صفحات سوريةمحمد زكريا السقال

هنا نحن وجها لوجه ؟

 


محمد زكريا السقال

الحرية، يا إلهي، أي بريق لهذه الكلمة! وكم نحن عطشى لها، نحن السوريون أصحاب أعرق حضارة في التاريخ. لبسنا فيه الألوان كلها، ألوان زاهية تبرقعت به الوحدة العربية وعلت رؤوسنا وجباهنا، وحملت فيه فلسطين على الأكتاف وغرزت بالقلب، وضاعت الحرية وجلست الاشتراكية على كل موائدنا يتيمة عارية .

كل القضايا حزينة في بلدي، كل المشاريع والأهداف بائسة في وطني، من فلسطين إلى الوحدة والاشتراكية والمرأة والطفل والإنسان عموماً والعمل والتنمية والتعليم والحب والشجر والغناء والرقص والفرح. لقد سرقت كلها وتحولت على يدي سماسرة الأنظمة إلى سلع تُباع وتُشترى. كمموا أصواتنا، وأغلقوا علينا زنازين معتقلاتهم، وصبوا رصاص قمعهم، وفرضوا علينا كل أنواع الذل والهوان! باسم الأمة وفلسطين، وهما الأكبر والأغلى، نُذلُّ ونُحتَقر.

صديقي الذي سأل عن الوحدة اعتُقل وأُهين لأنه أوهن نفسية أمة بكاملها بهذا السؤال؛ مواطن آخر قال: لننتصر العراق! اتهم بالإرهاب والقاعدة والعمالة؛ وثالث سأل عن مصير العدالة فاعتقل وجُرِّم بتهمة التعرض لهيبة الدولة؛ وعاشر سأل عن الفساد فسُحل وأُدين. نحن متهمون دوماً على يد هذه الأنظمة، مهمَّشون، متفَّهون، ومستبعدون، ذلك أقل ما يمكن أن يُقال لتوصيف حالة مجتمعنا. وسنبقى كذلك حتى نثور، وننزع هذه الغلالة التي كبَّلت سوريا منذ 1963، حيث ساد قانون الطوارئ اللعين وسرق أمننا، وصوتنا، وحريتنا، وأحلامنا. يموت الرئيس فيورَّث ابنه، تتغير الحكومات، ونحن لا بدَّ أن نصمت ونلعق الذل باسم المخاوف الوطنية والمشاريع التي تستهدفنا، حتى بات المواطن يشك في نفسه كما لو أنه المسؤول عن تلك المشاريع وعن تأبيد احتلال الجولان، وعن كل هذا الركام من الفقر والتعثر وغياب فرص العمل وسيادة الرشاوى وتعميم الفساد، وما إلى ذلك مما لا تغطيه الصفحات والكتب! من المسؤول عن هذا، لماذا نحن محرومون من المشاركة بصياغة وطننا؟ لماذا نحن محرومون من المشاركة بمحاربة هذه المشاريع والتصدي للفتن وحل قضايانا؟ ؟ قل لماذا لا يعتقنا هذا النظام، لوجه الله تعالى، وقد اختفت ظاهرة الرق من العالم منذ ما يزيد عن مائة عام؟

ها قد هبت رياح الحرية عاتيةً لا يمكن أن يقف في وجهها شيء، وها نحن نريد الحرية، نتمسك بها، نحضتنها، ولن نتركها تفلت هذه المرة .

يدرك النظام تماماً أن لدينا آلاف الأسباب الوجيهة التي تحول دون التأجيل والمماطلة.

يدرك النظام تماماً أيضاً أن هناك استحقاقاً، نريده ونتشوق إليه، ونستحقه، ولن تقنعنا كل الحجج الواهية والسخيفة التي تخيفنا بالمشاريع الخارجية والمؤامرات. أجل كلنا نريد وطناً لكل أبنائه، موحداً متماسكاً يسوده الرخاء والسلم والمواطنة الحقة والازدهار.

نريد حريةً نكون فيها بموقع الفعل والقول كما يليق بهذا الوطن.

نريد أن نعلن أننا مواطنون قادرون على التحسس والألم والقلق، وقادرون في الوقت نفسه على التفكير والبحث عن كل العوامل التي تجسِّد الوحدة الوطنية والتنمية والتطوير في وطننا.

نحن المواطنون السوريون، إلى متى ستبقى الحرية كثيرة علينا كي نواجَه بالرصاص والقتل والاعتقال؟

وهل مطالبنا تستأهل كل هذا الدأب السلطوي على رمي التهم وبث الفتن والفِرقة، والتلاعب بأقدارنا؟ كفى عبثاً بلحمة هذا الوطن وسيادته، فلن تثنينا عصيكم عن التشبث بالحرية وتسيير عجلتها، ولن نسمح للحراب المسمومة أن تنهش جسدنا الوطني وتعايشنا المديد.

نريده وطناً بمناخ صحي، يشكِّل عيادة حقيقية لإزالة كل ما أصابه على مدى عقود.

وبعدُ…

خوفي على وطني الذي يشهد سوريالية عجيبة: دماء كريمة تُراق على أيدي الطغاة باسم حماية الوطن، ومراثٍ يدبِّجها القاتل على من يعتبرهم شهداء، ومواسم رقصٍ تفرضها إرادة المتحكم بأقدار العباد، فيُنزِل الناس إلى الشوارع ويكرههم على التهليل لانتصار بنادقه على الصدور العارية إلاَّ من الإيمان بالسير حتى النهاية.

محمد زكريا السقال

برلين / 29 / 3 / 2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى