صفحات سوريةهوشنك أوسي

بين طرابلس الغرب ودمشق… أيّام الثورة وسقوط الكوابيس


هوشنك أوسي()

كم كان مشهد ليلة 21/8/2011 في طرابلس الغرب مشابهاً لمشهد صباح 9/4/2003 في بغداد، حيث صورة الكابوس _ الطاغيّة، تداس بالاقدام، وتضرب بالأحذية. لَكم كان المشهد من البلاغة القصوى بمكان، أن يعجز الكلام عن وصفه!. شبابٌ ليبيون، ينهالون بغلِّ وحرقةٍ وتشفٍّ، دهساً على خرقةٍ مطبوعةٍ عليها صورة “الأخ القائد”، و”عميد الرؤساء العرب”، و”ملك ملوك افريقيا”. وكذا كان الحال، قبل ثمانية أعوام ونيّف في بغداد، حين انهال الشعب على صورة “القائد المفدّى.. المهيب الركن”، وقائد “أم المعارك”، و”حارس البوابة الشرقيّة للأمّة العربيّة” صدّام حسين، دهساً وتمزيقاً، وعلى تماثيله وأصنامه، خلعاً وتحطيماً وتكسيراً!. هكذا، وبدهاءٍ وخُبثٍ وحنكةٍ ومكر عميق، يعيدُ التاريخ دورته في مكانين وزمانين مختلفين، وجوهر الحدثِ واحد. وهو، ثورة العبيد على أغلالهم، وعلى سيّدهم الطاغية. والانهيال بالضرب على الصور، بالعصيّ والاحذية والدهس، هو التعبير عن مدى الاحتقان والكبت وكتمان الغضب والرفض لنظام كان جاثماً على الصدور كالكابوس المميت، وبل أشدُّ وطأةً وأثقلُ. ذلك أن هذه الصور لدى الجموع الغاضبة والفرِحة في آن، هي تعبير عن صاحبها، وبمعاقبة الشعب للصور، فأنها تعاقب صاحبها الطاغية.

“أنا لست رئيس ليبيا. ولا أسعى الى مناصب. ولو كان لدي منصب، لقدّمت الاستقالة، وألقيتها على وجوهكم”، هكذا قالها العقيد القذّافي، معلّقاً على دعوات موجّهة له من الشعب الليبي، تطالبه بالتنحّي. والحال هذه، الرئيس الليبي “المخلوع”، لم يكن لديه أيّ منصب رسمي، وكان يحضر المؤتمرات، ويزور البلدان على أنه الرئيس الليبي!. هكذا، كان القذّافي، يخطب “نائياً بنفسه، عن اللهاث على المناصب!!. ولِمَ المناصب، ما دام الشعب والدولة وثرواتها ومؤسساتها في جيب الزعيم؟!. ذلك أن المنصب بالنسبة للقذّافي، استنفد مهمّته في تطويب ليبيا باسمه وأسماء أبنائه وحاشيّته.

“هذا الكلام لا يقال لرئيس لا يعنيه المنصب.. لا يقال لرئيس لم تأت به الولايات المتحدة ولم يأت به الغرب.. أتى به الشعب السوري”. بهذه اللغة، ردّ الرئيس السوري بشّار الأسد على الدعوات بالتنحّي التي أتته من واشنطن ولندن وباريس وبرلين وطوكيو… وعواصم أخرى. وقبل هذه العواصم، تأتيه هذه الدعوى، يوميّاً، من الشعب السوري منذ اربعة أشهر. لكأنّ الأسد، كقرينه ونظيره الليبي، القّذّافي، يقذف كلاماً جزافاً واعتباطيّاً، كيفما اتفق، يريدُ به أن يُخرس التاريخ!. ذلك أن والده الراحل، حافظ الأسد، كان قد ألغى الشعب والدولة في سورية، مختزلاً الشعب والدولة في العائلة وحاشيتها. وورث الأسد الابن من الأسد الأب كل هذا الإرث وهذه التقاليد العريقة في الاستبداد والالغاء والطغيان. ولعلّ الأسد، بردّه الهشّ والركيك ذاك، يريد أن يشطب من ذاكرة سورية الطريّة، كيف ان مجلس (الشعب)، اجتمع، وغيّر مادّة رئيسة في الدستور السوري، وخفّض سنّ رئيس الجمهوريّة من 40 الى 36 سنة، كي يصبح مقام رئاسة سورية على مقاس عمر الأسد الابن. كل ذلك، في 15 دقيقة!. لكأنّه يظنّ بالسوريين والعرب وشعوب العالم والمجتمع الدولي، قطيعاً من الجهلاء والحمقى، حتّى يصدّقوا كلامه حول إتيان الشعب به للحكم!

الحقّ أن حديث الأسد، لتلفزيونه الرسمي، كان عبارة عن حزمة تهديدات للداخل والخارج. هذا الحديث هو الرابع من نوعه، منذ بدء الانتفاضة السورية المطالبة بالحريّة وإسقاط النظام منذ منتصف آذار الماضي، لكنه كان الأكثر وضوحاً في التهديد والوعيد. إذ أراد الأسد، من خلال حديثه ذاك، التأكيد للداخل السوري أنه ماضٍ في الحلّ الأمني والقمع وسحق الانتفاضة. وكان رسالة للعالم، أنني قادر على تحطيم الشرق الأوسط على رؤوس مصالحكم. وردّي سيفوق تصوّركم وطاقة احتمالكم!. هكذا هدد الأسد، أي دولة تقوم بشن هجوم عسكري على نظامه!

الاعلام السوري، ووكالة “سانا” الرسميّة للأنباء، تجاهلت تماماً، حدث استيلاء الثوّار على طرابلس. وحين ظهر “سيف الاسلام” القذّافي، في شريط فيديو، يكذّب فيها خبر اعتقاله، أبرزته “سانا”، كخبر رئيس وعاجل. ولكن، حين سقط “بيت الصمود والتصدّي” (مجمّع باب العزيزيّة)، وفرار القذّافي كالجرذ المذعور، هذا الخبر أيضاً، تجاهلته “سانا”، وقنوات التلفزة السوريّة، في حين كانت قنوات التلفزة ووكالات الانباء العربيّة والعالميّة مطبولة بهذا الحدث!. ومعروف ومفهوم لماذا تجاهل الإعلام السوري _ الأسدي، أخبار انهيار النظام الليبي، وعدم صمود “بيت الصمود”، وذلك حرصاً وخشيةً من تداعيات ذلك على “قلعة الصمود والتصدّي”، التي يحكمها الأسد!

بالعودة الى حديث الأسد لتلفزيونه الرسمي “الشفاف”، على حدّ وصفه له، رأينا كيف أكّد الرئيس السوري على إهانته للشعب الكردي في سورية. وتجاهله لوصفهم بـ”الشعب”، وذلك أثناء ردّه على سؤال “حول ما إذا كان مرسوم تجنيس الأكراد جاء نتيجة القلق من احتمال تحريك هذا العامل في الأزمة؟، قال الأسد، بحسب ما أوردته “سانا” نقلاً عن حديثه: “الحقيقة أن أول مرة طرح هذا الموضوع كان في شهر آب عام 2002 عندما قمت بزيارة الحسكة والتقيت بالفعاليات في المحافظة ومنها الأخوة الأكراد وتحدثوا في هذا الموضوع وكان جوابي في تلك الزيارة أن هذا الموضوع حق وحالة إنسانية يجب أن نتعامل معها وسنبدأ بحل الموضوع”. وأضاف: “بدأنا مباشرة باتخاذ الإجراءات ودراسة الاحتمالات وكانت هناك عدة سيناريوهات أي ما الشكل القانوني والدستوري لإصدار مثل هذا القرار… وسرنا في ذلك وطبعا لم تكن الحركة سريعة ولكن كدنا ننتهي في بداية عام 2004 إلى أن بدأت الأحداث في الحسكة والقامشلي تحديدا في شهر آذار عام 2004 حيث حاولت بعض القوى أو الشخصيات أو الجهات أن تستغل موضوع منح الجنسية لمكاسب سياسية ستؤدي بالنتيجة للتنافر بين الأكراد والعرب.. وعندها توقفنا وأجلنا الموضوع وبدأنا عملية حوار مع القوى المختلفة ولاحظنا بأن هناك محاولة مستمرة لاستغلال هذا الموضوع”. وتابع حديثه: “الحقيقة أنه عندما قررنا إصدار هذا المرسوم في بداية الأحداث (يقصد الانتفاضة السورية) كان جاهزا لذلك صدر بسرعة أي أن الدراسات كانت منتهية والقرارات جاهزة على الورق ولم يكن باقيا سوى توقيع المرسوم ونحن كمبدأ لا يمكن أن نفكر بهذه الطريقة لأن هذا فيه أولا اتهام للأكراد بأنهم غير وطنيين وإذا كنا نفكر بهذه الطريقة فهذا يعني أن التعامل بين الدولة والشعب هو بطريقة الرشوة وهذا خطر.. لا يوجد دولة تحترم شعبها وتحوله إلى مرتزقة.. وهذا الكلام مرفوض والشعب السوري هو شعب عريق وحضاري والإخوة الأكراد هم جزء أساسي من النسيج العربي السوري.. كما قلت منذ سنوات سورية من دون أي مكون من مكوناتها لا يمكن أن تكون سورية التي نعرفها ولا يمكن أن تكون مستقرة إن لم يشعر كل مواطن بأنه أساس وليس ضيفا وليس طائرا مهاجرا لا يمكن أن يكون وطنيا وهذا شيء محسوم لنا في سورية.. والقضية كانت تقنية والبعض حاول تحويلها إلى قضية سياسية .. ولو عدنا إلى تاريخنا فكما كافحنا الفرنسي وغيره من المستعمرين كان للأكراد ايضا عدد من القيادات التي واجهت الفرنسي أي من قيادات الثورة وليس مجرد ثوار عدا التاريخ السابق والتاريخ اللاحق واليوم.. وبالتالي هذا التشكيك نعتبره مرفوضاً”.

الحقّ أنه لا يوجد رئيس في العالم، يحترم نفسه ووطنه وشعبه، ويمتلك أدنى درجات اللباقة واحترام عقول الناس، ويكون بهذا القدر من الكذب!

أولاً: الكرد هم شعب عريق في المنطقة، وفي سورية أيضاً، وتعداده يناهز 3 مليون نسمة. وهم ليسوا “فعاليات” اجتماعيّة كما يكررها الأسد.

ثانياً: كان الأسد قد صرّح عقب الانتفاضة الكرديّة في 12 اذار 2004، أن الكرد هم جزء من النسيج الاجتماعي السوري. والآن، يقول: هم “جزء أساسي من النسيج العربي السوري”. يعني، انه يصرّ على تعريبهم وإنكار وجودهم القومي، وهويّتهم القوميّة!.

ثالثاً، الشعب الكردي، ليس بحاجة لشهادة حسن سلوك وطني، لا من بشّار الأسد، ولا من حزبه، ولا من أيّ شخصٍ أو جهة كانت، سواء في النظام والمعارضة.

وأمّا اتهامه للاحزاب السياسيّة الكرديّة، بأنها حاولت استغلال محنة الكرد المجرّدين من الجنسيّة، لأغراض سياسيّة، تريد النيل من العلاقة والأخوّة والشراكة الوطنيّة الكرديّة _ العربيّة في سورية، فالردّ على ذلك، متروك برسم الاحزب والنخب الكرديّة، التي يجب ان تنفض يديها نهائيّاً من هذا الطاغوت، وتكفّ عن حالة التردد والضبابيّة الذي يكتنف خطابها موقفها، بخاصّة أن غالبيّة المجتمع الدولي قالها للنظام السوري، تنحّى! ويجب أن تصرّح الحركة الكرديّة الوطنيّة السوريّة أيضاً عن ذلك وتطالبه بالتنحّي. ولقد كان موقف الحركة الكرديّة السوريّة الحالي مبرراً، حين كان العالم يدعو الى تغيير سلوك النظام وليس إلى اسقاطه. لكن الوضع الآن، اختلف. ويجب أن يكون موقف الاحزاب الكرديّة منسجماً مع الموقف الدولي. وأي تردد، سيكون في مصلحة النظام، وفي مصلحة بعض الجهات المشبوهة التي تريد تهميش دور الحركة الكرديّة، والصعود على اكتافها.

الرئيس السوري، “مطمئنّ وغير قلق” كما قال في حديثه. وحقيقة الأمر، بالضدّ من ذلك تماماً. ولعلّه الأكثر خشية من سقوط النظام الليبي. ذلك ان سقوط النظام الليبي، وانكشاف مدى التنسيق بينه وبين النظام السوري في الجرائم الارهابيّة التي شهدها العالم، مضافاً اليها جريمة اختطاف، وربما تصفية الإمام موسى الصدر ايضاً.

الرئيس السوري، “مطمئنّ” وغير “قلق”، ويطالب القلقين بالاطمئنان وعدم القلق، وهو يشاهد صورة القذّافي تداس بالاقدام. وتماثيله وأصنامه تقتلع من ليبيا، “زنقة زنقة، شبر شبر”! لكن، أغلب الطغاة، لا يتعظون من التاريخ. ذلك ان الذي يريد ان يدخل التاريخ داهساً شعبه، يخرج من التاريخ مدهوساً من شعبه. إنها أيّام الثورة، وسقوط الأنظمة الكوابيس، والزعامات الكوابيس، من على صدر الشعوب لتحت أقدامها. أنه ربيع الشعوب الحرّة، ربيع الأوطان الحرّة التي تحاول النهوض من تحت ركام وويلات وكوابيس الاستبداد والفساد والقادة الطغاة.

() كاتب كردي سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى