صفحات العالم

بشار الأسد، هاوي إشعال الحرائق، يتحول إطفائياً


في بداية الازمة، جمع النظام السوري بين عدة مستويات، تأرجحت بين الاصلاح والقمع، وذلك قبل ان يستقر على الحل الامني الصرف. ويمكن تلخيص المنطق الذي يسير عليه الآن كالتالي: اولا، تشويه حركة الاحتجاج بافتعال حوادث عنيفة واستغلالها، وبجعل التظاهرات مستحيلة وقصرها على بلدات بعينها، وطائفة بعينها: السنية. وبعد ذلك، يتابع تنفيذ هذه الخطة… متخليا عن العملية اصلاحية،لأنه لا يحتاج اليها. اخيرا، يعتمد النظام على رفع ثمن الاحتجاجات عاليا، يستنزفها وينتظر هلاكها. وما يثير القلق هو ان يجد النظام نفسه في ديناميكية حرب اهلية، خصوصا في وسط البلاد، ما سيسمح له بخلط الاوراق.

منذ البداية، لم يكفّ النظام عن وصف ما يحدث بانتفاضة مسلحة، اسلامية وفئوية، تماما مثل الحركة التي واجهها في ثمانينات القرن الماضي ونحج في سحقها؛ وأيضا، لأنه لا يملك جوابا على حركة احتجاجية تطالب بتغيرات حقيقية. لطالما اكدت المعارضة ان التظاهرات هي سلمية ومدنية. في الواقع، كان في هذه التظاهرات قدر من العنف، قدر ايضا من الاسلامية والفئوية، وقد حاول النظام تأجيجها. بالمقابل عمل المتظاهرون على ابقاء هذه النزعات الاسلامية والفئوية، تحت السيطرة، وبنجاح مبهر؛ خاصة اذا نظرنا الى الاستفزازات التي تعرضوا لها.

الا ان هناك ثلاثة عوامل لا بد من تسجيلها: اولا، ظهور أشكال من الدفاع الذاتي في وجه الجهاز الامني، خصوصا في حمص التي تحولت الى نقطة تجمع الجنود المتمرّدين على قيادتهم. الثاني هو تعمّق الانقسامات الطائفية، سيما في المناطق الريفية حيث انكسرت العلاقات بين القرى. واخيرا، توحُّد الاطراف المختلفة للمعارضة ضمن هيئة واحدة، وهو توحيد ضروري نظرا لمخاطر الانزلاق.

هذه الازمة يمكن ان تدمّر المجتمع السوري، كما يمكن ان تعيد بعثه من جديد. والنظام، في اعماقه، ليس بوسعه سوى المراهنة على الخيار الاول: التدمير. فاستمراره على قيد الحياة مرهون بتلاعبه بالمخاوف الطائفية وبدعمه القوي للأكثر خضوعا له، ووقوف الغالبية العظمى من الناس موقفا سلبيا، وباستخدامه العنف الأقصى لإخضاع الأقل رضوخا؛ سيما المسؤولين من بين المناضلين الشباب الخلاقين الذين يلاحقهم النظام بحماسة شديدة، تنطوي على الكثير من المعاني. جزء لا بأس به من المجتمع يبقى أسير شياطينه، مثل حذره الطائفي ولا مبالاته السياسية؛ ولكنه يكشف ايضا عن امور مشجِّعة: اشكال التضامن الوطني غير المسبوقة، والتسيّس السريع لشبابه الذين يمثلون مستقبلا افضل للبلاد، واخيراً، استعادة الشعب السوري لتاريخه، بعدما حجبته الايديولوجيا.

المدافعون عن النظام يرون ان سلامهم سوف يتحقق باللجوء الى الاطفائي الهاوي إشعال الحرائق، بشار الأسد… والحال ان هذا الاخير يملك كل الحظوظ للسقوط بعدما تسبب بأقصى ما يمكن من الأضرار. ولأجل الحفاظ على أعمق البنى التي تمتع بها، ضحى النظام بكل ما كان يصنع قوته: الشعبية النسبية للرئيس، شكل من اشكال الكرامة القائم على “مقاومة” الاحتلال الاسرائيلي والامبريالية الاميركية، واقتصاد يتمتع، بالرغم من كل شيء، بنوع من الديناميكية. اما ديبلوماسيته المعروفة عادة بالمرونة، والتي كانت تسمح له بتجنب عزلة أكبر مما هو عليه، فقد أخلت المكان لردود افعال تعبر عن رعب، لا ينجم عنه سوى المزيد من العدوانية. النظام لم يعد قائما الا بفضل جهازه الامني، وهو الجهاز الذي يتدهور اداؤه يوما بعد آخر. ظاهريا، يُعتبر هذا الجهاز صلباً متماسكا، ، ولكنه في الواقع بالغ الهشاشة.

بقلم بيتر هارلينغ، الخبير في مجموعة الازمات الدولية. عن (“نوفل ابزرفاتور” 6 تشرين الاول 2011)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى