صفحات الثقافة

«تابو» الثورة


سحر مندور

يقول البيان الآتي، بتوقيع المثقفين والإعلاميين السوريين مطالباً بإطلاق سراح الزميل فداء عيتاني: «(…) قيل إن فداء أُوقف لأن عمله «لا يتناسب مع مسار الثورة»، وهذا كلام مبهم، لا معنى محدداً له، ويمكن لأي كان أن يزعمه ضد أي كان. وهو يذكرنا بتهمة «معاداة أهداف الثورة» البعثية (…)».

كان الإحساس بأن الظَهر قابلٌ للكسر، والرأس مكشوفٌ، ما دام النقد من داخل المجتمع الثوري للنهج الثوري لم يأخذ حيّزاً واسعاً بعد. البدء بصون الحرية في أثناء الموت دفاعاً عنها، بدلاً من صونها لاحقاً لأن صوت المعركة أعلى الآن، هو الأمان. أن تمتلك حرية النقد، منذ لحظة الثورة، وألا ترضى مساومة حولها، هو تحديداً ما يقوله البيان الآتي بتواقيع داعمة للثورة. وقد قاله بنبرة جازمة تُنبّه، ولا تغازل التقبّل.

ليس من الغريب أن يتشابه الثائر مع من يثور ضده، عندما تأكل الحرب المساحات فلا تبقي لإمكانيات النقاش إلا ضيق المخابئ. وليس من الجديد أن تطوف من سوريا أخبارٌ وصورٌ تنتقد الثوار، والثورة، ومساراتها، وتمويلها، ومقاتليها، وجنسياتهم، وأجنداتهم، و… وإنما الغريب ألا يرى المرء ذلك، عندما يقف أمام شعبٍ تُفتح كافة بيوته، وكافة غرف هذه البيوت، لتجتاحها النار، طاردةً ناسها إما إلى المقابر أو إلى خيم اللجوء، بينما يبقى الآخرون في الانتظار.. انتظار يكون إما في البيوت، أو في منازل جديدة في عواصم كانت تُقصد للسياحة والحاجة والرفقة، وباتت اليوم بهو انتظار.

عندما تكون الحال على هذا القدر من الالتحام بالموت وتبعاته، يكاد يكون مستحيلاً ضبط السلوك على إيقاع المبدأ. والمبادئ، هي مبادئ أخرجها الناس من بيوتهم، مختلفة باختلافهم، ثقافياً واجتماعياً ودينياً واقتصادياً وتربوياً و… ناسٌ مختلفون، تلاقوا على قرارٍ بوقف الزمن المستمر من ماضي الأب إلى أبد الإبن، فهرعوا خارج قمقمٍ من قمع، والتحموا بالفوضى والنار، انخرطوا فيهما حتى أصبحوا كأنهم شركاء لا ضحايا. شركاء مختلفون في ما بينهم، ينتظرون نهاية الموت ليبدأوا صياغة حياة مقبلة، واتفاق مجتمعي جديد، وأزمات كثيرة حولهما.

في لقاءٍ مع فنانين شباب عرب استضافته بيروت، سئل شاب سوري عن الـ«تابو» الجديد الذي يفخّخ سكّة الغناء النقدي اليوم، بعد الثورة، في سوريا. ففكر الشاب قليلاً، ثم أجاب بأسى: الثورة.

لقد رأى التابو في لحظة تشكّله.

الناس يعرفون، لكنهم أحياناً يتسامحون، أو يؤجلون. وذلك لا يعني أنهم يوافقون.

يخافون على ثورةٍ انهال عليها نقد رافضيها منذ طرحها كتمنٍّ، مع بداية الثورات العربية. لكن الخوف عليها من موالاة النظام، انسحب أحياناً ليضحي إسكاتاً لمؤيدي حق الشعب بالحرية والعدالة، ويبلغ حدّ اعتقالهم.

النقد هو الثورة المستدامة. ثورةٌ أوضح بيان المثقفين والإعلاميين أن أهلها لن يتأخروا في إلقاء جلود الخطر عن أكتافهم، ليتعاملوا وجهاً لوجه مع الخطر الحقيقي، وهو السكوت.. أو بالأحرى، العودة إليه.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى