صفحات العالم

بشار.. العائلة.. الطائفة وبس!


حسين شبكشي

في عام 1987 كنت أخرج بسيارتي من أحد مواقف السيارات بمدينة ماربيا الإسبانية، وكدت أصدم رجلا يقطع الطريق، وبالكاد تمكنت من أن أوقف السيارة قبل سنتيمترات من الارتطام به، وإذا بي أفاجأ بأنني أمام رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، رفعت: الشخصية المقيتة، والدموي المنفذ لإبادة مدينة حماه، وقتل 45 ألفا من سكانها، واعتقال الآلاف، وإهانة المحجبات، والتسلط والاستبداد، بل وحتى محاولة الانقلاب على أخيه الرئيس نفسه إبان مرض حافظ الأسد في الثمانينات، وفشلت محاولة الانقلاب، وقام حافظ الأسد بطرد رفعت وتجريده من صلاحياته، إلا أن رفعت ظل يتمتع ببحبوحة العيش بأمواله التي نهبها من سوريا، فكانت له الممتلكات العقارية المذهلة في إسبانيا وفرنسا وإنجلترا، وكذلك دخل في مجال الإعلام فتملك صحيفة ومجلة ومحطة فضائية، كلها لخدمة مشروعه السياسي كمصلح سياسي للعودة ثانية لسوريا، وزادت وتيرة هذه الحملة وفاة حافظ الأسد، وطالب رفعت علانية بحقه في الرئاسة، وحسم الموضوع لصالح الابن بشار! ولعل هذه الواقعة والكثير غيرها كانت تدل بصراحة واضحة على أن أسرة آل الأسد هي قلب الحكم في سوريا، بغض النظر عن الحكومة والنظام. فالنظام هو الجيش وحزب البعث والمؤسسات المساندة، والحكومة هي وزارات ووزراء والجهاز التنفيذي المطبق لسياسات النظام، ولكن آل الأسد تمكنوا من تحويل سوريا إلى مركز سيطرة للنفوذ، ومكنوا المناصب الخفية (الحقيقية) التي تعني الحكم لأهل الثقة، وليسوا من أهل الكفاءة، فبقيت المخابرات بفروعها المختلفة في أيدي «المحاسيب» والأنصار، وهي تتبع الرئيس مباشرة، ولا علاقة لها أبدا بالهرم الوظيفي الرسمي. وبدأت زراعة الأخ رفعت وتكوين سرايا الدفاع، تلك الذراع الفتاكة، لحماية النظام، أو بالأحرى لحماية قلب الحكم، وتوسع نفوذه وكون محاسيب وأنصارا وملاءة مالية كبيرة. ونفس الشيء بدأ يحصل لباسل الأسد حينما كان يتم تأهيله لوراثة أبيه، فهو الذي كان الخيار الأول لأبيه حافظ الأسد، وما إن توفي باسل حتى جيء ببشار وتم تأهيله بصورة سريعة حتى وصل للحكم كما هو معروف، ومشى بشار على نفس الدرب وبدأ في إعادة توظيف شقيقه الأصغر «ماهر» ليقوم بنفس دور عمه رفعت بأن يكون «فتوة» قلب الحكم، وهو الذي ظهر بشكل دموي ومقزز منذ انطلاق الثورة السورية في وجه نظام الرئيس بشار الأسد، وقرر بشار توكيل ماهر الأسد و«فرقته الرابعة» لقمع الثوار دمويا، وبدأت الصور والقصص تروى عن المجازر والمذابح التي تمت ولا تزال، وكان رامي مخلوف صورة قبيحة أخرى لتسلط الدوائر الخاصة بقلب الحكم في مسيرة البلاد، وسلمت إليه ولوالده (خال الرئيس) الكعكة الاقتصادية للبلاد بشكل مدهش، وكان لصهر العائلة آصف شوكت، رجل الاستخبارات، سمعة مخيفة، وبدأ نفوذه في ازدياد حتى حدث التصادم الكبير بينه وبين ماهر، وانتصر رأي ماهر، وتم إقصاء آصف شوكت إلى منصب شرفي رغم احتجاج زوجته شقيقة الرئيس (بشرى). واليوم هناك حديث عن قرب عودة العم رفعت لنصرة «قلب الحكم» وابن أخيه بشار، وقد بدأ هذا الغزل منذ فترة حين تم السماح بعودة أبناء رفعت، والسماح لهم بممارسة حياتهم الطبيعية لينضموا إلى الأسرة الكبيرة الحاكمة، وكذلك سلالة العم الآخر «جميل» الذي كان الآمر الناهي لميناء اللاذقية وملحقاته من منافع وخيرات خلال فترة الرئيس حافظ، وواجه باسل بعد ذلك في صراع نفوذ انتهى لمصلحة باسل وقتها. تعامُل بشار الأسد مع المشكلة بأنها تحد للعائلة الحاكمة (التي لها الحق في الحكم باعتبار أنه ورث المسألة من أبيه) هو معنى غريب وفهم عجيب للإصلاح المطلوب والمنشود من الشعب السوري، لأن سوريا لا تزال المنظومة الحاكمة لها تنظر إليها على أنها ملكية خاصة، وأنها الوحيدة الأدرى بالصالح لها، وغيرها لا يعي، ولعل الخلاص من الساسة بطرق غريبة يؤكد أن الحكم في سوريا هو للأسد ومن معه، ويعد محمود الزعبي وغازي كنعان (اللذان تم الخلاص منهما) وكذلك حكمت الشهابي وعبد الحليم خدام (اللذان لا يستطيعان العودة لبلادهما)، وغيرهما من نماذج العمل السياسي المقرب من السلطة في سوريا، خير دليل على ذلك.

منظومة الحكم الموجودة في سوريا هي سبب ما آلت إليه الأمور، ورهانها اليوم أن هذه المنظومة هي التي ستحمي الحكم، وستحمي الطائفة التي تنتمي إليها الأسرة، وهي التي منها يتشكل قلب الجيش السوري في قيادته اليوم. بشار الأسد لا ينظر اليوم إلى أبعد من نفسه وأسرته والطائفة، وهذا سيعجل بنهاية نظامه سريعا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى