صفحات مميزةياسين السويحة

تساؤلات في عمل المجلس الوطني السوري


ياسين السويحة

فيما يلي مجموعة صغيرة من التساؤلات الناتجة عن متابعة عمل المجلس الوطني السوري، أكبر الهيئات السياسيّة المعارضة حالياً في سوريا. حاولت صياغة هواجسي الشخصية (وبعض ما لمسته خلال النقاش مع الأصدقاء) على شكل تساؤلات كنت سأطرحها لو كنت صحفياً على المسؤولين في المجلس. لم أحاكم النوايا وﻻ العواطف، كما حاولت ترك آرائي الشخصيّة جانباً قد الإمكان، فعرض آرائي ليس قصد النص (ولو أنها ﻻ تغيب عن الأسئلة واتجاه طرحها)، بل طرح أسئلة أعتقد أنها عقلانيّة.

قد تحتّم ضرورات المرحلة والصعوبات المرافقة لتسارع أحداث اﻻنتفاضة تفهّم بعض الأساليب والإجراءات غير المطابقة للمعايير الديمقراطيّة المتكاملة (كأن يكون المجلس كلّه منتخباً، ويكون اﻻنتخاب، وليس التزكية، هو المعيار لاختيار الأشخاص)، لكن يصعب تفهّم غياب الشفافيّة والوضوح في كثير من جوانب عمل المجلس الوطني، ومنها على سبيل المثال آليّة قبول أعضاء جدد فيه والشروط الواجب توافرها في المرشّح للدخول في هيئةٍ بهذه الأهمّية. إن لم يكن ممكناً نقد طريقة تبلور المجلس الوطني ومكوّناته بأثر رجعي نظراً للظروف التي نشأ بها، أليس من حقّ السوريين معرفة ما هي الآليّة التي يضمن فيها المجلس الوطني نزاهة ونظافة يد وتاريخ الداخلين فيه؟

اعتبر المجلس الوطني عند تأسيسه أنه الممثل الشرعي للانتفاضة السورية والناطق باسمها، واستند ناطقون باسمه على مشاهد لافتات “المجلس الوطني يمثلني” في المظاهرات لإعلان النصر في معركة (أعتبرها شخصياً دونكيشوتيّة، ومن الطرفين) مع هيئة التنسيق. هل أخذ المجلس بعين اﻻعتبار أن هذه اللافتات تتحدّث من منطلق اعتباره “معارضة جذريّة” في وجه “معارضة مهادنة” (أو ألقاب أسوأ) وأنها، غالباً، ناتجة عن مناخ من الاختناق الناتج عن القمع السلطوي الإرهابي؟ بمعنى آخر، هل المجلس الوطني بوارد نيل شرعيّة اتخاذ قرارات شجاعة في ﻻشعبيتها في أوساط الجمهور الغاضب؟ أم أنه يريد أن يحافظ على صورة هذه اللافتات المؤيّدة فقط؟

..

ما هي وثيقة العمل الخاصة بالعمل من أجل التقليل من الخسائر البشريّة لدى المجلس الوطني؟ وما هو المنهج المستخدم لاتخاذ القرارات في هذا الشأن وما هي الوسائط التي اتخذها لحماية الحراك الشعبي من الوقوع في قبضة ابتزاز قوى إقليميّة ودوليّة باسم حماية المدنيين؟ إن طالب المجلس الوطني فعلاً بحظر جوّي وممرّات آمنة فعلى أيّ دراساتٍ وأرقام استند لاعتبار أنها ستجدي لحماية المدنيين ولن تكون مجرد غطاء قانوني لشرعنة تدخلّ عسكري أجنبي؟ هل لدى الناطقين باسم المجلس والدائرة الإعلامية المحيطة به أرقام ووقائع وإثباتات في هذا الصدد؟ ألا يساهم الدخول في سردية أن التدخلات الخارجية من طراز الحظر الجوي والممرات الآمنة هي السبيل الأوحد لحماية المدنيين في كبح مسير الحراك الشعبي ومنع توسعه ودفعه إلى اليأس من إمكاناته الذاتيّة؟

..

يعرف النظام السوري نفسه خاسراً عند فتح أي موضوع ذو علاقة بالشؤون والقضايا الداخليّة، فسياساته تجاه الشعب السوري لم تقم على مدى عقود إلا على الترهيب والإفقار (بأنواعه)، وباتت “الشؤون الداخليّة” تخص “حقّه” في قمع شعبه دونما تدخّل أحد، دون مكانٍ للحقوق والحرّيات والعدالة اﻻجتماعيّة فيها، لذلك هبّ إلى الخارج لحظة اندلاع اﻻنتفاضة وعمل على تحويل انتفاضة شعبيّة ضدّ استبداده إلى تفصيل ضمن صراع “محاور إقليميّة”، أي أنه فعلياً شريك رئيس في تدويل الشأن الداخلي السوري. لماذا يبدو أن المجلس الوطني يهمل كل الذخر الممكن في الخوض في الداخل ويمشي بدوره نحو الخارج؟ أين خطاب المجلس الوطني عن الداخل وللداخل وأين الإجابات عن هواجس الداخل؟ أين العدالة اﻻجتماعيّة والحقوق والحرّيات في خطاب المجلس الوطني خارج نطاق الشعارات؟ لماذا ﻻ ينتبه المجلس إلى أنه يبدو وكأنه يعود للداخل فقط للبحث عن صور اللافتات التي ذُكرت أعلاه؟

..

لم يكن لمكونات المجلس الوطني وهيئة التنسيق وكل المعارضة الكلاسيكيّة أي دور في اندلاع اﻻنتفاضة الشعبيّة في سوريا، بل أن أغلبهم فوجئ بها وتخبّط في قراءته لما يحدث. أذهلت هذه اﻻنتفاضة العالم كما أذهلتهم، وشكّل الحراك الشعبي الفارق الرئيس والمحوري في الخارطة الداخلية والخارجية في المنطقة. نقطتان في هذا المجال:

أولاً: يبدو تعاطي المجلس الوطني إزاء الانتفاضة الشعبية وكأنه يشير إلى أنها قد بلغت سقفها، وصار لزاماً عليه البحث عن استثماراتٍ سياسيّة لإنجازاتها على المستوى الإقليمي والدولي. يغيب عن خطاب المجلس أي بحثٍ عن خطوات وبرامج عمل فعليّة تساهم في تجذير اﻻنتفاضة وتوسيع قاعدتها الشعبيّة وكسب الفئات اﻻجتماعيّة الصامتة أو المترددة، كما أن خطابه يوحي بأن التدويل هو المخرج الوحيد للحسم لصالح الحراك الشعبي (افتراضياً) وأن ﻻ خيار للحراك الشعبي إﻻ بانتظار منقذٍ نحتاج لأطنان من المكياج لكي يبدو حسن النيّة. أليس من شأن توسّع أفق اﻻنتفاضة الشعبيّة وفتح آفاق جديدة بوسائل الإضراب والعصيان المدنى أن تقوّي الموقف السياسي للمجلس الوطني إن تمكّن من خطّ سير هذا التوسّع وقيادته؟

ثانياً: علينا أﻻ ننسى ما هو السياق الذي تنتمي إليه اﻻنتفاضة السوريّة، أﻻ وهو سياق اﻻنتفاضات العربيّة ضد النظام الرسمي العربي (اﻻستبدادي) بأشكاله المختلفة في كلّ دولة، ونزع أي حراك ثوري في أي بلدٍ عن هذا السياق سيعني حكماً البقاء في نطاق تبدّل الأسماء السياسيّة فقط ولن يرتقي لمصافّ ثورة بالمعنى المعرفي. يبدو وكأن المجلس الوطني قد ارتاح للتعامل مع نظامٍ رسمي عربي عادى السواد الأعظم من اﻻنتفاضات العربيّة، ثم اقترب بانتهازيّة من اﻻنتفاضة السورية لأسباب ﻻ علاقة لها بحقوق وحرّيات الشعب السّوري وﻻ بتوقه إلى الديمقراطيّة. أليس من الأحرى للمجلس الوطني، حتّى لو رأى من واجبه ممارسة السياسة على الصعيد الإقليمي والدولي بشكل “برغماتي”، أﻻ ينسى أنه موجودٌ على الساحة بفضل اﻻنتفاضة السوريّة، شقيقة اﻻنتفاضات العربيّة جميعا؟ أليس المزيد من اﻻعتداد والثقة بالنفس وفرض الذات على الساحة بفعل بطولات المنتفضين السوريين مطلوباً وضرورياً بدل لغةٍ وتصرّفات تبدو أحياناً استجدائية ومتوسّلة وﻻ تليق بالتمثيل السياسي لحراك ثوري أشبه المعجزة؟

..

قصاصة هامشيّة: ﻻ يمكن لسياسي معارض في بلد عربي اليوم أن يتلطّى خلف حجّة “الواقعيّة” لتبرير انسياقه وراء قرارات أو إجراءات تخالف ضميره وقناعاته. فالواقعيّة، بمعناها اﻻستسلامي أمام ظروف الواقع، ﻻ تنتج انتفاضاتٍ وﻻ ثورات، بل تنتج خضوعاً وخنوعاً للاستبدادات واﻻحتلالات. أقل ما يجب أن يُطلب من سياسي يريد أن يمثّل من يخرج “إلى حتفه باسماً” هو أن يناطح المستحيل!

..

أليس ثمّة خطأ (أقلّه على مستوى السياسة الإعلاميّة والعلاقات العامة) أن يكون الحديث عن إيران وحزب الله هو المانشيت المتكرر للمقابلات مع رئيس هيئة تريد تمثيل الحراك الثوري في سوريا؟ أﻻ يساهم هذا في إزاحة انتفاضة شعبيّة ضد اﻻستبداد نحو مواقع تخص صراعات المحاور الإقليميّة (ذات الأطراف المتصارعة في مصالحها والمتشابهة في استبدادها وعدائها لحقوق وحرّيات الشعوب) وتساهم في إغناء سرديّة النظام؟

..

ﻻ يحتاج الشعب السوري لشهادات حسن سلوك من أحد في ما يخص أيّ قضيّة وطنيّة أو قوميّة، بالتالي أليس حريّاً بالمجلس أن يحيل أي أجوبة تتعلّق بالصراع العربي- الصهيوني أو مقاومة الهيمنة الغربيّة إلى الخيارات الحرّة التي سيتخذها الشعب السوري في كنف دولة ديمقراطية حرّة وسيّدة؟ هل سيجرؤ أحدٌ على التشكيك باتجاه هذه الخيارات؟ لماذا يقدّم المجلس أجوبة ليس عليه تقديمها (وﻻ يحق له ذلك في ظل الظروف الحاليّة) ويقحم نفسه في مناوشات ومعارك لا علاقة لها بالتطلعات الشعبية نحو الديمقراطيّة؟

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. تساؤلات محقة ومنطقية ولكن للأسف نتحمل نحن السوريين نتائج غياب العمل التنظيمي في الأوساط الإجتماعية, حيث كان من الممكن لهكذا تنظيمات أن تؤطر طاقات المجتمع المدني وتثبت حضوره في في العمل السياسي وليقود أيضاً ثورة كثورة الشعب السوري على الطغيان. بسبب هذا الغياب نرى حضوراً لأفراد في واجهة العمل السياسي السوري (المجلس الوطني, مراكز أبحاث تمتد من واشنطن حتى…الخ) , أفراد يمكن أن نطرح إستفسارات كبيرة عن أحقية تمثيلهم للشارع السوري فعلاً. ,انا لا أقول هذا للتشكيك بأي طاقة في العمل الوطني. بل يمكن القول, بأنه لطالما أن المعارضة ليست في الواجهة لكونها قادمة عبر صناديق الإقتراع, فلتدع الأمور المتعلقة بالسياسات القادمة كالتحالفات الإقليمية والدولية للمستقبل لأنها من شأن حكومات منتخبة وليست من حق (نخب) أياً كان موقعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى