إياد الجعفريصفحات المستقبل

بشار لم يقرأ ميكافيللي/ اياد الجعفري

 

 

بخلاف والده، وقع بشار الأسد في خطيئة مميتة وفق مقاييس فن الحكم، لدى المنظر السياسي الإيطالي الشهير، نيكولا مكيافيلي. وبموجب تلك الخطيئة، سيبقى بشار، في أدنى الحدود، أسيراً. وقد يخسر كرسي الحكم. بل قد يخسر حياته أيضاً.

وبخلاف كثيرين من المراقبين هذه الأيام، من أولئك الذين يتحدثون بإعجاب عن تجاوز بشار الأسد لواحدة من أخطر المحن التي قد تواجه حاكماً.. كشفت الأشهر الأخيرة، بما لا يدع مجالاً للشك، بأن بشار الأسد بات، في أدنى الحدود، أسيراً لدى الإيرانيين والروس. وأن حركته مشلولة، وهامش مناورته ضيق للغاية.

لا نعرف مدى دقة ما كان يُشاع عن أن حافظ الأسد، كان لا يهجع إلى فراشه كل مساء، دون أن يقرأ قليلاً من كتاب “الأمير”، لميكافيللي. لكن، على مدى سنوات حكمه الثلاثين، كانت كل تعاليم ميكافيللي، ونصائحه، جليّة في سياسات الأسد الأب، وفي سلوكياته.

ولا نعرف أيضاً، إن كان بشار الأسد، قد اطلع بدوره على ميكافيللي، أو أوغل في التعمق بتعليماته، على غرار والده. أم أنه اكتفى فقط بتعليمات الأب ودروسه. لكن من الجلّي، اليوم، أن الابن وقع في خطيئة مميتة، أفرد لها صاحب كتاب “الأمير”، فصولاً، كي يحذّر الحكام من خطورتها، ألا وهي، الاستعانة بقوات أجنبية للمساعدة.

اليوم، يعتقد البعض أن حلفاء الأسد انتصروا في سوريا، مبدئياً. لكن، هل انتصر الأسد الابن؟.. يجيب ميكافيللي: “لا يعتبر النصر الذي تكسبه الأسلحة الأجنبية، نصراً حقيقياً”. بل يذهب صاحب كتاب “الأمير” إلى أبعد من ذلك ويعتقد أن على الحاكم أن يلجأ فقط، لقواته الوطنية، وألا يلجأ إلى قوات أجنبية، أو إلى المرتزقة. وأن عليه أن يفضل الانكسار بقواته الخاصة، على أن يُكسر بقوات غيره، التي استجلبها.

عملياً، خسر بشار كرسي الحكم، الذي دمّر البلاد من أجله. هو شن حربه الشعواء، بناء على مشورة المقربين منه، بغية الحفاظ على صلاحياته المطلقة، في الحكم. فهل هو اليوم يتمتع بهذه الصلاحيات؟!

أكثر ما يتضح ذلك، في الاشتباك الإقليمي – الدولي، الذي دار في الأسابيع الأخيرة على التراب السوري. إذ بدا بشار غائباً تماماً، من الناحية العملية. فجرأة التحرش بالأمريكيين في دير الزور، وبالإسرائيليين، جنوباً، ليست سياسات بشار، ولا تعليمات الأسد الأب. إنها بصمات إيران وروسيا. وبالتالي، فإن رغبة الغرب، وربيبتها، إسرائيل، في إبقاء نظام الأسد على قيد الحياة، لتجنب البديل “الإسلامي” الذي يخشونه في سوريا، ما عادت تجد استجابتها المرجوة في دمشق. فتلك التي حكمها الأسد الأب، ونجله، لأكثر من أربعة عقود، وفق سياسات مهادنة وقواعد لعبة، استقرت على أساسها العلاقة مع الغرب ومع الإسرائيليين، باتت اليوم تخضع لسياسات أخرى، ولقواعد لعبة أخرى. ومن غير الواضح بعد إن كان الغرب والإسرائيليون، سيقبلون بهذه الصيغ الجديدة من قواعد اللعبة. لكن المؤشرات الأولية، لا تُوحي بذلك. وتصريح أحد المسؤولين الإسرائيليين، جلي، بأنهم ليسوا مستعدين للقبول بخطر يتمادى على الجبهة السورية، بحيث لا يمكن التصدي له مستقبلاً.

الخطر الإيراني المتفاقم على كامل خطوط الجبهة الشمالية للكيان الإسرائيلي، سيكون لأشهر، وربما سنوات، موضع صراعٍ خطِرٍ. وما دام الإيرانيون غير مستعدين للتخلي عن مكاسبهم، التي حصّلوها بالدم والمال، في سوريا، سيكون الإسرائيليون، بدعم غربي، غير مستعدين للركون إلى وضع مستقر في سوريا. وبشار، بين فكي كماشة، سيبقى أسيراً، في الحدود الدنيا. وسيكون كرسي حكمه، وربما حياته، في خطر، بشكل دائم.

ربما خمد الحراك الثوري الذي هدد حكمه. وربما ذبل الحراك المسلح الذي هدد ذلك الحكم أيضاً. لكن بشار، في سبيل القضاء على الحراك الثوري والمسلح ضده، استجلب ما هو أدهى وأمرّ، على مصالحه ومصالح الدائرة الضيقة المحيطة به، في أعلى هرم السلطة بدمشق.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى