صفحات العالم

إلى أين تتجه الثورة السورية؟


ايغناثيو ألباريث- اوسوريو

ترجمة: الحدرامي الأميني

يبدو أن الوقت يسير في غير صالح الأسـد. فمذابح الحولة والقبير، حيث تم تصفية مائتين من المدنيين بدم بارد، تبين أن النظام السوري قد يكون في طور استنفاد خرطوشته الأخيرة. وقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بعد اجتماع مغلق في مجلس الأمن، من أن “خطر نشوب حرب أهلية في سورية وشيك وحقيقي”. ورغم أننا مازلنا بعيدين عن هذا السيناريو، إلا أن المذابح الأخيرة قد تؤشر إلى نقطة تحول في أزمة هذا البلد.

إذا كان ثمة من شي قد أظهرته هذه الشهور الخمسة عشر الماضية من الثورة فهو أننا لا نواجه مشهداً ثابتاً وأن على الأطراف الفاعلة التكيف مع هذا الوضع المتغير. النظام السوري هو، على الأرجح، الطرف الفاعل الأقل تغييراً لاتجاهه، ذلك أنه يستمر في الدفاع على نحو أعمى عن وجود مؤامرة دولية، كما عاد وفعل ذلك الرئيس بشار الأسد في مداخلته أمام البرلمان المشَّكل مؤخراً في الثالث من أيار| مايو. لا يخفي هذا الخطاب الفشل في استراتيجيات البقاء المطبقة حتى هذه اللحظة، والقائمة على سياسة الأرض المحروقة التي خلًّفت دماراً واسعاً وتسببت في سقوط 14115 ضحية على الأقل (9862 مدنياً و3470 عسكرياً و783 منشقاً وفق بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان).

بالرغم من وحشية القمع، لم يحقق النظام نجاحاً في وقف الثورة. فالفرقة الرابعة المدرعة (التي يشكل العلويون ثمانين بالمائة منها ويقودها ماهر الأسـد شقيق الرئيس) والشبيحة الرهيبون (قوات شبه عسكرية من المنطقة الساحلية يمولها رجال أعمال قريبون من آل الأسـد) لم يكونوا قادرين على إعادة بناء جدار الخوف الذي حطمه الحراك الشعبي. وإذا كان صحيحاً أن النظام السوري ما زال متماسكا نسبياً في ما يتصوره حرب حياة أو موت ليس فيها إلا منتصرون ومهزومون، إلا أن نضوباً حقيقياً في مصادر دعمه التقليدية قد بدأ بالظهور. لقد فاقمت الأزمة الاقتصادية من استياء تجار دمشق وحلب، مركزي ثقل الاقتصاد السوري. ومن الممكن أن تكون النخب الاقتصادية السُنية في هاتين المدينتين قد بدأت بإعادة النظر في هذا الدعم.

يعتقد الخبراء أن الاقتصاد السوري سينكمش هذا العام بما يقرب من ستة بالمائة وأن الليرة السورية لم تتوقف عن التراجع أمام الدولار (تغير سعر الصرف الرسمي من 47 ليرة مقابل الدولار إلى 67 ليرة، إلا أنه أكثر من ذلك بكثير في السوق السوداء). إنه مشهد كارثي بالنسبة لمصالح هذه النخبة التجارية، يمكن أن يحملها على فك تحالفها مع آل الأسـد، كما يبين ذلك الإضراب العام الذي دعا إليه تجار الوسط التاريخي لدمشق في الثامن والعشرين من أيار| مايو. وقد تكون الطبقة التجارية بصدد إعادة تموضعها إزاء انهيار أكثر من مرجح للنظام، مضاعفة التفاتاتها نحو المعارضة وكذلك نحو الجيش السوري الحر، الذي قد تقوم بتمويله بسخاء.

في داخل البلاد نرى إعادة تشكيل للقُوى بين المجموعات المعارضة. فلجان التنسيق المحلية المكونة من الناشطين الشباب الذين يقودون التحركات أيام الجمعة، مازالت تلعب دوراً مركزياً في الثورة. لكن قدرتها على الحشد تأثرت جرَّاء القمع الذي كانت هدفاً له. من ناحيتهم، غادر المعارضون التقليديون للنظام (ميشيل كيلو، هيثم المالح، كمال اللبواني، جورج صبرا، سهير الأتاسي، الخ)، الذين كان لهم دور مركزي في ما يُسمى ربيع دمشق، غادروا البلاد لإنقاذ أرواحهم.

بينما تتجه لجان التنسيق المحلية لفقدان بعض ثقلها، أخذ الجيش السوري الحر، المكون من منشقين عن الجيش النظامي يشنون حرب عصابات ضد قوات النظام، أخذ يكسب أهمية مطردة. وقد تزداد أهميته في حال تسارع وصول السلاح إثر موافقة الجامعة العربية على قرار “يأذن بكل أشكال الدعم السياسي والمادي لحماية المدنيين”. كما أن إنشاء صندوق بثلاثمائة مليون دولار يهدف “لمأسسة عمليات الدعم للثورة السورية” من جانب المنتدى السوري للأعمال (مجموعة أُسست حديثاً مكونة من رجال أعمال سوريين، أُعلِن عنها في الدوحة) يبدو أنه يذهب في الاتجاه نفسه.

تم أيضاً رصد تسلل مجموعات سلفية، يمكن أن يكون لها تأثير ضار، رغم كونها صغيرة، في حال قيامها بشن هجمات طائفية تستقطب السكان المدنيين السوريين المتباينين. ويجب أن لا ننسى أن الحكمة السائدة بالنسبة لهذه المجموعات هي، كما رأينا في العراق، “كلما كان الوضع أسوأ، كلما كان أفضل”. ومع العنف المتزايد، يتزايد الضغط على المجتمع الدولي من أجل أن يتصرف بطريقة فعالة. لذلك فإن من الأهمية بمكان أن تكون للجيش السوري الحر قيادة موحدة ترسم استراتيجية واضحة تحيِّد السكان المدنيين. إلى ذلك، لم تخفِ شخصيات بارزة من المعارضة استياءها من تدخل العربية السعودية، البلد الذي لا يمثل نموذجاً يحتذى نظراً لقصوره الديموقراطي.

في الخارج، مازالت القوة المهيمنة هي المجلس الوطني السوري، الذي كان يتمسك في البداية بثورة سلمية لكنه أخذ يميل تدريجياً باتجاه الاستراتيجية العسكرية. ويبدو أن إنشاء لجنة لتنسيق العمليات العسكرية ضد النظام يشير إلى أن المجلس الوطني السوري بات يعتبر أن المقاومة المدنية لا تستطيع، وحدها، التسبب بسقوط الأسـد. تخلت هذه  المجموعة أيضاً عن حيادها في القضايا العربية مقيمة تحالفات مع العربية السعودية وقطر وتحالف 14 آذار اللبناني، الأمر الذي يظهر ميلاً نحو الجانب الغربي والمضاد لإيران. كما أن خروج برهان غليون من الرئاسة واستبداله بالمعارض الكردي عبد الباسط سيدا يظهر أن المجلس، الذي مازال الأخوان المسلمون يسيطرون عليه، قد دخل في ديناميكية جديدة.

والحال هكذا، مازال من المأمول حصول انخراط أكثر فعالية من جانب المجتمع الدولي. لقد حملت المجازر الحديثة في الحولة والقبير مجلس الأمن على إقرار بيان إدانة حظي بموافقة روسيا والصين، الحليفين التقليديين لدمشق، اللذين كانا يعارضان أي قرار مضاد لمصالح النظام السوري. وحال فشل خطة أنان بدأت بالظهور مبادرات مختلفة، من بينها إنشاء مجموعة اتصال يمكن أن تتشكل من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي، الجامعة العربية والدول المحيطة: العراق، تركيا، الأردن، وإيران (التي تعارض انضمامها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا). لكن يبدو من الصعب أن تتوصل أطراف فاعلة شديدة التباين ولديها مصالح شديدة التضارب إلى توافق حول خريطة طريق يمكن اتباعها في سـوريا.

في إطار التنوع في الخطط المقدمة، فإن أقلها كلفة من الناحية الإنسانية قد تكون تلك المطروحة من قِبَل بلدان الخليج والمستندة إلى النموذج اليمني. وفق هذا الأخير، سيتم استبدال بشار الأسـد بنائبه فاروق الشرع، الذي سيكون مسؤولاً عن إدارة العملية الانتقالية نحو ديموقراطية تعددية. لكن العائق الرئيسي في التطبيق هو، مرة أخرى، رفض بشار الأسـد مغادرة السلطة بطريقة طوعية. المجازر الأخيرة يبدو أنها تشير إلى أنه مستعد للقتال حتى الموت.

http://www.fp-es.org/%C2%BFhacia-donde-va-la-revuelta-siria

مجلة بوليتيكا اكستريور الإسبانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى