صفحات سورية

بوعزيزي سورية: بين تاء التأنيث وأظافر الأطفال

 


أحمد كالو

قبل ان يتهم هذا المقال بالذكورية، وهو مقال يزعم انه انساني، ولا يؤمن بالمساواة بين الذكور والاناث وانما بالعدالة والتكامل، يقرّ المقال انه جرى تأنيث لوجه السياسة الخشنة، الدراكوالية، من جانب النظام السوري ومن جهة المعارضة على حد سواء، في الحقبة البعثية البوليسية التي استمرت نصف قرن. قضى النظام السوري على مفاهيم الرجولة والنخوة والوطنية قضاء ساحقا! كما جرت عملية ‘تطفيل’ للشعب ولمجلسه أيضا، والدليل هو المشهد الذي شاهدناه عندما صفق اعضاء المجلس لكل جملة نطق بها الرئيس السوري، وكأنهم تلاميذ صف مدرسي أو روضة أطفال كبار في السن.

نذكر أسماء أنثوية كثيرة برزت في المشهد السياسي السوري المعارض، مثل السيدة فداء الحوراني، والطالبة طل الملوحي والشابة سهير الاتاسي وتهامة معروف ورغداء الحسن.. انكفأت المعارضة الجريحة على آلامها، فلم يبق في الساحة إلا النساء من بنات رجالات النهضة السورية، أو أنّ المعارضة اختبأت وراء السيدة الحوراني طمعا، مفترضين ان بقايا قيم وتقاليد عربية وسياسية ستحرج النظام من الاقتراب منها بوصفها خطا احمر، لكن فداء سجنت بلا رحمة ولحقتها طل الملوحي بعقوبة أقسى من عقوبة ابنة مؤسس حزب البعث وأحد صناع الفكر الاشتراكي في سورية. في سورية لا حصانة لأحد يعارض النظام. المعارضة الممثلة في إعلان دمشق اختارت السيدة الطبيبة فداء الحوراني رئيسة لأمانة إعلان دمشق، وكان في ذلك عدة رسائل أولها أنها تحاول أن تتستر برمزية اسم أبيها مؤسس حزب البعث الاشتراكي، معتقدة أن النظام قد يحرج مرتين، مرة باسم الأب ومرة باسم الحزب، الثاني هو تلطيف المعارضة بالجنس الناعم، اختا واما وابنة، الأمر الثالث هو أنّ المعارضة اعتقدت أن اسم الأب وجنس الرئيسة قد يمنع النظام أو يجعله مترددا من الاقتراب منها، لكن ذلك لم يمنعهم من البطش بها وتفريغ مشفاها من المرضى، كما لو أنهم إرهابيون، ولم يحرجهم ذلك من تشريد زوجها الفلسطيني إلى حدود الأردن.

السلطة السورية أيضا اختبأت وراء الأنوثة، ولكن لأسباب معاكسة، فبرزت فيها أسماء أنثوية مثل نجاح العطار، وهو اسم يحظى بتقدير كبير في سورية فهي أخت المراقب السابق للإخوان المسلمين وسليلة عائلة العطار العلمية الكريمة، وقد كتب مراسل صحيفة ‘الحياة’ عند توليها منصب النائب، يعدد سبع رسائل من وراء تنصيبها نائبة للرئيس، ولكنه نسي رسالتين أو ثلاث: الرسالة الثامنة هي أنها نًصبت نائبة عن منصب لن ترثه فهي أنثى والأنثى لا تشكل خطرا في مجتمع ذكوري ومخابراتي، الرسالة التاسعة أنها تقدمت في العمر وهذا أيضا يقلل من خطرها فهي فوق سن التقاعد المهني.

برز مؤخرا اسم بثينة شعبان في الإعلام السوري، (وهي مستشارة ومترجمة للرئيس السابق) بروزا كبيرا، بحيث باتت أهم من نواب الرئيس اعلاميا، وقد تساءل كثيرون عن سرّ هذا التمكين لها، ولم لا يوكل أمر الإعلان عن بشائر الديمقراطية عن طريق نواب الرئيس، فاروق الشرع أو نجاح العطار، أو عن طريق رئيس الحكومة؟ في الأمر سياسة ومداورة، فإذا أوكل لهم أمر تبشير الشعب بتلك البشائر (إلغاء حالة الطوارئ) فسيكون تلميعا وتمكينا لهم في نظام معروف بالشحّ الشديد في تلميع السياسيين حتى لو كانوا ينطقون باسم رأس النظام. الأمر الثاني أنها أنثى، والأنثى اقل قسوة من الرجل وأكثر نعومة فهي تذكرنا بالأم والأخت وتوحي بالثقة والأمان . تأنيث المعارضة السورية أمر حقيقي مرده الضعف في مجتمع شديد الذكورة، وتأنيث ذكورة النظام وفحولته تنعيم للخشونة و.. إيحاء بالنعومة الكاذبة. فالنظام إعلاميا واعد مبشر، اشتراكي وديمقراطي، وفي الواقع بوليسي إرهابي. انها ازدواجية الدكتور جيكل والمستر هايد.

السلطة السورية تمارس نفس سياسة إسرائيل: فاوضوهم حتى يوم القيامة، عدوهم حتى يوم الحشر. الخطة موجودة و’على الطاولة ‘، أمهلونا… كان هذا شعارا للنظام .. الانتظار والتسويف إيديولوجيا وعقيدة ونظام حياة، الرئيس نفسه قال ان القرار (إلغاء حالة الطوارئ) اتخذ قبل ست سنوات. فانتظروا، مواعيد عرقوب.

أفرج عن سهير الاتاسي التي قادت أولى مظاهرات شعبية بكفالة، لكن يعتقد كثيرون أن النظام لن يتمكن من مضغ لحم طل الملوحي أو هضمه، وربما يتسمم بلحم هذه الصبية، كما تسمم بلحم أظافر تلاميذ درعا، الذين لولاهم لما انتبه الشعب السوري إلى جروحه العميقة، الشعب الذي كان قد سحق أو بالكاد. بوعزيزي سورية ليس فردا إنها مدينة اسمها الحالي درعا واسمها السابق حماة.

 

‘ كاتب سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى