صفحات الرأينارت عبد الكريم

بالون النرجسيّة…/ نارت عبدالكريم

 

 

 

بالطبع سيعتقد الطفل الصغير، للوهلة الأولى، أنَّ صورة القمر المنعكسة على سطح الماء حقيقية، وسيَهمُّ بمَدّ يده لإمساكها والحصول عليها كما اعتاد أن يَمُدَّ يده الى الألعاب التي يراها في المحلات والمتاجر. فسطح البحيرة يعكس صورة القمر، وسطح القمر يعكس ضوء الشمس التي هي مصدر الضوء وليست سطحاً عاكساً، وتضيء من تلقاء ذاتها، فضوؤها ليس مزيفاً ولا مجرد انعكاس.

لكنّ الإنسان اعتقد لقرونٍ طويلةٍ جداً، كما الطفل في مثالنا السابق، أنَّ القمر يضيء من تلقاء ذاته، وأنَّ نوره أصيلٌ وحقيقي، كما يعتقد هذا الإنسان الآن أنَّ صورته التي يقدمها للآخرين، هذه الصورة التي يُطلق عليها اسم الأنا أو الشخصية أو النفس، هي حقيقية وأصيلة وليست مجرد وهمٍ أو انعكاس. ومن شِدَّةِ هوسه بها وتصديقه لها، يستمر بالنفخ فيها بكل عزمٍ وإصرار كما ينفخ الطفل بالون الهواء، حتى صارت لدينا شخصية للأمة ونفسية لها، وصارتْ هذه الشخصية الجمعية تشعر بالوهن وأحياناً بالإهانة، فترد بعنفٍ وغضبٍ ساحقين كما ردت شخصية الأمة الأميركية، على سبيل المثال، على الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر العسكري، فمسحتْ، عن وجه الأرض، مدينتين كاملتين بسكانهما المسالمين.

إنَّ الله، كما جاء في الأديان الإبراهيمية الثلاثة، اصطفى الإنسان من دون غيره من الكائنات الحية وأورثه الأرض بما عليها، وحلّل له قتلها وتسخير «الطبيعة» لمصلحته وهواه، ومن ثمَّ جاء الفلاسفة فأفردوا لهذا النوع، أي الإنسان، مكانةً خاصةً ومميزة حين قالوا أنَّه حيوانٌ مثله مثل باقي الثدييات، إلاَّ أنَّه حيوانٌ ناطقٌ وعاقلٌ. فإذا كان الإنسان، الذي يرى نفسه أرقى المخلوقات، هو الحيوان الناطق والعاقل على سطح هذا الكوكب، فمن يكون يا ترى الحيوان القاتل والفاسد؟.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى