صفحات العالم

بشار الأسد في أمر اليوم: مواجهة «الفتنة» ثم الإصلاح

 


رغم ترداد الرئيس بشار الأسد 48 مرة في خطابه أمس كلمة «إصلاح»، و17 مرة فقط كلمة «فتنة»، يؤكد الانطباع بعد التجوال في دمشق، إثر انتهاء الخطاب، أن أمام سوريا متّسعاً من الوقت، مستقبلاً، للإصلاح. وعنوان المرحلة بالنسبة إلى القيادة السورية هو مواجهة الفتنة

غسان سعود

دمشق | عند التاسعة صباحاً من يوم أمس، وصلت إلى هواتف أعضاء مجلس الشعب السوري رسالة هاتفية «أس أم أس» تذكّرهم بوجوب حجز كراسيهم في المجلس قبل الساعة الحادية عشرة صباحاً. بعض هؤلاء كان قد وصل قبل التاسعة أصلاً ليتمرّن قليلاً على ترداد بيتي الشعر اللذين حفظهما للمناسبة. لكن النواب لم يضجروا في انتظارهم الرئيس ثلاث ساعات، شاغلين أنفسهم بالتلويح لعشرات المؤيدين الذين ترقبوا وصول الرئيس السوري بشار الأسد، قبالة المجلس النيابي، وسط حشد من عناصر الاستخبارات الذين نظموا الهتاف وطردوا من افترضوا أن ليس لديه عمل هناك.

قبل الخطاب، كانت التوقعات في مختلف الأوساط أنه سيمثل انعطافة في قيادة سوريا. المقرّبون من الرئيس كانوا يتحدثون عن خطاب يطمئن السوريين إلى انطلاق عجلة الإصلاح، ويدفع المصريين والليبيين وغيرهم من الشعوب العربية إلى الترحّم على أنفسهم، لأن الله لم يمنّ عليهم ببشار الأسد. أما المواطنون في فنادق دمشق الرخيصة ومطاعمها وسيارات الأجرة، فكانوا يحلمون بطيّ «السيّد الرئيس» نهائياً لصفحات «بيت الخالة» و«الفلقة» وغيرها.

ورغم استعادة النظام لثقته بنفسه إثر التظاهرات الحاشدة، ولا سيما في محافظات يعدّها البعض نقاط ضعف للنظام السوري، مثل دير الزور وحلب، كان معظم المطّلعين يرجّحون عدم سكر القيادة والتصرف كأن الثورة الشعبية باتت وراءها، في ظل معرفة الصغير والكبير في سوريا أن النيات الإيجابية للرئيس لا تكفي وحدها، وأن قرار مواكبة الشعوب العربية في تطلعاتها التحررية يستوجب خطوات هي أقرب إلى المعجزات منها إلى أي شيء آخر، ولا سيما أن معظم المقرّبين من الأسد يستفيدون من الوضع القائم وسيسعون جاهدين إلى تعطيل أي خروج عن هذا الستاتيكو، مع الأخذ في الاعتبار أن فصل الأمن عن السياسة، والاثنين عن الاقتصاد أو القضاء أو الإعلام أمر يكاد يكون مستحيلاً. وقد عمد الأسد، في ظل حرصه على استقطاب كل من يمكن أن يمثّل تهديداً لنظامه من الداخل في يوم من الأيام، لا إلى استيعاب فقط من يتهمهم الشعب بالفساد والإفساد واحتكار مقدرات البلد، بل من تقاعدوا وباتوا يستصعبون نقل السيجارة من شفاههم إلى «المنفضة»، وأيضاً أصدقاء والده، موزعاً عليهم ألقاب المستشارين.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام، ومن خلفه حزب البعث، لعب في الأيام القليلة الماضية ما يفترض أن يكون آخر ورقة في تهدئة الرأي العام السوري أو طلب مؤازرته، وهو شخص الرئيس بشار الأسد. فمنذ نحو أسبوع، أنزل الأسد إلى الشارع، وكان يمكن الشعب أن يشتم كل من يشاء ويتهم بالفساد والإفساد كل من يشاء أيضاً، شرط أن يرفع صورة الأسد ويجاهر باستعداده لافتداء الرئيس بالدم والروح. وكثيرون ممن نزلوا بعفوية، لا خوفاً من الاستخبارات، إلى الشوارع، إنما فعلوا ذلك إيماناً منهم بأن الرئيس الأسد يفهمهم وأنه يشاركهم الحلم بسوريا حرّة من سطوة الأمن وحرّة من الفساد.

المشهد الأول، حراسة الاستخبارات لأفواه التلامذة والطلاب (المحبين مئة في المئة للرئيس بشار الأسد) قبالة مجلس الشعب، لم يكن موفقاً في التعبير عن تصالح النظام السوري مع شعبه.

المشهد الثاني، أولئك النواب الذين تثبت محاضر العمل التشريعي في سوريا أن معظمهم لا يتقن غير التصفيق، لم يكن موفقاً أيضاً في التعبير عن تصالح الشعب السوري مع ممثليه. فالرئيس الذي يتحدث عن تواصل مباشر مع المواطنين يفترض أنه يبحث عن نائب يناقشه لا عن نائب «يبخّر» له، وقاعة تأخذ وتعطي لا قاعة تهتف ببلاهة «بالروح بالدم نفديك يا بشار». كأن هناك (في العالم لا في سوريا) من يتشكّك في أن ولاء مجلس الشعب السوري مطلق للرئيس الأسد، ما دام هو الممسك بالسلطة، مع الأخذ في الاعتبار أن تكرار التصفيق والزجل أربكا الأسد أكثر من مرة، فبدا محتاراً في ما يجب عليه فعله.

المشهد الثالث، مخرج التلفزيون السوري الذي راح يتنقل داخل المجلس التشريعي، حيث يتحدث الأسد بهدوء إلى الحشد في الخارج الذي بدا في الصورة غير مبالٍ بالكلمة، همّه أن يظهر على التلفزيون هاتفاً: الله سوريا بشار وبس.

أما المشهد الرابع، وهو مضمون خطاب الرئيس بشار الأسد، فتأثر سلباً بالمشاهد الثلاثة التي شدّته نزولاً. كذلك تأثر سلباً بما سبقه من رفع للتوقعات والآمال. كانت غالبية المواطنين السوريين تتوقع خطاباً تغييرياً، الأمر الذي لم يحصل. ويكاد يمكن القول إن الجزء الأكبر من الخطاب ورد في المؤتمر الصحافي لمستشارة الرئيس السوري الإعلامية بثينة شعبان، قبل أقل من أسبوع. ولعل نقطة الضعف الأبرز في الخطاب إظهاره الصراع الذي يعيشه نظام يودّ قول كل شيء ولا يقول شيئاً، ويودّ فعل كل شيء ولا يفعل شيئاً.

البداية كانت نثراً أدبياً يتغنى بعظمة سوريا وشموخها، على طريقة التلفزيون السوري. ثم كان الحديث عن اللحظة الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، مع اعتراف ضمني من الرئيس بأنه لا يخاطب شعبه إلا عند مرور الوطن السوري بامتحانات ومؤامرات. ولاحقاً، يشير الأسد إلى نيته الابتعاد عن الإنشاء العاطفي، بحثاً عن خطاب يبدل ويؤثر على صعيد حماية استقرار سوريا. لكن الخطاب سينتهي من دون أن يتضح ماذا قدم ليبدل ويؤثر، في ظل اقتناع الشعب السوري، كما أظهرت تظاهرات الثلاثاء الماضي، بأن هناك من يريد الإصلاح وهناك من يريد الفتنة.

وبعيداً عن تأكيد الأسد أن الشعب السوري، خلافاً لكل شعوب العالم وأفراده، يتعلم من نجاحه لا من فشله، يمكن التوقف عند ثلاث نقاط سلبية وأربع إيجابية تضمنها خطاب الأسد.

أولى النقاط السلبية: عدم شرح الأسد ماهية الفتنة التي يهدد بقمعها، ومباركة المطالبة بالإصلاح قبل سحب مطالبة كهذه من التداول على اعتبار «أن الكل إصلاحي» وأن «من السهل التغرير بكثير من الأشخاص الذي يخرجون في البداية عن حسن نيّة».

ثانيتها، ظهور الأسد بمظهر مَن يخجل بالإقدام على الإصلاحات نتيجة ضغط الشارع، مع العلم بأن السبب الرئيسي للتظاهرات المؤيدة للنظام في الأيام القليلة الماضية كان القول إن الرئيس الأسد سيبدأ الإصلاح والتغيير وهو في موقع قوة، لا ضعف. ويشار هنا إلى أن الأسد، في معرض «تبريره» الإصلاحات التي سيتبناها النظام، عاد وقال إن هناك سببين لتبني هذه الإصلاحات، أحدهما يرتبط بالأزمة الحالية.

ثالثتها، مروره المختصر والسريع جداً على الإصلاحات التي ينوي تحقيقها. وهو حدد الخطوط العريضة لأهم الإصلاحات التي يفترض أن تشرف عليها الحكومة المقبلة، وهي: إنهاء العمل بقانون الطوارئ، إقرار قانون أحزاب جديد، إضافة إلى إجراءات أخرى تتعلق بمكافحة الفساد وبالإعلام وزيادة فرص العمل.

في المقابل، أبرز النقاط الإيجابية هي اعتراف الأسد بأن سوريا «ليست بلداً منعزلاً عما يحصل في العالم العربي، ونحن بلد جزء من هذه المنطقة نؤثر ونتأثر»، مع أخذه في الاعتبار أيضاً أن لكل دولة خصوصيتها على صعيد التفاعل مع قضايا الإصلاح والتحرر.

ثانيتها، التأكيد أن وجود مؤامرة أجنبية لا يعني أبداً عدم وجود مشكلة داخلية. لكن إيجابية هذا التأكيد سرعان ما تبددت حين تحدث الأسد عن «وجود بعض الخيوط للمؤامرة الكبيرة» داخل الوطن، وبالتالي إن باب الاتهام بمساندة المؤامرات الخارجية مفتوح.

ثالثتها، الاعتذار الضمني لأهل درعا عن الاتهامات التي وجهت إليهم عبر مسؤولين وإعلاميين رسميين. وقد خاطب الأسد أهالي محافظة درعا بذكاء، من دون أن يضطر إلى تقديم اعتذار واضح عما حصل هناك. لكنه لم ينجح في إظهار جديته في التحقيق ومحاسبة المسؤولين.

رابعتها، الاعتراف بأن النظام تأخر في الإصلاح المنتظر منذ عام ألفين، وتعداده مبررات لتأخر عملية الإصلاح، يمكن وصفها بالمنطقية.

خلال إلقاء الأسد كلمته، لم يكن من الممكن سماع صوت في دمشق غير هديل الحمام المتنقل من شرفة إلى أخرى في دمشق القديمة، ووقع «نضوات» البغال تسرع بأصحابها فوق العربات إلى منازلهم. أما بعد الكلمة، فبدت دمشق كعادتها، صاخبة ووحيدة: كثر لم يفهموا شيئاً، وكثر فهموا وتمنوا لو لم يفهموا.

وسارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى وصف الخطاب بأنه «يفتقر إلى المحتوى»، مشيرة إلى أنّ «من السهل للغاية البحث عن نظريات المؤامرة» من «الاستجابة بطريقة ذات معنى للدعوة إلى الإصلاح». وأضاف المتحدث، مارك تونر، «نتوقع أنهم (الشعب السوري) سيكونون محبطين. نشعر بأن الخطاب يقصر عن نوع الإصلاحات التي يطالب بها الشعب السوري وما أشار مستشارو الرئيس الأسد أنفسهم إلى أنه آت».

الأخبار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى