صفحات العالم

تركيا.. وقطع “ذيل الأسد”

 


محمد عبيد

أعتذر بداية عن الاقتباس الجزئي في عنوان المقال، نقلا عن اسم كتاب شهير، لكاتب أشهر، ولكنه يبدو الأقرب والأقصر لقراءة التحوّل التركي إزاء نظام بشار الأسد في سوريا، والذي يبدو إلى الآن أنه الدور المحوري في تقرير مصير هذا النظام رحيلا أو بقاءً. فالعلاقات التركية -السورية، التي اتسمت تاريخياً، بقدر كبير من الاختلاف والتباين الذي وصل لحد التأزم، وشبح الحرب عام 1998، لولا وساطة فعالة قام بها الرئيس المصري آنذاك، أطفأت نيران الحرب قبل أن توقد. واستطاعت الدولتان، بعد ذلك التاريخ، ورغم الخلافات الكبيرة بينهما سواء لأسباب تتعلق بتنازع على أراض أو حقوق المياه، وتباين التوجه السياسي، والأخطر فيه التحالف العسكري بين أنقرة وتل أبيب والذي كانت سوريا ترى أنه موجه ضدها، وجعلها مثل فكي كماشة بينهما، استطاعتا تطوير علاقات تعاون سريعة ومتنامية. فخلال عقد أو يزيد، نمت العلاقات بشكل كبير ابتداء من ترتيب الوضع الأمني على الحدود وتلافي أسباب التوتر والصراع، قبل أن تتطور لتشمل مجالات تنموية واقتصادية وصلت لتأسيس مجلس تعاون استراتيجي وإلغاء تأشيرات الدخول بينهما. وقد كان لوصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا، وتبنيه لسياسية “صفر” مشاكل في السياسة الخارجية الأثر الأكبر في النمو المتسارع لتلك العلاقات. وإن كانت ثمار تلك العلاقات تعود بالنفع على كلا البلدين، إلا أن المستفيد الأكبر كان سوريا التي تعاني عزلة دولية قاسية، زاد منها وفاقمها الغزو الأمريكي للعراق، وخسارة دمشق لأبرز حلفائها العرب، السعودية ومصر بانهيار ماكان يسمى بـ”إعلان دمشق” واضطرار سوريا للانسحاب من لبنان تحت الضغط الدولي. وباستثناء إيران، التي تربطها بسوريا علاقة شبه عضوية، منذ الثورة الإيرانية، كانت دمشق محاصرة إقليميا بشكل كامل تقريباً، فشكّلت لها تركيا نافذة ورئة مهمة مكّنتها من كسر طوق العزلة والضغط الدولي. وجاءت موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح والتغيير في سوريا، والرد القمعي العنيف عليها من جانب النظام، ليضع تلك العلاقة على المحك. ومع التصعيد والإفراط في العنف من جانب نظام الأسد، خاصة في منطقة جسر الشغور المتاخمة للحدود مع تركيا واضطرار آلاف من المدنيين السورييين للنزوح من منازلهم خشية بطش قوات الأسد، خرجت تركيا للمرة الأولى عن صمتها الدبلوماسي. ووجّه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والذي يحظى بشعبية طاغية في العالم العربي، انتقادات حادة للنظام السوري وطالبه بالتوقف عن استخدام العنف والقوة المفرطة ضد المتظاهرين. ولم تفلح الزيارة التي قام بها مبعوث سوري رفيع المستوى في امتصاص غضب الأتراك من الجار “المشاكس”، بل زادت من التشدد في موقفها، وكشفت بشكل علني عن أنها قدّمت لدمشق أجندة إصلاح واضحة المعالم وخطوات تضمنت نصح الأسد بالتخلي عن شقيقه، صاحب السمعة السيئة ماهر الأسد، وعدد من أقرب أقاربه الذين لايحظون بقبول شعبي، وطالبت دمشق بالشروع في خطوات إصلاحية جادة. ومع استمرار نظام الأسد في حالة العناد والجمود السياسي، والرفض لاتخاذ خطوات جادة نحو الاستجابة لمطالب الإصلاح، وانشغال الغرب بليبيا وغيرها، وانكفاء العالم العربي، المذهول بحالاته الثورية المتعددة، تبقى الجارة والحليفة تركيا، والتي لن تسمح ببقاء نظام ديكتاتوري مثير للمشاكل على حدودها، هي الطرف الوحيد تقريبا القادر على “ترويض الأسد” أو “قطع ذيله” إذا لزم الأمر حال فشله في التعاطي مع رغبة داخلية عارمة في التغيير، كلّفت إلى الآن الكثير من الدماء، ولايبدو أن الحل الأمني قادر على التعاطي معها لأبعد من ذلك.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى