صفحات سورية

بطاقة حمراء لإيران في سورية بتشجيع من واشنطن وموافقة موسكو/ آلان حسن

 

 

 

بعد مرور أكثر من سبعة أعوام على الحرب السوريّة، وقرب الانتهاء من وجود تنظيم «الدولة الإسلاميّة»، أول مَن أزال الحدود بين سورية والعراق إيذاناً بإقامة دولةٍ للخلافةِ الإسلاميّة، يكاد جميع أطراف الحرب يُجمعون على التسليم بدور روسيا الرئيسي في سورية، بشرط إخراج إيران من معادلة الحل، أو التقليل من نفوذها القائم، على أقل تقدير، ولَم يَعُد مقبولاً، بالنسبة إليهم، التأثير الإيرانيّ الحالي على مفاصل الدولة السوريّة.

كانت علاقات الرئيس السوريّ السابق حافظ الأسد مع نظام الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة تتّسم بالندّيّة، وترتبط بمدى خلافات إيران مع حلفاء دمشق العرب الرّئيسيين، كما كان «الأسد» يستخدم هذه العلاقة كورقة قوّة في مواجهة زعماء عرب منافسين له، مثل الرئيس العراقيّ السابق صدّام حسين، حيث ساندت دمشق، «الجمهورية الإسلاميّة» في حرب الثماني سنوات مع عراق صدّام حسين مخالفةً بذلك الإجماع العربيّ آنذاك.

أمّا في عهد خَلَفِهِ بشّار الأسد، فقد اختلف الأمر، فبعد جملة من الضغوط الدوليّة على الحكومة السوريّة بدءاً من حرب العراق وإملاءات وزير الخارجية الأميركيّة السابق كولن باول في لقائه الشهير مع الأسد أيّار (مايو) العام ٢٠٠٣، وكذلك الضغوط الدوليّة التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبنانيّ السابق رفيق الحريري أوائل العام ٢٠٠٥ زاد الرئيس السوريّ التنسيق مع الإيرانيين ووصل هذا التنسيق إلى ذروته في حرب تمّوز (يوليو) عام ٢٠٠٦ بين إسرائيل وحزب الله (اللبنانيّ). شكّلت هذه الحرب بداية جديدة لعلاقات دمشق وطهران، ولم تنجح محاولات كلّ من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ونظيره التركيّ رجب طيب أردوغان في ثني الأسد عن التحالف الوثيق ذاك.

أمّا في الحرب السوريّة التي نشبت بعد الثورة على النظام عام ٢٠١١ فكان التنسيق مختلفاً، نجم عن وحدة حال عاشها البلدان، و «محور المقاومة» كَكُلّ، المحور الذي يضمّهما إلى حزب الله في لبنان، حيث تعرّض لخطر الزوال في خِضَمّ ما سُمِّيَ بالربيع العربيّ.

ساندت إيران، الحكومة السوريّة منذ اليوم الأوّل لاندلاع الاحتجاجات، موظَّفةً كافة إمكاناتها السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة، وتعاظم دورها في سورية شيئاً فشيئاً حتى وصل بها الأمر لقيادة عمليّة اتّخاذ القرار وإبرام الاتفاقات مستلبةً بذلك قرار الحكومة السوريّة في العديد من المناطق، وأصبحت بذلك رقماً صعباً لا يمكن إغفاله.

الدور الإيرانيّ هذا شكّل هاجساً لكلّ من تركيا الطامحة لريادة شرق أوسط جديد ذو طابع إسلاميّ بأدوات إخوانيّة، كما أقدمت طهران على توتير علاقاتها مع دول الخليج التي تواجه إيران في ساحاتِ صراعٍ عدّة كاليمن والعراق ولبنان، إضافةً إلى الهاجس الإسرائيليّ حيث أصبحتْ القوات الإيرانيّة ضمن مجال رؤية مناظير جنودها على حدودها الشماليّة مع سوريا، ما يعني إمكانية اشتعال جبهة أخرى إضافة إلى أمن حدودها المُزعزع مع لبنان، حيث حزب الله.

والمفارقة هنا أنَّ روسيا- وهي حليفة طهران- باتتْ تنظر بقلق إلى تنامي الدور الإيرانيّ في سورية، وأصبحت تراه خطراً على نفوذها هناك. ظهر ذلك في تقاعس الطيران الروسيّ عن مساندة فصائل موالية لطهران، أثناء معاركها في ريف حمص، وغيرها من المناطق، وكذلك موقفهما المتباين من الدخول التركيّ لمدينة عفرين، وأيضاً تفضيل دمشق لروسيا على إيران في عقود إعادة الإعمار، كما إن موسكو لا تريد أنْ تدخل طرفاً في صراع طائفيّ في المنطقة، لا سيما وأن علاقاتها مع دول الخليج لم تهتز، ودول مجلس التعاون اعترفت بدور روسيا في سورية.

أما إسرائيل فهي تعايشت مع قبول الحكومة السوريّة منذ حرب العام 1973، وفق معادلات رَدِع إقليميّة ودوليّة معروفة، لكنّ التنسيق السوريّ الإيرانيّ عالي المستوى بعد العام 2011 أصبح غير مقبول إسرائيليّاً، وباتت تل أبيب تضغط بكل ثقلها لإنهاء الدور الإيرانيّ، كما تدخلت في شكل مباشر من طريق قصف طيرانها المنشآت العسكريّة السوريّة، وتركيزها على قواعد إيرانيّة، وكذلك اغتيال قيادات مقرّبة من طهران، مثل القائد العسكريّ السابق لحزب الله اللبنانيّ، عماد مغنية، ولاحقاً نجله جهاد، وكذلك سمير القنطار، بالإضافة لقيادات أخرى، وباتت تل أبيب تضغط على موسكو للقبول باستبعاد أي دورٍ رئيسيّ لإيران في مستقبل سورية.

من الواضح أنّ هناك إجماعاً من أطراف الصراع السوريّ على إنهاء، أو تقليص الدور الإيرانيّ المتعاظم في سورية. أما ترتيب البيت الداخليّ السوريّ فأمرٌ آخر مختلف، يتطلب ترتيبات أخرى.

* كاتب سوريّ

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى