صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

جنيف 2 النووي: اتفاق… لا اتفاق/ عبد الوهاب بدرخان

سيحصل اتفاق بين إيران والدول الست، لكن فقط إذا اقتنعت طهران بأن الخطوة الأولى التي خطتها في جنيف لا تحقق لها، بمضمونها الحالي، ما تطمح إليه بالنسبة إلى رفع العقوبات، إذ لا يمكنها تحرير القطاعين النفطي والمصرفي من القيود التي المفروضة عليهما من دون أن تضع على الطاولة تنازلات واضحة وملموسة وكفيلة بأن تعطي مفاوضيها إثباتاً صلباً بأنها متجهة فعلاً نحو ملاقاة مطالبهم المطروحة منذ ما يقرب من عشرة أعوام، وهي مطالب تضاعفت وزادت تعقيداً منذ 2010 فبررت الرزمة الرابعة من العقوبات، التي توافقت عليها الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن.

الجولة الثانية من المفاوضات كادت تبلغ الهدف، بدليل أن وزراء الخارجية قطعوا التزاماتهم ليشهدوا بداية حدث وصف بأنه “تاريخي”، لكن الحسابات لم تطابق التمنيات. هناك بداية تحريك للموقف التفاوضي الإيراني، لكنه غير كافٍ لتعتبر الدول الغربية أن البرنامج النووي وضع أخيراً على سكة إغلاق مساراته الخطيرة التي تفضي إلى اقتناء سلاح نووي. فالورقة الإيرانية لم توفّر إجابات عملية عن الأسئلة المتعلقة بـ1 – وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % وإغلاق مفاعل “فوردو”، حيث يتم هذا التخصيب وتحديد مصير الكمية التي سبق أن انتجت منه (تريد مجموعة الدول الـ 5+1 نقلها إلى دولة يتفق عليها لاستبدالها بقضبان وقود لتشغيل مفاعل نووي محدود التخصيب ويتناسب مع تأكيد إيران أنها تسعى إلى إنتاج طاقة نووية لاستخدامها في قطاعات مدنية وبحثية). 2 – وقف تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي لتأكيد عدم السعي إلى رفع مستويات التخصيب وكمياته. 3 – وقف العمل على المياه الثقيلة في مفاعل “آراك” بغية إنتاج مادة البلوتونيوم التي يمكن أن تستخدم أيضاً لإنتاج سلاح نووي.

ما طرحه العرض الإيراني هو مرحلة أولى أو مجرد بداية للتعامل هذه الشروط، بما يضمر الموافقة إذا أمكن الاتفاق على التفاصيل. وهو ما لم يحصل في جولة الأسبوع الماضي، خصوصاً أن الجانب طلب مقابلاً طموحاً لما طرحه على صعيد رفع العقوبات. وبالتالي لم يكن هناك تكافؤ واضح بين تنازلات غير محسومة والثمن المطلوب لقاءه. أما الدول الغربية فاقترحت إنهاء تجميد أرصدة إيرانية (نحو 50 مليار دولار)، وتأجيل البحث في البدء بتخفيف العقوبات إلى حين التثبت من حقيقة النيات الإيرانية، أي أنها لم تشأ الذهاب أبعد من تشجيع الجدية والاستعجال اللذين تبديهما طهران.

بين التلميح والتصريح، اعتبر وزير الخارجية الإيراني أنه استطاع تحقيق اختراق، لذا لم يكن “محبطاً”، بل متفائلاً بأن الاتفاق سيوقّع في الجولة الثالثة قريباً. أما الاختراق، فهو الانقسام الذي ظهر في مواقف الدول الكبرى وأدى إلى تعطيل كان في متناول اليد. لكنه نسي أن لدى هذه الدول هدفاً حاسماً: أن تستطيع أخيراً توقيع اتفاق سياسي أوليّ تقرّ فيه إيران بالموافقة على وقف البرنامج النووي. وفي مقابل ذلك يمكن تحريك منظومة العقوبات. طبعاً سيكون التنفيذ على مراحل، إلا أن الالتزام الإيراني يجب أن يكون واضحاً منذ البداية، وعندئذ يسهل التوافق على الجدول الزمني للتوصل إلى اتفاق نهائي ورفع نهائي للعقوبات.

لا شك أن مساعدة الرئيس حسن روحاني بين أولويات الدول الـ 5+1 لكن هاجسها الأول هو أن البرنامج النووي لا يزال يعمل، ولا تريد أن تستمر لعبة التفاوض لتفاجأ بالإعلان عن أول تفجير في غضون الصيف المقبل. لذلك يبدي الطرفان استعجالاً، كلٌ لأسبابه، وبالأخص الجانب الأميركي الملزم بطلب موافقة الكونجرس على أي اتفاق، مع ما يعنيه ذلك من اصطدام بـ “اللوبي اليهودي” الذي سيأخذ باعتراضات إسرائيل وقد يزايد عليها. من هنا أن فريق روحاني قد يكون مطالباً بمراجعة العرض الأول الذي تقدّم، ولن يفيده اللعب على انقسام الآخرين. ففرنسا قد تكون بدت أكثر تطلباً، إلا أن الجميع مدرك أن ثمة ثغرات في المقترح الإيراني.

وإذا كان الصراع على المصالح بين الدول الكبرى متوقعاً، فإن المهم بالنسبة لطهران أن تندفع مباشرة إلى الهدف (رفع العقوبات) من دون البحث عن “جوائز” أخرى لقاء وقف البرنامج النووي،إلا إذا كانت تخفي مفاجأة وتريد مجدداً شراء الوقت لإنضاجها.

الاتحاد

جنيف 2: أزمة أم حل؟/ عائشة المري

زخم دولي كثيف لعقد مؤتمر جنيف 2 الهادف لحل الأزمة السورية المستمرة منذ ما يقارب العامين ونصف العام، فيما يبدو أن الحل السياسي للأزمة هو الخيار المفضل للأطراف الدولية فيما تتضاءل فرص الحسم العسكري للصراع بالنسبة للنظام السوري أو للمعارضة السياسية للنظام، فبعد التصعيد العسكري والتهديدات بضربة أميركية عادت أجواء التهدئة والبحث عن حلول سلمية للأزمة حيث انتهى قرع طبول الضربة العسكرية الأميركية في قمة سان بطرسبورغ حين تم الاتفاق بين الرئيسين الأميركي والروسي على حل سلمي للأزمة، وعلى نزع الترسانة الكيماوية السورية، فكان صدور قرار مجلس الأمن رقم 2118 الذي يطالب كذلك بعقد مؤتمر جنيف الثاني في أقرب وقت ممكن حتى تتزامن عملية إزالة الأسلحة الكيماوية مع عملية سياسية لإنهاء النزاع في سوريا.

وعودة إلى صيغة جنيف 1 التي تعتبر الأساس لعقد جنيف 2 فقد حملت صيغاً غامضة وفضفاضة قد تحمل تفسيرات متعارضة، خاصة في تحديد ملامح المرحلة الانتقالية ودور الأسد فيها، هل يبقى أم هي مقدمة لرحيله، وهي نقطة الخلاف الأساسية حالياً في تحضيرات جنيف 2 حيث تم الاتفاق على انتقال سياسي للسلطة ولا ينص على دعوة الأسد للتنحي. وتحددت الخطوات الرئيسية لخطة الانتقال بتشكيل حكومة انتقالية تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، وإطلاق عملية حوار وطني شامل، ومراجعة الدستور والنظام القانوني الحاليين، وبعد أن يتم الانتهاء من المراجعة الدستورية، يجب الإعداد لانتخابات حرة ومفتوحة أمام الأحزاب وتحدد الخطة الخطوات والإجراءات اللازمة مع الوقف الفوري للعنف بكافة أشكاله. وبعدها بدأ المبعوث الدولي والعربي المشترك الأخضر الإبراهيمي جولات مكوكية عديدة لتفعيل صيغة جنيف 1 التي انتهت عملياً مع تصاعد العمليات العسكرية بين الجانبين حتى عادت لتطرح من جديد كنتيجة للتقارب الأميركي الروسي.

وتعتبر المعارضة السورية إحدى إشكاليات الأزمة السورية، فعدم اتفاق قوى المعارضة يقوي من شوكة النظام السوري ويقلل من فرص المراهنة على قوى المعارضة كبديل سياسي للنظام القائم في دمشق، والمعارضة السياسية السورية لا زالت منقسمة حول المشاركة في مفاوضات جنيف 2، فالمجلس الوطني السوري أحد أكبر قوى الائتلاف الوطني السوري كان قد أكد أنه لن يشارك في مؤتمر جنيف وهدد بالانسحاب من الائتلاف إذا وافق بعض أعضائه على حضور المؤتمر. وتتعرض المعارضة السورية المنقسمة أساساً لضغوط دولية متزايدة لحضها على توحيد مواقفها والمشاركة في مؤتمر جنيف 2، وكان رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا قد وضع شروطاً صارمة للاشتراك في مؤتمر جنيف 2 في مقدمتها المطالبة بأن يؤدي المؤتمر إلى رحيل الأسد وتسليم السلطة ووقف إطلاق النار طوال فترة المفاوضات، وقد رفضت دمشق هذه المطالب بالطبع.

والحالة السورية اليوم تتلخص في معارك مستمرة على الأرض فيما الأطراف الدولية تحاول ضبط تداعيات الأزمة وتحاول تنظيمها بما يتوافق مع أجنداتها وليس مصلحة النظام السوري أو المعارضة أو الشعب السوري بالتحشيد لعقد مؤتمر جنيف 2. وهناك عدة أسباب للتشاؤم من مخرجات جنيف 2 فالأطراف الدولية التي تضغط لانعقاده لا تستطيع أن تضمن نجاحه، فالعملية التفاوضية بين النظام السوري والمعارضة يجب أن تستند إلى قناعة مشتركة باستحالة تحقيق انتصار عسكري ونفي الآخر من المعادلة السياسية، ولعل اتفاق الأطراف السورية مرهون بشكل أساسي بالتوافق الدولي وخاصة الأميركي الروسي على تحسين شروط التفاوض لإيجاد مخرج حقيقي وجاد للأزمة السورية، ولكن في ظل محدودية احتمالات النجاح سيصبح انعقاد جنيف 2 إنجازاً بحد ذاته.

الاتحاد

سوريا.. جنيف والحل العسكري/ طارق الحميد

ما فتئت واشنطن تردد على لسان مسؤوليها أن الحل العسكري في سوريا غير وارد، فهل «جنيف 2» هو الحل إذن؟ من الصعب تصديق ذلك طالما أن المؤتمر الدولي لن يفضي لانتقال للسلطة ينتج عنه رحيل بشار الأسد، مع بقاء ما تبقى من مؤسسات الدولة، وليس بقاء النظام كما يقول الروس!

وهذا الجدل، أي «جنيف 2» والحل العسكري، ليس بالجديد، وبالتالي لا يمكن الحكم على موافقة الأسد بالمشاركة في جنيف نظرا لأنه منتصر أو لا، فمنذ اندلاع الثورة، وتدخل الجامعة العربية فيها، من إرسال المراقبين إلى تقديم المبادرات، وحتى بعد تدخل الأمم المتحدة وتعيين كل من كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، كان الجدل نفسه، وهو هل الأوضاع على الأرض تساعد الأسد أم لا؟ وهل هو منتصر أو لا؟ حتى في اللحظات التي كان نظامه يتهاوى فيها بشكل مذهل وإلى أن تدخلت ميليشيات حزب الله، والميليشيات الشيعية العراقية، والقوات الإيرانية، ونفس الجدل مستمر، وهو أن الحل السياسي هو الأنجع، وأن لا حل عسكريا!

إلا أن الحقائق كلها تقول إن سبب فشل الحل السياسي والعسكري هو التخاذل الدولي، وتحديدا تخاذل إدارة أوباما، التي لا تمتلك رؤية سياسية من الأصل، ولا تمتلك جدية تجعلها تتحرك عسكريا، وحتى من دون تدخل تقليدي، فما يساعد الأسد على البقاء للآن، والقيام بمناورات، هو انعدام الرؤية السياسية الأميركية، وغياب الدعم العسكري الحقيقي للمعارضة، وتحديدا الجيش الحر، بل إننا نسمع، بعد كل منعطف كبير في الأزمة السورية، المسؤولين الأميركيين وهم يقولون إن فرص التدخل في سوريا قد ضاعت، وأصبح الحل العسكري صعبا، وهي عبارة تتكرر مع كل حدث سوري، ومنذ بدء الثورة وحتى بعد استخدام الأسد للكيماوي!

والمذهل أنه وسط كل هذا الجدل العقيم حول «جنيف 2» وعدم جدوى الحل العسكري نجد أن إيران وحزب الله يواصلون القتال داخل سوريا دفاعا عن الأسد، ويحاولون بكل ما لديهم من قوة وعتاد استعادة ما فقده من مناطق، والسعي لتثبيت نظام الأسد المتداعي عسكريا وسياسيا، ويفعلون ذلك على مدار الساعة، بينما الغرب، وتحديدا أميركا، مشغول بإقناع الجميع بمؤتمر «جنيف 2»، والقول بأن الحل العسكري غير مجدٍ، ودون التوقف أمام ما تفعله إيران ومعها حزب الله في سوريا، وهو ما يقول لنا إن «جنيف 2» غير عملي، وأن الحل العسكري غير عملي أيضا بالنسبة للمعارضة السورية، وليس الأسد، طالما أن الغرب يتخاذل في دعم المعارضة في الوقت الذي لا يتوقف فيه الإيرانيون وحزب الله عن دعم الأسد عسكريا، مما يجعل «جنيف 2» مجرد لعبة جديدة يتسلى فيها الأسد الصامد للآن بفعل دعم إيران وحزب الله العسكري له.

ملخص القول أن إيران تدعم الأسد بالرجال والعتاد بينما الغرب يخذل المعارضة، ثم يقال إنه لا حل عسكريا في سوريا، فإذا لم يكن هذا هو العبث فماذا عساه أن يكون؟!

الشرق الأوسط

قنبلة جنيف الموقوتة/ ساطع نور الدين

 الصفعة التي دوّت في اسطنبول، وتردد صداها في جنيف، اعلنت ان التحضير للمؤتمر الوطني السوري الاول، سيكون حافلا بالطرائف مثلما سيكون محفوفا بالمخاطر.. وستكون المعارضة السورية بالذات امام تحدي القدرة على ضبط صراعاتها وخلافاتها في ذلك الحيز المقبول، وتفادي المواجهات والتصفيات المرجحة قبل الانتقال من الحاضرة التركية الى الواجهة السويسرية.

اذا اقتصر الامر على تلك الصفعة التي وجهها رئيس الائتلاف الوطني المعارض احمد الجربا الى المتحدث باسم الجيش الحر لؤي المقداد، فان الحظ سيكون حليف المعارضة، وسيكون المستقبل واعداً لجميع تشكيلاتها، التي لم تعد تنكر خوفها من الذهاب الى جنيف،لانه اصبح إجباريا، وصار اشبه بامتحان أخير لا يوفر الكثير من الفرص لا للتسوية السلمية ولا حتى للبقاء على قيد الحياة..

الصفعة التي كانت كما يبدو تعبيرا عن حالة غضب عفوية فردية، لم تنعكس في حصيلة الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر جنيف الثاني التي انتهت الى قرار عام من الائتلاف بالمشاركة، يعادل في الحد الادنى قنبلة موقوتة وضعت في صف المعارضة السورية، وبدأ التكهن في الاضرار المحتملة لانفجارها، سواء في الخارج الذي دعي للجلوس حول طاولة واحدة مع النظام ،او في الداخل الذي يجادل الان في ما اذا كان تفويضه لا يزال صالحا او كافيا بعد التحولات الاخيرة التي طرأت على خطوط التماس مع النظام، وأدت الى تغيير لائحة المدعوين والمنبوذين.

لفتت الصفعة الانظار مجددا الى اشكالية معقدة تواجه الثورة السورية منذ البداية، تتمثل في تلك الهوات التي تزداد اتساعا بين الداخل والخارج، وبين المدنيين والمسلحين، وبين الاسلاميين والوطنيين، وبين الاسلاميين انفسهم.. الى ان وصل الامر بهم مؤخرا الى تسجيل اول انشقاق في تنظيم القاعدة الذي كان يعتقد انه التنظيم الاكثر انضباطا والاشد تماسكا في تاريخ التنظيمات الاسلامية، فاذا به يصاب باللعنة السورية التي سبق ان انتجت حتى الان وفي اقل من ثلاثة اعوام اكثر من ثلاثة آلاف فصيل سياسي او امني عامل على الاراضي السورية..

الثابت الوحيد في الثورة السورية هو انه كلما طرح احتمال الحوار السياسي كلما زادت الشروخ في صفوف المعارضة السورية وتقلصت في صفوف النظام..الذي لم يشهد اي انشقاقات بارزة منذ ان انقلبت جبهة النصرة على المعارضين غير الاسلاميين، واكتسب مناعة اضافية بعد ان انقلبت دولة الاسلام في العراق والشام ( داعش) على الجميع.. حتى بات قادرا على التفكير بل والتخطيط لاختيار مفاوضيه المعارضين بنفسه، ومن داخل مستودعاته المليئة بشتى أصناف المعارضة ودرجاتها غير المضرة.

لم يتحدد موعد جنيف الثاني. لكن الفكرة باتت راسخة او هي تزداد رسوخا يوما بعد يوم، انما على اساس جديد غير الحاجة الى حل سياسي طالما ان الحسم العسكري مستحيل. ثمة رغبة كما يبدو في اعادة تعريف المعارضة وفي اعادة فرزها قواها وتصنيف تنظيماتها وفق شروط جديدة، تؤهلها للجلوس قبالة النظام، وتقاسم السلطة معه في المستقبل، او تجردها من الشرعية السياسية التي اكتسبتها على مدى الاعوام الثلاثة الماضية.. لان الاولوية هي الان لعزل الشبكات الارهابية، وتحديد هوية النظام السوري الجديد ودوره ووظيفته، على نحو ما جرى في العراق على سبيل المثال.

معركة جنيف الثاني بدأت للتو . الصفعة التي دوّت في اسطنبول مجرد مزحة بالمقارنة مع ما ستشهده صفوف المعارضة السورية من انقلابات وتصفيات وتحولات، في الخارج كما في الداخل، قبل ان يكتشف الجميع ان المؤتمر المنشود ليس سوى مسعى دولي لتشتيت ثورة اندلعت قبل الاوان، وصمدت حتى الان بمعجزة.. وما زالت توفر للنظام المبررات للتنكيل بها والبطش بجمهورها، بلا هوادة.

المدن

تعثّر التحضير لـ«جنيف 2» … تصدٍّ للهجمة الإيرانية؟/ سام منسّى *

انتهت جولة الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي للتحضير لمؤتمر جنيف- 2 إلى ما توقعته أوساط كثيرة بعدم انعقاد المؤتمر، أي إلى الفشل.

والفشل المقصود هنا لا يعني أن جهود الإبراهيمي كانت غير كافية أو أن الرجل كانت تعوزه الحنكة والتجربة، فالقضية ليست شخصية بقدر ما هي تعبير عن عدم القدرة على تجميع المعطيات والأسباب الكافية لجعل عقد هذا المؤتمر محطة سياسية قائمة بذاتها تأتي في سياق تحضير عناصر الحل في هذه المرحلة من الصراع الدائر، سواء في سورية أو حولها أو في المنطقة بعامة.

ويمكن القول من دون تحفظ كبير، إن الاعتراض العربي بعامة والخليجي بخاصة، ممثلاً بالمملكة العربية السعودية، أمكنه إعادة فرض شروطه، أو على الأقل، تعطيل ما بدا أنه «هجمة» إيرانية شاملة تحاول اقتناص فرصة سياسية بدت لطهران في متناول يدها في ظل التراجع الأميركي عن المبادرة النشطة في المنطقة وربط الإنجاز الموعود على صعيد ملفها النووي بتحصيل حصة سياسية متقدمة لها في قول كلمة الفصل في ملفات المنطقة.

بدا واضحاً أن السعوديين أجروا مكاشفة واضحة وشاملة مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، شملت الأزمة السورية وملف إيران ودورها السياسي وقضية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وما يمكن الجزم به استناداً إلى بعض المعلومات المسرَّبة، وبخاصة من مصادر أميركية، أن تشديد كيري على تكرار مقولته إن لا اتفاق مع إيران أفضل من اتفاق سيئ، هو رسالة ضمانات يبدو أنها كانت ضرورية لقطع الطريق على أوهام إمكان عقد اتفاق مع الإيرانيين من وراء ظهر السعوديين.

والاعتراض الخليجي ليس وحيداً في هذا المجال، إذ ينبغي عدم تغييب العامل الإسرائيلي في هذا الموضوع. وثمة من يقول إن حجم الاعتراض الإسرائيلي على إعطاء طهران دوراً إقليمياً ربما كان وراء ما يبدو أنه إعادة فرملة للاندفاعة الأميركية في اتجاه عقد تسوية مع طهران.

في المفهوم الإسرائيلي، يعادل إعطاء إيران «حق النقض» مقابل سلاحها النووي، بل يفوق، ما يمكن أن يمثله هذا السلاح من تهديدات لأمن إسرائيل، إذ يبدأ حق النقض هذا من الحدود اللبنانية الإسرائيلية والجولان وقد يصل إلى موريتانيا… فهل هذا ما يمكن أن تقبل به تل أبيب؟

في أي حال، لا تزال حظوظ نجاح المفاوضات بين إيران والدول الكبرى مبهمة، رغم «الهجوم» الإعلامي الذي مارسته طهران عبر الترويج لفكرة أن الاتفاق على ورقة المفاوضات قد ينجَز خلال أسبوع واحد، كما قال وزير خارجيتها محمد جواد ظريف.

لكن تأجيل عقد مؤتمر جنيف 2 يطرح مجدداً التساؤل عن مدى جهوزية «المؤسسة الإيرانية» الحاكمة لقبول ما هو معروض عليها في اجتماعات الخمسة زائد واحد في جنيف أيضاً.

ثمة من يقول إن الهجوم الإيراني الشامل في سورية وغيرها من المناطق حُجِّم سياسياً، أو على الأصح، يعاد رسم خطوطه وما يمكن تقبّله من مفاعيله السياسية وما يمكن رفضه.

وعاد الأمر يشبه المرحلة التي أعقبت إسقاط «القصير» في ريف حمص في نيسان (أبريل) الماضي، بعدما تبين أن الهجمات التي يشنها الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله والميليشيات العراقية، ترمي إلى تثبيت حصة إيران ودورها في أي عملية سياسية مقبلة في سورية.

وفي المقابل، يبدو أن أجواء المحادثات الجارية مع قادة المنطقة تؤكد أن ردم الهوة القائمة مع إدارة الرئيس باراك أوباما يحتاج إلى جهود أكبر، إذ بات واضحاً أنه لا يمكن تغيير أولويات هذه الإدارة في تعاملها مع ملفات المنطقة من دون جهد عربي واضح يعيد إظهار حجم المصالح المشتركة وتشابكها في هذه المرحلة، فيما لم يصدر عن طهران ما يشير حتى الساعة إلى إمكان قبولها بالاتفاق على تسوية لخلافاتها مع العالم العرب، بل إنها تستكمل تطويق مواقع الطرف الآخر تحت شعار الدفاع عن الأقليات، وبخاصة الشيعية منها!

إعادة قراءة

غير أن هذا الجهد يوجب من ناحية أخرى قراءة جديدة للجهد العربي، والسعودي خصوصاً، لتقويم التجربة السياسية التي تعاملت مع أزمات دول المشرق العربي.

ولا يخفى على أحد أن الحديث عن جبهة واحدة تشمل تركيا والدول المتحالفة معها وبخاصة قطر، يحتاج هو الآخر إلى إعادة تقويم.

فإذا كان الحديث هو عن تأجيل مؤتمر جنيف 2، ماذا ستكون شروط إعادة تمكين قوى المعارضة السورية من تنظيم صفوفها العسكرية والسياسية لإعادة التوازن على الأرض في مواجهة قوات النظام التي يبدو أن غرفة عمليات إيرانية خالصة تقودها؟

وهنا يجدر القول إنه لا يمكن الاستمرار في سياسة الأجنحة داخل المعارضة السورية، كما لا يمكن الاستمرار بمعارضة منقسمة تتمكن من قلب الطاولة مرة أخرى.

ويُخشى، في هذا السياق، من صحة التحذيرات التي تقول إن ما هو معروض على سورية والمنطقة لا يعدو كونه فوضى إضافية «تُعَرقنها» وتحيلها إلى مشاريع دول مؤجلة.

والكلام الذي نسب إلى بن رودس، المستشار السابق للرئيس الأميركي للأمن القومي، بأن ما يجري في سورية هو أمر مقصود ومطلوب، يُظهر أن سياسة إدارة الظهر التي تمارسها إدارة اوباما، إنما تعبر عن جزء من الكأس الفارغة.

وثمة من يقول إن هذه السياسة أصابت حلفاء واشنطن ولاسيما الأوروبيين بإحباط شديد، مع توالي التراجعات وتغيير الوعود والأولويات تجاه سياسات المنطقة. لكن ثمة من سأل في المقابل: أليس الأوروبيون مسؤولين عن التلاعب في «حديقتهم الخلفية» في المنطقة؟

صحيح أن القارة العجوز تعاني ما تعانيه من مشكلات اقتصادية واجتماعية وسياسية، لكن من قال إن منطقة مفككة لا تخدم مصالحها أيضاً؟ وكيف يمكننا أن نفهم ما جرى مع النموذج الليبي، والذي يطرح أكثر من علامة استفهام، حول أسباب «الإحجام» الغربي والأوروبي تحديداً عن دعم إعادة تركيب الدولة الليبية العتيدة؟ كانت فرنسا أول من أطلق طائراتها الحربية إعلاناً لبدء الحملة على قوات القذافي التي كانت تتقدم نحو بنغازي عام 2011، فيما حبر القرارات الدولية لم يجفّ بعد.

وقادت فرنسا حملة عسكرية بمفردها في دولة مالي الصحراوية المترامية الأطراف وجارة ليبيا، في مواجهة قوات انفصالية وخليط من الجماعات السلفية من دون انتظار قرار من الاتحاد الأوروبي.

هل قوى «الحراك» السياسي في مالي أكثر نضجاً وتنظيماً وقوة من التشكيلات الليبرالية القائمة في ليبيا مثلاً؟ وهل توحيد القوى «المالية» أسهل بما لا يقاس بتوحيد المعارضة السورية مثلاً؟

مسرحية الاستعداد لشن ضربة أميركية على سورية الصيف الماضي على خلفية استعمال النظام السلاح الكيماوي، لم يكن خافياً فيها حجم التواطؤ الأوروبي الذي غلّف برداء تصويت مجلس العموم البريطاني المعارض، فيما غالبية الدول الأوروبية وقفت من الأساس موقفاً معارضاً لأي تدخل في مسار الأزمة في سورية منذ بدايات اندلاع الثورة فيها.

قد لا يكون من المجدي الإطالة في هذا التفصيل، لكن ما هو مطروح على دول المنطقة يهدد بتفكيكها تحت وطأة ثلاثة عوامل متساوية:

– انكشاف حجم الانقسام الأهلي والكياني وتفكك الآليات التي كانت تشكل صمام أمان لوحدتها، مع انهيار التجارب التوتاليتارية والإسلاموية فيها لمصلحة عصبيات ونوازع طائفية وقبلية وعشائرية ومناطقية.

– إحجام الدول الغربية والكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة، عن الاضطلاع بأي دور يساهم على الأقل في تقصير مدة المعاناة المرتقبة، كي لا نورد أسباباً أخرى.

– انحياز الغرب الكامل لمصلحة إسرائيل التي لا يثلج قلب قادتها أكثر من تأبيد انقسام المجتمعات والدول المحيطة بها في حروب لا يمكن أحداً تصور الوقت الذي ستستغرقه.

أمام هذه اللوحة قد يكون من المؤسف أن تتحول هموم المنطقة وقضاياها إلى قضية إغاثة ورعاية لاجئين وتنظيم رحلات مواساة يساهم فيها نجوم سينمائيون أو زوجات رؤساء أو صديقاتهم، فيما الجهد المطلوب هو مبادرات سياسية لا يمكن التذرع باستحالتها بالنظر إلى تعقيدات المشهد العربي وحدها.

* اعلامي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى