صفحات الناسفلورنس غزلان

بين حاضر قبيح وماضٍ جميل

    فلورنس غزلان

    تموت فينا لغة الحاضر …تندحر مفرداته أمام أنبياء الساعة وأصدقاء الساعة…واندحارهم جميعاً أمام التاريخ…يجعلنا نفقد الثقة بإمكانية أنوثة اللغة على غواية مُلاك الكلمة وانشغالهم بوضعها في مكانها الصحيح من قاموس الجغرافيا والتاريخ ..وقاموس الطقس السياسي السارق للسياسة والسياسيين. لهذا تجدني أحمل قلمي ودفتري…وأهرب نحو الماضي…أهرب من غزاة الحاضر ومن أنهار دمائهم، التي أغرقتنا في خصومة بدأوها وأضاعوا بوصلة النهاية …حاولت يا أصدقائي وأحاول ألا أموت قهراً وألا أموت حباً في غربة لم يعد هواءها يكفي صدري ويشبع شهيقي…وكل ما يخرج من زفير مجرد خوفٍ، له لون يشبه لون أيام الثمانينات من المنصرم…خوف يشبه وينحرف بشهوة السطوة وشهوة التفرد …وشهوة الجنون المختفي تحت طيات أجساد أنهكها جهل عقود ..تخلى عنها الأهل والمدرسة والمؤسسة ووضعتها على سكة قطار يصفر محذراً …لجموع صماء، خرساء، وعمياء…فأين المفر؟ وأين المُسْتَقر؟.

    أستنجد بماضٍ جميل يشدني…أما المستقبل …فخشيتي منه تُعيق قدرتي على الرؤيا في فضاء يَعُمُهُ الضباب والخراب..يَصيدهُ التأجيل ، وتحبطُه معاول التأويل بما هو بسيط وسهل على الفهم والاستيعاب …لمن يريد أن يستوعب ولمن يريد أن يُنقذ العصافيرمن أفخاخ لاترحم …لمن يريد أن يُخرج الأحذية العسكرية من حرمات البيوت…ومن ارتداء ثوب عزرائيل …وجبرائيل في آن.

    لماذا الماضي؟ وكأني بالحاضر يتلكأ ويستفز كل الكائنات النائمة والساهرة والمُطفأة …والمغامرة والمدفونة…ويضعها في طريق الحلم بغدِ يشبه هذا الجمال العالق بماضِ كان له سحر الانعتاق ..والقدرة على تفجير الإبداع …لدى الضمائر المتفتحة حديثاً كقطرات الندى فوق الجوري الدمشقي…لهذا أرى أن الكثير من أبناء جيلي …يحنون ويأخذهم الحنين الممزوج بالخوف…إلى نوادي الذكريات وينبشون صور الرَحالة ، وصور النساء الفاتنات…الخارجات للتو من بيوت المحبة وروح مواطنة …لاتعرف الالتواء.

    صورتضحك للأرض وتبتسم للحياة …وترسم بريشة اللغة خرائطاً لغدٍ لايَشٌكون أبداً أنه سيكون جميلاً …لولا مايُفرزه الحاضر من قبح لم تعرفه كل مهارات اللغة واللغويين …ولايمكن لأي باب أو نافذة من نوافذ التاريخ أن تعترف به ولداً شرعياً …من أسرة لها جذور في تاريخ سوريا القديم والحديث.

    هل سينجدنا الماضي ويمنحنا مباركته، بأن الغد سيكون حفيده المنتظر كيسوع المنقذ؟ أم أنه سيدخل علبته وطيات دفاترنا …لأنه يخاف على أوراقه من تصالب وتكالب الجهات والوجهات، التي تبعدنا وتضللنا عن دروب الحياة الحرة التي زحفنا نحوها؟!

    ــ باريس ــ 19/5/2013… مضى على اعتقال تغريد 33 يوماً دون خبر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى