صفحات العالم

بعض الكلام عن سوريا

 


سعيد ناشيد

لو لم أكن صديقاً لسوريا ولم أكن متعاطفاً مع دورها الرّائد في جبهة الممانعة والداعم لمحور المقاومة لكنتُ قد صفقت كثيراً لخطاب الرّئيس السوري بشار الأسد، الذي ألقاه يوم 30 آذار (مارس) الماضي بعد مرور عدة أيام عن اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا، واصفاً إياه بالخطاب التاريخي والقوي والمقنع شكلا ومضموناً، ولقلت: حسناً فعلتَ سيادة الرّئيس حين لم تظهر أي لين أو استعداد للتنازل أمام مطالب المحتجين؛ لأن الناس ما ان تمنحهم اليوم شيئاً حتى يعودوا إليك غداً سائلين: هل من مزيد؟

لو أني لستُ صديقاً لسوريا ولستُ متعاطفاً مع دورها في حفظ التوازنات الإقليمية، لما تردّدت في ترديد الادعاء أن الاحتجاجات الشعبية في سوريا اليوم مجرّد فتنة ومؤامرة وإرهاب، وليست ثورة كتلك التي شهدتها تونس ومصر واليمن وغيرها.

ولأني لست كذلك فسيكون لي كلام آخر. وهذا بعض الكلام:

بصرف النظر عما تعنيه عبارة «عدم التسرع» في الإصلاح، بالقياس الزمني الذي قصده خطاب الرّئيس، فإن المطلوب من القيادة السورية الحالية، ومن موقع الحرص على موقعها في محور الممانعة، هو أكثر من مجرّد «عدم التسرع». وذلك تماشياً مع اعتراف الرئيس السوري نفسه حين قال: «نعم تأخرنا في الإصلاح».

الأصح أن نقول بأن سوريلاا، بالنظر إلى المستوى الثقافي والحضاري لشعبها، وباعتبار الدور الإقليمي الذي تضطلع به، قد تأخرت كثيراً في الإصلاح إلى درجة أنها قاب قوسين أو أدنى من اللحظة التي قد يخسر فيها النظام زمام المبادرة.

ليس هذا ما نريد.

سنقول قول الصديق للصديق:

خطاب الرئيس السوري، جاء ليكشف لنا الغطاء عن وجود تفاوت صارخ في الإدارة السورية، بين أسلوب تدبير العلاقات الخارجية وأسلوب تدبير الشأن الداخلي، بين سياسة خارجية غالباً ما تميزت بالشجاعة وبالمرونة أيضاً، بما حفظ لسوريا دورها الإقليمي داخل محور الممانعة، وبين سياسة داخلية كثيراً ما اتسمت بالصلابة وبتجاهل المطالب إلى حد العناد أحياناً.

مشكلة خطاب الرئيس بشار الأسد أنه وعد السوريين بالإصلاح في نفس الوقت الذي أغلق فيه الباب أمام أهم قضايا الإصلاح: فقد جعل الديموقراطية مسألة مؤجلة، وجعل محاربة الفساد مسألة منتهية.

ماذا قال بالضبط؟

بالمضمون السياسي للكلمات فقد أكد الرئيس السوري أن الديموقراطية ليست ضمن الأولويات، طالما «يمكن تأجيل إنشاء الأحزاب لكن لا يمكن تأجيل القوت اليومي للشعب».

وبالاستنتاج المنطقي فقد أكد أن محاربة الفساد لن تكون ضمن أي برنامج إصلاحي مفترض، طالما أن «جيوب الفساد لم تعد موجودة».

ماذا بقي إذاً؟

صحيح أن القيادة السورية، حين تقرر ترك المسألة الديموقراطية إلى أجل غير مسمى أو حتى إشعار آخر، وحين تؤكد عدم «تسرعها» في الإصلاح «الذي تريد»، فلعلها منشغلة بمرام تتعلق بالأمن القومي وبالتوازنات الإقليمية، وبالدور الاستراتيجي لسوريا. هذا كله صحيح.

لكن الأصح أن الممانعة التي تتمتع بها سوريا، والتي تستند إلى الذكاء أكثر من الثروة وإلى المرونة أكثر من القوة، تحتاج في المقابل، إلى مناعة داخلية لن تكون من دون ذكاء وحكمة ومرونة أيضاً، بما يعنيه ذلك من قدرة على التجاوب مع استحقاقات الوضع الداخلي.

هنا قد يواجهنا البعض بسؤال جوهري: ألا يمكن للمشاركة الشعبية في صناعة القرار السياسي أن تنتهي إلى قرارات قد تفرط في القوة والحق والواجب القومي، كما يقول أنصار نظرية المستبد العادل أو المتنور أو الوطني أو التقدمي أو قل ما شئت من الصفات التي تضع الاستبداد موضع الاستحباب؟

لم يحدث ذلك التفريط عند شعب إسرائيل، وبالأولى لن يحدث عند شعب سوريا العريق.

وكي لا ننسى: ثمة قاعدة ذهبية تقول ان المواطن قد يرفض بعض القرارات فقط لأنها مفروضة عليه، أو يشعر بأنها كذلك. ما يعني أن الدور الاستراتيجي لسوريا لن يتناقض في الأخير مع المشاركة الشعبية في صناعة القرار الوطني.

يصدق هذا على شعب سوريا. بل سيكون أصدق.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى