صفحات سوريةمعتز حيسو

تأثير الانتفاضة السورية على التفكير الاجتماعي


معتز حيسو

إن بحث تجليات وآثار الحراك الثوري على بنية وآليات التفكير الاجتماعي بالمستوى العام، يحتاج إلى بحث معمق ومركّز قد لا يكون في لحظات الحراك الشعبي مجاله الدقيق. لكن أهميته تستوجب القيام بقراءة أولية له.

إن دراسة آثار الحراك الثوري الذي تتشكل حوامله الاجتماعية من الشباب تحديداً،ومن فئات شعبية عانت من الإفقار الاقتصادي والإقصاء عن المشاركة السياسية، إضافة إلى شرائح اجتماعية تمثل ما تبقّى من الطبقة الوسطى التي تم على مدار عقود طويلة تهميشها إذا لم نقل القضاء عليها نتيجة إتباع الحكومة سياسات الاقتصاد الحر. يحتاج إلى وقفة موجزة لعرض تأثير بنية وآليات عمل النظام السياسي والاقتصادي الذي نشهد في اللحظة الراهنة بدايات تحلله بفعل الانتفاضة الشعبية.

إن بنية النظام بشكله وآليات اشتغاله السابقة،توطدت بفعل هيمنة السلطة الأمنية بمختلف تجلياتها، مما أدى إلى تكريس ثقافة الخوف، وتغييب المناخ المناسب للممارسة السياسية للقوى السياسية الديمقراطية، مما ترك المجال مفتوحاً للأصوات المتطرفة بمختلف تجلياتها الأيديولوجية. لكن تغييب المناخ المناسب للنشاط السياسي لم يمنع بالمطلق بعض القوى السياسية من أن تحافظ على بقائها البيولوجي، لكن فاعليتها السياسية والاجتماعية بقيت محدودة. ويتقاطع ما ذكرناه مع التوسع الأفقي للفساد، وتراجع دور القضاء نتيجة ارتباطه بالسلطة التنفيذية والأمنية. وقد تجلت أزمة النظام السياسي على المستوى الاقتصادي، بفعل تطبيق سياسات التحرير والانفتاح و تهميش القطاع العام واحتكار فئة محددة للقرار السياسي والاقتصادي، إضافة إلى تعزيز تبعية النقابات التي تحولت مع باقي المنظمات الشعبية لأدوات يتم التحكم بها لضمان استمرار النظام السياسي … وهذا أفضى إلى زيادة حدة الإفقار والتهميش والاستقطاب الاجتماعي ونهب الموارد الوطنية. وقد تعززت الاختلالات البنيوية على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بفعل فك الترابط بين المستويين السياسي والاقتصادي.

إن ما قدمناه يوضح نسبياً أسباب التحركات الشعبية الراهنة، وبنفس الوقت يساعدنا في تحديد شكل ومضمون وآليات الانتفاضة الشعبية.لذا يمكننا القول بأن ضبط الأسباب الأساسية للحراك الشعبي تتحدد انطلاقاً من تحديد أشكال وبنية وعوامل الأزمة السياسية والاقتصادية المركبة للنظام السياسي الراهن.وفي هذا السياق فإن مضمون الحراك الشعبي هو سياسي واجتماعي ببعد طبقي. وهذا يوضح أهداف التحركات الشعبية و شكل تجلياتها رغم بعض الإنزياحات الهامشية والشكلية لمجرياتها الميدانية. وقد بات واضحاً بأن البعد الحقيقي لثورة الشعب السوري وتحديداً الشباب، يتحدد في سياق استراتيجي يهدف إلى بناء مشروع وطني ديمقراطي تدرجي سلمي، في سياق بناء دولة مدنية ديمقراطية عمادها الأساسي سيادة القانون والمواطنة. لكن البعد الاستراتيجي للنهوض الشعبي يجب ألا يعفينا من تعرية المتسلقين على جسد الحراك الجماهيري، ومن يريد أن يشوّه سياقه العام والأساسي ويحرفه عن أهدافه الأساسية ، ويتوضح ذلك من خلال محالات البعض إلباس النهوض الشعبي لبوساً دينياً، طائفياً، جهوياً، مناطقياً … ومن البداهة بمكان أن كافة التجارب الثورية دون استثناء، حتى التي تكللت بالانتصار كانت تتأثر بلحظات معينة بالوعي الاجتماعي المرتبط والمتأثر موضوعياً بالوعي السياسي للسلطة السياسية المسيطرة، وهذا يعني بأنه لا وجود لحركة ثورية نظيفة وخالية من التشوهات السلبية السطحية غالباً والعميقة في بعض اللحظات، مما يعني ويؤكد الترابط الجدلي بين الوعي الاجتماعي السائد وبنية السلطة السياسية السائدة من جهة وبين الحراك الثوري ذو الطابع الشعبي من جهة ثانية. وبما أن الشباب هم أساس الحراك الشعبي، فهذا يستوجب منا التيقظ إلى مسألة في غاية الأهمية،وهي أن الشباب غير المصقول بفكر سياسي عقلاني وموضوعي ناضج، إضافة لحماستهم واندفاعهم وتوقهم إلى قيادة التغيير، فإنهم الأكثر عرضة للتأثيرات السلبية التي تعمل على تضليل وعي الشباب وتوجيه وتأطير تحركاته الميدانية بأشكال مشوهه، أي يمكن في لحظات غياب القوى السياسية الوطنية، العلمانية، واليسارية الماركسية التي تتملك الجدل المادي في تحليل وضبط وتوجيه وتأطير الحراك الشعبي عن ساحات الفعل السياسي الثوري، أن تقوم بعض الجهات أو الفئات أو بعض الشخصيات المتسلقة و التي تمتلك كاريزمة قيادية أن تؤثر في آليات تفكير الشباب، مما يعني تغيير السياق الموضوعي للحراك الشعبي. لذا فإن على كافة الناشطين والمفكرين والسياسيين الوطنيين وقيادات الحراك الشعبي الذين يجاهدون للمحافظة على السياق العام للحراك الشعبي وأهدافه الأساسية( السياسي في الأصل) أن يضبطوا سياق الحراك الميداني في الإطار الاستراتيجي لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي السلمي.

إن الترابط بين الوعي الاجتماعي وشكل تجليات الحراك الشعبي وبين أشكال من الوعي الاجتماعي التي اشتغلت على تكريسه سلطة سياسية تأسست بنيوياً على القوة الأمنية واحتكار السلطة وقمع الرأي الآخر واحتواء المجتمع من خلال السيطرة على مفاصله الأساسية وتحديداً النقابات والمنظمات الشعبية على مدار عقود.. التي تحولت إلى أدوات سياسية لتأبيد سيطرتها السياسية، يضعنا أمام إشكالية التماهي النسبي للوعي الاجتماعي ووعي بعض النخب السياسية مع أشكال الوعي السلطوي، وهذا يشكل علامة فارقة وحاسمة في الوعي والحراك الميداني. إن انعكاس تماهي الوعي الاجتماعي مع وعي السلطة السياسية السائدة، يتجلى بأشكال سلبية على الواقع الميداني للحراك الشعبي، وهذا لا يؤثر فقط على من يتواجدون على هامش الحراك الميداني أو خارجه، بل على من يشاركون فعلياً في الحراك الشعبي ميدانياً.

أما الجانب الأهم والذي يجب التركيز عليه، هو ظهور شكل من الوعي السياسي الجديد، وهذا الوعي لم يكن للقوى السياسية الفضل في تأسيسه أو إنضاجه بسبب عدم قدرتها في التأثير على الوعي الاجتماعي، ويتعلق هذا المستوى بالآليات السياسية للنظام السياسي الذي كرس هيمنته بفعل احتكار السلطة وتكريس أشكال من الوعي الاجتماعي والسياسي ساهمت في استمرار هيمنته،ويتقاطع مع هذا المستوى بنية وتركيبة وآليات الأحزاب السياسية التي لم تستطع لأسباب ذاتية وموضوعية تشكيل حواضن اجتماعية تساهم في تعميق فاعلية هذه القوى في القاع الاجتماعي، هذا إضافة إلى جملة من التناقضات الذاتية التي عانت منها قوى المعارضة بشكل عام، والتي شكلت بحد ذاتها أسباباً أضعفت دور المعارضة السياسية على المستوى الاجتماعي. لذا فإن ما يتجلى من سلبيات وثغرات في سياق الحركة الشعبية يتحمل أسبابه النظام السياسي الذي عمل على تغييب القوى السياسية العلمانية واليسارية تحديداً، إضافة إلى احتكار السلطة وتغليب العقل الأمني على لغة العقل السياسي، مما أدى إلى تراجع تأثير القوى السياسية في الحراك السياسي الذي يتجلى في الشارع السوري حالياً، وما يكرس هامشية دور القوى السياسية هو نخبويتها وانفصالها عن الحراك الشعبي، إضافة إلى أنها لم تستطع حتى اللحظة أن تصيغ خطاباً وطنياً جامعاً يشكل مخرجاً عن الوضع الراهن، وهنا نؤكد بأن أحد المخارج المهمة في اللحظة الراهنة يتمحور حول صياغة خطاب وطني يعمل على شد روابط الوحدة الوطنية بكافة أبعادها ومستوياتها، بعيداً عن كافة التجاذبات الضيقة أياً كانت أشكالها وأسبابها(طائفية إثنية جهوية مذهبية…).

أن نمط الوعي وأشكاله المتباينة يتجلى موضوعياً في أشكال الحراك الشعبي، وبذات اللحظة ينعكس تأثير الحراك الشعبي على أشكال وبنية التفكير الاجتماعي وفق علاقة جدلية موضوعية. لذا يمكننا القول بأن ثقافة الخوف التي اشتغل النظام على تكريسها عقوداً طويلة، كانت أحد العوامل التي ساهمت في انكفاء الغالبية عن المشاركة المباشرة في الحراك الميداني، لكن اعتماد القمع كأسلوب شبه وحيد في التعامل مع المتظاهرين، إضافة إلى توظيف ما بات يعرف بالشبيحة لقمع المتظاهرين.. ساهم في زيادة تصميم المتظاهرين على الاستمرار في انتفاضتهم الشعبية للتعبير عن مطالبهم السياسية، وهذا ساهم في تحطيم حواجز ثقافة الخوف عند الغالبية من الفئات الشعبية التي كانت تقف على الحياد مما أدى لاحقاً إلى ازدياد عدد المشاركين طرداً مع ازدياد درجة القمع، ومع تعمق شعور الحرية التي بات يحس به المتظاهر، وهذا التحوّل لم تكن تتوقعه الأجهزة الأمنية. لذا فإن تجاوز المواطن السوري لحاجز الخوف شكل أحد أهم إنجازات الانتفاضة السورية. إضافة لذلك يجب التركيز على أن الانتفاضة الشعبية ساهمت إضافة إلى ما تركته ثورة الشعبين المصري والتونسي من آثار، إلى زيادة الوعي والخبرة السياسية، ويتجلى هذا في الممارسة السياسية المباشرة في الشارع. مما يعني بأن الانتفاضة السورية تعيد من جديد تشكيل الوعي الاجتماعي بأشكال جديدة ونمط جديد.إن شكل التغيرات في الوعي السياسي والاجتماعي، يتحدد في أن تجاوز ثقافة الخوف شكّل مدخلاً حقيقياً لمقاومة ثقافة الاستبداد والتفرد بالسلطة، ومقاومة اللغة الأمنية التي يحاول النظام فرضها وتعزيزها في كل لحظة، إضافة إلى حضور الوعي الوطني الجامع لكافة مكونات الشعب السوري، وهذا ما يفشل صراحة كافة المحاولات التي تعمل على جرّ فئات من المجتمع السوري لحقل الصراعات الطائفية والمذهبية … لكن وبرغم كافة الجهود التي تحاول تكريس العمل الجماعي القائم على تنسيق وتوحيد الجهود في سياق مشروع وطني ديمقراطي سلمي تدرجي بعيداً عن المصالح الفئوية والشخصية والطائفية .. فإن أشكالاً من الوعي الاجتماعي والسياسي المشوه يطل برأسه بين لحظة وأخرى، ليترك بعض الآثار السلبية والمشوهة على الحراك الشعبي . لكن ومع كل ما قد يظهر من سلبيات ونواقص، فإن الحراك الثوري للشعب السوري الذي يزداد توحداً على أهداف ومهمات التغيير الوطني الديمقراطي السلمي الرافض لأي تدخل خارجي في الشأن الداخلي، كفيل في إنضاج وعي اجتماعي جديد ومتطور يتجاوز كافة أشكال الوعي البائد، وبذات اللحظة سيكون قادراً على إنتاج وعي جديد متحرر من التركة الثقيلة لنظام اللون الواحد، وهذا الوعي سوف يتشكل بالتأكيد في سياق وعي الضرورة الذي هي بحد ذاتها تعبيراً عن وعي وإدراك حقيقي للحرية والكرامة، الذي سيشكل الأساس والمقدمة في بناء وعي متحرر من كافة التابوات، وسيكون أيضاً الأساس في بناء مجتمع متطور ومتجاوز لكافة عوامل التخلف التي قيدت تطوره. وبالتأكيد فإن بناء دولة مدنية ديمقراطية برلمانية يسودها القانون ويكون فيها المواطن متمتعاً بكامل حقوق المواطنة التي أقرتها المواثيق الدولية في ظل دولة المؤسسات هو التتويج الحقيقي لتضحيات الشعب السوري.

تأثير الإنتفاضة السورية على الوعي الشعبي

بعد انطلاق شرارة الثورة السورية، توحد صوت الشارع السوري في رده على الدكتورة بثينة شعبان في سياق ترحيبها بزيادة الأجور(بأن الشعب السوري ليس جائعاً). ويحمل هذا الشعار رسالة بالغة الدلالة. إذ أنه وبرغم وقوف غالبية الشعب السوري على حافة حد الفقر، إلا أنه رفض وما زال يرفض أن يقايض حريته بزيادة على الأجور لا تغني ولا تثمن عن جوع. لقد شكل هذا الموقف دلالة واضحة في سياق تنامي انتفاضة الحرية والكرامة على مدى التغيير الذي طرأ وسيطرأ على وعي المواطن السوري. ولهذا فإن انتفاضة الشعب السوري كانت تشكّل رفضاً صريحاً وواضحاً لكافة أشكال وآليات التسلط والهيمنة والاحتكار التي مارسها النظام في سياق سيطرته على الدولة والمجتمع.

بداية يمكننا التأكيد بأن الانتفاضة السورية تشكّل تعبيراً عن توق المواطن السوري لاستعادة كرامته المهدورة، إضافة إلى كونها تشكّل مدخلاً حقيقياً من أجل استعادة الإنسان لكينونته الإنسانية المهدورة. ذلك لأن بنية النظام وآلياته الأمنية التي اشتغلت على قمع الحريات الأساسية والهيمنة على كافة المؤسسات وتحويلها لأدوات تؤّمن استقرار بنية النظام السياسي المشخصن…. جردته من إنسانيته وقتلت فيه الإنسان وحوّلته إلى كائناً مشوهاً مهملاً لا يعني وجوده أو عدمه شيئاً. أي تم الاشتغال على هدر كافة المقومات والعوامل التي تشكّل إنسانية الإنسان التي كان من المفترض الدفاع عنها لكونها تمثّل قيمة عليا لا يجوز المساس بها تحت أي ظرف. ولهذا فقد شكّل ارتفاع صوت المواطن السوري المنتفض، دلالةً واضحة على إحساسه بفقدانه الحرية والكرامة، لذا فإن ارتفاع صوته كان تعبيراً على تصميمه لاستعادة حريته وكرامته المهدورة. ورغم استخدام كافة أشكال ومستويات التنكيل والقمع والاعتقال والقتل…التي كان هدفها النهائي قتل إرادة الشعب السوري الذي انتفض للتعبير عن حقه في الحرية والكرامة.. ، لكن الشعب السوري الذي يعيش الحرية في ساحات التظاهر، كان يزداد تصميماً وإرادة على عدم التراجع مهما بلغت التضحيات.

إن صوت الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة يتردد صداه في الفضاء معانقاً السماء، معلناً رفضه لكافة أشكال الاستبداد التي تحاول تأبيد هيمنة الفرد الواحد والصوت الواحد واللون الواحد. وقد أدرك المواطن السوري بالتجربة المباشرة، بأن حريته وكرامته تعني للطرف الآخر نهايته الوجودية، لذا فهو يدرك حجم القمع الذي سوف يواجهه. والشعب السوري الذي انتفض على الظلم والقمع … يدرك بأن صوت الحرية يشكل بداية النهاية لنظام يقوم على احتكار السلطة وهدر إنسانية الإنسان. إن انتفاضة الشعب تشكّل تعبيراً حقيقياً وموضوعياً عن ولادة جديدة، قد يكون مخاضها صعباً ومسجّى بدماء السوريين، لكن الشعب السوري قرر الاستمرار في انتفاضته، حتى تحقيق هدفه المنشود مهما كانت التضحيات. وما يزيد من تصميم الشعب السوري المنتفض، هو إدراكه بأن القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية وتوابعها، للحيلولة دون هذه الولادة يهدف بداهة لتأبيد الموت الذي خيم شبحه على الشعب السوري طويلاً، وشتان مابين الحياة التي يناضل الشعب السوري للوصول إليها، وبين الركود المميت التي تسعى قوى القمع لتأبيده. وبداهة لا يوجد مكان للحرية والكرامة مع الاستبداد وهيمنة الحزب الواحد. وإذا كانت الطبيعة ترفض اللون الواحد، كذلك هو الشعب السوري الذي يشكل في تنوعه تعبيراً حقيقياً عن الطبيعة في تنوعها.

إن انتفاضة الشعب السوري، شكلت منعطفاً هاماً في سياق تبدل الوعي الشعبي العام، فرغم العلاقة الجدلية التي يتحدد فيها مستوى وشكل الحركات الاحتجاجية مع أشكال الوعي ونمطه العام, إلا أن الانتفاضة السورية شكلت مدخلاً ومناخاً للتغيير، في أشكال وآليات التفكير والوعي الاجتماعي. لذا يمكننا ملاحظة كيفية تبدل الوعي الشعبي الذي يرتبط موضوعياً بالحراك الجماهيري المطالب بالحرية والكرامة، الذي يزداد اتساعه أفقياً وبالعمق. وقد بات الشعب السوري يدرك أنه وحيداً في مواجهة السياسات الأمنية القمعية، لأن المواقف الدولية تتحدد كما هو واضح على قاعدة مصالحها الخاصة، وعلى قاعدة مواقفها السياسية من المنطقة والصراعات الدائرة فيها وعليها، فالمواقف الدولية في المنطقة، وفي سوريا بشكل خاص، تتحدد بناءً على مشروعها الاستراتيجي في المنطقة،هذا بغض النظر عن مواقف هذه الدول الشكلية من حقوق الإنسان .. وبحكم امتلاك الشعب السوري لدرجة عالية من الوعي والتفكير السليم والموضوعي، والإحساس بالمسؤولية، إضافة لتمتعه بالشعور الوطني، بات يدرك بأن انتصار انتفاضته يتحدد في الحفاظ على سلمية الثورة، وعدم الانجرار لصراعات مذهبية وطائفية وجهوية.. وكان وعيه الوطني وما زال، كفيل باكتشاف من يقف خلف تحويل ثورته السلمية المطالبة بالحرية والكرامة إلى أشكال من الصراعات المذهبية والطائفية .. لذا فقد بات واضحاً بأنه قادراً على تجاوز كافة الأساليب والأشكال التي تحاول إبعاده عن أهدافه الحقيقية. لذا فإن مواجهة المخططات التي تعمل على تحويل الثورة السورية السلمية إلى صراعات طائفية ومذهبية… والعمل على إفشالها، يشكل المدخل الأساس للحفاظ على الوحدة الوطنية ، وبالتالي انتصار السورية. إن الانتفاضة السورية ساهمت بشكل مباشر وملموس في تشكيل وعي شعبي حريص على تماسك الوحدة الوطنية في إطار الحفاظ على التنوع المجتمعي بكافة أشكاله، إضافة إلى انتقال وعي المواطن السوري لحقل يرى فيه بأن الوطن والوطنية لا يمكن اختزالها بشخص أياً يكن هذا الشخص، فالوطن لجميع أبناءه،أياً كان عرقهم أو جنسهم أو انتمائهم السياسي أو المذهبي.. وكما أن بناء الوطن واجب على كافة أبناءه، فإن المشاركة السياسية في صياغة القرارات التي تخص الوطن والمواطن حق يكفله الدستور السوري، فلا امتياز لأحد على أحد، والكل أمام القانون متساوٍ في الحقوق والواجبات.ولنقل هذا الوعي إلى حيز الممارسة، فإن انتصار ثورة الكرامة والحرية تشكل بوابته الحقيقية، بمعنى آخر فإن انتصار ثورة الشعب السوري، ستكون مدخلاً حقيقياً لترسيخ دعائم الدولة المدنية الديمقراطية التعددية …. وذلك في سياق إنجاز المشروع الوطني الديمقراطي السلمي التدرجي.

29/7/2011/م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى