صفحات العالم

تركيا والتدخل العسكري في سوريا –مقالات متنوعة-

 

تركيا: القصر في مواجهة هيئة الأركان/ بكر صدقي

مرت سنوات طويلة على غياب تقليد تركي مزمن في نشر الصحف لتسريبات من مصادر عسكرية، كانت الغاية منها دائماً تحذير الحكومات قبل رفع العصا الثقيلة، وتهيئة الرأي العام لذلك. قبل أيام قليلة عاد هذا التقليد إلى الظهور، فنشرت جريدة «حرييت» واسعة الانتشار تسريبات عن اجتماع أمني رفيع المستوى عقد، في الثامن عشر من شهر حزيران، بعد تحرير قوات مشتركة من «وحدات حماية الشعب» وفصائل متحالفة معها من الجيش الحر لبلدة تل أبيض من قوات داعش.

تتحدث التسريبات عن طلب حكومة داوود أوغلو من رئاسة أركان الجيش إعداد خطة للتوغل العسكري داخل الأراضي السورية لمواجهة تهديدات أمنية متعددة الأطراف، أهمها سعي مفترض من حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) للسيطرة على ممر يمتد على طول الحدود مع تركيا، ويصل اقليم كردستان الفيدرالي في شمال العراق بشاطئ المتوسط؛ واحتمال سيطرة قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على بلدتي مارع واعزاز وصولاً إلى بوابة السلامة الحدودية مع تركيا.

وقد طالبت هيئة الأركان، دائماً وفقاً للتسريبات نفسها، بأمر خطي سرعان ما زودها به رئيس الوزراء. لكن الأركان واصلت موقفها السلبي من أي تورط عسكري في المستنقع السوري بتقديم مختلف الذرائع. ويربط المحللون الأتراك بين هذا الموقف والتوقيت غير الملائم فيما يتصل بالأجندة الداخلية المتمحورة حول تفعيل نتائج الانتخابات العامة: من انتخاب رئيس لمجلس النواب، إلى تشكيل حكومة جديدة من المرجح أن تكون ائتلافية، إلى إعادة هيكلة هيئة الأركان في مطلع شهر آب القادم حيث تنتقل رئاستها إلى قائد القوات البرية. ولا يريد رئيس الأركان الحالي أن يرتبط اسمه بأي مغامرة عسكرية مجهولة النتائج في فترة الشهر المتبقية من ولايته. كذلك يدرك رئيس الأركان أن تشكيل أي حكومة ائتلافية سيعني تقييداً ليدي أردوغان والحزب الحاكم ويفرض عليهما تغييرات على السياسة التركية في المشكلة السورية. فضلاً عن الصفة الانتقالية (تسيير الأعمال) للحكومة الحالية التي تفقدها القدرة، معنوياً على الأقل، على اتخاذ قرار بخطورة التوغل في بلد مجاور.

غير أن هذه الأسباب الداخلية بالذات هي ما يزيد من قوة احتمال التوغل التركي بهدف إقامة منطقة عازلة بطول 110 كيلومترات تمتد من جرابلس إلى إعزاز، وبعمق 15 كيلو متراً وصولاً إلى بلدة مارع، وفقاً لتسريبات مضادة من الصحافة الموالية لأردوغان (يني شفق). ويربط المحللون بين هذا الخيار وبين ارتفاع منسوب التوقعات بشأن تحالف العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري لتشكيل حكومة ائتلافية قوية وقابلة للاستمرار. فيكون قرار التوغل العسكري، من هذا المنظور، إفشالاً مسبقاً لهذا التحالف الحكومي المتوقع، بسبب الموقف المعروف لـ»الشعب الجمهوري» في معارضته للسياسة التركية في سوريا جملةً وتفصيلاً. فإذا تم نسف هذا الاحتمال، لا يبقى أمام الحزب الحاكم إلا تشكيل الحكومة شراكةً مع حزب الحركة القومية المعروف بعدائه للحل السلمي مع الكرد. بتوغل الجيش التركي في الأراضي السورية وفقاً للسيناريو المسرب، من جرابلس إلى إعزاز، يكون الحزب الحاكم قد «حكَّ على جرب» حزب الحركة القومية بالقول إنه قطع الطريق على تشكيل الكوريدور الكردي المفترض من خلال وضع حاجز بين كوباني وعفرين. وما تصريح أردوغان القائل إنه «لن يسمح بإقامة كيان على الحدود الجنوبية لتركيا» إلا استثماراً في هذه الحساسية القومية التي ربما افترض أنها تشكل الحافز المناسب للقوات المسلحة أيضاً، وهي المعبأة إيديولوجياً ضد أي صعود كردي.

ما الذي قد يستفيد منه أردوغان بإقامة حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية والحركة القومية؟ هو ربما يدرك أن حكومة مماثلة لا يمكنها أن تعمر طويلاً، ما يعني الذهاب بعد أشهر قليلة إلى انتخابات مبكرة. الأمر نفسه سيحدث إذا عاند الأخير في رفضه أي ائتلاف مع الحزب الحاكم الذي يتهم أركانه بالفساد. المهم، في الحالتين هو قطع الطريق على ائتلاف العدالة والتنمية مع الشعب الجمهوري، وما يعنيه ذلك من تغيير إجباري في السياسة السورية لتركيا.

وتقوم حسابات أردوغان بشأن الانتخابات المبكرة، وفقاً لمعارضيه، على دخول تلك الانتخابات بصفة «البطل القومي المنقذ» بعد توغل الجيش المفترض في الأراضي السورية وتشكيل منطقة عازلة بين كوباني وعفرين من جهة، وبين مارع والحدود التركية من جهة أخرى، بما يبعد كلاً من خطري «الكيان الكردي» و»الدولة الإسلامية» معاً. ولكن ماذا عن ردود الفعل الاقليمية والدولية التي يمكن أن تقوم على العملية العسكرية التركية؟

الولايات المتحدة غير متحمسة بدلالة التصريحات الدبلوماسية لوزارة الخارجية («ليست لدينا أدلة كافية على نية دول اقليمية بإقامة مناطق عازلة داخل الأراضي السورية» كما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية). أما عن إيران وروسيا، فقد تحدث وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو عن «اتصالات مستمرة» بين تركيا وبينهما. وإذا كانت إيران أعلنت عن موافقتها على «منع قيام دولة كردية» وفقاً لتصريح أحد أركان نظام طهران، فلعلها تغض النظر عن التوغل التركي المحتمل بشرط بقاء هدفه وتداعياته ضمن هذه الحدود. أما روسيا فقد كان لافتاً إطلاق وزير خارجيتها سيرغي لافروف «مبادرة» لإنشاء تحالف دولي ضد خطر الدولة الإسلامية يضم النظام السوري جنباً إلى جنب مع تركيا وقطر والسعودية! ترى أهي جزرة روسية ممدودة لأردوغان بالموافقة على توغل الجيش التركي مقابل اعتراف تركي بشرعية نظام الكيماوي مجدداً بعد أربع سنوات على نزعها من قبل تركيا؟ أم أن الجزرة الروسية ممدودة للمعارضة العلمانية في تركيا التي تتطلع إلى تغيير السياسة التركية في سوريا من أولوية إسقاط النظام إلى أولوية محاربة داعش في الحد الأدنى، والتعاون مع نظام دمشق في الحد الأعلى؟

في الحسابات الاستراتيجية، قد يشكل التوغل التركي نوعاً من التوازن في مواجهة التدخل الإيراني المكشوف في سوريا. لكن هذه الرؤية الاستراتيجية تنطوي على مخاطرها أيضاً: أي أن يشكل التدخل العسكري التركي الذريعة المناسبة لإيران لإرسال قوات برية إلى سوريا، بذريعة «التوازن الاستراتيجي الاقليمي» نفسها.

أما عن ردود الفعل الداخلية المحتملة، فيمكن القول باختصار إن التوغل المفترض ضد حزب الاتحاد الديمقراطي من شأنه إشعال المدن التركية كما حدث إبان معركة كوباني. بالمقابل إذا كان هدف التوغل هو تنظيم داعش، فيمكن لتركيا أن تصبح الهدف التالي لهجمات التنظيم بعد تونس والكويت.

 

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

تركيا والتدخل العسكري في سوريا/ خورشيد دلي

محنة الصعود الكردي

سيناريوهات التدخل

الحسابات والتداعيات

منذ سيطرة قوات وحدات حماية الشعب الكردية على مدينة تل أبيض الحدودية، تزخر الصحف التركية بالعناوين التي تقول إن الوقت حان للتدخل العسكري في سوريا، وبالتسريبات التي تتحدث عن خطط عسكرية أعدت لمثل هذا التدخل، وعن اجتماعات أمنية رفيعة المستوى عقدت وتعقد لهذه الغاية.

وبالتزامن، صعد الرئيس رجب طيب أردوغان من لهجته وتأكيده المطلق بأنه لن يسمح بإقامة دولة كردية في مناطق الشمال السوري المحاذية لجنوب تركيا، والسؤال هنا: هل حقا باتت تركيا مستعدة للتدخل العسكري أم أنه لا جديد في الأمر، ولا يختلف الحديث الجديد عما سمعناه مرارا وتكرارا خلال السنوات الماضية؟

محنة الصعود الكردي

في الواقع، منذ أن احتضنت تركيا المعارضة السورية وقطعت علاقاتها بالنظام السوري عملت لتحقيق هدفين أساسيين، الأول: العمل على إسقاط النظام السوري عبر دعم المعارضة السورية السياسية والمسلحة والضغط من أجل إقامة منطقة أمنية عازلة والعمل لاستجلاب موقف دولي للتدخل العسكري. الثاني: عدم السماح ببلورة مكون كردي مستقل عن المعارضة السورية، ومحاولة دفع الكرد للانضمام إلى العمل المسلح من أجل إسقاط النظام السوري.

هذا التطلع التركي، رافقه سعي دائم إلى خلق واقع أمني عسكري على الحدود من خلال الدعوة إلى إقامة منطقة أمنية عازلة، تكون بمثابة مأوى للنازحين السوريين من جهة، ومن جهة ثانية منطلقا للمعارضة السورية المسلحة بغطاء جوي يشل قدرة طيران النظام، إلا أن المساعي التركية هذه لم تلق تجاوبا من الغرب وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية.

بل حصل تباين في الأجندة بين أنقرة وواشنطن تجاه الأزمة السورية، وجاءت الحرب على داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) لتخلق فجوة كبيرة في مواقف الطرفين على شكل تناقض في الرؤى والإستراتيجيات. وبسبب كل ذلك تعقدت الأزمة السورية أكثر ولم يسقط النظام، بل بدعم من حلفائه (إيران، حزب الله، روسيا..) صمد كل هذه السنوات ونجح في البقاء، مستفيدا من سياسة الانكفاء الأميركية التي اتبعها باراك أوباما واستثمرها الروس.

بينما استفاد الكرد من استنزاف النظام عسكريا وسحب قواته من المناطق الكردية في إقامة إدارة ذاتية لها مؤسسات عسكرية وأمنية وإدارية واقتصادية، وفي فرض وقائع على الأرض، أثمرت انتصارات في وجه زحف داعش، حتى باتوا قوة يحسب لهم حساب، كما باتوا حلفاء موثوقين للتحالف الدولي في الحرب ضد داعش في سوريا والعراق.

وعليه، باتت تركيا وربما غيرها من الدول ترى أن المستفيد الأكبر من الأزمة السورية حتى الآن هم الكرد الذين نجحوا للمرة الأولى في تاريخ سوريا في بسط السيطرة على مناطقهم وبلورة كيان سياسي خارج معادلة النظام والمعارضة.

اليوم، وبعد سيطرة الكرد على تل أبيض، بات الطريق مفتوحا بين كوباني-عين العرب والمناطق الكردية في أقصى الشمال الشرقي المفتوحة أصلا على إقليم كردستان العراق، ثمة قلق تركي يتعاظم من أن يتمدد الكرد أكثر ويحاولوا إيصال هذه المناطق بمنطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي بما يعني احتمال الوصول إلى البحر المتوسط، وبالتالي تغير بعض خرائط أنابيب النفط في المنطقة.

وحقيقة، فإن تركيا باتت ترى أن حدودها الجنوبية أضحت مع كيان كردي في شمال شرق سوريا، يستكمل ملامحه على الأرض على غرار ما جرى لإقليم كردستان العراق، ولعل ما زاد من المخاوف التركية هنا، هو أن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يُعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني هو صاحب هذا المشروع، وهي تعتقد أن قيادة حزب العمال الكردستاني التي تتخذ من جبال قنديل مقرا لها تقف وراء كل ذلك.

بيد أن ما يؤرق تركيا أكثر ليس الصعود الكردي فحسب، وانما إحساسها العميق بأن حليفتها التاريخية، أي الولايات المتحدة هي التي تقف وراء ذلك، وأن الهدف النهائي من وراء هذا الصعود الكردي هو إقامة دولة كردية مستقلة في المنطقة ستكون الخاسر الأكبر منها تركيا، وهو ما تقول أنقرة إنها لن تقبل به مهما كلفها الأمر، بما يعني أن أولوياتها تجاه الأزمة السورية قد تتعرض للتغيير.

سيناريو التدخل

دون شك، ما سبق يعمق من محنة السياسة التركية اتجاه الأزمة السورية، ويزيد من الجدل بشأن الخيارات المطروحة في كيفية التعامل مع التحدي الكردي ليس على الحدود مع سوريا فحسب بل حتى في الداخل التركي خاصة بعد الفوز الكبير الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطية الكردي في الانتخابات البرلمانية والحديث عن انتهاء عملية السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، وعليه ثمة من يتحدث عن سيناريو للتدخل العسكري في سوريا، يحمل الملامح التالية:

1- القيام بعملية عسكرية محدودة وتحديدا في منطقة جرابلس نظرا لأهميتها الأمنية في منع إقامة تواصل جغرافي بين المناطق الكردية على امتداد الشمال الشرقي، وبما يشكل هذا التدخل رسالة دعم للفصائل السورية المسلحة كالجيش الحر وجيش الفتح للتحرك في مواجهة الصعود الكردي.

2- إيجاد أرضية للوجود العسكري التركي في المنطقة الحدودية، ومحاولة جلب دعم أطلسي لهذه الخطوة بهدف خلق واقع أمني جديد على شكل رسالة حاسمة للكرد بأن تركيا لن تسمح بإقامة كيان كردي.

3- التحرك على المستوى السياسي إقليميا، ولاسيما على جبهة إيران وروسيا، من خلال القول إن تحركها هذا يهدف إلى منع تقسيم سوريا وإقامة كيان كردي في المنطقة.

4 – أن تمهد الخطوات السابقة لإقامة منطقة عازلة، وبما تؤدي إلى إيجاد مخرج لأزمة اللاجئين السوريين الذين تتزايد أعدادهم حيث تزداد أعباء تركيا وحجة المطالبة الداخلية بإيجاد حل لمشكلتهم.

مع أن ثمة تقارير تشير إلى أن هذا السيناريو بوشر به عمليا على الأرض من خلال الإجراءات الأمنية في المنطقة الحدودية وتحديدا المناطق الجغرافية التي سيتم الدخول إليها من قبل عشرين ألف جندي، وهي بطول 150 كيلومترا مربعا وعمق 35 كيلومترا مربعا، تمتد من منطقة تل أبيض إلى غرب جرابلس بهدف قطع الطريق أمام المشروع الكردي.

غير أنه، ورغم هذه التفاصيل وغيرها، ثمة من يتحدث عن صعوبة تنفيذ سيناريو التدخل العسكري بسبب رفض المؤسسة العسكرية وتحديدا رئاسة الأركان التي ترى في الأمر مغامرة بل ربما مؤامرة هدفها جر تركيا إلى مستنقع آسن كبير الهدف منه تركيا نفسها.

الحسابات والتداعيات

ثمة من يرى أن لحظة التحرك العسكري التركي ليس سوى تعبير عن أزمة أدوات السياسة التركية في التعامل مع الملف الكردي في المنطقة ككل، وهي سياسة تحمل مفارقات كبيرة، إذ كيف تتعامل أنقرة بإيجابية كبيرة مع إقليم كردستان العراق في حين ترفض أي انفتاح على المكون الكردي في سوريا؟

أبعد من هذه المفارقة، يرى كرد سوريا بأن ثمة قضية غير مفهومة تتعلق بإصرار تركيا على إظهار نفسها وكأنها ضد تطلعاتهم بما يعزز الشعور لديهم بأنها تدعم داعش ضدهم، بل يرون أنها تتقصد إظهارهم وكأنهم انفصاليون يريدون تقسيم سوريا في وقت لم ترفع الأحزاب الكردية لا في المجلس الوطني الكردي ولا حزب الاتحاد الديمقراطي مثل هذه الشعارات.

بل إن الأخير يرفض قضية الاستقلال الكردي في الأساس على اعتبار أن فلسفته السياسية ضد إقامة دولة مستقلة من منطلق أنها لم تعد تناسب واقع المنطقة، ويطرح بدلا من ذلك صيغة الحكم المحلي أو الفدرالي.

لكن كل ما سبق لا يبدو مقنعا لتركيا التي ترى أن أمنها بات مهددا بفعل الكيان الكردي الذي يتحول إلى دولة أمر واقع، وأنه لابد من التحرك على الأرض لوضع حد له، في حين يرى كثيرون أن الخيار العسكري سيفتح باب جهنم أمام تركيا بحكم التداعيات الكثيرة، ولعل أهمها:

” 1- أن التدخل العسكري سيضع نهاية لعملية المصالحة أو السلام مع كرد تركيا الذين يتواصلون عبر الحدود مع إخوانهم من كرد سوريا والعراق وإيران، وأن مثل هذا التدخل سيفجر العنف الكردي في تركيا من جديد في هذا التوقيت الحساس، ويزيد من الانقسام التركي في الداخل، وربما الصدام بين أردوغان والمؤسسة العسكرية التي لم تنس أن أردوغان هو من حجمها وأخرجها من الحياة السياسية، وهي لن تضيع فرصة للانقضاض عليه.

2- أن النظام السوري سيكون المستفيد الأكبر من هذا التدخل، إذ من شأنه جلب تعاطف شعبي عربي وربما رسمي معه من قبل بعض الدول العربية، باعتبار أن التدخل العسكري التركي سيكون بمثابة عدوان عسكري على دولة عربية.

3- أن الرد الإيراني والروسي والعراقي قد لا يكون كما تتوقعه تركيا أي مجرد إدانات وتهديدات، بل قد تتعداها إلى إجراءات ملموسة تفجر الوضع التركي في الداخل.

وتعود خطورة هذا الأمر إلى أن هذه الدول تجاور تركيا وتشكل طوقا جغرافيا من حولها، بما يعني أن عملية الرد عليه ستكون سهلة وبنفس الوقت صعبا لتركيا.

4 – أن الموقف الأميركي يشكل قلقا كبيرا لتركيا، خاصة وأن أنقرة ترى أن التحالف الأميركي مع الكرد في العراق وسوريا يتعزز يوما بعد آخر على وقع التحالف في الحرب ضد داعش، وفي العمق ثمة من يرى أن الإدارة الأميركية تأمل بأن تتورط تركيا في المستنقع السوري لأسباب تتعلق بتناقض أجندة الطرفين إزاء العديد من القضايا في الشرق الأوسط على اعتبار أن مثل هذا التورط سينتهي بإعادة النظر في مجمل السياسة التركية وربما التخلص من حكم أردوغان نفسه.

دون شك، محنة تركيا كبيرة، وأينما تقف تجد نفسها خاسرة، فهي واقعة بين سندان الرد على الصعود الكردي وبين جدل الخيار الصعب والخشية من تداعياته.

الجزيرة نت

 

 

 

 

تركيا واحتلال شمال سوريا/ عبد الرحمن الراشد

الحديث عن نيات الأتراك بالدخول في شمال سوريا يتردد منذ بداية الثورة السورية، قبل أربع سنوات، لكن ثبت أن كل ما قيل عنه خارج تفكير أنقرة، بخلاف تمنيات السوريين الذين استنجدوا بهم من بطش نظام الأسد أو القوى الإقليمية المنافسة لها التي تخاف من طموحات أنقرة. هذه المرة الحديث عن الاجتياح جاء صريحًا من تركيا، مهددة بأنها لن تسمح بقيام ممر كردي على حدودها داخل سوريا. الرئيس رجب طيب إردوغان قال إنهم لن يسكتوا عن التغييرات الديموغرافية في سوريا. ورئيس الوزراء أحمد دَاوُد أوغلو هدد بأن بلاده ستقوم بحماية حدودها، وصدر كل هذا الضجيج عقب اجتماع رفيع لقيادات الدولة المدنية والعسكرية بحث التطورات التي أفرزتها معارك المتقاتلين عبر الحدود، ونتيجتها أنه صار لتركيا جاران يتوسعان أرضا ويزدادان قوة، تنظيم داعش والميليشيات الكردية السورية.

ويبدو أن دخول تركيا الأراضي السورية أصبح مقبولاً للكثير من القوى المختلفة، بما في ذلك حلف الناتو وتركيا عضو فيه. وللأتراك هذه المرة حوافز تدفعهم للاجتياح المنتظر منذ سنوات، وتلكأ الأتراك فيه لأسباب داخلية وخارجية. فسوريا تتغير وتتشكل ديموغرافيًا وجغرافيًا، في وقت بقيت تركيا جالسة تتفرج مع أنها الخاسر الأكبر بما يحدث في الجارة الجنوبية، من ظهور قوى معادية لها، كردية مثل حزب العمال الكردستاني وإسلامية مثل «داعش»، ونزوح المزيد من اللاجئين السوريين بأرقام ضخمة بما يهدد أمنها ومواردها، وبالطبع تركيبتها الديموغرافية.

مَن مِن القوى تريد تدخلاً تركيًا؟ تقريبًا ترجوه كل أطياف المعارضة السورية باستثناء «داعش»، فالمعارضة ترى في الجارة الشمالية القوة الوحيدة القادرة على تغيير ميزان القوى في سوريا لصالحها. والآن يبدو أن الولايات المتحدة لا تمانع في تدخل تركي موجه ضد «داعش»، وقد يتطور المشروع إلى إنشاء منطقة عازلة يتجمع فيها اللاجئون على الجانب السوري من الحدود. أما القوى المعارضة للتدخل التركي، فهي النظام السوري، وحليفه الإيراني رغم أن له على الأرض السورية أكثر من ثلاثين ألف مقاتل ينتظمون في ميليشيات شيعية متطرفة من لبنانية وعراقية وإيرانية وأفغانية، والعراق أيضا ضد التدخل التركي. والملاحظ أن إيران هذه المرة أعطت إيماءة إيجابية غير معهودة، بتصريح أحد مسؤوليها الذي قال قبل أيام إن لتركيا الحق في دخول سوريا لمنع قيام الممر الكردي، الذي يتوجس الإيرانيون، مثل الأتراك، من أنه مشروع لقيام إقليم كردي مستقل يهدد وحدة البلدان الثلاثة، إيران وتركيا والعراق.

الأكراد السوريون قويت شوكتهم، فهم الآن يسيطرون على أجزاء طويلة من الحدود مع تركيا، خاصة بعد انتصارهم في مدينة تل أبيض الذي فاجأ الأتراك. والتهديد الثاني أيضا نجاح «داعش» في الاستيلاء على كوباني، وهي مدينة حدودية أخرى مجاورة لتركيا. وبين الأكراد و«داعش» تضاعفت المخاطر على أنقرة، خصوصا أن الكثير من الحكومات الغربية حذرت مواطنيها بعدم السفر إلى تركيا تحسبًا لهجمات يقوم بها التنظيم الإرهابي، أصدرته قبل يوم واحد من هجوم «داعش» على المصيف التونسي الذي قتل فيه سبعة وعشرون شخصًا. ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي يجدها مليئة بتهديدات «الدواعش» ضد الحكومة التركية، وهجوم عنيف على شخص إردوغان.

ولو حزم الأتراك أمرهم ودخلوا شمال سوريا فإن ذلك غالبًا سيجد تأييدًا من معظم الدول العربية، وبعض الدول الإسلامية، وربما الولايات المتحدة إن قبلت تركيا إشراك التحالف بحيث يدعمها ويضبط أهداف حملتها العسكرية. فالغرب لا يملك خيارًا أفضل من تركيا، مدركًا أنه لا يستطيع إرسال قوات إلى سوريا، ويرى كيف نمت قدرات التنظيمات الإرهابية وأصبحت تمثل خطرًا عالميًا، وفي نفس الوقت بات جليًا أن النظام السوري أصبح من الوهن بما يستحيل عليه القتال، كما أن الميليشيات التي تتبع إيران رغم ضخامة عددها قد فشلت في مهمتها.

ولا يعني الدخول التركي التوغل بعيدًا إلى العاصمة السورية أو المدن الكبرى، بل الحديث عن عمق خمسين كيلومترًا، وفق ما يطرح في الصحافة التركية، بحيث يؤمن سلامة الحدود، ويدحر مقاتلي «داعش»، ويهيئ المناخ السياسي لجولة جديدة من المفاوضات لتقرير مصير الحكم في سوريا.

الشرق الأوسط

 

 

 

هل تستطيع تركيا إقامة منطقة عازلة في سوريا؟

رأي القدس

ذكرت ثلاث صحف تركية رئيسية أن سلطات أنقرة وجهت الجيش لوضع مخططات لإقامة منطقة عازلة على طول 110 كم وعمق 35 كم داخل الأراضي السورية وذلك بهدف إبعاد الخطر المتزايد لتنظيم «الدولة الإسلامية»، من جهة، ومنع إقامة كيان كردي على حدود البلاد، من جهة أخرى.

تزامن ذلك مع اجتماعات مكثفة أجراها كبار القادة الأمنيين والسياسيين في البلاد في الأيام الأخيرة، وتصريح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأن بلاده لن تسمح بإقامة كيان كردي على الحدود مع تركيا، واتهامه حزب «الاتحاد الديمقراطي» (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي) بأنه يريد «تغيير التركيبة الديموغرافية» في المناطق التي سيطر عليها.

لكن ما الذي جعل هذا القرار الذي ناشدت المعارضة السورية العالم اتخاذه لأكثر من أربع سنوات ممكناً بعد أن كان ممتنعاً دولياً، وأمريكياً، وإقليمياً؟

لا يتعلّق هذا القرار فقط بالتطورات العسكرية الخطيرة على الحدود التركية مع سوريا، بل يرتبط أيضا بنتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا والتي أدت إلى حصول حزب «الشعوب الديمقراطي» (الذي يعتبر الواجهة السياسية العلنية لحزب العمال الكردستاني) على 80 مقعداً برلمانياً، وهو أمر قادر على استفزاز العصبية التركيّة بتيّاراتها المختلفة، القومية، والإسلامية وحتى العلمانية.

وليس خافياً على السلطات السياسية والعسكرية التركية أن مسار عمليات «وحدات حماية الشعب» الكردية في عين العرب والقامشلي والحسكة وعفرين وتل أبيض تهدف إلى فتح خط متصل يجمع المناطق التي يسكنها كرد في سوريا تحت إطار ما يسمى «كردستان الغربية»، وهو مشروع غير قابل للحصول إلا بافتعال مجازر وتهجير عرب وأقلّيات من تلك المناطق.

من نافل القول إن غارات «التحالف» الدولي الذي تقوده أمريكا على سوريا تتم بتنسيق عال مع قيادات القوات الكردية على الأرض وهذا يطرح أسئلة مهمة، من قبيل:

– لماذا يساعد الأمريكيون حزب «الاتحاد الديمقراطي» في توجهه لتأسيس «دولة» كردية في سوريا رغم المخاطر الكبيرة التي يحملها هكذا تأسيس على تركيا؟

– وهل يعتبر القرار رد الدولة التركية على تجاهل واشنطن لمصالح أنقرة الاستراتيجية؟

– وهل تستطيع تركيا، وهي عضو في حلف «الناتو»، اتخاذ خطوة عسكرية بهذا الحجم من دون موافقة الولايات المتحدة؟

تكشف هذه الأسئلة الإشكاليات المعقدة التي خلقتها السياسات العالمية والإقليمية الكارثية حول سوريا والتي أدت إلى تحويل ثورة سلمية شعبية ضد نظام مستبد إلى ساحة للحروب الصغرى والكبرى يدفع السوريون أثمانها الرهيبة.

قرار السلطات التركية، لو تحقق، فهو يعني أن «الدولة العميقة» التركية تشعر بخطر وجودي كبير على النسيج المكوّن لبلادها، كما أنه يعني تصاعد قناعة إقليمية وعالمية بأحقّية تركيا في الدفاع عن كيانها، وهو أمر لن يسعد قوات «الاتحاد الديمقراطي» الكردية، ولا النظام السوري الذي تظهر إشارات عديدة ميلاً متزايداً لديه للانسحاب نحو «دويلة» ساحلية، كما أنه سيغضب تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي يعتاش على آلام المسلمين في الأرض ويحوّلها إلى مشروع للانتقام الأعمى والانتحار السياسي المعولم.

قرار كبير وصعب فهل تستطيع تركيا تنفيذه؟

القدس العربي

 

 

 

سياسة تركيّة خطرة إزاء سورية/ مراد يتكين

اليوم، تبدو الأمور بالغة الغرابة وسوريالية في العاصمة التركية. فالرئيس رجب طيب أردوغان، يترأس اجتماعات مجلس الأمن القومي، ويرفع لواء التدخل في الحرب الأهلية بسورية. ولكن الجيش يقاوم هذا المشروع، على رغم الأوامر الحكومية الواضحة. وفي أوقات عادية، كان رئيس الأركان نجدت أوزال، ليُقال من منصبه ويحاكم بتهمة عصيان إرادة الحكومة السياسية. ولكن، يبدو أن أحداً لا يشغله هذا العصيان، ولا حتى حلفاء تركيا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين حسبوا الى وقت قريب، أن تقييد نزعة العسكر التركي الى التدخّل في السياسة يذلّل كل المشكلات التي تحول دون بلوغ الديموقراطية التركية الذروة وعهدها الذهبي، ولم يدركوا أن العلمانية لا غنى عنها لإرساء الديموقراطية في مجتمع مسلم.

ويدرك شطر كبير من الأتراك، ومنهم أعضاء في «حزب العدالة والتنمية»، أن حمل الجيش التركي على دخول سورية قبيل محادثات تشكيل ائتلاف حكومي، يُرجح أن يغير سياسة أنقرة إزاء سورية – هو مغامرة خطرة. ودعا رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليجدار أوغلو، رئيس الوزارء أحمد داود أوغلو، الى ترجيح كفة المصلحة الوطنية والامتناع عن مثل هذه الخطوة (التدخّل في سورية). وأعلن داود أوغلو في نهاية الأسبوع، أن على الحكومة المنتهية ولايتها، الحذر إزاء التهديدات على الحدود، وهو مصيب. ولكن مشروع أردوغان يتجاوز حق تركيا في الرد على الأخطار الحدودية، وحدود التفويض البرلماني للحكومة للرد على أي انتهاك من الجهة السورية للحدود.

وأعلن أردوغان أن تركيا لن تسمح أبداً بنشوء دولة في شمال سورية، في إشارة الى إدارة ذاتية كردية على طول الحدود. ولكن ثمة حملة في وسائل الإعلام الموالية للحكومة، توحي باحتمال تدخّل عسكري يستهدف «داعش» وقوات بشار الأسد، على حدّ سواء. وإثر طلب الجنرال أوزال من الحكومة إبلاغ النظام السوري عبر روسيا أو إيران، بأن مثل هذا التدخل ليس عدواناً على الدولة السورية ووحدة أراضيها، اتصل مساعد وزير الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو، بميخائيل بوغدانوف، مبعوث الرئيس الروسي الخاص الى الشرق الأوسط وأفريقيا. ولكن استقبال فلاديمير بوتين وزير الخارجية السورية، وليد المعلم، في اليوم نفسه الذي دعا فيه أردوغان مجلس الأمن القومي الى الانعقاد، مفاده أن السياسة الروسية إزاء دعم النظام السوري لم تتغيّر.

وخطوة أردوغان السورية لا تتناسب مع مساعي داود أوغلو الى تشكيل ائتلاف حكومي مع كيليجدار أوغلو. واليوم (في 30 حزيران – يونيو)، تبدأ جولة من يومين لانتخاب رئيس المجلس التركي. والاقتراع يقال أنه تمهيد للائتلاف. وفي الأيام الأخيرة، التزمت وزارة الداخلية إجراءات «تصعيدية» وقاسية في مواجهة حوادث عامة، على غرار قمع تجمّع المثليين في اسطنبول، وإلغاء حفل شعبي لفرقة «غروب يوروم» اليسارية. وهذه المواقف والإجراءات تشير الى أن ثمة من يسعى الى الحؤول دون ائتلاف بين «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب العدالة والتنمية»، والتوجّه الى انتخابات جديدة على أمل أن يحصل الحزب الحاكم على عدد كاف من النواب يخوّله الحكم بمفرده. ولا شك في أن أردوغان يرغب في مثل هذا السيناريو، ويأمل في زيادة صلاحياته الرئاسية من غير تعديل الدستور، من طريق بروز حكومة موالية له في البرلمان.

* كاتب، عن موقع «حريات دايلي نيوز» التركي، 30/6/2015، إعداد منال نحاس

 

 

 

 

 

 

تركيا واحتمالات التدخل العسكري هل نجحت واشنطن في إعادة ترتيب أولويات أنقرة في سوريا؟/ إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي»: تتزايد التكهنات والتحليلات حول نية تركيا القيام بعمل عسكري داخل الأراضي السورية لمواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية والتوسع المتصاعد لقوات حماية الشعب الكردية على حدودها، وفي حال أقدمت أنقرة على هذه الخطوة أم لا يبقى المؤكد أن الولايات المتحدة نجحت في إجبار أنقرة على إعادة ترتيب أولوياتها في سوريا.

فتركيا التي كانت ترى طوال السنوات الماضية أن أولويتها الأولى تتمثل في إسقاط النظام السوري ودعم المعارضة المسلحة لتحقيق هذا الهدف، باتت اليوم ترى في مخططات إنشاء كيان كردي على حدودها خطراً أكبر وأولوية تستوجب العمل بشكل أسرع من أجل مواجهة آثارها على «الأمن القومي التركي».

ومنذ بدء عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، اشترطت أنقرة توسيع عملياته ليشمل النظام السوري من أجل المشاركة فيه ودعمه عسكرياً، على اعتبار أنها ترى أن النظام هو «رأس الإرهاب» في سوريا وأن نشوء تنظيم الدولة كان بسبب الجرائم التي ارتكبها النظام، لكن واشنطن رفضت ذلك وشهدت العلاقات بين البلدين تراجعاً طوال الفترة الماضية لهذا السبب.

ورأى العديد من المحللين الأتراك آنذاك أن الولايات المتحدة والتحالف الدولي بشكل عام سعيا طوال الفترة الماضية إلى «توريط» تركيا في حرب طويلة الأمد مع تنظيم الدولة في سوريا كانت ستستنزف البلاد وتؤدي إلى اضعافها اقتصادياً وهز أمنها الداخلي.

لكن التطورات التي شهدتها الحدود التركية مع سوريا في الأسابيع الأخيرة بعد سيطرة قوات حماية الشعب الكردية على مدينة تل أبيض بغطاء جوي مكثف من طائرات التحالف الدولي، جعلت أنقرة تعيد حساباتها في سوريا لاسيما بعد اتهامها القوات الكردية بالقيام بعمليات تهجير قسري للقرى العربية والتركمانية وتغيير الواقع الجغرافي على حدودها.

ومن غير الممكن أن تقوم أنقرة بأي عمل عسكري داخل الأراضي السورية خاصة ضد قوات حماية الشعب الكردية دون تنسيق واتفاق مع التحالف الدولي الذي دعم هذه القوات، لكن مراقبين باتوا يرون أن الولايات المتحدة ربما دعمت توسع القوات الكردية للضغط على أنقرة لتغيير موقفها من التحالف الدولي واقحامها في حرب ضد تنظيم الدولة مقابل تعهد واشنطن بتحجيم النفوذ الكردي على حدودها.

الكاتب والمحلل السياسي علي باكير يرى أن حسابات الولايات المتّحدة في سوريا مختلفة عن حسابات تركيا ودول المنطقة التي تريد التخلّص من الأسد، و»حيثما كان هذا التناقض يظهر بشكل جلي وواضح كانت الولايات المتّحدة وما زالت تتصرّف بمعزل عن حلفائها في المنطقة وبتجاهل كامل لمصالحهم ومخاوفهم».

وقال باكير لـ»القدس العربي»: « لم يختلق شيء إلى الآن في الملف السوري، الاولوية بالنسبة لواشنطن هي تنظيم الدولة، بينما برزت مجموعة من الأولويات بالنسبة للجانب التركي هي الأمن القومي التركي، وخليط الاسد وتنظيم الدولة والنسخة السورية من حزب العمال الكردستاني تمثل تهديدا لامن تركيا».

واعتبر باكير أن انقرة لا تفرّق بين خطر هذه المكوّنات ولم ترفض الانخراط في الحرب ضد تنظيم الدولة لكنّها ترى انّ الأسد هو السبب الرئيسي في كل ما يجري اليوم وما تشهده سوريا، وانه من دون القضاء على الأسد لن يكون بالإمكان القضاء على تنظيم الدولة لان الأخير نتيجة وليس سببا.

وأضاف: «أما بالنسبة إلى النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني الكردي، فأنقرة رفضت وترفض منذ البداية دعم واشنطن له خاصة انّ للحزب المذكور علاقات معروفة جدا مع نظام الأسد وإيران وهو مدرج على قوائم الإرهاب الخاصة بأنقرة كما انّ له أجندة معلنة في الانفصال تحت مسميات مختلفة وفي مهاجمة تركيا».

وأكد أن الدعم الأمريكي غير المحدود للحزب الكردي مؤخرا يثير مخاوف انقرة بما انه يمكنه من اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، «وبدا فعليا يمارس عليها سلطته بشكل مستقل عن سلطة أي جهات أخرى وهو يشرع في عملية تطهير عرقي وقومي لتحقيق هدفه، وهناك مخاوف ممثالة من تقدم تنظيم الدولة بدعم جوي من نظام الأسد باتجاه حلب لإنهاء المعارضة المعتدلة وتهديد تركيا».

من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي السوري عبد الرحمن مطر أن الغموض الذي تعمدته الولايات المتحدة في استراتيجيتها لمحاربة تنظيم الدولة إنما «هو ترجمة واقعية للفوضى الخلاّقة، التي تتعزز في ما يحدث اليوم في المنطقة بشكل عام، والحالة السورية بشكل خاص».

وقال مطر مدير مركز الدراسات المتوسطية لـ»القدس العربي»: «تعمدت الولايات المتحدة البدء بعمليات التحالف دون التنسيق مع المعارضة من جهة، ودون تفهم مواقف شركائها، وفي مقدمهم الطرف التركي الذي يعتبر من أكثر الأطراف إحاطة بالوضع السوري، وبشكل خاص الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام. وهذا ـ في الواقع ـ أدى إلى عدم فاعلية العمليات العسكرية على تنظيم الدولة، وإرباك مشروعات دعم المعارضة السورية».

وأضاف: «في الوقت نفسه فتحت أبواب التنسيق مع قوات الحماية الشعبية، تحت غطاء المعارضة المعتدلة، وسوى ان ممارساتها اليوم مدانة بارتكاب تجاوزات كثيرة، بما في ذلك عمليات سطو وتهجير (غير منظمة) وفرض سياسات سيطرة الأمر الواقع في المناطق التي يخليها تنظيم الدولة، فإن واشنطن ماتزال ترفض المطالب التركية، ومع ملاحظة علاقة الاتحاد الديمقراطي مع هيئة التنسيق والموقف من نظام السد، فإن ذلك يعني تراجع مسألة إسقاط النظام لصالح محاربة الإرهاب»، مشدداً على أن سياسة واشنطن لا يمكن الوثوق بها، و»الأكراد قد يقعون ضحية مباشرة لتقلبات السياسة الأمريكية المعروفة».

وختم مطر بالقول: «اعتقد أن تركيا مدركة جيدا لمخاطر الإنجرار في أتون معارك تجعلها طرفا مباشرا في الصراع القائم، وفي الوقت نفسه لن تتخلى عن حماية أمنها القومي بالوسائل الممكنة، لن يكون التدخل العسكري المباشر واحداً منها، وإن يكن خياراً، فلا بد من غطاء دولي واضح».

القدس العربي

 

 

 

عن مشروع إقليم كردي في شمال سورية/ سمير سعيفان

ليس المهم أن أكراد شمال سورية في معظمهم، عدا من كانوا في عفرين، هم وافدون من خلف الحدود السورية التركية، كي يتوقفوا عن الدعوة إلى إقامة كيان كردي في شمال سورية. إذ يشكل غياب الدولة المركزية القوية، والفوضى التي تعيشها سورية اليوم، فرصة تاريخية لإقامة كيان كردي شبه مستقل، يربطه خيط واه بسلطة دمشق الضعيفة، على غرار شمال العراق الذي يعامل بقية العراقيين كأجانب. ويرى القوميون الأكراد أنها فرصتهم لاسترداد “حقوقهم التاريخية”، وأن الجزيرة السورية “روج آفا”، كما سموها، وشمال سورية هي أرضهم التاريخية، وقد باتوا يسمونها “كردستان الغربية”، وأن العرب في مناطقها وافدون، وأن تهجيراً وإحلالاً قسرياً جرى ضدهم، وجاء الوقت الذي تسترد فيه حقوقهم، وأن تكف خيراتهم من نفط وقطن وقمح من أن ترسل الى مناطق سورية الغربية.

في السابق، لم يكن غالبية الأكراد السوريين يدعون إلى مثل هذا الكيان، بل كانوا يطالبون بحقوق لها طابع ثقافي وعدم التمييز ضدهم. ولكن، وبعد 1992 وقيام إقليم كردستان العراقي بدعم أميركي، نمت في صفوفهم ميول قوية بهذا الاتجاه، لكن ضغط النظام قمعها بقوة، فبقيت تطلعات الأحزاب الكردية إلى حل ديمقراطي للقضية الكردية لا يصل إلى قيام أي نوع من الحكم الذاتي على غرار العراق. الظروف اختلفت الآن، فغيّرت جميع الأحزاب الكردية برامجها باتجاه شبه انفصالي. وهم يحملون حلم الدولة القومية الكردية المستقلة التي أقرتها معاهدة سيفر 1919، والتي كانت ستضم جزءاً كبيراً من شرق تركيا وشمال العراق وجزءاً من غرب شمال إيران، ولم يكن أي جزء من سورية في خريطة الدولة الكردية آنذاك، ثم وأدتها معاهدة لوزان 1921 تحت ضغوط الدولة التركية الفتية. ويجد الأكراد السوريون الظروف مواتية الآن، ضمن هذه الفوضى الداعشية والدعم الأميركي الذي يكاد يرسم حدود كردستان بقصفه.

كان حزب الاتحاد الكردستاني “البي يي دي” الأكثر اندفاعاً، وقد أقام تحالفاً مع النظام، وقد قام النظام منذ اواخر 2012 بتسليحه ومنحه المال والمقرات والمعسكرات وحقول النفط، ما أعطاه تفوقاً على بقية القوى الكردية. وقد باشر الحزب بإقامة كيانه الكردي في شمال شرق سورية، فأصدر دستوره وشكل برلمانه وجيشه وجهاز أمنه ومؤسساته، ويتصرف في المناطق التي يسيطر عليها كسلطة مستقلة، تحت ما يسمى حكماً ذاتياً و”لامركزية سياسية”، بما يشبه كيان كردستان العراق. ويضم الإقليم الكردي المتخيل في كامل شمال سورية منطقة واسعة، تنتج نحو 200 ألف برميل نفط قابلة للزيادة، وأراضي زراعية واسعة خصبة، تتوفر لها مياه من عدة أنهار، مثل دجلة والفرات والخابور والجغجغ ونهر قويق وأنهار عفرين الصغيرة، وستشكل مع كردستان العراق فضاء جغرافياً ومجتمعياً واقتصادياً كردياً واسعاً. وهذا ما يجعل أعداداً أكبر من الأكراد تؤيد هذا الحلم.

يعلم حزب “البي يي دي” وبقية الأحزاب القومية الكردية، أنهم لن يستطيعوا إعلان دولة مستقلة كلياً. ولكن، سيوافق الأميركيون، وقد يوافق الأتراك مضطرين على كيان شبيه بكردستان العراق. وفي مسعى منه للتغطية على ما يفعله جهاراً، يصرح رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، أنه ليس مع تقسيم سورية، بل مع وحدتها، وأن الحكم الذاتي واللامركزية السياسية ليسا تقسيماً لسورية ولا تهديداً لوحدتها. وتؤيده في ذلك معظم الأحزاب القومية الكردية الأخرى. ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من اتفاقه وتنسيقه مع النظام، فهو يصرح أنه مع تغيير النظام الديكتاتوري، وقد بات من مصلحة مشروع الكيان الكردي وجود سلطة مركزية ضعيفة في دمشق، بقي نظام الأسد أم ذهب، وأن ينتشر في سورية وباء كانتونات الإدارات الذاتية شبه المستقلة.

“بات من مصلحة مشروع الكيان الكردي وجود سلطة مركزية ضعيفة في دمشق، بقي نظام الأسد أم ذهب، وأن ينتشر في سورية وباء كانتونات الإدارات الذاتية شبه المستقلة”

تكبر تعقيدات الكيان الكردي ومخاطره بسبب الأوهام القومية الكردية، فهم يتطلعون إلى توسيع إقليم “كردستان سورية” ليضم مناطق وجود الأكراد المتباعدة في شمال سورية، والتي تفصل بينها مئات الكيلومترات من المناطق التي يقطنها عرب ويضمها إلى إقليمه، وسيشكل العرب حينها غالبية كبيرة من السكان. فالأكراد يوجدون في ثلاث مناطق رئيسية متباعدة عن بعضها في شمال سورية: تقع الأولى في أقصى شمال شرق سورية، وهي الرئيسية، ويتركز وجود الأكراد فيها بين ديريك والقامشلي. وتحت هذا الخط ببضع عشرات الكيلومترات، يصبح العرب يشكلون غالبية السكان، بما في ذلك مدينة الحسكة، بعد أن هاجر معظم السريان والآشوريين من هذه المنطقة. ويقدر أن الأكراد يشكلون أقل من 40% من مجمل سكان محافظة الحسكة التي يدرجونها بكاملها ضمن خريطة كردستان الغربية. والثانية في منطقة عين العرب، ويفصلها عن المنطقة الأولى نحو 200 كم، معظم سكانها عرب، والثالثة في منطقة عفرين شمال غرب حلب، ويفصلها عن منطقة عين العرب مئات الكيلومترات من مناطق عربية. وللغرب من عفرين باتجاه ادلب والساحل، وهي منطقة تمتد مئات الكيلومترات، ولا وجود يذكر للأكراد.

مما يجعل القوميين الأكراد يندفعون وراء هذا التوسع أن أعداداً كبيرةً من سكان تلك المناطق تم تهجيرهم ببراميل النظام ومدفعيته، ويشكل قتال داعش فرصةً أخرى لتهجير أعداد أكبر، ويتهم السوريون حزب البي يي دي بأنه يعمد إلى تهجير العرب ومنعهم من العودة إلى بيوتهم، وينفي هو ذلك. وفي الواقع العملي، يصعب تهجير العرب من كل تلك المناطق الواسعة، ولكن، يتطلع “البي يي دي” والأحزاب القومية الكردية إلى التفاهم مع العشائر العربية، لإقامة حكم ذاتي يقوده الأكراد. ومن الناحية الواقعية، سيشكل هذا التوسع مستقبلاً مقتل الحلم بكيان كردي شبه مستقل. لذا، يخشى منه بعض القادة الأكراد، ويدعون إلى حصر الكيان الكردي في مناطق الغالبية الكردية في شمال شرق سورية.

ترى القوى والشخصيات الكردية ذات الانتماء الوطني السوري أن هذا ظرف مؤقت، وأن حقائق التاريخ يصعب طمسها وفرضها بالقوة بهذا التطرف، وأن مطامع بعضهم بربط مناطق الأكراد الثلاث في شمال سورية أمر غير واقعي، أما التمدد إلى البحر المتوسط فهو ضرب من الخيال. وهم يرون أنها فرصة لوضع حل وطني سوري ديمقراطي عادل لقضية الأكراد السوريين تجاه التمييز الذي لحق بهم في العقود السابقة، وأسوة ببقية السوريين، وضمن وحدة سورية أرضاً وشعباً، بدلا من مشاريع شبه انفصالية، ستخلق مشكلات كبيرة في المستقبل.

في النهاية، القوة والظروف التي ستسود مستقبلاً ضمن هذا الصراع الدائر المتحرك، هي التي ستشكل الواقع، وتنشئ الحقوق أو تغيرها. فإن استطاع القوميون المتطرفون الأكراد، بمساعدة تلك الظروف ودعم الأميركيين وصمت الأتراك ولو على مضض، فرض مشروعهم التقسيمي على سورية، سيكون لهم ذلك، وسيشبه هذا الجزء من الأراضي السورية اسكندرون وحتى الجولان، وإن استطاعت سورية لملمة جراحها في السنوات المقبلة، فستجعل المتطرفين يدفعون الثمن.

فمن سيمتلك قوة أكبر وتساعده الظروف ليفرض حله على الآخر؟ ثم من سينتصر في النهاية، قوة المنطق أم منطق القوة؟

العربي الجديد

 

 

 

 

رهان أردوغان في سورية/ كلوفيس مقصود

تشكل التهديدات التركية، أخيراً، بالتوغل داخل الأراضي السورية تعقيداً إضافياً لأزمةٍ، باتت أصلاً في غاية التعقيد. فالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، توعد بمواجهة المخاطر التي تهدد بلاده من الجنوب، وحذر الأكراد السوريين من الإقدام على أي خطوةٍ، تهدف إلى إقامة دولة خاصة بهم في سورية. ولقد أثار تقدم الوحدات الكردية على الجبهة الشمالية في سورية المخاوف التركية من إمكانية إقامة دولة كردية مستقلة، لا سيما بعد فرض سيطرتها على مدينة تل أبيض، والاتهامات التي وجهت إلى المقاتلين الأكراد بممارسة التطهير العرقي في المناطق السورية الخاضعة لسيطرتهم. كما تخشى أنقرة من تمدد الأكراد غرباً، سعياً إلى فتح ممر لنقل النفط من شمال العراق إلى البحر الأبيض المتوسط. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، يعزز هذه المخاوف الدعم الأميركي المتزايد للوحدات الكردية في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، فالتعاون الأميركي الكردي الحثيث أثار حفيظة تركيا، وخشيتها من أن يكون هذا التنسيق على حسابها.

وبحسب أردوغان، تهدف الحملة العسكرية المحتملة في سورية إلى تحقيق أمرين: منع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من السيطرة بشكل كامل على الحدود التركية السورية، وإبعاد خطر تنظيم داعش. ويبدو أن الرئيس التركي لا يهوّل فقط بشن الحرب، بل قد يقدم عليها بالفعل. فهو صدّق، الأسبوع الجاري، على الخطط العسكرية التي قدمتها له قيادة أركان الجيش، والقاضية بتوغل القوات التركية من جرابلس شرقاً وحتى مارع وعفرين غرباً، بمشاركة نحو 18 ألف جندي، وتفيد الأخبار بأن تركيا بدأت بالفعل بحشد أعداد كبيرة من الجنود على حدودها مع سورية.

وبالإضافة إلى الأهداف الخارجية، قد تكون لخطوة أردوغان حسابات داخلية، فبعد الانتخابات التشريعية التركية التي عقدت الشهر الماضي، وأسفرت عن خسارة حزب العدالة والتنمية الأغلبية المطلقة في البرلمان، بات أردوغان مجبراً على تشكيل حكومة ائتلافية، تضم حزب الشعب الجمهوري العلماني، وهو أمر يبدو أنه لا يرغب به. فمن المرجح أن تكون أي حكومة ائتلافية ضعيفة غير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة، وبالتالي، قد تقيّد حزب العدالة والتنمية في تطبيق كامل أجندته. لذا، قد يتوجه أردوغان إلى إفشال عملية تشكيل حكومة جديدة والدعوة إلى عقد انتخابات مبكرة. لكن، كيف سيستفيد من الأزمة التي ستنشأ من جراء التوغل داخل سورية؟

ترى مقالة صادرة عن معهد بروكينغز للدراسات أن مثل هذه الخطوة، وما سيترتب عليها من تداعيات اقتصادية وأمنية، ستدفع الناخب التركي إلى التصويت لحزب العدالة والتنمية وإعطاء أردوغان تفويضاً كاملاً لإدارة الأزمة، من خلال تأمين الأغلبية المطلقة له، لتخوله تشكيل حكومة من لون واحد قوية، وقادرة على مواجهة التحديات أمام تركيا.

ألمحت إلى هذا التفسير، أخيراً، بعض الأصوات التركية أيضاً، فبحسب محللين سياسيين في صحيفة حريات التركية القريبة من المعارضة، ليس أردوغان مهتماً بالمشاركة في حكومة ائتلافية، وهو يسعى إلى “خلق أزمة” تعرقل تشكيلها. وبالتالي، تؤدي إلى الدعوة إلى انتخابات مبكرة. وبالإضافة إلى ذلك، يكشف تردد القادة العسكريين، والذين تربطهم علاقة غير ودية مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي، عن أن أردوغان يسعى إلى توظيف هذه العملية لغايات سياسية. فبحسب صحيفة مليات التركية المقربة من المؤسسة العسكرية، فإن قائد أركان الجيش التركي أعرب عن استعداده لتنفيذ أوامر السلطة التنفيذية، لكنه حذر من التداعيات الدبلوماسية لهذه الخطوة.

“قد يكون أردوغان جاداً في شن حملة عسكرية داخل الأراضي السورية، وقد يكون يروجها لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. في الحالتين، قد تؤدي مواقفه التصعيدية هذه إلى انعكاسات سلبية، أولاً على تركيا قبل سورية”

لكن، يبدو أن أردوغان لا يأخذ في الحسبان تداعيات العملية العسكرية على العلاقة بين أنقرة والأكراد الأتراك الذين حصلوا على 13% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة، فهذه الخطوة قد تطلق شرارة العنف في الأقاليم الكردية داخل تركيا، وتقضي على التقدم الذي تم إحرازه في تحسين العلاقات بين الطرفين في السنوات الأخيرة. أضف إلى ذلك، احتمال استهداف تنظيم الدولة الإسلامية تركيا التي بقيت في منأى عن هجماته، إذ قد تؤدي مثل هذه العملية العسكرية إلى موجة من الهجمات الإرهابية، تسفر عن فقدان حزب العدالة والتنمية شعبيته.

على الصعيد الخارجي، سيصب التوغل العسكري في مصلحة النظام السوري الذي يسعى أردوغان إلى إسقاطه، فقد ظهرت، أخيراً، أنباء صحافية تتحدث عن لقاء وزير الدفاع السوري، فهد الفريج، مع قيادات من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في زيارته القامشلي. وبغض النظر عن صحة هذه التقارير، قد يدفع التهديد التركي الأكراد في شمال سورية إلى الارتماء في أحضان النظام السوري. كما أن على أردوغان أخذ موقف إيران وروسيا على محمل الجد، إذ قد تلجأان إلى الرد بشكل عنيف على أي توغل تركي في سورية، لا سيما في غياب الغطاء الأميركي لمثل هذه العملية.

قد يكون أردوغان جاداً في شن حملة عسكرية داخل الأراضي السورية، وقد يكون يروجها لتحقيق مكاسب سياسية داخلية. في الحالتين، قد تؤدي مواقفه التصعيدية هذه إلى انعكاسات سلبية، أولاً على تركيا قبل سورية، تبدأ من العلاقة مع الأكراد، وصولاً إلى أمن البلاد واستقرارها، فهذه المغامرة العسكرية قد تفضي، في نهاية المطاف، إلى دفع تركيا نحو مستنقعٍ، دخوله أسهل من الخروج منه.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى