صفحات الحوار

برهان غليون: “الثورة مستمرة، وإصلاحات الأسد وعود فارغة”

 


مونت كارلو الدولية

الدكتور برهان غليون، مدير مركز دراسات الشرق المهاجر في باريس، رأى في حواره مع مونت كارلو الدولية أن خطاب الرئيس السوري بشار الأسد لم يأت بجديد، وأن وعوده بالإصلاح جاءت ضبابية ومتأخرة، ولا تستجيب بالمطلق لمطالب الشعب السوري في الحصول على الحرية والديمقراطية.

س: هل فوجئت بالموقف الأوروبي السلبي من خطاب الرئيس الأسد؟

– لم أفاجأ، فالخطاب كان محبطاً للجميع. بعد شهرين من الحرب المعلنة ضد الشعب السوري بكل الوسائل العسكرية، الجيش، “الشبّيحة”، وبعد سقوط قتلى بالآلاف، وبعد حربٍ إعلامية وسياسية وتخوين للمعارضة، لا يمكن الحديث عن حوار من دون إعلان وقف الحرب.

من دون الإعلان عن وقف الاغتيالات وإطلاق النار وسحب الجيش من المدن، ووقف عمليات حصار المدن، والتراجع عن فكرة المؤامرة، والاعتراف بالمعارضة والحركة الاحتجاجية، يبقى كل ما قاله الرئيس السوري كلاماً فارغاً. وهذا ما دعا الناس لأن يقولوا بأن الخطاب جاء مخيباً للآمال.

س: لماذا هذا التشاؤم أو بالأحرى التشكيك بنوايا الرئيس السوري؟ لقد عرض إصلاحات. منذ فترة كان من غير الممكن الحديث عن إصلاحات مع النظام السوري؟

– بالتأكيد، لو كان هذا الخطاب الأول للرئيس قبل أن تسيل دماء السوريين غزيرة، كان من الممكن أن يوحي بالثقة وبأن هناك إرادة إصلاحية.

لكن اليوم بعد سقوط آلاف القتلى والمعتقلين وتشريد السكان والاحتلال والتمشيط المنهجي للمدن، يأتي الرئيس ليقول أنّ لديه نوايا إصلاحية. وقد قال بالضبط أنه اقتنع بأن الإصلاح ضروري.

بعد ثلاثة أشهر من ارتكاب المجازر والفظاعات التي أصبحت تثير ضمير الإنسانية كلها، يأتي الخطاب بدون أيّ قرار.

س- ألا تعتقد إنه إن أتى الخطاب متأخراً، خيرٌ من ألا يأتي أبداً؟

– المشكلة هي في مفهوم الإصلاح. الرئيس السوري يريد عملياً تربيع الدائرة. لذلك لم يقتنع أحد بخطابه، لا الشعب السوري ولا الدول الغربية والعالمية.

يريد أن يفتح حواراً، لكن مع استمرار الحرب على الشعب ومحاصرة المدن، لا يمكن أن يكون هناك من حوار. إذ لم يذكر الرئيس أنه سيسحب قواته من المدن.

س: قال الأسد أنها ليست حرباً ضد الشعب، بل ضد جماعات مسلحة ومخربة.

– هذا جزء من التمويه الذي حاول أن يغطي به استخدام العنف ضد الشعب،  والدليل أنه لم يعد أحد اليوم يتجاهل هذا الواقع.

كيف نفسر أن كل التظاهرات التي يقوم بها النظام للدفاع عن الرئيس ليس فيها مندسّون ولا مخربون ولا يسقط فيها أيّ إنسان.

لكن عندما يقوم الشعب بتظاهرات مستقلة، نجد فجأة أنّ فيها سلفيّين ومدفعية ورشاشات.

فإذا كان الرئيس يريد أن يبني خطابه على الكذب الذي تنقله إليه أجهزة الأمن والمخابرات ويستعيد في نفس الوقت ثقة الشعب، فهذا طبعاً لن يوصل إلى نتيجة.

يريد الرئيس أن يبدأ حواراً لكن بموازاة استمرار الحرب ضد حركات الاحتجاج والشباب، واستمرار إطلاق النار الحي. ويريد أن يكافح الفساد، كما قال، لكن مع الدفاع عن رموز الفساد المتمثلة بأقربائه.

البرنامج الإصلاحي الذي يقدّمه الرئيس يشبه تماماً ما يقدّمه رامي مخلوف من أجل مكافحة الفساد، أي أن يتحول من رمز للفساد إلى رمز للإصلاح والعمل الخيري. هذا هو جوهر مشروع النظام ككل.

س: تسنّى لبعض اللاجئين السوريين في تركية الاستماع إلى خطاب الأسد. وقد أبدوا جميعاً عدم ثقتهم بخطابه وعدم رغبتهم بالعودة إلى سورية في الأوضاع الحالية.

لماذا هذه الحالة من اللاثقة، علماً أن الرئيس بدا أقلهّ من ناحية الشكل والمضمون، على شيء من الإخلاص والصدق فيما عرضه؟

– بدل أن يقول للاجئين الذين تعرّض قسم منهم إلى انتهاكاتٍ صارخة وفظاعات أن يعودوا، والجيش لا يزال يحتل مناطقهم والقمع مستمر، علماً أن الجيش لم يتعرض لا للقمع ولا للمحاكمة ومحاكمة المسؤولين عن القتل، كان يجب أن يسأل نفسه: لماذا يهرب السوريون حيث يدخل الجيش وقوات “الشبّيحة” والأمن؟

الرئيس الأسد يمنّي نفسه أنهم يهربون أمام مدسوسين مسلحين ومجهولين. وهذا غير صحيح. إنهم يهربون أمام قوات الأمن السورية لأنهم يتعرضون للانتهاكات والقتل. وفي هذه الحال، لا يمكن للكلام أن يكذّب الفعل.

ما يحدث اليوم في سورية هو أن قوات الأمن والجيش و”الشبّيحة”، وكلّها تحولت إلى ميليشيات، أي جيوش خاصة تدافع عن الرئيس والنظام، أصبحت هي أداة للقتل والقمع والقهر لشعبٍ بكامله. إمّا أن يهرب الناس إذا كانت لهم القدرة على ذلك، وإما أن يقاوموا هذه الأداة بصدورهم العارية.

س: تحدّث الرئيس عن مجموعات مسلحة تخريبية. هذا القول قد يثير تفهم العديد من المواطنين السوريين. مَن هم هؤلاء المسلحين والمجموعات المسلحة؟

– كل كلام يصدر عن النظام اليوم حتى لو كان فيه شيء من الحقيقة، لم يعُد يصدقه أحد، لأن ليس هناك من وسائل إعلام أجنبية ذات مصداقية، ولا الإعلام السوري ذو مصداقية.

أصبح الإعلام السوري سلاحاً في الحرب المعلنة على الشعب وعلى حركات الاحتجاج، ولا يقدّم النظام تفسيراً له معنى عمّا يجري من هروب الشعب السوري من أمام الجيش.

في كل مرة يصرّح الشعب بأنه لا يريد دخول الجيش والدبابات إلى مناطقه. وما هي وظيفة الدبابات والجيش في المدن والشوارع السورية؟

من حق الشعب ألاّ يكون لديه ثقة، لأن الكلام الذي يقال مخالف تماماً لما يجري على الأرض من حربٍ معلنة ضده.

س: هل ستستمر الثورة أو الانتفاضة السورية حتى إسقاط النظام؟

– باعتقادي، انطلاقاً من هذا الخطاب سوف يتجدد نَفَس الانتفاضة والثورة وستلتحق بها فئات جديدة، لأنها قطعت الأمل في أن يكون هناك مخرج للأزمة عن طريق النظام.

ستلحق فئات جديدة كانت صامتة بهذه الثورة، ثورة الحرية.

بهذه المناسبة أريد أن أقول أنه على المعارضة بكلّ أشكالها ومكوّناتها، وعلى ممثلي حركات الاحتجاج الشبابية، بالإضافة إلى الأحزاب الكلاسيكية، والمعارضة والمستقلين في الخارج، أن يرتفعوا إلى مستوى التحدّي الذي وضعه الأسد أمامهم.

وضع الأسد أمامهم اليوم أنه مستمر في الحرب والتلاعب والمناورات السياسية، لتقسيم الشعب السوري. والإصلاح هو مشروع للمناورة السياسية.

على المعارضة بجميع أطيافها أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية، وأن تعلن منذ اليوم ببيانٍ مشترك موقفاً واحداً وموحّداً ضد السياسة الأمنية والقمعية للنظام.

على المعارضة أيضاً أن ترفض رفضاً باتّاً أيّ حوار وأي إصلاح مهما كان شكله ما لم يتوقف القمع ويُحاسَب المسؤولون عن القتل.

بعد ذلك، يبدأ الحديث مباشرة مع ممثّلي الشعب وحركات الاحتجاج والمعارضة، وليس أن يحاور النظام نفسه. هذا ليس حواراً، إنه “ضحك على الذقون”.

س: هل بدأتم اتّصالات لوضع هذا التصور أو الخطة؟

– أعتقد أنه يجب على المعارضة أن تبدأ منذ اليوم تجتمع على بيانٍ واحد يعبّر عن إرادة الشعب السوري وموقفه ككل ضد هذه المناورات السياسية التي لا تهدف إلا إلى إطالة الأزمة والتغطية على الحرب المعلنة ضد الشعب السوري وحقوقه الأساسية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى