سهيل حدادصفحات سورية

بيان جبهة النصرة.. امريكا استدعت ‘القاعدة’ لضربها في سورية

 

سهيل حداد

أطلق قائد جبهة النصرة (أبو محمد الجولاني) بياناً تسونامياً تضمن مبايعة قائد تنظيم ‘القاعدة’ أيمن الظواهري ‘على الولاء والسمع والطاعة، وإعلان قيام دولة إسلامية في بلاد الشام ضمن منهجية الخلافة الاسلامية، التي تستمد شرعيتها من العقيدة، الكتاب والسنة’، حسب اجتهادات الجماعة وفكرها الجهادي. لقد شكل هذا البيان زلزالاً سياسياً وإعلامياً أخرج جبهة النصرة من تحت النقاب العربي إلى البرقع الأفغاني، لتخلط معه جميع الأوراق والحسابات لدى كافة الجهات والأطراف المتصارعة في الساحة السورية.

المعارضة لم تستفق بعد من هول الصدمة.. ولا تعرف كيف تحدد موقفها في ظل دور ومساهمة جبهة النصرة في الانجازات العسكرية والتطورات الحاصلة ميدانيا في أرض المعركة ضد النظام السوري المتقهقر تحت وقع ضرباتها النوعية، اضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار محاولة المعارضة السورية عدم تحقيق رغبة بعض الدول الاقليمية والدولية في تحويل مسار وأهداف الثورة من الصراع مع النظام السوري من أجل إسقاطه، إلى الدخول في صراع داخلي دموي بين أخوة التراب والسلاح، في ظروف صعبة وحساسة تمر فيها الثورة السورية، اضافة أيضاً إلى مراعاة مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وتجنب الوقوع في صدام سياسي معها، بعد وضعها جبهة النصرة في حركة استباقية على لائحة المنظمات الارهابية الدولية، من دون أي بيان أو اعتراف من جبهة النصرة بارتباطها وعلاقتها مع تنظيم ‘القاعدة’ سابقاً.. فما بالكم اليوم بعد صدور بيان الجبهة الواضح والصارخ علناً في تقديم البيعة والطاعة لزعيم تنظيم ‘القاعدة’.

ـ لقد دخلت جبهة النصرة بهدوء وصمت شديدين إلى الساحة السورية، مستغلة الظروف المتداخلة والمتشابكة في الصراع بين المعارضة والنظام السوري، حيث أوجدت لنفسها موطئ قدم بشكل منظم ومحدد وبعيد عن الألوان والأضواء والضجيج، مبتعدة عن السياسة والسياسيين والاعلام والمنابر والصور التذكارية، شكلت سريعا إطارها الشرعي والعسكري، ووضعت نصب عينيها الهدف الذي تسير إليه بثبات وثقة وإيمان في تحقيقه، اقتربت من هموم الشرائح الاجتماعية الشعبية وتأمين الاحتياجات الانسانية الضرورية، حسب الامكانيات المتاحة للمواطن السوري المثقل بالجراح والآلام والماّسي والأحزان، مما منحها القبول والرضا الشعبي في تلك المناطق المحدودة والمنكوبة من جهة، والشرعية المطلوبة لنصرة الشعب السوري من جهة ثانية.

ـ إن انتشار جبهة النصرة في معظم محاور الصراع والمواجهات مع عصابات الأسد، رغم قلة عددها الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال تقديراً حسب المعطيات الداخلية 10′ من فصائل المعارضة السورية المسلحة، منحها دوراً أساسياً في الصراع مع النظام السوري، وذلك بسبب تنسيقها المنظم في ما بينها، وسريتها وانضباطها التام في حركتها، وضبط إيقاع مساهمتها الفاعلة مع أطياف المعارضة السورية المسلحة الأخرى، في تنفيذ العمليات النوعية المؤثرة، وتحرير أهم المفاصل العسكرية التابعة للنظام السوري، الأمر الذي جعلها من أهم كتائب المعارضة المسلحة قوة ونفوذاً وخطورة وتأثيراً في إسقاط حكم الأسد، وذلك لما تتمتع به من خبرة وكفاءة قتالية عالية مميزة، وعقيدة جهادية استشهادية لا ترهب وتخيف النظام السوري فحسب، وإنما الدول الإقليمية والغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

ـ إن الثورة السورية تعيش مأزقاً حقيقاً وحدثاً مهيباً ومخيفاً، يعد من أخطر الأحداث وقعاً على أهدافها، والمعارضة السياسية والعسكرية المنقسمة والمتصارعة في ما بينها تقف أمام خيارات ملتهبة ومعقدة ومفترق طرق خطير وخيارات صعبة وقاسية، بين مطرقة استمرارية التحالف مع جبهة النصرة ميدانيا في صراعها مع الأسد، وبالتالي إغضاب أمريكا وحلفائها والتهديد بالتخلي عن دعم الثورة السورية سياسياً ومالياً وإعلاميا، وسندان الانقسام الفعلي والطلاق النهائي، وبالتالي الصراع الدموي بين الجيش السوري الحر وحلفائه وجبهة النصرة وحلفائها، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف بندقية الثورة عن مسارها الطبيعي الذي ينتظره النظام السوري بفارغ الصبر للانقضاض على الثورة وإخمادها.

ـ فهل تستطيع المعارضة السورية في ظروفها الحالية المشتتة العمل على تجنب صدام المشروعين الموجودين بقوة على الساحة السورية ‘مشروع الدولة المدنية الديمقراطية ومشروع إقامة خلافة اسلامية بفكرها وعقيدتها الجهادية’؟

ـ في الضفة الأخرى يقف النظام السوري مجدداً على قدميه، ليعود بقوة إلى نشاطه السياسي والدبلوماسي، عبر أدواته وأبواقه الإعلامية بعد سلسلة الهزائم العسكرية التي تعرض إليها في مختلف المواقع والجبهات، ليتمتع بنشوة هدية السماء التي سقطت عليه عبر بيان جبهة النصرة، التي لم تراع المرحلة الحرجة والحساسة التي تمر فيها الثورة السورية، الأمر الذي منح النظام السوري الحجة والذريعة لتأكيد وجهة نظره في عدم طهارة حمل السلاح ضده، وتصوير المقاومة بعمل ارهابي غير مشروع، وعدم شرعية الثورة السورية أمام أعدائه ومعارضيه قبل حلفائه ومواليه في الداخل والخارج، التي طالما تغنى بها منذ انطلاقة الثورة السورية داخلياً وخارجياً، وأرعب من خلالها مختلف الطوائف والمذاهب بأحقيته في ملاحقة الإرهابيين من عناصر ‘القاعدة’ وضرورة القضاء عليهم، مما دفع أغلبية الأقليات، العلويين، الدروز، الأرمن، المسيحيين، في التحفظ والانخراط والمشاركة في صفوف الثورة والانضمام إليها.

ـ إن المعلومات المسربة من أروقة النظام السوري بعد صدور بيان جبهة النصرة، هو البدء في التحضيرات إلى تحريك بعض الفرق العسكرية التي لم تشارك في المعارك خلال الفترة السابقة تشكيكاً في ولائها وخوفاً من انشقاقها، والاستعداد إلى دفعها بقوة للانقضاض على الثورة وإخمادها بحجة ملاحقة عناصر جبهة النصرة وتنظيم ‘القاعدة’.

ـ لقد استغل النظام السوري الحدث بشكل مباشر وتوجه سريعاً إلى مطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل وضع جبهة النصرة على قائمة المنظمات الإرهابية أسوة بتنظيم ‘القاعدة’، الأمر الذي يمنحه امكانية محاصرة الدول الإقليمية والدولية التي تنادي بتسليح المعارضة السورية لإسقاط نظام الأسد، وإخافتها والضغط عليها من الاتهام والملاحقة القانونية دولياً، بدعم امتداد تنظيم ‘القاعدة’ والارهاب الدولي، في حال تغيرت قواعد اللعبة في المنطقة من جهة، ومنحه الشرعية الدولية في استخدام المزيد من البطش والقوة والقتل والإجرام والتفجيرات النوعية والأسلحة الكيماوية، لإلصاقها بجبهة النصرة لكسب أكبر تأييد وتعاطف معه في إخماد الثورة السورية التي عجز عنها خلال الفترة السابقة بحجة محاربة الإرهاب وملاحقة الإرهابيين الوافدين إلى الساحة السورية من مختلف الأرجاء من جهة ثانية.

ـ إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك تماماً صعوبة اسقاط نظام الأسد بالمعارضة السورية الحالية، من دون دعم أو تدخل عسكري خارجي، وذلك بسبب ضعف الكفاءة والخبرة والتجربة والتدريب والتنظيم والانضباط وهذا ليس عيباً أو تقليلاً من تضحيات الجيش السوري الحر على الاطلاق، لكنها الحقيقة المرة التي من المفروض الاعتراف بها، لذلك عملت أمريكا على تسهيل مرور أعضاء تنظيم ‘القاعدة’ ‘جبهة النصرة إلى سورية’، لما تتمتع به هذه المجموعة من مقومات متميزة في إمكانية إسقاط النظام السوري من جهة، وصعوبة احتوائها سياسياً وفكرياً، وبالتالي ضرورة التخلص منها في المرحلة القادمة في الساحة السورية من جهة ثانية، لذلك عمدت إلى وضع خطة سياسية تساهم في تحقيق أهدافها:

1 ـ التخلص من عناصر ‘القاعدة’ والمجموعات الجهادية في معظم الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، دول الخليج.

2 ـ التخلص من عناصر ‘القاعدة’ والمجموعات السلفية من الدول التي تهم أمريكا، تونس ـ ليبياـ الجزائر ـ العراق .. الخ

3 ـ التخلص من عناصر ‘القاعدة’ في الدول الغربية وكشف الخلايا النائمة على أراضيها.

4 ـ حصر عناصر ‘القاعدة’ والمجموعات الجهادية في الساحة السورية تمهيدا للقضاء عليهم بيد النظام السوري وحلفائه من ناحية وبالصراع الدموي فيما بينها من ناحية ثانية بعد استكمال الشروط والعوامل السياسية المطلوبة.

5 ـ السماح في تسلل بعض المجموعات الجهادية إلى الساحة اللبنانية من أجل خلق كفة توازن مسلحة مع حزب الله اللبناني.

ـ هذه الأسباب وغيرها تفسر الصمت الدولي، خاصة الولايات المتحدة في التغاضي عن دخول أعضاء جبهة النصرة إلى سورية عبر أراضي حلفائها، وغض الطرف عن دعمهم بالمال والسلاح وتوفير المتطلبات اللازمة لتثبيت وجودهم وتقوية دورهم في الساحة السورية، تمهيداً في ما بعد، وكما حدث، إلى وضع جبهة النصرة وبضربة استباقية على قائمة الإرهاب الدولي. ولعل افتتاح المراكز التدريـــــبية العسكرية للعنــــاصر السورية موجودة في الأردن تحت المظلة والرعاية الأمريكية، يقودنا إلى التساؤل وأخذ الحذر والشك والريبة من المخططات والأدوار الخطيرة التي تحيكها وتهيئها الإدارة الأمريكية للمنـــطقة، التي لا تقتصر حسب المعطيات السياسية على مخطط اسقاط حكم نظام الأسد وإقامة حزام أمني لحماية حدود الكيان الاسرائيلي في منطقة الجولان المحتل فقط، بل يتعداه إلى أدوار قذرة وأكثر خطورة ودموية ستكشف عنها المرحلة القادمة.

ـ وتبقى الأسئلة المطروحة المحيرة والغامضة مفتوحة غير محددة في الفضاء السياسي اللامحدود.. أسئلة كثيرة تدور في بحر المجهول السياسي لدى معظم المفكرين والمحللين والسياسيين والمثقفين والإعلاميين في المعارضة السورية،

ـ لماذا تم إطلاق هذا البيان في هذه المرحلة الدقيقة من عمر الثورة السورية؟

ـ من يقف وراء إصدار هذا البيان في هذه الظروف؟

ـ ماذا يهدف هذا البيان؟ وماذا يساهم أو يحقق في دعم الثورة السورية؟

ـ وكيف سيتم التعامل معه داخلياً ودولياً؟

ـ إن القوى السياسية وأطياف المعارضة السورية المختلفة في الداخل والخارج، والأغلبية المطلقة للشعب السوري ترفــض بطبيعة مكوناتها التعددية والديموغرافية والاجتماعية والفكرية والثقافية التوجه السلفي والفكر التكفيري والرؤية الجهادية الاستشهادية، التي تلغي الاخر وتفرض عليه النظرة الشمولية التي تؤمن بالإقصاء النهائي والجذري من الوجود في حال الاختلاف، لـــــذا لابد للمعــــارضة الســـــياسية أن تضع خلافاتها جانباً وتتفق على برنامج سياسي موحد، كما على المعارضة المسلحة بجميع أطيافها المختلفة أن تبادر إلى عقد اجتماع فوري بين أطرافها للخروج بتوصيات يتفق عليها الجميع ويلتزمون بها أمام الله والشعب بتحريم وتجريم من يفرط في تضحيات الشعب السوري ووحدة الكلمة والهدف وحرف أولويات وأهداف الثورة عن مسارها الحتمي في إسقاط حكم نظام الأسد.

‘ كاتب وباحث سوري في ألمانيا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى