صفحات الناس

بعد الغوطة… ثلاث مناطق مرشحة للتهجير/ عدنان علي

 

 

يسرّع النظام السوري وبدعم من روسيا، خطاه لفرض سيطرته على مناطق لا تزال خارج سيطرته، وبعد أن نجح في ضم معظم مناطق الغوطة الشرقية إثر حملة عسكرية عنيفة أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، اتجهت أنظاره نحو جنوب دمشق، التي لا تبعد عن قلب العاصمة أكثر من 7 كيلومترات، إضافة إلى الجنوب السوري وتحديداً محافظة درعا، كما إلى ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي. وفي تلك المناطق يحاول النظام فرض تسوية عبر تخيير الفصائل والأهالي بين “مصالحة” معه أو الحرب، بالتوازي مع قيامه وموسكو بمفاوضات مع جهات غير مخوّلة بذلك، بهدف خلق انقسام بين أبناء المنطقة الواحدة.

وقبل أن تضع المعارك أوزارها في الغوطة، بدأ النظام الحديث عن منطقة جنوب دمشق، ليتطور الأمر سريعاً إلى اجتماعات وتهديدات باجتياح المنطقة عسكرياً في حال لم تمتثل فصائل المعارضة هناك لشروط “المصالحة” التي اعتاد النظام فرضها على مناطق المعارضة والمتمثلة في تسليم المنطقة و”تسوية” أوضاع من لا يرغب بالرحيل إلى الشمال السوري مع تسليم السلاح الثقيل.

وبالفعل عُقدت اجتماعات متسارعة بين وفد يمثّل بلدات جنوب دمشق مع آخر من علماء دين من بلدة السيدة زينب للتباحث بشأن الخيارات المطروحة أمام أهالي المنطقة، قبل أن يُعقد اجتماع بين وفد يمثل المنطقة مع الجانب الروسي، من أجل تحديد مصيرها. وذكر تجمّع “ربيع ثورة” أن لجنة ممثلة لفصائل عسكرية في جنوب دمشق، اجتمعت الثلاثاء الماضي مع جنرالات روس في حاجز الرهونجي بالقرب من حاجز ببيلا- سيدي مقداد لحسم ملف جنوب العاصمة، مشيراً إلى أن الدعوة جاءت من قبل الروس، الذين طرحوا على الفصائل خيار البقاء لمن يرغب من المقاتلين بعد “تسوية” أوضاعهم، وخروج الرافضين إلى الشمال والجنوب السوري، على أن يجري لقاء آخر بداية الأسبوع المقبل بعد طلب اللجنة مهلة للتشاور. وقالت مصادر في المعارضة إن الضباط الروس أعطوا وفد الفصائل مهلة حتى نهاية الشهر الحالي للرد.

وتشهد منطقة جنوب دمشق في هذه الفترة اجتماعات مكثفة بين الفصائل المسلحة وأهالي بلدات بيت سحم ويلد وببيلا لاتخاذ قرار يحدد مصير المنطقة، وسط استبعاد خيار المواجهة العسكرية مع قوات النظام. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إنه وعلى الرغم من عدم رغبة أو جاهزية المنطقة لخيار المواجهة مع النظام، فإن النسبة الأكبر من مقاتلي وأهالي البلدات الثلاث الأصليين ترغب البقاء فيها، لكن البحث يجري عن الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك من دون الانصياع كلياً لطلبات النظام التي تعتبر قاسية بحق الأهالي والمقاتلين.

وذكرت شبكة “صوت العاصمة” أن لجنة المصالحة في بلدة بيت سحم قدّمت عرضاً يقضي بإغلاق الجبهات مع قوات النظام، وتوجيه المعارك إلى تنظيم “داعش” الذي يسيطر على مساحات واسعة في المنطقة، مشيرة إلى أن الاجتماعات التشاورية في المنطقة تشهد خلافات وانقساماً بين مؤيد ومعارض لقرار الخروج نحو الشمال السوري، وتسليم المنطقة لقوات النظام من دون قتال.

وأبدت فصائل “فرقة دمشق”، “جيش الأبابيل”، حركة “أحرار الشام الإسلامية”، و”شام الرسول” استعدادها للخروج إلى مدينة إدلب مباشرة من دون الوصول لمرحلة قتال “داعش” بالتنسيق مع النظام، بينما عارض فصيل “جيش الإسلام” هذا الطرح، داعياً إياها إلى الصمود، من دون تحديد الجهة التي يتوجب على تلك الفصائل قتالها.

من جهته، قال “جيش الأبابيل” التابع للجيش السوري الحر والموجود في المنطقة، إن هناك رؤية لدى قادة الفصائل العسكرية لتجنيب بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم “ويلات الحرب”. وأضاف مدير المكتب السياسي لـ”جيش الأبابيل” الملقب بـ”أبو الحكم” في تصريح صحافي، أن المفاوضات لم تصل بعد إلى اتفاق نهائي، وأن الفصائل العسكرية لم تتخذ القرار بعد، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يكون هناك خروج إلى الشمال السوري أو لا يكون.

وأوضح الناشط الموجود في المنطقة، رامي السيد، لـ”العربي الجديد”، أن “الخيار الراجح حتى الآن هو خيار التهجير والذي قد يطاول خصوصاً ما يسمى الغرباء من أبناء المناطق المجاورة أو المحافظات الأخرى مع ترك خيار البقاء لمن يرغب في إطار تسوية مع نظام الأسد”. وأضاف السيد أنه تم خلال اجتماع الرهونجي مع وفد الفصائل وضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما التسوية مع النظام أو الخروج، مشيراً إلى أن أغلب الفصائل متوافقة على قرار الخروج باستثناء “جيش الإسلام”. وأوضح أن من يختار البقاء في المنطقة عليه الاستعداد لمحاربة “داعش”، متوقعاً ألا يطول الأمر أكثر من أسبوع حتى يبدأ التهجير من منطقة جنوب دمشق.

من جهتها، ذكرت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام أن وفداً روسياً دخل إلى منطقة غرب مخيم اليرموك الخاضعة لسيطرة تنظيم “هيئة تحرير الشام” واجتمع مع قيادته للبحث في خروجهم إلى الشمال السوري، وذلك بعد أنباء عن أن خروجهم سيتم ضمن اتفاق خروج الجيب الجنوبي من الغوطة الشرقية. وقالت الصحيفة إن تعزيزات عسكرية وصلت إلى جنوب دمشق، مشيرة إلى أن كل الخيارات مطروحة و”قريباً جداً سيطهر جنوب دمشق بالكامل”.

بين النظام و”داعش”

ويسيطر تنظيم “داعش” على كامل مدينة الحجر الأسود، وتُعتبر المعقل الرئيس له في جنوب العاصمة، والملاصقة من الجهة الشمالية لمخيم اليرموك الذي يسيطر التنظيم على أجزاء واسعة منه، في حين تسيطر “هيئة تحرير الشام” على جيب صغير في قاطع المخيم الغربي. كما يسيطر “داعش” على أجزاء من القسم الشرقي لحي القدم المحاذي للحجر الأسود من الجهة الغربية، وعلى القسم الجنوبي من حي التضامن الملاصق لمخيم اليرموك من الجبهة الشرقية. وتشير التقديرات إلى أن لدى “داعش” في جنوب دمشق نحو ألفي مقاتل.

وفي الجهة الجنوبية للمخيم والشرقية بالنسبة للحجر الأسود، تقع بلدات ببيلا يلدا وبيت سحم، وتسيطر عليها فصائل عدة، منها “فرقة دمشق”، “جيش الأبابيل”، حركة “أحرار الشام الإسلامية”، “شام الرسول”، “ألوية الفرقان”، “ألوية سيف الشام”، و”جيش الإسلام”، وتضم آلاف المقاتلين. وقد عقدت هذه المناطق اتفاق هدنة مع قوات النظام منذ عام 2014، ويحاول النظام منذ ذلك الوقت تحويله إلى “اتفاق مصالحة” نهائي تعود بموجبه تلك البلدات إلى سيطرته بشكل كامل. وتضم هذه المناطق الثلاث نحو مائة ألف مدني، وفيها كثير من المتخلفين عن الخدمة العسكرية والمنشقين عن جيش النظام، وهؤلاء سيكون وضعهم سيئاً للغاية، إذا تم قبول مبادرة النظام بصيغتها الحالية. كما تعيش المنطقة وضعاً صعباً لجهة الحصار الجزئي المفروض عليها، فدخول المواد الأساسية يخضع لرسوم، وأغلب المدنيين يعيشون دون خط الفقر، وسط انتشار البطالة وآثار الحصار الذي دام سنوات.

تمدد نحو الجنوب

إضافة إلى منطقة جنوب دمشق، تتوجه أنظار النظام ومعه روسيا وإيران ومليشياتها، نحو الجنوب السوري، وتحديداً محافظة درعا التي تُعتبر “مهد الثورة السورية”، إذ منها انطلقت التظاهرات المناوئة للنظام قبل سبع سنوات. وتمكّنت فصائل المعارضة في مرحلة من المراحل من السيطرة على معظم المحافظة، قبل أن تستعيد قوات النظام قبل نحو عامين بعض ما فقدته، واليوم تتقاسم المعارضة والنظام السيطرة على المحافظة.

وبالتوازي مع التعزيزات العسكرية التي يواظب النظام على إرسالها إلى الجنوب السوري، وبعد انخفاض حدة المعارك في الغوطة الشرقية، فإنه يواصل جهوده لتحريك ما يسمى بالمصالحات مع بلدات الجنوب السوري، كل بلدة على حدة، بغية السيطرة على بلدات المحافظة بهذه الطريقة من دون قتال مع فصائل المعارضة.

وفي هذا الإطار، أرسلت قوات النظام ورقة “مصالحة” إلى الفصائل الموجودة في بلدة محجة في ريف درعا الشمالي تتضمن تسليم البلدة إلى قوات النظام، وانضمام مقاتلي المعارضة إلى مليشيا “الدفاع الوطني”، وعودة مؤسسات النظام الخدمية إلى البلدة بإشراف ومراقبة روسية. وقال رئيس المجلس المحلي في البلدة وسيم الحمد، إن فصائل المعارضة والفاعليات الثورية والمدنية في البلدة، رفضت هذا العرض. لكن الحمد أبدى في تصريحات صحافية مخاوفه من تضييق قوات النظام الحصار على البلدة، ومن اجتياحها عسكرياً، ما يهدد بكارثة إنسانية، حسب تعبيره. ويبلغ عدد سكان محجة التي تقع بالقرب من الطريق الدولي دمشق-درعا، نحو 22 ألف نسمة، وتحاصرها قوات النظام منذ أربع سنوات.

كما تستمر التظاهرات المطالبة بإخراج “هيئة تحرير الشام” من مدينة إنخل شمالي درعا، رافضةً أي عمل عسكري يتسبب في تهجير المدنيين، وذلك بعد الحديث عن إمكانية شن فصائل المعارضة عملية عسكرية ضد قوات النظام. وطالبت مساجد مدينة إنخل الأهالي بالنزول إلى الشوارع والتظاهر ضد تهجير المدنيين وتدمير المدينة، بحسب وصفهم، وهو ما شجع النظام على إرسال وسطاء لجس نبض أهالي المنطقة بشأن إبرام “مصالحة” معه، وتسوية أوضاع المقاتلين والمطلوبين لديه فيها. وتضم المدينة أكثر من 25 ألف نسمة. وقال ناشطون إن “هيئة تحرير الشام” وبعض الفصائل العسكرية تنويان شن هجوم على اللواء 15 التابع لقوات النظام شرقي إنخل. وأوضح هؤلاء أن تحركات مشابهة باتجاه عقد “مصالحات” مع النظام تجري في بعض بلدات درعا، مثل بلدة الحراك في الريف الشرقي.

وبالتزامن مع الحديث عن إمكانية فتح معركة من قبل الفصائل، أرسل النظام السوري تعزيزات عسكرية من الغوطة باتجاه محافظة السويداء يوم الثلاثاء الماضي، وصلت إلى بلدة عريقة في ريف السويداء.

ريفا حمص وحماة

كما انضم ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي إلى المناطق المرشحة للتهجير خلال المرحلة المقبلة، وسط شائعات أثارت حفيظة الأهالي في المنطقة التي دخلت ما يسمى باتفاق خفض التصعيد العام الماضي. ورفض الروس تمديد اتفاق خفض التصعيد الذي انتهى في فبراير/شباط الماضي وذلك بهدف الضغط على المعارضة للقبول بشروط التسوية التي يسعى إليها النظام في المنطقة.

وذكرت مصادر مطلعة لـ”العربي الجديد” أن النظام وروسيا يعمدان إلى التفاوض مع كل منطقة على حدة، إضافة إلى التفاوض مع جهات غير مخوّلة، وهو ما ولّد انقساماً في المنطقة وحالة من التوتر بين الأهالي نتيجة الإشاعات المتداولة. وأوضحت المصادر أن الممثل الروسي في المنطقة اجتمع الأربعاء الماضي مع ممثلين “غير شرعيين” عن ريف حماة الجنوبي، وأمهلهم مدة أسبوع للرد على ثلاثة خيارات، هي التهجير، التسوية، أو الحرب، مضيفة أن مجموعة أخرى من مدينة تلبيسة شمال حمص حاول النظام التفاوض معها وهذا ما أثار انقساماً في المدينة. وأضافت المصادر أن النظام وروسيا يحاولان الالتفاف على لجنة المفاوضات الممثلة لكل المناطق والمعتمدة من قبل الفصائل العسكرية والتشكيلات المدنية في المنطقة، لعدم قبولها التخلي عن شروط عدة على رأسها الإفراج عن المعتقلين. وفي هذا الشأن، أعلنت “القوى والفعاليات الثورية في مدينة الرستن” ورابطة النازحين في ريف حمص الشمالي، عن تأييدهما ودعمهما الكامل لهيئة التفاوض، باعتبارها الوحيدة المخوّلة التفاوض مع الروس والنظام.

وفي مقابل خطوات النظام، قررت فصائل المعارضة المسلحة في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي تشكيل “قيادة عسكرية عليا للمنطقة الوسطى”. وقال مصدر عسكري لـ”العربي الجديد” إن قياديين وممثلين عن فصائل “الفيلق الرابع”، “جيش التوحيد”، “فيلق الشام”، “حركة تحرير الوطن”، “جيش العزة”، “جيش حمص”، “غرفة عمليات الحولة “اجتمعوا بهدف رص الصفوف في مواجهة التهديدات الروسية التي تستهدف القيام بعملية “مصالحة” وتهجير في المنطقة. وأكد المتحدث باسم “حركة تحرير الوطن” صهيب العلي لـ”العربي الجديد”، أن ذلك التوحّد “يأتي بهدف قطع الطريق أمام خطط النظام وتوحيد القرار وتعزيز الجبهات”، مشيراً إلى أن الباب مفتوح أمام كل الفصائل العسكرية للدخول هذا العمل الموحد. ولفت إلى “أن القيادة العليا هي أول خطوة لمواجهة محاولة روسيا والنظام الانفراد بأشخاص في عملية التفاوض”.

ولا تقتصر خطط النظام السوري على المناطق المذكورة، بل لديه تطلعات لاستعادة السيطرة على مجمل المناطق الخارجة عن سيطرته بما فيها محافظة إدلب، وتلك التي تسيطر عليها الوحدات الكردية في شرقي البلاد. ومع تأجيل “ملف محافظة إدلب” التي تُعتبر “منفى” للمعارضين حتى الآن، فإن النظام بدأ في تحريك الأوضاع في مناطق سيطرة القوات الكردية عبر أنصاره هناك، إذ شهدت مدينة الطبقة استنفاراً أمنياً لوحدات “حماية الشعب” الكردية، بعد أن كُتبت عبارات مناصرة لقوات النظام على جدران المدينة. وحسب ما ذكرته مصادر محلية، فإن بعض الشبان قاموا بكتابة اسم بشار الأسد، وعلّقوا صوراً له على جدران المنازل في المدينة.

كما شارك المئات من أهالي مدينة منبج الثلاثاء الماضي في تظاهرة طالبوا فيها بتسليم منطقة منبج وريفها للنظام السوري وخروج القوات الأميركية و”قوات سورية الديمقراطية” من منبج، وقام عناصر من “سورية الديمقراطية” بتفريق التظاهرة واعتقال عدد كبير من المشاركين فيها بينهم وجهاء عشائر وشيوخ.

العربي الجديد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى