صفحات الثقافة

تمرد/ ديمة ونوس

 حاولت جاهدة أكثر من مرة، أن أستغني في حديثي إلى الآخرين عن الله وأن أعثر على بدائل معقولة وغير مستهجنة في اللغة. وفي كل مرة، أكتشف مدى صعوبة الأمر. حتى أنني أعجز في بعض الأحيان عن إيجاد الرديف أو اختراعه. بعض تلك المصطلحات، بات محفوراً في الذاكرة ويصعب الاستغناء عنه أو الاستعاضة به. “الحمد لله” تصبح ماشي الحال. و”إن شاء الله”، تصبح نعم أو يا ريت بحسب سياقها في الجملة. لكن “الحمد الله على السلامة” مثلاً، لا أعرف بماذا يمكنني استبدالها. والأوضاع الحالية، تفرض علي استخدام هذه الـ “الحمد الله على السلامة” كل يوم تقريباً، نظراً لكثرة الهاربين من الموت في سوريا أو الخارجين من المعتقل أو الناجين من انفجار هنا وقصف هناك. وعبارة “يلا” أو “يا الله” التي أضطر إلى تكرارها عشرات المرات كل يوم لأحث إبني على القيام بأمر ما، بماذا يمكنني استبدالها؟

 فكرت بأن أقول له “هيا”.  لكنني وجدتها ثقيلة ولا تخلو من الادّعاء. تبقى عبارات مازحة تقال عادة بصوت عالٍ مثل أن نصرخ بحماسة في مواجهة موقف ما: “الله أكبر!”. هذه لا أجد أي داعٍ لاستبدالها كونها تأتي أصلاً في سياق حماسي ساخر أو احتفالي.

من جهة أخرى، ثمة مصطلحات، إن استغنينا فيها عن الله ستصبح مبنية للمجهول لأنها في الأصل تتكئ على فاعل مبني للمجهول. مثل “الله يحفظك”. لا يمكن لها أن تصبح “يحفظك” مثلاً. إذ من الذي سيحفظك؟ أو “الله يحميك” أو “الله يوقف معك”.

 أذكر أنني في العاشرة من عمري كنت أبرّر لزملائي اللحوحين في المدرسة، امتناع والدَي عن الصيام، بأمراض أخترعها لهما تستدعي تناول الدواء ثلاث مرات في اليوم. وكنت في اللاوعي أخاف من فكرة المجاهرة بعدم الصلاة أو الصيام. وكلمة إلحاد كانت من الكلمات المسوّرة بالمحرّمات مثلها مثل الجنس أو المعارضة أو “الإخوان المسلمين”.

 اليوم، يلفتني التبدّل الذي طرأ خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الخطاب الذي تتبنّاه شريحة لا بأس بها من الشباب العربي. ذلك الخطاب بات أكثر خطورة من قبل مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي. بات خطاباً معلناً يقرأه الآلاف مما يعرّض صاحبه إلى مخاطر عديدة. تبدأ بالتخوين والشتائم وقد تنتهي بالقتل. ومع ذلك، يبدو أن شريحة من الشباب لا تعير كبير اهتمام لتلك المخاطر وتجاهر بمواقفها المعادية للتديّن ولتحكم المؤسسات الدينية بالحياة السياسية في معظم البلدان العربية.

كثيرة هي الوسائل التي يمكن التعبير عبرها عن تلك الآراء المحرّمة اجتماعياً. على سبيل المثال، تقترح صفحة على “فايسبوك” ضمن قائمة التعريف عن هوية المشترك، معرفة وضعه الاجتماعي والمكان الذي درس فيه وديانته. ينقسم جمهور “فايسبوك” بين متجاهل لتلك الخانة التي تعرّف بالدين وبين مفتخر بديانته الإسلامية أو المسيحية وبين ملحد. قبل عام، انتشر فيديو على  موقع “يوتيوب”، ظهر فيه شاب يعلن إلحاده. إضافة إلى شبكات عديدة على موقعي “تويتر” و”فايسبوك” والانترنت تخصصت بالإلحاد وناقشته بجرأة واستطاعت أن تجذب جمهوراً واسعاً من كافة البلدان العربية بما فيها الخليجية.

ربما يكون جزء من هذه الحماسة وتلك الجرأة نابعاً من التمرّد على أي سلطة، سياسية كانت أم دينية. الشباب الذين خرجوا ضد الاستبداد العسكري، ها هم يخرجون اليوم ضد الاستبداد الديني والمؤسسات الدينية. والتخوف من الحذاء العسكري لا يقلّ عن التخوف من العمامة. كلنا نذكر اللافتات التي رفعت في تونس ومصر للتنديد بالعمامة ولمحاولة قلب الطاولة أمام رغبة بعض الجهات بسرقة الثورات وبالتعويض عن سنوات طويلة من القمع العسكري بفرض الشريعة الإسلامية.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى