صفحات العالم

تجدد الحديث عن عسكرة الحل: سورية واحدة أم سوريات؟/ عادل مالك

يتنقل اللبنانيون هذه الأيام بين سيارة مفخخة وأخرى، وبين تفجير انتحاري، وتفجير انتحاري آخر وسط مشاعر من القلق تخيم على الأجواء العامة في البلاد. ولعلها المرة الأولى التي يساور فيها الشعور أهل الوطن بأن من يخرج من منزله في الصباح من غير المؤكد أنه سيعود إلى عائلته.

لقد ابتلي لبنان بالعمليات الإرهابية وهي تتناسل وتنتشر على ساحة الجمهورية، وفي الوقت نفسه، فإن فحيح أفاعي الفتنة طبق الآفاق وملأ الأجواء وكالعادة المدنيون الأبرياء هم الضحايا ومن حظهم العاثر يصادف مرورهم في هذا الموقع أو ذاك.

ومع تأليف الحكومة الجديدة بعد مرور أحد عشر شهراً وأحد عشر يوماً، ساد اعتقاد أن لبنان مع هذه الحكومة سينعم ببعض الأمن، لكن «العقل المدبر» لهذه التفجيرات عمل على إحراج الحكومة الجديدة، إذ بعد ساعات قليلة على انعقاد اجتماعها الأول وقع انفجار جديد أعاد مشاعر الخوف والقلق إلى اللبنانيين، وكأنه كان اختباراً للسلطة الجديدة، لكن وقياساً على ما يجري يجب توقع حدوث المزيد من عمليات التفجير هذه بقطع النظر عمن يؤلف هذه الحكومة، باعتبار أن الحكومة الجديدة تجمع مختلف الآراء والاتجاهات بين «الثامن والرابع عشر من آذار».

وقد دخلت ثقافة التفجير صلب الدورة الحياتية لجميع اللبنانيين وهي ترغم فريقاً من الناس على تغيير نمط حياته اليومية، فبعد الانفجار الذي وقع في منطقة الشويفات (إحدى الضواحي القريبة لبيروت) واستهدف أحد سيارات «الفان» اعتمد بعض سائقي السيارات، خصوصاً «الفانات»، أسلوباً جديداً يقضي بالطلب إلى أي راكب عادي وقبل أن يصعد إلى السيارة أن يخلع سترته ليتأكد السائق والركاب أنه لا يرتدي حزاماً ناسفاً.

والشعار المتداول هذه الأيام: «حذارِ، أنت في لبنان… اخلع سترتك قبل أن تجلس على مقعد السيارة». وقد بات واضحاً أن السيارات المفخخة التي تزرع لبنان في كل محافظة مصدرها سورية، بواسطة السيارات المعبأة بالمتفجرات التي تعبر الحدود يومياً ولا من يراقب ولا من يحاسب، وليس ضرورياً العبور من سورية إلى لبنان عبر الحدود الطبيعية، أو الشرعية بل إن الممرات غير الشرعية هي التي تحشد بهذا النوع من السيارات.

وطالما أن مصير لبنان ارتبط عضوياً بمصير الوضع في سورية يجب التركيز على واقع الحال السوري ومدى تطوره.

وقياساً على ما يجري ومن المنظار الذي يجمع بين الرؤية الحالية واستشراف المستقبل، يبدو أننا سنكون أمام أكثر من سورية واحدة. ومع استمرار تدفق النازحين إلى لبنان ستكون «سورية اللبنانية»، وهناك «سورية الأردنية» وهناك «سورية التركية»، إضافة إلى «سورية السورية».

لقد طرأ أكثر من اعتبار على «المشهد السوري» أحدث تغييراً كبيراً في مسار الأحداث الأول حول الصراع من معارضة تطالب بإصلاحات دستورية إلى مواجهة مكشوفة مع النظام وتطور الموقف بسرعة إلى تجميع آلاف المقاتلين من مختلف دول العالم، ويقدر بعض المراقبين هؤلاء المقاتلين مع المقاتلين من الداخل السوري بأكثر من سبعين ألف مقاتل، فيما استقطبت التجمعات الإرهابية أنصارها من «جبهة النصرة» إلى «داعش» وأسماء حركية كثيرة تعمل كلها على تغيير نظام بشار الأسد بالقوة.

ومع مرور الزمن أحرج الغرب الأميركي الذي يزود المعارضة «والجيش السوري الحر» بالمال والسلاح، وانقسمت هذه «المعارضات» إلى فصائل عدة تعتمد النهج التكفيري – التفجيري في كل من سورية ولبنان، حيث اعتبر وجوه عناصر من «حزب الله» يقاتلون في سورية على أنه تدخل عاد على لبنان بالمزيد من السيارات المفخخة، وكذلك تدخل فريق آخر من اللبنانيين الذين يقاتلون إلى جانب الثوار.

لقد فشل مؤتمر «جنيف – 2» وسيفشل «3» و «4» إذا ما استمرت العوامل القابضة نفسها على الوضع هي نفسها. وقد وجد الوسيط العربي – الأممي الأخضر الإبراهيمي نفسه في جنيف، يفاوض الجانبين الأميركي والروسي أكثر من مفاوضة الوفدين السوريين المؤلفين من السلطة ومن المعارضة.

وعلى أثر فشل مؤتمر «جنيف – 2» جرى تبادل الاتهامات بين الوفدين السوريين عمن يقف وراء فشل اجتماعات «جنيف – 2». وعلى رغم أن الأمين العام للأمم المتحدة رفع تقريراً لمجلس الأمن الدولي يقول فيه إن التفاوض بين السوريين على أساس «جنيف – 2» هو الأفضل، ومع ذلك ما زال الخلاف على أشده للتوصل إلى قاسم مشترك من الحلول التي يجرى العمل على تحقيقها، لكن لا أمل يرتجى حتى الآن.

يضاف إلى ذلك، تمرد رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر السابق اللواء سليم إدريس، على قرارات المجلس العسكري واصفاً قراراته بأنها «ارتجالية وفردية وباطلة شرعاً وقانوناً»، «وإعلان مجموعة من القادة الميدانيين رفضها إقالة إدريس واعتبار أن قرار المجلس العسكري لا يعبر عن آراء القوى على الأرض وأدى هذا القرار إلى حدوث المزيد من الإرباك في صفوف الجيش السوري المعارض للنظام فيما توزع كبار ضباط الجيش بين البقاء في صفوف جيش النظام، أو الانتقال إلى فصائل أخرى من فصائل المعارضة».

لكن ما لوحظ على الصعيد الأميركي والغربي يواجه بالإجمال عودة الكلام عن «الحلول العسكرية» وعن عسكرة أي حل يتم التفاهم عليه بين فصائل المعارضة. ويبدو أن واشنطن وباريس ولندن تحاول توجيه التهديدات باستهداف جيش النظام السوري مع تزويد المعارضة بمزيد من السلاح النوعي وبالمال. وعقد اجتماع في واشنطن بين عدد من مسؤولي أجهزة الاستخبارات الغربية جرى فيه التدوال بإمكان تزويد المعارضة السورية بالمزيد من الأسلحة النوعية والمتطورة بغية تأمين التفوق الاستراتيجي بين القوى كافة، وعلى رغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يؤيد أي حل عسكري في سورية ويشدد دائماً على فصائل المعارضة عدم اللجوء إلى الخيار العسكري، إلا أنه (أوباما) حظر في الأيام الأخيرة استعمال أسلوب التهديد وإلى الوعيد ضد «الجيوش التي تحارب النظام، لأنه لا يريد أي تورط عسكري للقوات الأميركية في المنطقة بعد العراق، وهو يعمل على الإسراع في عملية الخروج من أفغانستان للقوات الأميركية من دون العودة إليها، عاملاً على إنهاء عهد الرئيس باراك أوباما وهو يعلن انسحاب القوات الأميركية كافة في العالم، والتخلي قدر المستطاع – عن القيام بدور شرطي المنطقة.

وفي المقابل، ما زال الوفد الروسي برئاسة سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي يدعو إلى استبعاد الحل العسكري والتركيز على الحل السياسي. على أن معلومات أثارت بعض القلق والتوترات من جهة الأردن ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» المعلومات الآتية:

يجرى تحضير الجبهة السورية لجهة الأردن لعمل عسكري ضد النظام السوري وقد تم تدريب الآلاف من السوريين في الأردن وفق ادعاء الخطة في الأردن حملة واسعة النطاق ضد نظام الرئيس بشار الأسد، ومن يواليه من قوات نظامية قررت البقاء ضمن «الجيش العربي السوري» المؤيد للأسد. وفي اعتقاد بعض الأوساط المتابعة عن قرب للوضع في سورية وللموقف الأميركي والغربي بوجه الإجمال، أن الحرب في سورية مستمرة ولأمد غير قصير وبعد انتهاء مؤتمر «جنيف – 2» إلى فشل في التوافق على أي خطة يجب التفاهم عليها (الثوار يريدون التركيز على الهيئة الانتقالية نحو النظام الجديد) فيما وفد النظام يركز على وقف كل الأعمال الإرهابية وتجفيف مصادر السلاح كافة الآتي من خلف الحدود، لكن الخبراء العسكريين يعرفون أن ليس بمقدار قوات النظام منع قوات جديدة من الأردن من محاولة للانقضاض على بقايا الجيش النظامي السوري.

ومع تصاعد الحديث عن عسكرة الحل في سورية من جديد فلا شيء يضمن وصول هذه الأسلحة «النوعية والمصيرية» بالنسبة للمعارضة. وإضافة إلى كل هذا وذاك، فإن طرفاً رئيساً دخل على الخط وقال: ممنوع إسقاط النظام السوري الآن، إنه إسرائيل.

وفي ما يأتي الأسماء الحركية للمشاركين في القتال في سورية لمعرفة كيفية إدارة المعركة المعقدة بأجهزتها وبالمهام المنوطة بها. «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، «لواء عاصفة الشمال»، «لواء التوحيد»، «كتائب أحرار الشام»، «كتائب أحفاد عمر»، «لواء صقور الشهباء»، «لواء سيوف الشهباء»، «ألوية سيوف الشهباء»، «ألوية أحفاد الرسول»، «الهيئة الشرعية» و «مجموعة أحمد عفش»، (هذا ما عدا السهو والخطأ).

وإذا أمكن إيجاز الموقف العام يجب أن نقول الآتي:

أولاً: إن أخطار تقسيم سورية لا تزال واردة بنسبة عالية من الاحتمال. ويرى المتابعون بدقة لمسار الوضع السوري أن النظام السوري إذا لم يتمكن من استعادة جزء من الأراضي والمناطق التي سلحتها المعارضة، بل المعارضات عن الجسم المركزي، فهو يفضل «الانكفاء نحو منطقة جغرافية معينة يمكن الدفاع عنها ولها منافذ من جهة البحر». وستكون الانتخابات المقبلة التي ستجرى في ربيع العام الحالي فرصة لنكشف بماذا استطاع النظام أن يحتفظ من مواقع؟

ثانياً: يعرف علماء الجيولوجيا عندما يحدث زلزال فهو يكون في باطن الأرض كما يتحدث العلماء عن أن ارتدادات هذا الزلزال تكون في العادة أكبر وأخطر من الزلزال الأساسي، وهذا ما يجري حالياً في سورية وفي لبنان.

ثالثاً: حول تصعيد لهجة ونبرة عسكرة الحل في سورية، فإن هذا الأمر يدخل في إطار الحرب النفسية ومن نقاط القوة لدى مفاوض النظام برئاسة الوزير وليد المعلم، أنه على رغم فقدانه السيطرة على مناطق متفرقة من البلاد، فهو لا يزال يمسك بالكثير من الأوراق كي يلعب ويتلاعب بها، عندما تبلغ عملية الحل مرحلة متقدمة. مقابل ذلك، فإن الانقسامات داخل صفوف المعارضة أضعفت كثيراً من موقفها. فضلاً عن أن الطابع الإرهابي الذي اتخذته حرب سورية والمخاوف التي أثارتها سيطرة التكفيريين والمتطرفين على الوضع في بعض المناطق السورية وفي الطليعة لبنان… هذه «الوصمة الإرهابية»، جعلت الغرب يراجع الكثير من حساباته، وهو مثلاً تخلى عن المطالبة الملحة برحيل بشار الاسد، لأن المخاوف من النظام البديل تجعل النظرة الغربية بوجه الإجمال مختلفة عن الأوضاع السابقة.

وبعد… فواحد من الأسئلة الكثيرة المسكوت عنها هذه الأيام نظراً إلى وجود ما هو أخطر: من الذي يحكم السوريين الذين نزحوا وما زالوا ينزحون إلى الأراضي اللبنانية؟ واستطراداً ومع وجود عناصر لبنانية من «حزب الله» في جانب ومقاتلين في جانب آخر.

من الذي سيحكم القرار المتعلق باللبنانيين في سورية؟

إن الذين يستبعدون تقسيم سورية يستندون إلى معطيات تستبعد هذا الاحتمال، لكن علينا التأكد من أن هذا النوع من التقسيم لن يصدر بقرار، بل بفرض الأمر الواقع القائم على الأرض، وهو الاعتبار الذي يجعلنا نتساءل مع عنوان هذا المقال مع تصعيد العسكرة: هل تبقى سورية واحدة، أم تنشأ سوريات؟

* إعلامي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى