سحر حويجةصفحات سورية

تأثير الدور الدولي والإقليمي في الثورة السورية


سحر حويجة

مازال النظام العالمي قائماً على التنافس بين أقطابه المتعددة، مما يخفي صراعاً يهدف إلى السيطرة على العالم ، وعلى إعادة توزيع مناطق النفوذ بما يساهم في قوة طرف على حساب طرف آخر، ومازالت دول العالم الثالث ملعب للدول الكبرى بهدف الفوز والربح، في إطار منافسة لا تحكمها المبادئ، بل تحكمها المصالح. ، على أساس منطق القوة بمعناها الشامل الاقتصادي والسياسي والعسكري.

في حقبة الثورات العربية الدائرة من دولة إلى أخرى ، لعبت الدول الكبرى دوراً لافتاً في التسريع من سقوط نظام ما كما حدث في كل من مصر وتونس، عندما تأكدت هذه الدول من أن الثورة مستمرة وأن الجماهير لايمكن أن تتراجع، و كان يكفي رفع الغطاء عن هذين النظامين حتى تسقط من عليائها، بسبب أن استمرار تلك الأنظمة ووجودها مرهوناً إلى حد كبير برضا ودعم تلك الدول، لقد ضحت تلك الدول بالنظام القائم، في محاولة منها للمحافظة على امتيازاتها، وخوفاً، من خروج الوضع عن السيطرة. والدخول في المجهول، حيث أنه كثيراً ما قيل عن دور أمريكي مؤثر على المؤسسة

العسكرية في مصر.

لكن المشهد اختلف على الساحة الليبية، فمثل هذا النظام لايمكن أن يتنازل أو يتزحزح بالضغط عليه ورفضه، فالنظام ذو بنية مغلقة، مؤسسات الدولة على الأخص العسكرية عبارة عن مؤسسات خاصة بالنظام، وبالسرعة الكلية تم إعطاء الشرعية للتدخل الأجنبي العسكري مدعوماً بغطاء عربي، مما أدى إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية وتدمير السلاح الليبي وعشرات الآلاف من الضحايا، حتى سقط النظام. كل ذلك يساهم في إعادة توزيع النفوذ والأدوار بين الدول الكبرى، في مهمة إعادة البناء والإعمار.

واليمن لن يكون سعيداً حتى يسقط نظامه على الرغم من كل الزخم الشعبي للثورة، لكن لم تتخذ الدول الكبرى موقفاً واضحاً لدعم الثورة، وتحقيق آمال الشعب اليمني في الحرية والديمقراطية، بل بدا الموقف الدولي والعربي مسانداً للنظام في مسعى إلى كبح جماح التغيير الثوري، مع أن النظام اليمني يعيش على دعم دول الخليج وعلى رأسها السعودية إضافة إلى الدعم الأمريكي الغربي.

في سوريا تختلف الحكاية قليلاً أو كثيراً ، فموقف النظام السوري ومنذ عشرات السنين تأرجح بين انفراج نسبي وانغلاق في مواجهة أمريكا أولاً والغرب ثانياً، مما يجعل دور أمريكا والغرب غير مؤثر في حال الضغط أو حتى سحب الشرعية عن النظام. رغم أن النظام حاول كسر جبهة التحالف الأوروبي الأمريكي بعد الانتفاضة السورية عندما شطب أوروبا عن الخارطة وأخذ بمغازلة أمريكا. مما يشير إلى فتح أبواب المساومة على ملفات تهم أمريكا في المنطقة.

على الرغم من التصريحات التي تدعو إلى رحيل النظام، من قبل أوروبا وأمريكا، وعلى الرغم من العقوبات المالية التي طالت شخصيات نافذة من النظام حيث أنه بين أسبوع وآخر يضاف مجموعة جديدة من الأسماء تم تسميتها القائمة السوداء إلا أن هذه العقوبات بدت إنها ليست ذات تأثير كبير ،حيث أنه لم يعلن عن رصيد أي من المسؤولين المشمولين بالعقوبات، على عكس ما جرى بالنسبة للمسؤوليين الليبيين والمصريين عندما تم رفع السرية المصرفية عن حساباتهم والتصريح بقيمتها. مما يثير شبهة الضغط والتهديد بهدف المساومة على قضايا، خارج موضوع الانتفاضة ومصالح الشعب

السوري. .وإن بدت التصريحات الأوروبية أكثر قوة منذ بداية الأحداث، إلا أن تأثيرها محدوداً، حيث جاء الحظر على استيراد النفط السوري، مع إعطاء مهلة للتنفيذ عدة أشهر، في ذلك إشارة إلى أن النظام السوري سيستمر بقمعه الدموي وسوف يستمر بسياسته إلى ذلك الوقت، إضافة إلى أن أوروبا لم تقدم على خطوة سحب السفراء وطرد السفراء السوريين الموجودين لديها دلالة منها على عدم شرعية النظام بما يتفق والتصريحات المعلنة من قبل ساستها.

تدرج الموقف الأمريكي من مراقبة الأحداث، والدعوة إلى الإصلاح، والحفاظ على النظام، ثم الضغط على النظام بوسائل مختلفة من بينها التصريح بالحوار مع المعارضة حتى في الداخل السوري واقتحام أسوار حماه ولقاء المعارضة الثائرة في الشارع، بدت أمريكا كأنها تشجع النظام السوري على العنف ليس بهدف المحافظة على النظام بل من أجل دفع الشعب إلى طلب الحماية الدولية حتى تصل الأمور إلى تدخل العسكري . حيث إن استمرار الوضع الراهن يستنزف النظام الذي قد يتنازل على كثير من الشروط في أكثر من قضية عالقة مع أمريكا، ويستنزف الشعب الذي سوف يتجه إلى طلب الحماية

الخارجية.

ركزت أمريكا وأوروبا، في الآونة الأخيرة جهودهما، بالعمل على تمرير قرارات تدين النظام السوري في مجلس الأمن لكنها اصطدمت بموقف الدولة الروسية التي أخذت تستعيد دورها العالمي وتسعى إلى بناء قطبها لتحسين وضعها حيث إن النفوذ الروسي في أسيا له أهمية خاصة بالنسبة لروسيا التي تربطها بإيران وسوريا علاقات عسكرية قديمة منذ الحرب الباردة، تشكل هذه العلاقات جزء من خطة روسيا للدفاع عن نفسها في مواجهة الغرب وأمريكا، حيث يبدو أن تغييراً يقوده مجلس الأمن بقيادة أمريكا سيؤثر سلباً على وضع روسيا خاصة في حال إسقاط النظام عبر التدخل العسكري حيث

سيكون لتلك الدول اليد الطولى في قرارات سوريا الخارجية، لما قد تحمله الحرب من تحطيم البنى التحتية والعسكرية وإعادة البناء. لذلك سيستمر الموقف الروسي متصلباً فيما يخص القرارات الدولية في مجلس الأمن. أيضاً الصين لها مصالح خاصة تمنعها من الموافقة على قرارات ضد النظام السوري في مجلس الأمن وإن كان الموقف الصيني يمكن تغيير اتجاهه . فهما قطبان مستقلان على الرغم من الروابط المشتركة بينهما لكل منهما حساباته الخاصة. يبقى الموقف الروسي والصيني رهينة تسويات خاصة ومساومات بين الغرب وأمريكا وروسيا في مناطق أخرى تضمن مصالحهما، على الأقل

كي لا يتم استخدام الفيتو الروسي والصيني. ويلعب عامل الزمن دوراً مؤثراً حيث انسداد الأفق من حلول أخرى للخروج من الأزمة.

من جهة أخرى أقام النظام السوري جسوراً وروابطاً تعتبر تاريخية ومميزة على الصعيد الإقليمي يأتي في مقدمتها العلاقة الاستراتيجية مع دولة إيران: تحت غطاء مواجهة إسرائيل فكانت سوريا تسير في الركب الإيراني بما يحقق المصالح الإيرانية، تحول ذلك إلى نفوذ إيراني كبير في جميع المجالات في سوريا: سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، شكلت إيران مخرج للنظام السوري في مواجهة الأزمات التي أحاطت به في مراحل متتابعة ، ولعب النظام السوري دوراً هاماً في الترويج للنظام الإيراني في العالم العربي كمدافع عن المقاومة وسعيه تحرير فلسطين، حيث بدت السياسة

الإيرانية خارج الطموح والمصالح الخاصة لنفوذ القومية الفارسية.

شكل الموقف الإيراني الأخير القاضي بدعوة النظام لتلبية مطالب شعبه خطوة مفاجئة للكثيرين، بل شكل حدثاً خارج عن سياق الموقف الإيراني المألوف، المتهم بدعم النظام السوري في قمع الحركة الاحتجاجية مباشرة، إضافة إلى الدعم المادي لحماية النظام من السقوط. إلا إن ما يفسر الموقف الإيراني يعود إلى عدة أسباب يأتي في مقدمتها: أولاً: جاء الموقف الإيراني في لحظة يسعى الغرب وعلى رأسه أمريكا لاستصدار قرار دولي ضد النظام قد يؤدي إلى تدخل دولي عسكري كما حصل في ليبيا ، فكان التعبير الإيراني حول هذا الموقف بأنها لن تدخل في حرب مع الغرب وأمريكا في

حال التدخل في سوريا، حيث أن التحليلات تقود أن هدف التدخل هو لضرب إيران عبر سوريا، فجاء هذا التصريح لقطع الطريق على الغرب، ربما يشكل ذلك حماية للنظام السوري من مغبة المواجهة العسكرية.

إضافة إلى أنه حصل الكثير من المتغيرات على الساحة العربية بعد الثورات العربية لابد على إيران من أخذها بعين الاعتبار لإعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، فمناهضة إسرائيل لم يعد حكراً على حزب الله وسوريا وإيران، فمن بين الشعوب العربية المتحررة من أنظمة الاستبداد برزت تيارات كبيرة تناهض إسرائيل من مصر إلى تونس، نجد أيضاً تفكك الحلف الرباعي بابتعاد حماس عن النظام السوري، وانعكاس ذلك على العلاقة بين إيران وحماس. وتأثير ذلك على مكانة كل من حزب الله وإيران في الشارع العربي، لذلك إيران تسعى لاستيعاب المتغيرات الحاصلة، حتى تحافظ على

مكانتها أو تهيء نفسها لتلعب دوراً جديداً يتلائم مع التطورات الجارية في المنطقة العربية، لذلك لابد أن تسوَق لنفسها لتكون مقبولة في عالم عربي جديد يرفض الاستبداد، ومهما كان اتجاه التغيير في سوريا، لن يكون النظام الطرف الوحيد المناهض لإسرائيل حيث أن الشعب السوري ما تزال أرضه ترزح تحت الاحتلال ، لا يوجد ما يشير أن هناك أفق لتسوية محتملة فالجبهة السورية الإسرائيلية سوف تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات وفي حال سقوط النظام لابد أن يكون لإيران دوراً لن تخليه باسم الدفاع عن النظام السوري، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران

مما يشكل وضع النظام السوري استنزافاً لطاقات إيران، ووجود معارضة في إيران قوية تعارض سلوك النظام الإيراني خاصة بعد كل ما تم كشفه من فساد النظام السوري وأعوانه المقربين .. أيضاً هناك جانب يتعلق بتركيا حيث قطعت العلاقات التركية الإيرانية شوطاً كبيراً باتجاه الشراكة الإقليمية، وإن التناقض في موقفهما إزاء النظام السوري قد يؤثر على علاقاتهما الثنائية، حيث أن تركيا أخذت بالضغط على إيران من خلال مصادرة أسلحة موجهة من إيران لسوريا.

تركيا هي أيضاً من الدول المؤثرة في قوة النظام السوري، حيث انتقلت العلاقة السورية التركية من العداء الذي انتهى مع اتفاقية أضنة 1998 التي مازال جزءً من بنودها غامضاً وإن كان ما تم التصريح به له أهمية على الأخص ما يتعلق منها بالتعاون الأمني السوري التركي وطي ملف الخلاف حول لواء اسكندرون ، وقد استمر خط العلاقات في الصعود والانفتاح حيث بلغت عشرات الاتفاقات الهامة على الصعيد الاقتصادي ما يدل عليه حجم التبادل التجاري الذي بلغ المليارات لصالح تركيا كذلك الربط السياحي وبلغت هذه العلاقة ذروتها بالتحالف الاستراتيجي، ومنذ 2009 يتم العمل

على تشكيل لجان لمأسسة العلاقات السورية التركية، وقد لعبت تركيا في العشر سنوات الأخيرة دور الوسيط بين سوريا والعالم الغربي، و بين سوريا وإسرائيل. وكان النظام السوري يكيل المديح للمواقف التركية التي وصفها دائماً بالموضوعية والعادلة. يبدو أن الموقف التركي مؤثراً حيث أن النظام السوري دعا تركيا إلى إعادة النظر في موقفها، بعد كل التصريحات النارية التي أدلى بها المسؤوليين الأتراك خاصة قبل الانتخابات التركية حيث تم تبادل الزيارات، ووضع المهل والشروط، مما صبغ الموقف التركي بالتذبذب والغموض، وخشي من مساومات واتفاقات سرية بين

النظام السوري وتركيا، يبقى الثابت والواضح من الموقف التركي هو في حرصها على استمرار العلاقات والامتيازات والمحافظة على الاتفاقات، لذلك يشكل النظام أو بديل النظام هاجساً. في الوقت نفسه تسعى تركيا إلى تأكيد وقوفها إلى جانب الديمقراطية وحرية الشعوب ليزيد رصيدها عند الغرب من جهة ويدعم نفوذها الإقليمي ودورها المؤثر في العالم العربي من جهة أخرى، حيث تعتبر سوريا بوابتها إلى العالم العربي فبدت كأنها تلعب على الحبلين حبل السلطة عبر الضغط عليها للتسريع بالإصلاحات والتهديد من أجل التسريع، والعمل مع المعارضة السورية حيث أن أغلبية

المؤتمرات تم عقدها في استنبول ، واستقبلت تركيا اللاجئين و الهاربين من الضباط والعساكر. ولكنها لم تقطع الخيوط مع النظام السوري. إن أهمية سوريا بالنسبة لتركيا يقود السلطة التركية أن تبقى في المقدمة أو تكون ممر وذات ثقل ودور مؤثر في أي خيار دولي أو أقليمي اتجاه سورية.

إن الانتفاضة الشعبة في سوريا التي تسير باتجاه هدفها من أجل تغيير النظام وإن عاشت أزمتها أمام وحشية النظام واستخدامه للعنف غير المبرر ضد الشعب الأعزل حيث خرجت بعض الشعارات المنادية بالحماية العربية ومع ازدياد العنف قد تزداد الأصوات المنادية بالحماية الدولية، أمام موقف عربي عاجز بل يتحرك وفق إملاءات الدول الكبرى، إن الحماية الدولية لم تتضح معالمها في الحالة السورية، سواء ما يصدر على لسان المعارضة الذين يؤكدون اختلافها عن الحالة الليبية، ويدعون إلى سلمية الحراك وعدم عسكرة الانتفاضة، مما يقلص مفهوم الحماية إلى وجود مراقبين

دوليين للوقوف على حقيقة ما يجري في سوريا، ودحض ادعاءات النظام عن وجود عصابات وإنهاء أي مبرر لاستخدام العنف. والسؤال هل التدخل العسكري يشكل حماية للمدنيين، أم أن عدد الضحايا في حالة التدخل العسكري قد يكون كبيراً والمثال الليبي خير دليل حيث أن عدد الضحايا بلغ خمسون ألفاً من الأرواح البشرية، إضافة إلى ما يخسره الوطن من قدراته المادية والعسكرية، لذلك فالخيار السلمي للانتفاضة حتى لو تضاعف عدد الضحايا يبقى الخيار الأفضل . مع السعي إلى إضعاف النظام وفضح سياسته وإحالة المسؤولين عن الجرائم إلى المحاكمة أمام محاكم دولية لاقترافهم

جرائم ضد الإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى