صفحات سورية

تحديات المجلس الوطني ومسؤوليات أطراف المعارضة


محمد رشيد

المجلس الوطني السوري هو الممثل الشرعي للشعب السوري، قد يعاند البعض أو يجادل عن حق، لكنه في نهاية المطاف عليه أن يختار مصلحة الشعب ومستقبل البلد حتى إن كان هناك شيء من عدم الرضا. وكلنا نعلم أن الشعب السوري لم يعط المجلس صكا على بياض، فالتنسيقيات والهيئات والمجالس قالت بوضوح إن على المجلس أن يتقيد تماماً بمطالب الثورة السورية، والأمانة تقتضي التأكيد بأن المجلس، وإن ببعض البطء نجح في أدائه بامتياز.

وبعد إنجاز المرحلة الأولى من هذه الثورة المجيدة، التي تمثلت بتحطيم شرعية تمثيل هذا النظام للشعب السوري في المحافل العربية والدولية، فإن الأحداث والتضحيات اليومية التي تقدم بلا حدود تضع المجلس وكل أطراف المعارضة المخلصة أمام مهمات وخطوات تاريخية، فبعد نزع شرعية النظام، يصبح لزاما بناء شرعية سورية قوية، والعالم كله ينتظر ذلك بفارغ الصبر.

وليس هناك أي وقت لإضاعته في ترف النقاش والتفاوض بين أبناء الثورة الواحدة وهي تدخل هذا المنعطف الخطير من جهادها، وعلينا جميعا أن ندعم فكرة أن المطلوب عمله هو توسيع قاعدة المشاركة في المجلس وليس الجدل في شرعيته.

فالمجلس بمؤيده أو من يحاولون البقاء على مسافة منه، كتلة واحدة، وسيجد كل سوري ثائر مكانه فيه، خاصة وأن الثورة مازالت في مرحلة العطاء والبذل، وهناك طريق شاق أمام الثورة بوجود نظام يسد أي أفق لحل يرتكز على رحيله.

ولا ينبغي النظر إلى المجلس كطرف سياسي مساوي للقوى والأحزاب والتجمعات الموجودة على ساحة العمل الوطني السوري، بل يجب تكريس مفهوم، أن المجلس، وحتى إنقاذ سوريا من نير الطغيان، هو انعكاس للهوية الوطنية الجديدة للشعب السوري، هوية التحرر والعدالة والديموقراطية، ولا سيما أن الشعب الثائر هو الذي ضغط على الطبقة السياسية لبلورة هذا المجلس، بل هدد بإسقاط الجميع إن لم يتحركوا بعد أن تخطى حاجز القتل في حينه الثلاثة آلاف شهيد وأكثر من ذلك العدد صنف في قائمة مفقود.

إن أي جهد لتعزيز الثورة سوف لن ينجح إلا بالاندماج الكامل بين الأطراف المتفقة في الأهداف والوسائل، فمثلا ومن خلال متابعتي للأحداث لا أرى أية فروقات جوهرية بين ما يطرحة شيخ الديمقراطية السورية هيثم المالح وبين ما يتبناه المجلس، وبقاء هذا المجاهد الكبير ومن معه خارج المجلس أمر محير لي ولغيري، هذا فضلا عن حروب التشكيك المتبادلة بين المجلس وهيئة التنسيق التي تجمع في صفوفها تيارات ورجال شرفاء نذروا أنفسهم طويلا لهذا الكفاح، وبصراحة ليس هناك أية وجاهة في استمرار الوضع الراهن، لا وطنيا و لا سياسيا.

المسألة الأخرى التي أراها ملحة وعاجلة هي الجيش السوري الحر، وما لم ينضم هذا الملف جيدا ومنذ الآن، سيسبب لاحقا مشكلات كبيرة بل ربما حتى خسائر كبيرة، إن المجلس بحاجة إلى قرارات غير مسبوقة بتبني هذا الجيش علنا ودعمه، ولا أرى أي تناقض بين سلمية الثورة وتبني هذا القطاع، بل على المجلس أن ينمي هذا التوجه لدى قطاعات جديدة للانشقاق على النظام، إن كل هؤلاء الأبطال انشقوا في الميدان، ولو تصورنا للحظة واحدة بأن كل هؤلاء الأبطال كانوا قد انصاعوا لأوامر النظام لسقط على الأقل عدة آلاف إضافية من الشهداء. بل أكثر من ذلك كل عسكري ينشق يضيف إلى قوة الثورة ثلاثة رجال على الأقل، النظام يخسر واحدا، الثورة تكسب واحدا، كما تحتفظ الثورة بالثائر الذي طلب من هذا العسكري قتله.

ولكن العلاقة بين المجلس والجيش الحر يجب أن تكون واضحة، بإقرار هيكلية وتراتبية واضحة مع مراعات عدم إغلاق الباب أمام الانشقاقات الجديدة، خاصة من ذوي الرتب العالية وأصحاب الخبرة، وترك هذا الملف على النحو الراهن ينذر بخطر كبير لا لزوم له، وعلى قيادة الجيش الحر إعلان ولائه غير المشروط للقيادة السياسية للثورة ممثلة بالمجلس الوطني السوري، وربما كان على شباب الثورة أن يكرسوا هذا المفهوم في الميدان، كذلك هناك مسؤلية كبيرة على دول الجوار أن كانت صادقة في أنها تدعم قيام سوريا ديموقراطية.

ثالث المهام يرتبط بالسلم الأهلي خلال الثورة وبعد انتصارها بإذن الله، ويمكن في الوقت الراهن إصدار وثيقتين تاريخيتين، تجنب الشعب السوري الأوجاع التي تعاني منها الثورات العربية المنتصرة.

الوثيقة الأولى هي مسودة دستور عصري ليوضع في مستويات مختلفة من النقاش قبل سقوط النظام، لأن التعقيدات تبدأ بعد سقوطه، أما الثانية فهي ميثاق شرف يوقع عليه أكبر حشد ممكن من القيادات والهيئات والتنسيقيات وممثلي كل مكونات الشعب السوري، يلزم الجميع بعهد معلن أنه لن يكون هناك أي ظلم أو اضطهاد لأي مكون وكذلك لأي فرد ما لم تثبت عليه جريمة من جهة قضائية مستقلة. إن مثل هذه الوثيقة وقوة التزام الموقعيين عليها سيسرع في انهيار النظام ويوسع قاعدة المشاركة الشعبية، وإذا ما كان لدى المجلس خبرات وكفاءات من القضاة والحقوقيين، فمن الأفضل تشكيل هيئة متخصصة منذ الآن لدراسة الملفات أولا بأول.

تلك من وجهة نظري تحديات راهنة، و إنجازها ينير درب الثورة ويجعل مستقبل سوريا أكثر آمنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى