صفحات الثقافة

عند المنحدر تلتمع قصبات البحر/ ديريك والكوت

 

 

 

نصف أصدقائي ماتوا.

سأخلقُ لك بدلاً عنهم، قالتِ الأرضُ.

لا، بل أعيديهم إليّ، كما كانوا،

بالنقائصِ كلِّها، هتفتُ.

 

بوسعيَ الليلةَ أن أسترقَ حديثَهم

من رتابةِ الزَّبَدِ الواهن

عبرَ القصبِ، لكنني لا أستطيعُ أن أسيرَ

 

فوق وريقاتِ المحيطِ التي ضوَّأَها القمرُ

وحيداً على تلك الطريق البيضاء،

أو أطفوَ مع تَهَدُّجِ البومِ

 

الحالمِ هاشلاً من أحمالِ الأرض.

أيّتها الأرضُ، أعدادُ خلاّني الذين تضمّين

مِمَّنْ أُحِبُّ لأَكْثَر من أولئك الباقين.

 

عند المُنْحَدَرِ تلتمعُ قصباتُ البحرِ بين خضراء وفضيّةٍ؛

كانتْ رماحَ السّاروفيم في عقيدتي،

لكن من تضاعيفِ المفقودِ ينبتُ شيءٌ ما أشدّ عتياً

 

له التّألُّقُ اللبيبُ للحجرِ،

ديمومة ضوء القمرِ الأكيدُ، ما هو أبعد من القنوط،

عاتٍ كما الرّيح، التي، في تفريقِها القصبَ

 

تأتي بأولئك الذين نُحبُّ إلينا، كما أنهم ما زالوا هناك،

لا أكثرَ نبلاً، بل بالنّقائصِ وما حَملوا.

 

 

توباغو، أواسط الصّيف

 

شطآنٌ رحبةٌ رُجِمَتْ بالشّمس.

وهجٌ أبيض.

نهرٌ أخضر.

 

جسرٌ،

نخلاتٌ صفراء محروقة

 

من دارٍ أخذَتْها إغفاءةُ صيفٍ

في شهرِ آب.

 

عشتُ أياماً،

فاتتني أيّامُ،

 

الأيّام التي تكبرُ، مثل بناتِنا،

على مقاسِ يديَّ الحانيتين.

 

 

البحرُ تاريخٌ

 

أين شواهدُكم، معارككم، شهداؤكم؟

أين ذاكرتكم القَبَلِيَّة؟ أيّها السّادةُ

في القبّة الرماديّة. البحر. البحرُ

قد أقفلَ عليها. البحرُ هو التاريخ.

 

في البدءِ، كان الزّيتُ الجيّاشُ،

كثيفاً كما الهيولى؛

ثمّ، كضوءٍ في نهاية النَّفَق،

 

مشكاةَ السّفين،

وكان ذلك سِفْرَ التّكوين.

ثم كانتِ الصّرخاتُ المختلطةُ،

القَذَرُ، النّواح:

 

سِفْرَ الخروج.

بالمرجانِ لُحِمَ عظمٌ بالعظمِ،

فسيفساءٌ

تسربلتْ ببركةٍ من ظلِّ القرشِ،

 

وذلك كان تابوتَ العهد.

ثمّ جاءتْ من الأوتارِ المُقْتَلَعة

لأشعّة الشمسِ على قعرِ البحر

 

القيثاراتُ الشّجيّةُ للسبي البابليّ،

بينما تَعَنْقَدَ الصّدّفُ[1] الأبيضُ مثل الأغلالِ

على النسوةِ الغارقات،

 

وذلك[2] كان أساورَ العاجِ

في نشيدِ سليمان،

غير أن المحيطَ ما فتئ يُقلِّبُ الصفحاتِ البيضاء

 

مُقتفياً أثر التاريخ.

ثم جاء رجالٌ بأعينٍ حادّةٍ كَمَرَاْسٍ

غرقوا دونما أضرحةٍ،

 

قُطّاع الطُرُقِ هؤلاء الذين شووا قطيعَ الماشيةِ،

تاركين ضلوعَها المتفحِّمةَ مثل سعفِ النّخيلِ على الشّاطئ،

ثمّ الشّدقُ المسعورُ، المُزْبِدُ

 

لِمَوْجَةِ المدِّ والجَزْرِ تبتلعُ بورت رويال،

وذلك كان يونان،

لكن أين انبعاثكَ[3]؟

 

سيّدي، إنها في عهدةِ هاتيكَ الرّمالِ البحريّةِ

هناكَ وراءَ جُرْفِ الحَيْدِ الوعرِ،

حيث هامَ مُحاربو البحر؛

 

اشحذ ناظريك، سأرشدك إلى هناك بنفسي.

كلُّ شيء مخاتل وينتمي للأعماق،

عبر شِعابِ المرجان،

 

ما وراء النوافذ القوطيّةِ[4] لمراوحِ المرجان البحريّ

إلى حيث الهامور القشريّ[5]، بعينيه العقيقيتين،

يرمش، مثقَلاً بِحِلِيِّهِ، مثل ملكةٍ صلعاء؛

 

وهذه الكهوف الـمُقبَّبَةُ بعوالِقِها

التي تنقّرتْ مثل حجرٍ

هي كاتدرائياتُنا،

 

والأتون ما قبلَ الأعاصير:

عمورة[6]. عظام انطحنتْ بطواحين الهواء

إلى مَرْلٍ[7] ودقيقِ ذُرَة،

 

وذلك كان سِفْرَ المراثي[8]-

كان حقّاً سِفْرَ المراثي،

لم يكنِ التّاريخَ؛

 

ثم جاء، كما رغوةٌ على شَفَةِ نهرٍ مُجدبةٍ،

القصبُ الأسمرُ لقرىً

تتورّدُ ثم تنعقِدُ إلى بلداتٍ،

 

وعند المساء، ثمةَ جوقاتُ الهوامِ،

وفوقَها، قممُ الأبراجِ

تطعنُ خاصرةَ الرَّبِّ

 

كما شاءَ ابنهُ، وذلك كان العهدَ الجديد.

 

ثم جاءتِ الأخواتُ البيضاواتُ يصفقنَ

لِسَيْرِ المَوْجِ،

وذلك كان العَتْقَ-

 

الجَذَلَ، آهٍ الجَذَلُ-

خاطفاً يتلاشى

وشريطُ البحرِ المزخرَفُ يجفُّ تحت الشّمس،

 

لكنّه لم يكنِ التّاريخَ،

كان محضَ عقيدةٍ،

ومن ثمَّ انشطَرَتْ كلُّ صخرةٍ إلى أُمَّتِها الخاصَّةِ؛

 

ثم جاءَ سِنُوْدُسُ[9] الذّبابِ،

ثم جاءَ أمناءُ السّرِّ من البَلَشُوْنِ[10]،

ثم جاءَ الضّفدعُ[11] يجأرُ مُطالِباً بحق الاقتراع،

 

يراعاتٌ بأفكارٍ مُضيئةٍ

وخفافيشُ مثل تدَفُّقِ السّفراء

والسُّرعوفُ[12]، مثل خاكي الشَّرِطَةِ،

 

ويَسَارِيْعُ القضاةِ الوبريّةُ

تتفحّصُ كلَّ قضيَّةٍ بمنتهى الاعتناء،

ومن ثمّ في أكواز السّرخَسِ الداكنةِ

 

وفي قوقأةِ الصّخرِ المالحةِ

عند أحواضهم البحريّةِ، بَدَرَ الصوتُ

مثل إشاعةٍ دونما أدنى صدىً

 

لتاريخٍ، يبدأُ حقَّاً.

 

[1] – Cowry: أصداف بحرية صغيرة.

[2] – المقصود: الصّدف.

[3] – Renaissance.

[4] – Gothic.

[5] – Crusty Grouper: نوع من أسماك الأعماق.

[6] – عمورة، ومدينة سدوم: هما المدينتان اللتان دمّرهما الرّبّ كما جاء في الإنجيل.

[7] – Marl: المَرْلُ: طين غنيّ بكربونات الكالسيوم يُستَعمَلُ سماداً. (المورد).

[8] – مراثي النبيّ إرميّا.

[9] – Synod: المجمع الكنسيّ.

[10] – Heron: البَلَشون، أو مالك الحزين.

[11] – Bullfrog: ضفدع أميركيّ كبير.

[12] – Mantis: حشرة، يُطلق عليها أيضاً: جمل اليهود، أو فرس النبيّ.

المترجم: الترجمة عن الإنكليزية أحمد م. أحمد

ضفة ثالثة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى