صفحات الرأي

زعامات الأبد استبداد سلطوي بلا حدود/ ماجد الشيخ

 

 

 

تؤكد دساتير الدول حق المواطنة، ومن ضمنها حق المواطن في اختيار من يحكمه، والفترة الزمنية لهذا الحكم، في حين تنتظم أمور الدولة العديد من القوانين الأخرى الموازية أو الأقل شأناً، ولكن يبقى الدستور كوثيقة حقوقية وقانونية ناظمة لعمل وإدارة شؤون الدولة ومجتمعها وكل مواطنيها، بمثابة اليد العليا في تنظيم وتحديد الشأن العام، ومن ضمن ذلك الفترة الزمنية الملزمة قانونياً لبقاء رأس السلطة التنفيذية؛ وما عدا ذلك يعد اعتداءً سافراً على الدستور، واستبداداً مكشوفاً من جانب السلطات العليا في الدولة، بالتواطؤ مع السلطات الأخرى التي تسكت عن الحق الدستوري في تحديد أو تجاوز صلاحيات السلطات جميعاً.

في حالات التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، أو في الأنظمة المختلطة، قد يستحوذ الرئيس على كامل الصلاحيات الرئاسية والتشريعية والقضائية، فيعيد توزيعها وفق رغباته ومزاجه الخاص، ليتحول النظام البرلماني أو ما يشابهه من أنظمة، إلى نظام استبدادي يحلو له أن يشرع لبقاء وجود «السيد الرئيس» في السلطة ما دام قلبه ينبض.

ولكن قبل ذلك، قد تكون «الدولة العميقة» هي الطلقة الأولى التي يطلقها النظام البيروقراطي الحاكم، لتسييد سيد النظام حاكماً للأبد، عبر استفتاء تلفيقي أو عبر تشريع أو تشريعات أكثر تلفيقية، من داخل البرلمان أو من خارجه، وأحياناً بدعم من داخل الدولة أو من خارجها، حيث يصبح الحكم فردياً يمركز كل السلطات في يد «السيد الرئيس»، فيكون الاستبداد السلطوي هو شكل الحكم المطلق وجوهر أحكامه السلطانية، كما في عدد من تلك النماذج السلطوية المتشابهة إلى حد ما، وحتى في اختلافها وتمايزها، تلتقي مثل هذه الأنظمة في تنافرها أو تماثلها لتشكل تلك الباقة غير المنسجمة من أشواك السلطات الاستملاكية أو الاستعبادية، وهي تقطع عهود استمرارها في السلطة، ما شاء لها الهوى وطاب لها المقام.

في كل تجارب الديكتاتوريات والأنظمة البيروقراطية الشمولية، كانت البرلمانات كشكل من أشكال الديموقراطية، ومثلها الاستفتاءات الشعبية؛ الأدوات الأمثل لتكريس استبداد الزعامات السلطوية، وأقصر الطرق لهذا التكريس وقيادة العديد من البلدان نحو ديكتاتورية الفرد المطلق، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة، كما في روسيا الاتحادية وسورية ومصر وصولاً إلى تركيا، والعديد من أمثال هذه البلدان التي تمّ اقتيادها قسراً أو طوعاً نحو ديكتاتورية الفرد أو النخبة السياسية أو الطغمة المالية أو الأمنية أو العسكرية؛ وفي هذه الحالات جميعها تمّ تنصيب حكام «أبديين» حتى من دون امتلاكهم كاريزما القيادة والحكم في بلدانهم، فماذا كانت النتيجة؟

لقد قاد الإيغال في دروب الاستبداد، وإعادة إنتاجه مرة أو مرات أخرى، إلى نسف وتخريب الاستقرار المنشود، عبر إعادة «تدوير» السلطة لـ «مالكيها» القدامى أو الوارثين الجدد، فانقلبت السلطة إلى مجلبة لدمار البلدان والعمران، بدل أن تكون رافعة للنهوض وقيادة المسيرة نحو تطوير الديموقراطية لا النكوص بها ومعها النكوص بالدولة، وأكثر من ذلك اللعب على تناقضات قوى السلطة والمجتمع وتفتيت البنى المجتمعية والسياسية عبر «مذهبة الدولة» بالانحياز إلى قوى طائفية أو مذهبية، وإن لم تكن وازنة، إلا أنها تشكل للدولة السلطوية عماد «قوتها العميقة».

في كل الأحوال، لا ولن تعكس مركزية الشخص/الفرد وحكمه المطلق، أي مستوى من مستويات مركزية الدولة وقوتها، بقدر ما يجرى إضعافها، وإشغالها بالهوامش والتوافه من أمور الحكم والسلطة، وسلب سلطة التشريع من أصحابها المفترضين، ومنحها لمن لا يملك الأحقية والقدرة وحس الإدراك والفهم السديد والسليم، بخاصة وأنه كفرد مطلق لا يستطيع وحيداً صياغة ما يريد، بل لا بد من إشراك آخرين ممن لا يؤمن جانبهم، من فرط خضوعهم لسيدهم (السيد الرئيس)، وهؤلاء في اجتماعهم على «كلمة سواء» لا يمكنهم أن يمثلوا طموحات دولة عصرية حديثة في ظل حكم ديموقراطي رشيد.

* كاتب فلسطيني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى