه بـدعـمـه الارهاب وتـسهيل تـدريـب الارهابيين، تـحديداً المنـتمين الى «القـاعـدة» بتــنسيـق مع البعثيين العراقيـين وتـسـللهم الى العراق كي يفجروا ويقتلوا ويخـربوا الوضع الأمني والسياسي؟ في خاتمة المطاف كانوا يسـعون الى هدف محدد بعينه أوضحه الرئيس بـشار الأسد نفسه لوفد عراقي رسمي زار دمــشق في مــسـعى الى المصالحة. الوفد نقل عن الاسـد قوله ان على الحكم العراقي أن يفهم ان البعث السـوري لا يمكن ان يتخلى عن البعث العراقي، فهما في النهاية بعث واحد ونظـامه لـن يـهدأ حتى يعود الى السلطة في بغداد. كلام صريح وواضـح. ومهما جهد أهل الحكم العراقي لمنع التدخل الســوري آنذاك كانت جهودهم تذهب سـدى على رغم الوجود العسكري الأميـركي الداعم والمسيطر وحضور الـلاعب الايـراني الداعم بـقوة أكبر لحلفائه الشيعة المهيـمنـين علـى الـحكم في بـغداد ونفوذه في دمـشق. بل يــجـوز القـول ان هذا اللاعب الخطير كان يشارك عملياً في اللعبة السورية لكن لمصلحته الخاصة.

في ضوء هذه الحالة، كان أهل الحكم في العراق يشعرون بالعجز والإحباط، خصوصاً أن الصراع الفئوي الطائفي كان في أوجه ما جعل العراق اشبه بسفينة تتقاذفها أمواج عاصفة لم يكن أحد يعرف الى أين سينتهي المطاف بها. من جهة كان هناك تضامن شيعي كردي، فيما كان الطرف السنّي، الاسلامي والمدني، يشارك في اللعبة السورية بحماسة عبر تمتين العلاقات مع دمشق وزياراته لها لم تكن تنقطع من قبل زعمائهم حيث السلطة تستقبلهم بالأحضان والدعم إمعاناً في النكاية ببغداد ومثيرة مزيداً من الإحباط والسخط فيها (المفارقة هنا ان هذا الطرف اصبح اليوم في المعسكر المعادي للنظام السوري!).

لكن أكثر المحبطين كان رئيس الوزراء آنذاك وحالياً نوري المالكي الذي كان يشكو للجميع من أميركيين وإيرانيين وبريطانيين والزعماء السياسيين في العراق معاناته من التدخل السوري الذي يعرقل جهوده بصفته القائد العام للقوات المسلحة المسؤول عن الأمن الداخلي. في اجتماع للمجلس السياسي (31/7/2006) الذي كان يتألف من الرؤساء الثلاثة (الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء) وزعماء كل الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية أعلن المالكي أنه شخصياً قال للمعلم: «يجب حل المشاكل والتدخلات وما دامت موجودة يجب ان يبرهنوا عكس ذلك أو يتخذوا إجراءات بحقها». نائبه يومها سلام الزوبعي تساءل: ما الفائدة؟ «المسؤولون السوريون يسمعون فقط من البعثيين الكبار (العراقيين)!

كاتب هذه السطور كان يحضر بحكم عمله اجتماعات المجلس السياسي ويعلم ان موضوع الارهاب القادم من سورية المدعوم من نظامه كان يُثار في كل اجتماع للمجلس السياسي في تلك الفترة. في اجتماع للمجلس في 27/1/2007 تحدث الرئيس جلال طالباني عن زيارته ونتائجها الى دمشق. يشار الى ان طالباني كان يردد دائماً أنه لا يرغب في انتقاد السوريين علناً أمام وسائل الاعلام، مفضلاً ان يثير معهم شكاوى العراق وجهاً لوجه. وهذا ما حدث بالفعل في لقائه مع الأسد وما قاله مدون وموثق. قال: قلوبنا مجروحة بسبب الأعمال الارهابية ونعتقد ان الارهابيين قدموا من سورية وعندنا أدلة وبراهين». طالباني سلم الأسد قائمة بأسماء القياديين المعروفين في البعث العراقي ومن القادة العسكريين الفارين الى سورية مع عناوينهم، اضافة الى مراكز تدريب الارهابيين فيها. ماذا كان رد الأسد؟ «والله لا علم لي بذلك»، ثم اضاف، مبتسماً طبعاً، أن التسلل يمكن ان يجري بسبب الفساد «يكفي أن تدفع 500 دولار»! ومع انه لم يكن على علم بوجود القياديين البعثيين العراقيين في سورية، لكنه بعد قليل قال لطالباني انهم على وشـك الانـشقـاق «بين (عزة) الدوري و(محمد يونس) الأحمد»، مضيفاً: «وفي هذا فائدة لنا ولكم». في تلك اللحظة كانت قيادة البعث العراقي تعقد مؤتمراً في حمص أسفر لاحقاً عن حدوث الانشقاق بالفعل. ولم يوضح الأسد كيف عرف بذلك قبل ان يختتم المؤتمر أعماله.

طالباني استقبل بحفاوة رسمية في دمشق وفـرش لـه البـسـاط الاحـمر في الـمـطار حيث استقبله الأسد شخصياً. وبعدما قدم له طالباني خلال اجتماعهما قائمة بأسماء القياديين البعثيين، الذين أقسم الاسد ان لا علم له بذلك وسأل ما هو المطلوب. طلب طالباني ثلاثة أمور: ايقاف الدعم للإرهاب المتسلل الى العراق ومنع الخطاب العدائي لإعلامكم ضد الحكم في بغداد والتواصل مع الزعماء العراقيين بدعوتهم رسمياً الى دمشق لتحسين العلاقات «بدلاً من دعوة حارث الضاري» الذي كان يقود جزءاً من الجماعات الارهابية ويصف الاعلام السوري الرسمي عملياته الإجرامية بـ «المقاومة».

الأسد وعد بأنه سيفعل ذلك «على العين والراس». لكن ما إن غادر طالباني دمشق عائداً الى بلاده صباحاً حتى استقبل الأسد مساء حارث الضاري نفسه في القصر الرئاسي ثم خرج ليعلن أمام الإعلام انه (الأسد) «يقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل العراقية»!

الحياة

مرحلة جديدة من الصراع على سورية/ ماجد كيالي

لا تتميّز الثورة السورية بأنها الأكثر كلفة، وصعوبة، بين مجمل الثورات العربية، فحسب، إذ أنها تميّزت، أيضاً، بمواجهتها لنظام، من طبيعة خاصّة، لا يشتغل وفق قواعد الصراع السياسي المعروفة، والمشروعة.

ومعلوم أن هذا النظام الذي قتل السياسة في سوريا، منذ أزيد من أربعة عقود، رفع شعارات من نوع «الأسد أو لا أحد»، و»الأسد أو نحرق البلد»، منذ اندلاع ثورة السوريين، قبل عامين ونصف العام، مغلقاً الباب أمام أية حلول سياسية، تنتقص من فكرة «سورية الأسد إلى الأبد».

هكذا، فإن النظام السوري لم يعمل في الثلاثين شهراً الماضية من أجل حماية سلطته والإطاحة بالثورة، فقط، وإنما بذل قصارى جهده، أيضاً، لأخطر من ذلك، بسعيه المحموم لإخضاع السوريين لفكرة أن هذه «سوريا الأسد»، وبتدفيعهم باهظاً ثمن التمرّد عليه، ماتمثّل باستخدامه المفرط، والأعمى، لكل ما في ترسانته من أسلحة، بطريقة ندر أن شهد التاريخ لها مثيلاً، في محاولاته سحق البيئات الشعبية الحاضنة للثورة.

بالمحصلة، فقد كشف هذا الأمر، بدوره، عن حقيقة أخرى مفادها بأن هذا النظام إنما تصرّف على هذا النحو لاعتباره أن من خرجوا عن طاعته هم مجرّد أعداء، خارجيين، لا شعباً، ما يوجب صدّهم وتطويعهم بالقوة الغاشمة، وهي نظرة ذاتية تؤكد، في المقابل، رؤية هذا النظام لذاته باعتباره بمثابة سلطة خارجية، بالنسبة لهؤلاء، تدافع عن ما تراه «سوريتها»، أو مزرعتها، الخاصّة، والتي ينبغي أن يتوارثها الأبناء من الآباء.

ولعل كل ذلك يفسّر محاولات هذا النظام، مع تعفّنه السياسي والأخلاقي، التشويش على طابع الصراع الجاري، وتحويله من كونه ثورة من أجل الحرية، وضد الاستبداد، إلى نوع من حرب أهلية وهوياتية، والترويج للصراع الجاري باعتباره صراعاً طائفياً ودينياً بدلاً من كونه صراعاً سياسياً على السلطة، وبتحويله من صراع في سوريا إلى صراع على سوريا، لاسيما بعد ذهابه نحو إلى الخيار «شمشون»، «عليّ وعلى أعدائي»، بـ «استدعائه» التدخّل الخارجي، إثر استخدامه السلاح الكيماوي المحظور دولياً، حتى في الحروب بين الجيوش المتعادية، ما أدى إلى تدويل الصراع على سوريا. ومعلوم أن هذا الأمر كان محسوباً منذ بداية الثورة، أي منذ عامين ونصف العام، حينما هدّد هذا النظام بأن أي محاولة لاستهدافه ستعني تقويض استقرار المنطقة، وضمنه أمن إسرائيل.

واضح من كل ما تقدم أن النظام هو الذي يتحكّم بالعملية الصراعية، نظراً لقدرته على السيطرة، وتفوقه العسكري، بخاصّة أن الثورة في مأزق، فهي منذ عام باتت لا تستطيع التراجع ولا التقدم، لا سياسياً ولا عسكرياً، بالنظر لضعف إمكانياتها التسليحية، وافتقادها العمق البشري، بعد تشرد ملايين السوريين من المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ومشكلة المعارضة، بإطاريها السياسي والعسكري، أنها إزاء مجمل الاستحقاقات والتحديات المذكورة، لم تنجح في التعبير عن مقاصد الثورة، المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة المتساوية، في الرأي العام العربي والدولي، وحتى في أوساط السوريين من «طوائف» الحائرين والمتخوّفين والصامتين، بمقدار نجاح النظام في التشويش عليها، والتشكيك بشرعيتها، والترويج لاعتبارها مجرد حرب أهلية وطائفية، ضد جماعات دينية متطرفة، ما يفسّر الصعوبات التي باتت تواجهها هذه الثورة خارجياً، في هذه المرحلة العصيبة والمفصلية من تاريخها. المشكلة، أيضاً، أن هذه المعارضة، التي انشغلت بمشاكلها البينية اكثر من أي شيء آخر، لم تنجح في المعركة على إثبات أهليتها وشرعيتها كبديل، أكثر مما نجح النظام في تأكيد قدرته أو شرعيته على الاستمرار بالحكم، الأمر الذي زاد كلفة الثورة السورية، وأطال أمدها، وبدّد جزءاً كبيراً من الطاقات والتضحيات المبذولة في سبيلها. وبديهي أن عفوية الثورة، وافتقادها التنظيم، وتخبّط إدارتها وخطاباتها، والمداخلات الخارجية المضرّة فيها، ساهمت في كل ذلك وسهّلته.

وقد شهدنا، مؤخّراً، تجليات وتبعات كل ذلك، في المجادلات المضنية التي شهدها مجلس العموم البريطاني، ثم الكونغرس الاميركي، وفي مضامين نقاشات الأميركيين والأوروبيين، إزاء الأحوال في سوريا، والتي لا يمكن تبريرها فقط بالعقدة العراقية.

الآن، تقف قوى الثورة السورية في مرحلة انعطافية، صعبة ودقيقة، فهي على تدنّي امكانيّاتها، وضعف ترتيبها لأوضاعها، وانحسار بعدها الشعبي، بعد كل ماحصل، أمام التحدي المتعلق بمواءمة حركتها الداخلية، مع الحركة الخارجية، الرامية لإضعاف القوة العاتية للنظام، طالما أنها لم تستطع حسم الأمر لصالحها بقواها الخاصة.

هذا يعني أن ثمة ستحقاقات عدة، أولها، أن هذه الثورة معنيّة بتوضيح ذاتها، لذاتها ولشعبها وللعالم، باستعادة خطاباتها الأوليّة، المتعلّقة بالحريّة والكرامة والمساواة والديمقراطية والمواطنة، فلا معنى للثورة السورية من دون ذلك، ولا يمكن بناء سوريا جديدة، لكل السوريين، من دون ذلك أيضاً.

وثانيها، أن الوضع لم يعد يحتمل الجماعات المتطرفة والإرهابية، الغريبة عن ثقافة السوريين ومجتمعاتهم، فهذه أعاقت ثورتهم، وأضرّت بإجماعاتهم، وشوّشت على صورة ثورتهم. وما ينبغي إدراكه أنه لا يمكن لأحد طلب دعم العالم، فيما يصدّر جماعات القاعدة، فهذا ليس مفهوماً ولا مقبولاً ولا مجدياً، البتة، فمن يريد أن يتعاطف معه العالم ويدعمه، ينبغي أن يتكيّف معه، حتى يلاقيه في منتصف الطريق.

وثالثها، أن الحرب مكلفة، وتنطوي على عذابات وكوارث، وهي إذا بدأت لا يعرف متى تنتهي، ولا بأية أثمان، ما يفرض على قوى الثورة صوغ مقاربتها الخاصّة لحلّ سياسي، يؤسّس لسورية جديدة، لكل السوريين، بعد أن تنتهي «سوريا الأسد». وهذه المقاربة ربما لا تتأسّس على المتوخّى، وإنما على الحد الأدنى، ومن واقع ضعف قوى الثورة، وباعتبار أن الأولوية لوقف القتل واستعادة الاستقرار وعودة اللاجئين، وبحكم أنه لا يمكن تحقيق كل شيء دفعة واحدة، وأن المزيد يتطلب عودة الحياة الطبيعية وبناء إجماعات وطنية جديدة.

ورابعها، ثمة طبقات دخلت، أو أقحمت، في ثورة السوريين، على مشاكلها ونواقصها، وهذا بديهي في بلد، تبين أنه «مفتاحي»، وبمثابة عقدة، إلى هذه الدرجة، لذا فمن المثير معرفة كيف ستتمكن الثورة من الحفاظ على مكانتها، وعلى مصالح شعبها وأولوياته، لاسيما والأمر بات يتعلق بأدوار قوى دولية وإقليمية، ثمة شبهات حول تطابق سياساتها ومصالحها مع السوريين، لاسيما أننا نعيش وطأة تجارب سابقة مريرة، كالعراق، أو ليبيا، مثلاً.

الحياة

موقع الأسد في مأزق سورية/ خالد الدخيل *

تنتظر المنطقة تصويت الكونغرس الأميركي على مشروع قرار بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري على خلفية أنه استخدم السلاح الكيماوي في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي. الأرجح أن يحصل القرار على الموافقة بفارق صغير في الأصوات، خاصة في مجلس النواب. هناك أسئلة كثيرة، وتوقعات أكثر عن حجم الضربة ودوافعها وأهدافها. وهذا موضوع مفتوح على كل الاحتمالات تقريباً. من الممكن السيطرة على توقيت الضربة وحجمها، لكن ما بعد ذلك ليس تحت السيطرة تماماً. ستكون الضربة حسب الإدارة محدودة في مدتها الزمنية، لكن هدفها المعلن هو تحجيم القدرات العسكرية لنظام الأسد، وخاصة قدرته على استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى. معنى ذلك أن الضربة لا يمكن أن تكون وخزة إبرة. والأرجح أيضاً أن أوباما سيذهب مع خيار الضربة حتى لو لم يوافق الكونجرس، أو انقسم حول ذلك. يبدو أنه بدأ يدرك حجم الخطأ، وحجم ثمن هذا الخطأ الذي تسبب به تردده لأكثر من سنتين في اتخاذ موقف واضح وحازم من المأزق السوري. بسبب هذا التردد تفسخ الوضع هناك بأبشع ما يمكن، وتراكم ضعف المعارضة، وفتحت أبواب الحرب أمام المتطرفين، وتضاعفت تكاليف الحرب ومآسيها. ثم بدأت عدوى التردد تنتشر، وبدأت تتعقد الحسابات خارج حدود الإدارة، فخارج واشنطن، ثم خارج حدود أميركا نفسها. بل ربما أدرك أوباما أن التفاتته لجنوب شرق آسيا على حساب الشرق الأوسط في هذه اللحظة تحديداً تهدد بإعادة رسم الخريطة السياسية لهذه المنطقة من دون أن تكون واشنطن طرفاً رئيسياً في هذه العملية. فتح تردد أوباما خياراً جديداً أمام خصوم أميركا لمحاولة فرض واقع سياسي جديد للشرق الأوسط. سياسة أوباما حتى الآن تفقد واشنطن خيار المبادرة بشكل تدريجي في موضوع إستراتيجي للسياسة الخارجية الأميركية. السبيل الوحيد لوقف هذا المسار هو بتوجيه ضربة هدفها المباشر النظام، لكن رسالتها تتجاوز إلى ما هو أبعد من النظام.

على الجانب الآخر هناك الرئيس السوري بشار الأسد. هو الذي فجر الأزمة، ويحتل مكان القلب منها. إلا أنه لا يملك بعدَ ما يقرب من ثلاث سنوات على انفجارها حلاًّ سياسيا لها. ثقافته، وخياراته، وتحالفاته لا تسمح له بذلك. وضع نفسه في زاوية لا يستطيع الخروج منها إلا في اتجاهين لا ثالث لهما: الانتحار السياسي أو دويلة بحماية الطائفة على الساحل. سيكون في الأخير أول من يدفع الثمن. هنا تبدو المفارقة الكبيرة. مركزية موقع هذا الرئيس لا تتجاوز البعد العسكري الذي تتمحور حوله الأزمة حالياً. أما دوره بالنسبة للبعد السياسي الذي سوف تستقر عليه سوريا في نهاية الأمر فيبدو هامشياً. كيف؟ هو ليس قائداً شعبياً يخوض حرب تحرير وطنية. وليس زعيماً يقاتل من أجل خيار سياسي وأيديولوجي خارج حدود العائلة والطائفة. يقاتل من أجل بقائه في الحكم، ومن أجل بقاء طائفته، مرتكزاً وحامياً لهذا الحكم. يعتبر أن أي تنازل بمثابة تسليم بخروجه وخروج عائلته وطائفته من الحكم إلى العراء السياسي. يحاول المحافظة على الإرث الذي ورثه عن والده، لكن من دون الذكاء الإستراتيجي الذي كان يحتمي به هذا الوالد. تحول بفعل الأزمة التي افتعلها إلى مجرد طرف في حرب أهلية مدمرة. يملك جيشاً قوياً. لكن الجيوش في الحروب الأهلية لا تستطيع الهروب من قدر تحولها إلى ميليشيات، وإنْ ميليشيات كبيرة.

تتحالف إيران، ومن خلفها حزب الله، مع بشار الأسد لسبب، وروسيا لسبب آخر، والصين لسبب ثالث. ودلالة هذا واضحة: ليس هناك مشترك واحد بين هذه الأطراف الأربعة. بشار في هذه المعادلة ليس أكثر من ورقة ضغط سياسية يستخدمها حلفاؤه لتحسين موقعهم التفاوضي على مستقبل سوريا ما بعد الأسد. ما يهم روسيا هو وقف المد الإسلامي الذي بدا أن الربيع العربي يدشنه في المنطقة. الصين معنية بعرقلة الالتفاتة الأميركية إلى المنطقة التي تتصاعد فيها قوتها الاقتصادية والعسكرية. لكن كلاًّ من روسيا والصين تدرك أن الأسد ليس أكثر من ورقة مرحلية موقتة، تفتقد للعمق الشعبي داخل سورية، وفي المنطقة ككل. وهذا ما يفسر إعلان وزير الخارجية الروسي أن بلاده لن تكون طرفاً في أي حرب قد تشعلها ضربة أميركية ضد النظام السوري.

بالنسبة لإيران يهمها موقع سوريا في العالم العربي وعلى البحر المتوسط. لكن، وعلى خلاف روسيا والصين، يهمها أيضاً الانتماء والاحتماء الطائفيين للنظام السوري. من دون ذلك تبقى سورية عصية على الهيمنة الإيرانية. بسبب هذا الانتماء تحالف معها الأسد الأب، ثم اعتمد عليها الأسد الابن لحمايته والدفاع عنه، لأن انتماءه للطائفة تحول إلى احتماء بها. ولهذا السبب تحديداً بقيت الأولويات التي يتميز بها بشار الأسد لا تتجاوز حدود هذا الانتماء والاحتماء المترتب عليه، فهو أول رئيس للجمهورية السورية يصل إلى الحكم بواسطة التوريث. الأمر الذي أضعفه في الداخل وألجأه إلى حماية العائلة والطائفة. وهو أول رئيس تنفجر في عهده ثورة شعبية. ومن ثم أول رئيس يقتصر دور الجيش في عهده على مواجهة المتظاهرين، وتدمير المدن من أجل مصلحته السياسية. وهو أول رئيس «بعثي» يُدخل سوريا في تحالف مغلق مع دولة غير عربية (إيران). ومن ثم أول رئيس سوري يُخرج سورية من لعبة الأقطاب والتوازنات العربية. واتساقاً مع هذا النهج هو أول رئيس سوري يتسبب في إخراج سورية من الجامعة العربية، وهي عضو مؤسس فيها. كما أنه أول رئيس سوري تخرج قواته من لبنان بما يشبه الطرد بقرار دولي. وأول رئيس لسورية لا يجد حليفاً عربياً يقف معه في أخطر أزمة تواجهها سورية في تاريخها. ثم إن بشار أول رئيس يعيد تأسيس دور سورية الإقليمي انطلاقاً من فكرة تحالف الأقليات في المنطقة، وليس من فكرة عروبة سورية، وأنها القلب النابض لهذه العروبة، كما يقال. وعلى خلفية كل ذلك، فإن بشار هو أول رئيس سوري يفجر حرباً أهلية في سورية على أسس طائفية في مجتمع يتميز بتعدديته الإثنية والمذهبية، ويميل دائما نحو استيعاب العلمانية.

على خلفية هذه الأولويات ربما كشفت الثورة السورية، والحرب الأهلية التي أفرزتها، لإيران هشاشة وخطورة استناد دورها الإقليمي على الانتماء الطائفي لها ولحلفائها في منطقة تستند إلى إرث طائفي عميق. تدرك إيران أن بشار فقد شرعيته محلياً وإقليمياً ودولياً. بات عبئاً سياسياً على الجميع. يبدو لاعباً مركزياً. لكنه أبرز اللاعبين الذين سوف يخسرون ويخرجون من المشهد. والحقيقة أن بشار لم يختر الدور الذي انتهى إليه، ساقته الأقدار إلى حيث هو. كان المفترض أن يكون عمه رفعت هو من يرث أخاه حافظاً في الحكم. لكن الصراع انفجر بينهما وهدد بإدخال سورية في حرب أهلية في بداية ثمانينات القرن الماضي. ثم كان المفترض أن يكون باسل، شقيق بشار، هو خليفة أبيه. لكن الأقدار لم تسمح بذلك. أخيراً استقر التوريث على بشار. ربما استبشرت طهران بهذه النهاية التي جعلت من عاصمة الأمويين ورقة سياسية بيدها. وتكتشف الآن أن الأمر ليس بالسهولة التي بدا عليها. لكن مأزق إيران في أن دورها الإقليمي مرتبط بانتمائها المذهبي من ناحية، وأن المستقبل السياسي لحليفها في دمشق بات خلفه من ناحية أخرى. من ناحية ثالثة هناك رئيس إيراني جديد (حسن روحاني) لا ينتمي للمحافظين ولا للإصلاحيين. هل يفسر كل ذلك تهنئة الرئيس الجديد ليهود العالم بعيدهم لرأس السنة؟ فعل ذلك في حسابه على تويتر، وباللغة الإنجليزية، وليس الفارسية. ثم قدم وزير خارجيته التهنئة نفسها، باللغة نفسها، وعلى حسابه في تويتر أيضاً. وأضاف الوزير في تغريدة أخرى أن إيران لا تنكر الهولوكوست، على عكس ما كان يقول به الرئيس السابق أحمدي نجاد. تبدو طهران وكأنها تريد استعادة التواصل مع واشنطن من خلال تل أبيب، وإن بشكل غير مباشر. ترى كيف ينظر الرئيس السوري لهذه الخطوات الرمزية التي تأتي من حليفه الأهم قبيل ضربة أميركية محتملة لقدراته العسكرية؟ وكيف يفسر تراجع حدة التصريحات الإيرانية ضد «الشيطان الأكبر» وهو يحضِّر لمثل هذه الضربة؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

شخصية أوباما والتحدي السوري/ عبد الرحمن الراشد

يفاخر باراك أوباما بأنه الرئيس الأميركي الذي أخرج بلاده من الحروب، ومن هذا المنظور يمكن أن نتفهم كيف ترك العراق على عجل، ووضع تاريخا للانسحاب من أفغانستان، واختلف مع رئيس وزراء إسرائيل رافضا توجيه الضربة الموعودة لوقف المشروع النووي الإيراني، واكتفى بقتل أعضاء تنظيم القاعدة عن بعد، بطائرات الاستطلاع (درون).

ومن الواضح جدا أنه يعيش إشكالية كبيرة في التعامل مع الأزمة السورية؛ فهي من ناحية أكبر أزمة إنسانية يواجهها العالم، يُقتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين بأسلحة ثقيلة، ويعيش ملايين من الناس مشردين يهيمون على وجوههم، من قِبل نظام له تاريخ طويل في الشر. ومن ناحية إضافية، نظام سوريا مخلب للنظام الإيراني وداعم لحزب الله، والاستفادة من الأزمة تصب في المصلحة الأمنية الأميركية، أيضا.

مع هذا تردد وتلكأ أوباما لعامين رغم تكرر الأسباب والمناسبات المبررة للتدخل، وهذا يعود إلى شخصيته وسياسته. وهو لم يقرر ردع النظام السوري بعد أن ثبت أنه من ارتكب جريمة قتل أكثر من ألف وأربعمائة ثلثهم أطفال، إلا بعد فحص وتحميص، ودعوات تصرخ طالبة نجدته من أنحاء العالم. وهو بعد أن قرر التدخل، تراجع نتيجة فشل رئيس وزراء بريطانيا في الحصول على تأييد من برلمان شعبه، وبعد أن تكاثرت نتائج الاستطلاعات القائلة بأن غالبية الشعب الأميركي، هي الأخرى، لا تؤيد التدخل الأميركي في سوريا. غيّر الرئيس تكتيكه وقرر الذهاب للكونغرس. الحصول على الموافقة على أي قرار، خاصة مثل الحرب، مسألة صعبة جدا، وقد لا ينجح، وبالتالي يصعب أن نتخيل أن يتحدى الرئيس إرادة الكونغرس ما دام هو الذي طلب الإذن منه.

فإن اعترض الكونغرس، وامتنع أوباما عن ردع نظام الأسد، فإن الحرب لن تتوقف، وسيقرأ الأسد ذلك كرخصة لمزيد من القتل، وكذلك إيران.

حتى لو امتنع أوباما سيسقط آجلا نظام الأسد لأن قدرته على الصمود تتناقص. أما لماذا نريد التدخل العسكري الأميركي فلأنه سيوفر الكثير من الدماء والآلام وسنوات من الحرب. فقد استغرقت الحرب بين إيران والعراق ثماني سنوات مات فيها نحو مليون إنسان، في حين استغرقت حرب الكويت والعراق ستة أسابيع فقط نتيجة التدخل الأميركي وطرد قوات صدام الغازية.

الحروب قبيحة كلها، وليس على العالم إلا أن يؤيد الحروب التي تردع المجرمين والغزاة. ولو أن أوباما حزم أمره مبكرا وقرر التدخل، أو الدعم العسكري منذ عامين، لما وجد العالم نفسه في هذا الوضع السيئ. الأسد وخامنئي، ومن قبلهما صدام والقذافي، أشرار لا يفهمون لغة التعايش، مثل هتلر وموسوليني وستالين وبول بوت.

ومع أن أوباما لم يدخل حروبا كبيرة، وتفادى التدخل في سوريا رغم ضخامة المأساة وتكرار المناشدة، رغم ذلك يستطيع القول إنه الرجل الذي صنع تاريخا مهما؛ في رئاسته قتل بن لادن، وأسقط القذافي، ودعم ثورات الربيع العربي في مصر واليمن. ورغم هذا السجل الحافل فإن سوريا حدث تاريخي بالغ الخطورة. وهو بتردده يخلق وضعا جديدا أكثر خطورة تنمو فيه إيران و«القاعدة» وأمثالهما، وهو ما سيضطر الولايات المتحدة لدخول حروب أكبر لاحقا.

الشرق الأوسط

سوريا وقانونية مواجهة ما هو غير قانوني!/طارق الحميد

ملخص النقاش الدائر في الغرب الآن حول الأزمة السورية، وتداعيات استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية هناك، هو مدى قانونية التدخل الخارجي من دون مظلة مجلس الأمن لمواجهة جرائم الأسد، غير القانونية بالطبع، التي أودت بحياة ما يزيد على المائة ألف سوري منذ اندلاع الثورة.

في أوروبا، وأميركا، جدال حول قانونية التدخل من دون موافقة مجلس الأمن، وهو نفس ما يقوله المبعوث الأممي لسوريا السيد الأخضر الإبراهيمي، وللسخرية طبعا نجد أن حزب الله يقول إن التدخل الغربي في سوريا هو جزء من الإرهاب المنظم، وتهديد للأمن الإقليمي، وفوق هذا وذاك تقول موسكو إنه لا ينبغي التدخل من دون موافقة مجلس الأمن، ويحدث كل ذلك ومجلس الأمن معطل بالطبع بسبب المواقف الروسية المتعنتة دفاعا عن بشار الأسد، فنحن أمام ما يشبه فيلما هوليووديا حيث تحاول الشرطة إلقاء القبض على عصابة مافيا إجرامية، بينما داخل البوليس نفسه من يدافع عن رجال المافيا ويحميهم من خلال تزويدهم بالأخبار، أو الحجج القانونية لإحباط اعتقالهم، وهذا ما تقوم به عمليا موسكو في مجلس الأمن دفاعا عن الأسد، ثم بعد كل ذلك تطالب روسيا المجتمع الدولي بضرورة اللجوء لمجلس الأمن الذي تعطله!

هذه هي القصة بكل بساطة غربيا حيث يطالب بضرورة اللجوء لمجلس الأمن رغم معرفة الجميع أن المجلس الأممي معطل لأنه بات رهينة للموقف الروسي الداعم لجرائم الأسد، يحدث كل ذلك بينما تتدخل إيران ومعها حزب الله في سوريا من دون أن يتساءل الغرب عن قانونية هذا التدخل، خصوصا أن تدخل طهران والحزب هو لقتل المزيد من الشعب السوري، ومعهم بالطبع الميليشيات الشيعية العراقية، وفوق كل ذلك يقول البعض في الغرب إنه لا بد من ضمان سلامة الأقليات في سوريا! ويتحدث الجميع عن ضرورة أن يكون التدخل الدولي في سوريا عبر مظلة مجلس الأمن بينما لم ينتقد أحد في الغرب، لا مؤسسات ولا جمعيات ولا كتاب، العملية العسكرية التي قامت بها إسرائيل قبل أسابيع في سوريا، واستهدفت أسلحة قيل إنها كان يخطط لنقلها لحزب الله، ومن دون إذن من مجلس الأمن!

يحدث كل هذا الجدال في الغرب بحجج قانونية بينما تشهد سوريا، والمنطقة، إحدى أكبر جرائم هذا العصر، وتدور هذه الجدلية «اللعبة» بينما لم تتوقف آلة القتل الأسدية، وبسلاح روسي، عن حصد أرواح السوريين، وتدمير سوريا ككل، فهل هناك عجز أكبر من هذا العجز الدولي، وهل هناك تخاذل أكبر من هذا التخاذل؟ والسخرية بالطبع لا تقف عند هذا الحد، حيث نقلت صحيفة «الحياة» عن دبلوماسي أوروبي قوله إن الأدلة التي قدمتها أجهزة الاستخبارات في الأيام الأخيرة أقنعت البلدان الأوروبية بتورط نظام الأسد، إلا أنه، أي الدبلوماسي الغربي، يقول إن «الأسئلة الوحيدة الباقية هي: هل اتخذ الأسد القرار أم اتُّخذ على مستوى عسكري»؟ فهل هناك استخفاف، وتقاعس، أكثر من هذا؟

الشرق الأوسط

يمكنك تحميل هذا الملف بصيغة الـ بي دي أف من الرابط التالي

ملف صفحات سورية الثاني عن الضربة الأميركية المرتقبة على سورية – كتاب عرب وأجانب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى