صفحات العالم

تزايد الحديث عن “طائف” سوري


سليمان تقي الدين

كشف نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف في حديث صحفي عن طبيعة التفاهم الروسي الأمريكي الذي جرى في جنيف في يونيو/حزيران الماضي بشأن الأزمة السورية . قال بوضوح إن الحل في سوريا يشبه حل الأزمة اللبنانية عن طريق “مؤتمر الطائف”، ومن خلال توزيع السلطة على الجماعات الطائفية . لكن هذا الأمر ظل اتفاقاً على أهداف الحل النهائي دون الاتفاق على آليات تطبيقه، كما صرح قبلاً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف .

وبالفعل يتزايد الحديث في مختلف الأوساط عن “طائف سوري”، ويذهب البعض في التفصيل بالقول: الحل بوجود رئيس من الطائفة العلوية بصلاحيات محدودة جداً لكنها تطمئن هذه الأقلية، ورئيس حكومة سني بأوسع الصلاحيات التنفيذية، ورئيس مجلس نواب مسيحي وهكذا . ولأول مرة يصرح الروس بأنهم لا يشترطون بقاء الرئيس الأسد في السلطة، بل هم يدعمون فكرة تقصير ولايته إذا حصل حوار وطني بين السلطة والمعارضة وأمكن التفاهم على شكل السلطة وتوزيعها . وهذا ما يبدو أن الأوساط الإيرانية باتت مقتنعة به . لكن يبقى أن لا أحد يستطيع إلزام المعارضة الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع نظام يعلن إصراره على الحسم العسكري، ولديه اقتناع بإمكان ذلك وأن لديه قوى قادرة عليه .

ومن الواضح أن الوضع في سوريا يتدحرج بشكل متزايد إلى طريق الحرب الأهلية، وقد كبرت الفاتورة الأمنية للنظام إلى حد يصعب معه تصور هدنة سياسية يعقبها حوار ما لم تضغط كل الأطراف المعنية بالأمر من أجل ذلك وخاصة حلفاء النظام . ويظهر أن الأمريكيين ليسوا مستعجلين على الحل السياسي والتسوية مادام أن الوضع في المدى الإقليمي لايزال تحت السيطرة، وهم يستنزفون هذا المحور كله بما يجري في سوريا . ولقد أظهر الأمريكيون امتعاضاً من المبادرة المصرية إلى عقد اجتماع للرباعية التي ضمت مصر والسعودية وتركيا وإيران، لأنهم يعتقدون أن إيران ليست الطرف الذي يمكن أن يكون شريكاً في الحل كما كانت في العراق، لأسباب تتعلق بطبيعة الجغرافيا والديمغرافيا .

ويبدو أن خطر تقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية على الطريقة العراقية يقلق دول الجوار، لكنه لا يقلق الأمريكيين، وهناك تباين واضح بين الموقف الخليجي العربي، كما مصر وتركيا، وبين أمريكا في هذا الخصوص . والأرجح أن هناك ثابتة واحدة في السياسية الأمريكية في التعامل مع الأزمة السورية هي استنزاف كل الأطراف والمجتمع السوري عموماً، مع الاحتفاظ بنواة الدولة المركزية الأمنية من خلال الحفاظ على الجيش وعدم تسليح المعارضة بالحد الذي يمكن أن يؤدي إلى إسقاط دور الجيش في الحل المقبل .

ففي سوريا، خلافاً للعراق، يريد الأمريكيون ومعظم الأطراف في الخارج ضمان الأمن في الجوار وعدم نشر الفوضى ماداموا هم قادرين على ذلك باحتواء المؤسسة العسكرية . لكن هذا كله لا يقطع بعد في طبيعة الموقف الأمريكي الذي سينشأ بعد الانتخابات الرئاسية وبحسب الفائز فيها .

وما يحكى عن احتمال تسوية مع الروس ومع الصينيين في المسألة السورية والمسألة الإيرانية، لا يبدو أنه مرتكز إلى معطيات فعلية مادام الأمريكيون لا يدفعون أي ثمن نتيجة الأزمة في هذا المنطقة . ولا يبدو أن هناك أي تهديد جدي لمصالحهم طالما أن “الحريق” واقع داخل “محور الممانعة” ونتائجه الاقتصادية في سوريا وإيران ضاغطة فعلاً . فإذا كان الروس والصينيون يعتقدون أن الأزمة السورية يمكن أن تساعدهم على فرض نظام عالمي جديد، فمازال مثل هذا الاحتمال ضعيفاً، لأن المصالح الأمريكية مضمونة طالما لم تنتقل الأزمة السورية إلى المحيط الإقليمي . وقد بدا واضحاً أن كل المحاولات الإيرانية لتحريك ملفات “الشيعة العرب” في الخليج لم تفلح بتشكيل ضغط فعلي على أصدقاء أمريكا . بل إن الموقف المصري المستجد مع سياسة الرئيس محمد مرسي، كما عبّر عنها مؤخراً، لا تصب في خانة دعم الموقف الإيراني، بل هي أقرب إلى دول الخليج وأمريكا في نظرتها إلى الأزمة السورية وإلى الصراع العربي الإيراني . صحيح أن نهاية الأزمة السورية ستكون عبر صيغة تعددية سياسية تؤمن مشاركة المجموعات الطائفية التي ظهرت على المسرح السياسي السوري مؤخراً، لكن لايزال دون الوصول إلى الحل السياسي الكثير من الصراع .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى